العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#51
|
|||
|
|||
الوجه الخامس والثلاثون من البقرة من آية 225 الى آية 230
الفوائد : * ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ )أي: لا يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من الأيمان اللاغية, التي يتكلم بها العبد, من غير قصد منه ولا كسب قلب, ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه: " لا والله "و " بلى والله "وكحلفه على أمر ماض, يظن صدق نفسه، وإنما المؤاخذة على ما قصده القلب. وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال, كما هي معتبرة في الأفعال. *{لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ } قال ابن المسيب: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية ، كان الرجل لايترك المرأة ، ولا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها، فيتركها لا أيماً، ولا ذات زوج، فأنزل الله هذه الآية . وقال ابن عباس: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر، فوقت الله ذلك. ومناسبة هذه الآية لماقبلها ظاهرة ، لأنه تقدّم شيء من أحكام النساء ، وشيء من أحكام الإيمان، وهذه الآية جمعت بين الشيئين. * الفيئة والرجوع إلى زوجته, أحب إلى الله تعالى, ولهذا قال: ( فَإِنْ فَاءُوا ) أي: رجعوا إلى ما حلفوا على تركه, وهو الوطء. ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) يغفر لهم ما حصل منهم من الحلف, بسبب رجوعهم. ( رَحِيمٌ ) حيث جعل لأيمانهم كفارة وتحلة, ولم يجعلها لازمة لهم غير قابلة للانفكاك, ورحيم بهم أيضا, حيث فاءوا إلى زوجاتهم, وحنوا عليهن ورحموهن. * ( فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) فيه وعيد وتهديد, لمن يحلف هذا الحلف, ويقصد بذلك المضارة والمشاقة. * يستدل بهذه الآية على أن الإيلاء, خاص بالزوجة, لقوله: ( من نسائهم ) وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة, لأنه بعد الأربعة, يجبر إما على الوطء, أو على الطلاق, ولا يكون ذلك إلا لتركه واجبا. * قد انتهى السياق إلى الطلاق , فإنه يأخذ في تفصيل أحكام الطلاق ; وما يتبعه من العدة والفدية والنفقة والمتعة . . إلى آخر الآثار المترتبة على الطلاق . . ويبدأ بحكم العدة والرجعة: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ,). . يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - أي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات على خلاف . يتربصن بأنفسهن . . لقد وقفت أمام هذا التعبير اللطيف التصوير لحالة نفسية دقيقة . . إن المعنى الذهني المقصود هو أن ينتظرن دون زواج جديد حتى تنقضي ثلاث حيضات , أو حتى يطهرن منها . . ولكن التعبير القرآني يلقي ظلالا أخرى بجانب ذلك المعنى الذهني . . إنه يلقي ظلال الرغبة الدافعة إلى استئناف حياة زوجية جديدة . رغبة الأنفس التي يدعوهن إلى التربص بها , والإمساك بزمامها , مع التحفز , والتوفز . الذي يصاحب صورة التربص . وهي حالة طبيعية , تدفع إليها رغبة المرأة في أن تثبت لنفسها ولغيرها أن إخفاقها في حياة الزوجية لم يكن لعجز فيها أو نقص , وأنها قادرة على أن تجتذب رجلا آخر , وأن تنشىء حياة جديدة . . هذا الدافع لا يوجد بطبيعته في نفس الرجل , لأنه هو الذي طلق ; بينما يوجد بعنف في نفس المرأة لأنها هي التي وقع عليها الطلاق . . وهكذا يصور القرآن الحالة النفسية من خلال التعبير ; كما يلحظ هذه الحالة ويحسب لها حسابا . . يتربصن بأنفسهن هذه الفترة كي يتبين براءة أرحامهن من آثار الزوجية السابقة ; قبل أن يصرن إلى زيجات جديدة وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة, عما تخبر به عن نفسها, من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها, كالحيض والحمل ونحوه * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن , إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر). . لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من حمل أو من حيض . . ويلمس قلوبهن بذكر الله الذي يخلق ما في أرحامهن , ويستجيش كذلك شعور الإيمان بالله واليوم الآخر . فشرط هذا الإيمان ألا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن . . وذكر اليوم الآخر بصفة خاصة له وزنه هنا . فهناك الجزاء . . هناك العوض عما قد يفوت بالتربص , وهناك العقاب لو كتمن ما خلق الله في أرحامهن , وهو يعلمه لأنه هو الذي خلقه , فلا يخفى عليه شيء منه . . فلا يجوز كتمانه عليه - سبحانه - تحت تأثير أي رغبة أو هوى أو غرض من شتى الأغراض التي تعرض لنفوسهن . هذا من جهة . ومن الجهة الأخرى , فإنه لا بد من فترة معقولة يختبر فيها الزوجان عواطفهما بعد الفرقة . فقد يكون في قلوبهما رمق من ود يستعاد , وعواطف تستجاش , ومعان غلبت عليها نزوة أو غلطة أو كبرياء ! فإذا سكن الغضب , وهدأت الشرة , واطمأنت النفس , استصغرت تلك الأسباب التي دفعت إلى الفراق , وبرزت معان أخرى واعتبارات جديدة , وعاودها الحنين إلى استئناف الحياة , أو عاودها التجمل رعاية لواجب من الواجبات . والطلاق أبغض الحلال إلى الله , وهو عملية بتر لا يلجأ إليها إلا حين يخيب كل علاج . . [ وفي مواضع أخرى من القرآن تذكر المحاولات التي ينبغي أن تسبق إيقاع الطلاق . كما أن إيقاع الطلاق ينبغي أن يكون في فترة طهر لم يقع فيها وطء . وهذا من شأنه أن يوجد مهلة بين اعتزام الطلاق وإيقاعه في أغلب الحالات . إذ ينتظر الزوج حتى تجيء فترة الطهر ثم يوقع الطلاق . . إلى آخر تلك المحاولات ] . . والطلقة الأولى تجربة يعلم منها الزوجان حقيقة مشاعرهما . فإذا اتضح لهما في أثناء العدة أن استئناف الحياة مستطاع , فالطريق مفتوح * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا). . في ذلك . . أي في فترة الانتظار والتربص وهي فترة العدة . . إن أرادوا إصلاحا بهذا الرد ; ولم يكن القصد هو اعنات الزوجة , وإعادة تقييدها في حياة محفوفة بالأشواك , انتقاما منها , أو استكبارا واستنكافا أن تنكح زوجا آخر . * مفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح, فليسوا بأحق بردهن, فلا يحل لهم أن يراجعوهن, لقصد المضارة لها, وتطويل العدة عليها، وهل يملك ذلك, مع هذا القصد؟ فيه قولان. الجمهور على أنه يملك ذلك, مع التحريم, والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح, لا يملك ذلك, كما هو ظاهر الآية الكريمة, وهذه حكمة أخرى في هذا التربص، وهي: أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها, فجعلت له هذه المدة, ليتروى بها ويقطع نظره. وهذا يدل على محبته تعالى, للألفة بين الزوجين, وكراهته للفراق, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق "وهذا خاص في الطلاق الرجعي، وأما الطلاق البائن, فليس البعل بأحق برجعتها، بل إن تراضيا على التراجع, فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط. * ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف . . وللمطلقات من الحقوق في هذه الحالة مثل الذي عليهن من الواجبات , فهن مكلفات أن يتربصن وألا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن , وأزواجهن مكلفون بأن تكون نيتهم في الرجعة طيبة لا ضرر فيها عليهن ولا ضرار . وذلك إلى ما سيأتي من أمر النفقة في مقابل الاحتباس للعدة . * مرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف, وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة, والأحوال, والأشخاص والعوائد. وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة, والمعاشرة, والمسكن, وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق. وأما مع الشرط, فعلى شرطهما, إلا شرطا أحل حراما, أو حرم حلالا. * (وللرجال عليهن درجة). . أحسب أنها مقيدة في هذا السياق بحق الرجال في ردهن إلى عصمتهم في فترة العدة . وقد جعل هذا الحق في يد الرجل لأنه هو الذي طلق ; وليس من المعقول أن يطلق هو فيعطي حق المراجعة لها هي ! فتذهب إليه .وترده إلى عصمتها ! فهو حق تفرضه طبيعة الموقف . وهي درجة مقيدة في هذا الموضع , وليست مطلقة الدلالة كما يفهمها الكثيرون , ويستشهدون بها في غير موضعها . -سيد قطب - * ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) أي: رفعة ورياسة, وزيادة حق عليها, ومنصب النبوة والقضاء, والإمامة الصغرى والكبرى, وسائر الولايات مختص بالرجال، وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور, كالميراث ونحوه. -السعدي - *( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) أي في الفضيلة في الخلق والخلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض بما أنفقوا من أموالهم". -ابن كثير - * ثم يجيء التعقيب: (والله عزيز حكيم). . مشعرا بقوة الله الذي يفرض هذه الأحكام وحكمته في فرضها على الناس . وفيه ما يرد القلوب عن الزيغ والانحراف تحت شتى المؤثرات والملابسات . * أمر تعالى الزوج, أن يمسك زوجته ( بِمَعْرُوفٍ ) أي: عشرة حسنة, ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم, وهذا هو الأرجح, وإلا يسرحها ويفارقها ( بِإِحْسَانٍ ) ومن الإحسان, أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها, لأنه ظلم, وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء, فلهذا قال: ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) وهي المخالعة بالمعروف, بأن كرهت الزوجة زوجها, لخلقه أو خلقه أو نقص دينه, وخافت أن لا تطيع الله فيه، ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة، وفي هذا مشروعية الخلع, إذا وجدت هذه الحكمة. * ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال, وتعدى منه إلى الحرام, فلم يسعه ما أحل الله؟ والظلم ثلاثة أقسام: 1- ظلم العبد فيما بينه وبين الله, 2- ظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك, 3- ظلم العبد فيما بينه وبين الخلق، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة, وحقوق العباد, لا يترك الله منها شيئا، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك, تحت المشيئة والحكمة. * ( فَإِنْ طَلَّقَهَا ) أي: الطلقة الثالثة ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) أي: نكاحا صحيحا ويطؤها, لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحا, ويدخل فيه العقد والوطء, وهذا بالاتفاق. ويشترط أن يكون نكاح الثاني, نكاح رغبة، فإن قصد به تحليلها للأول, فليس بنكاح, ولا يفيد التحليل، ولا يفيد وطء السيد, لأنه ليس بزوج، فإذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها, ثم فارقها وانقضت عدتها ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) أي: على الزوج الأول والزوجة ( أَنْ يَتَرَاجَعَا ) أي: يجددا عقدا جديدا بينهما, لإضافته التراجع إليهما, فدل على اعتبار التراضي. ولكن يشترط في التراجع أن يظنا ( أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) بأن يقوم كل منهما, بحق صاحبه، وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق, وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة, فهنا لا جناح عليهما في التراجع. *مفهوم الآية الكريمة, أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله, بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية, والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا, لأن جميع الأمور, إن لم يقم فيها أمر الله, ويسلك بها طاعته, لم يحل الإقدام عليها. وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان, إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور, خصوصا الولايات, الصغار, والكبار, نظر في نفسه ، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك, ووثق بها, أقدم, وإلا أحجم. * لما بين تعالى هذه الأحكام العظيمة قال: ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) أي: شرائعه التي حددها وبينها ووضحها. ( يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) لأنهم هم المنتفعون بها, النافعون لغيرهم. وفي هذا من فضيلة أهل العلم, ما لا يخفى, لأن الله تعالى جعل تبيينه لحدوده, خاصا بهم, وأنهم المقصودون بذلك، وفيه أن الله تعالى يحب من عباده, معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها. * بعض النقاط نقلتها من " في ظلال القرآن"
|
#52
|
|||
|
|||
جزاااااك الله خير
|
#53
|
|||
|
|||
نتريون ..جزا الله الجميع كل خير
الوجه السادس والثلاثون من البقرة من آية 231 الى آية 233 الفوائد : * حسن معاملة الزوجات بعد الطلاق ... يجيء التوجيه الإلهي للأزواج المطلقين . توجيههم إلى المعروف واليسر والحسنى بعد الطلاق في جميع الأحوال: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف , ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ; ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه . ولا تتخذوا آيات الله هزوا ; واذكروا نعمة الله عليكم , وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ; واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم). (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف , ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر . ذلكم أزكى لكم وأطهر . والله يعلم وأنتم لا تعلمون). . إن المعروف والجميل والحسنى يجب أن تسود جو هذه الحياة . سواء اتصلت حبالها أو انفصمت عراها . ولا يجوز أن تكون نية الإيذاء والإعنات عنصرا من عناصرها . ولا يحقق هذا المستوى الرفيع من السماحة في حالة الانفصال والطلاق التي تتأزم فيها النفوس , إلا عنصر أعلى من ملابسات الحياة الأرضية . عنصر يرفع النفوس عن الإحن والضغن , ويوسع من آفاق الحياة ويمدها وراء الحاضر الواقع الصغير . . هو عنصر الإيمان بالله . والإيمان باليوم الآخر . وتذكر نعمة الله في شتى صورها ابتداء من نعمة الإيمان - أرفع النعم - إلى نعمة الصحة والرزق . واستحضار تقوى الله والرجاء في العوض منه عن الزوجية الفاشلة والنفقة الضائعة * لقد كانت المرأة في الجاهلية تلاقي من العنت ما يتفق وغلظ الجاهلية وانحرافها . كانت تلقى هذا العنت طفلة توأد في بعض الأحيان , أو تعيش في هون ومشقة وإذلال ! وكانت تلقاه زوجة هي قطعة من المتاع للرجل , أغلى منها الناقة والفرس وأعز ! وكانت تلقاه مطلقة . تعضل فتمنع من الزواج حتى يسمح مطلقها ويأذن ! أو يعضلها أهلها دون العودة إلى مطلقها , إن أرادا أن يتراجعا . . وكانت النظرة إليها بصفة عامة نظرة هابطة زرية , شأنها في هذا شأن سائر الجاهليات السائدة في الأرض في ذلك الأوان . ثم جاء الإسلام . . - جاء ينسم على حياة المرأة هذه النسمات الرخية التي نرى هنا نماذج منها . - وجاء يرفع النظرة إليها فيقرر أنها والرجل نفس واحدة من خلقة بارئها . . - وجاء يرتفع بالعلاقات الزوجية إلى مرتبة العبادة عند الإحسان فيها . . هذا ولم تطلب المرأة شيئا من هذا ولا كانت تعرفه . ولم يطلب الرجل شيئا من هذا ولا كان يتصوره . إنما هي الكرامة التي أفاضها الله من رحمته للجنسين جميعا , على الحياة الإنسانية جميعا . . * من " تفسير القرطبي " (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ). مَعْنَى " بَلَغْنَ " قَارَبْنَ , بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْعُلَمَاء , وَلِأَنَّ الْمَعْنَى يُضْطَرّ إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ بَعْد بُلُوغ الْأَجَل لَا خِيَار لَهُ فِي الْإِمْسَاك , وَهُوَ فِي الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا بِمَعْنَى التَّنَاهِي ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ , فَهُوَ حَقِيقَة فِي الثَّانِيَة مَجَاز فِي الْأُولَى . * (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) وذلك كالذي روي عن الأنصاري الذي قال لامرأته:والله لا آويك ولا أفارقك ! فهذا هو الإمساك بغير إحسان . إمساك الضرار الذي لا ترضاه سماحة الإسلام . وهو الإمساك الذي تكرر النهي عنه في هذا السياق ; لأنه فيما يبدو كان شائعا في البيئة العربية:ويمكن أن يشيع في أية بيئة لم تعرف الإسلام , ولم يرفعها الإيمان . . * هنا يستجيش القرآن أنبل المشاعر ; كما يستجيش عاطفة الحياء من الله , وشعور الخوف منه في آن . ويحشد هذه المؤثرات كلها ليخلص النفوس من أوضاع الجاهلية وآثارها ; ويرتفع بها إلى المستوى الكريم الذي يأخذ بيدها إليه: (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) إن الذي يمسك المطلقة ضرارا واعتداء يظلم نفسه . فهي أخته . من نفسه . فإذا ظلمها فقد ظلم نفسه . وهو يظلم نفسه بإيرادها مورد المعصية , والجموح بها عن طريق الطاعة . . وهذه هي اللمسة الأولى . - قَالَ الزَّجَّاج : " فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسه " يَعْنِي عَرَّضَ نَفْسه لِلْعَذَابِ ; لِأَنَّ إِتْيَان مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ تَعَرُّض لِعَذَابِ اللَّه * ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) آيات الله التي بينها في العشرة والطلاق واضحة مستقيمة جادة , تقصد إلى تنظيم هذه الحياة وإقامتها على الجد والصدق ; فإذا هو استغلها في الحاق الإضرار والأذى بالمرأة , متلاعبا بالرخص التي جعلها الله متنفسا وصمام آمن , واستخدم حق الرجعة الذي جعله الله فرصة لاستعادة الحياة الزوجية وإصلاحها , في إمساك المراة لإيذائها وإشقائها . . إذا فعل شيئا من هذا فقد اتخذ آيات الله هزوا وذلك كالذي نراه في مجتمعنا الجاهلي الذي يدعى الإسلام في هذه الأيام , من استخدام الرخص الفقهية وسيلة للتحايل والإيذاء والفساد . ومن استخدام حق الطلاق ذاته أسوأ استخدام - وويل لمن يستهزيء بآيات الله دون حياء من الله . - من " تفسير القرطبي " ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) قِيلَ : الْمَعْنَى لَا تَتْرُكُوا أَوَامِر اللَّه فَتَكُونُوا مُقَصِّرِينَ لَاعِبِينَ . وَيَدْخُل فِي هَذِهِ الْآيَة الِاسْتِغْفَار مِنْ الذَّنْب قَوْلًا مَعَ الْإِصْرَار فِعْلًا , وَكَذَا كُلّ مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَاعْلَمْهُ * ( واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ) يستجيش وجدان الحياء والاعتراف بالنعمة . وهو يذكرهم بنعمة الله عليهم وما أنزل عليهم من الكتاب والحكمة يعظهم به . . وتذكير المسلمين يومذاك بنعمة الله عليهم كان يستجيش معاني ضخمة واقعة في حياتهم , شاملة لهذه الحياة . . وأول ما كان يخطر على بالهم من نعمة الله عليهم , هو وجودهم ذاته كأمة . . فماذا كان أولئك العرب والأعراب قبل أن يأتيهم الإسلام ؟ أنهم لم يكونوا شيئا مذكورا . لم تكن الدنيا تعرفهم ولا تحس بهم . كانوا فرقا ومزقا لا وزن لها ولا قيمة . لم يكن لديهم شيء يعطونه للبشرية فتعرفهم به . بل لم يكن لديهم شيء يعطونه لأنفسهم فيغنيهم . لم يكن لديهم شيء على الإطلاق . لا مادي ولا معنوي . . كانوا فقراء يعيشون في شظف . إلا قلة منهم تعيش في ترف , ولكنه ترف غليظ ساذج هابط أشبه شيء بترف الأوابد التي تكثر في أوكارها الفرائس ! وكانوا كذلك فقراء العقل والروح والضمير . عقيدتهم مهلهلة ساذجة سخيفة . وتصورهم للحياة بدائي قبلي محدود . واهتماماتهم في الحياة لا تتعدى الغارات الخاطفة , والثارات الحادة , واللهو والشراب والقمار , والمتاع الساذج الصغير على كل حال ! ومن هذه الوهدة المغلقة أطلقهم الإسلام . بل أنشأهم إنشاء . أنشأهم ومنحهم الوجود الكبير , الذي تعرفهم به الإنسانية كلها . أعطاهم ما يعطونه لهذه الإنسانية .. -أعطاهم العقيدة الضخمة الشاملة التي تفسر الوجود كما لم تفسره عقيدة قط ; والتي تمكنهم من قيادة البشرية قيادة راشدة رفيعة . - أعطاهم الشخصية المميزة بهذه العقيدة التي تجعل لهم وجودا بين الأمم والدول , ولم يكن لهم قبلها أدنى وجود . - أعطاهم القوة التي تعرفهم بها الدنيا وتحسب لهم معها حسابا , وكانوا قبلها خدما للإمبراطوريات من حولهم , أو مهملين لا يحس بهم أحد . - أعطاهم الثروة كذلك بما فتح عليهم في كل وجهة . . وأكثر من هذا : - أعطاهم السلام , سلام النفس . وسلام البيت وسلام المجتمع الذي يعيشون فيه . - أعطاهم طمأنينة القلب وراحة الضمير والاستقرار على المنهج والطريق . . - أعطاهم الاستعلاء الذي ينظرون به إلى قطعان البشرية الضالة في أرجاء الجاهلية المترامية الأطراف في الأرض ; فيحسون أن الله آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين . . فإذا ذكرهم الله بالنعمة هنا , فهم يذكرون شيئا حاضرا في حياتهم لا يحتاج إلى طول تذكر . وهم هم أنفسهم الذين عاشوا في الجاهلية ثم عاشوا في الإسلام في جيل واحد . وشهدوا هذه النقلة البعيدة التي لا تحققها إلا خارقة فوق تصور البشر . . وهم يذكرون هذه النعمة ممثلة فيما أنزل الله عليهم من الكتاب والحكمة يعظهم به . *( وَمَا أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ) الحكمة أي: السنة وقيل: المراد بالحكمة أسرار الشريعة, فالكتاب فيه, الحكم، والحكمة فيها, بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه، وكلا المعنيين صحيح، ولهذا قال ( يَعِظُكُمْ بِهِ ) أي: بما أنزل عليكم, وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة, أسرار الشريعة, لأن الموعظة ببيان الحكم والحكمة, والترغيب, أو الترهيب, فالحكم به يزول الجهل، والحكمة مع الترغيب يوجب الرغبة، والحكمة مع الترهيب يوجب الرهبة. * القرآن يقول لهم: (وما أنزل عليكم). . بضمير المخاطب ; ليشعروا بضخامة الإنعام وغزارة الفيض ولصوق النعمة بأشخاصهم , والله ينزل عليهم هذه الآيات , التي يتألف منها المنهج الرباني , ومنه دستور الأسرة قاعدة الحياة . * يلمس قلوبهم اللمسة الأخيرة في هذه الآية , وهو يخوفهم الله ويذكرهم أنه بكل شيء عليم: (واتقوا الله , واعلموا أن الله بكل شيء عليم). . فيستجيش شعور الخوف والحذر , بعد شعور الحياء والشكر . . ويأخذ النفس من أقطارها , ليقودها في طريق السماحة والرفق والتجمل * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) في هذه الآية, دليل على أنه لا بد من الولي في النكاح, لأنه نهى الأولياء عن العضل, ولا ينهاهم إلا عن أمر, هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق. * من تفسير القرطبي .. لَمَّا ذَكَرَ اللَّه سُبْحَانه النِّكَاح وَالطَّلَاق ذَكَرَ الْوَلَد ; لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَفْتَرِقَانِ وَثَمَّ وَلَد , فَالْآيَة إِذًا فِي الْمُطَلَّقَات اللَّاتِي لَهُنَّ أَوْلَاد مِنْ أَزْوَاجهنَّ , قَالَهُ السُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا , أَيْ هُنَّ أَحَقّ بِرَضَاعِ أَوْلَادهنَّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّات لِأَنَّهُنَّ أَحْنَى وَأَرَقّ , وَانْتِزَاع الْوَلَد الصَّغِير إِضْرَار بِهِ وَبِهَا , وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْوَلَد وَإِنْ فُطِمَ فَالْأُمّ أَحَقّ بِحَضَانَتِهِ لِفَضْلِ حُنُوّهَا وَشَفَقَتهَا , وَإِنَّمَا تَكُون أَحَقّ بِالْحَضَانَةِ إِذَا لَمْ تَتَزَوَّج عَلَى مَا يَأْتِي . وَعَلَى هَذَا يُشْكِل قَوْله : " وَعَلَى الْمَوْلُود لَهُ رِزْقهنَّ وَكِسْوَتهنَّ بِالْمَعْرُوفِ " لِأَنَّ الْمُطَلَّقَة لَا تَسْتَحِقّ الْكِسْوَة إِذَا لَمْ تَكُنْ رَجْعِيَّة بَلْ تَسْتَحِقّ الْأُجْرَة إِلَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق فَيُقَال : الْأَوْلَى أَلَّا تَنْقُص الْأُجْرَة عَمَّا يَكْفِيهَا لِقُوتِهَا وَكِسْوَتهَا . وَقِيلَ : الْآيَة عَامَّة فِي الْمُطَلَّقَات اللَّوَاتِي لَهُنَّ أَوْلَاد وَفِي الزَّوْجَات . وَالْأَظْهَر أَنَّهَا فِي الزَّوْجَات فِي حَال بَقَاء النِّكَاح , لِأَنَّهُنَّ الْمُسْتَحِقَّات لِلنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة , وَالزَّوْجَة تَسْتَحِقّ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة أَرْضَعَتْ أَوْ لَمْ تُرْضِع , وَالنَّفَقَة وَالْكِسْوَة مُقَابِلَة التَّمْكِين , فَإِذَا اِشْتَغَلَتْ بِالْإِرْضَاعِ لَمْ يَكْمُل التَّمْكِين , فَقَدْ يُتَوَهَّم أَنَّ النَّفَقَة تَسْقُط فَأَزَالَ ذَلِكَ الْوَهْم بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَعَلَى الْمَوْلُود لَهُ " أَيْ الزَّوْج " رِزْقهنَّ وَكِسْوَتهنَّ " فِي حَال الرَّضَاع لِأَنَّهُ اِشْتِغَال فِي مَصَالِح الزَّوْج , فَصَارَتْ كَمَا لَوْ سَافَرَتْ لِحَاجَةِ الزَّوْج بِإِذْنِهِ فَإِنَّ النَّفَقَة لَا تَسْقُط . * إن دستور الأسرة لا بد أن يتضمن بيانا عن تلك العلاقة التي لا تنفصم بين الزوجين بعد الطلاق . علاقة النسل الذي ساهم كلاهما فيه , وارتبط كلاهما به ; فإذا تعذرت الحياة بين الوالدين فإن الفراخ الزغب لا بد لها من ضمانات دقيقة مفصلة , تستوفي كل حالة من الحالات (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) إن على الوالدة المطلقة واجبا تجاه طفلها الرضيع . واجبا يفرضه الله عليها ولا يتركها فيه لفطرتها وعاطفتها التي قد تفسدها الخلافات الزوجية , فيقع الغرم على هذا الصغير إذن يكفله الله ويفرض له في عنق أمه . فالله أولى بالناس من أنفسهم , وأبر منهم وأرحم من والديهم . - من " تفسير القرطبي " رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : هِيَ فِي الْوَلَد يَمْكُث فِي الْبَطْن سِتَّة أَشْهُر , فَإِنْ مَكَثَ سَبْعَة أَشْهُر فَرَضَاعه ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ شَهْرًا فَإِنْ مَكَثَ ثَمَانِيَة أَشْهُر فَرَضَاعه اِثْنَانِ وَعِشْرُونَ شَهْرًا , فَإِنْ مَكَثَ تِسْعَة أَشْهُر فَرَضَاعه أَحَد وَعِشْرُونَ شَهْرًا , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَحَمْله وَفِصَاله ثَلَاثُونَ شَهْرًا " [ الْأَحْقَاف : 15 ] . وَعَلَى هَذَا تَتَدَاخَل مُدَّة الْحَمْل وَمُدَّة الرَّضَاع وَيَأْخُذ الْوَاحِد مِنْ الْآخَر . - من " تفسير السعدي " .. يؤخذ من هذا النص, ومن قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر, وأنه يمكن وجود الولد بها. * يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين ; لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية للطفل . . (لمن أراد أن يتم الرضاعة) وتثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية . ولكن نعمة الله على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم . فالرصيد الإنساني من ذخيرة الطفولة لم يكن ليترك يأكله الجهل كل هذا الأمد الطويل , والله رحيم بعباده . وبخاصة بهؤلاء الصغار الضعاف المحتاجين للعطف والرعاية . * للوالدة في مقابل ما فرضه الله عليها حق على والد الطفل:أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة ; فكلاهما شريك في التبعة ; وكلاهما مسؤول تجاه هذا الصغير الرضيع , هي تمده باللبن والحضانة وأبوه يمدها بالغذاء والكساء لترعاه ; وكل منهما يؤدي واجبه في حدود طاقته.. (لا تكلف نفس إلا وسعها) * لا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سببا لمضارة الآخرة (لا تضار والدة بولدها , ولا مولود له بولده) فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها , ليهددها فيه أو تقبل رضاعة بلا مقابل . ولا تستغل هي عطف الأب على إبنه وحبه له لتثقل كاهله بمطالبها * الواجبات الملقاة على الوالد تنتقل في حالة وفاته إلى وارثه الراشد(وعلى الوارث مثل ذلك) فهو المكلف أن يرزق الأم المرضع ويكسوها بالمعروف والحسنى . تحقيقا للتكافل العائلي الذي يتحقق طرفه بالإرث , ويتحقق طرفه الآخر باحتمال تبعات المورث . وهكذا لا يضيع الطفل إن مات والده . فحقه مكفول وحق أمه في جميع الحالات . *عندما يستوفى هذا الاحتياط . . يعود إلى استكمال حالات الرضاعة (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) فإذا شاء الوالد والوالدة , أو الوالدة والوارث , أن يفطما الطفل قبل استيفاء العامين ; لأنهما يريان مصلحة للطفل في ذلك الفطام , لسبب صحي أو سواه , فلا جناح عليهما , إذا تم هذا بالرضى بينهما , وبالتشاور في مصلحة الرضيع الموكول اليهما رعايته , المفروض عليهما حمايته . * إذا رغب الوالد في أن يحضر لطفله مرضعا مأجورة , حين تتحقق مصلحة الطفل في هذه الرضاعة , فله ذلك على شرط أن يوفي المرضع أجرها , وأن يحسن معاملتها (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) فذلك ضمان لأن تكون للطفل ناصحة , وله راعية وواعية . * في النهاية يربط الأمر كله بذلك الرباط الإلهي . . بالتقوى . . بذلك الشعور العميق اللطيف الذي يكل إليه ما لا سبيل لتحقيقه إلا به (واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) فهذا هو الضمان الأكيد في النهاية . وهذا هو الضمان الوحيد . * كل النقاط من ظلال القرآن مع بعض الاقتباسات من تفسير السعدي وتفسير القرطبي
|
#54
|
|||
|
|||
الوجه السابع والثلاثون من البقرة من آية 234 الى آية 237 الفوائد : * {وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوٰجًا يَتَرَبَّصْن َبِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدّم ذكر عدة طلاق الحيض، واتصلت الأحكام إلى ذكر الرضاع، وكان في ضمنها قوله { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } أي: وارث المولود له، ذكر عدة الوفاة إذ كانت مخالفة لعدة طلاق الحيض. * المتوفى عنها زوجها كانت تلقى الكثير من العنت من الأهل وقرابة الزوج والمجتمع كله . . وعند العرب كانت إذا مات زوجها دخلت مكانا رديئا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا مدة سنة , ثم تخرج فتقوم بعدة شعائر جاهلية سخيفة تتفق مع سخف الجاهلية , من أخذ بعرة وقذفها ومن ركوب دابة:حمار أو شاة . . . إلخ . . فلما جاء الإسلام خفف عنها هذا العنت , بل رفعه كله عن كاهلها ; ولم يجمع عليها بين فقدان الزوج واضطهاد الأهل بعده . . وإغلاق السبيل في وجهها دون حياة شريفة , وحياة عائلية مطمئنة . جعل عدتها أربعة أشهر وعشر ليال - ما لم تكن حاملا فعدتها عدة الحامل - وهي أطول قليلا من عدة المطلقة . تستبريء فيها رحمها , ولا تجرح أهل الزوج في عواطفهم بخروجها لتوها . وفي أثناء هذه العدة تلبس ثيابا محتشمة ولا تتزين للخطاب . فأما بعد هذه العدة فلا سبيل لأحد عليها . سواء من أهلها أو من أهل الزوج . ولها مطلق حريتها فيما تتخذه لنفسها من سلوك شريف في حدود المعروف من سنة الله وشريعته , فلها أن تأخذ زينتها المباحة للمسلمات , ولها أن تتلقى خطبة الخطاب , ولها أن تزوج نفسها ممن ترتضي . لا تقف في سبيلها عادة بالية , ولا كبرياء زائفة . وليس عليها من رقيب إلا الله: (والله بما تعملون خبير) * في خطابه للأولياء بقوله: ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ) دليل على أن الولي ينظر على المرأة, ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب, وأنه مخاطب بذلك, واجب عليه. * فيما سبق تكلم عن شأن المرأة . . ثم يلتفت السياق إلى الرجال الراغبين فيها في فترة العدة ; فيوجههم توجيها قائما على أدب النفس , وأدب الاجتماع , ورعاية المشاعر والعواطف , مع رعاية الحاجات والمصالح: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) إن المرأة في عدتها ما تزال معلقة بذكرى لم تمت , وبمشاعر أسرة الميت , ومرتبطة كذلك بما قد يكون في رحمها من حمل لم يتبين , أو حمل تبين والعدة معلقة بوضعه . . وكل هذه الاعتبارات تمنع الحديث عن حياة زوجية جديدة . لأن هذا الحديث لم يحن موعده , ولأنه يجرح مشاعر , ويخدش ذكريات . ومع رعاية هذه الاعتبارات فقد أبيح التعريض - لا التصريح - بخطبة النساء . أبيحت الإشارة البعيدة التي تلمح منها المرأة أن هذا الرجل يريدها زوجة بعد انقضاء عدتها . وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن التعريض مثل أن يقول:إني أريد التزويج . وإن النساء لمن حاجتي . ولوددت أنه تيسر لي امرأة صالحة " . . * أبيحت الرغبة المكنونة التي لا يصرح بها لا تصريحا ولا تلميحا . لأن الله يعلم أن هذه الرغبة لا سلطان لإرادة البشر عليها: (علم الله أنكم ستذكرونهن) وقد أباحها الله لأنها تتعلق بميل فطري , حلال في أصله , مباح في ذاته , والملابسات وحدها هي التي تدعو إلى تأجيل اتخاذ الخطوة العملية فيه . والإسلام يلحظ ألا يحطم الميول الفطرية إنما يهذبها , ولا يكبت النوازع البشرية إنما يضبطها . ومن ثم ينهى فقط عما يخالف نظافة الشعور , وطهارة الضمير * (ولكن لا تواعدوهن سرا) لا جناح في أن تعرضوا بالخطبة , أو أن تكنوا في أنفسكم الرغبة , ولكن المحظور هو المواعدة سرا على الزواج قبل انقضاء العدة . ففي هذا مجانبة لأدب النفس , ومخالسة لذكرى الزوج , وقلة استحياء من الله الذي جعل العدة فاصلا بين عهدين من الحياة . * (إلا أن تقولوا قولا معروفا) لا نكر فيه ولا فحش , ولا مخالفة لحدود الله التي بينها في هذا الموقف الدقيق (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ولم يقل:ولا تعقدوا النكاح . . إنما قال: (ولا تعزموا عقدة النكاح). . زيادة في التحرج . . فالعزيمة التي تنشىء العقدة هي المنهي عنها . . وذلك من نحو قوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها). . توحي بمعنى في غاية اللطف والدقة . * (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) وهنا يربط بين التشريع وخشية الله المطلع على السرائر . فللهواجس المستكنة وللمشاعر المكنونة هنا قيمتها في العلاقات بين رجل وامرأة . تلك العلاقات الشديدة الحساسية , العالقة بالقلوب , الغائرة في الضمائر . وخشية الله , والحذر مما يحيك في الصدور أن يطلع عليه الله هي الضمانة الأخيرة , مع التشريع , لتنفيذ التشريع . فإذا هز الضمير البشري هزة الخوف والحذر , فصحا وارتعش رعشة التقوى والتحرج , عاد فسكب فيه الطمأنينة لله , والثقة بعفو الله , وحلمه وغفرانه: (واعلموا أن الله غفور حليم) غفور يغفر خطيئة القلب الشاعر بالله , الحذر من مكنونات القلوب . حليم لا يعجل بالعقوبة فلعل عبده الخاطىء أن يتوب . *( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) أي: ليس عليكم يا معشر الأزواج جناح وإثم, بتطليق النساء قبل المسيس, وفرض المهر, وإن كان في ذلك كسر لها, فإنه ينجبر بالمتعة، فعليكم أن تمتعوهن بأن تعطوهن شيئا من المال, جبرا لخواطرهن. ( الْمُقْتِرِ ) أي: المعسر وهذا يرجع إلى العرف, وأنه يختلف باختلاف الأحوال ولهذا قال: ( مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ) فهذا حق واجب ( عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) ليس لهم أن يبخسوهن. فكما تسببوا لتشوفهن واشتياقهن, وتعلق قلوبهن, ثم لم يعطوهن ما رغبن فيه, فعليهم في مقابلة ذلك المتعة. فلله ما أحسن هذا الحكم الإلهي, وأدله على حكمة شارعه ورحمته ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ *( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ ) أي: إذا طلقتم النساء قبل المسيس, وبعد فرض المهر, فللمطلقات من المهر المفروض نصفه, ولكم نصفه. هذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة, بأن تعفو عن نصفها لزوجها, إذا كان يصح عفوها * ( أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) وهو الزوج على الصحيح لأنه الذي بيده حل عقدته؛ ولأن الولي لا يصح أن يعفو عن ما وجب للمرأة, لكونه غير مالك ولا وكيل. * (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) رغب في العفو, وأن من عفا, كان أقرب لتقواه, لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر, ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف, وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة, لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: -إما عدل وإنصاف واجب, وهو: أخذ الواجب, وإعطاء الواجب. -وإما فضل وإحسان, وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق, والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة, ولو في بعض الأوقات, وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة, أو مخالطة, فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم، ولهذا قال: ( إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
|
#55
|
|||
|
|||
الوجه الثامن والثلاثون من البقرة من آية 238 الى آية 245 الفوائد : *( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى )
الذي يظهر في المناسبة أنه تعالى ، لما ذكر جملة كثيرة من أحوال الأزواج والزوجات، وأحكامهم في النكاح وغير ذلك، كانت تكاليف عظيمة تشغل من كلفها أعظم شغل، بحيث لا يكاد يسع معها شيء من الأعمال، وكان كل من الزوجين قد أوجب عليه للآخر مايستفرغ فيه الوقت، ويبلغ منه الجهد، وأمر كلا منهما بالإحسان إلى الآخر حتى في حالة الفراق، وكانت مدعاة إلى التكاسل عن الاشتغال بالعبادة إلاَّ لمن وفقه الله تعالى ، أمر تعالى بالمحافظة على الصلوات التي هي الوسيلة بين الله وبين عبده ،وإذا كان قد أمر بالمحافظة على أداء حقوق الآدميين، فلأن يؤمر بأداء حقوق الله أولى وأحق، ولذلك جاء : «فدين الله أحق أن يقضى » فكأنه قيل: لا يشغلنكم التعلق بالنساء وأحوالهنّ عن أداء ما فرض الله عليكم، فمع تلك الأشغال العظيمة لا بد من المحافظة على الصلاة ، حتى في حالة الخوف، فلا بد من أدائها رجالاً وركباناً، وإن كانت حالة الخوف أشد من حالة الاشتغال بالنساء ، فإذا كانت هذه الحالة الشاقة جداً لا بد معها من الصلاة ، فأحرى ما هو دونها من الأشغال المتعلقة بالنساء . وقيل: مناسبة الأمر بالمحافظة على الصلوات عقيب الأوامر السابقة أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر،فيكون ذلك عوناً لهم على امتثالها، وصوناً لهم عن مخالفتها، وقيل: وجه ارتباطها بما قبلها وبما بعدها، أنه لما أمر تعالى بالمحافظة على حقوق الخلق بقوله: {وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } ناسب يأمر بالمحافظة على حقوق الحق، ثم لماكانت حقوق الآدميين منها ما يتعلق بالحياة ، وقد ذكره، ومنا ما يتعلق بالممات، ذكره بعده، في قوله:{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوٰجًا وَصِيَّة } الآية * الصلاة الوسطى هي العصر ( فَإِنْ خِفْتُمْ ) لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع، وغير ذلك من أنواع المخاوف، أي: إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها ( رِجَالا ) أي: ماشين على أقدامكم، ( أَوْ رُكْبَانًا ) على الخيل والإبل وغيرها، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت * ( وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) أي: يوصون أن يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها ( فإن خرجن ) من أنفسهن ( فلا جناح عليكم ) أيها الأولياء ( في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم ) أي: من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وقيل لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج، ومراعاة للزوجة، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجناح عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول، فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم. * (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم، بأن الذي أخرجهم منها حذر الموت من وباء أو غيره، يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت، ولكن لا يغني حذر عن قدر، ( فقال لهم الله موتوا ) فماتوا ( ثم ) إن الله تعالى ( أحياهم ) إما بدعوة نبي أو بغير ذلك، رحمة بهم ولطفا وحلما، وبيانا لآياته لخلقه بإحياء الموتى، ولهذا قال: ( إن الله لذو فضل ) أي: عظيم ( على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ) فلا تزيدهم النعمة شكرا، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم. * أمر تعالى بالقتال في سبيله، وهو قتال الأعداء الكفار لإعلاء كلمة الله ونصر دينه، فقال: ( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) أي: فأحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله، واعلموا أنه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا، ولو ظننتم أن في القعود حياتكم وبقاءكم، فليس الأمر كذلك، ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الأمر، فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم، بل أتاهم ما حذروا من غير أن يحتسبوا، فاعلموا أنكم كذلك. * لما كان القتال في سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الأموال في ذلك، أمر تعالى بالإنفاق في سبيله ورغب فيه، وسماه قرضا فقال: ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) فينفق ما تيسر من أمواله في طرق الخيرات، خصوصا في الجهاد، والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى، ( فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، بحسب حالة المنفق، ونيته ونفع نفقته والحاجة إليها، *لما كان الإنسان ربما توهم أنه إذا أنفق افتقر دفع تعالى هذا الوهم بقوله: ( والله يقبض ويبسط ) أي: يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء، فالتصرف كله بيديه ومدار الأمور راجع إليه، فالإمساك لا يبسط الرزق، والإنفاق لا يقبضه، ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على أهله، بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا، فلهذا قال: ( وإليه ترجعون ) فيجازيكم بأعمالكم. ففي هذه الآيات دليل على أن الأسباب لا تنفع مع القضاء والقدر، وخصوصا الأسباب التي تترك بها أوامر الله. وفيها: الآية العظيمة بإحياء الموتى أعيانا في هذه الدار. وفيها: الأمر بالقتال والنفقة في سبيل الله، وذكر الأسباب الداعية لذلك الحاثة عليه، من تسميته قرضا، ومضاعفته، وأن الله يقبض ويبسط وإليه ترجعون.
|
#56
|
|||
|
|||
الوجه التاسع والثلاثون من البقرة من آية 246 الى آية 248
الفوائد : * (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ) يقص تعالى على نبيه قصة الملأ من بني إسرائيل وهم الأشراف والرؤساء، وخص الملأ بالذكر، لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه، وذلك أنهم أتوا إلى نبي لهم بعد موسى عليه السلام فقالوا له.. ( ابعث لنا ملكا ) أي: عيِّن لنا ملكا ( نقاتل في سبيل الله ) ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا، ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم، كما جرت عادة القبائل أصحاب البيوت، كل بيت لا يرضى أن يكون من البيت الآخر رئيس، فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم، وكانت أنبياء بني إسرائيل تسوسهم، كلما مات نبي خلفه نبي آخر، فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة .. ( قال ) لهم نبيهم ( هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ) أي: لعلكم تطلبون شيئا وهو إذا كتب عليكم لا تقومون به، فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها، واعتمدوا على عزمهم ونيتهم، فقالوا: ( وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) أي: أي شيء يمنعنا من القتال وقد ألجأنا إليه، بأن أخرجنا من أوطاننا وسبيت ذرارينا، فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا، فكيف مع أنه فرض علينا وقد حصل ما حصل، ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ولم يقوَ توكلهم على ربهم ( فلما كتب عليهم القتال تولوا ) فجبنوا عن قتال الأعداء وضعفوا عن المصادمة، وزال ما كانوا عزموا عليه، واستولى على أكثرهم الخور والجبن ( إلا قليلا منهم ) فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم على مقارعة أعدائه، فحازوا شرف الدنيا والآخرة، وأما أكثرهم فظلموا أنفسهم وتركوا أمر الله، فلهذا قال: ( والله عليم بالظالمين) * (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (وقال لهم نبيهم ) مجيبا لطلبهم ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض، ولكن أبوا إلا أن يعترضوا، فقالوا: ( أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ) أي: كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب ونحن أحق بالملك منه. ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الأموال، وهذا بناء منهم على ظن فاسد، وهو أن الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال، ولم يعلموا أن الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها، فلهذا قال لهم نبيهم: ( إن الله اصطفاه عليكم ) فلزمكم الانقياد لذلك ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) أي: فضله عليكم بالعلم والجسم، أي: بقوة الرأي والجسم اللذين بهما تتم أمور الملك، لأنه إذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب، حصل بذلك الكمال، ومتى فاته واحد من الأمرين اختل عليه الأمر، فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي، حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع، قوة على غير حكمة، ولو كان عالما بالأمور وليس له قوة على تنفيذها لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئا ( والله واسع ) الفضل كثير الكرم، لا يخص برحمته وبره العام أحدا عن أحد، ولا شريفا عن وضيع، ولكنه مع ذلك ( عليم ) بمن يستحق الفضل فيضعه فيه، فأزال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة لتبيينه أن أسباب الملك متوفرة فيه، وأن فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، ليس له راد، ولا لإحسانه صاد. * ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ذكر لهم نبيهم أيضا آية حسية يشاهدونها وهي إتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم، وتطمئن لها خواطرهم، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، فأتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانا. وكاضافة لها علاقة بالنية .. هذا مقطع للشيخ نبيل العوضي عن النية الصادقة http://www.mashahd.net/video/7776592273d5e5287616&s=1
|
#57
|
|||
|
|||
الوجه الاربعون من البقرة من آية 249 الى آية 252 الفوائد : * ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ) أي: لما تملَّك طالوت ببني إسرائيل واستقر له الملك تجهزوا لقتال عدوهم، فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا، امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك فقال: ( إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ) فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته ( ومن لم يطعمه ) أي: لم يشرب منه فإنه مني ( إلا من اغترف غرفة بيده ) فلا جناح عليه في ذلك، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه، ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قتال عدوهم * كان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول وتحصل فيه المشقة الكبيرة * كان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله، وتضرعا واستكانة وتبرؤا من حولهم وقوتهم، وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم، فلهذا قال تعالى: ( فلما جاوزه ) أي: النهر ( هو ) أي: طالوت ( والذين آمنوا معه ) وهم الذين أطاعوا أمر الله ولم يشربوا من النهر الشرب المنهي عنه فرأوا... قلتهم وكثرة أعدائهم، قالوا أي: قال كثير منهم ( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) لكثرتهم وعَددهم وعُددهم * ( قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله ) أي: يستيقنون ذلك، وهم أهل الإيمان الثابت واليقين الراسخ، مثبتين لباقيهم ومطمئنين لخواطرهم، وآمرين لهم بالصبر ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) أي: بإرادته ومشيئته فالأمر لله تعالى، والعزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، فلا تغني الكثرة مع خذلانه، ولا تضر القلة مع نصره * ( والله مع الصابرين ) بالنصر والمعونة والتوفيق، فأعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله، فوقعت موعظته في قلوبهم وأثرت معهم. ولهذا لما برزوا لجالوت وجنوده ( قالوا ) جميعهم ( ربنا أفرغ علينا صبرا ) أي: قو قلوبنا، وأوزعنا الصبر، وثبت أقدامنا عن التزلزل والفرار، وانصرنا على القوم الكافرين. من هاهنا نعلم أن جالوت وجنوده كانوا كفارا، فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لإتيانهم بالأسباب الموجبة لذلك، ونصرهم عليهم ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود ) عليه السلام، وكان مع جنود طالوت، ( جالوت ) أي: باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره ( وآتاه الله ) أي: آتى الله داود ( الملك والحكمة ) أي: منَّ عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم، ولهذا قال ( وعلمه مما يشاء ) من العلوم الشرعية والعلوم السياسية، فجمع الله له الملك والنبوة، وقد كان من قبله من الأنبياء يكون الملكلغيرهم، * لما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان أعدائهم وتمكينهم من الأرض، وهذا كله من آثار الجهاد في سبيله، فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) أي: لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها. * ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) أي: بالصدق الذي لا ريب فيها المتضمن للاعتبار والاستبصار وبيان حقائق الأمور ( وإنك لمن المرسلين ) فهذه شهادة من الله لرسوله برسالته التي من جملة أدلتها ما قصه الله عليه من أخبار الأمم . * في هذه القصة من الآيات والعبر ما يتذكر به أولو الألباب، فمنها: أن اجتماع أهل الكلمة والحل والعقد وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به أمورهم وفهمه، ثم العمل به، أكبر سبب لارتقائهم وحصول مقصودهم، كما وقع لهؤلاء الملأ حين راجعوا نبيهم في تعيين ملك تجتمع به كلمتهم ويلم متفرقهم، وتحصل له الطاعة منهم
ومنها: أن الحق كلما عورض وأوردت عليه الشبه ازداد وضوحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء، لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك أجيبوا بأجوبة حصل بها الإقناع وزوال الشبه والريب. ومنها: أن العلم والرأي مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات، وبفقدهما أو فقد أحدهما نقصانها وضررها. ومنها: أن الاتكال على النفس سبب الفشل والخذلان، والاستعانة بالله والصبر والالتجاء إليه سبب النصر، فالأول كما في قولهم لنبيهم وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فكأنه نتيجة ذلك أنه لما كتب عليهم القتال تولوا، والثاني في قوله: ( ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله ) ومنها: أن من حكمة الله تعالى تمييز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والصابر من الجبان، وأنه لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز. ومنها: أن من رحمته وسننه الجارية أن يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين، وأنه لولا ذلك لفسدت الأرض باستيلاء الكفر وشعائره عليها.
|
#58
|
|||
|
|||
الوجه الواحد والاربعون من البقرة من آية 253 الى آية 256 الفوائد : * (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض - بما خصهم من بين سائر الناس بإيحائه وإرسالهم إلى الناس، ودعائهم الخلق إلى الله، - ثم فضل بعضهم على بعض بما أودع فيهم من الأوصاف الحميدة والأفعال السديدة والنفع العام، فمنهم من كلمه الله كموسى بن عمران خصه بالكلام، ومنهم من رفعه على سائرهم درجات كنبينا صلى الله عليه وسلم الذي اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره، وجمع الله له من المناقب ما فاق به الأولين والآخرين * ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات ) الدالات على نبوته وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ( وأيدناه بروح القدس ) أي: بالإيمان واليقين الذي أيده به الله وقواه على ما أمر به، وقيل أيده بجبريل عليه السلام يلازمه في أحواله * ( ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ) الموجبة للاجتماع على الإيمان ( ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ) فكان موجب هذا الاختلاف التفرق والمعاداة والمقاتلة، ومع هذا فلو شاء الله بعد هذا الاختلاف ما اقتتلوا، فدل ذلك على أن مشيئة الله نافذة غالبة للأسباب، وإنما تنفع الأسباب مع عدم معارضة المشيئة، فإذا وجدت اضمحل كل سبب، وزال كل موجب، فلهذا قال ( ولكن الله يفعل ما يريد ) فإرادته غالبة ومشيئته نافذة، * في هذا ونحوه دلالة على أن الله تعالى لم يزل يفعل ما اقتضته مشيئته وحكمته، ومن جملة ما يفعله ما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الاستواء والنزول والأقوال، والأفعال التي يعبرون عنها بالأفعال الاختيارية. * فائدة: كما يجب على المكلف معرفته بربه، فيجب عليه معرفته برسله، ما يجب لهم ويمتنع عليهم ويجوز في حقهم، ويؤخذ جميع ذلك مما وصفهم الله به في آيات متعددة، منها: -أنهم رجال لا نساء - من أهل القرى لا من أهل البوادي -وأنهم مصطفون مختارون -جمع الله لهم من الصفات الحميدة ما به الاصطفاء والاختيار -وأنهم سالمون من كل ما يقدح في رسالتهم من كذب وخيانة وكتمان وعيوب مزرية -وأنهم لا يقرون على خطأ فيما يتعلق بالرسالة والتكليف، - وأن الله تعالى خصهم بوحيه، فلهذا وجب الإيمان بهم وطاعتهم ومن لم يؤمن بهم فهو كافر، ومن قدح في واحد منهم أو سبه فهو كافر يتحتم قتله، ودلائل هذه الجمل كثيرة، من تَدبر القرآن َتبَيّن له الحق * ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وهذا من لطف الله بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم الله، من صدقة واجبة ومستحبة، ليكون لهم ذخرا وأجرا موفرا في يوم يحتاج فيه العاملون إلى مثقال ذرة من الخير، فلا بيع فيه ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه، ولم ينفعه خليل ولا صديق لا بوجاهة ولا بشفاعة، وهو اليوم الذي فيه يخسر المبطلون ويحصل الخزي على الظالمين، وهم الذين وضعوا الشيء في غير موضعه، فتركوا الواجب من حق الله وحق عباده وتعدوا الحلال إلى الحرام، وأعظم أنواع الظلم الكفر بالله الذي هو وضع العبادة التي يتعين أن تكون لله فيصرفها الكافر إلى مخلوق مثله، فلهذا قال تعالى: ( والكافرون هم الظالمون ) وهذا من باب الحصر، أي: الذين ثبت لهم الظلم التام، كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها وردا للإنسان في أوقاته صباحا ومساء وعند نومه وأدبار الصلوات المكتوبات، *أخبر تعالى عن نفسه الكريمة بأن ( لا إله إلا هو ) أي: لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه، ممتثلا أوامره مجتنبا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل، فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة، * قوله: ( الحي القيوم ) هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، والقيوم: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين: إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى، * من تمام حياته وقيوميته أن ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) السنة النعاس * ( له ما في السماوات وما في الأرض ) أي: هو المالك وما سواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض فلهذا قال: ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) * ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) أي: لا أحد يشفع عنده بدون إذنه، فالشفاعة كلها لله تعالى، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن * ( يعلم ما بين أيديهم ) أي: ما مضى من جميع الأمور ( وما خلفهم ) أي: ما يستقبل منها، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة، والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علمهم تعالى، ولهذا قال: ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) * (وسع كرسيه السماوات والأرض ) وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هنا ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار وتكل الأبصار، وتقلقل الجبال وتكع عنها فحول الرجال، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها، والذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصب، فلهذا قال: ( ولا يؤوده ) أي: يثقله ( حفظهما) * (وهو العلي ) بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته ( العظيم ) الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء، فقد اشتملت هذه الآية -على توحيد الإلهية -وتوحيد الربوبية -وتوحيد الأسماء والصفات -وعلى إحاطة ملكه -وإحاطة علمه -وسعة سلطانه -وجلاله ومجده -وعظمته وكبريائه - وعلوه على جميع مخلوقاته فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا * ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر خفيّةٌ أعلامه، غامضة أثاره، أو أمر في غاية الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول، وظهرت طرقه، وتبين أمره، وعرف الرشد من الغي، فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره واختاره، وأما من كان سيئ القصد فاسد الإرادة، خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه الباطل، ويبصر الحسن فيميل إلى القبيح، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين، لعدم النتيجة والفائدة فيه، والمكره ليس إيمانه صحيحا، * لا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين، وإنما فيها أن حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله لكل منصف قصده اتباع الحق، وأما القتال وعدمه فلم تتعرض له، وإنما يؤخذ فرض القتال من نصوص أخر، ولكن يستدل في الآية الكريمة على قبول الجزية من غير أهل الكتاب، كما هو قول كثير من العلماء، * فمن يكفر بالطاغوت فيترك عبادة ما سوى الله وطاعة الشيطان، ويؤمن بالله إيمانا تاما أوجب له عبادة ربه وطاعته ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي: بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ورسخت أركانه، وكان المتمسك به على ثقة من أمره، لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي ( لا انفصام لها )
وأما من عكس القضية فكفر بالله وآمن بالطاغوت، فقد أطلق هذه العروة الوثقى التي بها العصمة والنجاة، واستمسك بكل باطل مآله إلى الجحيم ( والله سميع عليم ) فيجازي كلا منهما بحسب ما علمه منهم من الخير والشر، وهذا هو الغاية لمن استمسك بالعروة الوثقى ولمن لم يستمسك بها.
|
#59
|
||||
|
||||
بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء ::
ووفقنا واياك لقراءة سورة البقره ~
|
#60
|
|||
|
|||
فتاة المطر ..جزاك الله خير على المتابعة الوجه الثاني والاربعون من البقرة من آية 257 الى آية 259 الفوائد : * ( الله ولي الذين آمنوا ) وهذا يشمل ولايتهم لربهم، بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به أحدا، قد اتخذوه حبيبا ووليا، ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه، فتولاهم بلطفه ومنَّ عليهم بإحسانه، فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور * ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ) فتولوا الشيطان وحزبه، واتخذوه من دون الله وليا ووالوه وتركوا ولاية ربهم وسيدهم، فسلطهم عليهم عقوبة لهم فكانوا يؤزونهم إلى المعاصي أزا، ويزعجونهم إلى الشر إزعاجا، فيخرجونهم من نور الإيمان والعلم والطاعة إلى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي، فكان جزاؤهم على ذلك أن حُرموا الخيرات، وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات، وكانوا من حزب الشيطان وأولياءه في دار الحسرة، فلهذا قال تعالى: ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . * ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) أي: إلى جرائته وتجاهله وعناده ومحاجته فيما لا يقبل التشكيك، وما حمله على ذلك إلا ( أن آتاه الله الملك ) فطغى وبغى ورأى نفسه مترئسا على رعيته، فحمله ذلك على أن حاج إبراهيم في ربوبية الله فزعم أنه يفعل كما يفعل الله، فقال إبراهيم ( ربي الذي يحيي ويميت ) أي: هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة، فقال ذلك المحاج: ( أنا أحيي وأميت ) ولم يقل أنا الذي أحيي وأميت، لأنه لم يدّعِ الاستقلال بالتصرف، وإنما زعم أنه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه، فزعم أنه يقتل شخصا فيكون قد أماته، ويستبقي شخصا فيكون قد أحياه، فلما رآه إبراهيم يغالط في مجادلته ويتكلم بشيء لا يصلح أن يكون شبهة فضلا عن كونه حجة، اطرد معه في الدليل فقال إبراهيم: ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ) أي: عيانا يقر به كل أحد حتى ذلك الكافر ( فأتِ بها من المغرب ) وهذا إلزام له بطرد دليله إن كان صادقا في دعواه، فلما قال له أمرا لا قوة له في شبهة تشوش دليله، ولا قادحا يقدح في سبيله ( بُهتَ الذي كفر ) أي: تحير فلم يرجع إليه جوابا وانقطعت حجته وسقطت شبهته، وهذه حالة المبطل المعاند الذي يريد أن يقاوم الحق ويغالبه، فإنه مغلوب مقهور، فلذلك قال تعالى: ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك، وإلا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم إليه ويسر لهم أسباب الوصول إليه، * قال ابن القيم رحمه الله: وفي هذه المناظرة نكتة لطيفة جدا، وهي أن شرك العالم إنما هو مستند إلى عبادة الكواكب والقبور، ثم صورت الأصنام على صورها، فتضمن الدليلان اللذان استدل بهما إبراهيم إبطال إلهية تلك جملة بأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ولا يصلح الحي الذي يموت للإلهية لا في حال حياته ولا بعد موته، فإن له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه إحياء وإماتة، ومن كان كذلك فكيف يكون إلها حتى يتخذ الصنم على صورته، ويعبد من دونه، وكذلك الكواكب أظهرها وأكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة، لا تصرف لها بنفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته، فهي مربوبة مسخرة مدبرة، لا إله يعبد من دون الله. " من مفتاح دار السعادة " * ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) أي: قد باد أهلها وفني سكانها وسقطت حيطانها على عروشها، فلم يبق بها أنيس بل بقيت موحشة من أهلها مقفرة، فوقف عليها ذلك الرجل متعجبا و ( قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) استبعادا لذلك وجهلا بقدرة الله تعالى، فلما أراد الله به خيرا أراه آية في نفسه وفي حماره، وكان معه طعام وشراب، ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ) استقصارا لتلك المدة التي مات فيها لكونه قد زالت معرفته وحواسه وكان عهد حاله قبل موته، فقيل له ( بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) أي: لم يتغير بل بقي على حاله على تطاول السنين واختلاف الأوقات عليه، ففيه أكبر دليل على قدرته حيث أبقاه وحفظه عن التغير والفساد، مع أن الطعام والشراب من أسرع الأشياء فسادا ( وانظر إلى حمارك ) وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده وانتثرت عظامه، وتفرقت أوصاله ( ولنجعلك آية للناس ) على قدرة الله وبعثه الأموات من قبورهم، لتكون أنموذجا محسوسا مشاهدا بالأبصار، فيعلموا بذلك صحة ما أخبرت به الرسل ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) أي: ندخل بعضها في بعض، ونركب بعضها ببعض ( ثم نكسوها لحما ) فنظر إليها عيانا كما وصفها الله تعالى، ( فلما تبين له ) ذلك وعلم قدرة الله تعالى ( قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) * الظاهر من سياق الآية أن هذا رجل منكر للبعث أراد الله به خيرا، وأن يجعله آية ودليلا للناس لثلاثة أوجه
- أحدها : قوله ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) ولو كان نبيا أو عبدا صالحا لم يقل ذلك، -الثاني: أن الله أراه آية في طعامه وشرابه وحماره ونفسه ليراه بعينه فيقر بما أنكره، ولم يذكر في الآية أن القرية المذكورة عمرت وعادت إلى حالتها، ولا في السياق ما يدل على ذلك، ولا في ذلك كثير فائدة، ما الفائدة الدالة على إحياء الله للموتى في قرية خربت ثم رجع إليها أهلها أو غيرهم فعمروها؟! وإنما الدليل الحقيقي في إحيائه وإحياء حماره وإبقاء طعامه وشرابه بحاله، -الثالث في قوله: ( فلما تبين له ) أي: تبين له أمر كان يجهله ويخفى عليه، فعلم بذلك صحة ما ذكرناه، والله أعلم.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |