15-02-11, 10:51 PM
|
|
وقفات مع آيات ( الوققة الثالثة) قوله تعالى : ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا... )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الوقفة الثالثة قال الله جل وعلا في سورة الفرقان (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً (23) أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا(24)سورة الفرقان)أعظم ما أمتن الله به على المؤمنين أنهم يرجون لقاء الله، وأعظم ما خذل الله به من لا يؤمن به أنه لا يرجو لقاء الله، وعقلاً من لا يرجو لقاء الله لا يمكن أن يعمل عملا لأنه لا يؤمن أنه سيلقى الله فيثيبه على العمل، أما من يرجو لقاء الله فتراه يسابق في العمل لأنه على يقين أنه سيلقى الله فيثيبه الله على ذلك العمل قال ربنا هنا يتكلم عن أهل الكفر قال: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ) ما قال وقال الذين كفروا، لأنه لا كفر أعظم من أن العبد لا يرجو لقاء الله، وما معنى الرجاء في اللغة؟ توقع حالٍ على مسره توقع حال على مسره فهم لا يرجون ولا يأمنون ولا يرغبون ولا يؤمنون قطعاً أنهم سيلاقوا الله مع أن الله خَّوف خلقه بقوله: [إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى] [سورة العلق/8]وخُوف عباده بقوله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [سورة البقرة/281] قال ربنا هنا : (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) أورثهم هذا كبراً عتواً عناداً لولا أنزل علينا الملائكة أي هذا النبي وهذا الرسول ليس كفئاً لنا أو نرى ربنا وهذا تعالي في الكفر فرد ربنا جل وعلا عليهم بقوله (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) فهذه القلوب عياذاً بالله جبلت على الكبر طبعت على العناد فطرت على الشقوة فكان منهم هذا القول قول ربنا (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا) قال ربنا يوم - هم الآن طلبوا لقاء الملائكة- فقال الله (يَوْمَ يَرَوْنَ المَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ)وهؤلاء المجرمون سيرون الملائكة يوم يموتون، لأن الميت يرى الملائكة قبل أن تقبض روحه، وبحسب حال الملك وهو يريد أن يقبض الروح يؤثر هذا في وجه الميت، ولهذا قال الله (يَوْمَ يَرَوْنَ المَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ)لان الملائكة لن تنزع تلك الأرواح نزعاً رفيقاً رقيقاً (يَوْمَ يَرَوْنَ المَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ) أي أهل الكفر(حِجْرًا مَحْجُورًا) الحجر المنع ويسمى العقل حجراً لأنه يمنع صاحبه من ما لا يليق قال الله جل وعلا في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ{2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ{4} هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ{5}) أي لذي عقول، تمنعهم عقولهم من أن يأتي ما لا يليق، فقال ربنا هنا أن أهل الكفر هؤلاء يقولون أن هذه الأمور ممتنعة لا يمكن أن تقع (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) قال أصدق القائلين (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) وهؤلاء وإن كانوا كفر إلا أنهم كانوا ينافسون في إغاثة الملهوف وصنائع المعروف وإكرام الضيف على ما كان منهم فقال جل وعلا: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) والهباء ذلكم الغبار الذي يتصل بالشمس فيجعله الله جل وعلا يجعل تلك الأعمال هباء منثورا، وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلاً في الجاهلية اسمه عبدالله ابن جدعان كان يطعم الحجيج [قالت: هل ينفعه عمله ذاك؟قال: يا عائشة أنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين] قال ربنا هنا(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) ثم قال: (أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) المقارنة هنا بين أهل الجنة وأهل النار لكن ليس في النار خير بالاتفاق، فيصبح ما معنى الآية؟ تحتمل الآية من حيث الصناعة العلمية وجهان: الوجه الأول: أن تكون كلمة خير هنا من سبيل من باب التهكم بهم فيصبح أن خير هنا ليست على بابها تصبح أفعال التفضيل هنا ليس على بابه، الحالة الثانية: أن تكون على بابها فيصبح حال المؤمنين فقراء المؤمنين في الجنة خير من حال الكفار في الدنيا وإذا قلنا بهذا الرأي تصبح كلمة خير على بابها وكلمة خير هي في الأصل أخير كما أن شر أصلها أشر لأن كثرة الاستعمال حذفت الهمزة من الكلمتين قال الله جل وعلا: (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا )ثم قال ربنا: (وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) القيلولة الراحة نصف النهار وإن لم يخالطها نوم عند اشتداد الحر، القيلولة الراحة في منتصف النهار لا يخالطها نوم عند اشتداد الحر قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: (لا يأتي من نهار يوم القيامة إلا وقد أقال أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار) هذا معنى قول الله جل وعلا على هذا المنحى في التفسير(خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) لأننا إن قلنا بهذا في تعريف القيلولة نعلم يقيناً أن الجنة لا نوم فيها ولو فسرت القيلولة بأنها راحة يصحبها نوم لنتفى هذا مع قول الله جل وعلا(وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) لأن الجنة كما في الخبر الصحيح لا نوم فيها، قال علية الصلاة والسلام: (النوم أخو الموت والجنة لا نوم فيها) وهذا مما أفاءه الله جل وعلا على عباده، من هذه الآيات الأربع المتتابعات يفقه المؤمن أن الإنسان يعلمُ يقيناً أنه سيلقى الله فعندما نتكلم أو نفعل نحن نملي على الملكين والملكان يرفعانه إلى الله فأنظر في قولك وشأنك كله على من تملي وإلى من يُرفع قولك وعملك، والعاقل يرجو الله رجاءً لا يجرئه على معصيته ويخاف الله خوفاً لا يجعله يائساً من رحمته من أدرك هذا فقه الدين، العاقل يرجو الله رجاءً لا يجرئه على معصيته ويخاف الله خوفاً لا يدفعه إلى أن ييئس من روح الله فإن كان رجاءك في الله لا يجرئك على المعصية وخوفك من الله لا يبعث اليأس في قلبك فقد فقهت عن الله جل وعلا مراده.
دُمتم بحفظ الله ورعايته
|