المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ سلطنة عمان


MARISOLE
06-04-08, 02:54 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لقد كان تاريخ عمان القديم يكتنفه الغموض إلا بقدر ما تسمح به المصادر العربية ‏القديمة وبعض المصادر الأجنبية من معلومات مشوهة أحياناً وغير حقيقية في كثير من ‏الأحيان .‏

ومنذ عصر النهضة العمانية المعاصرة بدأت البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار تمارس ‏عملها وتوصلت إلى نتائج علمية على درجة كيبرة من الأهمية لعل من أهمها إكتشاف ‏مجتمعات عمرانية وجدت على الساحل العماني الشرقي والغربي ترجع إلى الالف ‏السادسة قبل الميلاد وكشف النقاب عن مجتمعات إخرى في موقع القرم بمسقط تعود إلى ‏الآلف الخامس قبل الميلاد حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمه وأمتعة شخصية تشير إلى ‏ان سكان هذا الموقع كانوا يمارسون حرفة الصيد بينما احترف بعضهم مهنة قنص ‏الغزلان من الوديان في المناطق الداخلية من عمان وعثر على حلي للرجال والنساء بما ‏يؤكد بلوغ درحة ما من التقدم التقني والحضاري .‏

وقد كشفت التقارير العلمية التي نشرت عام 1987م عن محطة التنقيبات الأثرية التي ‏اجريت في المنطقة الوسطى من الباطنة لتؤكد وجود مجتمعات قديمة لها نشاطها ‏الاقتصادي والسياسي المنظم ولها علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى , ففي ‏دراسة نشرها كل من ب كوستا , ت. ج ولكنسن حلو منطقة صحار قدم المؤلفان ‏معلومات وافية عن المجتمعات التعدينية والزراعية والتجارية للمنطقة التتي ترجع ‏أصولها التاريخية إلى مراحل بعيدة من العصور القديمة إمتدت إلى العصور الإسلامية ‏‏.‏

كما قدم الباحثان (كوستا وولكنسن) تقريراً علمياً دقيقاً يؤكد وجود مناطق تعدينية ‏لإستخراج النحاس خلف المنطقة الزراعية بنحو 25 كيلومتراً على سفح جبال الحجر ‏الغربي ودل العثور على آثار حجرية في المنطقة بما يؤكد قيام مجتمعات صغيرة في ‏مطلع الآلف الثالثة قبل الميلاد وقد أكدت الدراسة إستمرار إستغلال هذه المناجم إلى ‏العصور الإسلامية .‏

كذلك أكدت الدراسات البحثية التي أجريت في العراق عن إستخدام النحاس منذ القرن ‏الرابع قبل الميلاد وأضافت هذه الدراسات إنه كان ينقل من عمان عن طريق الرحلات ‏البحرية في الخليج .‏

ومنذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد أخذ إستخدام الحديد ينتشر بصورة متزايدة ‏وبخاصة في صناعة الأسلحة مما قلل من أهمية الطلب على النحاس وشيوع مواد ‏تجارية جديدة مثل اللبان والأفاوية والجمال والخيول , لذا فقد أخذت التجارة العمانية ‏تتجه في معظمها صوب الغرب والشمال لتحدد مع تجارة قوافل جنوب الجزيرة العربية ‏الواسعة فيما عرف بطريق البخور .‏

لقد تضاعفت أهمية تجارة عمان منذ الألف الأولى قبل الميلاد بسبب مقدرة العمانيين ‏على توفير سلع أجنبية للأسواق العربية مثل القرفة التي كان يستوردها العمانيون من ‏الهند ويقومود بنقلها إلى بقية الأسواق العربية , ومما يستلفت النظر إن إسم (مجان) قد ‏أصبح له مدلول جغرافي أوسع خلال الألف الأولى قبل الميلاد , حيث شمل جميع ‏الأقسام الجنوبية من الجزيرة العربية إبتداء من مضيق باب المندب وحتى مضيق هرمز ‏‏.‏


وعموما فإنه مع ضعف الطلب على النحاس وجد العمانيون بديلاً في اللبان والبخور ‏والخيول والمنتجات الهندية والصينية , ومن ثم فقد نشطت تجارة التوابل إضافة إلى ‏الحرف التقليدية التي إمتهنها العمانيون منذ العصور التاريخية القديمة وهي الزراعة ‏وبرعوا في توفير المياه من خلال الأفلاج والعيون وتقدم الدراسات الأثرية الحديثة ما ‏يؤكد مقدرة الإنسان العماني وتفوقه في مهنة الزراعة ومهارته الشديدة في التفنن في ‏إستغلال المياه من خلال شق الأفلاج ويشير القزويني (آثار البلاد وأخبار العباد) إلى أن ‏إرم ذات العماد تقع في منطقة الأحقاف من الجزء الجنوبي الغربي من عمان ثم يقول ‏‏(لقد أجرى الملك إليها نهراً مسافة أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة ‏فأجرى من ذلك النهر السواقي في السكك والشوارع وأمر بحافتي النهر والسواقي ‏فطليت بالذهب .‏

وعموماً فإن هذه الرواية تقدم دليلاً على تفنن العمانيين في شق الأفلاج بما يؤكد تفاعلهم ‏مع الطبيعة وتفننهم في إستخدامها تحقيقاً لخلق مجتمعات مستقرة لديها من الأنماط ‏الحضارية ما يقيم دليلاً على إنها مجتمعات غاية في القدم .‏

؛
؛
من الحقائق التاريخية أن عمان كانت لها علاقات تجارية ببقية مدن الخليج العربي قبل ‏أن يتكون القسم الجنوبي من العراق في حدود 5000 سنة قبل الميلاد وأن سفناً عمانية ‏كانت تأتي إلى المدن العراقية القديمة وعندما بدأ يتكون هذا القسم وبدأت قراه الزراعية ‏تتحول تدريجياً إلى مدن برزت حاجته إلى الأحجار والنحاس والاحجار الكريمة لذلك ‏بدأت سفن (مجان) تأتي بتجارتها إلى المدن العراقية لبيعها هناك ولهذا السبب فقد سمح ‏حكام جنوب العراق لسفن (ملوخا) و (مجان) و (دلمون) بأن ترسو في موانئهم وتشير ‏النصوص المسمارية إلى أن مدناً عمانية كان لها الباع الطويل في العلاقات التجارية ‏بين العراق وبقية مدن الخليج قبل ظهور النشاط البحري للسومريين ومن أهم هذه المدن ‏‏:‏

‏1.‏ ملوخا : ‏

إن إسم ملوخا في النصوص المسمارية يعني المواد كثيرة النقاوة وهذه التسمية تنسجم ‏إلى حد كبير مع نوعية المواد التجارية التي إستوردها سكان بلاد وادي الرافدين من ‏مدينة ملوخا وهي الأسم القديم لمنطقة رأس الحد حيث ذكر الملك سرجون الأكادي بأنه ‏قد إستورد من ملوخا خشب الساج وحجر المرمر كما ذكر الأمير كوديا (2144/2124 ‏قبل الميلاد) بأنه قد إستورد من ملوخا الأحجار الكريمة والملابس وحجر الأزورد ‏ومعدن النحاس والزنك والذهب وهذه المواد تتميز بالصفاء والنقاء والجودة لذلك سميت ‏هذه المدينة ملوخا أي المواد كثيرة النقاوة .‏


وتؤكد الدراسات المسمارية القديمة أن حجر الأزورد كان ولا يزال موجوداً في ‏أفغانستان وأن العراقيين لم يستوردوا هذا الحجر بأنفسهم وإنما من خلال ملوخا والتي ‏كان يعمل تجارها كوسطاء لتزويد العراق بهذا النوع من الحجر .‏


‏2.‏ مجان :‏
أجمع المتخصصون في الدراسات المسمارية القديمة أن الإسم الحديث لمجان القديمة ‏هو عمان وأن تجار بلاد وادي الرافدين قد إستوردوا من مجان حجر الدايوريت وأن ‏السفن العمانية كانت تجلب هذا الحجر بطلب من التجار العراقيين منذ عام ‏‏2340/2284 ق.م وقد فضله العراقيون على الذهب حيث صنعوا منه الاختام ‏الأسطوانية والأوزان بسبب صلابته الشديدة وندرته في العراق لكي يسدوا الطريق ‏أمام المتلاعبين بالأوزان والأختام , إضافة إلى ذلك فقط قام تجار ملوخا بتوريد ‏الأخشاب إلى العراق حيث يتخارون الأنواع الجيدة وينقلونها من الهند إلى العراق ‏وإن العلامات المسمارية التي كتبت بها مدينة مجان قد أكدت شهرة المدينة بصناعة ‏السفن التجارية لأن إسمها كان يكتب بالعلامتين (ما) التي تعني سفينة و (جان) ‏وتعني هيكل وبذلك يكون معنى الإسم كاملاً هو (هيكل السفينة) ومما يضاعف من ‏هذا الإعتقاد هو إن عمان خلال الفترة العباسية وحتى أوائل القرن التاسع عشر ‏كانت مشهورة بصناعة السفن , وبناء على هذه الحقائق يمكننا القون بأن (مجان) ‏هي التي كانت تزود دلمون (البحرين) بالسفن وتزود غيرها من المراكز التجارية ‏في الخليج العربي خلال العصور القديمة .‏

‏3.‏ جوبن
‏ لقد ورد في كتابات الحاكم كوديا 2144/2123 ق.م إسم مدينة جوبن مباشرة بعد ‏مدينة ملوخا ومجان وذكر بأنها موطن شجر الخالوب (البلوط) وهذا النوع من ‏الأخشاب كان يستورد من مجان لذلك فقد حدد علماء الدراسات المسارية موقع ‏مدينة جوبن في منطقة الجبل الأخضر لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة في ‏جنوب شرق الجزيرة العربية التي تمتلك أشجار يحتاج العراق إلى أخشابها علماً بأن ‏إسم هذه المدينة لم يذكر في المصادر المسمارية التي سبقت فترة حكم الأمير كوديا ‏لذلك فمن المرجح أن هذه المدينة قد بدأت تلعب دورها التجاري في الربع الأخير ‏من الألف التالثة قبل الميلاد وقبل هذا التاريخ كانت مجان تقوم بمهمة تصدير ‏أخشابها .‏


وتؤكد الدراسات المسمارية أن تجارة الخليج العربي في العصور القديمة كانت ‏قاصرة على عمان والعراق أما بقية المدن الأخرى فقد كانت بمثابة محطات لرسو ‏السفن فقط .‏


لقد إختلفت الروايات التاريخية حول التحديد الزمني لدخول الإسلام في عمان , فبينما ‏تشير الكثير من المصادر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي بادر بدعوة ‏حكام عمان إلى الإسلام وهما جيفر وعب أبناء الجلندي , بيد أن الذي أختلف عليه ‏المؤرخون هو تحديد الفترة التي بعث فيها الرسول إلى حكام عمان حيث تذكر بعض ‏الروايات ان ذلك قد حدث عام 6 هـ بعد صلح الحديبية إلا أن رواية أخرى تحدد ‏تاريخ المراسلة بعد فتح مكة عام 8هـ وتذهب رواية ثالثة إلى أن ذلك قد حدث عقب ‏حجة الوداع .‏

ويمكن القول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد إهتم بتوسيع رقعة الإسلام عقب فتح مكة ‏وزوال المقاومة القرشية , حيث أصبح الإسلام هو القوة الكبرى في بلاد العرب عنذ ‏ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسالة إلى ملوك الدول المجاورة ومن هؤلاء ملكا ‏عمان : جيفر وعبد أبناء الجلندي. ‏


وتشير المصادر التاريخية إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل كتاباً مع أبي زيد ‏الأنصاري إلى الجلندي أو إلى جيفر عام 6 هـ ثم بعض بكتاب آخر مع عمرو بن ‏العاص عام 8هـ وكتاباً ثالثاً إلى أهل عمان رواه أبو شداد الدمائي من أهل دما قال : ‏جاءنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعة أدم : ( من محمد رسول الله إلى أهل ‏عمان , أما بعد , فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله , أدوا الزكاة وخطوا ‏المساجد وإلا غزوتكم) . وهناك كتاب أخرى رابع تسلمه عبدالله بن علي الثمالي ومسلية ‏بن هزان , حينما قدما في رهط من قومهما على الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلموا ‏وبايعوا على قومهم وكتب الرسول لهم كتابما بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم .‏


ونتيجة لهذه الكتب ونتيجة لأتصال بعض أهل عمان المباشر بالرسول صلى الله عليه ‏وسلم أفرادا وجماعات إنتشر الإسلام في عمان إنتشاراً واسعاً ساعد على ذلك إن محمد ‏عليه الصلاة والسلام قد جعل حكم عمن بيد أبناء الجلندي في حالة إعتناقهم الإسلام ‏وفوض إبن العاص في جمع الزكاة من أغنياء البلاد وتوزيعها على من يحتاجها من ‏الفقراء والمساكين .‏

وقيل أن وفداً من الأزد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو نعيم عن ‏سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله فلما ‏دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال : ما أنتم ؟ قلنا: مؤمنون , ‏فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال : إن لكل قوم حقيقة , فما حقيقة قولكم وإيمانكم , قلنا: ‏خمس عشرة خصلة , خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها , وخمس أمرتنا أن ‏نعمل بها , وخمس تخلفنا بها في الجاهلية , فنحن عليها إلا أن تكره شيئاً منها فنتركه , ‏فقال عليه الصلاة والسلام: ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ قلنا: ‏أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت, قال : والخمس التي ‏أمرتكم رسلي أن تعملوا بها؟ قلنا: الشكر عند الرخاء والصبر على البلاء ولرضاء بمر ‏القضاء والصدق في مواطن اللقاء وترك الشماته بالأعداء , فقال: حكماء وعلماء كادوا ‏من فقههم أن يكونوا أنبياء , ثم قال: وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصله , إن ‏كنتم كما تقولون فلا تجمعوا مالا تأكلون ولا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا في شئ أنتم ‏عنه غداً زائلون وأتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون , وأرعبوا فيما عليه ‏تقدمون وفيه تخلدون.. فأنصرفوا وقد حفظوا وصيته عليه السلام . لذا فلا عجب أن ‏نجد الرسول الكريم يدعوا لأهل عمان قائلاً: (رحم الله أهل الغبيراء (أهل عمان) أمنوا ‏بي ولم يروني) .‏

وما كانت دعوة الرسول لأهل عمان بالخير إلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد إستوثق ‏من إسلامهم إسلاماً خالصاً مخلصاً من كل شائبة , وتجمع الروايات التاريخية على ان ‏العمانيين قد إستجابوا لدعوة الرسول دون تردد أو خوف وحينما توفي الرسول عليه ‏الصلاة والسلام غادر عمرو بن العاص عمان مطمئنا إلى حسن إسلام العمانيين فعاد ‏إلى المدينة وصحبه وفد من العمانيين كان على رأسهم عبد بن الجلندي أحد ملكي عمان ‏وجعفر بن جشم العتكي وأبو صفرة سارق بن ظالم وعندما قدموا على مجلس أبي بكر ‏الصديق قام سارق بن ظالم وقال: ياخليفة رسول الله ويا معشر قريش هذه أمانة كانت ‏في أيدينا وفي ذمتنا ووديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد برئنا إليكم منها , ‏وخاطبهم الصديق قائلاً: معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم ‏بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب , ولم ترموا بفرقة ولا تشتت ‏شمل , فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح ‏فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي ‏فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم ‏الميعاد ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم ‏بإسلام عبد وجيفر أبني الجلندي وأعزكم الله به وأعزه بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا ‏على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم , جزاكم الله خيراً .‏

والحق أن خطبة أبي بكر الصديق في الوفد العماني هي بمثابة وثيقة خطيرة الشأن في ‏حسن أخلاق العمانيين وكرم وفادتهم وحسن إسلامهم وثباتهم على الحق .‏


ولما توفي الخليفة الأول أبوبكر الصديق رضي الله عنه أقر الخليفة الثاني عمر بن ‏الخطاب عبد وجيفر على عمان ومنحهما الحرية الكاملة ف تصريف شؤون بلادهما ‏الداخلية على أن تبقى في إطار النظام العام للدولة الإسلامية , وبعث عثمان بن أبي ‏العاص الثقفي عاملاً من قبله ليتولى جمع الصدقات والزكاة على أن يترك شؤون عمان ‏الداخلية للأخوين عبد وجيفر أكراماً لهما على حسن إسلامهما .‏

MARISOLE
06-04-08, 02:56 PM
قيام الدولة البعارية

لعل من أهم التجارب الناجمة عن حركة التاريخ أن التآلف والتجانس بن عناصر ‏المجتمع تعد المقوم الأول لبناء قوته وبقدر ما يتحقق هذا التآلف فإنه ينعكس على قوة ‏المجتمع , كان ذلك قديماً وقبل أن تتكون الدول القومية بمعناها الحديث وظل ذلك باقياً ‏في كل عصر وفي كل مجتمع .‏

والمتتبع تاريخ عمان يلاحظ هذه الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً وخصوصاً مع إقتراب ‏القرن الخامس عشر الميلادي من نهايته حيث عانت عمان من الفوضى السياسية مع ‏إقتراب نهاية عصر النباهنة وبدات عوامل الضعف تنال من كيان هذه الدولة كنتائج ‏طبيعية لإنقسامها إلى دويلات وممالك صغيرة مما عجل بنهايتها .‏

والحقيقة أن تاريخ النباهنة لم يكن كله ضعفاً وإنما كانت هناك فترات قوة حيث حكم ‏عمان عدد من الحكام العظام لعل أشهرهم فلاح بن محسن وفي فترات قوة الدولة ‏وهيبتها تبدو الوحدة الوطنية أكثر وضوحاً وفي ظل حكام يتميز بقدر كبير من الحسم ‏والإقدام تتبدد الأنانية ويقوى الوطن في ظل أهداف كبيرة ويبدو أن دولة النباهنة أخذت ‏تنهار حينما بدأت تنهار هيبة حكامها حينما أسندت مناصب ولاة الأقاليم إلى من إشتد ‏فسادهم حيث أهدرت حقوق الناس وراحوا يتطلعون إلى نماذج من الأئمة العظام .‏


وإذا كانت الحروب الأهلية مع نهاية عصر النباهنة قد صرفت الناس عن الأهتمام ‏بأمور معيشتهم مما أسفتر عن تدهور ملحوظ في الحياة الإقتصادية والإجتماعية إلا ان ‏الغزو البرتغالي قد أجهز على البقية ولما كانت السواحل العمانية في مقدمة المناطق ‏وقوعاً تحت السيطرة البرتغالية لذا فقد عمد البوكيرك إلى حرق المدن وتدمير السفن ‏الراسية في الموانئ العمانية .‏

وهكذا توافق غزو البرتغال مع أشد الفترات ضعفاً في تاريخ عمان مما سهل على ‏الغزاة مهمتهم وعلى الرغمن من كل ذلك فقد سجل التاريخ صوراً من المقاومة العمانية ‏الباسلة .‏


واللافت للنظر أن كل القوى العربية والإسلامية كانت مستهدفة وعلى الرقم من ذلك فلم ‏يحدث أي قدر من التنسيق بل إتسمت العلاقات بين كل القوى العربية والإسلامية بقدر ‏كبير من التصارع فها هم العثمانيون يستبيحون عاصمة الفرس بينما المماليك ينسقون ‏مع البنادقة بهدف التصدي للبرتغاليين أما بقية القوى العربية في الخليج كالنباهنة الجبور ‏وهرمز فقد إتسمت علاقاتهم بصراع مرير مما بدد من قوتهم جميعاً .‏


وبينما البرتغاليون يجهزون على كل القوى كانت عمان تشهد ميلاد عهد جديد أرسى ‏دعائمه الإمام ناصر بن مرشد اليعربي المؤسس الحقيقي لدولة اليعاربة من 1624 إلى ‏‏1744م لقد إستوعب ناصر بن مرشد التجربة التاريخية بذكاء شديد فأية محاولة لتحرير ‏عمان من البرتغاليين مشكوك في نتائجها بينما الوطن ممزق إلى دويلات صغيرة لذا فقد ‏كان لزاما عليه أن يحارب في جبهتين الحرب من اجل الوحدة والحرب من أجل ‏التحرير.‏

ولا شك أن أجماع العلماء على إختيار ناصر بن مرشد إماماً عام 1624م يعد بداية ‏عهد جديد في تاريخ عمان حيث وضع أسس دولة اليعاربة التي حكمت ما يقرب من ‏مائة وعشرين عاماً تميز عهدها بملامح رئيسية لعل من أهمها تحقيق الأمن والإستقرار ‏والرخاء كما تميز عهدها بتطور هائل في البحرية العمانية حيث أدرك الإمام ناصر أن ‏الحرب بينه وبين البرتغاليين حرم بحرية في المقام الأول لذا أخذ على عاتقه بناء ‏أسطول عربي يعتبر أول إسطول منظم أصبح في نهاية القرن السابع عشر القوة ‏البحرية الأولى في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي .‏

وينتمى الإمام ناصر بن مرشد إلى قبيلة يعرب التي تعتبر بطناً من بطون بني نبهان ‏وكانوا يتمتعون بإستقلال في إدارة شؤونهم الذاتية حيث إتخذوا من الرستاق مقراً ‏لإقامتهم ونظراً لما إشتهر به الإمام ناصر بن مرشد من الإستقامة والنزاهة والإقدام ‏والتدين لذا فقد أجمع أهل الرستاق على مبايعته إماماً , وتؤكد المصادر العمانية أنه بعد ‏وصول الإمام ناصر إلى الحكم راحت تتهاوى حصون أنصار التجزئة الذين قاوموا ‏بشراسة فكرة جمع شتات الوطن الكبير في دولة واحدة .‏

وبما أن منطقة الرستاق في التي شهدت ميلاد إمامة ناصر بن مرشد لذا فقد كان عليه ‏أن يبدأ بها , لهذا مضى ومعه جمع من أنصاره نحو قلعة الرستاق وكان المالك للرستاق ‏مالك بن أبي العرب اليعربي وبعد حصار لم يدم طويلاً فتحها الإمام ناصر متخذاً منها ‏نقطة إنطلاق لتوحيد الوطن كله .‏

لقد إجمعت مصادر التاريخ العمانية على اهمية الدور الذي لعبة الشيخ خميس بن سعيد ‏الشقصي الذي كان موضع ثقة اهل الرستاق حيث ساند الإمام ناصر في كل خطواته ‏بدءاً من إختياره إماماً وإنتهاء بالجيوش التي قادها في سبيل تحقيق الوحدة ومن الصعب ‏إغفال زعامات قبلية ودينية بذلت جهداً كبيراً من أجل الوحدة .‏

صياد الجرابيع
06-04-08, 08:52 PM
شكرا على الموضوع الرائع وعمان لها تاريخ عريق بنت امبراطوريه كبيره وصل حكمها لادغال افريقيا

MARISOLE
07-04-08, 10:21 PM
http://abeermahmoud2006.jeeran.com/446-Thanks.gif

*أسيرة الذكرى*
11-04-08, 01:36 AM
يعطيكـ ربي العافية اختي زرهة الاوركيــد

:)

MARISOLE
15-04-08, 04:38 AM
http://abeermahmoud2006.jeeran.com/446-Thanks.gif