وصلنا في الحلقة السابقة إلى استقبال والدتي في مطار الرياض .. أنا وعبد الله ابن كفيلي ...
استقبلت والدتي في المطار .. في مشهد بكى له كثير ممن رأوه ... عبد الله غاب عنا لدقائق ثم رجع ... وهو ساكت واجم ...
هاديت والدتي إلى خارج الصالة وركبنا في سيارة عبد الله (فورد 2001) ...
ليتك يابعدي زبرقت السياره عشان عيون امك الله يحفظها
في الطريق
كان حديث والدتي طوال الطريق .. عن السعودية .. ومكة ... والجبال التي تشبه جبال لاهور ...
والدتي لم تغطي وجهها عن عبدالله ... هل أخبرتكم أن عمرها تقريبا .. 65 سنه ...
عبدالله كان يحاول أن يسترق النظر ... ليرى وجه والدتي المتجعد ... كان يبتسم كثيرا .. من لهجتها ولكنتها ...
أحسن الظن بيشوف هي تناسب ابوه عشان يعطيها الجنسيه
لا هو مستغرب إنها ما تغطت
خاصة عندما تنطق حرف السين ... لأنها تنطقه بين السين والصاد ويصدر له مثل الصفير الواضح ..
هل أخبرتكم ببساطة والدتي وطهارة قلبها ...
مادمت ولدها أكيد بتكون طاهرة القلب وزيادة
أعتقد لو أحلف لكم أنها ما تركت في لاهور أحدا يكرهها لما حنثت في يميني ...
كنت طوال الطريق مرة أتكلم مع والدتي بالاردو ومرة مع عبدالله بالعربي ...
وصلنا بلدتي ...
أكيد الشنانه ولا دخنه
حولها ... قل الرس ..
نزلت والدتي واستقبلتها أم عبدالله ( زوجة كفيلي ) وأمه ( الجدة ) ...
كانت والدتي ترحب بهم بالأردو ... تحسبهم يفهمون كلامها ... اجتمعت أم كفيلي وزوجته وأخواته وبناته لرؤية والدتي ...
عرفوا من أول لحظة .. بساطتها ... وطهارة قلبها ... اجتمعوا حولها ...
اسمعها وأنا جالس في الغرفة المجاورة .. وهي تحكي لهم عن سفرها وما رأته في طريقها .. وعن الطائرة ...
حدثتهم عن انتظارها الذي دام 65 سنة ثم بكت ...عندهم ...
هي تتحدث لهم بالأردو تحسبهم يفهمون كلامها ....
هههههههههه العتب عليك المفروض دخلت تترجم لها
موجود بناتهم وحريمهم ..
كنت في هذه الأثناء أستمع لصوت والدتي ... وأنا من الفرحة .. لا أدري ما أقول ...
صوت أمي ولكنتها ... التي أسمعها في لاهور ... هي عندي الآن
... كنت أحاول جاهدا أن أمسك بدموعي في محاجرها وأنا أستمع لصوتها ... ولكن لم أستطع ...
يكفي منير لاتثير الشجون أمك وجت عندك وش تبي بعد
وَما في الأَرضِ أَشقى مِن مُحِبٍّ ××× وَإِن وَجَدَ الهَوى حُلوَ المَذاقِ
تَراهُ باكِياً في كُلِّ وَقتٍ ××× مَخافَةَ فُرقَةٍ أَو لِاِشتِياقِ
فَيَبكي إِن نَأى شَوقاً إِلَيهِم ××× وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ
فَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَنائي ××× وَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَلاقي
جهزوا لوالدتي غرفة خارجية وهي غرفة ( الشتاء ) غرفة تكون فيها شبة النار في فصل الشتاء ...
حلو المكان مرررررررررره مثلك تماما
وجهزوا فراشها ووضعوا لها ثلاجة صغيرة ...
تعجبت والدتي من كرم ضيافتهم وكيف يذبحوا لنا خروف ويقدمونه كاملا ( يعني مفطح )
كرم يليق بالحجيه الله يحفظه ويخليه لك
جزاك الله خير يالغالي
خرجت بعد العشاء مع والدتي لغرفتها وقلت لها :
يا أمي هؤلاء عرب لا يفهمون الأردو ولا يمكن أن يعرفوا معنى كلمة واحدة من ( سواليفك ) معهم ...
ودعت والدتي وذهبت لأنام في العزبة في غرفتي
مع رفيقي أرشد غلام ...
أسعد ليلة في حياتي ....
عاش التواضع منيروه
هي تلك الليلة التي كانت فيها والدتي تسكن بالقرب مني ... كنت ليلتها أسعد إنسان في الوجود ...
.. كانت الكشرة من الأذن للأذن ...
كأني بك تردد
أنتِ النعيم لقلبي والعذاب له .... فما أمرّك في قلبي و أحلاك ِ ... بيت جميل
هل هناك أحد أسعد مني في هذه الدنيا ... ؟ .... لا أعتقد ذلك ...
ليلة كانت والدتي على بعد أمتار مني جعلتني أنسى كل همومي ومواجعي وآلامي وأحزاني ...
من فرحي لم أنم تلك الليلة .... كنت أخاف أن يكون هذا حلما
... كنت أقوم من فراشي لأخرج وأنظر في النجوم وإنارة الشارع حتى أتأكد أنني لا أحلم ...
تعبير رايق وأكثر من رائع كان الله لكل محروم
الذهاب إلى مكة
والدة كفيلي ( الجدة ) ... تكفلت بحج والدتي ...
ودعناهم ...... والدتي لا زالت تودعهم وتحدثهم بالأردو
... بكى أكثرهم عند الوداع ...
مشينا من الرس إلى عفيف إلى ظلم إلى السيل .. أحرمت أنا ووالدتي ..
طوال الطريق من السيل الكبير للحرم كنت أجعلها تردد معي ( لبيك اللهم لبيك .... )
كانت والدتي تردد معي وهي تتلفت يمينا ويسارا لترى الجبال والأودية والطرق والسيارات ..
كان صوت أنفاسها يزداد كلما اقتربنا من مكة ..
..
أوقفت سيارتي في الحجون وركبنا سيارة للحرم ..
ازداد صوت أنفاسها ...
هاديتها وهي تبكي . ذاهبين إلى صحن الحرم ... كانت كلما اقتربنا أكثر ... تزداد أنفاسها أكثر ...
كـتـب الـدمع بخـدي عـهــــــده ** لـلــهــوى و الـشـوق يمـلي مكاتب.
عندما رأت الكعبة المشرفة ... انهارت وجلست على عتبة الدرج ... تبكي وتنتحب ...
جاءت موظفة
متنقبة ولابسة قفازات وقالت لوالدتي ( يالله يا أمي .. كومي ـ يعني قومي ـ ) .. قلت لها : دعيها فأنت لا تعلمين ما عانته والدتي طوال هذه السنين حتى تصل إلى هذه العتبة ...!!
الله يلوم اللي يلومها
مشاعر نفتقدها لأن أكثر ذهابنا للحرم أصبح عاده أو سعة صدر
الله يرحمنا بس
آمين يالغالي ..
استغربت من لهجتي وحسبت أني سعودي وقالت : طيب لا تتأخر ...!!
طفنا طواف العمرة ... والدتي طوال سبع أشواط لم تدع بكلمة واحدة ... طوافها كله بكاء ...
من اعتقادات والدتي ..
كانت والدتي تعتقد أن الذي بنى منائر الحرم وبنى الأبواب والأعمدة والقباب وبلط الساحات .. هم الصحابة رضوان الله عليهم ...
لاتروح بعيد بنا حقنا ترى
كانت أيضا تعتقد أن سكان مكة وما جاورها .. كلهم أحفادا للصحابة رضوان الله عليهم ..
وصلت الرساله يابعدي الله يتوب علينا
آمين
يوم عرفة ...
أحرمنا أنا ووالدتي وذهبنا إلى صعيد عرفات الطاهر ...
والدتي حينما رأت جموع الحجيج لم تتمالك نفسها .. عذرتها .. فهو مشهد مهيب ... يباهي الله عز وجل به ملائكته ....
كانت فترة الظهر والعصر تبكي.... حاولت أن أخفف عنها بكل الطرق .... لم أستطع ....
قلت يا والدتي هذه ساعة مستجابة فاستغليها ودعي البكاء
... لم تستجب لي ...
قلت لها أبشري بالخير إن شاء الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) ... قالت ... ما معنى هذا الحديث ...؟
فشرحته لها ...فازدادت في البكاء ...
...
والدتي بكثرة بكائها شغلتني في هذا اليوم عن الدعاء وقراءة القرآن لخوفي عليها ..
شخصت فأجدت وأبدعت وجعلتنا نعيش نفس الجو
قرب غياب الشمس ... والدتي لا زالت تذرف دموعها .. رحمتها ... أشفقت عليها .. قلت يا أمي يكفي ....!!
ادعي الله سبحانه .. قالت : يا منير .. دعني فالله يعلم بما أحتاجه من دون ما أنطق به ...
درس رائع من والدتك يامنير في صدق الالتجاء إلى الله
أكملنا مناسك الحج ... كانت ترفض أن توكلني في رمي الجمرات وترمي بنفسها ..
رحلة والدتي ... يوم 14 ذي الحجة .. من جدة إلى دبي إلى كراتشي
هذا الخط غالي ليش ماراحت عن طريق موزمبيق
قرب الرحيل وخاطري منك ما طاب
يوم ركبنا سيارة من مكة إلى مطار جدة والدتي قالت لي: إن أمي وأبي وأخواتي الثلاث ماتوا ولم يحجوا ... ثم بكت ...
الساعات الأخيرة ...
طوال الطريق ... كنت ساكت ... كأني في حالة أللاوعي .. حابس دموعي في محاجرها ...
متماسك ... حتى لا تتأثر والدتي بالوداع .. أسترجع في ذاكرتي هذه الـ 20 يوم التي قضيتها معها وكأنها لحظة واحدة ...أوكأنها حلم جميل مر بسرعة ...
والدتي تبكي ثم تسكت .. ثم تبكي ثم تسكت
... وكل لحظة تنظر إلى الخلف ...لترى أنوار مكة المشرفة ...
مشهد مهيب بحق لمن حرم زيارة تلك الأماكن
وصلنا المطار ...
حملت أمتعة والدتي وأرسلتها مع باقي أمتعة المسافرين ..
حان وقت الوادع .... ما أصعب هذه اللحظة ...!!
تماسكت .. واستجمعت قواي .. رحمة بوالدتي ... وفي الأخير انهرت وأجهشت في البكاء ...
يكفي منير يكفي
لحظة التوديع فيها ويش أقول *** كل ما في القلب قالته الدموع ...
هل تعذروني ... ؟
هل عشتم لحظة فراق لمحب .. وأي محب ..؟ ... إنها والدتي ...
هل عشتم لحظة وداع لمحب وأنتما كلاكما لا يريد الوداع ......؟
إنها تجربة قاسية تدمي القلب قبل العين
.. لا يدري الرجل ماذا يفعل ... فكيف بامرأة كبيرة ضعيفة ..
قالوا الفراق غدا لاشك قلت لهم *** بل موت نفسي من قبل الفراق غدا
أسأل الله ألا يفرق بينكم وبين أحبابكم ..
آمين آمين
بانتظار إبداعك القادم
فاصلة على شنق
لـك عندي و إن تـناسـيـت عهد ** في صميم القـلب غـيـر نـكـيـث