العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#21
|
|||
|
|||
المعتصم بالله وملحمة عمُّوريّة
حدود الدولة العباسية آلت دولة الخلافة العباسية إلى المعتصم بالله بعد أن استقرت أحوالها، وامتدت أطرافها، وانتعشت الحياة الاقتصادية بها، وازدهرت الزراعة، فنمت غلتها، ورخصت أسعارها، وتقدمت الصناعة، واستُخرجت الثروات المعدنية من باطن الأرض، وانتعشت التجارة على نحو لم تعرفه الدولة الإسلامية من قبل بسبب الطرق الآمنة، وسهولة الانتقال من شرق البلاد إلى غربها دون عوائق تذكر. وكان من أثر تلك النهضة الاقتصادية أن نمت موارد الخلافة، وزادت إيرادات بيت المال؛ الأمر الذي جعل الدولة تعمل على تحسين المرافق العامة وتيسير الحياة على الناس، وتأمين حدود الدولة المترامية، وتشجيع العلم ومكافأة أهله والعناية بالترجمة، وبناء المؤسسات العلمية، وإنشاء المكتبات. ولاية المعتصم بالله مرض الخليفة المأمون في طرسوس، ولم يكن قد عقد لأحد بعده بولاية العهد، فاستدعى أخاه المعتصم وعهد إليه بالخلافة من بعده، دون ابنه العباس الذي كان موجودا معه في طرسوس للقيام بغزو الدولة البيزنطية، ورد هجماتها، لكن مرضه حال دون إتمام ذلك. ولعل الذي جعل المأمون يؤثر أخاه بالحكم دون ابنه أن الخلافة العباسية كانت تتهددها الأخطار من الداخل والخارج في ثورة بابك الخرمي في فارس، وهجمات البيزنطيين، وكان المعتصم بطلا شجاعا متمرسا بالحرب خبيرا بشئونها، فآثر المأمون المصلحة العليا للخلافة بتولية من يصلح لهذه الفترة، وتمت البيعة بعد وفاته في (19 من رجب 218هـ= 10 من أغسطس 833م). وكان المعتصم يتميز بقوته الجسدية وشدته في الحرب، حتى قيل عنه إنه كان يصارع الأسود ويحمل ألف رطل، ويمشي بها خطوات، غير أنه لم يكن معنيًا بالعلوم والآداب كأخويه الأمين والمأمون. وبالغ بعض المؤرخين فذكر أنه كان أميًا لا يكتب، أو أنه كان ضعيف الكتابة على قول ابن خلّكان، وابن كثير، لكن ذلك لم يكن له أدنى تأثير في الحركة الفكرية والعلمية التي عمّت الخلافة فقد كانت البلاد مدفوعة بطاقة عارمة نحو الرقي والتقدم. القضاء على الفتن والثورات كانت وصية المأمون لأخيه المعتصم أن يقضي على فتنة بابك الخرمي، وكان زعيم طائفة ضالة، يعتقد أصحابها بالحلول والتناسخ، ويدعون إلى الإباحية الجنسية، وبدأت تلك الفتنة في أذربيجان ثم اتسع نطاقها إلى همدان وأصبهان وبلاد الأكراد، وجرجان، وأصبحت خطرا يحدق بالدولة العباسية، ووجدت عونًا ومساندة من الروم. وحاول المأمون أن يقضي على تلك الفتنة التي اشتعل أوارها، وأرسل إليها الحملات العسكرية، لكنها لم تستطع القضاء على تلك الفتنة، وتوفي المأمون دون أن يتحقق أمله، وحمل المعتصم مهمة القضاء على هذه الحركة، فنجح في ذلك على الرغم من مهارة بابك الخرمي العسكرية، وقدرته على وضع الخطط العسكرية، مستغلا معرفته بطبيعة الإقليم الذي يتحصن فيه، من جبال ومضايق ووديان. وامتدت الحرب أربع سنوات، حتى تمكن "الأفشين" أبرع قادة المعتصم من إخماد الفتنة، والقبض على بابك الخرمي في (10 من شوال 222هـ= 16 من سبتمبر 837م)، وكانت هذه الفتنة من أعظم الفتن التي تعرضت لها الدولة العباسية، شغلت الخلافة أكثر من عشرين سنة، وقُتل من أجل القضاء عليها آلاف المسلمين، قدّرهم الطبري المؤرخ بنحو مائتين وخمسين ألف مسلم، وأنفقت الدولة العباسية من أجلها ملايين الدراهم والدنانير. ولم يكد المعتصم يستريح من فتنة بابك الخرمي حتى شبّت فتنة أخرى في إقليم طبرستان، حيث قام وليها "المازيار" بشق عصا الطاعة، ومحاولة الاستقلال بالإقليم بعيدا عن سلطة الدولة العباسية، ولم تفلح المحاولات التي بذلها المعتصم لحل المشكلة سلمًا مع المازيار الذي تمادى في غيه، فلجأ المعتصم إلى السيف، حتى تمكن من القضاء عليه في سنة (224هـ= 839م). بناء سامرّاء مئذنة مسجد سامراء لم يكن قد انقضى على بناء بغداد قرن واحد حتى عرضت للمعتصم فكرة بناء عاصمة جديدة، بعدما ضاقت بغداد بجنده الأتراك الذين أكثر من استخدامهم في الجيش، ولم تسلم العاصمة من مضايقاتهم، حتى أكثر الناس الشكوى من سلوكهم. واختار المعتصم لعاصمته الجديدة مكانا يبعد 130 كم رأسا من شمال بغداد، شرقي نهر دجلة، وشرع في تخطيط عاصمته سنة (221هـ= 836م) وبعث إليها بالمهندسين والبنّاءين وأهل المهن من الحدادين والنجارين وغيرهم، وحمل إليها الأخشاب والرخام وكل ما يحتاج إليه البناء. وعُني الخليفة بتخطيط المدينة وتقسيمها باعتبارها مركزا حضاريا ومعسكرا لجيشه، ففصل الجيش ودواوين الدولة عن السكان، واهتم بفصل فرق الجيش بعضها عن بعض، وامتدت المدينة على ضفة دجلة الغربية نحو 19 كم، وكان تخطيط المدينة رائعا، يتجلى في شق عدة شوارع متوازية على طول النهر، يتصل بعضها ببعض عن طريق دروب عدة، وكان أهم شوارع المدينة بعد شارع "الخليج" الذي على دجلة "الشارع الأعظم"، وكان يمتد في عهد المعتصم 19 كم من الجنوب إلى الشمال بعرض مائة متر تقريبا. وعُنِي المعتصم بزراعة القسم الغربي من دجلة تجاه المدينة، وشجع قادته على المساهمة في الزراعة، وحرص أن تكون عاصمته الجديدة مجمعا للصناعات المعروفة في عهده، واهتم ببناء الأسواق، وجعل كل تجارة منفردة مثلما هو الحال في أسواق بغداد، وجعل شارع الخليج الذي على دجلة رصيفًا ومرسى لسفن التجارة. وكانت المدينة الجديدة جميلة بقصورها الضخمة ومبانيها الرائعة وشوارعها المتسعة، ومسجدها الجامع وغيره من المساجد، فدعيت بـ"سُرّ مَن رأى"، وزاد إقبال الناس على السكنى بها. وتكشف الآثار الباقية من سامراء عن مدى التقدم العمراني والحضاري الذي كانت عليه الخلافة العباسية في القرن الثالث الهجري. وامعتصماه.. فتحت عمورية استغل الروم انشغال الخليفة المعتصم في القضاء على فتنة بابك الخرمي، وجهزوا جيشا ضخما قاده ملك الروم، بلغ أكثر من مائة ألف جندي، هاجم شمال الشام والجزيرة، ودخل مدينة "زِبَطْرة" التي تقع على الثغور، وكانت تخرج منها الغزوات ضد الروم، وقتل الجيش الرومي من بداخل حصون المدينة من الرجال، وانتقل إلى "ملطية" المجاورة فأغار عليها، وعلى كثير من الحصون، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسَمَلَ أعينهم، وقطع آذانهم وأنوفهم، وسبى من المسلمات فيما قيل أكثر من ألف امرأة. وصلت هذه الأبناء المروعة إلى أسماع الخليفة، وحكى الهاربون الفظائع التي ارتكبها الروم مع السكان العزل؛ فتحرك على الفور، وأمر بعمامة الغزاة فاعتم بها ونادى لساعته بالنفير والاستعداد للحرب. ويذكر بعض الرواة أن امرأة ممن وقعت في أسر الروم قالت: وامعتصماه، فنُقل إليه ذلك الحديث، وفي يده قَدَح يريد أن يشرب ما فيه، فوضعه، ونادى بالاستعداد للحرب. وهذا ما عناه أبو تمام في قوله مادحا للخليفة بعدما حقق نصر: لبيّت صوتًا زِبَطريًا هَرَقْتَ لَهُ كَأْسَ الْكَرَى وَرُضَابَ الْخُرّدِ الْعُرُبِ وخرج المعتصم على رأس جيش كبير، وجهّزه بما لم يعدّه أحد من قبله من السلاح والمؤن وآلات الحرب والحصار، حتى وصل إلى منطقة الثغور، ودمّرت جيوشه مدينة أنقرة ثم اتجهت إلى عمورية في (جمادى الأولى 223هـ= أبريل 838م) وضربت حصارا على المدينة المنيعة دام نصف عام تقريبا، ذاقت خلاله الأهوال حتى استسلمت المدينة، ودخلها المسلمون في (17 من رمضان سنة 223هـ= 13 من أغسطس 838م) بعد أن قُتل من أهلها ثلاثون ألفا، وغنم المسلمون غنائم عظيمة، وأمر الخليفة المعتصم بهدم أسوار المدينة المنيعة وأبوابها وكان لهذا الانتصار الكبير صداه في بلاد المسلمين، وخصّه كبار الشعراء بقصائد المدح، ويأتي في مقدمة ذلك، بائية أبي تمام الخالدة التي منها قوله: فتْحٌ الفتوح تعالى أن يحيط به نظمٌ من الشعراء أو نثرٌ من الخُطَبِ فتْحٌ تفتّح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أثوابها القُشُب يا يومَ وقعةِ عمّوريّة انصرفت منك المُنى حُفّلاً معسولة الحَلَب أبقيت جد بني الإسلام في صَعَد والمشركين ودار الشرك في صَبَب وفاة المعتصم ظل المعتصم يواصل فتوحاته وغزواته، ففُتحت بعض مدن صقلية، وغزت جنوده "قِلّورية" وتقع في جنوب إيطاليا، وتسمى الآن "كاليريا"، وكذلك جزيرة "مالطة" ولم تكن غُزيت من قبل. وفي يوم الخميس الموافق (18 من ربيع الأول 227هـ= 5 من يناير 842م) وافاه الأجل المحتوم، بعد أن أصبح اسمه نموذجاه دائما للمروءة والدفاع عن الدين والوطن.
|
#22
|
|||
|
|||
العزيز بالله الفاطمي.. وعصر الخلفاء الأقوياء
الدولة الفاطمية في أقصى اتساع لها اتسم عهد الخليفة الفاطمي "العزيز بالله" بالرخاء الاقتصادي والازدهار الحضاري والنهضة الثقافية، وذلك بالرغم من تعرض مصر للعديد من المجاعات والأوبئة التي أتت على الأخضر واليابس، وكان نصيب العصر الفاطمي هو الأوفر من تلك المجاعات. وكان عهد العزيز بالله امتدادا لعهد أبيه الذي شهد بداية إرساء دعائم الدولة الفاطمية وتوطيد أركانها في مصر. ولد العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد بمدينة المهدية بالمغرب سنة (344هـ= 955م) وقدم مع أبيه المعز إلى مصر سنة (362هـ= 972م) وقد عهد إليه أبوه بالخلافة، فلما مات خلفه في (5 من ربيع الآخر 365هـ= 12 من ديسمبر 975م) وهو في الثانية والعشرين من عمره. وكان العزيز بالله يتمتع بشخصية قوية منذ حداثة سنه، كما عُرف بالنبوغ والذكاء، وكان أديبًا مستنيرًا يجيد عدة لغات. أول وزارة في خلافة الفاطميين كان الخليفة الفاطمي خلال تلك الفترة -فترة الخليفة مطلق النفوذ التي امتدت من عام (358هـ= 968م حتى 386هـ= 996م)- إماما لأتباعه، لا ينازعه أحد سلطته الدينية هذه، كما كان يتمتع بنفوذ مطلق في تسيير أمور الدولة، وكان هو المسئول عن تعيين الولاة والقضاة. وكانت وظيفة الوزير يقوم بها الرجل الثاني في الدولة بعد الإمام مباشرة، وتسمى "رتبة الوساطة"، ويطلق على من يتولاها "الوسيط"، كما كانت تسمى "السفارة". ونتيجة لانفراد الخليفة بالحكم واستحواذه على كل السلطات، واستئثاره بكل مقاليد أمور الدولة، فلم يظهر لقب الوزير في مصر الفاطمية إلا في (المحرم 367هـ= أغسطس 977م) عندما منح الخليفة الفاطمي الثاني العزيز بالله لقب الوزير لـ"يعقوب بن كلس" الذي لقبه بـ"الوزير الأجلّ". أوضاع النصارى في عهد العزيز بعدما فشل الفاطميون في تحويل مسلمي مصر إلى المذهب الإسماعيلي، اتجهوا إلى كسب ود أهل الذمة. وقد اتسم عهد العزيز بالله بالتسامح مع النصارى، فزاد في إكرامهم لِمَا كان بينه وبينهم من صلة نسب؛ فقد كان متزوجا من امرأة نصرانية على مذهب الملكانيين، وكان من أثر سياسة التسامح التي انتهجها العزيز نحو الذميين بصفة عامة والنصارى بوجه خاص أن ازداد نفوذهم في عصره، وأصبح عدد كبير منهم يعملون في دواوين الدولة المختلفة، بعد تولّي "عيسى بن نسطورس" النصراني دواوين الدولة في سنة (384هـ= 994م)، كما عين الخليفة "منشا بن إبراهيم القزاز" اليهودي واليًا على بلاد الشام؛ وهو ما مكّن لأهل الذمة في زمانهما. وأثار استئثار الذميين بمناصب الدولة استياء المصريين المسلمين، فتذمر أهل الفسطاط عليه، واعترضوا طريقه بدمية امرأة وضعوا معها ورقة فيها: "بالذي أعزّ اليهودَ بمنشا، والنصارى بابن نسطورس، وأذل المسلمين بك.. إلا نظرت في أمري". اضطر الخليفة إزاء موجة السخط والغضب هذه إلى القبض على منشا ونسطورس، وأعاد الكُتّاب المسلمين إلى أعمالهم بالدواوين، ولكنه ما لبث أن أعاد نسطورس، بعد أن شفعت له ابنته "ست الملك"، وزوجته المسيحية، وولاه الوزارة بعد أن اشترط عليه أن يولّي المسلمين في الدواوين. نساء في حياة الخليفة لعبت المرأة دورًا مهمًا في حياة الخليفة الفاطمي العزيز بالله، وبالرغم من أن المرأة ساهمت بنصيب كبير في سياسة البلاد الداخلية والخارجية في العصر الفاطمي، فإنها نالت في عهد الخليفة العزيز مكانة لم تحظ بها في أي من العهود السابقة. كانت أولى النساء التي حظيت بمكانة كبيرة هي السيدة "المعزية" أم الخليفة العزيز، زوجة الخليفة المعز، والتي تلقبت بـ"أم الأمراء"، واسمها "تغريد" وقيل "درزان" أو "درزارة"، وهي "أم ولد" من أصل عربي تزوجها الخليفة المعز بالمغرب قبل أن يأتي إلى مصر، وكان لها نشاط تجاري واسع في مصر، وبالرغم من أنه لم يكن لها أي دور سياسي معروف فإن الخليفة المعز كان يتشاور معها في بعض الأمور السياسية على نحو ما يذكر المقريزي. وقد نُسب إليها عدد من الآثار العمرانية الشهيرة مثل: جامع القرافة، وقصر القرافة، وتوفيت عام (385هـ= 995م) أي قبل وفاة ابنها العزيز بعام واحد. كما كانت لزوجته السيدة "العزيزية" مكانة كبيرة في حياته، وكان لها أثر كبير في كثير من السياسات التي انتهجها العزيز؛ فقد كانت تلك السيدة نصرانية على المذهب الملكاني –مذهب الكنيسة القسطنطينية- وهي أم "ست الملك" شقيقة "الحاكم بأمر الله" لأبيه، وكان لهذه السيدة سلطان كبير على الخليفة العزيز؛ وهو ما جعله يرفع أخويها إلى أرقى المناصب الكنسية، فعين أخاها "أُرِيسْتس" مطرانا على بيت المقدس سنة (375هـ= 985م)، وعين أخاها الآخر "أرسانيوس" مطرانا على القاهرة، ثم أصبح بطريركا على القاهرة بعد ذلك. والسيدة "العزيزية" هي التي حملت العزيز على انتهاج سياسة التسامح مع النصارى، وإعادة بناء بعض الكنائس، حتى بلغ من تعاطف العزيز مع النصارى أنه كان يشاركهم احتفالاتهم بأعيادهم الدينية. أما "ست الملك" ابنة الخليفة العزيز بالله وأخت الخليفة الحاكم بأمر الله فقد حظيت بمكانة عالية لدى أبيها الذي أحاطها بكل أسباب الترف والثراء، حتى إنه بنى لها القصر الغربي لتعيش فيه بمفردها، وكان لها نحو أربعة آلاف جارية يقمن بخدمتها، وكانت تمتلك ثروة كبيرة من التحف الثمينة والجواهر النفيسة، ولها إقطاع في ضياع الصعيد والوجه البحري، فضلا عما كانت تملكه من الدور والبساتين. وكانت ست الملك ذات شخصية قوية، حرصت دائما على إسداء النصح لأخيها الحاكم الذي تولى الخلافة صغيرًا، وكان الحاكم في بداية الأمر يتقبل مشورتها ويستشيرها في كثير من الأمور. ومن الغريب أن تتجه الشكوك إليها بعد مقتل أخيها الحاكم؛ باعتبارها ضالعة في تلك الجريمة، وأنها خططت للتخلص منه بالاتفاق مع "سيف الدولة بن دواس". ويورد المؤرخون أسبابا كثيرة لذلك، معظمها أسباب شخصية تدور حول تدهور العلاقة بينهما، نتيجة لشك أخيها الدائم في سلوكها، بعدما كثرت الأقاويل حولها، ورغبته في التخلص من سيطرتها أو وصايتها عليه، وقيل: إنها فعلت ذلك للحفاظ على ملك آبائها، خاصة بعد ادعاء الحاكم الألوهية. إصلاح الجيش ودخول العناصر الأجنبية فيه كان جيش الفاطميين الذي فتح مصر يتكون من الروم والصقالبة والبرقية والباطلية والعبيد والسود، وكان الكتاميون يمثلون الجزء الأكبر من جيش جوهر الصقلي، وكان لذلك التركيب الاجتماعي العرقي للجيش الفاطمي أهميته الخاصة التي تضمن الولاء للخلافة، وتحقق التوازن المطلوب الذي يكفل سيطرة الخليفة على الجيش. ولكن الفاطميين ما لبثوا أن شعروا بالحاجة إلى إعادة تنظيم الجيش، بعدما واجهوا جيوشا أكثر تفوقًا وأشد تنظيمًا مثل الجيش البويهي العباسي والجيش البيزنطي الرومي. وازدادت رغبة الخليفة الفاطمي العزيز بالله في إحداث ذلك التغيير بإدخال عناصر من الأتراك والديالمة في الجيش الفاطمي، وخاصة بعد المواجهة التي تمت بينه وبين جيش القائد "أفتكين" –"ألبتكين" في دمشق، فأصبح أولئك الجند منذ ذلك الحين عنصرًا مهمًا في الجيش الفاطمي، ولكن ذلك أدى إلى نشوب صراع دائم بين العناصر المختلفة التي يتألف منها الجيش الفاطمي؛ فظهر النزاع بين المغاربة والمشارقة نتيجة خوف المغاربة على مكانتهم في الدولة. النفوذ الخارجي للفاطميين في عهد العزيز بدأ اهتمام الفاطميين ببلاد الحجاز منذ خلافة المعز لدين الله الفاطمي الذي استطاع أن يبسط نفوذه على تلك البلاد، حينما استولى "حسن بن جعفر الحسني" على مكة، ودعا للخليفة المعز على منابرها؛ فقلده المعز الحرم وأعماله، وعمل المعز على تدعيم سلطته على مكة والمدينة، وسعى إلى بسط سيطرته على سائر بلاد الحجاز. وظلت الخطبة باسم الخليفة المعز في كل من مكة والمدينة حتى توفي سنة (365هـ= 975م) وخلفه ابنه العزيز فانقطعت الخطبة له في بلاد الحجاز، فأرسل العزيز "إدريس بن زيدي النهاجي" أميرا على الحج سنة (367هـ= 977م) فاستولى على الحرمين وأقام الخطبة باسم العزيز، إلا أن نفوذ الفاطميين لم يستقر في مكة والمدينة طوال عهد العزيز؛ فقد دعا أمير حُجّاج العراق لـ"عضد الدولة بن بويه" وهو ما اضطر العزيز إلى إرسال حملة إلى الحجاز، وانتهى الأمر بإعادة الخطبة للعزيز على منابرها. أما في بلاد اليمن التي بدأت الدعوة الفاطمية بها منذ سنة (368هـ= 978م) فقد بلغت تلك الدعوة فيها أوج ازدهارها في ظل خلافة العزيز بالله الفاطمي، حيث تمكن أتباعه من قطع الخطبة للخليفة العباسي في جميع البلاد وإقامتها له، واستمر الحال على ذلك حتى توفي. كما استطاع العزيز أن يوطد أقدام الفاطميين في الشام مرة أخرى، بعد أن استطاع "أفتكين" التركي الاستيلاء على دمشق سنة (25 من المحرم 368هـ= 4 من سبتمبر 978م) فخرج إليه العزيز بالله من القاهرة على رأس حملة كبيرة –وكان القائد جوهر الصقلي على رأس الطليعة في ذلك الجيش- واستطاع الفاطميون إلحاق الهزيمة الساحقة بقوات أفتكين والقرامطة، وتحقق للفاطميين المزيد من الاستقرار في بلاد الشام، بعد أن جلا عنها القرامطة إلى بلادهم. العزيز بالله وإنشاء الفرق الخاصة بعد أن استولى الخليفة العزيز بالله على دمشق، وبعد انتصاره الساحق على القرامطة أخذ القائد التركي أفتكين أسيرًا مع من أسرهم من الديالمة والأتراك، وكان الخليفة يجد في أفتكين -برغم كل ما سببه له من متاعب، وما كبده من خسائر- مقاتلا شجاعا، وخصما قويا جديرا بالعفو لا بالعقاب والقتل؛ ولذلك فإنه استبقاه وعفا عنه، وأحسن إليه، وأنزله في دار الأتراك، وأفاض عليه المنح والعطايا، بعد أن كان أفتكين قد قطع كل خطوط الرجاء، وأيس من الحياة، وظن أنه لا محالة مقتول. واستمر أفتكين يحظى برعاية الخليفة وعطفه حتى توفي سنة (372هـ= 982م)، واتُّهم الوزير يعقوب بن كلس بدس السم له، فاعتقله العزيز مدة ثم ما لبث أن عفا عنه، وأعاد إليه سلطانه وسلطاته، ثم زاد في ذلك ووهبه خمسمائة غلام من الناشئة وألف من المغاربة، وقد شكل هؤلاء جميعا فرقة خاصة سميت "الوزيرية" وكان للوزير السلطان المطلق فيها، وعُدّ ذلك بداية ظهور الفرق الخاصة التي حملت أسماء الخلفاء والوزراء، والتي تقتصر مهمتها على توفير الحماية والأمن لرئيس الدولة أو الوزير. خروج العزيز لقتال الروم في الشام نجح "علي بن الحسن المغربي" أحد كبار رجال الدولة الحمدانية في إقناع الخليفة العزيز بالله بالعمل على غزو حلب والتخلص من الحمدانيين. وأعد الخليفة جيشا كبيرا ضم نحو ثلاثين ألفا، جعل عليه أحد القادة الأتراك ويدعى "منجوتكين" وسار الجيش حتى وصل دمشق، ومنها إلى حلب، فلما وجد الحمدانيون الجيش الفاطمي على أبواب مدينتهم استنجدوا بملك الروم الذي كلف نائبه على أنطاكية بالسير إلى حلب في خمسين ألفا، والتقى الجمعان لا يفصلهما إلا نهر "العاصي"، فراحا يتراشقان بالنشاب، فلما عبر جيش المسلمين فرّ الروم إلى أنطاكية، وغنم المسلمون أموالهم ومتاعهم. ولجأ الحمدانيون إلى الحيلة، فاستمالوا عددا من رجال منجوتكين ليقنعوه بالعودة إلى دمشق، ووافق ذلك هوى القائد الفاطمي، فعاد إلى دمشق وكتب إلى الخليفة يدّعي نفاد المؤن. وأثار ذلك غضب العزيز فعاد منجوتكين بعد ذلك إلى حلب فحاصرها حتى استنجد أهلها بالروم مرة أخرى، وأحس إمبراطور الروم بالخطر على بلاده، فخرج بنفسه على رأس مائة ألف متجهًا إلى حلب. وجاءت أخبار تحرك جيش الروم إلى منجوتكين، فسارع بإحراق ما لديه من خزائن وأموال، وولّى هاربا إلى دمشق دون قتال. ووصل ملك الروم إلى حلب فاستولى على ما فيها، ثم اتجه إلى حمص فاستولى عليها، وسار إلى طرابلس فحاصرها أربعين يوما دون أن يتمكن من فتحها، حتى اضطر إلى العودة إلى بلاده مرة أخرى. وعندما علم العزيز بما حدث عظم ذلك عليه، ونادى في الناس بالخروج للقتال، وفتح خزائنه فأنفق منها على التجهيز للحرب، وأعد أسطولا حربيا جمع له العدد والآلات والأسلحة اللازمة.. ولكن حدثت مجموعة من الكوارث العجيبة والأحداث الغريبة، فقد احترق الأسطول الذي أنفق الكثير من الجهد والمال لتجهيزه قبل أن يخرج للقتال، فتمّ صنع أسطول آخر، فلما خرج إلى البحر هبت ريح قوية فتحطم الأسطول وغرق عدد كبير من الجنود. ولكن ذلك كله لم يجعل الوهن أو اليأس يتسرب إلى نفس العزيز بالله، ولم يضعف ذلك من عزيمته، فخرج في جيوش هائلة إلى بلاد الشام لينتقل منها إلى أرض الروم. كانت نفسه تمتلئ حماسا وإصرارا على لقاء الروم، تدفعه رغبته القوية في محو تلك المهانة التي ألحقها الروم بالمسلمين، إلى مواصلة التحرك ليل نهار حتى ينتقم منهم، ويدفع أذاهم عن المسلمين. ولم يكن يدري أن ساعات قليلة تفصل بين يومه الذي يحياه وغده الذي لن يراه؛ فقد اشتد عليه مرض "القولنج" الذي أصابه بـ"بُلْبَيْس" عند خروجه من مصر وتزايد عليه حتى أودى بحياته في (28 من رمضان 386هـ= 15 من أكتوبر 996م) وهو في الرابعة والأربعين من عمره. مظاهر النهضة الحضارية والفكرية في عهد العزيز وقد شهد عصر العزيز بالله العديد من مظاهر العمران والنهضة الحضارية التي شملت الكثير من العلوم والفنون والآداب. وكان من أبرز الآثار المعمارية التي أنشأها العزيز قصر اللؤلؤة الذي شيده على النيل، كما اهتم كذلك بالقصر الشرقي الكبير الذي أسسه جوهر القائد، والذي يعد من أعظم عمائر الفاطميين. وقد أضاف إليه العزيز قاعة الذهب والإيوان الكبير، كما بدأ العزيز في بناء مسجده الضخم خارج السور الشرقي للقاهرة، ولكنه توفي قبل أن يتمه، فأكمله ابنه الحاكم. وكانت القاهرة طوال العصر الفاطمي هي مركز الدعوة الإسماعيلية في العالم الإسلامي، وقد تركزت هذه الدعوة في بداية الدعوة الإسماعيلية في الأزهر، وشهدت بداية خلافة العزيز بالله أولى حلقات الدراسة في الجامع الأزهر، حيث جلس القاضي "علي بن النعمان" في سنة (365هـ= 975م) ليملي مختصرا في الفقه على جمع كبير من العلماء والكبراء. كما شهدت الفنون المتطورة ازدهارا كبيرا في العصر الفاطمي، حتى بلغت أقصى درجات الجودة والإتقان، ومن ذلك صناعة الخزف والمصنوعات الزجاجية، وخاصة في عهد الخليفة العزيز بالله. وشهدت مصر كذلك في عهده استقرارا ملحوظا ونهضة اقتصادية ورواجا تجاريا، فضلا عن النهضة العمرانية العظيمة وإنشاء العديد من المساجد والأربطة والمدارس، والاهتمام بالحدائق والبساتين وتشييد القصور الأنيقة والمباني الفخمة؛ وهو ما يعكس حياة الترف والرفاهية التي اتسم بها عهد العزيز.
|
#23
|
|||
|
|||
الصالح أيوب.. وحطين الثانية
مدرسة الملك الصالح أيوب بعد وفاة السلطان الكامل محمد سنة (635هـ= 1238م) تعرضت الدولة الأيوبية في مصر والشام لخطر الانقسام والفوضى، فاستولى الصالح نجم الدين أيوب على دمشق سنة (636هـ = 1239م)، وكان هذا إيذانًا بدخوله في صراع مع أخيه السلطان العادل الصغير بن الكامل الذي خلف أباه على حكم مصر والشام، واستعان كل منهما بأنصار من البيت الأيوبي للوقوف في وجه الآخر، وفي غمرة الصراع قفز عمهما الصالح إسماعيل على "دمشق" واستولى عليها، وطرد الصالح أيوب منها، الذي شاء له القدر أن يقع في قبضة الناصر داود صاحب الأردن والكرك، ثم لم يلبث أن أفرج عنه، واتفقا معًا على القيام بحملة عسكرية على مصر والاستيلاء عليها من قبضة العادل الصغير. ولاية الصالح أيوب كانت الظروف مهيأة تمامًا لنجاح حملة الصالح أيوب؛ فكبار أمراء العادل الصغير مستاءون منه لاحتجابه عنهم، وانشغاله باللهو واللعب عن تدبر شئون الدولة؛ فقبضوا على سلطانهم اللاهي واستدعوا أخاه الصالح أيوب لتولي مقاليد البلاد الذي دخل القاهرة في (25 ذي الحجة 637هـ= 17 يوليو 1238م) وجلس على عرشها، واستأثر بها دون الناصر داود. ولم يرض هذا الموقف الصالح إسماعيل صاحب دمشق، واستشعر الخطر بعد أن نمى إليه أن الصالح أيوب أراد أن يرضي حليفه الناصر داود صاحب الكرك، فاتفق معه على أن يساعده في الحصول على دمشق من الصالح إسماعيل الذي لم يجد قوة تقف إلى جانبه، فسارع إلى التحالف مع الصليبيين ضد الصالح أيوب في مصر والناصر داود في الأردن، وكان ثمن هذا التحالف غاليًا، تعهد فيه بأن يعيد بيت المقدس إلى الصليبيين، ورجوع مملكة بيت المقدس إلى ما كانت عليه قديمًا قبل صلاح الدين. ولم يضع الصالح إسماعيل وقتًا وقرن عرض الخيانة بالعمل، فبادر إلى تسليم بيت المقدس إلى الصليبيين ومعها طبرية وعسقلان وعدد من قلاع الشام التي كانت بأيدي المسلمين، وأثار هذا التصرف الأحمق غضب المسلمين ونقمتهم في مصر والشام وسائر أنحاء العالم الإسلامي ورفضت حاميات بعض القلاع تسليم الحصون والقلاع، وهو ما دفع الصالح إسماعيل إلى القيام بحملات لتأديب تلك الحاميات لرفضها تنفيذ أوامره، وكانت فرحة الصليبيين طاغية من هذا العمل الذي جاءهم دون أن يضربوا فيه سيفًا أو يخسروا نفسًا، وحصنوا قلعتي طبرية وعسقلان، ورابطوا ما بين يافا وعسقلان. ضرب تحالف الخيانة ولكي يغري الصالح إسماعيل جموع الصليبيين على الاستمرار في التحالف وعدهم أن يعطيهم جزءًا من مصر إن ملكها؛ فانطلقوا إلى غزة عازمين غزو مصر، وحضر لمعاونتهم في غزو مصر جيش الصالح إسماعيل، وجيش الملك المنصور إبراهيم الأيوبي صاحب حمص، غير أن القوات الإسلامية كان لها رأي آخر غير رأي قادتها السفهاء، فانضمت إلى الجيش المصري وأبت أن تقاتل إخوانها المسلمين، وكان لهذه الخطوة أثرها؛ فحلت الهزيمة بالصليبين حين تقابل الفريقان، وقتل منهم أعداد كبيرة وسيق الأسرى إلى القاهرة. واضطر الصليبيون إلى عقد الصلح مع سلطان مصر، وإن ظلت بأيديهم بيت المقدس وبعض القلاع التي تنازل عنها الصالح إسماعيل. استرداد بيت المقدس ثم لم يلبث أن نشب النزاع مرة أخرى بين الصالحين إسماعيل ونجم الدين أيوب، ووقف الناصر داود هذه المرة مع الصالح إسماعيل، واتفقا على الاستعانة بالصليبيين ضد إخوانهم المسلمين، ولم يجد الصالح أيوب قوة تقف إلى جواره غير "الخوارزمية" الذين تفرقت بهم السبل بعد انهيار دولتهم ومقتل سلطانهم جلال الدين خوارزم شاه، فاستجابوا لدعوته، وقدموا بأعداد كبيرة إلى الشام، واتجهوا إلى دمشق فوجدوها قوية التحصين فتركوها، واستولوا على طبرية ونابلس، وواصلوا سيرهم حتى دخلوا مدينة بيت المقدس في (3 صفر 642هـ= 11 يوليو 1244م) واستولوا عليها دون مقاومة، وكانت هذه آخر مرة يسترد فيها المسلمون بيت المقدس في عصر الحروب الصليبية، وظلت بأيدي المسلمين حتى سقطت في قبضة اليهود في عصرنا الحديث، وهي تنتظر الآن من يفك أسرها ويعيدها إلى حظيرة المسلمين، وندعو الله ألا يطول الانتظار ويعين من يعمل على عودتها. حطين الثانية وبعد أن استرد الخوارزميون بيت المقدس واصلوا سيرهم إلى "غزة" واجتمعوا مع الجيش المصري الذي أرسله الصالح أيوب لمحاربة قوات الشام ومن ناصرها من القوات الصليبية، وتقابل الفريقان في معركة غزة في (جمادى الأولى 642هـ = أكتوبر 1244م)، وكان اللقاء رهيبًا، حلت الهزيمة بالصليبيين، وقدرت خسائرهم بثلاثين ألف قتيل وثمانمائة أسير، وكانت هذه الهزيمة أضخم كارثة حلت بالصليبيين بعد معركة حطين سنة (583هـ= 1187م)، وبلغ من أثرها أن أطلق عليها "حطين الثانية". ولم يلبث أن انفصل الجيش المصري عن الخوارزميين الذين سمح لهم "الصالح أيوب" بالاستقرار في الشام على حساب الصليبيين، وواصل سيره، فأخذ القدس والخليل ودمشق وغيرها، ثم نازل الصليبيين، ونجح في استرداد قلعة طبرية (645هـ= 1247م)، ثم استولى على عسقلان في العام نفسه، وبذلك نجح الصالح أيوب في توحيد مصر والشام تحت سلطانه بعد أن أصبحت القاهرة ودمشق وبيت المقدس في قبضة يده، ووفد عليه في دمشق ملوك البيت الأيوبي الشام لتقديم فروض الولاء والطاعة. الحملة الصليبية السابعة أثار استرداد المسلمين بيت المقدس حفيظة الغرب الأوروبي، وارتفعت الأصوات هناك تدعو إلى ضرورة إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر بعد أن ساد الاعتقاد هناك أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية واستعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، واستجاب لهذه الصيحات الغاضبة "لويس التاسع" ملك فرنسا؛ تحقيقًا لرغبة البابا "أنوسنت الرابع" واستجابة لندائه. وعلم الصالح أيوب بأنباء تلك الحملة وهو في بلاد الشام، وترامى إليه تجمع الحشود الصليبية في قبرص التي تضم خمسين ألف جندي، وتذكر المصادر التاريخية أن فردريك الثاني إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، وكانت تربطه صداقة وطيدة بالأيوبيين، هو الذي أرسل رسولاً من قبله تنكر في زي تاجر ليحذر الصالح أيوب من تلك الحملة. وكان السلطان الصالح أيوب حين ترامت إليه هذه الأنباء مريضًا، فحُمل في محفة إلى مصر، وعسكر بجيوشه جنوبي دمياط عند بلدة أشموم طناح التي تسمى الآن أشمون الرمان بمركز دكرنس التابع لمحافظة الدقهلية، وأمر بتحصين دمياط، وأرسل إليها قوة كبيرة بقيادة الأمير فخر الدين يوسف، وأمره أن يعسكر بالبر الغربي لفرع دمياط، ليحول دون نزول العدو إلى الشاطئ، فنزل هناك تجاه المدينة، وأصبح النيل بينه وبينها. وصل الأسطول الفرنسي إلى المياه المصرية أمام دمياط في (20 صفر 647هـ= 4 يونيو 1249م)، وفي اليوم التالي نشبت معركة حامية على شاطئ البحر؛ لمنع الصليبيين من النزول إلى البر على الضفة الغربية من النهر، غير أن الأمير فخر الدين انسحب بجنوده المكلفين بحماية المدينة إلى المعسكر السلطاني بأشموم طناح، ولما رأى أهالي دمياط انسحاب الحامية فروا مذعورين تاركين الجسر الذي يصل بين البر الغربي ودمياط قائمًا، فعبر عليه الصليبيون واحتلوا المدينة بسهولة، وهكذا سقطت دمياط في أيدي الصليبيين. ولما استقبل الصالح أيوب هذه الأنباء غضب غضبًا شديدًا، وأنب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، واضطر إلى نقل معسكره إلى مدينة المنصورة، واستمر وهو على فراش المرض ينظم شئون جيشه، في الوقت الذي مكث فيها لويس التاسع في دمياط دون أن يواصل زحفه إلى القاهرة، ولما تحركت قواتهم من دمياط توفي الصالح أيوب في يوم السبت الموافق (12 شعبان 647هـ= 20 نوفمبر 1249م)، وواصلت سيرها في فرع النيل توفي الصالح أيوب في ليلة النصف من شعبان (647هـ=23 من نوفمبر 1249م) فقامت زوجته شجرة الدر بتدبير شئون الدولة بعد أن أخفت خبر وفاته حتى لا تحدث فتنة بين صفوف المسلمين، حتى قدم ابنه توران شاه وتولى قيادة الجيش، وتمكن من تحقيق النصر بمعاونة مماليك أبيه. شخصية الصالح أيوب باب المدرسة الصالحية اشتهر الصالح أيوب بأنه كان مهيبًا عزيز النفس، كثير الصمت، شديد الميل إلى العزلة، على قدر من الكفاية والتدبير والهمة العالية، غير أنه كان ذا سطوة على أصحابه من أمراء دولته متعاظمًا عليهم، ويعده بعد المؤرخين أنه أعظم سلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين. والصالح أيوب هو أول من أكثر شراء المماليك الترك، وجعلهم أمراء دولته وأهم عناصر جيشه، وألف منهم حرسه والمحيطين به، ومن أجلهم شيد قلعة الروضة على النيل، فاستمدوا منه اسمهم الذي عرفوا به "المماليك البحرية" الذين أقاموا دولتهم بعد مقتل ابنه توران شاه. ويذكر المؤرخون أنه كان يميل إلى تشييد العمائر والمباني؛ فأقام في مصر مدينة عسكرية أطلق عليها اسم الصالحية، تقع على طرف الصحراء التي تفصل مصر عن الشام، وصارت مركزًا لحشد الجند، وشيد قصورًا عديدة، لكن لم يبق منها شيء. على أن أثرًا واحدًا من آثار هذا السلطان لا يزال جانب منه قائمًا، هو مدرسته المعروفة بالصالحية، وهي أول مدرسة تجمع بين مذاهب السنة الأربعة، وشيد بها مقبرته.
|
#24
|
|||
|
|||
جنكيز خان.. الإعصار العاتي
جينكز خان ليس هناك شك في أن جنكيز خان واحد من أقسى الغزاة الذين ابتليت بهم البشرية، وأكثرهم سفكًا للدماء، وأجرؤهم على انتهاك الحرمات وقتل الأبرياء، وحرق المدن والبلاد، وإقامة المذابح لآلاف من النساء والولدان والشيوخ، لكن هذه الصورة السوداء تخفي جانبًا آخر من الصورة، حيث التمتع بصواب الرأي وقوة العزيمة، ونفاذ البصيرة. فكان يجلّ العلماء ويحترمهم ويلحقهم بحاشيته، وكان له مستشارون من الأمم التي اجتاحها من ذوي الخبرة، وكان لهؤلاء أثر لا يُنكَر في تنظيم الدولة والنهوض بها والارتقاء بنواحيها الإدارية والحضارية. المولد والنشأة شهدت منغوليا مولد "تيموجين بن يسوكاي بهادر" في سنة (549هـ = 1155م)، وكان أبوه رئيسًا لقبيلة مغولية تُدعى "قيات"، وعُرف بالشدة والبأس؛ فكانت تخشاه القبائل الأخرى، وقد سمّى ابنه "تيموجين" بهذا الاسم تيمنًا بمولده في يوم انتصاره على إحدى القبائل التي كان يتنازع معها، وتمكنه من القضاء على زعيمهم الذي كان يحمل هذا الاسم. ولم تطُل الحياة بأبيه؛ فقد توفِّي في سنة (561 هـ= 1167م)، تاركًا حملا ثقيلا ومسئولية جسيمة لـ"تيموجين" الابن الأكبر الذي كان غض الإهاب لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، وما كان ليقوى على حمل تبعات قبيلة كبيرة مثل "قيات"، فانفض عنه حلفاء أبيه، وانصرف عنه الأنصار والأتباع، واستغلت قبيلته صغر سنه فرفضت الدخول في طاعته، على الرغم من كونه الوريث الشرعي لرئاسة قبيلته، والتفَّت حول زعيم آخر، وفقدت أسرته الجاه والسلطان، وهامت في الأرض تعيش حياة قاسية، وتذوق مرارة الجوع والفقر والحرمان. تأسيس الدولة نجحت أم تيموجين في أن تجمع الأسرة المستضعفة وتلم شعثها، وتحث أبناءها الأربعة على الصبر والكفاح، وتفتح لهم باب الأمل، وتبث فيهم العزم والإصرار، حتى صاروا شبابًا أقوياء، وبخاصة تيموجين الذي ظهرت عليه أمارات القيادة، والنزوع إلى الرئاسة، مع التمتع ببنيان قوي جعله المصارع الأول بين أقرانه. تمكن تيموجين بشجاعته من المحافظة على مراعي أسرته؛ فتحسنت أحوالها، وبدأ يتوافد عليه بعض القبائل التي توسمت فيه القيادة والزعامة، كما تمكن هو من إجبار المنشقين من الأتباع والأقارب على العودة إلى قبيلتهم، ودخل في صراع مع الرافضين للانضواء تحت قيادته، حسمه لصالحه في آخر الأمر، حتى نجح في أن تدين قبيلته "قيات" كلها بالولاء له، وهو دون العشرين من عمره. وواصل تيموجين خطته في التوسع على حساب جيرانه، فبسط سيطرته على منطقة شاسعة من إقليم منغوليا، تمتد حتى صحراء جوبي، حيث مضارب عدد كبير من قبائل التتار، ثم دخل في صراع مع حليفه رئيس قبيلة الكراييت، وكانت العلاقات قد ساءت بينهما بسبب الدسائس والوشايات، وتوجس "أونك خان" زعيم الكراييت من تنامي قوة تيموجين وازدياد نفوذه؛ فانقلب حلفاء الأمس إلى أعداء وخصوم، واحتكما إلى السيف، وكان الظفر في صالح تيموجين سنة (600هـ= 1203م)، فاستولى على عاصمته "قره قورم" وجعلها قاعدة لملكه، وأصبح تيموجين بعد انتصاره أقوى شخصية مغولية، فنودي به خاقانا، وعُرف باسم "جنكيز خان"؛ أي إمبراطور العالم. وبعد ذلك قضى ثلاث سنوات عُني فيها بتوطيد سلطانه، والسيطرة على المناطق التي يسكنها المغول، حتى تمكن من توحيد منغوليا بأكملها تحت سلطانه، ودخل في طاعته الأويغوريون. الياسا الجنكيزية بعد أن استتب له الأمر اتجه إلى إصلاح الشئون الداخلية، فأنشأ مجلسًا للحكم يسمّى "قوريلتاي" سنة (603هـ=1206م) ودعاه للاجتماع، وفيه تحددت لأول مرة شارات ملكه، ونظم إمبراطوريته، ووضع لشعبه دستورًا محكمًا يسمى "قانون الياسا" لتنظيم الحياة، بعد أن رأى أن الآداب والأعراف والتقاليد المغولية لا تفي بمتطلبات الدولة الجديدة، ولم تكن مدونة، فأعاد النظر في بعضها، وقبل بعضها الآخر، ورد ما رآه غير ملائم، وتناول الدستور أمورًا متعددة لتنظيم الحياة بالدولة الناشئة، وألزم أجهزة الدولة بتطبيق بنودها والعمل بموجبها، وشدد على معاقبة المخطئين. إخضاع الصين اصطدم جنكيز خان بإمبراطورية الصين التي كانت تحكمها أسرة "سونج"، وكانت لا تكف عن تحريض القبائل التركية والمغولية ضد بعضها؛ كي ينشغلوا بأنفسهم وتأمن هي شرهم، فأراد جنكيز خان أن يضع حدًا لتدخل الصينيين في شئون القبائل المغولية، وفي الوقت نفسه تطلع إلى ثروة الصين وكنوزها، فاشتبك معها لأول مرة في سنة (608هـ= 1211م)، واستطاع أن يحرز عددًا من الانتصارات على القوات الصينية، ويُخضع البلاد الواقعة في داخل سور الصين العظيم، ويعين عليها حكامًا من قِبله. ثم كرر غزو الصين مرة ثانية بعد أن حشد لذلك جموعًا هائلة سنة (610هـ = 1213م)، لكنه لم يحرز نصرًا حاسمًا، ثم جرت محاولة للصلح بين الطرفين، لكنها لم تفلح، فعاود جنكيز خان القتال، واستدار بجيشه الذي كان عائدًا إلى بلاده، واشتبك مع جحافل الصين التي لم تكن قد استعدت للقتال، وانتصر عليها في معركة فاصلة، سقطت على إثرها العاصمة بكين في سنة (612هـ= 1215م) وكان لسقوطها دوي هائل، ونذير للممالك الإسلامية التي آوت الفارين من أعدائه، وأظهرت ما كان يتمتع به الرجل من مواهب عسكرية في ميادين الحرب والقتال. تعقب أعدائه بعد أن فرغ جنكيز خان من حربه مع الصين اتجه ببصره إلى الغرب، وعزم على القضاء على أعدائه من قبائل النايمان والماركييت، وكان كوجلك خان بن تايانك زعيم النايمان قد تمكن بالتعاون مع السلطان محمد خوارزم شاه سلطان الدولة الخوارزمية من اقتسام الدولة القراخطائية سنة (607هـ= 1210م)، وأقام دولة امتدت من بلاد التبت حتى حدود الدولة الخوارزمية، لكنه لم ينعم كثيرًا بما أقام وأنشأ، فقد أرسل إليه جنكيز خان جيشًا كبيرًا، يقوده أحد رجاله الأكفاء، تمكن من القضاء على كوجلك وجيشه في سنة (615هـ= 1218م)، كما أرسل ابنه جوجي لتعقب زعيم قبيلة المركيت، فتمكن من القضاء عليه وعلى أتباعه. مقدمات الصدام مع الدولة الخوارزمية لم يكن جنكيز خان بعد أن اتسع سلطانه، وامتد نفوذه يسعى للصدام مع السلطان محمد بن خوارزم شاه بل كان يرغب في إقامة علاقة طيبة، وإبرام معاهدات تجارية معه، فأرسل إليه ثلاثة من التجار المسلمين لهذا الغرض، فوافق السلطان محمد على ذلك، وتوجه عقب ذلك وفد تجاري كبير من المغول يبلغ نحو 450 تاجرًا، كانوا كلهم من المسلمين، يحملون أصنافًا مختلفة من البضائع، واتجهوا إلى مدينة "أترار"، وبدلا من أن يمارسوا عملهم في البيع والشراء، اتهمهم حاكم المدينة "ينال خان" بأنهم جواسيس يرتدون زيَّ التجار، وبعث إلى السلطان يخبره بذلك، فصدقه وطلب منه مراقبتهم حتى يرى رأيه في شأنهم، لكن "ينال خان" قتلهم، وصادر تجارتهم، واستولى على ما معهم، ويذكر بعض المؤرخين أن السلطان محمد هو الذي أمر بهذا، وأن واليه لم يقدم على هذا التصرف الأحمق من تلقاء نفسه. غضب جنكيز خان، واحتج على هذا العمل الطائش، وأرسل إلى السلطان محمد يطلب منه تسليم "ينال خان" ليعاقبه على جريمته، لكن السلطان رفض الطلب، ولم يكتفِ بذلك بل قتل الوفد الذي حمل الرسالة، قاطعًا كل أمل في التفاهم مع المغول، وكان ذلك في سنة (615 هـ= 1218م). الإعصار الهائج استعد جنكيز خان لحملة كبيرة على الدولة الخوارزمية وتحرك بجيوشه الجرَّارة إلى بلاد ما وراء النهر، فلما بلغها قسَم جيوشه عليها، وتمكن بسهولة من السيطرة على المدن الكبرى مثل "أترار" وبخارى، وسمرقند، ولم يجد ما كان ينتظره من مقاومة ودفاع، وأقدم على ارتكاب ما تقشعر لهوله الأبدان من القتل والحرق والتدمير، قتلت جيوشه سكان مدينة أترار عن بكرة أبيهم، وأحرق جنكيز خان بخارى عن آخرها، واستباحوا حرمة مسجدها الجامع الكبير، وقتلوا الآلاف من سكانها الأبرياء، وواصل الزحف بجيوشه متعقبًا السلطان محمد الذي زلزل الخوف قلبه، وفقد القدرة على المقاومة والصمود، فظل ينتقل من بلد إلى آخر، حتى لجأ إلى إحدى الجزر الصغيرة، في بحر قزوين، حيث اشتد به المرض، وتوفي سنة (617هـ = 1220م). جنكيز خان وجلال الدين بن خوارزم شاه تحمل لواء المقاومة جلال الدي منكبرتي بعد أبيه، وكان أثبت جنانًا، وأقوى قلبًا، فنجح في المقاومة، وجمع الأتباع، وحشد الأنصار، وألحق الهزيمة بالمغول في معركة "براون" سنة ( 618هـ= 1221م)، فلما سمع الناس بهذا النصر فرحوا فرحًا شديدًا بعد أن استبد بهم اليأس، وثارت بعض المدن على حاميتها من المغول، وكان يمكن لهذا النصر أن تتلوه انتصارات أخرى لو خلصت النية وصدقت العزيمة، لكن سرعان ما نشب خلاف بين قادة جيوش جلال الدين، وانسحب أحدهم بمن معه غير مدرك عظم المسئولية، فانهار حلم الدفاع، وتهاوى جلال الدين أمام جحافل المغول، وتوالت الهزائم بعدما خارت العزائم، واضطر جلال الدين إلى الانسحاب والفرار إلى الهند. وعندما اطمأن جنكيز خان إلى ما حقق عاد إلى منغوليا لإخماد ثورة قامت ضده هناك، وتمكن من إخمادها. وفاته وبعد أن قام جنكيز خان دولة مترامية الأطراف مرهوبة الجانب، توفي بالقرب من مدينة "تس جو" في (11 من رمضان 624هـ = 25 من أغسطس 1227م)، ودُفن في منغوليا، وخلفه على الإمبراطورية ابنه "أوكتاي".
|
#25
|
|||
|
|||
هولاكو.. إعصار من الشرق
هولاكو بعد سلسلة من الصراعات على تولي السلطة بين أمراء البيت الحاكم، تولى "منكوقا آن بن تولوي بن جنكيز خان" عرش المغول في (ذي الحجة 648هـ = إبريل 1250م)، وعمل على إقرار الأمن وإعادة الاستقرار وإقامة الإصلاحات والنظم الإدارية، واختيار القادة الأكْفَاء لإدارة شئون ولاياتهم. وبعد أن نجح في أن يقرّ الأحوال الداخلية وتخلص من مناوئيه اتجه نحو الفتح والغزو وتوسيع رقعة بلاده؛ فجهز حملتين كبيرتين لهذا الغرض، فأرسل أخاه الأوسط "قوبيلاي" على رأس حملة لفتح أقاليم الصين الجنوبية، ونصّب أخاه الأصغر على رأس حملة لغزو إيران والقضاء على الطائفة الإسماعيلية وإخضاع الخلافة العباسية. حملة هولاكو على إيران لم يكن هولاكو قد جاوز السادسة والثلاثين من عمره حين عهد إليه أخوه "منكوقا آن" بهذه المهمة فخرج على رأس جيش هائل قُدّر بنحو 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول، بالإضافة إلى كبار القادة والفرسان، وحرص الخان الأكبر أن يوصي أخاه قبل التحرك بأن يلتزم بالعادات والتقاليد ويطبّق قوانين جده جنكيز خان، وأن يكون هدفه هو إدخال البلاد من ضفاف نهر "جيحون" حتى مصر في دولة المغول، وأن يعامل من يخضع لسلطانه معاملة طيبة، ويذيق الذل من يبدي المقاومة حتى ولو كان الخليفة العباسي نفسه، فعليه أن يزيحه ويقضي عليه إذا ما اعترض طريقه. وحقق هولاكو هدفه الأول بالاستيلاء على قلاع طائفة الإسماعيلية سنة (654هـ = 1256م) بعد معارك عديدة واستماتة بذلها أفراد الطائفة في الدفاع عن حصونهم وقلاعهم، لكنها لم تُجدِ نفعا إزاء قوة الجيش المغولي، وكان لقضاء المغول على هذه الطائفة المنحرفة وقع حسن وأثر طيب في نفوس العالم الإسلامي، وعمّه الفرح على الرغم مما كان يعانيه من وحشية المغول وسفكهم للدماء؛ وذلك لأن الإسماعيلية كانت تبث الهلع والفزع في النفوس، وتشيع المفاسد والمنكرات والأفكار المنحرفة. هولاكو في بغداد مضى هولاكو في تحقيق هدفه الآخر بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فأرسل إلى الخليفة المستعصم بالله يتهدده ويتوعده، ويطلب منه الدخول في طاعته وتسليم العاصمة، ونصحه بأن يسرع في الاستجابة لمطالبه؛ حتى يحفظ لنفسه كرامتها ولدولته أمنها واستقرارها، لكن الخليفة رفض هذا الوعيد وقرر أن يقاوم، على الرغم من ضعف قواته وما كان عليه قادته من خلاف وعداء، فضرب هولاكو حصاره على المدينة المنكوبة التي لم تكن تملك شيئا يدفع عنها قدَرَها المحتوم، فدخل المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م) وارتكب هولاكو وجنوده من الفظائع ما تقشعر لهوله الأبدان. اهتز العالم الإسلامي لسقوط الخلافة العباسية التي أظلّت العالم الإسلامي أكثر من خمسة قرون، وبلغ الحزن الذي ملأ قلوب المسلمين مداه حتى إنهم ظنوا أن العالم على وشك الانتهاء، وأن الساعة آتية عما قريب لهول المصيبة التي حلّت بهم، وإحساسهم بأنهم أصبحوا بدون خليفة، وهو أمر لم يعتادوه منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم). هولاكو يجتاح الشام شرع هولاكو بعد سقوط بغداد في الاستعداد للاستيلاء على بلاد الشام ومصر، وفق الخطة المرسومة التي وضعها له أخوه "منكوقا آن" فخرج من أذربيجان في رمضان (657هـ = 1259م) متجها إلى الشام، ونجح بالتعاون مع حلفائه المسيحيين في الاستيلاء على "ميافارقين" بديار حلب، وهي أول مدينة تبتدئ بها الحملة المغولية، ولم تسقط إلا بعد عامين من الحصار، نفدت خلالها المؤن، وهلك معظم سكان المدينة، وبعد سقوط "ميافارقين" واصل هولاكو زحفه نحو "ماردين" فسقطت بعد ثمانية أشهر، وفي أثناء حصار "ميافارقين" كانت قوات من جيش هولاكو تغزو المناطق المحاورة فاستولت على "نصيبين" و"حران" و"الرها" و"البيرة". بعد ذلك تقدم هولاكو على رأس قواته لمحاصرة حلب، ونصب المغول عشرين منجنيقا حول المدنية وصاروا يمطرونها بوابل من القذائف حتى استسلمت في (التاسع من صفر 658هـ= الحادي والثلاثون من يناير 1260م) وبعد حلب سقطت قلعة "حارم" و"حمص" و"المعرة"، وأصبح طريق الحملة مفتوحا إلى دمشق. ولما وصلت الأنباء باقتراب المغول من دمشق فرَّ الملك "الناصر يوسف الأيوبي" مع قواته، تاركا مدينته لمصيرها المحتوم، ولم يكن أمام أهالي دمشق بعدما عرفوا ما حل بحلب بعد مقاومتها لهولاكو سوى تسليم مدينتهم، حتى لا تلقى مصير حلب، فسارع عدد من أعيانها إلى زعيم المغول يقدمون الهدايا ويطلبون منه الأمان، في مقابل تسليم مدينتهم فقبل هولاكو ذلك، ودخل المغول المدينة في (السابع عشر من صفر 658هـ= 2 من فبراير 1260م). رحيل هولاكو المفاجئ إلى إيران أدى تحقيق الانتصارات المتتالية للمغول إلى الاعتقاد بأنه لن تستطيع قوة في الأرض أن تتصدى لهم، وأن هؤلاء بلاء من الله سلطه على المسلمين الذين ركنوا إلى الراحة وأهملوا قرآنهم وسُنّة نبيهم وخارت عزائمهم.. وفي وسط هذه الحيرة جاءت الأنباء إلى هولاكو بوفاة أخيه "منكوقا آن خان" في (شعبان 657هـ= أغسطس 1259م) وكان عليه أن يكون قريبا من عملية اختيار خان جديد للمغول، ويساند ترشيح أخيه الأوسط "قوبيلاي" لهذا المنصب، فاضطر إلى العودة إلى إيران وكان في نيته أن يكتفي بما حققه، ولكنه عدل عن ذلك بسبب إلحاح القوات المسيحية التي كانت معه على الاستمرار في الغزو واستعادة بيت المقدس من المسلمين، فأبقى قوة من عساكره تحت إمرة أمهر قواده كيتوبوما (كتبغا) لإتمام عملية الغزو. انتهاء أسطورة المغول في عين جالوت وقبل أن يغادر هولاكو الشام (سنة 658هـ = 1260م) أرسل إلى قطز رسالة كلها وعيد وتهديد، يدعوه فيها إلى الاستسلام وإلقاء السلاح، وأنه لا جدوى من المقاومة أمام قوة كُتب النصر لها دائما، غير أن السلطان قطز لم يهتز لكلمات هولاكو، أو يتملكه الخوف والفزع كما تملك غيره من قادة الشام فآثروا الهوان على العزة والكرامة، والحياة تحت سلطان وثني على الموت والاستشهاد دفاعا عن الدين والوطن. وكان قطز على قدر الحدث العظيم والخطب الجلل، فقتل رُسل هولاكو، وخرج للقتال ولم ينتظر قدوم المغول، والتقى الفريقان في (15 من رمضان 658هـ = 24 من أغسطس 1260م) في موقعه "عين جالوت" بفلسطين، وحمل المسلمون على المغول الذين كانوا تحت قيادة كتبغا حملة صادقة، وقاتلوهم باستبسال وشجاعة من الفجر حتى منتصف النهار، فكتب الله لهم النصر، وهُزِم المغول هزيمة منكرة لأول مرة في تاريخهم، بعد أن كانت القلوب قد يئست من النصر عليهم. وكان لهذا النصر أثره العظيم في تاريخ المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بل في تاريخ العالم بأسره؛ حيث احتفظت مصر بما لها من حضارة ومدنية، وطردت المغول من دمشق، وأصبحت بلاد الشام حتى نهر الفرات تحت حكم المماليك، وخلّصت أوربا من شر عظيم لم يكن لأحد من ملوكها قدرة على دفعه ومقاومته. هولاكو بعد الهزيمة حاول هولاكو أن يثأر لهزيمة جيشه في عين جالوت، ويعيد للمغول هيبتهم في النفوس؛ فأرسل جيشا إلى حلب فأغار عليها ونهبها، ولكنه تعرّض للهزيمة بالقرب من حمص في المحرم (659هـ = ديسمبر 1260م) فارتد إلى ما وراء نهر الفرات. ولم تساعد الأحوال السياسية المغولية في أن يعيد هولاكو غزواته على الشام ويستكمل ما بدأه، فبعد موت "منكوقا آن" تنازع أمراء البيت الحاكم السلطة وانقسمت الإمبراطورية المغولية إلى ثلاث خانات مستقلة، استقل هولاكو بواحدة منها هي خانية فارس، ثم دخل هولاكو في صراع مع "بركة خان" القبيلة الذهبية، مغول القبجاق (جنوب روسيا) واشتعلت الحرب بينهما. وكان هولاكو يعد نفسه نصيرًا وحاميًا للمسيحية بتأثير زوجته "طقز خاتون" في الوقت الذي أسلم فيه بركة خان ومال إلى نصرة المسلمين، وأدى هذا الصراع إلى تعطل النشاط الحربي لهولاكو في الشام، ثم ما لبث أن أدى نشوب الحروب الداخلية بين أمراء المغول إلى توقف عمليات الغزو والتوسع تماما. هولاكو يشجع العلماء مرصد مراغة وعلى الرغم مما اشتهر به هولاكو من قوة وغلظة وإسراف في القتل وسفك الدماء، فإنه لم يغفل تشجيع رجال الأدب والعلم، فحظي "الجويني" المؤرخ الفارسي المعروف بتقدير هولاكو، ونجح في إقناع هولاكو بألا يحرق مكتبة الإسماعيلية، وكان من نتيجة ارتحاله إلى منغوليا ووقوفه على الأحوال هناك أن ألّف كتاب "تاريخ جنكيز خان وأخلافه". ويؤثر عنه أنه كلف العالم الرياضي "نصير الدين الطوسي" ببناء مرصد في مدينة "مراغة" زوده بأدق الأجهزة المعروفة في زمانه، ويقال بأن المكتبة التي أنشأها الطوسي وألحقها بالمرصد كانت تحوي ما يزيد على 400 ألف مجلد. وفاة هولاكو وفي (19 من ربيع الأول 663هـ 9 من يناير 1265م) توفي هولاكو بالقرب من مراغة وهو في الثامنة والأربعين من عمره، تاركا لأبنائه وأحفاده مملكة فسيحة عرفت بإيلخانية فارس، ولم تلبث زوجته "طقز خاتون" أن لحقت به، وحزن لوفاتهما المسيحيون بالشرق، وعدّوهما من القديسين.
|
#26
|
|||
|
|||
قطز ... الصائح: "وا إسلاماه"
من هو كان سيف الدين قطز عبدًا لرجل يسمى "ابن العديم" بدمشق ثم بِيع من يدٍ إلى يد حتى انتهى إلى "عز الدين أيبك" من أمراء مماليك البيت الأيوبي بمصر. وتدرج في المناصب حتى صار قائدًا لجند أيبك، ثم قائدًا للجيوش عندما تولى "عز الدين أيبك" السلطنة مع شجرة الدر. ثم صار وصيًا على ابنه "المنصور" بعد مقتله ومقتل زوجته شجرة الدر من بعده. وقد استشار كبار رجال الدولة والعلماء في أمور البلاد في حضور "المنصور"، وقد انصرف "المنصور" عن المجلس دون أن ينطق بكلمة، فأشاروا على "قطز" بعزله وتولي أمر البلاد؛ فاستجاب لهم وعزل "المنصور"، وقام باعتقال مجموعة من أمراء المماليك الموالين لعز الدين أيبك وابنه، ووضع على قيادة الجيوش ركن "الدين بيبرس". ويروي شمس الدين الجزري في تاريخه عن "سيف الدين قطز": ".. لما كان في رِقِّ ابن العديم بدمشق، ضربه سيده وسبَّه بأبيه وجده، فبكى ولم يأكل شيئًا سائر يومه، فأمر سيده الفرّاش أن يترضاه ويطعمه، فروى الفرّاش أنه جاءه بالطعام وقال له: كل هذا البكاء من لطمة؟ فقال قطز: إنما بكائي من سَبِّه لأبي وجدي وهما خير منه؛ فقلت: من أبوك؟ واحد كافر؟!.. فقال: والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، فسكت وترضيته" كما يروي أنه أخبر في صغره أحد أقرانه أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد بشَّره بأنه سيملك مصر ويكسر التتار، ومثل هذه الروايات- وإن كان الشك يحوطها- تعني أن الرجل كان يعتبر نفسه صاحب مهمة، وأن له دورًا في صناعة التاريخ، وتغيير الواقع الأسيف الذي يحيط به من كل جانب. مُلك مصر لقد وصل "سيف الدين قطز" للسلطة في مصر والأخبار تتوالى عن اقتحام التتار للشام، واستباحتهم للمدينة تلو الأخرى في طريقهم إلى مصر، وما لبثت رسلهم أن وقفت أمام "قطز" وهو في أيامه الأولى على عرشه تقرأ الرسالة التالية: "من ملك الملوك شرقًا وغربًا، القائد الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء، نُعلم أمير مصر "قطز"، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذه الأرض، بعد أن ابتاعوا إلى التجار بأبخس الأثمان أما بعد.. "فإنا نعبد الله في أرضه، خلقنا من سخطه، يسلطنا على من يشاء من خلقه، فسلموا إلينا الأمر؛ تسلموا، قبل أن ينكشف الغطاء؛ فتندموا، وقد سمعتم. أننا أخربنا البلاد، وقتلنا العباد، فكيف لكم الهرب،؟! ولنا خلفكم الطلب، فما لكم من سيوفنا خلاص، وأنتم معنا في الأقفاص، خيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، فقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فمن طلب حربنا ندم، ومن تأخر عنا سلم. .. فلا تهلكوا أنفكسم بأيديكم، فقد حذر من أنذر، وقد ثبت عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا أنكم فجرة، والله يلقي الكفرة على الفجرة.." وحذره في آخر الرسالة من أن يلقى مصير الخلافة العباسية المنكوبة في بغداد، فما كان من قطز إلا أن حبس الرسل حينًا، وأرسل يستشير الأمراء والعلماء. وفي ذات الوقت انتشر الهلع بين الناس، وشرع المغاربة في الرحيل تجاه الغرب، وآخرون رحلوا إلى الحجاز واليمن- فأشار الجميع بضرورة الخروج لملاقاة التتار، وإلا خربت البلاد بسبب الهلع والخوف قبل أن يخربها التتار بدخولها. وهنا وقف العلماء وعلى رأسهم الشيخ "العز بن عبد السلام" رحمه الله- أمام الأمراء وقادة الجند، وهم في سبيلهم لجمع الأموال للإعداد للحرب، فقرروا ألا يؤخذ من الناس شيئًا إلا إذا كان بيت المال فراغًا، وأخرج الأمراء والتجار وأغنياء الناس من أموالهم وذهبهم وتساوى الجميع، فنزل قطز على حكم العلماء ممّا أحدث جفوة مع بعض الأمراء. وتوجه قطز إلى رسل هولاكو فوسّطهم (أي قتلهم بأن ضربهم بالسيف ففصل أجسادهم من وسطها) وعلَّقهم على أبواب القاهرة؛ رغم أن الرسل لا يُقتلون، ولكنه أراد أن يشعر الناس بقوة وهيبة دولته. وجاء الخبر بوقوع أمير دمشق في قبضة هولاكو، وأن جموع التتار استباحت مدن الشام تعيث فيها فسادًا وتهتك الحرمات، وتنهب الثروات، فكان لا بد من سرعة التحرك لوقف الزحف المرتقب على مصر. نادى "قطز" في البلاد للخروج لحرب التتار، فاستجاب له جند من مصر ومن الشام، واجتمع تحت يديه قرابة الأربعين ألفًا من الجند، فتقدم بهم إلى منطقة البقاع إلى أرض الشام. فوصل الخبر لأحد قادة التتار بالشام ويسمى "كتبغا نوين"، واستشار من حوله فاختلفوا فمنهم من رأى أن يتمهل حتى يصل إليه مدد من "هولاكو"، ومنهم من رأى أن يسرع بلقائه قبل أن يجتمع حول "قطز" الجند الفارون من الحرب السابقة؛ فتزيد خطورة الموقف. فاستجاب للرأي الأخير وذلك "ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً". فتقدم "كتبغا نوين" من جيش قطز، فتلاقيا عند "عين جالوت" من أرض فلسطين، وقد كان ذلك في 25 رمضان 658هـ - 6 سبتمبر 1260م. عين جالوت واشتعل القتال بين الطرفين، والمسلمون الأقل عددًا يحاولون أن يوقفوا هجمات التتار الشرسة، وضغط التتار على ميسرة جيش المسلمين فانكسرت، فما كان من "قطز" وقائد جيوشه "بيبرس" إلا أن التفا من الخلف مع فريق من المقاتلين ليمنعوا التفاف جيش المغول حول المسلمين، ونجحوا في نهاية اليوم في وقف هجمة المغول من هذا الجانب؛ ولكن بعد خسارة كبيرة. وبدأ اليوم الثاني: واستمر القتال فيه سجالاً بين الطرفين. وفي مطلع اليوم الثالث: خطب "قطز" في جيشه يرغبهم في الجنة. ويُحسن لهم الموت في سبيل الله، وما أن اشتعل القتال حتى انطلق جيش التتار في حملة شديدة كادوا أن يكسروا فيها جيش المسلمين، فما أن رأى قطز ذلك حتى نزل عن فرسه وضرب عنقه، وخلع عنه خوذته في وسط ميدان المعركة صائحًا "واإسلاماه" وثبت معه طائفة من الفرسان الأشداء، فما لبث أن عاد الفارون من الميدان إلى المعركة من جديد، ونزل أحد الفرسان عن فرسه ليركبه قطز، فرفض صائحًا: ما كنت أمنع نفعك عن المسلمين الآن (يقصد أن في هذا الموقف لكل فرد دور يجب أن يؤديه، وأن استمرار الفارس في ركوبه لفرسه أنفع من ركوبه هو وخروجه من هذا الموقف) فإذا بجند الإسلام ينقضون على جيش التتار، فتنكسر هجمة التتار وتتخلخل صفوفهم، فيشرع "كتبغا نوين" في قيادة جنوده بنفسه وينزل إلى ساحة المعركة، ولكن سيوف المسلمين تقتلع شره وتقضي عليه، فينهزم جيش التتار لأول مرة في المعركة، ولأول مرة منذ خروجهم لغزو أمة الإسلام. ويقود "بيبرس" مجموعة من الفرسان الأشداء ويتبعهم حتى يقضي على بقيتهم، وانطلق "قطز" بجيشه إلى "بيسان" من الشام حيث كان اللقاء الثاني مع التتار، وقد كانت سيوف المسلمين ذاقت دماء التتار في الوقعة الأولى وعرفت طريقها إلى رقابهم، فكان في هذا اللقاء مثل ما كان في اللقاء الأول، وانهزم جيش التتار، وتبعهم أيضًا "بيبرس" حتى دمشق، ففروا أمامه وتركوا ما كان في أيديهم من الأسرى المسلمين. وزال خطرهم عن مصر والشام إلى حين (حيث تكررت محاولتهم مرة ثانية ولكن في عهد حكم بيبرس، وقد قضى عليهم تمامًا في هذه المرة) واستقر حكم "قطز" في كل من مصر والشام، وخضع أمراء البيت الأيوبي لسلطان قطز، ونظم شئون الشام، وقد كان وعد قائده "بيبرس" بحكم حلب؛ ولكنه أخلف وعده وأعطاها لآخر. وبدأ رحلة العودة، وأرسل البشير إلى القاهرة بانتصاره، وقد كان "قطز" كما قيل: أحسنتَ ظنَك بالأيام إذ حسنتولم تخفْ غبَّ ما يأتي به القدرُوسالمتْك الليالي فاغتررت بهاوعند صفو الليالي يحدث الكدر إذ تآمر عليه أمراء المماليك وعلى رأسهم قائد جنده ووضع على قيادة الجيش "ركن الدين بيبرس"!! فما أن خلى "قطز" لبعض شأنه حتى التفوا حوله فقتلوه!! وكان ذلك بالقرب من الصالحية في 16 من ذي القعدة عام 658هـ/ 1260م، وبالرغم أن فترة حكمه لم تتعدَ العام، إلا أنها ستبقى حاضرة في ذاكرة المسلمين عزة.. وكرامة.. ونصرًا..
|
#27
|
|||
|
|||
بيبرس.. الحاكم حين يعشقه شعبه
تربع بيبرس على قمة الموروث الشعبي البطولي بعد مقتل السلطان " قطز" اتفق الأمراء المماليك على اختيار بيبرس سلطانًا على مصر، فدخل القاهرة، وجلس في إيوان القلعة في (17 من ذي القعدة 658هـ= 24 من أكتوبر 12600م) فكان ذلك إيذانًا ببدء فترة التأسيس والاستقرار لدولة المماليك البحرية بعد فترة التحول التي شهدتها، بعد قضائها على الحكم الأيوبي، وكانت فترة قلقة شهدت حكم خمس سلاطين قبل أن يلي بيبرس الحكم، وكان عليه أن يبدأ عهدًا جديدًا من الثبات والاستقرار بعد أن أصبح بيده مقاليد الأمور في مصر والشام. وقبل أن يلي بيبرس السلطنة كانت له صفحة بيضاء في معركة المنصورة المعروفة حيث كان من أبطالها ومن صانعي النصر فيها، وكانت له يد لا تنسى في معركة عين جالوت، فتولى السلطنة وسجله حافل بالبطولات والأمجاد. وبيبرس من أصل تركي ولد في صحراء القبجاق سنة (620هـ= 1223م) ووقع في أسر المغول وهو في الرابعة عشرة من عمره، وبيع في أسوق الرقيق بدمشق، فاشتراه الأمير علاء الدين إيدكين الصالحي البُنْدقداري، فسمي "بيبرس البندقداري" نسبة إليه، ثم انتقل إلى خدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب، فأعتقه وجعله من جملة مماليكه، ثم ولاه رئاسة إحدى فرق حرسه الخاصة، ثم رقاه قائدًا لفرقة المماليك لما رأى من شجاعته وفروسيته. ولما تخلص الملك عز الدين أيبك من غريمة ومنافسه "فارس الدين أقطاي" زعيم المماليك البحرية، فر بيبرس ومن معه من المماليك بلاد الشام، وظل متنقلا بين دمشق والكرك حتى تولى سيف الدين قطز الحكم سنة (658هـ-1260م) فبعث إليه يطلب منه الأمان والعودة إلى مصر، فأجابه إلى طلبه، وأحسن استقباله وأنزله دار الوزارة وأقطعه قليوب وما حولها. واشترك مع قطز في معركة عين جالوت سنة (658هـ= 1260م) وأبلى فيها بلاء حسنًا، وكان من أبطالها المعدودين. وبدلا من أن تسمو روح الجهاد بنفسه وتصبغ قلبه بالسماحة واللطف، تطلعت نفسه إلى السلطة والميل إلى الثأر، فامتلأ فؤاده بالحقد من صديقه القديم السلطان سيف الدين قطز، وحمل في نفسه رفض قطز إعطاءه ولاية حلب وعد ذلك انتقاصًا من قدره وهضمًا لدوره في عين جالوت، ووجد من زملائه من يزيده اشتعالا فدبر معهم مؤامرة للتخلص من السلطان وهو في طريقه إلى القاهرة، وكان لهم ما أرادوا وجلس القاتل على عرش مصر قبل أن يجف دم السلطان المقتول، ودون أن يجد أحد من أمراء المماليك غضاضة في ذلك، وتلقب السلطان الجديد بالملك الظاهر. تولي بيبرس السلطنة ولم يكد بيبرس يستقر في السلطنة حتى بدأ عهدا جديدًا وصفحة مشرقة في تاريخ مصر، وبدأ في التقرب إلى الخاصة والعامة، فقرب إليه كبار الأمراء ورجال الدولة، ومنحهم الألقاب والإقطاعيات الواسعة، ووجه عنايته إلى ترتيب شئون الدولة، وتخفيف الأعباء على الأهالي، فأعفاهم من الضرائب، وأطلق المحبوسين من السجون، وجدّ في استرضاء رعيته، وأرسل إلى الأقطار المختلفة ليقرّ التابعون لدولته بسيادته وحكمه. غير أن الأمور لم تتم لبيبرس بسهولة ويسر، فتدعيم سلطان الدول يحتاج إلى مزيد من العمل، وقيادة تجمع بين السياسة والشدة والحزم واللين، وأعداء الدولة في الخارج يتربصون بها الدوائر، وحُكمه يحتاج إلى سند شرعي يستند إليه. بناء الجبهة الداخلية بأمثال هؤلاء جاهد بيبرس في اتجاهات عدة بدأ بيبرس عهده بالعناية بدولته وترسيخ دعائمها والقضاء على الفتن والثورات التي اشتعلت ضده، ففي السنة الأولى من حكمه نشبت ثورتان عارمتان، إحداهما بدمشق والأخرى بالقاهرة، أما الأولى فقام بها الأمير "علم الدين سنجر الحلبي" نائب دمشق احتجاجًا على مقتل سيف الدين قطز، ورفضا للإقرار بسلطنة بيبرس، ولم يكتف بالتمرد والعصيان بل أعلن نفسه سلطانًا وحاول استمالة بعض أمراء الشام إلى جانبه، لكنه لم يجد معاونًا، ولجأ بيبرس معه إلى الإقناع والمسالمة للدخول في طاعته وترك العصيان، فلما لم تفلح معه الطرق السلمية جرد إليه جيشًا أتى به إلى القاهرة مقرنًا في الأصفاد في (16 من صفر 659هـ= 1260م). أما الثورة الثانية فقادها رجل شيعي يعرف بالكوراني أظهر الورع والزهد، وسكن قبة جبل المقطم، واستمال بعض الشيعة من السودان، وحرّضهم على التمرد على السلطة الجديدة؛ فثاروا في شوارع القاهرة في أواخر سنة ( 658هـ= 1260م)، واستولوا على السلاح من حوانيت السيوفيين، واقتحموا إسطبلات الجنود، وأخذوا منها الخيول، لكن بيبرس أخمد الثورة بمنتهى السرعة والحزم، وأمر بصلب الكوراني وغيره من زعماء الفتنة. إحياء الخلافة العباسية وكانت الخطوة الثانية التي خطاها بيبرس بعد أن استتب له الأمن في البلاد، وفرض سلطته، هي إحياء الخلافة العباسية التي سقطت مع سقوط بغداد في يد هولاكو في ( 4 من صفر 656هـ= 10 من فبراير 1258م) ولم يكن سقوطها أمرًا هينًا على المسلمين، وخيل لهم أن العالم على وشك الانتهاء، وأن الساعة آتية عما قريب، وذلك لهول المصيبة التي وقعت بهم، وإحساسهم بأنهم أصبحوا بدون خليفة، وهو أمر لم يعتادوه منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم). ونجح بيبرس في استقدام أحد الناجين من أسرة العباسيين هو "أبو العباس أحمد"، وعقد في القلعة مجلسًا عامًا في (9 من المحرم 661هـ= 22 من نوفمبر 1262م) حضره قاضي القضاة وكبار رجال الدولة، وقرئ نسب الخليفة على الحاضرين بعدما ثبت عند القاضي، ولقب بالحاكم بأمر الله، وبايعه بيبرس على العمل بكتاب الله وسنة رسوله. ولما تمت البيعة أقبل الخليفة على بيبرس وقلّده أمور البلاد والعباد، وبذلك أصبح هو صاحب السلطة واليد المطلقة في إدارة شئون البلاد. ولم يكن للخليفة العباسي حول ولا قوة، بل صار واجهة دينية شرعية للسلطان المملوكي، ليس له سوى الدعاء على المنابر في صلاة الجمعة.. وبإقامة الخلافة العباسية في القاهرة يكون بيبرس قد تقدم خطوات واسعة في سبيل تأسيس الدولة المملوكية. وأتبع بيبرس هذه الخطوة بأن مد نفوذه وسلطانه إلى الحجاز حيث يوجد الحرمان الشريفان، وتخلص من الملك "المغيث عمر بن العادل الأيوبي" حاكم الكرك، الذي كان يناوئ السلطان بيبرس، ويرى في المماليك دخلاء اغتصبوا العرش الأيوبي في مصر والشام دون وجه حق، فعمل على منازعتهم، وتطور الأمر إلى به الحد أن راسل هولاكو زعيم المغول الإيلخانيين وحرضه على غزو مصر، لكن بيبرس حين علم بهذه المكاتبات قبض عليه وقتله في سنة (622هـ= 1263م) واستولى على الكرك، وعين بها واليًا من قبله. الجهاد في جبهتين حرص بيبرس على القضاء على بقية الوجود الصليبي وبعد أن اطمأن بيبرس إلى تماسك جبهته الداخلية ولم يعد هناك ما يعكر صفو دولته اتجه ببصره إلى القوى الخارجية المتربصة بدولته، وتطلع إلى أن ينهض بمسئوليته في الدفاع عن الإسلام، ولم يكن هناك أشد خطرًا عليه من المغول والصليبيين، وقبل أن ينهض لعمله أعد العدة لذلك، فعقد معاهدات واتفاقيات مع القوى الدولية المعاصرة له، حيث سعى إلى التحالف مع الإمبراطورية البيزنطية، وعقد معاهدات مع "مانفرد بن فردريك الثاني" إمبراطور الدولة الرومانية، وأقام علاقات ودية مع "ألفونسو العاشر" ملك قشتالة الإسباني، حتى يضمن حياد هذه القوى حين يشن غاراته على الإمارات الصليبية في الشام، ويسترد ما في أيديهم من أراضي المسلمين. واتبع بيبرس أيضا هذه السياسة في الجبهة الأخرى: جبهة المغول؛ حيث تحالف مع "بركة خان" زعيم القبيلة الذهبية المغولية وكان قد اعتنق الإسلام، وامتدت بلاده من تركستان شرقًا حتى شمال البحر الأسود غربًا، وهي التي تعرف ببلاد القفجاق. ولكي يزيد من قوة الرابطة بينه وبين بركة خان أمر بالدعاء له على منابر دولته، وتزوج من ابنته، وكان هذا الحلف موجهًا إلى عدوهما المشترك المتمثل في "دولة إيلخانات فارس" التي كان يحكمها هولاكو وأولاده، وكانت تشمل العراق وفارس. وفي الوقت نفسه أعد لتحقيق هدفه جيشًا قويًا، وأسطولاً ضخمًا، وأعاد تحصين القلاع والحصون، ومدها بالذخيرة والأقوات، وأقام سلسلة من نقاط المراقبة لرصد نشاط العدو عرفت باسم المنائر، وأفسد الطرق والوديان المؤدية إلى الشام؛ كي لا يجد المغول في أثناء زحفهم ما يحتاجون إليه من أقوات أو أعلاف لدوابهم. وأثمرت هذه السياسة الحازمة عن تحقيق انتصارات باهرة على الصليبيين، منذ أن بدأت حملاته الظافرة في سنة (663هـ = 1265م)، ففتح قيسارية، وأرسوف، وقلعة صفد، ويافا، ثم توج جهوده بفتح "إنطاكية" المدينة الحصينة التي ظلت رهينة الأسر الصليبي أكثر من قرن ونصف من الزمان، وذلك في (5 من رمضان 666هـ = 19 من مايو 1268م)، وكان سقوطها أعظم فتح حققه المسلمون على الصليبيين منذ معركة حطين سنة (583هـ = 1187م)، وسبق لنا أن تناولنا أحداث هذا الفتح العظيم في (5 من رمضان). وعلى الجبهة الأخرى نجح السلطان بيبرس في الدفاع عن بلاده أمام هجمات المغول المتتالية، وفي تحقيق عدة انتصارات عليهم في "البيرة" و"حران". وعلى الرغم من إخفاق مغول فارس في توسيع دولتهم على حساب دولة المماليك فإنهم كانوا يعاودون الهجوم، حتى ألحق بهم بيبرس هزيمة ساحقة عند بلدة "أبلستين" بآسيا الصغرى سنة (675هـ = 1277م) وبذلك أمّن بيبرس حدود دولته من الجبهتين الشرقية والشمالية. رجل الدولة والإصلاح لم تشغل بيبرس حملاته الحربية الناجحة عن عنايته بتنظيم الأمور الإدارية، والقيام بكثير من الإصلاحات الداخلية، واستحداث بعض الوظائف الإدارية، والعناية بديوان الإنشاء عناية فائقة وكان يقوم بمثل ما تقوم به وزارة الخارجية الآن، وأنفق عليه الأموال الطائلة، وبلغ من دقته أن أخبار الشام كانت تصله مرتين في الأسبوع، وصار على علم بما يدور في دولته المترامية دون بطء أو تراخٍ. وأدخل بيبرس تعديلات على النظام القضائي في مصر، حيث عين أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وأعاد الجامع الأزهر إلى ما كان عليه، وقام بترميمه وتعميره بعد الإهمال الذي لحقه في العصر الأيوبي. وأقام بيبرس عددًا من المؤسسات التعليمية، فأنشأ المدرسة الظاهرية بالقاهرة سنة (660هـ = 1262م)، واستغرق بناؤها عامين، وجعل بها خزانة كتب كبيرة، وألحق بها مكتبًا لتعليم أيتام المسلمين القرآن، وأنشأ بدمشق مدرسة عرفت باسمه، وشرع في بنائها سنة (676هـ = 1277م)، ولا تزال هذه المدرسة قائمة في دمشق حتى الآن، وتضم مكتبة ضخمة تُعرف بالمكتبة الظاهرية. وأنشأ في القاهرة جامعًا عظيمًا عرف باسم جامع الظاهر بيبرس سنة (665هـ = 1267م) ولا يزال قائمًا حتى اليوم، لكنه تعرض لإهمال شديد وبخاصة في فترة الاحتلال البريطاني لمصر، وكأن فتحه يثير في نفوس المصريين ذكرى البطولة والشجاعة التي كان عليها منشئ المسجد، فآثر الإنجليز السلامة وأغلقوا المسجد. وقد سُمي الحي الذي حوله بـ"حي الظاهر" نسبة إليه. وأولى بيبرس عنايته بالزراعة فأنشأ مقاييس للنيل، وأقام الجسور، وحفر الترع، وأنشأ القناطر، واهتم بالصناعة وبخاصة ما يحتاج إليه الجيش من الملابس والآلات الحربية. وامتدت يده إلى الحجاز، فأقام عدة إصلاحات بالحرم النبوي، وبنى بالمدينة مستشفى لأهلها، وجدد في الشام مسجد إبراهيم عليه السلام وقبة الصخرة وبيت المقدس. ويذكر له أنه كان أول من جلس للمظالم من سلاطين المماليك، فأقام دار العدل سنة (661هـ = 1263م)، وخصص يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع يجلس فيهما للفصل في القضايا الكبيرة يحيط به قضاة المذاهب الأربعة، وكبار الموظفين. وبعد حياة طويلة في الحكم دامت سبعة عشر عامًا توفي الظاهر بيبرس بعد أن تجاوز الخمسين في (28 من المحرم 676هـ = 2 من مايو 1277م) بعد أن أرسى دعائم دولة، وأقام حضارة ونظمًا، وخاض معارك كبرى للدفاع عن الإسلام، وتبوأ مكانة رفيعة في نفوس شعبه حتى نسج الخيال الشعبي سيرة عظيمة له عُرفت بسيرة الظاهر بيبرس جمعت بين الحقيقة والخيال، والواقع والأسطورة.
|
#28
|
|||
|
|||
تيمورلنك.. وعشق الفتح والقتال
تعرَّض العالم الإسلامي لغزوات همجية من قِبَل المغول في القرن السابع الهجري، عصفت بالبلاد وألقت الفزع في القلوب، فسقطت بغداد في أيديهم، وكان سقوطها كارثة هائلة ألمَّت بالمسلمين وزلزلت كيانهم وأضعفت ثقتهم في أنفسهم، لولا أن تدارك السلطان "سيف الدين قطز" هذا الموقف بانتصاره الخالد على المغول في "عين جالوت"؛ فردَّ الروح، وأعاد الثقة، وأوقف الزحف المغولي الكاسح، ورده ودفع خطره. وبعد مرور نحو قرن ونصف القرن من هذا الإعصار المدمر الذي حمله "هولاكو" على الشرق عاد الإعصار مرة أخرى على يد "تيمورلنك". المولد والنشأة في إحدى قرى مدينة "كش" ولد تيمور في (25 من شعبان 736 هـ = 8 من إبريل 1336م). ومدينة كش هي اليوم مدينة "شهر سبز"، أي المدينة الخضراء بالفارسية، وتقع جنوبي سمرقند في أوزبكستان. عاش تيمور أيام صباه بين أفراد قبيلة "البرلاس" الأوزبكية أقرباء أجداده، وأتقن فنون الحرب الشائعة عند القبائل الصحراوية من الصيد والفروسية ورمي السهام، حتى غدا فارسًا ماهرًا، متقنًا لرمي السهام. بداية الظهور وعندما تُوفِّي "كازغان" آخر إيلخانات تركستان سنة (758 هـ = 1357م) قام "تغلق تيمور" صاحب "كاشغر" بغزو بلاد ما وراء النهر، وجعل ابنه "إيلياس خواجه" قائدًا للحملة، وأرسل معه تيمور وزيرًا، ثم حدث أن ساءت العلاقة بين الرجلين؛ ففرَّ تيمور، وانضم إلى الأمير حسين حفيد كازغان آخر إيلخانات تركستان، وكان الأمير حسين صهرًا لتيمور. ونجح الاثنان في جمع جيش لمحاربة إيلياس خواجه، لكنهما لم ينجحا في تحقيق النصر، وفرَّا إلى خراسان، وانضما إلى خدمة الملك "معز الدين حسين كرت". ولمَّا علم الأمير تغلق تيمور بوجودهما بعث إلى معز الدين بتسليمهما له، غير أن تيمور وصاحبه هربا إلى قندهار ومنها إلى سيستان، فاحتال واليها وهاجمهما، وفي أثناء الهجوم أصيب تيمور بجراحات شديدة، وتعرضت قدمه اليمنى لضربة أورثتها عاهة جعلته يعرج، فسُمِّي بـ"تيمورلنك" أي تيمور الأعرج. ثم عاود الاثنان جمع الأتباع والأنصار، ونجحا في مهاجمة إيلياس خواجه، وتمكنا سنة (766 هـ = 1364م) من السيطرة على بلاد ما وراء النهر، ثم لم يلبث أن وقع الخلاف بين تيمورلنك وصهره، حسمه الأول لصالحه، ودخل سمرقند في (12 من رمضان 771 هـ = 14 من إبريل 1370م)، وأعلن نفسه حاكمًا عليها، وزعم أنه من نسل جغتاي بن جنكيز خان، وأنه يريد إعادة مجد دولة المغول، وكوَّن مجلس شورى من كبار الأمراء والعلماء. التوسع على حساب جيرانه قام تيمور بتنظيم جيش ضخم معظمه من الأتراك، وبدأ يتطلع إلى بسط نفوذه، فاتجه إلى خوارزم، وغزاها أربع مرات بين عامي (773- 781 هـ = 1372- 1379م)، نجح في المرة الأخيرة في الاستيلاء عليها وضمها إلى بلاده، بعد أن أصابها الخراب والتدمير من جراء الهجوم المتواصل عليها، وفي أثناء هذه المدة نجح في السيطرة على صحراء القفجاق، والتي تمتد بين سيحون وبحيرة خوارزم وبحر الخزر. ولَمَّا اضطربت أوضاع خراسان سنة (782هـ = 1380م) بعث ابنه ميرانشاه، وكان في الرابعة عشرة من عمره، فنجح في السيطرة على إقليم خراسان كله، وبحستان وأفغانستان، ثم اتجه في سنة (787 هـ = 1385م) إلى مازندران، فاستسلمت دون قتال، ثم انطلقت جيوش تيمورلنك تفتح أذربيجان، وتستولي على إقليم فارس، وتُغِير على أصفهان التي كانت قد ثارت على نوابه، وبلغ عدد القتلى فيها سبعين ألفًا، أقام تيمورلنك من جماجمهم عدة مآذن. وفي سنة (790 هـ = 1388م) هاجم "توقتمش" ملك بلاد القفجاق بلاد ما وراء النهر، وحرص أهالي أذربيجان على الثورة ضد تيمورلنك، وأعلنوا ولاءهم لتوقتمش، ونتيجة لتفاقم هذه الأحداث توقف تيمورلنك عن التوسع، واتجه إلى أذربيجان لقمع الثورة، وما كاد يصلها حتى فرَّ توقتمش، ودخل تيمورلنك خوارزم، وأحلَّ بها الخراب والتدمير إلى الحد الذي لم يعد فيها حائطٌ يُستراح تحت ظله، وظلت خرابًا خالية من السكان حتى أمر تيمورلنك بإعادة تعميرها سنة (793 هـ = 1391م). ولَمَّا كرَّر توقتمش هجومه مرة أخرى على بلاد ما وراء النهر في سنة (791 هـ = 1389م) تعقَّبه تيمورلنك حتى أرض المغول وصحراء القفجاق وهزمه هزيمة منكرة. فتح موسكو ولَمَّا رجع تيمورلنك ظافرًا من صحراء القفجاق سنة (794 هـ = 1392م)، وقد تخلص من توقتمش، أناب ابنه "ميرنشاه" في حكم خراسان، وحفيده "بير محمد" في حكم غزنة وكابل، وقصد إيران في (رمضان 794 هـ = أغسطس 1392م) لإخماد الثورات التي شبَّت بها، وظل هناك خمس سنوات مشغولاً بقمع تلك الثورات. وتُسمَّى حروبه هذه بـ"هجوم السنين الخمس"، وبدأ حروبه بإخضاع "جرجان" و"مازندان"، ثم اتجه إلى العراق فاستولى على "واسط" و"البصرة" وغيرهما، ثم واصل سيره ففتح بلاد أرمينية والكرج، ولمَّا سمع بهجوم توقتمش على بلاده، توجه إليه على جناح السرعة، وهاجم بلاده وأنزل به هزيمة كبيرة، وبعد ذلك زحف في نحو مائة ألف جندي واحتل موسكو لمدة عام واحد. فتح الهند كان تيمورلنك قد بلغ الستين عامًا، لكن هذا لم يوهن من عزيمته في مواصلة الغزو والفتح، ولم يركن إلى الراحة والخلود إلى ما حققه من قوة ونفوذ، والتمتع بمباهج الجاه والسلطة، فعزم على غزو الهند متذرِّعًا بأن التغلقيين يتساهلون مع الهندوس في أمر الإسلام، وانقضَّ بجيشه الجرار على قوات محمود تغلق في (7 من ربيع الآخر 801 هـ = 17 من ديسمبر 1397م)، وأنزل به هزيمة ساحقة، واحتل "دلهي" عاصمة دولة "آل تغلق"، وقام بتدميرها وتخريبها، وبلغ من بشاعة التدمير أنها لم تنهض مما حلَّ بها إلا بعد قرن ونصف القرن من الزمان، وعاد تيمورلنك إلى سمرقند محمَّلاً بغنائم وفيرة، ومعه سبعون فيلاً تحمل الأحجار والرخام التي أحضرها من دلهي، ليبني بها مسجدًا في سمرقند. حملة السنوات السبع لم يمكث تيمورلنك طويلاً في سمرقند بعد عودته الظافرة من الهند، واستعد للخروج ومواصلة الغزو والفتح، وانطلق في حملة كبيرة سُميت بحملة السنوات السبع (802- 807 هـ = 1399- 1405م) لمعاقبة سلطان المماليك "فرج برقوق" لمساعدته أحمد الجلائري خان بغداد في حربه ضد تيمورلنك، وتأديب السلطان العثماني "بايزيد الأول" سلطان الدولة العثمانية الذي كان يحكم شرق آسيا الصغرى. وبدأ تيمورلنك غزواته باكتساح بلاد الكرج (القوقاز) ونهبها سنة (802هـ = 1399م)، ثم سار إلى "عينتاب" ففتحها، واتجه إلى حلب حيث دار قتال دام أربعة أيام سقطت بعدها، وبلغ عدد القتلى فيها عشرين ألفاً والأسرى أكثر من ثلاثمائة ألف. وبعد عمليات النهب والحرق والسبي والتخريب التي قام بها تيمورلنك وجيشه اتجه إلى حماة والسلمية، ولم يكن حظهما بأحسن حال من حلب، وواصل زحفه إلى دمشق التي بذل أهلها جهودًا مستميتة في الدفاع عن مدينتهم، لكن ذلك لم يكن كافيًا لمواجهة جيش جرار يقوده قائد محنك، فاضطروا إلى تسليم دمشق. ولمَّا دخل تيمورلنك المدينة أشعل فيها النار ثلاثة أيام حتى أتت على ما فيها، وأصبحت أطلالاً، وبعد أن أقام بها ثمانين يومًا رحل عنها مصطحبًا أفضل علمائها وأمهر صُناعها، واتجه إلى طرابلس وبعلبك ففتحهما، وعند مروره على حلب أحرقها مرة ثانية وهدم أبراجها وقلعتها، وبذلك وجّه ضربات قاصمة لدولة المماليك في الشام التي لم تفلح في مقاومة هذا الغازي الجبار وجيشه الجرار. وفي العام التالي (803 هـ = 1400م) اتجه تيمورلنك إلى بغداد، وكانت تحت حكم الدولة الجلائرية؛ فهاجمها هجومًا شديدًا، ودمر أسوارها، وأحرق بيوتها، وأوقع القتل بعشرات الآلاف من أهلها، ولم تستطع المدينة المنكوبة المقاومة فسقطت تحت وطأة الهجوم الكاسح في أيدي تيمورلنك. أسر السلطان العثماني ولم تُشبِع هذه الانتصارات طموح تيمورلنك الجامح وإسرافه في الغزو وشغفه بفتح البلاد والمدن، فانطلق في سنة (804 هـ = 1402م) نحو آسيا الصغرى فاقتحم "سيواس" والأناضول، واصطدم بالدولة العثمانية الفتيَّة. وتذكُر المصادر التاريخية أسبابًا متعددة لهذا الصدام، منها: توجُّس تيمورلنك من ازدياد قوة العثمانيين عند الحدود الغربية لدولته، ولجوء أحمد الجلائري إلى الدولة العثمانية بعد اجتياح تيمورلنك لبغداد، وفرار أمراء التركمان -الذين استولى بايزيد على إماراتهم- إلى تيمورلنك، وإغراؤهم له بمحاربة بايزيد. ولما اشتدت الأزمة والخلاف بين القائدين الكبيرين احتكما إلى السلاح، واستعد بايزيد لملاقاة الغازي الجامح الذي تقدم بجيش جرار قوامه 300 ألف جندي، وبعد أن استولى على سياس التقى بالجيش العثماني بقيادة بايزيد الأول في معركة هائلة عُرفت باسم "معركة أنقرة" في (19 من ذي الحجة 804 هـ = 20 من يوليو 1402م)، وانهزم بايزيد هزيمة ساحقة، ووقع في الأسر هو وأحد أبنائه، ولم يتحمل السلطان العثماني ذل الأسر فمات كمدًا في (15 من شعبان 805 هـ = 10 من مارس 1403م)، في مدينة "أمد شهر"، حيث كان تيمورلنك عائدًا بأسراه إلى عاصمته سمرقند. الاستعداد لغزو الصين ولم يكد يستقر في سمرقند حتى أعد العدة لغزو الصين في خريف (807 هـ = 1404م)، وكان الجو شديد البرودة حين خرج لغزوته الأخيرة، وعانى جيشه قسوة البرد والثلج، ولم تتحمل صحته هذا الجو القارس، فأصيب بالحمى التي أودت بحياته في (17 من شعبان 807 هـ = 18 من فبراير 1405م)، بعد أن دانت له البلاد من "دلهي" إلى دمشق، ومن بحيرة آرال إلى الخليج العربي، وبعد وفاته نقل جثمانه إلى سمرقند حيث دفن هناك في ضريحه المعروف بكور أمير، أي مقبرة الأمير. تيمورلنك في التاريخ مدفن تيمورلنك صورت المصادر العربية والفارسية شخصيته على نحو مخيف فهو بالغ القسوة، جامد القلب، يميل إلى سفك الدماء وإقامة المذابح، وهو بالفعل كذلك، لكنها أخفت جانبا آخر مشرقا، فقد كان رجلا واسع المعرفة، يتحدث بلغات متعددة، يحب الأطباء والفلكيين والفقهاء، جمع الصناع المهرة من كل أنحاء الدنيا في عاصمته "سمرقند"، وقد شيد حضارة عظيمة في بلاده، وأقام المنشآت الشامخة في بلاده، وتُعدُّ المقبرة التي بناها لنفسه آية من آيات البناء ومثالاً لسمات العمارة في العصر التيموري. وبالإضافة إلى شغفه بالعلوم والفنون شارك بالتأليف والكتابة، فوضع مجموعة من القوانين التي أطلق عليها اسم "تزوكيات"، وكتب سيرته الذاتية باللغة الجغتائية التي ازدهرت آدابها في عصره وعصر حلفائه. ويعد تيمورلنك عند الشعوب التركستانية وعند الأوزبك بطلاً قوميًّا، ورمزًا للشجاعة والعدل ومراعاة المبادئ الإسلامية.
|
#29
|
|||
|
|||
السلطان بايزيد الأول ..... صاعقة الإسلام !! بقلم / محمود حافظ اتسمت الدولة العثمانية بكثرة الفتوحات مثلها مثل الدولة الأموية , فاتسعت الدولة العثمانية حتى امتدت أراضيها فى ثلاث قارات وكانت معظم فتوحاتها فى أوروبا فوصلت جيوش المسلمين فى عمق أوروبا حتى أسوار فيينا !! وكان من سلاطين الدولة العثمانية العظام السلطان بايزيد الأول سلطان الروم وصاعقة الإسلام والفاتح الكبير والمجاهد العظيم ,كان علما من أعلام الجهاد , الذى بلغت الدولة فى عهده من العزة والمجد ماذكر المسلمين بأيام الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم , فهو صاحب النصر فى معركة نيكوبولس التى كانت من أيام المسلمين الخالدة !! فمن كان السلطان بايزيد الأول !!! , دعونا نسرد سيرته ومصادرى فى ذلك : - 1- كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع – للشوكانى 2- كتاب تاريخ الدولة العثمانية العلية – إبراهيم بك حليم 3- كتاب تاريخ سلاطين بنى عثمان من أول نشأتهم حتى الآن – لحضرة عزتلو يوسف بك آصاف 4- كتاب تاريخ الدولة العثمانية فى العصور الوسطى – لمحمود محمد الحويرى 5- كتاب الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط– لعلى الصلابى 6- كتاب فى أصول التاريخ العثمانى – أحمد عبد الرحيم مصطفى 7- بعض المصادر الموجودة على الإنترنت أنقل منها المعقول والمأثور , وأترك ماينافى الدين أو العقل نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان : هو رابع سلاطين الدولة العثمانية , وُلد سنة 761هـ وبُويع له فى ميدان الحرب بعد استشهاد أبيه السلطان مراد الأول فى المعركة – معركة "قوصوة" -كوسوفو – وأصبح سلطانا على ماتحته من البلاد سنة 791هـ وهو ابن ثلاثون سنة . هكذا كانت البداية .... فى ميدان الحرب !! كان السلطان بايزيد الأول محبا للجهاد معزا لدين الله مذلا للكفار وأعوانهم محطما هامات المتكبرين ومدمرا لأعداء الله وكان على قدر كبير من الشجاعة, ومن أقوى السلاطين بأساً ,جرد الدولة البيزنطية من جميع ممتلاكاتها إلا العاصمة القسطنطينية وضرب حولها حصارا شديدا حتى كادت أن تفتح على يديه وانتظر العالم الإسلامى والمسيحى سقوط القسطنطينية بين ساعة وأخرى حتى حدث مالم يكن فى الحسبان كما سيأتى . كان مجرد ذكر اسم "بايزيد" كافيا أن يوقع الرعب فى نفوس المسيحين فى أوربا عموما وأهل القسطنطينية خاصة !! , كانت ترتجف منه ملوك أوروبا رعبا !! , وكان رحمه الله سريعا فى انقضاضه على أعدائه حتى لقبوه "يلديرم" أى "الصاعقة" وظل هذا الإسم يرعب جميع أوروبا !! كان عادلا حازما يحب العلماء ويقربهم ويعظم شأنهم وكان شديد التواضع مع ما جمع الله له من الهيبة والمك والقوة , فأتى بذلك أمر نادرا ما نجده فى سلاطين المسلمين أو خلفائهم وله فى ذلك القصة الشهيرة . قصة لها دلالتها :- إننا الآن فى ساحة المحكمة وتم استدعاء السلطان بايزيد الأول للإدلاء بشهادته فى أمر ما !! , وهل جاء السلطان أم اعتذر ؟؟ هاهو السلطان بايزيد الأول يقف أمام القاضى الإمام "شمس الدين فناري" فى تواضع شديد , لكن ينظر اليه القاضى ثم يقول " هذا الرجل لا تقبل شهادته , لأنه لا يحضر صلاة الجماعة مع المسلمين فى المسجد ومن لا يصلى فى جماعة دون عذر شرعى ممكن له أن يكذب فى شهادته !! " ياالهى !! . نزلت كلمات القاضى على الحاضرين كالصاعقة ومسك الجنود قبضات السيوف وانتظروا اشارة واحدة من السلطان لتطير عنق القاضى فى لحظة , لكن .......... أومأ السلطان بايزيد برأسه فى تواضع شديد ثم خرج , وفى نفس الوقت أمر ببنا مسجد ملاصق لقصره كى يحضر مع المسلمين صلاة الجماعة !! هذا ما سجله المؤرخ التركي (عثمان نزار) في كتابه (حديقة السلاطين) المؤلف قبل مئات السنين بالله عليكم هل سمعتم بسلطان رُفضت شهادته !! , الا يذكركم هذا السلطان بالفاروق عمر بن الخطاب !!!! عندما جلس السلطان بايزيد الأول على كرسى السلطنة كانت الأناضول يحكمها مثل ملوك الطوائف , واستطاع بايزيد الأول أن يوحد الأناضول كلها تحت إمرته بسرعة ومهارة حربية عجيبة أذهلت المسيحين فى أوروبا , وبعدما توحدت الأناضول ابتدأ جهاده ضد الإمبراطورية البيزنطية وبالفعل قضى على شوكتهم ووهن كيدهم وسلب بلادهم وضمها للدولة العثمانية , فأصبحت القسطنطينية محاطة من كل جانب بالدولة العثمانية . ولم يكتفى السلطان بايزيد الأول بذلك , بل واصل جهاده حتى فتح بلغاريا والبوسنة والأفلاق – جنوب رومانيا –ومعظم بلاد أوربا الشرقية !! وقاتل الصرب وانتصر عليهم وأرغم ملك الصرب أن يدفع له جزية سنوية وبناء مساجد ومحاكم إسلامية !! . موقف من مواقف العزة :- وبلغت عزة المسلمين أيام السلطان بايزيد مبلغا عظيما ذكرتهم بأيام الصحابة والرعيل الأول من المسلمين ومن تلك المواقف التى بلغت فيها عزة المسلمين مبلغا عظيما , يوم ان تولى الإمبراطور "مانويل" عرش القسطنطينية وفكر فقط فى مقاومة المسلمين !! , فماذا فعل السلطان بايزيد ؟ فرض السلطان بايزيد الأول عدة شروط على "مانويل" إمبراطور بيزتطة وتلك الشروط هى : 1- إنشاء محكمة إسلامية وتعيين قضاه مسلمين بها للفصل في شئون الرعية المسلمة بها. 2- بناء مسجد كبير بها والدعاء فيه للخليفة العباسي بمصر ثم السلطان بايزيد وذلك يوم الجمعة. 3- تخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية المسلمة بها. 4- زيادة الجزية المفروضة على الدولة البيزنطية. 5- ترك حامية إسلامية تتكون من 6000 جندى بحى جالاتا بحذاء الشواطىء الشمالية للقرن الذهبى 6- فرض رسوم جديدة على مزارع الكروم والفاكهة خارج أسوار القسطنطينية ودوّت صيحات الله أكبر فى جنبات القسطنطينية لأول مرة فى عهد الصاعقة بايزيد الأول , ولم ينتهى المشهد بعد , فقد ظل الإمبراطور مانويل معظم السنة الأولى من حكمه فى خدمة السلطان بايزيد وظل فى معسكر السلطان !! , الى أن سمح له بالرجوع الى القسطنطينية , ولكنه حذره قائلاً : ( إذا أردت أن تنفذ أوامرى , إغلق عليك أبواب مدينتك , واحكم داخلها , فكل ماوراء الأسوار ملك لى ) انظروا أيها السادة الى عزة المسلمين وقتها !!! الأمر الذى أرعب المماك المسيحية فى أوربا والذى أدى الى إعلان البابا بونيفاس التاسع الحرب الصليبية على الدولة العثمانية والسلطان بايزيد ومنح غفرانه لجميع المسيحين الذين سيقاتلون فى تلك الحملة لإنقاذ المجر والممالك المسيحية فى أوروبا . معركة نيكوبولس 800 هـ :- اجتمع لدعو البابا 15 دولة أوروبية و معظم أمراء ودول أوروبا "المجر – النمسا - إنجلترا – فرنسا – البندقية – أسبانيا – إيطاليا – ألمانيا – رومانيا - سويسرا – بولنده" , ومنذ قيام الحملة الصليبية الأولى فى بداية القرن الحادى عشر الميلادى لم تجتمع هذه الأعداد الضخمة , فكانت من أخطر الحملات الصليبية على الإسلام على الإطلاق . وكان قيادة تلك الجيوش لملك المجر "سيجسومند" , وافتخر المسيحين بالقوات الكثيفة التى تم حشدها حتى تملكهم الغرور حتى ان الملك "سيجسموند" قال فى علياء " لو سقطت علينا السماء لأمسكناها بحرابنا " , واجتمعت الجيوش فى "بودا" عاصمة المجر وانعقد مجلس الحرب فى صيف عام 1396 م لرسم الخطط ووضع التكتيكات الحربية . وبدأ هجوم الجيوش الصليبية نحو بلغاريا واستعادوا بعض المدن وأبادوا الحامية الإسلامية فيها , الأمر الذى أدى الى ترك السلطان بايزيد محاصرة القسطنطينية وتوجه نحو أوروبا فى سرعته المعهودة وجمع مائة ألف مقاتل بالإضافة الى قوات ضخمة أمده بها ملك الصرب رغما عنه حسب الإتفاقية التى بينهما , وتقابل الفريقين فى منطقة نيكوبولس . قبل بداية المعركة اقترح الملك "سجسموند" ان يتخد وضعية الدفاع , لكن خالفه باقى الأمراء فى الجيش واقترحوا مهاجمة العثمانيين والتوغل فى الأناضول والتوجه بعدها الى بلاد الشام وبيت المقدس !! . وبالفعل أثناء مسير القوات الصليبية الضخمة وتقدمهم ظهرت فجأة الجيوش الإسلامية بقيادة "الصاعقة" كأنها خرجت من باطن الأرض وكان ظهوره كفيلاً بإدخال الرعب والهول في قلوب الصليبيين وبدأت المعركة التى تعد من أشرس معارك التاريخ , وقاتل المسلمون يومها قتال من لا يخشى الموت , وأنزل الله على المسلمين الرحمة والسكينة وأيدهم بجند من عنده , فقذف فى قلوب الذين كفروا الرعب , وانتهت المعركة بنصر مبين للمسلمين ذكرهم بأيام المسلمين الأولى بدر واليرموك . وعلى الرغم من القضاء على القوات الصليبية إلا أن السلطان بايزيد انزعج لكثرة قتلى المسلمين فى المعركة التى قدرت بثلاثين ألف 30.000 قتيل !!! , وتذكر السلطان بايزيد مافعله الصليبيون بالحاميات الإسلامية فى بلغاريا والمجر , فأمر السلطان بايزيد بقتل الأسرى كلهم 3000 أسير وفى رواية أخرى 10.000 عشرة آلاف, ولم يبق إلا أكابر وعلية القوم للحصول على فدية ضخمة منهم . موقف من مواقف العزة :- وممن وقع فى الأسر "الكونت دى نيفر" بنفسه أحد أكبر الأمراء فى الجيش الصليبى , الذى أقسم بأغلظ الأيمان ألا يعود لمحاربة المسلمين وكاد أن يقبل قدم السلطان , لكن كان الرد السلطان بايزيد الأول المعتز بدينه , أن قال له : (إنى أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين فأنت فى حل من الرجوع الى محاربتى وقت ما شئت ) ثم استطرد قائلاً كلمته الشهيرة التى خلدها له التاريخ وكتبها من حروف من ذهب : ( إذ انه ما من شيىء أحب الىّ من محاربة جميع مسيحى أوروبا والإنتصار عليهم ) نزل الخبر على مسيحى أوروبا مثل الصاعقة , وانتظر المسيحيون سقوط الممالك المسيحية واحدة تلو الأخرى فى قبضة السلطان بايزيد .وعلى النقيض أرسل السلطان بايزيد الرسائل الى ملوك وسلاطين المسلمين فى القاهرة وبغداد وبلاد ماوراء النهر ومعها بعض الأسرى كدليل مادى على النصر المبين , وخلع عليه الخليفة فى القاهرة أبو عبد الله محمد بن المعتضد المتوكل على الله لقب "سلطان الروم" فأضاف بذلك شرعية جهاده ضد المسيحين فى أوروبا , وأهدى أمير بخارى سيفا للسلطان بايزيد فى سبيل الهدية والتكريم , وعلقت الزينة فى البلاد الإسلامية فرحا بذلك النصر المبين واتجهت أنظار المسلمين الى تلك الدولة التى أيد الله جهادها بالنصر على أعدائها وارتحل كثير من شباب المسلمين الى الأناضول ليكونوا تحت إمرة السلطان بايزيد فى جهاده ضد الروم مسيحى أوروبا . وتعتبر معركة نيكوبولس بالنسبة للمسيحين أعظم كارثة على الإطلاق فى العصور الوسطى , وبلغ السلطان بايزيد قمة مجده بعد تلك المعركة . وفى نشوة الفرح والإنتصار أعلن السلطان " أنه سيفتح إيطاليا بإذن الله وسيطعم حصانه الشعير على مذبح كنيسة القديس بطرس فى روما " !! أى رجل كان !!! , ولكن الله قدر شيئا آخر . كارثة تيمورلنك :- ظهرت أثناء تلك الفترة قوة بشرية ضخمة يقودها رجل من أقسى الناس قلبا وأخبسهم عملاً , هو تيمورلنك الرافضى الخبيث الذى كان يدعى الإسلام ويظهر حبه الشديد لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم , استطاع هذا الرجل أن يؤسس إمبراطورية ضخمة مترامية الأطراف فضم بلاد ماوراء النهر وبلاد الشام والهند وموسكو وأسيا الصغرى !! وكان يؤمن أنه طالما يوجد فى السماء اله واحد فيجب أن يوجد فى الأرض ملك واحد , فكان يحلم بالسيطرة على العالم !! واستباح تيمورلنك بعض البلاد مثل حلب وبغداد وغيرها , فعمل فيها التخريب والقتل وكان يأخذ الصناع والحرفيين الى عاصمته "سمرقند" , ولم يستطع أحد أن يقوم فى وجه هذا الطاغية لعظمة جيوشه وأعدادها الضخمة التى لا نبالغ إذا قلنا أنها قاربت الى اكثر من مليون جندى !! وكان هذا الطاغية لربما يصنع أهرام من جماجم ضحاياه وعظامهم , فكان من أشد الناس ظلما وقهرا . وكان قبحه الله يصبغ حملاته تلك بصبغة دينية لتسهيل فتوحاته . مافرح ملوك أوروبا بشىء مثل فرحهم بظهور تيمورلنك الذى وجدوا فيه خلاصهم الوحيد من السلطان بايزيد الأول . ارتحل كثير من أمراء الأناضول الذين طردهم السلطان بايزيد الأول الى خدمة تيمورلنك واحتموا به , وبلغ ذلك إمبراطور بيزنطة وأمراء أوروبا فأرسلوا الى تيمورلنك يستنجدون به من السلطان بايزيد الأول وأوقدوا العداوة بينهما , وبالفعل طمع تيمورلنك فى أملاك الدولة العثمانية وبدأ بالهجوم على أطرافها فى آسيا الصغرى , وانضم اليه الأمراء الفارين من بايزيد الأول . الأمر الذى أزعج السلطان بايزيد جدا فصمم على ملاقاة هذا الطاغية وقتله وخصوصا بعد رسالة تيمورلنك الى السلطان بايزيد حيث أهانه ضمنيا حين ذكره بغموض أصل أسرته واستصغار شأنه ولكنه ختم الرسالة بأن عرض عليه العفو على إعتبار الخدمات الجليلة التى قام بها آل عثمان لخدمة الإسلام !! فصمم السلطان بايزيد على محاربة الطاغية تيمورلنك , ثم بعد ذلك يتفرغ الى فتح القسطنطينية الذى كان وشيكا جدا . معركة أنقرة 1402م :- فى عام 1400 م احتل تيمورلنك سيواس فى الأناضول وأباد حاميتها هناك التى كان يقوها أرطغرل بن السلطان بايزيد ولم يكتفى بذلك بل أخذ الفرسان وأحنى رؤسهم بين أرجلهم وألقاهم فى خنادق واسعة وردمهم بالتراب !! انزعج السلطان بايزيد جدا واستصوب رفع الحصار عن القسطنطينية وملاقاة هذا الطاغية . فاجتمع الجيشان فى سهل أنقرة عام 1402م- 19 ذى الحجة 804هـ - وكان جيش السلطان بايزيد حوالى 120.000 مقاتل وكان من قواد الجيش 5 من أولاد السلطان بايزيد هم ( محمد , مصطفى , سليمان , عيسى , موسى ) , وكانت قوات تيمورلنك كثيرة جدا حتى أن بعض الروايات تذكر أنها وصلت الى 800.000 مقاتل !! هذا بالإضافة الى وجود آلاف من التتر فى جيش بايزيد الأول وكان قد أرسل لهم تيمورلنك سرا كتابا يخبرهم بأن ينضموا اليه ويتركوا السلطان بايزيد وأخبرهم "نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا،ويكون لكم الروم عوضهم" فأجابوه وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه !! عندما التقى الجيشين دخل الرعب الى قلوب جنود السلطان بايزيد من هول ما رأوه من عدد جنود تيمورلنك بالإضافة الى ما سمعوه عن معاملته الوحشية لأسرى الحرب ومما زاد بلائهم أن الجنود التتر الموجودين فى صفوفهم انضموا لصفوف تيمورلنك وكانوا 50.000 خمسين ألفا !! فكان مصير المعركة محدد سابقا , وبدأت معركة شرسة ضارية تشبه فى شدتها وضراوتها حروب هذا العصر لكن بإختلاف نوع الأسلحة المستخدمة !! , فانهزم جيش بايزيد الأول وبدأ الجنود فى الإنسحاب , أما بايزيد الأول لم ييأس وهو الذى تعود على النصر وهو الذى عُرف بالشجاعة والإقدام , فأخذ مجموعة من الفرسان من خواص رجاله وصعدوا على ربوة عالية ليكونوا فى موقع جيد للقتال ولكن قدر الله أن يقع السلطان بايزيد فى الأسر !! نعم , وقع السلطان بايزيد الأول فى الأسر عند تيمورلنك , واختلفت الروايات فى كيفية معاملة تيمورلنك للسلطان المجاهد العظيم بايزيد الأول , فمنهم من قال أنه اهانه ووضعه فى قفص وأخذ يطوف به البلاد , ومنهم من يقول أنه أكرمه وعظم شأنه , ولا ندرى حقيقة كيف عُومل السلطان المجاهد الصاعقة بايزيد الأول , لكن مع ما ثبت فى كتب التاريخ ما فعله تيمورلنك عند وفاة السلطان بايزيد الأول يدل لنا على أن تيمورلنك أحسن معاملة السلطان بايزيد فى أسره . بعد أسر السلطان بايزيد استباح تيمورلنك أملاك الدولة العثمانية لجنوده فخربوها وهدموا أكثر منشآتها !! وفاة الصاعقة ..... (15 شعبان عام 805هـ) أتدرون كيف مات السلطان المجاهد العظيم الصاعقة بايزيد الأول !!! مات السلطان بايزيد بعد ثمانية شهور كمدا فى أسره !! , فظل يرسف فى أغلاله حتى مات رحمه الله تعالى , لم يتحمل – رحمه الله – الذل والهوان والأسر , ولم لا وهو السلطان المجاهد العظيم الصاعقة الذى تعود على النصر والذى لم يركن الى الراحة يوما واحد وظل فى جهاد دام أكثر من 14 عاماً ووصلت جيوشه أماكن لم ترفع فيها راية للمسلمين من قبل , ورفع الآذان فى عهده فى القسطنطينية التى كادت أن تفتح على يديه . وهو السلطان الذى ارتعدت فرائص ملوك الروم عند ذكر اسمه !! وعندما مات السلطان بايزيد الأول سمح تيمورلنك ابنه الأمير موسى بأخذ جثمان أبيه ودفنه بجوار مسجده فى مدينة بروصة فى الأناضول وقبره بها مازال معلوما الى الآن . كانت الصدمة شديدة جدا على المسلمين فى أنحاء الأرض !! , حتى أن تيمورلنك قام بفتح بعض البلاد الساحلية الصليبية وانتزعها من ايدى فرسان القديس يوحنا محاولا بذلك أن يبرر موقفه أمام الرأى العام الإسلامى الذى اتهمه بأنه وجه ضربة قاضية وشديدة للإسلام حين قضى على الدولة العثمانية وقضى على السلطان المجاهد العظيم الصاعقة بايزيد الأول !! لكن أبى الله إلا أن يخلد ذكر الصاعقة بايزيد الأول ويأتى من نسله أبطال عظماء لطالما استمتعنا بقراءة سيرهم وبطولاتهم مثل محمد الثانى فاتح القسطنطينية !! هو محمد الفاتح بن مراد الثانى بن محمد جلبى بن السلطان بايزيد الأول !! .....ذرية بعضها من بعض !! مات السلطان بايزيد الأول وقد بلغ من العمر 44 عاماً !! وظلت سيرة السلطان بايزيد الأول وستظل دائما نورا ونبراسا يضىء لنا الدرب الى الجهاد والى نصرة دين الله قال الإمام الحافظ المحدث العلامة ابن حجر العسقلانى - رحمه الله - عن السلطان بايزيد الأول : - كان من أكبر ملوك الإسلام وأتمهم يقينا وأيمنهم نقيبة وأكثرهم غزوا فى بلاد الكفار , وكان ينكر ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخذهم المكوس .... - وكان أبو يزيد بن عثمان - بايزيد الأول - من خيار ملوك الأرض , ولم يكن يلقب بلقب ولا أحد من آبائه وذريته , ولا دعى بسلطان ولا ملك , وإنما يُقال " الأمير" تارة و "خوند خان" تارة , وكان مهابا يحب العلم والعلماء ويكرم أهل القرآن ... - وكان يجلس بكرة النهار فى براح متسع , وتقف الناس بالبعد عنه بحيث يراهم , فمن كانت له ظلامة رفعها اليه فأزالها فى الحال .... - وكان الأمن فى بلاده فاشيا , بحيث يمر الرجل بالحمل مطروحا بالبضاعة فلا يتعرض له أحد !! .... سبحن الله !! أرأيتم كيف كان السلطان بايزيد الأول - رحمه الله - وكيف كان ثناء الحافظ ابن حجر العسقلانى عليه !!! والله يا إخوة ما يحزن ويدمى القلب أن شبابنا الآن لا يعرفون شيئا عن هذا البطل العظيم !! الله المستعان ... هذه بعض الصور المتعلقة بالسلطان بايزيد الأول -
|
#30
|
|||
|
|||
السلطان سليمان القانونى ... أكبر ملوك الإسلام !! بقلم / محمود حافظ هو أكثر سلاطين المسلمين جهاداً وغزواً فى أوروبا , ووصلت جيوش المسلمين فى عهده الى قلب أوروبا عند أسوار فيينا مرتين !! , مجدد جهاد الأمة فى القرن العاشر , أقام السنّة وأحيى الملّة وقمع البدعة والروافض , صاحب انتصار المسلمين فى معركة موهاكس التى كانت من أيام الله الخالدة وتُعد غرة المعارك الإسلامية فى شرق أوروبا بعد معركة نيكوبوليس وفتح القسطنطينية , وهو أعظم سلاطين الدولة العثمانية وأكثرهم هيبة ورهبة فى قلوب النصارى وأشدهم خطرا عليهم , وكان من خيار ملوك الأرض !! حكم المسلمين قرابة ثمانية وأربعين سنة وامتدت دولة الخلافة الاسلامية فى عهده فى ثلاث قارات وأصبحت القوة العظمى فى العالم بأسره بلا منازع وتمتلك أعتى الجيوش والأسلحة وصاحبة السيادة فى البحار والمحيطات !! يقول المؤرخ الألماني هالمر " كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه" !!! ويقول المؤرخ الانجليزي هارولد " إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى "!!! فمن كان السلطان سليمان الأول "القانونى" !!! , دعونا نسرد سيرته ومصادرى فى ذلك : - مصادر الدراسة :- 1. شذرات الذهب فى أخبار من ذهب , لابن العماد الحنبلى 2. أخبار الدول و آثار الأول في التاريخ , للقرماني 3. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع , للسخاوى 4. نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 5. الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة ,نجم الدين الغزّى 6. الدولة العثمانية , عوامل النهوض والسقوط , لعلى الصلابى 7. فى أصول التاريخ العثمانى , أحمد عبد الرحيم مصطفى 8. خير الدين بربروس والجهاد فى البحر , بسام العسيلى 9. الدولة العلية العثمانية , محمد فريد بك 10. تاريخ بلغراد الاسلامية , محمد موفاكو 11. تاريخ الشعوب الاسلامية , المستشرق كارل بروكلمان 12. العقد المنظوم فى ذكر أفاضل الروم , طاشكبرى زاده 13. منح رب البرية فى فتح رودس الأبية , عبد الرحيم العباسىّ 14. تاريخ بلجراد الإسلامية , محمود موفاكو 15. وغيرها من الكتب والمراجع حتى لا أطيل .. وبعض المصادر من الانترنت أنقل منها المعقول والمأثور نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان :- المولد والنشأة :- هو عاشر سلاطين الدولة العثمانية وثانى خليفة للمسلمين فى الدولة العثمانية , وُلد السلطان سليمان خان الأول بن السلطان سليم الأول عام 900هـ , كان طويل القامة حسن الوجه , وكان أبوه هو السلطان سليم الأول الذى ضم مصر والشام للدولة العثمانية , والذى تنازل له آخر خليفة عباسى فى القاهرة عن الخلافة وأرسل له مفاتيح الحرمين , وأصبح أول خليفة من الدولة العثمانية ولُقب بخادم الحرمين الشريفين . وكان ميلاد السلطان سليمان الأول – رحمه الله – خير وبركة على الأمة الاسلامية واستبشر به المسلمون خيرا , وظل السلطان سليمان الأول – رحمه الله – فى كنف أبيه السلطان سليم يربيه ويرعاه ويدربه على أمور السياسة والحكم , فكان أميرا على بعض الولايات فى الأناضول أثناء خلافة أبيه وظل على ذلك الأمر حتى توفى أبيه السلطام سليم الأول عام 926هـ , وتولى الخلافة سليمان الأول ودخلت الدولة الإسلامية فى عهد جديد , عهد السلطان الفاتح الغازى المجاهد سليمان الأول ..... !! السلطان سليمان الأول خليفة المسلمين :- تولى السلطان سليمان الأول الخلافة وهو ابن 26 سنة !! , أول شيىء فعله السلطان سليمان – رحمه الله – أنه أقام السنّة وأعلى منارها وقمع البدعة وأهلها وقضى على الروافض وأحيى الملة ونشر العدل فى ربوع الدولة الاسلامية فاستبشر الناس خيرا بعهده , وكان السلطان سليمان يستفتح رسائله بقول الله تعالى (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) تيمنا بنبى الله سليمان – عليه السلام - حتى قال عنه المؤرخون انه " سليمان زمانه " لكثرة جنده ولعظيم هيبته ولنفاذ أمره فى ملـوك الأرض, ولإقامته للسنّة ولجهاده ضد النصارى , وقـال أحدهم شعرا حين تولى الخلافة : قل للشياطين البغاة اخسأوا *** قد أوتى المُلك سليمانُ خوذة حرب كان يضعها المجاهدين فى عهد الدولة العثمانية واجمع المؤرخون من المسلمين وغيرهم ان ذروة مجد الدولة العثمانية وأعظم أيامها كان فى أيام السلطان سليمان القانونى , وأنه كان آخر سعد الدولة العثمانية , وكان رحمه الله روؤفا برعيته وترأف بحال الناس فأطلق سراح 600 مسجون من مأسورى مصر ... وردع الظالمين عن المظالم , وردع أهل الشرور والمفاسد , وأمن الناس فى أيامه وانتشر العدل فى سائر الأركان , واندثر الظلم , واجتهد رحمه الله فى أول جلوسه فى نفى الزنادقة والمبتدعين فى الدين .. !! حتى قال الشاعر فى قصيدته العصماء التى ساوردها كلها فى نهاية الموضوع :- مليكٌ يرى أن ليس فى الأرض مشتهى *** سوى منع دين الله مما يُغيّرُ الله أكبر والعزة لله ... افلح من كان هذا هدفه وتلك غايته !!! وعمل السلطان سليمان تعديلات إدارية فى إدارة الدولة الاسلامية وشئون أفرادها من مختلف الديانات والجنسيات والأعراق والأقليات , فجلب السلطان سليمان العلماء الربانيين وجلس معهم ووضع قوانين إدارية مستمدة من الشريعة الإسلامية , وبالفعل كان من أهم أعمال السلطان سليمان الإدارية انه وضع قانون الدولة العثمانية المسمى " قانون سليمان نامه" اى "قانون السلطان سليمان " وكان الذى شاركه فى وضع تلك القوانين من القرآن والسنة هو العالم الجليل أبو السعود أفندى المفسر الكبير وصاحب التفسير العظيم " إرشاد العقل السليم الى مزايا الكتاب الكريم" المشهور بـ "تفسير أبى السعود" .... . فانظروا كيف كان حكام المسلمين يستعينون بالعلماء ولا يستغنون عن مشورتهم , وجعل السلطان سليمان منصب الفتوى أعلى المناصب قاطبةً بعد منصب الخلافة !!! وبعد وضع تلك القوانين الإدارية التى تحكم الدولة الاسلامية , أخذ السلطان سليمان بتطبيقها بكل عدل ومساواة وبكل حزم , فكما قيل : الحزم سياج العدل !! ومن هنا جاءت تسمية السلطان سليمان الأول بـ"القانونى" , ليس لأنه من وضع القوانين , بل لتطبيقه تلك القوانين بكل صرامة لا يفرق بين كبير او صغير ولا بين عامة وخاصة !! الله أكبر .. وااااااااهٍ يا أيام العزة !! منذ تولى السلطان سليمان القانونى الخلافة , لم يركن الى الدعة والراحة , بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل مجاهدا الى آخر يوم فى عمره وما ترك الجهاد قط , ما كان ينزل من على صهوة جواده إلا ليمتطى جوادا آخر ليمضى مجاهدا فى سبيل الله ولإعلاء كلمة الله !! ولا عجب من ان معظم الحديث عن السلطان سليمان القانونى سيكون عن جهاده , لأنه لا يوجد جانب أعظم ولا أروع فى سيرة السلطان سليمان إلا جهاده ضد المشركين فى أوروبا وفتوحاته المجيدة !! جهاد السلطان سليمان القانونى : استطاع السلطان سليمان القانونى ان يوسع رقعة الدولة الإسلامية فى ثلاث قارات حتى أصبحت دولة مترامية الأطراف , وكان سبيله فى تحقيق هذا الهدف هو سيفه ودرعه !! لكم ان تعلموا ان المؤرخين ذكروا ان عدد ما افتتحه السلطان سليمان القانونى فى حياته من الحصون والقلاع والمدن ما يناهز 360 حصنا !! وما علمنا ان من قادة المسلمين قديما وحديثا افتتح مثل هذا العدد !! تعالوا نرى نبذا من جهاد السلطان سليمان القانونى وسأكتفى بالمحطات الرئيسية ... فتح بلجراد ( 25 رمضان 926هـ , 31 أغسطس 1521م) عندما جلس السلطان سليمان القانونى على كرسى الخلافة , كان أول ما فعله هو إرسال رسالة الى ملوك أوروبا يُعلمهم بتوليه الخلافة ويأمرهم بدفع الجزية المقررة عليهم كما كانوا يفعلون فى عهد أبيه السلطان سليم الأول . فما كان من ملك المجر إلا أن قتل رسول السلطان سليمان !! فاستشاط السلطان سليمان غضبا وانفعل قائلا : أيُقتل سفير دولة الإسلام !!! .. أيهددنى ملك المجر !! فما أصبح الصباح إلا وقد أعدّ السلطان سليمان جيشا جرار مدعوما بالسفن الحربية وكان السلطان سليمان بنفسه على رأس هذا الجيش وكان قاصدا مدينة بلجراد المنيعة والتى تُعد بوابة أوروبا الوسطى وحصن المسيحية كما كانوا يطلقون عليها !! ولكم أن تعلموا ان محمد الفاتح رحمه الله حاول أن يفتح بلجراد ولكنه فشل , بل وأصيب إصابات خطيرة أثناء حصارها ... ولما انصرف عنها قال : عسى ان يخرج الله من أحفادى من يفتح تلك المدينة على يديه !! بلجراد كانت لها مكانة عظيمة فى قلوب النصارى وخصوصا بعد سقوط القسطنطينية وسمّوها (حصن المسيحية) !! حصار محمد الفاتح لبلجراد 1456م ويذكر المؤرخون ان السلطان سليمان عندما كان وليا للعهد كان يمنّى نفسه بفتح بلجراد التى عجز أجداده ( مراد الثانى , محمد الفاتح , بايزيد الثانى ) من فتحها !! توجه السلطان سليمان القانونى على رأس جيش عرمرم مكوّن من كتائب الإنكشارية الذين ما ان يسمع النصارى فى أوروبا باسمهم يأخذ الرعب منهم كل مأخذ وترتعد فرائصهم ,ومزود بأعتى المدافع والأسلحة يمدهم 3 آلاف جمل محمل بالأسلحة و30 ألف جمل محمل بالمهمات وسفن تحمل الخيول و50 سفينة حربية و مئات من المدافع العملاقة الفتاكة التى كانت فخر الجيوش الإسلامية .. وبالفعل يبدأ السلطان سليمان فى حصار قلعة بلجراد , وبعد شهرين ونصف من الحصار تسقط قلعة بلجراد فى 2 رمضان 927هـ , ثم دخل السلطان سليمان القانونى المدينة نفسها فاتحاً يوم 26 رمضان 927هـ ... !! وكان يوماً مشهودا , وأمر السلطان سليمان أن يرفع الآذان من القلعة , ويذكر صاحب كتاب "تاريخ بلجراد الاسلامية" نقلاً عن صاحب يوميات السلطان سليمان الى بلجراد " بعون الله تعالى تم اليوم فتح قلعة بلغراد ... وارتفع صوت المؤذن من القلعة" , ونزل خبر سقوط بلجراد على النصارى والبابا فى روما كالصاعقة وارتعدت فرائصهم من الرعب !! وعلموا وقتها أنهم أمام سلطان من طراز فريد , وعلموا أنه سيعيد لهم سيرة بايزيد الأول ومحمد الفاتح , فوقعت هيبته فى قلوب ملوك أوروبا قاطبةً , وبعث اليه ملك روسيا والبندقية وسائر ملوك أوروبا يهنئونه بالفتح ويعطونه الجزية عن يدٍ وهم صاغرون !! ومن يومها سمّى المسلمون بلجراد (دار الجهاد) وكان منها القاعدة الحربية لانطلاق جيوش المسلمين لغزو باقى أوروبا , واهتم المسلمون بالأوجه الحضارية فى بلجراد حتى سمّاها المؤرخون (أندلس البلقان) وكانت تنعم بأوجه الحضارة بينما كانت سائر بلاد أوروبا لا تعرف شيئا عن أوجه الحضارة ولا عن تخطيط الشوارع ورصفها وإنارتها ليلا !! مَن مِن المسلمين الآن يعرف شيئاً عن بلجراد الاسلامية !!! فقد ضاعت كما ضاعت الأندلس , فصدق من سمّاها (أندلس البلقان) فهى شبيهة الأندلس فى حدث إقامتها وحدث نهايتها !! وظل السلطان سليمان القانونى فى بلجراد حتى عيد الفطر وأقام صلاة العيد فى أكبر كنائسها بعد تحويله الى مسجد ولم ينزل السلطان سليمان من جواده حتى امتطى جوادا آخر مجاهدا فى سبيل الله رافعا كلمة الله خفاقة ... فتح جزيرة رودس (13 صفر 929هـ , 1 يناير 1523م) كانت جزيرة رودس هى الشوكة المنيعة التى فى حلق الدولة العثمانية , والتى تمتاز بمناعة وتحصين نادر جدا ورهيب , حتى ان سلاطين المسلمين فى صدر الدولة العثمانية ما استطاعوا فتحها ابدا كمحمد الفاتح !! وكان يسكن جزيرة رودس نصارى الروم الصليبين المسمون (فرسان القديس يوحنا) الذين طُردوا من بلاد الشام بعد الحملات الصليبية , وكانوا تحت سلطة البابا فى روما , وكانوا على عصبية شديدة جدا ضد المسلمين , فكان طوال مكثهم يغيرون على سفن المسلمين المتجهة للحجاز يقتلون رجالهم ويأسرون أطفالهم ويهتكوا عرض نسائهم وينهبوا أموالهم .. إحدى قلاع جزيرة رودس ويقتلون الحجيج ويحرقون سفن المسلمين وكانوا يبغضون المسلمين جدا , ويستغلون حصونهم فى الجزيرة المنيعة , فكانوا على اطمأنان بأن المسلمين لن يستطيعوا ان يصلوا اليهم .. نهب الصليبين فى رودس أحد السفن الإسلامية التى تُقلّ الحجيج والتجار المسلمين فقتلوهم وحرقوا سفنهم , وعلم السلطان سليمان القانونى بهذا الخبر , فاستشاط غضبا لله وأقسم أنه لن يركن للراحة حتى يفتح جزيرة رودس ويطرد الكفار الملاعين منها !! وبالفعل أخذ السلطان سليمان استعداده لفتح جزيرة رودس براً وبحراً , واستغل انشغال ملوك أوروبا بالحروب بينهم , وانشغال بابا الفاتيكان بالتصدى لدعوة مارتن لوثر وقيام المذهب البروستانت , فأرسل حملة عسكرية بقيادة مصطفى باشا قوامها 200 ألف جندى مزودين بأعتى المدافع ومعهم 700 سفينة حربية وبدأ الهجوم على أسوار رودس إلا أنهم لم يصيبوا منها شيئا لمناعتها ... فغضب السلطان وسافر بنفسه ومعه كتائب من المجاهدين وتولى القيادة بنفسه أمام أسوار جزيرة رودس وحاصرها السلطان 6 شهر كاملة وضيّق عليها الخناق وكان طوال تلك المدة يواصل إطلاق المدافع , حتى بلغ عدد ما أطلقوه من المدافع 220 ألف مدفع !! والمصادر التاريخية تذكر لنا حالة الطقس أثناء حصار المسلمين لردوس أنها كانت سيئة للغاية فالأمطار تتساطق على المجاهدين , والسماء تبرق والرعد يصمّ صوته الآذان , ومع ذلك لم يفت ذلك فى عضدهم ... فاستسلم فرسان القديس يوحنا , وأمهلهم السلطان مدة 12 يوما يخرجون من الجزيرة , وأعطاهم أمانا على كنائسهم ودينهم كان هذا ديدن السلطان فى فتح بلاد النصارى بأوروبا .. إحدى قلاع جزيرة رودس ودخل السلطان سليمان القانونى جزيرة رودس فاتحاً يوم 13 صفر عام 929هـ الموافق 1 يناير 1523م , وهنا اهتز عرش النصرانية فى روما والعالم النصرانى كله , وخرج فرسان القديس يوحنا منكسين روؤسهم من الذل والهوان متجهين الى جزيرة مالطا , فسكنوها وسموا أنفسهم فرسان مالطا ... ويحكى لنا المؤرخ عبد الرحيم العباسى الذى شارك فى هذه الحملة ان المسلمون وجدوا فى الجزيرة أكثر من 3 آلاف أسير فى حالة يُرثى لها من التعذيب والقهر والذل , ويقول بأن المجاهدين العثمانيين بكوا عندما رأوا حال الأسرى !!! وعندما دخل السلطان سليمان المدينة أمر جنوده بتجهيز الكنيسة لصلاة الجمعة , فأُزيلت الصور والتماثيل وصُنع منبر خشبى بسيط لهذه الغاية , وبالفعل أُقيمت صلاة الجمعة وخُطب للسلطان وغص المسجد بالمصلين ولله الحمد والمنة ... دعونى أنقل لكم ما قاله ووصفه عبد الرحيم العباسى عند دخول المسلمين رودس بعد الحصار – وكان شاهدا هذا الفتح :- يقول – رحمه الله – فى كتابه (منح رب البرية فى فتح رودس الأبية) :- ( اقراواها بتمعن ) ( ثم برز الأمر الشريف بإرسال السَنْجق السنجق " لواء الفتح عند العثمانيين" المنصور , واللواء الذى هو لطىِّ الكفار منشور , ليوضع على سور القلعة , بشامخ العزة والرفعة , فذهبوا به على نهاية التعظيم وغاية الإجلال والتكريم , والعساكر الإسلامية به محدقة , وعيون المسلمين اليه مُحَدَّقة , وعيون المشركين مطرقة , وأصوات الطبول والبوقات قد ملأت النواحى والجهات , والأصوات المرتفعة بالتهليل والتكبير , والصلوات والتسليم على سيدنا ومولانا محمد البشير النذير , والسراج المنير , وقلوب أعداء الله من ذلك فى أحرّ من نار السعير , ولم يزالوا به سائرين , وقد أصبحوا على أعداء الله ظاهرين , إلى أن وضعوه من الحصن بأعلى مكان , وأعلن المؤذنون للظهر بالآذان , وأجابهم من المسلمين الثقلان , أعنى الجن والبشر حتى الشجر والحجر والمدر , وكانت ساعة مشهودة , وفى مواسم الأيام معدودة , وليس الخبر كالعيان , ولا يقدر على تأدية وصف ذلك بديع بيان , ولما أُدخل السنجق الشريف دخل معه كثيرٌ من العساكر , وجمُ غفير من القبايل والعشائر , واتخذوه من أحب المواطن , واقتسموا منه المساكن , وذهب ما كان يضمره المشركون , فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون , وبرز الأمر الشريف بأخذ أسلحة الكفار , وإلباسهم شعار الذلة والصغار , فسُلِبوها بأسرها , وقُلِّها وكُثرِها , حتى أُخذت منهم السكاكين , وصاروا بعد العز المكين , الى ذل الخايف المستكين , وانتقل بعد بكاء العيون منهم الى ضحك الأفواه , وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله , ولم يسع طاغيتهم من ذلك إلا إظهار الطاعة ...... ) أ.هـ ومن عجيب المصادفات أن خلال هذه الأيام كان البابا أندريانوس الثاني يجري مراسم أعياد الميلاد في كنيسةسان بيترو في روما ، فتدحرجت حجارة سقطت من حافة سقف الكنيسة نحو قدميه ، فتشاءمالبابا ، وقال (سقطت رودس) !! وسبحن الله , أرخوا لذلك الفتح بقوله تعالى (يفرح المؤمنون بنصر الله) , فكان هذا من عجيب الموافقات .. ومما قيل فى هذا الفتح المجيد من الأشعار , أورد لكم جزأ بسيط من القصيدة : قل لبنى الكفر مضت رودس *** فليخزأوا بالرغم وليخنَسوا وليحزنوا حزن الثكول التى *** أصيب منها الأكرم الأنفسُ كانت لهم حصنا فلم يُحرزوا *** بها من السوء ولم يُحرسوا واتخذوها شركا للأذى *** دهرا فمن حل بها يبأسُ يصحبه الأدهم فى رجله *** والغل فى الجيد له الملبسُ وعينه تبيضّ من حزنه *** من أسود العيش الذى يمْسَسُ ويقسمون الغُنم من ماله *** وهو من الخشية لا ينبُسُ وكم وكم من محنٍ تعترى *** أحواله وهو بها مُبلَسُ حتى أتاح الله سبحانه *** لفتحها مَن سِرُّهُ الأقدسُ فجال فيها جوْلةٌ غُودرت *** بها مغانى كفرهم تَدرسُ وأصبح الناقوس فى أوجها *** وهو بتوحيد الورى أخرسُ وأطّد الإسلام راياته *** لما غدت راياتهم تنكسُ وانتسخت آيات إنجيلهم *** بآى قرآنٍ غدا يُدرسُ ومن يكن يضحكُ من غيَّه *** أضحى بما صار له يَعبسُ وأورت الله مليك الورى *** ما كان منهم دايما يُبأسُ وصار فتحا سائرا ذكره *** كالشمس لا يعدمها مجلسُ والنّظم قد رتب تاريخه *** بجيدها قد سُلّمت رودسُ دام مليك العصر مستظهرا *** والكفر فى قاع الردى يُركسُ معركة موهاكس الخالدة (21 من ذي القعدة 932هـ= 29 من أغسطس 1526م ): إن فى تاريخ المسلمين معاركة كانت من أيام الله الخالدة كاليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت وملازكرد والزلاقة وشانت يعقوب و.....ألخ وكانت من تلك الأيام التى أنزل الله فيها النصر على جند الإيمان وقذف الرعب فى قلوب حزب الشيطان , هو يوم معركة (موهاكس) التى من أشرس معارك المسلمين , وأشد قهرا وذلا فى قلوب المشركين الى يوم الناس هذا !! لو قدّر الله ان تذهب يوما الى دولة المجر , فأنصحك ألا تذكر اسم السلطان سليمان القانونى , ولا اسم معركة موهاكس ابداااااا !! الى الآن يوجد مثّل شعبى فى المجر يتناوله أهلها اذا حدث أمر سيىء فيقول : أسوأ من هزيمتنا بموهاكس !! وبعض الكتّاب سمّى هذه المعركة بأنها المعركة التى أدخلت الرعب على أوروبا !! يالله .. الى هذا الحد !! والله يا إخوة أصابنى الكمد والحزن والغمّ والهمّ كلما سألت أحد الشباب عن موهاكس او عن السلطان سليمان , ولا يكاد يعرف شيئا !!!!!! ما تفاصيل تلك المعركة الخالدة ... كانت فى هذه الفترة ظهرت قوة مملكة إسبانيا بصورة رهيبة جدا يقودها رجل مشهور وذائع الصيت فى أوروبا وهو شارل الخامس أو شارلكان , وكان هذا الخبيث النجس هو حفيد إيزابيلا وفردناندو الذين دخلوا غرناطة عام 1492م وأسقطوا الحكم الإسلامى فى الأندلس الى الأبد وقادوا حملات محاكم التفتيش ضد المسلمين ... شارلكان أو شارل الخامس هذا الخبيث شارلكان استطاع ان يبسط نوفذه على إسبانيا والبرتغال ألمانيا والنمسا وهولندا , وأسس إمبراطورية ضخمة وقوية جدا , وكان هذا الخبيث يحاول أن يفرض سيطرته على المجر لتكون حاجزا له ضد الدولة العثمانية والمسلمين .. !! فانتبه لذلك السلطان سليمان , وعلم خطورة سيطرة شارلكان على المجر , وما يترتب عليه من أوضاع خطيرة للمسلمين فى أوروبا الوسطى !! وهنا ظهر جانب آخر وخيانة خلدها التاريخ لأحفاد بن سبأ الملاعين , وهى الدولة الصفوية الرافضية الخبيثة !! اتفقت الدولة الصفوية مع المجر ضد الدولة العثمانية , وعندما علم السلطان سليمان بهذا الأمر استشاط غضباً , وبدأ فى التحرك لغزو المجر وضمها للدولة العثمانية الإسلامية , وأراد ان تكون تلك المعركة شرسة وعنيفة ليلقن الأوروبين درسا وخصوصا شارلكان حتى يصرف أبصاره عن المسلمين !! وبالفعل خرج السلطان سليمان القانونى من عاصمة الخلافة وحاضرة الدنيا اسلامبول "اسطنبول" فى 11 رجب عام 932هـ , 23 ابريل 1526م , على رأس جيش عرمرم من المجاهدين قوامه 100.000 ألف مقاتل مزودين بـ 300 مدفع عثمانى عملاق ومعهم 800 سفينة بحرية لتسهيل تحرك المسلمين بين الأنهار , ووصل السلطان الى بلغراد المسلمة ومكث هناك يستقبل التهانىء بعيد الفطر , ثم تحرك رحمه الله حتى وصل الى نهر طونة "الدانوب" وأمر بتشيد جسر يعبر عليه المسلمون , وبالفعل تم تشييد الجسر فى مدة زمنية قليلة , وظل عبور الجيش الإسلامى عليه لمدة 4 أيام , وهنا أمر السلطان سليمان أمرا عجيبا !! جيوش المسلمين بالعمائم واللحى فى معركة موهاكس الخالدة أمر السلطان سليمان رحمه الله بهدم الجسر !!! يقول صاحب كتاب (أخبار الدول وآثار الأول) معلقا على هذا الأمر : " ثم أمر السلطان برفع الجسر فرُفع , فبقى المسلمون فى بلاد الكفار , وذلك لشهامته وقوة عزيمته , وقطع أطماع العسكر من الفرار الى بلادهم ... " أ.هـ الله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ... وفى أثناء مسير السلطان سليمان رحمه الله افتتح عدة قلاع تقع على نهر الدانوب ولها أهمية حربية كبيرة , ثم يواصل السلطان سليمان القانونى تقدمه حتى وصل الى وادى موهاكس فى 20 ذى القعدة عام 932هـ , 28 أغسطس عام 1526م , وبات السلطان والجنود ليلتهم فى فى الدعاء والتهليل والتكبير , وتضرع السلطان سليمان الى الله سبحانه وتعالى وسأله النصر , وكان يمر بين صفوف الجند فيخطب فيهم عن الجهاد وعن فضل الشهادة , وفى اليوم الثانى , وبعد ما صلى السلطان صلاة الفجر دخل بين الجنود وحمسهم وكان مما قال لهم : وكأنى برسول الله ينظر اليكم الآن !! ... فلم يتمالك احد من الجند دموعه , وبكى السلطان وبكى كل من حضر .... انظروا يا إخوة , على مثل هؤلاء ينزل النصر ورب الكعبة .. وااااااااهٍ يا أيام العزة !! أما على الجانب الآخر , عندما علم ملك المجر لايوش "لويس" الثانى بقدوم المسلمين اليه , فأعدّ جيشا جرارا واستعان ملوك أوروبا فأمدته ألمانيا بـ 38000 ألفا من خيرة الفرسان لديها , فوصل عدد جيوش الكفار الى 200.000 ألف مقاتل ... , وبات الكفار ليلتهم فى سهل موهاكس ومعهم القساوسة والرهبان يحثونهم على قتال المسلمين وأتوا بالصلبان يرفعونها أمام الجند .. لويس الثانى ملك المجر وعند الصباح صُفّت الصفوف وبرز الشجعان , وكان السلطان سليمان وضع خطة مع أركان الجيش وهى : ان يصطف جيش المسلمين فى ثلاثة صفوف , وأن يكون السلطان ومن معه من الإنكشارية فى الصف الثالث ومن ورائهم مدافع المسلمين , حتى اذا بدأ القتال يتقهقر الصفوف الأولى من المسلمين ويتراجعوا خلف السلطان ومن معه من الإنكشارية , وبالتالى سيفسح المجال للمدافع ان تحصد الكافرين حصدا !! وبالفعل التزم المسلمون بالخطة , وظل المسلمون واقفون فى أرض المعركة على الهيئة التى أمرهم بها السلطان وقادة الجيش , وطال انتظار الفريقين , حتى بدأ الملك لويس الثانى فى الانقضاض على المسلمين وقت العصر ... وبدأ القتال , ووالله كان القتال فى شدته وضراوته يشبه معاركنا الحديثة فى شدتها وضرواتها مع اختلاف نوع السلاح المسخدم !! والتزم المسلمون بالخطة وتراجعوا الى الوراء , فسارع الكفار خلفهم وظنّوا ان النصر سيكون حليفهم , وتقدم الكفار حتى وصلوا الى المكان الذى يقف فيه السلطان , وحاولوا قتل السلطان وبالفعل أصابوه فى صدره بسهم إلا أن السهم لم ينفذ الى صدره ولله الحمد , والتحم الفريقين وذهب ثلاثة من شجعان المجر الى السلطان سليمان , إلا أنه قتلهم ولله الحمد , وكان مشهورا بالشجاعة رحمه الله وهنا أعطى السلطان الأمر بإطلاق المدافع !!! الى الآن يروى المؤرخين الأوروبين هذه المعركة بشيىء من الذهول , وعندما يصلون الى هذه النقطة يصيبهم الدهشة والعجب !! يا أخوة يُروى ان مدافع المسلمين أُطلقت بسرعة ومهارة فائقة للغاية وكأن المسلمين استعانوا بالجن فى هذا الأمر , ولا عجب أن يكون هذا حال من استعان بالله واستمد قوته من الله !!! كان إطلاق المدافع بصورة سريعة جدا وبدقة كبيرة , مما أصاب الجيش المجرى بحالة من الذهل والهلع والرعب , فولوا أدبارهم , والمسلمون ورائهم يركبون أذنابهم ويضعوا سيفهم فيهم كما أرادوا ... وفرّ المجريون المعروفين ببسالتهم وضراورتهم أمام طلقات المسلمين وسيوفهم , وفرّ ملكهم لويس الثانى , بل أنه غرق أثناء فراره ومات !! وانتصر المسلمون انتصارا لم يُسمع بمثله فى أقطار الدنيا , وكان نصراً مؤزرا ولله الحمد والمنة .. والعجيب يا إخوة الآتى : أن مدة المعركة كانت ساعة ونصف فقط !! وكان قتلى المسلمين لم يتجاوز 150 شهيد – نحسبهم كذلك ان شاء الله وعدد ما أسر المسلمين من الكفار 25000 ألفاً , والباقى 175000 ألفاً ما بين قتيل وجريح !!! بعد هذه المعركة أصبح الجيش المجرى فى ذمة التاريخ وسقطت إمبراطورية المجر التى دامت قرابة 6 قرون (637 سنة ) , وانتفضت النصرانية من أقصاها الى أقصاها ... سيف السلطان المجاهد الغازى سليمان القانونى - رحمه الله وكانت هذه المعركة هى أسوأ هزيمة للنصارى فى أوروبا قاطبةً بعد سقوط القسطنطينية وهزيمتهم فى نيكوبوليس ايام بايزيد الأول ... الله أكبر والعزة لله صلى السلطان صلاة المغرب مع الجنود فى أرض المعركة , ثم واصل مسيره الى عاصمة المجر وهى مدينة "بودا" فدخلها بدون اى مقاومة تذكر فى 3 من ذي الحجة 932هـ , 10 من سبتمبر 1526م, ومكث فيها 13 يوما , واستقبل التهانىء بعيد الأضحى المبارك فى سراى الملك هناك , فكان العيد عيدين , عيد فتح المجر وعيد الأضحى , فلله الحمد والمنة ... وبعد هذه المعركة تبدلت حسابات أوروبا , وتغيرت خريطة المنطقة , وما اجترىء أحد من نصارى أوروبا ان يقوم بأى عمل ضد المسلمين بعد هذه المعركة الفاصلة فى تاريخ أوروبا ...
يتبع
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
:::عبدالرحمن::: |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |