وحي صدفة احتواها مجداف الامواج[/QUOTE]
p
واختفت رغواتها ،
يا ربيعة
تعرش جبين الشمس ،
وفي الافاق القابعة في ملكوت الصمت
اشعة تتبدد وتعيد التكوين
امرحي مع الاجرام في الفضاءات الطليقة
هنالك مع الأشياء المبهمة
والتي لاتدركها الابصار ،
ولا تحتويها العقول
حيث تستوي اسفار التكوين
وملامح النشاة الاولي
لكل شى مجهول
هنالك فقط تنتصب خيام الحب
وتربط القلوب
بحبال متينة
ولاشي غير الخيال
وزخم الابداع يلامس الكمال ،
والشعر وحده قادر لوصف الحالة المجازية
اذن لنغنى معا
......
عزيزتى ،
والكمان الناطق ،
باجمل الالحان ،
هيا ،
لم يبق في الاناء ماترويني من همسات
غني معي ،
لعرس نهرينا همسة همسة لاوقبلة قبلة وكاسا كاسا وانفاسا يعلوها اليأس
دعنا نبني تمثال المجد للنيل في الاعالي ،بمدد من قدسية نهر اخر وخالد الاسم
الدون العظيم ذاكرة روسيا القوقازية .
...
.. إذن فلنذب الشموع ،،
تساقطت سنوات عمري في خيالي او قل مرت كالاشجار امامي ناظري شخص يطل علي الدنيا من نافذة قطار يسير سريعا .تواترت الاحداث وتداخلت سنين العمر وتجولت علي ضفاف النيل ورايت عمي يرمي سنارته ويصطاد سمكة كبيرة ، ورايت النسوة يجلبن العلف لبهائمهن وفتاتين صغيرتين تتمايلن في مشيتهين وتضحكان بصوت عال وتطمئن ان الدنيا علي الف بخير وعدت الي الدون ورايت غزالتين جميلتين ،اوفتاتين شقراويتين تهمسان وتشربان شيئا من البيرة وتضحكان نخب السعادة .
وترقصان علي انغام موسيقى وصوت الا بوغاتشوفا المطربة السوفيتية العالمية في اغنيتها الشهيرة مليون مليون .
...................
في وقت مضي
كان هناك رسام ،
كان يملك بيتا صغيرا وقماش
لكنه اغرم بممثلة
يومها قرر بيع بيته
وبالمال الذي وجده
اشتري بيتا كاملا
من الورود
مليون مليون زهرة قرمزية تلوح عبر النافذة
المغرمون المغرمون
الذين يحبون بصدق
قد يغلبون حياتهم الي ورود من اجلك
في الصباح كنت تقفين عند النافذة
وربما تكون قد فقدت صوابك
كان استمرارا لحلم ما
الفناء يمتلى بالورود
وقد تمالكت روحك
من الثرى الذى يشاغلنى الان
...
.....
الفناء ممتلي بالورود
المساء حمله القطار بعيدا
واصل الرسام حياته
الله الله جمهور من الجن يسمع معي الحين
اه لعفرتك يا خيالات شقي نيلي
كم يكابد عقلك اتعاب الهوى الغلاب
لا لا لم يكن قطارا ,, انما سيارة بائسة تلك التي حملتك بعيدا
عن العين في لحظة بائسة , عشت لحظات كئيبة وانا أحاول ان اتناسي صوت ضحتك
والوجنات التي تجعل من وجهك وديعا ولامعا
كل شي فيك مختلف ,, طيبتك الملائكية ,, وتواضعك الجم
وحبك للناس واحترامك العظيم لكل انسان
انت يا سيدتى خلاصة الخلاصة لكل جماليات مجتمعنا الاستثنائية
عدت الي واقعى وتناسيت ولوقليلا تلك الملامح التي انطبعت
اما ناظرى من ملامح وضحكات ربيعة الكاهلية ..
وسرعان ما عادت ذاكرتي الي يومي الاول في موسكو حين حطت بي قافلة الزمن للدراسة مع زميل لي اعرفه منذ سنوات الصبا وتذكرت اول ملاحظة ابداها لي صديقي , وكان قد قال انظر يا اخي الناس هنا يتسمون بالواقعية وحب الحياة مجردة من اي تشويش قلت له لماذا ؟ لماذا تقولين هكذا ؟ أي شي الهمك لقول هكذا عبارات ، قال لي انظر والتفت الي حيث ينظر هو واردف يقول انظر انهم لا يضيعون الزمن جزافا انظر كيف يطالعون صفحات الكتب والمجلات وكيف يلعبون علي اجهزة الحاسوب وثمة اناس يستغل الزمن بطريقة خاصة واشار بطرف عينه الي شاب وشابة كان يحضان بعضهما بجنون عشقي ويتبادلان القبلان ،ولا هم لهما بما يجري بدمار في العراق ولا زلزال في ايران ولا اعصار في امريكا ولا ارهاب في الشيشان ولسان حالهم يقول فلتشتد اوزار الحروب في كل مكان
وليفيض الدون ويغرق الحقول ،فلترمي القنابل الذكية والعادية في كل مكان ،فلياتي الطاعون من جديد ويبيد ملايين البشر اوحتي طوفان نوح ويمسح الأرض المهم ان لا تقترب المصاعب بالقرب منهم حتي لا يقطع الخوف هذا اللحظات الساحرة في ضمير العشق ،والملفت لي في تلك اللحظة ان المجتمع الشرقي برمته يعير اهتماما راسخا بخصوصية الافراد كل امري له همومه وكل امري له شان يغنيه اما انا فقد استفذتني هذه الحالة التيبدات في ناظري شاذة وغريبة ولولا بعض المعلومات التي انتقيتها من اداب تولستوي ودستيوفسكي وغوركي ومعرفتي بالفارق المذهل بين مجتمعنا ومجتمعاتهم لعزمت امري وفضضت هذا العبث بلساني او حتي بيدي اذا اقتضي الامر ولكني تريثت وملكت من القوة ما جعلتني انتظر اول محطة للمترو وقلت لصاحبي هيا انزل بطريقة لا تقبل الجدل وذهبنا بعيدا عن هذا المكان ، تذكرت هذا وقلت لنفسي يا لغرابة هذه الحياة المبتورة وقلت ان سعيي يومئذ لا صلاح ما افسده الدهر كان كمن يرقد في اتجاة جريان النهر باسطا يديه ليغير مجراه وضحكت باعلي صوتي دون شعور مني وتواصلت ضحكتي لدقائق كثيرة وبدات امشي في الغرفة بصورة اليه وابحث عن مناديل ورقية او منشفة نظيفة امسح بها دموعي وانا في تلك الحالة عدت الي النافذة ثانية
عدت الي منظر الدون الخلاب والثلج يتساقط غاسلا بعضا من همومي
والذاكرة في ترف ترمي ما علق بها من غبار ويدغدعالصمت مشاعري المضطربة اصلا بلواعج من حنين جارف تنقلك عبر السحب الي متاهات ومهاوي بلا غرار
اه بوشكين العظيم احقا ان سحر شعرك وجد لها ارضا خصبة
كانت سمادا لنتاج عبقريتك القادرة لتحريك كوامن الأشياء وصوامت الانفعالات
وعناصر الابداع وملكات الالهام جاهزة في تلك العيون وتذكرت ناتاشا معلمة اللغة الروسية وناتشا اميرة النيل وناتاشا ربه الاوتار الجليدية
نظرة واحدة منك لهن تلك الطينة المقدسة بتلاقح الاجنة والموسومة بوشم السحر الاتي من تمرتين سقيتا بماء السحر والشعوذة ..
مثل تلك اللحظات يمكنها ان تجعل باك الفيتنامي يتكلم شعرا عربيا
ورايت النيل يفيض كعادته ولكن فورته هذه المرة اكثر شراسة ورايته يضرب بمياهه الهادرة ضفته الشرقية ويقتلع نخلة جدي ذو التسع فروع ودموع الوداع تنزل مدرارا علي خديي ثانية وظلال تلك النخلة الرمز تغطي عميقا ساحة خيالي ومازال كرات الثلج تهطل بغزارةكانها اتت لتذيب همومي رويدا رويدا وفي هذه اللحظة بالذات انما دخل الي غرفتي شخص غريب لا ادري من اين اتي ولكني وجدته واقفا امامي كشيطان شق به السقف قلت له بسم الله الرحمن الرحيم ،ورد علي عليكم السلام ورحمة الله تعالي وبركاته ، ارتحت قليلا وهدا روعي بعض الشي و علي ان اقول انني لم اشك لحظة واحدة في ادميته رغم ان ملامحه ليست كذلك ،ويمكنني ان اصفه بانه كان اسمر اللون ،مربوع القامة ،بشعر قرقدي لم يري المشط منذ شهور ،وكان يلبس بدلة رمادية بربطة عنق انيقة , يبدوا لناظره انه يجيد انتقاء الالوان بصورة خبيرة .
لم يمض وقت طويل قبل ان نتعارف، مد لي يده ما امكن وقال لي اسمي فانوس وقلت له تلطيفا للجو جمعة مباركة .
تفضل جلوسا ...لكنه واصل كلامه ،
دون ان يبدي اية ردة فعل علي مداعبتي له ، طالب سوداني يدرس في معهد بوشكين اردف قائلاوجال بخاطري سر عدم ترتيبه لشعره رغم مظاهر الاناقة الواضحة في ملبسه ربما اقتداء ببوشكين قلت في سري .
وتراءي لي صورة بوشكين شاعر روسيا الاعظم علي مر العصور وجذوره الاثيوبية وشعره الكثيف الاجعد .
والذي ميز صورته كرجل غريب الجذور ولكنهزين تاريخ روسيا الملي بالعظماء بمدد من خيال شعري لا ينضب .
تناولت تمرتين من القدح المسحور
وهاهو طيف ناتاشا .ياتينى
هروبا ولو للحظة من الاستماع له ام صدفة لا ادرى المهم ان هذا الشيطان القابع في صدرى ....
لامفر منه ..
كان المخبول يواصل كلامه ,,وهاهو يقول لقد جئت الي مدينتكم قبل ايام وانا اسكن مع شخص افريقى غريب الاطوار اسمه جورج يفعل طقوس عجيبة بعد منتصف الليل وتذكرت افريقيا قارة البؤس والدجل والشعوذة وبدات مخاوفى تزداد كل ما استرسل هذا الوافد العجيب في الكلام .
وقال لي مواصلا كلامه أيضاان الافريقى شخص بخيل جدا وانه يودع كباية الماء بطقوس قريبة قبل ان يناولها لك ولكني مازلتمذهولا لماذا جاءهذا الشخص الي هنا بالذات ان الكثيرين غيرى من بني جلدتي يسكنون هنا في راستوف اون دون .
كانت أولى ملاحظاتي في هذا الشاب ان وجهه لايخلو من البشاشة والمرح ،ثمة اشياء واضحة في وجهةه تقول ذلك ، كان فمه واسعا وعينيه صغيرتين واذنيه في وضع تنافري اشبه بجناحي طائرة لحظة الانطلاق ، ويبدو ان بعض اسنانه الامامية قد تقاصرت علي كثرة احتكاكها مع بعضها اثناء الضحك، انني قلت في نفسي ان في وجهه فوضي واضحة ، استاذني بالجلوس وارتحت قليلا ولكن طريقة دخوله الي الغرفة بتلك الطريقة دون استئذان ما زالت تربكني ، لدرجة انني في غمرة المفاجات نسيت ان اقدم له ابسط اوليات المجاملة السودانية بدعوته الي الجلوس وشرب فنجانا من الشاي .
قلت لكم ان طريقة دخولى الي غرفتي قد قطعت حبل تفكيرى وسيطر علي مشاعري بقوة ولا اخفي عليكم انني في فورة هذه اللحظات التعارفية القلقة كنت مشدودا بقوي خفية للتعرف عليه اكثر .
ان نفس الانسان ميالة للفضول قلت في نفسي ووجدت نفسي تقول
ولو لم يكن كذلك لما اخرج ادم من الجنة .
فالخطيئة الاولي في تاريخ البشر كان بواقع الفضول .
الشيطان يواصل كلامه ,, بكل بجاحة وانا اتابع كلامه كانني طالب مجبور للاستماع الي محاضرته ولكننى ..
تمالكت نفسي او قل ادعيت التماسك ووضعت البراد في النار ونظرت اليه ونظر الي وقال ان البخل شئ معيب واردف اقصد ذلك الافريقي وظننت لبرهة ان رفيقي ربما يكون جائعا ودعوته للاكل وقال لي بلهجة قاطعة لا لا لم اقصد ولكني ذكرته كشي مذهل اثار حفيظتى,قمت من مكاني لا اعرف ما لو ان الماء قد فار وعدت ثانية وتهيات للجلوس وهنا حصل شي غريب لم اكن اتوقعه وهو ان زائري انحني بجسمه .
حتي لامس وجهه سجاد الغرفة وبدا ينظر بعناية وتوجس الي اسفل السرير
الذى كنت ارقد فيه ، وقال اسمع اصواتا هنا ,ثمة اناس هنا وبدا يهرول في اركان الغرفة وذهب الي الشباك ونظر الي الدون الذي مازال هادئا وعاد الي الغرفة وبدا غلقا ومتجهما وتوجة نحو الدولاب وفتحه ونظر با معان الي محتوياته وبدا يضحك بصورة هستيرية اثارت مخاوفى ولجد ما اذهلنى هذاالتصرف الغريب وبدت لي الغرفة كانها مليئة بالعفاريت ، فكرت للحظات ان اهرب من الغرفة قبل ان اجن ولكني تريثت واستعنت بههم العزيمة القروية وعدت الي ثباتي بدافع من الفضول العارم لمعرفة المزيد وقلت له ماذا يجري اثبت والا ساريك من انا اطرد شياطينك ايها الافعي .
ماذا بك لماذا قلبت الغرفة راسا علي عقب ،رد علي وعيناه مفتوحتين في وضع تنافري ،اين هؤلاء الناس الذين كانوا يغنون ويطربون اغان الحياة الرائعة علي ضفاف النيل واين اله الطمبور الذي نقل لنا شدو السواقى .
والشادوف اين الراقصات الجميلات من بنات النوبة الرائعات ولماذا صمتت عديلة رائعة الفن النوبي وبدا صوته يعلو بصور هستيرية .
اين هم الذين كنت تقص عليهم قبل لحظات حكاوي القرية ونكات سيد تلول وبدا يضحك ثانية متسائلا هل هم من شياطين الانس ام من عفاريت الجن .
واين اختفوا باجسادهم وارواحهم تتجول هنا ,ام هم ملائكة باجنحةتطيروهربوا من خلال النافذة وقال وهو ينظر من خلال النافذة مخاطبا الدون ،اه ايها الدون الهادي صديق النيل لاتجعلني اخاف ,الحقني بمدد من عندك ,بمدد من هدوءك ،بقوة من تاريخ روسيا تاتينا نافذة جدار الازمان .
بمدد من تقاليد روسيا القوية والعريقة وبنفس من عزيمة القوقاز الاقوياء احفاد المسلمين الاوائل واحمل لي سكينة من روحانيات سمرقند وماذن طشقند اليك اتوسل يا الهي اعطني الصبر وثبتنى علي اليقين .
ويمكنني ان اقول لو ان السقف قد انشق ورايت السماء عارية من نجومها وقمرها
لما استغربت من تداعيات هذه اللحظات الاستثنائية من عمري ولكن المعتوه وخلافا للتوقعات وتماشيا مع حركاته وتصرفاته التي لايتوقعها مخلوق عاد الي هدوء عجيب وجلس كمن نسي كل شي .
وسالني اين الشاى ،كانت الغلاية قد قاربت ماءها الي النفاد, ولكني جهزت له الشاي بما تبقي من ماء وجلسنا جلوس الند للند كل يجلس الي الاخر خوفا من المفاجات ، حمل الكاس وافرغ جقمة كبيرة من الشاي الساخن في فمة الكبير وقال ان الشاي لذيذ جدا ويذكري بقهوة كحيل قلت له ماذا قلت ،، اعطيته تمرتين من القدح المسحور . نظر اليه مليا وقال ،، لا لا
الا هذا يا عزيزي ، فالسيبيرية تامرنى بان لا اكل تمرا عندك .
قلت له من هي هذه السيبيرية ، زما دخلها بك .
قال ستعرف مع الايام ، كل شي ،
فكرت في كلامه ، وجاءني خاطر بان هذا الشخص اللذي امامي ، هو خطيب وهيبة وابن عمى حسن
استعذت من الشيطان وقلت في نفسي لا لا ، يا عبد المعين لاترهق نفسك بامور الناس
دع الايام تخبرني بما هو خاف عني .لكن ذكره لبعض المعالم اربكني
لان قهوة كحيل ,قهوة في منطقتنا وراودني سؤال بديهي من اين لهذا المعتوه ان يعرف معالم قريتي ولكني ادرجت هذا السؤال في سلم المفاجات العجيبة ,كان صاحبي يمص الشاي مصا وكلما افرغ جقمة في فمة كان يفتح فمه الكبير ويحرك فكيه بحيث تضرب اسنانه مع بعض محدثا اصوات مزعجة وقال هل تعرف الموسيقي النوبية ، هل سمعت بملحمة وردي موز وهل سمعت بحكايات ايسب وحيلة وهل سمعت باغنية شامة ,اه لروعة الارض النوبية وقراها ومدنها وجزرها وجبالها واه لك ايها النيل الاتي عبرالقرون وانت تعطر بوادينا وودياننا وانشد بصوت رخيم هذا البيت من الشعر .
عطر البوادي والمدائن والحضر ميسون عزتنا وماضينا النضر
ولجد ما اذهلنى ترديد لهذ البيت من الشعر الذي احبه جدا من قصيدة طويلة في امجاد النيل وساكنيه
ان الشيطان يقرا افكارى قلت في نفسى ..
ذادت مخاوفي بصورة مدوية وكان فضولي عارما ورغبتي جامحة لمعرفة المزيد عن هذا الزائر العجيب وبدات اشك ان كنت انا في حلم ام واقع ولكن المعتوة لم يمهلني وقطع حبل افكاري العميق .
شرب المعتوة الشاي حتى نهايته ووضع الكباية علي الارض او رماها حتي تناثرت شظاياها في كل الغرفة لم تكن الرغبة في جمع ما تناثر من حطاملاني كنت متابعا لمفاجاته التي لاتنتهى .
قلت لكم يا صحابي ان المعتوة قد شرب الشاي كله واستعدل في جلسته
وقدم لي واجب الشكرونعتني بصفات الكرم والاصالةوالشهامةوالنبل وقائمة اخري من الصفات الجميلة حتي ظننت انني الحاتم الطائي .
وقلت له حسن كفي ونظر الي نظرة مبهمة فيها الف سؤال وسؤال
وخرج سريعا بعد ان استاذنني لخمس دقائق .
كنت خائفا .. طلبت المدد واكلت تمرتين من القدر المسحور ..
شعرت بالراحة وزال الكابوس الذي جثم علي صدري واحال حياتي الي فزع رهيبولو الي حين ووجدتها فرصة لتقييم الموقف بصورة صحيحة
دار بخلدي شريط من هذه الاحداث المتلاحقة وشعرت بصداع رهيب كاد ان يفقدني عقلي ، لا ادري كم استغرقت خلوتي ولكني وجدت المعتوة واقفا امامي حاملا كيس اسوداا كبيرا ، قلت له عدت بسرعة يا ابو الحسن ورد علي
وهو يضحك تلك الضحكة الغامضة والمخيفة احيانا ,انا ابو المواعيد
ان اردت بعض الحقيقة وان بحثت عن الحقيقة كلها ستجدها في فنجان قهوتي الصباحية ، وواصل كلامه انه يمكنه ان يضيف بلا فخر انه السوداني الوحيد في هذا العالم الذي يقول ويفي بمواعيده بالدقيقة والثانية .
وبدا يقول نعم نعم الثانية جزء من الزمن الحسي وما حياتنا الدنيوية الا مجموعة تلك الثواني وقلت له وانا اضحك لاول مرة .
دقات قلب المرء قائلة له ان الحياة دقائق وثواني .
وقال فرسان وهو يضحك ويكاد يطير فرحا ,ياله بيت من شعر رفيع .
وربما كان شوقي دقيقا في مواعيدة ان جدته ذات الدماء الشركسية ربما اورثته بعضا من تقاليد القارة العجوز .
المهم ان فانوس بدا يخفض صوته وواصل كلامة وامسكني من يدي اليمني وقال المهم انني لا اريد ان استفذ مشاعرك لسوداني وطني ونوبي الهوى وقلت له مقاطعا لا يا اخي كلنا في الهم شرق
واردف فانوس يقول ان له رايا اخر تماما في تقييم هذه الصفة اذ انه يعتبره وليدة الطيبة والتسامح المعروفتين عند السودانيين
تلك وجهة نظر صحيحة قاطعته ...
ابتسم فرسان وواصل حديثه الشيق الذي بدا رويدا رويد يداعب عقلي المحب للافكارالنيرة ,المهم انه قال فيما قال ان السودانيين دائما ما يفرطون في التعامل مع الاخرين ،حتي مع اقرب الاقربين اليهم وان الانسان السوداني دائما يعامل الضيف كتعامل اشبة بتعامل الطبيب مع مريضه وقال انه يمكنه جازما ان يضيف ان السودان هو المكان الوحيد في هذا العالم الذي يستطيع ان يعيش فيه اي انسان دون ان يكون له سابق معرفة باحد وهو لايحمل في جيبه جنية واحد وفي الارياف مثلا يمكن لاي ضيف ان يذهب الي المسيد .
وما ان يعرف اهل القرية ان ضيفا قد حل بديارهم حتي يتسابقوا اليه وهم يحملون اطيب مالديهم من طعام والتي غالبا ما تكون من لحوم الماعز المصنوع بالطريقة النوبية القطر قام بحيث توضع اللحمة مع البصل والطمام والبهارات في ان واحد ويقفل الحلة بعناية في نار الحطب والذي يجلبونه دائما من نخيلهم وبعض الجبنه المصنوعة يدويا دون ان تنزع الدسم من الحليب والي يسمي لبنا وياتون بالشاي وباجود انواع التمر النوبي من القنديلة وبنت المودة والجاووالبركاوي ..
واردف يقول وفي المدينة مثلا ما عليك الا ان تطرق اي باب وتطلب الطعام واضاف يقول بعد ان سكت لبرهة وتحسس الكيس الذي يحمله .
، ربما هذا من اسباب تخلفنا عن ركب الشعوب وقطار المدنية ،ثم انحني ووضع الكيس برفق واخرج منها قارورة مكتوبه عليها (( فودكا بالروسية )) برغم علمي ان الفودكا جزء من حياة روسيا ,الا ان اتيان المعتوه بها علي هذا النحو قد اصاب كبريائي في الصميم ، لانني كنت صامدا طوال هذه السنة وبعيدا حتي عن زملائي الذين انغمسو في الحياة الشرقية منذ الوهلة الاولي .
قلت له اسمع يا فانوس تاكد انني لن اسمح لك بتمثيل هذه المهزلة هنا اذهب الي الحانات والبارات واختر من ندمائه ما شئت ولتكن اذنيك الكبريتين قد سمعت كلماتي المشحونة بالرفض ..
وتابعت كلامي لا اريد ان اعكر لك لحظات ضيافتي لك ولكني مصر علي ما اقول
سكت لبرهة وقرات مسحة حزنة علي وجهة ، سرعان ما تدارك صمته وقال انا لست من عفاريت الحانات ولا مرتادي البارات انا بسيط ..
حتي الدكاي لم اقربه في شبابي وكنت رجلا مسالما بسيطا واعيش علي حالي . ولكن مشاكل الحياة الاغترابية من فلس وشوق وحنين جارف الي مراتع الصبا واختلاف العادات والتقاليد وهجمة الثلوج واشكال الناس ..
وتنوعهم ارهق قدراتنا التحملية ولتكن هذه الليلة مراجعة للذات دون خوف لان الفودكا ستنسيني ولو الي حين وقع الصدمات المتتالية و تابع كلامه اخي اسمح لي ان اقول لك ان الشرب ظرف طاري بالنسبة لي ولكل ظرف متتطلباته ،كان التحسر واضحا في صوته وتاكدت انه لا مجال لثنيه عن قراره .
مما جعلني ارضخ لطلبه ، وحسبي ان اقول لكم يا صحابي انني اصغيت لصوت عاطفتي القروية ولم اقف عند هذا الحد بل اعددت له عشاء السكاري كما جهزت له الكؤؤس وقليل من الجبنة والزيتون والزبدة ومكعبات من الخبزالمستطيل البر الاسود اللذيذ ، لياخذ راحته تماما .
ثمة شئ شيطاني قد مس عزيمتي في الصميم .
لانني ما زلت اسمعه وهو يقول ان لايحبذ ان يركن عقله ولكن اليوم بالذات له ظرف طارئ يريد ان يشرب نخبه ويطلق الكاس للابد
وفجاة انتابتني مشاعر مختلفة ودار في خيالي ان صوت هذا الذي معي هو صوت حسن
ودون شعور ضربته في وجهه بقبضة يدي وطار القناع ودخلت في ذهول واستدركت اقول
حسن ما الذي اتي بك الي هنا وما الذي جعلك تتنكر بقناع في وجهك
وهي هذه اللحظة بدا يبكي ويقول . هل تعرف يا صديقى ان ميدوب ضربني بخاتمه ورد لي عقلي الذي جن
وبعد يومين فقط جمعت ما تبقي من المال الذي اخفيته وسافرت الي هنا
وحمد الله انك وصلت ايضا وهاذا كما ترين حسن الذي تعرفين
اه كم كانت المكاشفة جميلة ومريحة
تعانقنا وضحكنا ..
دققت في وجهه ووجدت شيئا ما كانه قناع
ووجدت خيطا متدليا من الخلف . تتبعت الخيط ومسكته وشددت بقوة . واذ بالقناع يتدلي ارضا عن وجهه
لجدما كان دهشتي . انه حسن . حسن جمعة . الرفيق العفريت
ضحكنا كثيرا .
وفي هذه اللحظة دخل علينا اربعة من اصدقائي هم مازن الجعلي وجوزيف
وهو من عرب البطاحين ولقد اسماه والده هذا الاسم الغريب لانه ولد في ليفربول يوم كان والده في مامورية هناك وارباب الشايقي ورسلان شاب يدرس معنا من طشقند وما ان دخل هؤلاء الا ان دعاهم حسن جمعة للشرب وليس هذا فحسب بل خرج الي اعلا النافذة ووضع نصف جسمه في الهواء وكاد ان يطير من الطابق الثامن عندما رفضوا مشاركته الشراب وهو يقول اما ان تشربو او ان اموت وامتثل الجميع للامروتناولو كاسا وهنا اطمئن الشقي ونزل سريعا وبدا يضحك ويقول ما دمتم جئتم هنا فانتم تمثلون السودان كله علينا ان نضع تصوراتنا لمستقبل بلدنا المضطرب ,قال رسلان ما ان تدخل السياسة بالباب حتي يخرج الصدق من الشباك واردف يا لحبكم للسياسة ايها السودانيون نحن هنا لا نحب السياسة والذي يناقش السياسة واحد من اثنين اما دارس لها ,اما شخص يريد المناصب ويرتقي الدرجات ويريد ان يكون حاكما او رئيسا .
جلسنا جميعا والشي الطيب ان المعتوه قد نسي امري واصبح يصب لهم ما امكن ذلك وسررت جدا انني استطيع بعقل صافي ان ادير هذة الجلسة
وادون ما فيها من مفاجات .
بعد ربع ساعة كان الجميع في نشوة الصهباء غارق وبدا حسن الكلام
واخرج ورقة من جيبه وقال الجماعة قد قتلو ابن عمه لسبب غير معلوم واظنه مرتبط بامر تجارة العملة وان الرجل المقتول كان وحيد ابويه وانشد يقول ،
انه لم يحزن في حياته لمقتل شخص او وفاته كما تحسر علي
رحيل ابن عمه عبد السميع حاج علي ،
لقد كان عبد السميع رجلا عبقريا وكان يمتلك مواهب كثيرة
كان فنانا وموسيقيا وشاعرا ورساما ونحاتا ،
وفوق ذلك كله كان اكاديميا ناجحا‘ وكيف لا وهو الشخص الوحيد الذي
اكمل مراحل الابتدائية والمتوسط والثانوي في ست سنوات
فقط ،
اعتقد انه لم يكن مهتما بالمال وشئون التجارة
وان كان يريد ذلك لكان اليوم واحدا من اغنى النوبيين
لقد كان والده هو المتعهد الوحيد لاكثر من خمس وعشرون داخلية طلابية
وكان يملك 9 لواري وثلاثة وعشرون مركبا ،
ومزرعة تضم بضعة الاف من المواشى ،
لم يكمل كلامه وبدا يبكي ثم وقف فجاة واخرج ورقة .
وبدا يقرا بصوت عذب ونبرات واضحة هذه الكلمات والتي ربما يكون قد كتبها أيام مقتل عبد السميع ،
.......
ابكى يا شجر الهضاب ،
اشرئبى للسماء واذرفي عبر السحاب ،
اسكبي الدمع سخيا بين اطلال الخراب .
فزمان الامن ولي وزمان الغاب اب .
ورياض الانس دالت واتي دغل الذئاب .
ارى كل السهل دمعا واروي احراش الهضاب .
اعمرى رمل البراري واسقي اشجار الشهاب .
وارسمى بالصمغ دربا يرتجى منه الاياب .
ضمدى بالغصن جرحا غار من حرب الحراب .
وامسحى بالغصن دما سال من جرح الشباب .
وسكت قليلا وقال .
تخيلو هل كان بالإمكان تفادي هذه الكارثة ؟
وهل يقبل بشري واحد مهما كان انتمائه لفلان .
اوغضبه من علان ان يرتكب مثل هذه الجريمة ؟
وهل ان لنا ان نحكي عن هذه السابقة الخطيرة
ماذا سيقول التاريخ عنا ...
الإسلام يا سادتي دين البشرية
دين القيم والأخلاق ...
دين التكامل التعاملي في ارقي صوره
دين العدالة الاجتماعية ..
دين التاخي والأمانة ..
ولكن يا سادتي عندما تخرج اعمالنا عن طورها
وتنحرف عدالتنا عن أسس الدين والصلاح .
سيحكى غيرنا عنا بصورة سالبة ...
سيروى عابث في اخر الدنيا
اننا نروى للعالم ثقافة .
القتل في أمور بسيطة ..
لكن الإسلام حدد لنا القواعد الصارمة لتحقيق العدالة
من أراد ان يفسد ويسرق فليكن بعيدا عن استخدام الدين غطاء
حتيلايضحك العالم علينا
كيف كنا وكيف صرنا وفي رحاب الجوع والداء واسراب الذباب
كيف سادوا وتمادوا باسم ايات الكتاب
كيف صار الدين مخلب كيف صار للدين ناب
كيف صار الظلم فينا سيد البيت المهاب
قد دنا يوم الحساب ...
يوم تدفن يا عرابي وانت حي بالتراب
انتهي كلام المخبول حسن ...
انصت الجميع وبتركيز شديد علي هذا الشعر العالي , خاصة ان مقتل هذا
الشاب النوبي قد أصاب الملايين بحزن عارم ...
وكانت طريقة قتله دون محاكمة وذلك لانهم وجدو في خزينة والده
الفين دولار امريكي والف جنيه إسترليني وثلاثة آلاف درهم امارتي
والمصيبة ان هذه الأموال كانت تخص ورثه والده
,, حيث ان الوصية تقول ,لايحق لاحد فتح هذه الخزنه الا بحضور الورثة
وعندما مات والده فجاه اصر الورثة بالتعجيل بقسمتها تلبيه لنصيحة والدهم
وكان عبد السميع مسافرا الي أمريكا لاستلام شهادة الدكتوراة من جامعة كليفورنيا وكانت رسالته ,, كيف شيد النوبيون العظماء الاهرامات النوبية .
واثر واثر تلك القمم الشواهق فيما بعد في نهضة مصر الفرعونية , لكن ربما كان القدر يناديه او أحدا قد وشي به ، انه تاجر دولارات خطير .. المهم ان مجموعة العساكر ،
ذهبو الي بيته واقتادو عبد السميع اللذي كان موجودا بالصدفة في غرفة الخزنةوسالوه عدة أسئلة وكسروالخزنه وحملوا كل مافيها.
لم يعرف احد اين ذهبو به ,, وبحث الكثير الناس عنه في كل مكان
الا انهم لم يجدوا اثرا له ,,,,
وفي المساء سلم جثمانه الي ذويه وجاء في تقرير الطب الشرعي
انه مات بضربة شمس ...
واضيف في التقرير اما اثار الحبل على الرقبة ...
قيل انه وقع في زربيه البهائم ولسوء الحظ خافت الأغنام
واثناء هروبها التف الحبل اللذي كان مربوطا به احدالغنمايات
حول عنقه ماجعله يختنق ويموت فورا ...
تلك كانت الرواية الأكثر تداولا بين الناس ....
كان الجميع قد نسي الموضوع او تناسوا سرده الطويل وظلوا يشربون وحسن ...
سارح في شرحه لسبب كتابته لهذه القصيدة
لكنهم انتبهوا عندما انتهي حسن من كلامه
وتلطيفا للجوا وكفارة للاهمال قام احدهم ...
الله ما هذا يا حسن ، قال صلاح الجعلي ان الله يضع سره في اضعف خلقه ،
من اين اتاك شيطان الشعر وقام من مكانه ونظر الي الدون وقال مازال النهر يجري في مساره القديم وان الدنيا لم تنقلب بعد ،،
ودخل رسلان الخط وقال انك شاعر عبقري ذدني من شعرك اوصف لي بلدك يا حسن
اوه نوبا وياله من مكان النيل والتاريخ ،
ماذا عن الحياة هناك وهل هي منطقة غنية ،
ام منطقة فقيرة ،
هل تاكلون اللحوم ؟