13-10-12, 07:11 PM
|
|
«هيئة النقل» إعلان عام عن خصخصة القطاع
منذ نشأة المملكة العربية السعودية والنقل يشغل حيزا من اهتمام الدولة، لذا أنشئت وزارة للنقل والمواصلات التي قامت بجهود كبيرة لربط المملكة بشبكة واسعة من الطرق، ولقد توسعت أعمال هذه الوزارة بشكل لافت خلال العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - حفظه الله - حتى تحولت المملكة إلى ورشة عمل من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها. فلماذا تنشأ هيئة للنقل العام في هذا الوقت بالذات؟ هذا السؤال يشغل الرأي العام بشكل واسع. وللإجابة عن ذلك يجب أن نوضح بداية أن إنشاء الهيئة لا يعني بالضرورة فشل الوزارة في إنجاز مهامها، لكنه يعني (بالضرورة هنا) توجهات استراتيجية جديدة للنقل العام في المملكة نحن في أمس الحاجة إليها الآن. فقبل عقد من الزمان كان تعداد السكان في المملكة أقل بكثير من 20 مليون نسمة، وهو الآن يقترب بسرعة من 30 مليون نسمة، وهذا حتما سيخلق مشكلات كبيرة إذا بقي الحال كما هو، خاصة أن هذا القطاع أرهق كاهل الحكومة في تتبع أنشطة النقل والتوسع فيها وصيانة الشبكات وإصلاحها، وهو ما سيرفع تكلفة النقل أكثر وأكثر في السنوات المقبلة، وحتما أيضا ستكثر الأخطاء والحوادث، فالنقل قضية اقتصاد وحياة. لكن من المفارقات أن قطاع النقل العام في المملكة وبوضعه الحالي لديه ميزة تنافسية لجذب الاستثمارات إليه فيما لو اتخذت القرارات السليمة والشجاعة في وقتها الصحيح.
من هنا كان متوقعا أن تنفتح المملكة على استثمارات دولية ومحلية في قطاع النقل للاستثمارات المحلية والأجنبية، أي باختصار مشاركة القطاع الخاص في هذه المشاريع ليس فقط في عملية البناء والإنشاء، بل حتى في استثمار هذه المشاريع وفي تحمل أعباء صيانتها ومخاطرها وتعويض المتضررين إذا لزم الأمر. جاء هذا واضحا في تصريحات وكيل وزارة النقل عندما قدم ورقة عمل له في ندوة ''النقل البري في المملكة.. الفرص والتحديات''، التي نظمتها غرفة التجارة والصناعة في المنطقة الشرقية، التي كشف فيها عن وجود ضغوط دولية لفتح قطاع النقل للاستثمار، مؤكداً في الوقت نفسه أن هناك حاجة ماسة إلى تحسين وتطوير خدمات جميع نشاطات النقل. وإذا تمت قراءة هذه التصريحات مع ضغوط أخرى لسعودة هذا القطاع ومع صعوبات كبيرة في تأمين السيارات المؤهلة والسائقين لنجاح ذلك، فإن قضية إنشاء هيئة لقطاع النقل تصبح أمرا مفهوما، بل قرارا لا مفر منه.
تنشأ الهيئات دوما عندما ترغب الدولة في إشراك القطاع الخاص معها في العمل والتنمية، وعندما يرغب القطاع الخاص في الاستثمار والمشاركة في مشاريع تعتبر سيادية نوعا ما، هنا لا يمكن تسليم القطاع الخاص السوق بلا حسيب ولا رقيب وبلا تنظيم متخصص. لا تستطيع الوزارات بتنظيمها وهيكلتها ومرجعيتها النظامية أن تقوم بذلك، لذا لا بد من إنشاء مؤسسات حكومية جديدة تعمل فقط لتنظيم السوق والإشراف وتتمتع بكثير من الصلاحيات غير تلك التي كانت للوزارة. من هنا تبدو الصورة أكثر وضوحا مع قراءة قرار مجلس الوزراء بإنشاء هيئة للنقل العام تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، تهدف إلى تنظيم خدمات النقل العام للركاب داخل المدن وبين المدن، والإشراف عليه وتوفيره بالمستوى الجيد والتكلفة الملائمة، وتشجيع الاستثمار فيه بما يتفق مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، وأن يكون للهيئة رئيس على المرتبة الممتازة. وأوضح القرار اختصاصات هذه الهيئة، من بينها وضع مواصفات وسائط النقل العام ومنح التراخيص والتصاريح واقتراح آلية لتنظيم أجور النقل العام، وتوفير الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات في هذا المجال. لهذا يمكن القول إن المملكة من خلال إنشاء هذه الهيئة أعلنت توجهاتها لقطاع النقل، وإن هناك فرصا كبيرة الآن سواء في الاستثمارات أو في توفير الفرص الوظيفية.
|