النجـــــدي
17-09-05, 10:09 PM
.... بعد صلاة الظهر من يوم الخميس 24/5/1424 هـ. اسرع المشيعون بجنازة امي الى حيث اللحد الضيق ، وما هي الا دقائق معدودة اجتهد فيها الباحثون عن الثواب تحت شمس الظهيرة الحارقة , ولهيبها يحدوهم إلى الاستعاذه بالرحمن من حر جهنم ، ما هي إلا دقائق حتى صدر الامر الصارم : ( أهيلوا عليها التراب بأسم الله ، وعلى ملة رسول الله ) ، فأنهال التراب على أحب الأحباب ، وأنا واقف على قبرها واجما ، لا أكاد اصدق ما ترى عيناي ، فبالامس كنا نمسح عن جبينك يا أمي ذرات الغبار ، وها نحن أولاء نجتهد في رمسك بالتراب ...!
وحثوت ثلاث حثيات اقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ووقفت على رأس أمي الذي طالما طبعت عليه القبلات ، وقفت غير آبه بحرارة الشمس التي تحرق الجلود ، لأن حرارة جوانحي تنسى ما سواها وعلة الحال تنسى علة الجسد .
وانثالت اشجاني شلالات متدفقه نابعة من اعماق دفينه :
أيه يا أمي يا حشاشة قلبي عن هذه والله هي الساعة التي ما تمنيت أن ادركها ...
أيه يا أمي يا حبيبة فؤادي إن هذا والله هو الموقف الذي لم احسب له حسابا ..
أيه يا أمي يا ضياء عيني إنهم لايدفنون جسدك ، بل يدفنون سعادتي وهنائي ..
أيه يا أمي يا غذاء روحي احقا أن هذا هو آخر عهدي بك في هذه الدنيا ...
وتدحرجت مني دمعة أسى وحزن اجتهدت في أن اخفيها عن الشامتين والحاسدين ، وهل في الموت يا عباد الله شماته أو حسد ؟ و( حتى على الموت لا أخلوا من الحسـد )
ولولا الحياء لهاجني استعبـار وطفا بعيني دمعها المـدرارا
وانتبهت بعد برهة من الوقت فإذا القوم قد أنهوا مراسم الدفن ، وأنا ما زلت اسبح في بحر شجوني ، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم ، وأفقت على الحقيقة التي ما عنها مفر ولا مناص ، وهي أن هذا والله هو المنزل الحق ، والوعد الصدق ، والوعيد الشديد ، والمسكن الذي ليس لأهل الدنيا عنه محيد ، وأن هذا والله هو المفرق بين الأحباب ، والمقرب من الحساب ، والذي به يعرف الفريقان منازلهم : أهل السعادة في نعيم دائم ، وأهل الشقاء في عذاب أليم .
وأدركت أن هذا المصير إنما هو أمر الله الذي لا مدفع له ، وحكمه الذي لا حيف فيه ، وقدره الذي سوى فيه بين عباده ، فليس للساخط فيه عتبى ، و لا للراضي منه منجى ، وليس لنا أمامه إلا الانقياد فيه لنازل القضاء .
ثم حمدت ربي الذي الذي لايحمد على مكروه سواه ، حمدته على قضائه وقدره ن وهمهمت في صدري متمتما :
ها أنت ذي يا أماه أصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة اصبحت تحت اطباق الثرى جسدا هامدا :
نفسي ونفسك والنفوس معارة يدعوا بها إما يشاء معيرها
فلئن ذهبت لقد ذهبت بمقلتي صبابة يجري عليك غزيرها
فعليك من منح الإله صلاته وسقى عظامك في الضريح عبورها
أماه لنعم الروح روح ضمها بدنك
ولنعم البدن بدن يضمه كفنك
ولنعم الكفن كفن يضمه لحدك
وما أعظم مصابي بك يا امي !!
لكن يا أماه إن ربي أمرني بالصبر ، ووعدني عليه بالاجر ، فصدقت وعده ، ورضيت قضاءه ، ولن أقول ، ولن أعمل إلا ما يرضيه إن شاء الله ( وليس لأيام الرزية كالصبر ).
وسوف أوطن نفسي على مجالدة الحزن ومدافعته إن شاء الله .
ولا خير في موطن لايوطن نفسه على نائبات الدهر حين تنوب
وحزنك يا أماه سيهون كل حزن بعده ، ومصيبتي بك يا اماه سترقق بعدك كل مصيبة .
فبعدك لا آسي على فقد هالك مضيت فهونت المصائب اجمعا
فأحتسب على الله مصابي بك يا أمي .
وأسال الذي استودعني في احشائك جنينا أن يرحمك بعد أن استودعناك الردم ، وأن يجعلك ممن ترحب بهم الأرض وتستبشر بهم السماء
وأسأل الذي كم جعل يدك وسادا لي أن يجعل أرائك الجنه وسادك بعد أن وسدناك الثرى .
وأسأل الذي سقاني من ثديك رضيعا ان يسقيك من حوض نبيه محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمئين بعدها أبدا .
وأسأل الذي أمتعني في حياتي معك أن يمتعك متاعا سرمديا بالفردوس الأعلى من جنته .
وأسأل الذي أطمع برضوانه أن يتغمدك بعفوه وغفرانه ، وأن يمهد لك في أعلى جنانه ، وأن يفسح لك في مثواك ، وأن يجعل آخرتك خيرا من أولاك ، وأن يكرم مرجعك ، وأن يبرد مضجعك ، وأن يرحمك رحمة الأبرار ، وأن يحط عنك ثقل الأوزار ، وأن يكون قد اختار لك النقلة من دار البوار الى منزلة المصطفين الأخيار في دار القرار .
أماه إني لا أقول الآن إلا ما ينفعك حقا ، فأبتهل إلى الله مولاي ومولاك جل جلاله الذي قال ( ادعوني استجب لكم ) غافر 60 / وادعوه لك موقنا باستجابته :
اللهم ياخير من نزل به المؤملون ، واستغنى بفضله المقلون
وولج في سعة رحمته المذنبون
يا أكرم الاكرمين إن لكل ضيف قرى
وأمي ضيفتك اليوم
وهي كريمة قدمت على أكرم الاكرمين
فإجعل قراها عفوك ورحمتك ورضوانك وجنتك
اللهم أعنها على القبر وضمته
وعلى يوم القيامة وروعته
وعلى الحشر وهيبته
وعلى الميزان وخفته
وعلى الصراط وزلته
اللهم إن ذنوب امي لا تضرك
وإن رحمتك أياها لا تنقصك
فاغفر لها اللهم ما لا يضرك
وأعطها ما لا ينقصك
اللهم إني أمسيت ارجوك لها
وأخافك عليها
اللهم فصدق رجائي بك لها
وأمن خوفي منك عليها
إنك على كل شيء قدير
اللهم أرحم غربتها
وآنس وحشتها
واستر عورتها يوم تكشف الهنات والسوءات .
اللهم آمن روعاتها يوم تخشع الاصوات
وتختلف اللغات
ويحشر الاحياء والأموات
وتكثر الحسرات على فوات الحسنات
وتعنو الوجوه للواحد القهار
خالق الليل والنهار
وعالم الخفايا والاسرار
اللهم واجبر مصابنا بها
واجعلنا ممن يتلقى امرك بالقبول
وأقدارك بالتسليم :
( ويرحم الله عبدا قال آمينا )
والحمد لله على قضائه و قدره
وإنا لله وإنا غليه راجعون
* من كتاب / يظل الرجل طفلا حتى تموت أمه
** دمعــــــة على قبـــر أمي **
أ.د/ صالح بن حسين العايد
يقول النجـــدي :
لا يعرف هذا الموقف الا من اعتصر قلبه به
كلمات اسكبت دموع العين
وحشرجت خلجات النفس
وفي ذلك عبرة لمن يعتبر
فهل من مدكر
والله المستعان
وحثوت ثلاث حثيات اقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ووقفت على رأس أمي الذي طالما طبعت عليه القبلات ، وقفت غير آبه بحرارة الشمس التي تحرق الجلود ، لأن حرارة جوانحي تنسى ما سواها وعلة الحال تنسى علة الجسد .
وانثالت اشجاني شلالات متدفقه نابعة من اعماق دفينه :
أيه يا أمي يا حشاشة قلبي عن هذه والله هي الساعة التي ما تمنيت أن ادركها ...
أيه يا أمي يا حبيبة فؤادي إن هذا والله هو الموقف الذي لم احسب له حسابا ..
أيه يا أمي يا ضياء عيني إنهم لايدفنون جسدك ، بل يدفنون سعادتي وهنائي ..
أيه يا أمي يا غذاء روحي احقا أن هذا هو آخر عهدي بك في هذه الدنيا ...
وتدحرجت مني دمعة أسى وحزن اجتهدت في أن اخفيها عن الشامتين والحاسدين ، وهل في الموت يا عباد الله شماته أو حسد ؟ و( حتى على الموت لا أخلوا من الحسـد )
ولولا الحياء لهاجني استعبـار وطفا بعيني دمعها المـدرارا
وانتبهت بعد برهة من الوقت فإذا القوم قد أنهوا مراسم الدفن ، وأنا ما زلت اسبح في بحر شجوني ، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم ، وأفقت على الحقيقة التي ما عنها مفر ولا مناص ، وهي أن هذا والله هو المنزل الحق ، والوعد الصدق ، والوعيد الشديد ، والمسكن الذي ليس لأهل الدنيا عنه محيد ، وأن هذا والله هو المفرق بين الأحباب ، والمقرب من الحساب ، والذي به يعرف الفريقان منازلهم : أهل السعادة في نعيم دائم ، وأهل الشقاء في عذاب أليم .
وأدركت أن هذا المصير إنما هو أمر الله الذي لا مدفع له ، وحكمه الذي لا حيف فيه ، وقدره الذي سوى فيه بين عباده ، فليس للساخط فيه عتبى ، و لا للراضي منه منجى ، وليس لنا أمامه إلا الانقياد فيه لنازل القضاء .
ثم حمدت ربي الذي الذي لايحمد على مكروه سواه ، حمدته على قضائه وقدره ن وهمهمت في صدري متمتما :
ها أنت ذي يا أماه أصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة اصبحت تحت اطباق الثرى جسدا هامدا :
نفسي ونفسك والنفوس معارة يدعوا بها إما يشاء معيرها
فلئن ذهبت لقد ذهبت بمقلتي صبابة يجري عليك غزيرها
فعليك من منح الإله صلاته وسقى عظامك في الضريح عبورها
أماه لنعم الروح روح ضمها بدنك
ولنعم البدن بدن يضمه كفنك
ولنعم الكفن كفن يضمه لحدك
وما أعظم مصابي بك يا امي !!
لكن يا أماه إن ربي أمرني بالصبر ، ووعدني عليه بالاجر ، فصدقت وعده ، ورضيت قضاءه ، ولن أقول ، ولن أعمل إلا ما يرضيه إن شاء الله ( وليس لأيام الرزية كالصبر ).
وسوف أوطن نفسي على مجالدة الحزن ومدافعته إن شاء الله .
ولا خير في موطن لايوطن نفسه على نائبات الدهر حين تنوب
وحزنك يا أماه سيهون كل حزن بعده ، ومصيبتي بك يا اماه سترقق بعدك كل مصيبة .
فبعدك لا آسي على فقد هالك مضيت فهونت المصائب اجمعا
فأحتسب على الله مصابي بك يا أمي .
وأسال الذي استودعني في احشائك جنينا أن يرحمك بعد أن استودعناك الردم ، وأن يجعلك ممن ترحب بهم الأرض وتستبشر بهم السماء
وأسأل الذي كم جعل يدك وسادا لي أن يجعل أرائك الجنه وسادك بعد أن وسدناك الثرى .
وأسأل الذي سقاني من ثديك رضيعا ان يسقيك من حوض نبيه محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمئين بعدها أبدا .
وأسأل الذي أمتعني في حياتي معك أن يمتعك متاعا سرمديا بالفردوس الأعلى من جنته .
وأسأل الذي أطمع برضوانه أن يتغمدك بعفوه وغفرانه ، وأن يمهد لك في أعلى جنانه ، وأن يفسح لك في مثواك ، وأن يجعل آخرتك خيرا من أولاك ، وأن يكرم مرجعك ، وأن يبرد مضجعك ، وأن يرحمك رحمة الأبرار ، وأن يحط عنك ثقل الأوزار ، وأن يكون قد اختار لك النقلة من دار البوار الى منزلة المصطفين الأخيار في دار القرار .
أماه إني لا أقول الآن إلا ما ينفعك حقا ، فأبتهل إلى الله مولاي ومولاك جل جلاله الذي قال ( ادعوني استجب لكم ) غافر 60 / وادعوه لك موقنا باستجابته :
اللهم ياخير من نزل به المؤملون ، واستغنى بفضله المقلون
وولج في سعة رحمته المذنبون
يا أكرم الاكرمين إن لكل ضيف قرى
وأمي ضيفتك اليوم
وهي كريمة قدمت على أكرم الاكرمين
فإجعل قراها عفوك ورحمتك ورضوانك وجنتك
اللهم أعنها على القبر وضمته
وعلى يوم القيامة وروعته
وعلى الحشر وهيبته
وعلى الميزان وخفته
وعلى الصراط وزلته
اللهم إن ذنوب امي لا تضرك
وإن رحمتك أياها لا تنقصك
فاغفر لها اللهم ما لا يضرك
وأعطها ما لا ينقصك
اللهم إني أمسيت ارجوك لها
وأخافك عليها
اللهم فصدق رجائي بك لها
وأمن خوفي منك عليها
إنك على كل شيء قدير
اللهم أرحم غربتها
وآنس وحشتها
واستر عورتها يوم تكشف الهنات والسوءات .
اللهم آمن روعاتها يوم تخشع الاصوات
وتختلف اللغات
ويحشر الاحياء والأموات
وتكثر الحسرات على فوات الحسنات
وتعنو الوجوه للواحد القهار
خالق الليل والنهار
وعالم الخفايا والاسرار
اللهم واجبر مصابنا بها
واجعلنا ممن يتلقى امرك بالقبول
وأقدارك بالتسليم :
( ويرحم الله عبدا قال آمينا )
والحمد لله على قضائه و قدره
وإنا لله وإنا غليه راجعون
* من كتاب / يظل الرجل طفلا حتى تموت أمه
** دمعــــــة على قبـــر أمي **
أ.د/ صالح بن حسين العايد
يقول النجـــدي :
لا يعرف هذا الموقف الا من اعتصر قلبه به
كلمات اسكبت دموع العين
وحشرجت خلجات النفس
وفي ذلك عبرة لمن يعتبر
فهل من مدكر
والله المستعان