المهم خوف الله
31-08-11, 11:19 PM
ملخص
دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي
إعداد :
فهد بن علي الحسون
m
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله القائل : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (36) سورة التوبة ، الحمد لله القائل : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (3) سورة المائدة ، ، فصلاة الله وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين ، النبي المصطفى الأمين ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمـعـين.
وبعد :
فقد استعنت بالله سبحانه وتعالى على كتابة هذا البحث ، ولله الحمد على أن أعانني ووفقني لإتمام هذا البحث ، والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وعنوان البحث هو " دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي".
المبحث الأول
تعريف الشهر
الشهر في اللغة : وضوح في الأمر وإضاءة ، قال ابن فارس : " الشين والهاء والراء أصل صحيح يدل على وضوح في الأمر وإضاءة ، من ذلك الشهر ، وهو في كلام العرب الهلال ، ثم سُمي كل ثلاثين يوماً باسم الهلال ، فقيل شهر"(1).
وفي الشرع : يراد بالشهر عند الإطلاق : الشهر الهلالي ، قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (36) سورة التوبة(2).
المبحث الثاني
تعريف رؤية الهلال
والمراد برؤية الهلال في الشرع : مشاهدته بالعين بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من الشهر السابق ممن يعتمد خبر وتقبل شهادته ، فيثبت دخول الشهر برؤيته(3).
المبحث الثالث
تعريف الحساب الفلكي
، يكون الحساب الفلكي هو : معرفة مسارات النجوم والكواكب ، وعد أيام سيرها ، ومعرفة مواقيت سيرها ، وغيابها وظهورها.
_______________.
المبحث الرابع
ما يترتب على دخول الشهر القمري
يترتب على دخول الشهر الهجري أحكام كثيرة من أحكام الإسلام ، وكذلك مهمة جداً ، ومنها على سبيل المثال :
1- صيام شهر رمضان ، قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185) سورة البقرة.
2- الزكاة ، وذلك أن الزكاة تجب في المال الذي قد بلغ النصاب إذا حال عليه الحول ، والمسلم إنما يعرف مُضي الحول على ماله بمضي اثنا عشر شهراً قمرياً.
3- الحج ، قال تعالى : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (197) سورة البقرة ، وأشهر الحج هي : شوال ، ذي القعدة ، ذي الحجة.
4- مدة الإيلاء ، قال تعالى : {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (226) سورة البقرة.
5- صوم الكفارة ، قال تعالى : {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (92) سورة النساء.
6- عدة المتوفى عنها زوجها ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (234) سورة البقرة.
7- عدة اليائسة من الحيض ، وكذلك التي لم تحض ، قال تعالى : {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} (4) سورة الطلاق.
8- الأشهر الحرم التي يحرم القتال فيها ، وهي : رجب ، ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (36) سورة التوبة.
بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط ، فالهلال ميقات له"(1).
_______________
بل إن الشرائع السابقة كذلك كانت أحكامها معلقة بالأهلة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وقد بلغني أن الشرائع قبلنا أيضاً إنما علقت الأحكام بالأهلة ، وإنما بدل من بدل من أتباعهم"(2).
فمما مضى تتضح الأهمية الكبيرة للشهر القمري ، خصوصاً أنه تتوقف عليه أحكام ثلاثة أركان من أركان الإسلام هي : (الصيام ، الزكاة ، الحج) وغيرها من الأحكام المهمة في حياة المسلم ، وإذا اتضحت تلك الأهمية اتضحت أيضاً أهمية بحث هذا الموضوع ، وتنقيحه وتوضيحه.
الفصل الأول
بمَ يثبت دخول الشهر القمري ؟
المبحث الأول
دخول الشهر برؤية الهلال
يثبت دخول الشهر إذا رُؤي هلاله ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – : «صُوموا لِرُؤْيتهِ وأفطِروا لرُؤيته»(1) ، ولقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – : «إذا رَأيتُموهُ فصوموا، وإِذا رأَيتُموهُ فأفطِروا. فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له»(2) ، ولقـوله – صلى الله عليه وسلم – في حذيفة – رضي الله عنه – : «لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ»(3).
الرؤية التي يثبت بها دخول الشهر :
المطلوب في رؤية الهلال هو رؤيته بالعين المجردة ، أما رؤيته بالآلات الحديثة - كالمكبرات- فظاهر كلام الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - أن الاستعانة بها جائزة ، ولكن العـمدة عـلى
________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصوم / باب قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : «إذا رأيتمُ الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتُموهُ فأفطِروا» (1888) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال ، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2468) ، والترمذي في سننه في كتاب الصوم / باب ما جاء لا تقدموا الشهر (678) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم (2118) ، وأحمد في مسنده (9696).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم / باب هل يُقالُ رَمضانُ أو شهرُ رمضانَ، ومَن رأَى كلَّهُ وَاسِعاً (1879) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال ، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2457) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث (2121) ، وابن ماجه في سننه في كتاب الصيام / باب ما جاء في «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»/ (1704) ، وأحمد في مسنده (6307)
(3) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب إذا أغمي الشهر (2327) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على منصور في حديث ربعي فيه (2127) ، قال الألباني : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\50) رقم الحديث (2326)].
رؤية العين حيث قال حين سئل عن استخدام الدربيل في رؤية الهلال : " إن استعان به فلا بأس ، ولكن العمدة على رؤية العين"(1) ، وقال في موضع آخر : " أمـــا الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها ، بل تكفي رؤية العين ، ولكن من طالع الهلال بها ، وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال ؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب"(2).
العدد المطلوب لرؤية الهلال :
تنقسم الشهور بالنسبة لهذه المسألة إلى قسمين :
1- شهر رمضان : ويكفي في ثبوته شهادة شخص واحد.
ويدل لذلك حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : «تَرَاءى النَّاسُ الهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم – أنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ»(3) ، ويدل له كذلك حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : «جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقالَ : إنِّي رَأَيْتُ الهِلاَلَ ، فَقالَ : أتَشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله؟ ، قال : نَعَمْ ، قالَ : أتَشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً رَسُولُ الله؟ ، قال : نَعَمْ ، قالَ : يَا بِلاَلُ أذِّنْ في النَّاسِ فَلْيَصُوموا غَداً»(4).
وهذا هو قول الحنابلة(5) والشافعية(6).
وعـلى مـذهـب الحـنابلة لا يـُشترط كـون الشاهـد هنا ذكـراً ولا حـراً ، ولا أن تكـون بلـفـظ
مسألة : إذا غم على الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فما الحكم ؟
تحرير محل النزاع :
اتفقوا على أنه إذا رُؤي الهلال ليلة الثلاثين وجب الصوم ، وعلى أنه إذا لم يُرى الهلال ليلة الثلاثين وكان صحواً لم يجب الصوم ، وإذا لم يُرى الهلال ليلة الثلاثين مع وجود غيم أو قتر فهذا هو موضع الخلاف ،
الـخـاتـمـة
أولاً : النتائج :
1- أن الشهر القمري لا يمكن أن يدخل إلا بأحد طريقين :
أ- رؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر الذي قبله.
ب- إتمام الشهر السابق ثلاثين يوماً ثم يدخل الشهر الذي بعده.
2- أن الرؤية الشرعية المطلوبة للهلال هي الرؤية بالعين المجردة ، ولا مانع من الاستعانة بالمكبرات ، لكن العمدة على رؤية العين.
3- أن شهر رمضان يثبت بشهادة شخص واحد ، وأما غير رمضان فلا يدخل إلا بشهادة عدلين.
4- أن من يرى الهلال يُشترط فيه أن يكون عدلا - وعلى الراجح للحاكم أن يقبل الشهادة إذا ترجح لديه أنها حق وصدق - ، وأن يكون الشاهد مكلفا ، وأن يكون قوي البصر.
5- إذا كان في السماء ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر فالراجح أن يوم الثلاثين لا يجب وجوبه ، وأن الراجح يدور بين إباحة صوم ذلك اليوم ، أو النهي عنه.
6- في مسألة ثبوت دخول الشهر القمري بالحساب الفلكي تبين لنا ما يلي :
· أن الخلاف في المسألة حادث ومسبوق بالإجماع.
· القول بتحريم الاعتماد على الحساب الفلكي هو القول الذي يدل عليه الشرع والعقل والحس.
· من قال بوجوب الحساب الفلكي أو جوازه اعتمد في قوله عـلى تعـليلات هي مـردودة ؛ لأنها في مقابل النصوص الشرعية ، وما ذكروه من نصوص شرعية إنما دلت على قولهم بطريق التأويل الفاسد.
· الحساب الفلكي لا يفيد القطع في إثبات دخول الشهر القمري ، وإنما يفيد الظن.
· وختاماً ، القول الصحيح في هذا المسألة هو : تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري.
ثانياً : التوصيات :
1- بما أن القول الصحيح هو : تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر القمري ، فإني أرى أن يُمنع الفلكيون من الكلام في هذه المسألة ؛ لما يسببونه من شوشرة وبلبلة عند العامة ؛ فإن الغالب أن الفلكيين يثيرون هذا الموضوع عند اقتراب شهور : رمضان وشوال وذي الحجة ؛ لأن معرفة وقت دخول تلك الأشهر يتوقف عليه عبادات عظيمة ، ومن آخر من نـُشر في هذا الموضوع – بالنسبة للوقت الذي كتب فيه هذا البحث – ما سبق أن أشرنا إليه في المقالين اللذيّن نشرتهما صحيفة الجزيرة (1).
فإذا أثاروا ذلك الموضوع عند اقتراب تلك الأشهر وقالوا أن الهلال لا يمكن أن يُرى في تلك الليلة ، أو تمكن رؤيته ، فإنهم يحدثون بذلك بلبلة عند العامة ، وقد يصل الأمر إلى أكبر من ذلك ، خصوصاً إذا جاء الأمر على عكس ما قالوا ، وربما وصل الأمر إلى أكبر من ذلك أيضاً ، وذلك أنه إذا قرأ المسلمون أن الهلال لن يخرج في ليلة الثلاثين ، وأن الشهر سوف يكون كاملاً – كما في المقالين الذيّن نشرتهما صحيفة الجزيرة – فربما أدى ذلك إلى ألا يتراءى المسلمون الهلال في تلك الليلة ، ولا يخفى ما في ذلك من مفاسد العظيمة ، وتعطيل لشعيرة من شعائر الإسلام ، فأرى أن يُمنعوا من إثارة البلبلة في هذا الموضوع ، وأن يصرفوا اهتماماتهم في أمور أخرى تكون مصلحة المسلمين فيها بدل كثرة القيل والقال في هذه المسألة ، والله يزع بالسلطان ما لا بزع بالقرآن.
2- اقترح أن تكون هناك حملات ونشرات هدفها توعية المسلمين بأهمية تراءي هلال الشهور القمرية ؛ وخصوصاً هلال شهور : رمضان وشوال وذي الحجة ، والإدلاء بشهادتهم لدى الـمـحـاكم ، وبيان أن هـذا الأمر يزداد أهـمية ومشروعية في حق من رزقه الله البصر القوي.
_______________
(1) انظر (صـ 44-45).
3- لابد من التفريق بين علم الفلك الحالي ، وبين علم التنجيم المنهي عنه شرعاً ، ففرق عظيم بينهما ، ونحن إنما ذكرنا تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري ، وإلا فنفس علم الفلك علم مهم وتتوقف عليه كثير من الأمور التي تهم الناس ، مثل أوقات دخول الفصول السنوية من شتاء وصيف وربيع وغيرها ، وما يترتب على ذلك من أوقات الزراعة وغيرها.
ونحن كما سبق إنما ذكرنا تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري ، فأرى أنه لا مانع من الاستعانة بحساباتهم ، وما يفيدوننا فيه من وقت خروج القمر ، وأين تمكن رؤيته في الشمال أو الجنوب ، وضابط ذلك أن يكون الاعتماد في دخول الشهر على رؤية الهلال لا على حساباتهم ، فإن رؤي الهلال دخل الشهر ، وإن قالوا بضد ذلك ، وإن لم يرَ الهلال لم يدخل الشهر وإن قالوا بضد ذلك.
والله أعلم.
والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي
إعداد :
فهد بن علي الحسون
m
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله القائل : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (36) سورة التوبة ، الحمد لله القائل : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (3) سورة المائدة ، ، فصلاة الله وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين ، النبي المصطفى الأمين ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمـعـين.
وبعد :
فقد استعنت بالله سبحانه وتعالى على كتابة هذا البحث ، ولله الحمد على أن أعانني ووفقني لإتمام هذا البحث ، والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وعنوان البحث هو " دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي".
المبحث الأول
تعريف الشهر
الشهر في اللغة : وضوح في الأمر وإضاءة ، قال ابن فارس : " الشين والهاء والراء أصل صحيح يدل على وضوح في الأمر وإضاءة ، من ذلك الشهر ، وهو في كلام العرب الهلال ، ثم سُمي كل ثلاثين يوماً باسم الهلال ، فقيل شهر"(1).
وفي الشرع : يراد بالشهر عند الإطلاق : الشهر الهلالي ، قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (36) سورة التوبة(2).
المبحث الثاني
تعريف رؤية الهلال
والمراد برؤية الهلال في الشرع : مشاهدته بالعين بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من الشهر السابق ممن يعتمد خبر وتقبل شهادته ، فيثبت دخول الشهر برؤيته(3).
المبحث الثالث
تعريف الحساب الفلكي
، يكون الحساب الفلكي هو : معرفة مسارات النجوم والكواكب ، وعد أيام سيرها ، ومعرفة مواقيت سيرها ، وغيابها وظهورها.
_______________.
المبحث الرابع
ما يترتب على دخول الشهر القمري
يترتب على دخول الشهر الهجري أحكام كثيرة من أحكام الإسلام ، وكذلك مهمة جداً ، ومنها على سبيل المثال :
1- صيام شهر رمضان ، قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185) سورة البقرة.
2- الزكاة ، وذلك أن الزكاة تجب في المال الذي قد بلغ النصاب إذا حال عليه الحول ، والمسلم إنما يعرف مُضي الحول على ماله بمضي اثنا عشر شهراً قمرياً.
3- الحج ، قال تعالى : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (197) سورة البقرة ، وأشهر الحج هي : شوال ، ذي القعدة ، ذي الحجة.
4- مدة الإيلاء ، قال تعالى : {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (226) سورة البقرة.
5- صوم الكفارة ، قال تعالى : {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (92) سورة النساء.
6- عدة المتوفى عنها زوجها ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (234) سورة البقرة.
7- عدة اليائسة من الحيض ، وكذلك التي لم تحض ، قال تعالى : {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} (4) سورة الطلاق.
8- الأشهر الحرم التي يحرم القتال فيها ، وهي : رجب ، ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (36) سورة التوبة.
بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط ، فالهلال ميقات له"(1).
_______________
بل إن الشرائع السابقة كذلك كانت أحكامها معلقة بالأهلة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وقد بلغني أن الشرائع قبلنا أيضاً إنما علقت الأحكام بالأهلة ، وإنما بدل من بدل من أتباعهم"(2).
فمما مضى تتضح الأهمية الكبيرة للشهر القمري ، خصوصاً أنه تتوقف عليه أحكام ثلاثة أركان من أركان الإسلام هي : (الصيام ، الزكاة ، الحج) وغيرها من الأحكام المهمة في حياة المسلم ، وإذا اتضحت تلك الأهمية اتضحت أيضاً أهمية بحث هذا الموضوع ، وتنقيحه وتوضيحه.
الفصل الأول
بمَ يثبت دخول الشهر القمري ؟
المبحث الأول
دخول الشهر برؤية الهلال
يثبت دخول الشهر إذا رُؤي هلاله ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – : «صُوموا لِرُؤْيتهِ وأفطِروا لرُؤيته»(1) ، ولقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – : «إذا رَأيتُموهُ فصوموا، وإِذا رأَيتُموهُ فأفطِروا. فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له»(2) ، ولقـوله – صلى الله عليه وسلم – في حذيفة – رضي الله عنه – : «لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ»(3).
الرؤية التي يثبت بها دخول الشهر :
المطلوب في رؤية الهلال هو رؤيته بالعين المجردة ، أما رؤيته بالآلات الحديثة - كالمكبرات- فظاهر كلام الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - أن الاستعانة بها جائزة ، ولكن العـمدة عـلى
________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصوم / باب قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : «إذا رأيتمُ الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتُموهُ فأفطِروا» (1888) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال ، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2468) ، والترمذي في سننه في كتاب الصوم / باب ما جاء لا تقدموا الشهر (678) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم (2118) ، وأحمد في مسنده (9696).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم / باب هل يُقالُ رَمضانُ أو شهرُ رمضانَ، ومَن رأَى كلَّهُ وَاسِعاً (1879) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال ، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2457) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث (2121) ، وابن ماجه في سننه في كتاب الصيام / باب ما جاء في «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»/ (1704) ، وأحمد في مسنده (6307)
(3) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب إذا أغمي الشهر (2327) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على منصور في حديث ربعي فيه (2127) ، قال الألباني : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\50) رقم الحديث (2326)].
رؤية العين حيث قال حين سئل عن استخدام الدربيل في رؤية الهلال : " إن استعان به فلا بأس ، ولكن العمدة على رؤية العين"(1) ، وقال في موضع آخر : " أمـــا الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها ، بل تكفي رؤية العين ، ولكن من طالع الهلال بها ، وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال ؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب"(2).
العدد المطلوب لرؤية الهلال :
تنقسم الشهور بالنسبة لهذه المسألة إلى قسمين :
1- شهر رمضان : ويكفي في ثبوته شهادة شخص واحد.
ويدل لذلك حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : «تَرَاءى النَّاسُ الهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم – أنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ»(3) ، ويدل له كذلك حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : «جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقالَ : إنِّي رَأَيْتُ الهِلاَلَ ، فَقالَ : أتَشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله؟ ، قال : نَعَمْ ، قالَ : أتَشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً رَسُولُ الله؟ ، قال : نَعَمْ ، قالَ : يَا بِلاَلُ أذِّنْ في النَّاسِ فَلْيَصُوموا غَداً»(4).
وهذا هو قول الحنابلة(5) والشافعية(6).
وعـلى مـذهـب الحـنابلة لا يـُشترط كـون الشاهـد هنا ذكـراً ولا حـراً ، ولا أن تكـون بلـفـظ
مسألة : إذا غم على الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فما الحكم ؟
تحرير محل النزاع :
اتفقوا على أنه إذا رُؤي الهلال ليلة الثلاثين وجب الصوم ، وعلى أنه إذا لم يُرى الهلال ليلة الثلاثين وكان صحواً لم يجب الصوم ، وإذا لم يُرى الهلال ليلة الثلاثين مع وجود غيم أو قتر فهذا هو موضع الخلاف ،
الـخـاتـمـة
أولاً : النتائج :
1- أن الشهر القمري لا يمكن أن يدخل إلا بأحد طريقين :
أ- رؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر الذي قبله.
ب- إتمام الشهر السابق ثلاثين يوماً ثم يدخل الشهر الذي بعده.
2- أن الرؤية الشرعية المطلوبة للهلال هي الرؤية بالعين المجردة ، ولا مانع من الاستعانة بالمكبرات ، لكن العمدة على رؤية العين.
3- أن شهر رمضان يثبت بشهادة شخص واحد ، وأما غير رمضان فلا يدخل إلا بشهادة عدلين.
4- أن من يرى الهلال يُشترط فيه أن يكون عدلا - وعلى الراجح للحاكم أن يقبل الشهادة إذا ترجح لديه أنها حق وصدق - ، وأن يكون الشاهد مكلفا ، وأن يكون قوي البصر.
5- إذا كان في السماء ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر فالراجح أن يوم الثلاثين لا يجب وجوبه ، وأن الراجح يدور بين إباحة صوم ذلك اليوم ، أو النهي عنه.
6- في مسألة ثبوت دخول الشهر القمري بالحساب الفلكي تبين لنا ما يلي :
· أن الخلاف في المسألة حادث ومسبوق بالإجماع.
· القول بتحريم الاعتماد على الحساب الفلكي هو القول الذي يدل عليه الشرع والعقل والحس.
· من قال بوجوب الحساب الفلكي أو جوازه اعتمد في قوله عـلى تعـليلات هي مـردودة ؛ لأنها في مقابل النصوص الشرعية ، وما ذكروه من نصوص شرعية إنما دلت على قولهم بطريق التأويل الفاسد.
· الحساب الفلكي لا يفيد القطع في إثبات دخول الشهر القمري ، وإنما يفيد الظن.
· وختاماً ، القول الصحيح في هذا المسألة هو : تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري.
ثانياً : التوصيات :
1- بما أن القول الصحيح هو : تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر القمري ، فإني أرى أن يُمنع الفلكيون من الكلام في هذه المسألة ؛ لما يسببونه من شوشرة وبلبلة عند العامة ؛ فإن الغالب أن الفلكيين يثيرون هذا الموضوع عند اقتراب شهور : رمضان وشوال وذي الحجة ؛ لأن معرفة وقت دخول تلك الأشهر يتوقف عليه عبادات عظيمة ، ومن آخر من نـُشر في هذا الموضوع – بالنسبة للوقت الذي كتب فيه هذا البحث – ما سبق أن أشرنا إليه في المقالين اللذيّن نشرتهما صحيفة الجزيرة (1).
فإذا أثاروا ذلك الموضوع عند اقتراب تلك الأشهر وقالوا أن الهلال لا يمكن أن يُرى في تلك الليلة ، أو تمكن رؤيته ، فإنهم يحدثون بذلك بلبلة عند العامة ، وقد يصل الأمر إلى أكبر من ذلك ، خصوصاً إذا جاء الأمر على عكس ما قالوا ، وربما وصل الأمر إلى أكبر من ذلك أيضاً ، وذلك أنه إذا قرأ المسلمون أن الهلال لن يخرج في ليلة الثلاثين ، وأن الشهر سوف يكون كاملاً – كما في المقالين الذيّن نشرتهما صحيفة الجزيرة – فربما أدى ذلك إلى ألا يتراءى المسلمون الهلال في تلك الليلة ، ولا يخفى ما في ذلك من مفاسد العظيمة ، وتعطيل لشعيرة من شعائر الإسلام ، فأرى أن يُمنعوا من إثارة البلبلة في هذا الموضوع ، وأن يصرفوا اهتماماتهم في أمور أخرى تكون مصلحة المسلمين فيها بدل كثرة القيل والقال في هذه المسألة ، والله يزع بالسلطان ما لا بزع بالقرآن.
2- اقترح أن تكون هناك حملات ونشرات هدفها توعية المسلمين بأهمية تراءي هلال الشهور القمرية ؛ وخصوصاً هلال شهور : رمضان وشوال وذي الحجة ، والإدلاء بشهادتهم لدى الـمـحـاكم ، وبيان أن هـذا الأمر يزداد أهـمية ومشروعية في حق من رزقه الله البصر القوي.
_______________
(1) انظر (صـ 44-45).
3- لابد من التفريق بين علم الفلك الحالي ، وبين علم التنجيم المنهي عنه شرعاً ، ففرق عظيم بينهما ، ونحن إنما ذكرنا تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري ، وإلا فنفس علم الفلك علم مهم وتتوقف عليه كثير من الأمور التي تهم الناس ، مثل أوقات دخول الفصول السنوية من شتاء وصيف وربيع وغيرها ، وما يترتب على ذلك من أوقات الزراعة وغيرها.
ونحن كما سبق إنما ذكرنا تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري ، فأرى أنه لا مانع من الاستعانة بحساباتهم ، وما يفيدوننا فيه من وقت خروج القمر ، وأين تمكن رؤيته في الشمال أو الجنوب ، وضابط ذلك أن يكون الاعتماد في دخول الشهر على رؤية الهلال لا على حساباتهم ، فإن رؤي الهلال دخل الشهر ، وإن قالوا بضد ذلك ، وإن لم يرَ الهلال لم يدخل الشهر وإن قالوا بضد ذلك.
والله أعلم.
والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.