المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسطين قبل أن تسمى بفلسطين


sslamah
28-11-04, 12:24 AM
عرفت فلسطين قبل أن تسمى بفلسطين ( بأرض كنعان) ، نسبة للكنعانيين العرب. وظلت طوال تاريخها تعرف ببلاد الشام وبسورية الجنوبية إلى أن جاءت اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية عام 1916 وفصلتها عن سورية مقدمة لتهويدها.


تؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا مدينة القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام. وبنى اليبوسيون العرب المدينة عام (3000) ق.م. وسميت آنذاك يبوس وأوروسالم نسبة للملك اليبوسي (العربي) سالم، وتعنى أور مدينة، أي مدينة سالم، ومن الاسم العربي هذا جاء اسمها جيروزاليم. وجاء الاسم أورشليم الذي يطلقه اليهود عليها من الآرامية، وبالتالي فإن الاسم (أورشليم) كلمة عربية وليست عبرية.

ورد اسم المدينة في نصوص الطهارة المصرية، في القرن التاسع عشر قبل الميلاد (يوروشاليم)، وفي رسائل تل العمارنة في القرن الرابع قبل الميلاد "يوروسالم"، وفي النقوش الآشورية بعد ذلك أوروشليمو". وسماها الإمبراطور الروماني إيلياء.


أما في العهد الإسلامي فقد كانت فلسطين جزءاً من بلاد الشام، حيث كانت لها منزلة خاصة في نفوس العرب المسلمين حيث ورد في القرآن الكريم "الأرض التي باركنا فيها للعالمين" (الأنبياء 71) صدق الله العظيم.

المساحة :
المساحة الإجمالية لفلسطين التاريخية 27.009 كيلو متر مربع أما مساحة دولة فلسطين المقترحة علي الأراضي المحتلة في عام 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة) فتبلغ 6209 كيلو متر مربع وتمثل 22.95% من مساحة فلسطين التاريخية علي النحو التالي:
مساحة الضفة الغربية 5844 كيلو متر ، وتشكل 21.6% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية.
مساحة قطاع غزة 365 كيلو متر مربع ويشكل 1.35% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية.


الموقع الجغرافي:
تقع فلسطين جنوب غرب قارة آسيا في الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وموقع فلسطين الجغرافي له أهمية استراتيجية كبيرة، فهو نقطة التقاء هامة تتوسط ثلاث قارات، هي أوروبا واسيا وإفريقيا.


حدود فلسطين التاريخية:
يحد فلسطين من الشمال لبنان وسوريا.
من الغرب البحر الأبيض المتوسط.
من الجنوب جمهورية مصر العربية. وخليج العقبة
من الشرق الأردن.
- حدود دولة فلسطين المقترحة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة،
- يحد الضفة الغربية من الشمال والغرب والجنوب إسرائيل ومن الشرق الأردن.
- أما قطاع غزة فيحده من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب جمهورية مصر العربية ومن الشمال والشرق إسرائيل.


المسطحات المائية في فلسطين:
تطل فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط لمسافة تصل إلى 224 كم وعلى خليج العقبة لمسافة تصل إلى 10.5 كلم وهناك بحيرة طبريا وهو المسطح المائي الوحيد في داخل فلسطين يبلغ طولها 21.5 وعرضها 12.3 كم.


السكان

عدد السكان:
بلغ عدد الفلسطينيين في العالم 8838431 نسمة.

بلغت نسبة عدد اللاجئين الفلسطينيين 62.4% من إجمالي الفلسطينيين.
تقسيم السكان حسب مكان الإقامة:

عدد سكان الضفة الغربية 2011930. عدد سكان قطاع غزة 1138126.

عدد الفلسطينيين المقيمين علي الأراضي المحتلة عام 48 - 1113000.
أما عدد الفلسطينيين المقيمين خارج فلسطين بلغ 4.575.375 موزعون على النحو التالي حسب مكان الإقامة طبقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لسنة 2001:

الأردن

2637076

السعودية

291811

لبنان

391240

الكويت

37140


سوريا

411119

دول الخليج الأخرى

6.149


مصر

58363

الولايات المتحدة

227179


العراق وليبيا

108910

الدول الأجنبية الأخرى

289289



اللغة :
اللغة العربية هي اللغة الرسمية في فلسطين.

القدس الشريف:
موقعها
تقع مدينة القدس في قلب فلسطين على تلال يتراوح ارتفاعها مابين 720 إلى 830 متراً عن سطح البحر وعلى خط الطول 35 شرقاً وخط العرض 34 شمالاً.
أقسامها
*القسم القديم
وهو المدينة التاريخية القديمة ويضم ساحة المسجد الأقصى المبارك، وتبلغ مساحة القسم القديم كيلو متراً مربعاً واحداً ويحيط به سور من جميع جهاته يبلغ طوله نحو 4كم وارتفاعه 12 متراً وله سبعة أبواب مفتوحة وهي: باب الساهرة وباب العمود من الشمال، وباب الخليل وباب المغاربة من الغرب وباب داوود عليه السلام من الجنوب، وباب الأسباط من الشرق، والباب الجديد من الشمال الغربي، وهناك باب ثامن مغلق يسمى الباب الذهبي.
*القسم الجديد
وكان ينقسم إلى منطقتين قبل الاحتلال اليهودي عام 1387/1967م وهما القسم الشرقي والقسم الغربي، والقدس الآن بأكملها وبمسجدها المبارك ترزح تحت وطأة الاحتلال اليهودي.

نبذة عن المسجد الأقصى
"سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"
مساحته
مساحة الأقصى مستطيلة الشكل تقريباً ويقع المسجد في الحي القديم في مدينة القدس وطولها من الجهة الغربية 490م ومن الجهة الشرقية 474م ومن الشمالية 321م ويحيط بهذه المساحة سور قديم يتخلله عشرة أبواب مفتوحة وأربعة مغلقة.


بناؤه وعمارته
الأقصى ثاني مسجد في الأرض لحديث أبي ذر - رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال المسجد الحرام، قال قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما؟ قال أربعون سنة.
اختلف فيمن أقام بناءه الأول، فقيل: أحد أبناء آدم عليه السلام وقيل: إن الملائكة قد بنته بعد بناء المسجد الحرام.

الأقصى تحت الاحتلال الصليبي
في عام 1099م زحف الصليبيون نحو مدينة القدس وحاصروها لمدة 40 يوماً، وظل المسلمون مستبسلين في الدفاع عن مدينتهم القدس رغم قلة العدد والعتاد، وفي ليلة 13-14 يوليو من عام 1099م كثف الصليبيون هجومهم على أسوار القدس حتى تمكنوا في ظهيرة اليوم التالي من اختراق دفاعات المسلمين.
فتح الله على يدي صلاح الدين القدس فدخلها وأسرع في تطهير المسجد الأقصى من دنس الصليبيين وأمر بتجديد بنائه وتنظيف ساحاته.

الأقصى تحت الاحتلال اليهودي
وقع المسجد الأقصى أسيرا في يد اليهود سنة 1967 على إثر الاحتلال الإسرائيلي لبقية الأراضي الفلسطينية ويومها دخل وزير الدفاع اليهودي ديان ومعه الحاخام الأكبر للجيش شلومو غورين.

ساعدت خصوبة أرض فلسطين واعتدال مناخها وموقعها المتوسط على وجود الإنسان فيها، منذ أقدم العصور حتى الوقت الحالي، لقد كان لموقع فلسطين المتوسط بين الدول التي نشأت في وادي النيل، وبلاد ما بين النهرين، والأناضول دور كبير في كتابة تاريخها، ولهذا كان لفلسطين دور بارز في عملية الاتصال الحضاري ما بين المناطق المختلفة من العالم، إذ كانت موضع تأثر وتأثير في جميع مناطق الشرق القديم، وشرق البحر المتوسط، وشمال إفريقيا. ولهذا يمكننا تقسيم التاريخ الفلسطيني إلى قسمين رئيسيين:



قبل الإسلام
عبر التاريخ سكن الإنسان أرض فلسطين منذ العصور الموغلة في القدم، وهناك آثار تعود إلى العصر الحجري القديم (500 ألف – 14 ألف ق.م)، والعصر الحجري الوسيط (14 ألف – 8 آلاف ق.م) وانتقلت حياة الإنسان في فلسطين إلى الاستقرار، وتحول من جمع الغذاء إلى إنتاجه، وفي أريحا ظهرت أول الدلائل على حياة الاستقرار، وهي تعتبر – حتى الآن – أقدم مدن العالم حيث أنشئت نحو 8000 ق.م.
وفي الألف الثالث قبل الميلاد زاد عدد سكان فلسطين ونمت المدن وأصبح لها قوة سياسية واقتصادية مما يمكن تسميته عصر "دويلات المدن".
وخلال الألف الثالث قبل الميلاد هاجر إلى فلسطين العموريون (الأموريون) والكنعانيون، وكذلك اليبوسيون والفينقيون (وهما يعتبران من البطون الكنعانية)، وعلى ما يظهر فقد كانت هجرتهم إلى فلسطين حوالي 2500 ق.م، حيث استقر الكنعانيون في سهول فلسطين، وتركز العموريون في الجبال، واستقر اليبوسيون في القدس وما حولها وهم الذين أنشأوا مدينة القدس وأسموها "يبوس" ثم "أورسالم"، أما الفينيقيون فاستقروا في الساحل الشمالي لفلسطين وفي لبنان.
ويرى ثقات المؤرخين أن العموريين والكنعانيين واليبوسيين والفينيقيين قد خرجوا من جزيرة العرب وأن سواد أهل فلسطين الحاليين وخاصة القرويين هم من نسل تلك القبائل والشعوب القديمة أو من العرب والمسلمين الذين استقروا في البلاد إثر الفتح الإسلامي لها.لقد كانت هجرة الكنعانيين واسعة في تلك الفترة بحيث أصبحوا السكان الأساسيين للبلاد، واسم أرض كنعان هو أقدم اسم عرفت به أرض فلسطين، وقد أنشأ الكنعانيون معظم مدن فلسطين، وكان عددها – حسب حدود فلسطين الحالية – لا يقل عن مائتي مدينة خلال الألف الثاني قبل الميلاد وقبل قدوم العبرانيين اليهود بمئات السنين.
ثم جاء العصر البرونزي الوسيط (2000 – 1550 ق.م) حيث شهد النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد حكم الهكسوس الذين سيطروا على فلسطين خلال القرون (18 –16ق.م) وعلى ما يظهر ففي هذا العصر (حوالي 1900ق.م) قدم إبراهيم عليه السلام ومعه ابن أخيه لوط عليه السلام إلى فلسطين وهناك ولد إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.

وبدأ العصر البرونزي المتأخر (1550 – 1200) بانزواء حكم الهكسوس ودخول فلسطين تحت سيطرة الحكم المصري المطلق، أما العصر الحديدي (1200 – 320ق.م) فيظهر أنه في بدايته (1200 ق.م تقريباً) استقبلت فلسطين مجموعات مهاجرة من مناطق مختلفة

ويظهر من الدلائل التاريخية المقارنة أن موسى عليه السلام قاد بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة في النصف الأخير من القرن 13 ق.م أي أواخر العصر البرونزي المتأخر، الذي شهد هو وبداية العصر الحديدي بداية الدخول اليهودي إلى فلسطين، ثم قيام مملكة داود وسليمان عليهما السلام 1004 – 923 ق.م التي انقسمت إلى مملكة إسرائيل 923 – 722 ق.م ومملكة يهودا 923 – 586 ق.م والتي حكمت كل منها جزءاً محدوداً من أرض فلسطين. ومنذ 730 ق.م دخلت فلسطين بشكل عام تحت النفوذ الآشوري القادم من العراق حتى 645 ق.م ثم ورثهم البابليون في النفوذ حتى 539 ق.م، وكان الآشوريون والبايليون يتداولون النفوذ على فلسطين مع مصر. ثم إن الفرس غزوا فلسطين وحكموها 539 – 332 ق.م. ثم دخلت فلسطين في العصر الهلينستي اليوناني حيث حكمها البطالة حتى 198 ق.م ورثهم السلوقيون حتى 64ق.م عندما جاء الرومان وسيطروا على فلسطين، وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية ظلت فلسطين تتبع الإمبراطورية الرومانية الشرقية "دولة الروم" وعاصمتها القسطنطينية حتى جاء الفتح الإسلامي وأعطاها صبغتها العربية الإسلامية سنة 636م.

دولة الحق ومسيرة الأنبياء على الأرض المقدسة
كان إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين نعلم أنهم عاشوا في فلسطين وماتوا فيها، وإبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء فمن نسله جاء الكثير من الأنبياء كإسحاق ويعقوب ويوسف وإسماعيل ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام.

ويظهر أن إبراهيم في البداية هاجر ومن معه إلى حران (الرها) وهي تقع الآن في جنوب تركيا إلى الشمال من سوريا، ومن هناك هاجر إلى أرض كنعان "فلسطين"، قال تعالى {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}، وحسب تقدير المؤرخين فإن قدومه إلى فلسطين كان حوالي 1900ق.م، نزل إبراهيم عليه السلام في شكيم قرب نابلس ومنها انتقل إلى جهات رام الله والقدس ومر بالخليل ثم ببئر السبع حيث استقر حولها زمناً ثم ارتحل إلى مصر، ثم عاد إلى فلسطين، ثم إن لوطاً عليه السلام انتقل إلى جنوب البحر الميت حيث أرسل لأهل تلك المنطقة، بينما مكث إبراهيم عليه السلام في جبال القدس والخليل، وقد ولد إسماعيل عليه السلام لإبراهيم من زوجته هاجر، ثم رزق بإسحاق بعد ذلك بثلاثة عشر عاماً من زوجته سارة، ويبدو أن إبراهيم عليه السلام تردد على الحجاز أكثر من مرة، فقد أحضر إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة وقصة سعي هاجر بين الصفا والمروة وتفجر ماء زمزم مشهورة، ثم إن إبراهيم عاد فبنى مع إسماعيل الكعبة {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}. غير أن مركز استقرار إبراهيم ظل فلسطين، وفيها توفي حيث دفن في مغارة المكفيلة قرب "الخليل" وهي المدينة التي سميت باسمه عليه السلام. وقيل إنه عمّر 175 سنة.


على كل حال فإن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل كان رسولاً من أولي العزم من الرسل، وكان له دوره الدعوي في نشر رسالة التوحيد في فلسطين حيث كان يؤسس المساجد ويقيم المحاريب لعبادة الله في كل مكان ذهب إليه. ويظهر أنه لم يجد عناء أو عنتاً من أهل فلسطين ولم يضطر لتركها بسبب دينه ودعوته فظل مستقراً يتنقل بحرية فيها حتى توفاه الله.


ويشير القرآن الكريم إلى أن إبراهيم عليه السلام قد عاصر رسالة لوط وهلاك قومه. فقد جاءه الملائكة وبشروه بإسحاق وأخبروه بأنهم مرسلون لتدمير قوم لوط فقال لهم {إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينّه وأهله إلا امرأته . . }، وهكذا نصر الله سبحانه رسوله لوطاً وطهر أرضه المباركة من {القرية التي كانت تعمل الخبائث}، وجاءت البشرى لإبراهيم بإسحاق ليحمل راية التوحيد من بعده على الأرض المباركة وليتواصل انتشار النور الإلهي فيها .

وعاش إسحاق في أرض فلسطين ورزقه الله سبحانه يعقوب عليه السلام "إسرائيل" والذي يعتبره اليهود أباهم، وكان إسحاق ويعقوب منارات للهدى بعد إبراهيم عليه السلام،{ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} .


ولد يعقوب عليه السلام في القرن 18 ق.م (حوالي 1750ق.م) في فلسطين، غير أنه هاجر على ما يظهر إلى حران "الرها" وهناك تزوج له أحد عشر ابناً منهم يوسف عليه السلام بينما ولد ابنه الثاني عشر بنيامين في أرض كنعان "فلسطين" وقد رجع يعقوب عليه السلام وأبناؤه إلى فلسطين وسكن عند "سعيّر" قرب الخليل،وتذكر بعض الروايات أن يعقوب عاش في مصر 17 سنة غير أن دفن عليه السلام إلى جوار جده وأبيه إبراهيم وإسحاق في الخليل .


على كل حال، يظهر أن يوسف وإخوته أبناء يعقوب "إسرائيل" نعموا بحرية العمل والعبادة في مصر وكان لهم دورهم في الدعوة إلى التوحيد، غير أن الأمر لم يستمر على حاله في أجيالهم المتعاقبة، فوقع بنو إسرائيل تحت الاضطهاد الفرعوني حتى أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون لإخراج بني إسرائيل منها إلى الأرض المقدسة.

بنو إسرائيل في عهد موسى عليه السلام

لقد كان بنو إسرائيل في تلك الفترة هم أهل الحق وحملة راية التوحيد، وكان فرعون مصر في ذلك الزمان متكبراً متعجرفاً يدعي الألوهية، وكان مفسداً يضطهد بني إسرائيل فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}، وقد ولد موسى عليه السلام في هذا الجو وتربى في بيت فرعون في تدبير رباني محكم، وقصة موسى ونشأته ودعوته لفرعون وخروجه ببني إسرائيل وهلاك فرعون أشهر من أن تروى .


قدر الله سبحانه أن يعطي تلك الفئة المؤمنة في ذلك الزمان أرض فلسطين {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} .


ونقف هنا عند بعض الآراء والروايات التاريخية التي يظهر منها أن عدد من خرج مع موسى من مصر كان حوالي ست آلاف فقط أو خمسة عشر آلفاً على بعض الروايات. ثم يقود موسى بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة، ولكنهم يختارون الارتداد على أدبارهم، {قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}، ويتألم موسى عليه السلام ويلجأ إلى ربه {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين}، ويستجيب الله لنبيه {قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض}، وهكذا يحكم عليهم بالتيه بعد أن كانوا على أبواب الأرض المقدسة، ويظهر أن الله سبحانه قد حرمها على هذا الجيل من بني إسرائيل حتى ينشأ جيل غيره يصلب عوده في جو من خشونة الصحراء، فهذا الجيل "أفسده الذل والاستعباد والطغيان في مصر فلم يعد يصلح لهذا الأمر الجليل".


وتوفي موسى عليه السلام قبل أن يستطيع دخول الأرض المقدسة، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن موسى عندما حان أجله قال رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم مكان قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر".


دخول بني إسرائيل أرض فلسطين

وبعد أن نشأ جيل صلب جديد وبعد سنوات التيه قاد بني إسرائيل نبي لهم هو يوشع بن نون عليه السلام ويسميه اليهود "يشوع" وهو الذي عبر بهم نهر الأردن وانتصر على أعدائه واحتل مدينة أريحا، وكان عبوره نهر الأردن حوالي 1190 ق.م ثم غزا "عاي" بجوار رام الله، وحاول فتح القدس ولكنه لم يستطيع، وكان عدد اليهود قليلاً بحيث يصعب عليهم الانتشار واحتلال كافة المناطق والسيطرة عليها. ومما نعلمه عن يوشع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوشع التقى أعداءه في معركة طالت حتى كادت الشمس تغيب فدعا الله ألا تغيب الشمس حتى تنتهي المعركة وينتصر فاستجاب الله لدعوته فأخر غروب الشمس حتى انتصر يوشع .


وبعد يوشع عليه السلام تولى قيادة اليهود زعماء عرفوا "بالقضاة" وعرف عصرهم ب"عصر القضاة" وعلى الرغم من محاولاتهم إصلاح قومهم فقد ساد عصرهم الذي دام حوالي 150 سنة، الفوضى والنكبات والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني إسرائيل، وقد استوطنوا في تلك الفترة في الأراضي المرتفعة المحيطة بالقدس وفي السهول الشمالية في فلسطين .


ولما شعر بنو إسرائيل بحالهم المتردي طلب الملأ منهم من نبي لهم (يقال ان اسمه صموئيل) أن يبعث عليهم ملكاً يقاتلون تحت رايته في سبيل الله، ولكن نبيهم الذي يعرف طباعهم قال لهم {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم} وأخبرهم نبيهم أن الله قد بعث عليهم طالوت ملكاً فاعترضوا بأنه أحق بالملك منه وأنه {لم يؤت سعة من المال}، فقال لهم نبيهم إن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم .


وتولى القائد المؤمن طالوت الملك على بني إسرائيل، وكان ذلك حوالي سنة 1025ق.م، وتسميه الروايات الإسرائيلية "شاؤول" وتساقط أتباعه في الاختبار عندما ابتلاهم الله بنهر الأردن ومنعهم من الشرب منه {إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم}، ثم تساقط الكثير من القليل الذي بقي في الاختبار التالي عندما رأوا جالوت وجنوده فقالوا {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}، ولم تثبت في النهاية إلا ثلة قليلة مؤمنة أعطاها الله سبحانه النصر وقتل داود عليه السلام – وكان فتى – في هذه المعركة جالوت بالمقلاع.


ولا نعرف بعد ذلك ما حصل يقيناً لطالوت، غير أن الروايات الإسرائيلية تذكر أنه في سنة 1004 ق.م تقريباً استطاع الفلسطيون الانتصار على طالوت "شاؤول" في معركة جلبوع وأنهم قتلوا ثلاثة من أبنائه وأكرهوا على الانتحار وقطعوا رأسه وسمّروا جسده وأجساد أولاده على سور مدينة بيت شان "بيسان" .


وينفتح فصل جديد في تاريخ بين إسرائيل وفي انتشار وسيطرة دعوة التوحيد على الأرض المباركة وذلك بتولي داود عليه السلام الملك بعد طالوت سنة 1004 ق.م، ويعتبر داود عليه السلام المؤسس الحقيقي لمملكة بني إسرائيل في فلسطين، ولد داود عليه السلام في بيت لحم، واستمر حكمه أربعين عاماً تقريباً (1004-963 ق.م) وكانت عاصمة حكمه في البداية مدينة "الخليل" حيث مكث فيها سبع سنوات، ثم إنه فتح القدس حوالي سنة 995 ق.م فنقل عاصمته إليها. وواصل حربه ضد الأقوام الكافرة في الأرض المقدسة حتى تمكن من إخضاعهم سنة 990 ق.م تقريباً، وأجبر دمشق على دفع الخراج وأخضع المؤابيين والأيدوميين والعمونيين، وهكذا سيطر أتباع التوحيد – في ذلك الزمان – لأول مرة – فيما نعلم – على معظم أنحاء فلسطين، غير أنه حدود مملكة داود عليه السلام في أغلب الظن لم تلامس البحر إلا من مكان قريب من يويا (يافا)، ويبدو أن حدود المملكة الإسرائيلية في أوجها كانت مئة وعشرين ميلاً في أطول أطوالا وستين ميلاً في أعرض عرضها وأقل من ذلك بكثير في أغلب الأحيان، أي أن مساحتها لم تزد عن 7200 ميل مربع أي حوالي 20 ألف كم2، وهذا أقل من مساحة فلسطين الحالية بحوالي سبعة آلاف كم2. لقد سيطر اليهود على المناطق المرتفعة لكنهم أخفقوا في السيطرة على السهول وخصوصاً أجزاء كبيرة من الساحل الفلسطيني، وهي أجزاء لم تتم لدولتهم السيطرة عليها إطلاقاً طوال قيامها .


وإذا كان يهود هذا الزمان يفاخرون بداود عليه السلام ويعتبرون أنفسهم حاملي لوائه وميراثه، فإن المسلمين يعتبرون أنفسهم أحق بداود من بني إسرائيل، وهم يؤمنون به نبياً من أنبياء الله ويحبونه ويكرمونه، ويفاخرون به لأنه أنشأ دولة الإيمان القائمة على التوحيد في فلسطين وهم السائرون على دربه الحاملون لرايته في هذا الزمان بعد أن نكص عنها بنو إسرائيل وكفروا وأشركوا ونقضوا عهودهم مع الله.


وورث سليمان عليه السلام أباه داود في العلم والحكم والنبوة، وتشير الروايات إلى أن سليمان كان واحداً من 19 أبناً لداود، وأن سليمان ولد في القدس، وأن حكمه في الأرض المباركة استمر حوالي أربعين عاماً (963-923ق.م).

استمر حكم داود وسليمان حوالي ثماني عاماً وهو العصر الذهبي الذي حكمت فيه فلسطين تحت راية التوحيد والإيمان قبل الفتح الإسلامي لها.


اليهود بعد دولة سليمان عليه السلام

وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري والسياسي والنفوذ الخارجي، فعند وفاة سليمان اجتمع ممثلو قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة في شكيم "قرب نابلس" لمبايعة رحبعام بن سليمان، ولكن ممثلي عشر قبائل اتفقوا على عدم مبايعته لأنه لم يعدهم – حسب الروايات – بتخفيف الضرائب، وانتخبوا بدلاً منه "يربعام" من قبيلة أفرايم ملكاً وأطلقوا اسم "إسرائيل" على مملكتهم وعاصمتهم شكيم (ثم ترزة ثم السامرة)، أما قبيلتا يهوذا وبنيامين فقد حافظتا على ولائهما لرحبعام بن سليمان وكونتا تحت حكمه مملكة "يهودا" وعاصمتها القدس. أما مملكة "إسرائيل" فقد استمرت خلال الفترة 923 – 721 ق.م، وأما مملكة "يهودا" 923 – 586 ق.م




تداول الهيمنة الفارسية والإغريقية والرومانية على فلسطين

عاش اليهود بعد سقوط ملكهم في فلسطين مرحلة "السبي البابلي" في العراق ما لا يقل عن سبعمائة سنة من ظهور موسى عليه السلام، ولاحت الفرصة لليهود للعودة مرة أخرى إلى فلسطين عندما أسقط الإمبراطور الفارسي قورش الثاني الدولة البابلية الكلدانية 539 ق.م بمساعدة يهودية، وانتصر على ميديا، ومد نفوذه إلى فلسطين التي دخلت في عصر السيطرة الفارسية 539 - 332 ق.م وقام هؤلاء اليهود ببناء الهيكل حيث اكتمل بناؤه في 515 ق.م. وفي منطقة القدس تمتع القدس بنوع من الاستقلال الذاتي تحت الهيمنة الفارسية، وهو حكم لم يكن يتجاوز نصف قطره عشرين كيلومتراً في أي اتجاه .

وفي سنة 332 ق.م احتل الإسكندر المقدوني فلسطين وقد ترك الاسكندر اليهود دون أن يمسهم، ومنذ ذلك التاريخ دخلت فلسطين في عصر السيطرة الهللينية الإغريقية الذي استمر حتى سنة 63 ق.م .


وبعد موت الإسكندر نشب نزاع بين قادته أدى إلى توزيع مملكته بينهم فكانت فلسطين من نصيب القائد بطليموس، وسمي حكمه وحكم خلفائه من بعده بـ"عصر البطالمة" وقد استمر في فلسطين من 302 – 198ق.م، وقد عطف البطالمة على اليهود الذين كان يدير شؤونهم "الكاهن الأكبر". ثم إن السلوقيين (الذين كان نصيبهم بعد وفاة الإسكندر سوريا الشمالية وآسيا الصغرى والرافدين والهضبة الإيرانية) استطاعوا السيطرة على فلسطين إثر معركة "بانيون" التي حقق فيها الملك السلوقي انطيوخس الثالث نصراً كاملاً على البطالمة، وقد استمرت سيطرة السلوقيين على فلسطين حتى 63 ق.م .


ولد عيسى بن مريم حوالي 4 ق.م في بيت لحم، وهناك في الأرض المباركة فلسطين قام عيسى عليه السلام بواجب الدعوة إلى الله وبذل جهوداً كبيرة في هداية بين إسرائيل، وبشرهم بقدوم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم {ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وعلى الرغم من المعجزات التي أجراها الله على يديه وما تضمنته رسالته من حق ونور إلا أن بني إسرائيل جحدوا وأنكروا وناصبوه العداء،ولم يؤمن به إلا عدد ضئيل.


ويذكر التاريخ أنه لما جاء عيد الفصح من سنة 30 م ذهب المسيح إلى أورشليم (القدس) وزار الهيكل واستنكر وجود الصيارفة والباعة، وفي إنجيل متى (21/12 – 13) "ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم مكتوب أن بيتي -هكذا النص- بيت الصلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص".


وقد حقد اليهود والوجهاء على المسيح، وفي إنجيل لوقا (19/47) "وكان يعلم كل يوم في الهيكل وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجود الشعب يطلبون أن يهلكوه"، وسارع مجلس اليهود الديني "السنهدرين" إلى الاجتماع وقرر القبض على المسيح وأصدر في الحال حكماً بإعدامه بتهمة التجديف والخروج عن الدين .


ثم إنهم ساقوه إلى الوالي الروماني – في ذلك الوقت – بيلاطس البنطي الذي يحق له وحده تنفيذ الإعدام، ولم يجد هذا جرماً من المسيح يوجب قتله فقامت قيامة اليهود، وأخذوا يصرخون بصوت واحد، اصلبه، اصلبه "دمه علينا وعلى أولادنا". وقد اضطر كارهاً إلى الموافقة على إعدامه، غير أن الله سبحانه أدركه برحمته فرفعه إليه في الوقت الذي ظن فيه اليهود أنهم قتلوه {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم . . بل رفعه الله إليه } .


وطويت هذه الصفحة من تاريخ الصراع بين الحق والباطل على الأرض المقدسة، فقد كذب بنو إسرائيل بآخر بني أرسل إليهم واتهموه بالسحر وتآمروا عليه، وآمن بعيسى الحواريون وأخذوا ينشرون دعوته من بعده ويلاقون في سبيلها الاضطهاد والأذى. واستمر الحواريون في دعوة اليهود وكانوا يخطبون في الهيكل، ولما تضاعف عدد النصارى بعد بضع سنوات خاف اليهود من انتشار الدعوة وطلبوا القبض على بطرس وغيره لمحاكمتهم أمام "السهندرين" إلا أن المجلس اكتفى بجلدهم وأطلق سراحهم، وهرب المهتدون الجدد إلى السامرة وقيسارية وأنطاكية فأنشأوا الجماعات المسيحية، ووصل بطرس إلى روما حيث أنشأ جماعة مسيحية وكان يركز في دعوته على اليهود، أما بولس فكان يدعو الوثنيين كما يدعو اليهود واستخدم في دعوته المصطلحات والمفاهيم الفلسفية لتفسير المسيحية بما يتلاءم مع الثقافة الهلنستية السائدة آنذاك. وانتهى الأمر ببولس وبطرس بأن حكم عليهما بالإعدام في عهد الإمبراطور الروماني نيرون سنة 64 م.


نهاية الوجود اليهودي في فلسطين

ونعود مرة أخرى لنرى أحوال بني إسرائيل في فلسطين بعد صعود المسيح، فقد كان الرومان قد بدأوا حكماً مباشراً على القدس وباقي فلسطين منذ 6 م، بعد أن خلعوا أرخيليوس الذي خلف أباه هيرودس لسوء حكمه، وفي عهد واليهم بيلاطس البنطي 26-36 م حدثت وقائع السيد المسيح عليه السلام. وقد ثار اليهود على حكم الرومان في نوفمبر 66م في عهد الإمبراطور نيرون واستطاع القائد العسكري الروماني تيتوس إخماد هذه الثورة في سبتمبر 70م – بعد أن استمرت أربع سنوات – فدخل القدس بعد حصار شديد وأعمل القتل والنهب والحرق، ودمر الهيكل الذي بناه هيرودس حتى لم يبق حجر على حجر وأصبحت مدينة القدس قاعاً صفصفاً، وبيع كثير من الأسرى عبيداً في أسواق الإمبراطورية الرومانية بأبخس الأثمان، وكانت أمنية اليهودي أن يشتريه من يرفق به فلا يرسله إلى حلقة المصارعة مع الوحوش التي اعتاد الرومان التلذذ بمنظرها وهي تلتهم الناس!! وبنى هذا القائد قوساً في روما بمناسبة نصره على اليهود وهو لا يزال قائماً إلى الآن وعليه نقوش ذكرى ذلك الانتصار، ويُرى فيه الشمعدان ذو الرؤوس السبعة المشهور عند اليهود والذي أخذه من الهيكل .


ثار اليهود مرة أخرى على الرومان بقيادة باركوخبا واسمه الأصلي "سيمون" واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات 132-135م، واجتمع تحت لوائه عدد كبير من اليهود واستطاع احتلال القدس، غير أن الإمبراطور الروماني هدريان أرسل جيشاً كبيراً بقيادة جوليوس سيفروس الذي احتل القدس ثانية وهزم اليهود، الذين هربوا إلى بتّير حيث لا تزال خرائب القلعة التي تحصن فيها اليهود وهزموا وسماها العرب "خربة اليهود"، وقد نكل هدريان بالثائرين أشد تنكيل ودمر "أورشليم" وحرث موقعها الذي كانت قائمة عليه وقتل وسبى أعداداً كبيرة من اليهود، ثم منع اليهود من دخول القدس والسكن فيها بل والدنو منها، وسمح للمسيحيين بالإقامة فيها على ألا يكونوا من أصل يهودي. وأقام هدريان مدينة جديدة فوق خرائب "أورشليم" سماها إيليا كابيتولينا،حيث عرفت بعد ذلك بـ"إيلياء" وهو اسم هدريان الأول، وأقام هيكلاً وثنياً لجوبيتر على نفس مكان الهيكل القديم .


واستمر حظر دخول القدس على اليهود حوالي 200 سنة تالية، وندر دخولهم إليها وأقامتهم فيها طوال القرون التالية حتى القرن التاسع عشر، وتشرد بنو إسرائيل في الأرض ولم يعد لهم في فلسطين سوى الذكريات التي أكثرها كفر وفسق وبغي وقتل للأنبياء، فكان جزاؤهم غضب الله عليهم ولعنته وحرمانهم من الأرض المقدسة وتقطيعهم في الأرض.



وفي نهاية هذا الاستعراض نذكر الخلاصات التالية:

(1) إن سكان فلسطين قد جاء معظمهم من جزيرة العرب وأنهم ظلوا سكان هذه البلاد حتى عصرنا هذا .

(2) إن الله قد وعد بني إسرائيل الأرض المقدسة عندما كانوا مستقيمين على أمر الله وعندما كانت تسوسهم الأنبياء، فلما بدلوا وأعرضوا وكفروا ذهب هذا الحق من أيديهم .

(3) إن المسلمين هم أولى من بني إسرائيل بأنبيائهم وهم الورثة الحقيقيون لتراثهم ودعوة الإسلام هي استمرار لدعوة هؤلاء الأنبياء، وإن الحق الذي سعوا لتكريسه هو الحق الذي يسعى المسلمون لتكريسه .

(4) إن ملك بني إسرائيل لم يشمل في أي يوم من الأيام كل فلسطين المعروفة بحدودها الحالية، وإن المدة التي حكموا فيها بشكل مستقل تماماً هي مدة ضئيلة قياساً إلى تاريخ فلسطين وأنهم حتى عندما كانت لهم مملكتان كانوا في كثير من الأحيان خاضعين لنفوذ قوى أكبر منهم .

(5) إن الحكم الذاتي الذي تمتع به اليهود بعد عودتهم من السبي البابلي كان ضعيفاً ومحدوداً بمنطقة القدس وضواحيها، ولم يتمتعوا بعد ذلك إلا باستقلال محدود في عهد المكابيين .

(6) إن اليهود بعد ذلك تشردوا في الأرض – بسبب منكراتهم وأفعالهم- ولم تعد لهم صلة بفلسطين لفترة استمرت حوالي 1900 سنة متصلة .


وفي الختام نذكر قول هـ.ج.ولز في كتاب "موجز التاريخ" حول تجربة بني إسرائيل في فلسطين بعد السبي البابلي:"كانت حياة العبرانيين (في فلسطين) تشبه حياة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم، فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار . . ومن الأول إلى الآخر لم تكن (مملكتهم) سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسورية وآشور وفينيقية ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم".


ويذكر المؤرخ المشهور جوستاف لوبون أن بني إسرائيل عندما استقروا في فلسطين "لم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى أخس ما في حضارتها، أي لم يقتبسوا غير عيوبها وعاداتها الضارة ودعارتها وخرافاتها فقربوا لجميع آلهة قبيلتهم يهوه العبوس الحقود الذي لم يثقوا به إلا قليلاً"، ويقول "اليهود عاشوا عيش الفوضى الهائلة على الدوام تقريباً ولم يكن تاريخهم غير قصة لضروب المنكرات. ." . . "إن تاريخ اليهود في ضروب الحضارة صفر . . و(هم) لم يستحقوا أن يعدوا من الأمم المتمدنة بأي وجه" . .

ويقول جوستاف لوبون أيضاً "وبقي بنوا إسرائيل حتى في عهد ملوكهم بدواً أفّاقين مفاجئين مغيرين سفاكين . . مندفعين في الخصام الوحشي"، ويقول "إن مزاج اليهود النفسي ظل على الدوام قريباً جداً من حال أشد الشعوب ابتدائية فقد كان اليهود عنُدُاً مندفعين غفلاً سذجاً جفاة كالوحوش والأطفال."

sslamah
28-11-04, 12:26 AM
بعد الإسلام


لا يمكن التعامل مع الصراع الدائر فوق ارض فلسطين المحتلة كصراع نموذجي من الصراعات البشرية العادية، كما لا يمكن اعتبار هذا الصراع امتداداً لصراعات لم تتوقف بين القوى المختلفة للسيطرة على أرض فلسطين لأسباب اقتصادية أو عسكرية أو حتى دينية. فالصراع الذي تحياه الأمة - بدرجات متفاوتة - مع العدو الصهيوني يشكل صراعاً تتداخل فيه الظروف التاريخية والسياسية وعوامل الاقتصاد والدين وحتى الرؤية الحضارية للمنطقة العربية والإسلامية ودورها في موكب الحضارة الإنسانية.

ويكفي استعراض المراحل التاريخية التي مرت بها القضية الفلسطينية لتوضيح هذه الحقيقة:

اليهود والسلطان عبد الحميد الثاني
بينما كان التنافس الإستعماري الاوروبي يشتد في نهاية القرن الثامن عشر لوراثة الإمبراطورية العثمانية، والسيطرة على طريق الهند الإستراتيجي، ويشكل عاملاً أساسياً لرسم سياسات الدول الأوروبية، حاول الحركيون اليهود - بدعم أوروبي شاركت فيه آنذاك ألمانيا وبريطانيا - الضغط على الخلافة العثمانية لانتزاع ميثاق من السلطان عبد الحميد الثاني يمنح اليهود حق الإستيطان في فلسطين والسماح بهجرتهم إليها، غير أن السلطان العثماني رفض الضغوط الأوروبية وإغراءات اليهود.

وفي الفترة بين عامي 1900- 1901 أصدر السلطان عبد الحميد بلاغاً يمنع المسافرين اليهود من الإقامة في فلسطين لأكثر من ثلاثة أشهر، كما أمر بمنع اليهود من شراء أي أرض في فلسطين، خشية أن تتحول هذه الأراضي إلى قاعدة لهم تمكنهم من سلخ فلسطين عن بقية الجسد المسلم.

وفي عام 1902 تقدم اليهود بعرض مغر للسلطان عبد الحميد يتعهد بموجبه أثرياء اليهود بوفاء جميع ديون الدولة العثمانية وبناء أسطول لحمايتها، وتقديم قرض بـ(35) مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة العثمانية المنهكة، إلا أن السلطان رفض العروض وكان رده كما جاء في مذكرات ثيودور هرتزل: (انصحوا الدكتور هرتزل ألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، لأني لا استطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الارض، فهي ليست ملك يميني بل ملك شعبي، لقد ناضل شعبي في سبيل هذه الارض ورواها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت امبراطوريتي يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الامبراطورية الاسلامية، وهذا أمر لا يكون، فأنا لا استطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة.).

إسقاط الخلافة الإسلامية
وعندما أيقن اليهود بفشل جميع المحاولات الممكنة بدأوا بالعمل على إسقاط الخلافة العثمانية، حيث استطاعوا التسرب عن طريق طائفة يهود الدونمة التي تظاهر أفرادها بالإسلام وحملوا الأسماء التركية، ودخلوا في جميعة "الاتحاد والترقي" ووصلوا الى الحكم سنة 1907، وتصاعد النشاط الصهيوني في فلسطين بدعم من أنصار الاتحاد والترقي ويهود الدونمة الذين سيطروا على مقاليد السلطة في الاستانة حيث سمح الحاكم العثماني الجديد لليهود بالهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي فيها، مما فتح أمام المنظمات الصهيونية للبدء بالنشاط العملي على نطاق واسع حتى سقطت الخلافة رسمياً سنة ( 1924) واحتلت الجيوش البريطانية فلسطين.

المصالح الاستعمارية
لقد التقت المصالح الاستعمارية الأوروبية في انتزاع فلسطين من الوطن العربي مع المصالح الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود، بل إن قادة أوروبا هم الذين عرضوا على اليهود إقامة وطن لهم في فلسطين، قبل أن تطرح الحركة الصهيونية الفكرة بسنوات طويلة، وعلى الأخص من جانب فرنسا وبريطانيا في محاولة للتخلص من المشكلة اليهودية في أوروبا وتحقيق مكاسب استعمارية من الدولة اليهودية.
كان التنافس الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا واضحاً في الشرق الأوسط، حتى قبل قيام الحركة الصهيونية، وكان هدف كل منهما حماية مصالحه في المنطقة، وملاحقة الدولة الأخرى من إجل إيذائها أو منافستها على تلك المصالح، وإيجاد الوسائل المختلفة التي تحمي مصالحها واعتقدت بريطانيا بعد فشل نابليون بونابرت في مصر وبلاد الشام، أنه من المفيد إيجاد بدائل أخرى في الشرق الأوسط، لاستمرار تفوقها على فرنسا. وقد وجدت في فلسطين مكاناً ملائماً لبسط نفوذها بسبب الموقع الجغرافي الذي تتمتع فيه وسط الوطن العربي وباعتبارها البوابة التي تربط بين أسيا وأفريقيا، ولهذا فإن من مصلحة الاستعمار الأوروبي والبريطاني بالذات، فصل الجزء الآسيوي عن الجزء الأفريقي من الوطن العربي، وخلق ظروف لا تسمح بتحقيق الوحدة بين الجزأين في المستقبل.

وفي مارس 1840 وجه البارون اليهودي روتشيليد خطاباً إلى بالمر ستون قال فيه : «إن هزيمة محمد علي وحصر نفوذه في مصر ليسا كافيين لأن هناك قوة جذب بين العرب، وهم يدركون أن عودة مجدهم القديم مرهون بإمكانيات اتصالهم واتحادهم، إننا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض، فسوف نجد أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر وبين العرب في أسيا. وكانت فلسطين دائماً بوابة على الشرق. والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر في هذه البوابة، لتكون هذه القوة بمثابة حاجز يمنع الخطر العربي ويحول دونه، وإن الهجرة اليهودية إلى فلسطين تستطيع أن تقوم بهذا الدور، وليست تلك خدمة لليهود يعودون بها إلى أرض الميعاد مصداقاً للعهد القديم، ولكنها أيضاً خدمة للامبراطورية البريطانية ومخططاتها، فليس مما يخدم الامبراطورية أن تتكرر تجربة محمد علي سواء بقيام دولة قوية في مصر أو بقيام الاتصال بين مصر والعرب الآخرين».

وهو ما أمكن تحقيقه جزئياً من خلال اتفاقية سايكس - بيكو (1916) وبموجب الاتفاقية حصلت فرنسا على أجزاء من سوريا وجنوب الأناضول وعلى منطقة الموصل في العراق ولونت باللون الازرق، وحصلت بريطانيا على أراضي جنوب سوريا إلى العراق شاملة بغداد والبصرة والمناطق الواقعة بين الخليج العربي والأراضي الممنوحة لفرنسا وميناء عكا وحيفا ولونت باللون الأحمر ، أما بقية مناطق فلسطين فقد لونت باللون البني، واتفق على أن تكون دولية، وهكذا حقق الاستعمار البريطاني والفرنسي مؤامرته ضد قيام وحدة بين جزئي الوطن العربي.

في أعقاب الاتفاقية عمد قادة الحركة الصهيونية وعلى رأسهم اللورد روتشيلد وحاييم وايزمان لاجراء اتصالات مع بريطانيا أدت إلى إصدار وعد بلفور، وكان من الأسباب التي دفعت بريطانيا للموافقة على الوعد هو أن تكون الدولة اليهودية خط الدفاع الأول عن قناة السويس واستمرار تجزئة الوطن العربي، وقد أصدر القرار في 2 تشرين ثاني / نوفمبر 1917 وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور.

وفي 11 كانون أول / ديسمبر 1917 دخلت الجيوش البريطانية بقيادة الجنرال اللنبي القدس وبدأت في تنفيذ وعد بلفور عملياً وحدثت على أثر ذلك صدامات بين العرب واليهود وتشكلت جمعيات عربية ضد المشروع الصهيوني ،عندما أراد اليهود الاحتفال بمرور عام على وعد بلفور هدد العرب بالتظاهر غير أن المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل هدد بإلقاء القبض على كل عربي يتظاهر.

وعلى إثر إعلان هذا الوعد عمت الاحتجاجات جميع أنحاء فلسطين وبعض الاقطار العربية، وتأكد الفلسطينيون أن بريطانيا ماضية في فصل بلادهم عن الاقطار العربية، لا سيما بعد أن فرضت عصبة الأمم المتحدة الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1919.

وحاولت بريطانيا تهدئة العرب، في الوقت الذي كانت تسعى فيه إلى فصل فلسطين عن بلاد الشام، ولكنها لم تنجح، حيث قام الفلسطينيون بأول ثورة شعبية عام 1920. وخلال انعقاد مؤتمر فرساي في كانون ثاني / يناير 1919 قدمت الحركة الصهيونية إلى المؤتمر خطة مدروسة واضحة المعالم لتنفيذ مشروعها، دعت إلى:

1- إقامة وصاية بريطانية لتنفيذ وعد بلفور .
2- أن تشمل حدود فلسطين ضواحي صيدا ومنابع الليطاني ونهر الأردن وحوران وشرق الأردن والعقبة وأجزاء من صحراء سيناء المصرية.

وفي 31 أيار/مايو 1920م صدر إعلان الانتداب على فلسطين في مؤتمر سان ريمو وعين البريطاني الصهيوني هربرت صموئيل مندوباً سامياً في القدس، وكان وزيراً للداخلية البريطانية ومتعاطفاً مع الصهاينة .

بدأت تتضح معالم المخطط البريطاني - الصهيوني في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين، حيث أعلن الفلسطينيون رفضهم له، وأثاروا مخاطر هجرة اليهود الى فلسطين على الوجود العربي في فلسطين، وحذورا من السكوت على استمرار هذه الهجرة إلى بلادهم.

وفي الوقت الذي كان فيه الشعب الفلسطيني يناضل ضد وعد بلفور وتزايد الهجرة اليهودية الى فلسطين بالتواطؤ مع الانتداب البريطاني، كانت الشعوب العربية مشغولة هي الاخرى بالعمل ضد الوجود الاستعماري في أراضيها، ولهذا فقد زادت الحركة الصهيونية من قوتها في الثلاثينات والأربعينات بمساعدة بريطانيا في غيبة الأمة العربية والإسلامية التي كانت تخوض معركة، وعندما استقلت الأقطار العربية أوائل الاربعينات، كان الوقت متأخراً جداً لكي تساهم تلك الجماهير مع الشعب الفلسطيني في معركته ضد الحركة الصهيونية وبريطانيا، إذ أعلن عن قيام الكيان الصهيوني، وكانت النتيجة ضياع فلسطين في حرب عام 1948، ودخلت منذ ذلك الوقت القضية الفلسطينية في أروقة السياسية العربية.

ولم تفلح الجهود الاستعمارية في تحقيق الأهداف الصهيونية من خلال عدوان 1956، غير أن الجهود العربية ظلت قاصرة ومترددة مما منح الصهاينة فترة ذهبية لتعزيز قدراتهم العسكرية والتخطيط للهجوم حتى كان عام 1967 عندما اجتاحت القوات الصهيونية الضفة الغربية وقطاع غزة وهما ما تبقى من فلسطين بعد حرب عام 1948 تحت السيادة العربية، كما تمكن الصهاينة من احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية ، وقد انسحبت قوات الاحتلال اليهودي من سيناء بموجب اتفاقيات سلام مع مصر وضمن شروط تجعل من البوابة الشرقية لمصر مشروعة عملياً أمام أي محاولة اجتياح يهودية، فيما لا زالت الدولة الصهيونية تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات لبنان إلى جانب شريط حدودي من جنوب لبنان.

المقاومة الإسلامية

لم تتوقف جهود المسلمين في الدفاع عن حقوقهم في فلسطين منذ مطلع القرن ففي العام 1918 تشكلت جمعية الفدائية وهي جمعية سرية ضمت عدداً من رجال الشرطة الفلسطينية ، وقد لعبت الجمعية دوراً مهماً في الإعداد للثورة العربية في فلسطين وفي نشر الوعي بالخطر الصهيوني بين عشائر البدو في شرق الأردن ضد اليهود غير أن اعتقال زعمائها أضعفها وقضى عليها غير أنه لم يوقف جهاد الفلسطينيين والعرب ضد المخططات الصهيونية فكانت ثورة النبي موسى (4 -10 أبريل /أبريل 1920) وثورة يافا (1-5 أيار / مايو 1921)، ثورة البراق ( 15آب / أغسطس 1929) وهي مواجهات محدودة كانت دوافعها عاطفية، ولم تكن منظمة مما حدّ من إمكانات تطورها أو تحقيق أهدافها وان كانت لعبت دوراً في تأجيج الصراع وتعطيل المشروع الصهيوني جزئياً وبشكل مؤقت .

في المقابل نظم مجاهدون قوى مقاومة كان أهمها حركة الشيخ المجاهد عز الدين القسام (1935) وكان الشيخ القسام قدم إلى حيفا من سوريا بعد إنهيار الثورة السورية ضد فرنسا، وبدأ نشاطه كمعلم ،ثم انضم إلى جميعة الشبان المسلمين عام 1926، وكان أحد مؤسسي فرع حيفا سنة 1928، وفاز برئاسة الفرع عندما جرت انتخاباته، ثم أصبح عضواً في اللجنة الإدارية للفراع سنة 1930 ثم عاد رئسياً للفرع سنة 1933.

وكان الشيخ القسام يتجول في أنحاء فلسطين بوصفه موظفاً شرعياً في المحكمة، وبدأ في تجنيد الشباب في خلايا من 5 أشخاص ، ونشر الدعوة ضد اليهود والبريطانيين واستطاع أن يؤسس حركة جهادية تستمد - فهمها من الإسلام وتتبنى منهجية العمل الجهاد طريقاً وحيداً لتحرير فلسطين، وبدأ القسام عملية بناء تنظيم سري اعتبر فيما بعد أهم منظمة سرية وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الجهاد العربي في فلسطين خلال تلك الفترة .

كان معقله الرئيسي في الحي القديم في حيفا، حيث يقطن الفقراء، وأصبحت له شعبية كبيرة في جميع أنحاء فلسطين. وفي عام 1935 نظم خمس لجان هي : الدعوة و الدعاية - التدريب العسكري - التموين - الانتخابات - العلاقات الخارجية، كما نظم ما بين 200- 800 من الأنصار.

وجاءت أحداث 1935 لتدفعه إلى البدء بالثورة في نوفمبر / نوفمبر من العام نفسه، وقد اعتبر إعلان حركة القسام للجهاد تغيراً أساسياً في مسار العمل العربي ضد المخططات الصهيونية التي كانت تعتمد على الجهود السياسية في محاولة الإصلاح والتغيير وتحقيق أماني أبناء الشعب الفلسطيني، والتجأ القسام مع 52 رجلاً من أنصاره في 12 نوفمبر 1935 إلى ضواحي مدينة جنين ودعا الفلاحين الفلسطينيين لمهاجمة القوات البريطانية في يعبد، وحاصرته القوات البريطانية وطلبت منه الاستسلام إلا أنه رفض، واستشهد مع اثنين من أتباعه، وتم أسر آخرين بعد معركة عنيفة خاضها القسام ورفاقه.

وأثار استشهاده الفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، وكانت جنازته بمثابة حداد وطني شامل في فلسطين. ويعتبر تنظيم القساميين الأول من نوعه نوعاً وهدفاً، إذ كان تنظيماً مسلحاً يستهدف اليهود والبريطانيين، وكان تنظيماً يقوم على الانتماء الإسلامي، وساهمت ثورة القسام واستشهاده في خلق وعي اسلامي ووطني فلسطيني بضرورة استعمال القوة لمقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين، لا سيما أن القسام شيخ وعالم شريعة قدم من سوريا ليقيم ويجاهد في فلسطين .

ولكن استشهاد القسام لم يخمد الثورة بل أجج نيرانها فكانت الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، والتي اعتبرت من أطول الثورات في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث عمت المظاهرات والإضراب العام مدن وقرى فلسطين وكانت التحرك الشامل الأول من نوعه حيث تداخلت الوسائل المدنية للثورة مع العمليات الجهادية .

وبدأت الأحداث في 15 أبريل / ابريل 1936 عندما قتلت المنظمات الفدائية مستوطناً صهيونياً وجرحت اثنين آخرين على طريق نابلس - طولكرم.

وفي الليلة التالية قتل اليهود مدنيين عربيين على الطريق العام إلى الشمال من مستعمرة عليبي، وعند تشييع جنازة المستوطن اليهودي حدثت اشتباكات مع العرب، وحدثت صدامات على حدود يافا- تل أبيب.

وأعلنت السلطات البريطانية منع التجول في يافا- تل أبيب، وفرضت حالة الطوارئ في جميع البلاد، وتشكلت في 20 أبريل /ابريل 1936 لجنة عربية في نابلس اعلنت الاضراب العام، وبعد أن زاد عدد القوات البريطانية إلى قرابة 20 ألف جندي حصلت معارك عنيفة بين الثوار والقوات البريطانية والصهيونية في شهر أكتوبر عام 1935. وقامت وفود فلسطينية بزيارات إلى عمّان والرياض وبغداد، ونتيجة لضغوطات بريطانية، قام الملوك والرؤساء العرب بإصدار نداء مشترك في 10 أكتوبر 1935 دعوا فيه العرب إلى «وقف الثورة، والاعتماد على النيات الطيبة" لصديقتنا بريطانيا العظمى التي أعلنت أنها ستحقق العدالة».
ونتيجة لذلك دعت اللجنة العربية العليا إلى وقف الإضراب، وإلى حل التنظيمات العربية وعودة الثوار العرب إلى دولهم.

احتلال القدس الغربية:

كانت مجزرة دير ياسين الوحشية التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة في التاسع من أبريل 1948 نقطة تحول في الترحيل القسري للعرب من فلسطين، وكانت مكبرات الصوت تبث في شوارع القدس الغربية وبشكل خاص في حي القطمون التهديد التالي: "إن لم ترحلوا عن بيوتكم سوف تلقون المصير الذي آلت إليه دير ياسين".

وأخذ أعضاء عصابة الهاغاثاة الإرهابية يتسللون في الليل داخل الحي ويقطعون خطوط الهاتف والكهرباء، ويقذفون القنابل اليدوية، ويرشقون الطلقات النارية لخلق جو من الذعر والرعب لحملهم على الرحيل من القدس الغربية.

وبالفعل نجحوا في مساعيهم وأجبروا سكان حي الشيخ بدر على الرحيل وطردوهم من القدس الغربية. وركزت عصابة الهاغاناة على حي القطمون، لأنه يشكل موقعاً استراتيجياً لتأمين السيطرة الكاملة على القدس الغربية.

وكانت مجزرة دير ياسين الوحشية والتي أباد اليهود فيها جميع سكان القرية وعددهم (276) نسمة منطلقاً لاحتلال القدس الغربية ومحطة أساسية للهجوم عليها.واستولت العصابات اليهودية المسلحة في مايو 1948 على القدس الغربية، وعلى الأحياء العربية فيها وشردت حوالي (60) ألف من سكان القدس الغربية العرب.

أخذت العصابات اليهودية المسلحة في 14/5/1948 بمجرد مغادرة الجنود البريطانيين للمدينة باحتلال ما بأيدي العرب من أحياء خارج أسوارها وأهم المراكز الاستراتيجية. ولم يبق للعرب من الأحياء خارج السور إلا باب الساهرة ووادي الجوز. وأخذوا يهاجمون أبواب المدينة القديمة لاحتلالها وتصدى المدافعون العرب لهم وردوا هجماتهم عن أسوار المدينة وأدى التعاون بين المجاهدين والجيش الأردني إلى تطهير المدينة من الحي اليهودي وصد محاولات احتلالها وأحكمت القوات العربية الحصار على القدس الغربية، مما أدى إلى نقص الذخائر والمؤن ومياه الشرب. فاتخذ مجلس الأمن قرار لوقف إطلاق النار في 22/5/48.

وفرضت الأردن على اللجنة السياسية للجامعة العربية التي اجتمعت في عمان بتاريخ 25/5/48 قبول الهدنة بحجة أن الجيش الأردني لا يستطيع الاستمرار في الحرب بسبب نقص المؤن والمعدات والذخائر.
ووافقوا على أخطر خطوة في تاريخ القدس بفك الحصار عن اليهود في القدس الذين كانوا على وشك التسليم.

وبدأت قوافل المؤن والذخائر تتجه من تل أبيب إلى القدس على مرأى من رجال الهدنة. ونقلوا الرجال والعتاد والسلام وشقوا الطرق.وقام قائد الفرقة الثالثة في الجيش الأردني البريطاني نورمان لاش بعقد اتفاقية مع اليهود ولصالحهم في 7/7/1948 لنزع السلاح في منطقة سكوبس الواقعة في المنطقة العربية وبها الجامعة العبرية ومستشفى هداسا، وجعلها منطقة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، وكانت خاضعة لسلطة العرب نظراً لانقطاعها عن الاتصال بالقدس الغربية المحتلة.

تهويد القدس الغربية:

اقترحت الأمم المتحدة إعلان منطقة القدس منزوعة السلام. ووافقت الحكومة الأردنية في أوائل أغسطس 1948 على مبدأ تجريد القدس من السلاح ورفضته إسرائيل، ووقعت إسرائيل اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية عام 1949، ولكنها صعدت اعتداءاتها على المدينة المقدسة بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة من أراضيها. وأخذت تحتل المنطقة المجردة من السلاح بين القدس القديمة والقدس الغربية التي احتلتها وضمتها للقدس المحتلة.

حاولت الأمم المتحدة أن تضع منطقة القدس بكاملها تحت الإدارة الدولية. وأيدها بذلك الفاتيكان والدول الكاثوليكية والكنائس العالمية والدول العربية باستثناء الأردن. اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/12/1949 القرار رقم (303 – 4)، أكدت فيه عزمها على وضع منطقة القدس تحت نظام دولي دائم يضمن حماية الأماكن المقدسة داخل المنطقة وخارجها، وعهدت إلى مجلس الوصاية تحقيق ذلك.
أعلنت إسرائيل رسمياً في 11/12/1949 نقل عاصمتها من تل أبيب إلى القدس.

ورفضت إسرائيل التدويل وأعلنت الكنيست بياناً جاء فيه: "أن القدس جزء لا يتجزأ من إسرائيل"، ونقل رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من الوزراء مكاتبهم في 14/12/1949 إلى القدس المحتلة وانعقدت الكنيست فيها وأعلنت في 26/12/1949: "أن القدس عاصمة إسرائيل منذ إنشاء دولة إسرائيل في 14/ أيار 1948" وأعلن بن غوريون، مؤسس "إسرائيل أنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل".

وقاد الانتصار العسكري الذي حققته إسرائيل عام 1948، وانقسام العرب بخصوص التدويل بين الرفض والقبول وسكوت الأمم المتحدة على تحدي إسرائيل للقرارات الدولية إلى تشجيع إسرائيل في توطيد أقدامها في القدس الغربية المحتلة وفرض سياسة الأمر الواقع كمقدمة لتهويدها ونزع طابعها العربي الإسلامي.

استنكرت معظم الدول التي اعترفت بإسرائيل نقل وزارة الخارجية الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس الغربية، واحتج مجلس الوصاية الدولية على الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في القدس المحتلة. وأحال الموضوع في شتاء 1950 إلى الجمعية العامة. ولكن الأمم المتحدة انشغلت في الحرب الكورية التي أشعلتها الولايات المتحدة. وقدمت وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة بتاريخ 9/7/1952 تحذر فيها من اعتزام نقل وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى القدس.

وبدأت عام 1961 ببناء مقر الكنيست في القدس بأموال تبرع بها الملياردير جيمس دي روتشليد وانتهى بناء المقر عام 1966. واعتبرت الدول العربية أن بناء المقر الجديد للكنيست جزءاً من المخطط الإسرائيلي لجعل القدس المحتلة عاصمة فعلية لإسرائيل، مما يؤدي إلى تثبيت وجودها التوسعي والعدواني في مدينة الإسراء والمعراج، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبالتالي تكون قد سخرت المزاعم والخرافات والأساطير الدينية في خدمة الأهداف الاستعمارية لإسرائيل وإعلاناً عملياً صريحاً برفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وجريمة عظمى بحق المسلمين والمسيحيين.

اعتبرت الصحافة الإسرائيلية: "أن تدشين الكنيست هو تدشين لرمز السيادة الإسرائيلية وعيد قومي لإسرائيل ودليل على نجاحها في جعل القدس عاصمة لها".

وأكدت الدول العربية أن افتتاح مبنى الكنيست الجديد في القدس المحتلة إساءة (وإهانة واحتقار) للعرب، وأن حضور ممثلي البرلمانات والدبلوماسيين تشجيع "لإسرائيل" على الاستمرار في تحدي قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس وفلسطين.

ضم الملك عبد الله في ديسمبر 1949، الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الأردن، وحل البرلمان لإجراء انتخابات برلمانية في الضفتين، وصدر في 24 أبريل 1950 القرار الأردني بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية واعترفت بريطانيا بالضم بتاريخ 27/أبريل/1950. وأعلن الأردن عام 1959 أن القدس الشرقية العاصمة الثانية للملكة الأردنية الهاشمية. وتبلور الوضع في المدينة المقدسة على الشكل التالي: القدس الغربية المحتلة عاصمة "إسرائيل" والقدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية.

احتلال القدس الشرقية:

أشعلت "إسرائيل" في الخامس من يونيو عام 1967 حرب يونيو العدوانية لتدمير القوات والمنجزات العربية وإقامة إسرائيل العظمى ولفرض الهيمنة الإسرائيلية والأميركية على النفط والثروات والأموال والأسواق العربية.

واحتلت في السابع من يونيو مدينة القدس الشرقية، وأسفر الاحتلال عن خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وإتلاف شبكات الكهرباء والهاتف وتشكلت إدارة عسكرية أخذت تعمل على ترحيل السكان العرب مما ا>ى إلى نزوح حوالي (30) ألف من المقدسيين. وأصدرت في 11/6/1967 قراراً ضمت فيه الضفة الغربية بما فيها القدس إلى الكيان الصهيوني. وأصدرت الكنيست والحكومة الإسرائيلية ووزير الداخلية في 27/28 يونيو 1967 عدة قرارات جعلت القدس الشرقية جزءاً لا يتجزأ من القدس الغربية المحتلة.

بدأت إسرائيل والجرافات الإسرائيلية بتغيير معالم القدس العربية منذ الساعات الأولى للاحتلال، لتهويدها وخلق حقائق جديدة يستحيل معها الانسحاب منها، وذلك بتدمير الأحياء العربية، وبناء الحياء اليهودية، وسلسلة من المستوطنات التي تحيط بالقدس من جميع الجهات، وتحويل سكانها العرب إلى أقلية، وخلق التواصل بين شطري المدينة والمستوطنات اليهودية حولها. وأزالت بوابة مندلبوم التي كانت نقطة العبور بين القدس الشرقية والغربية.

واتخذ مجلس الأمن الدولي في 21 أيار 1968 القرار رقم (253) أكد فيه أن الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري أمر غير مقبول، ويأسف لعدم امتثال "إسرائيل" لقراري الجمعية العامة، ويعتبر أن الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي قامت بها إسرائيل، ومن بينها نزع ملكية الأراضي والممتلكات التي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني في القدس هي إجراءات وأعمال باطلة ولا يمكن أن تغير هذا الوضع. وطلب مجلس الأمن الدولي من إسرائيل أن تلغي بصورة عاجلة جميع الإجراءات التي اتخذتها فعلاً، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء يهدف إلى تغيير الوضع في القدس.

وأعلنت إسرائيل في نفس الجلسة التي اتخذ فيها مجلس الأمن قراره أنها لن تنفذ القرار. وأعلن رئيس وزراء إسرائيل، ليفي اشكول في 28/5/ 1968 أي بعد أسبوع من اتخاذ قرار مجلس الأمن أن إسرائيل قررت نقل القيادة المركزية للجيش الإقليمي، وقيادة الشرطة الإقليمية ومكاتب البريد والعمل إلى القدس العربية، أي القدس الشرقية.

إحراق المسجد الأقصى
وظهرت خطورة الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس بمحاولة إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969 بتخطيط شيطاني، وعلى نطاق رسمي في ثلاثة مواقع من المسجد وقطع المياه عنه ومنع سيارات الإطفاء العربية القادمة من الضفة الغربية من القيام بعملها وزعمت أن يهودياً مجنوناً أقدم على محاولة حرق المسجد الأقصى.
وأدت ردود الفعل في العالم الإسلامي إلى عقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول في الرباط في ديسمبر 1969 لإنقاذ المسجد الأقصى ومدينة القدس من أخطار اليهود وأطماعهم.
اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 271 بتاريخ 15/9/1969 على أثر محاولة إسرائيل إحراق المسجد الأقصى عبّر فيه عن الحزن لما لحق بالمسجد الأقصى، والخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية.

وأقام وزير الحرب موشي دايان بعد احتلال القدس مباشرة الصلاة أمام حائط البراق، أي الحائط الغربي من المسجد الأقصى، وهو وقف إسلامي، ويزعم اليهود أنه حائط المبكى.

وعقد عدد من حاخامات اليهود في العالم اجتماعاً في القدس طالبوا فيه ببناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى ورد عليهم وزير الأديان الإسرائيلي آنذاك: "أنه لا يناقش أحد في أن الهدف النهائي لنا هو إقامة الهيكل ولكن لم يحن الأوان بعد وعندما يحين الموعد لا بد من حدوث زلزال يهدم المسجد الأقصى ونبني الهيكل على أنقاضه".

وأكد شلومو غورين، حاخام الجيش انهم سيزيلون المسجد الأقصى ويستعيدون الهيكل. وكان هرتسل والمؤسسون الصهاينة قد طالبوا بإعادة العبادة إلى الهيكل مكان المسجد الأقصى.

قامت سلطات الاحتلال بحفريات متعددة داخل سور المدينة المقدسة وبشكل خاص أسفل المناطق والعمارات الملاصقة للحائطين الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى مدعية أنها تنقب عن بقايا هيكل سليمان، مما تسبب في تصدع العديد من العمارات الوقفية الإسلامية. وهدمت قوات الاحتلال معظمها، حيث كانت تستخدم للسكن وللأغراض الدينية والحضارية. وأزالت حارة المغاربة التي كان يعيش فيها ثلاثة آلاف من المواطنين العرب بحجة توسيع حائط المبكى.

ووصلت الحفريات إلى أسفل الحائط الجنوبي للحرم الشريف والأروقة السفلية للمسجد الأقصى وأسفل مسجد عمر، بالإضافة إلى حفر وفتح النفق الذي فجر انتفاضة الأقصى الأولى واستشهد على أثر ذلك مئة من سكان القدس العرب على أيدي السفاح نتنياهو عام 1996، كما استشهد أكثر من الألفين من الفلسطينيين في انتفاضة الأقصى الثانية.

وأصبحت القدس الشرقية بحدودها الموسعة جزءاً من الكيان الصهيوني المغتصب وجزءاً لا يتجزأ من بلدية القدس الغربية المحتلة. وخضع سكانها العرب للقانون الإسرائيلي وما يفرضه من واجبات وبالتالي خضعوا لدولة العدو وقضائها وإدارتها.

بدأت إسرائيل منذ اليوم الأول للاحتلال بالاعتداء على المسجد الأقصى فقامت بالعديد من الحفريات والأنفاق حوله وتحته بحثاً عن أي أثر يمت إلى هيكل سليمان بصلة.

تهويد المؤسسات التعليمية والقضائية والتراث الإسلامي:

وانطلاقاً من عنصرية الصهيونية وممارسة إسرائيل العنصرية كسياسة رسمية وانطلاقاً من أسطورة شعب الله المختار وأسطورة ارض الميعاد تعرّض التراث الحضاري العربي الإسلامي والمسيحي إلى التدمير والتهويد للتخلص منه وإبادته من خلال:

1- الحفريات حول المسجد الأقصى وتحته من الناحيتين الجنوبية والغربية لهدم المعاهد والمدارس والمساجد والمساكن والمقابر التي تقع في منطقة الحفريات، وربما هدم المسجد الأقصى نفسه.
2- محاولة إحراق المسجد الأقصى لتدميره والتخلص منه ومن المقدسات غير اليهودية.
3- الاستيلاء على متحف الآثار الفلسطيني وتحويله إلى متحف إسرائيلي ونقل بعض الآثار والمخطوطات منه إلى المتاحف الإسرائيلية.
4- انتهاك حرمة الأماكن المسيحية المقدسة كالاعتداء على كنيسة القيامة بالقدس، في عام 1971، وفي عام 1977.
5- مصادرة عقارات وأراض عربية إسلامية ومسيحية فيها 4 أحياء مجاورة لمنطقة الحرم القدسي ومصادرة مساحات واسعة من أراضي بطريركية الروم الأرثوذكس وبطريركية الأرمن الأرثوذكس وهدمها. ومصادرة (25) دونم لدير اللاتين.
6- إطلاق أسماء يهودية على الشوارع والساحات العربية بدلاً من الأسماء العربية والإسلامية التاريخية. وقامت سلطات الاحتلال بإجراءات تدمير البنية الاقتصادية العربية للمدينة المحتلة وتهويد المرافق والخدمات العامة وتطبيق قوانين الضرائب والجمارك الإسرائيلية على الصناعات العربية وإخضاعها للمنافسة غير المتكافئة مع الصناعات الإسرائيلية مما أدى إلى تعريضها للإفلاس كما حدث مع شركة كهرباء القدس. وقضت على دوائر الصحة والخدمات الهاتفية والبريدية والبلدية… وجمدت النقابات العربية وطرحت مكاتب الهستدروت كبديل لها، وقلصت عدد الجمعيات الخيرية العربية المسجلة وأجبرتها على فك ارتباطها مع الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في الضفة الغربية.

جرت عملية مصادرة الأراضي العربية وتهويدها في القدس الشرقية على خمس مراحل:

المرحلة الأولى: في يناير عام 1968 وصادرت سلطات الاحتلال (5.100)، دونم في الشيخ جراح وقلنديا.
المرحلة الثانية: في أغسطس 1970 وصادرت سلطات الاحتلال (14.000) دونم من أراضي قرى بيت حنينا، بيت إكسا، بيت صفافا، حزما وصور باهر.
المرحلة الثالثة: في مارس 1980 وصادرت سلطات الاحتلال (5.000)، دونم من أراضي شعفاط وبيت حنينا.
المرحلة الرابعة: في أبريل 1991 وتمت مصادرة (19850) دونم في جبل أبو غنيم من أراضي أم طوبا وبيت ساحور.
المرحلة الخامسة: في أبريل 1992 جرت مصادرة (2000) دونم من أراضي شعفاط.

ووافقت الحكومة الإسرائيلية عام 1995 على بناء مستعمرة هار حوما (أبو غنيم)، وقررت في أيار 1997، البدء بإنشائها.

القيادة الفلسطينية والقدس:


تضمن قرار المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15/11/1988 إعلان استقلال الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وذلك انطلاقاً من قرار التقسيم، ولكن المجلس الوطني لم يفصل عن أي قدس يتحدث.


ولكن عندما تطالب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 يستخلص بعض خبراء القانون الدولي أن حدود الدولة التي يعنيها إعلان الاستقلال ليست الحدود التي رسمها وحددها قرار التقسيم وإنما هي حدود المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

لقد أجّل إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في واشنطون بتاريخ 28 سبتمبر 1995: "القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود والترتيبات الأمنية" إلى مفاوضات المرحلة النهائية، مما أعطى دولة الاحتلال المزيد من الوقت لتهويد المدينة وتثبيت السيادة الإسرائيلية عليها وتغيير طابعها العربي الإسلامي. فاستمرت في مصادرة الأراضي وبناء المستعمرات وشق الطرق والأنفاق، وإغلاق المؤسسات الفلسطينية ومنع السلطة الفلسطينية من فتح مكاتب لها أو القيام بأي نشاط إلاّ بإذن مسبق من الحكومة الإسرائيلية.

وبالتالي خلقت وتخلق سلطة الاحتلال وقائع جديدة باستمرار على الأرض تعزز تهويد المدينة وإضعاف الموقف الفلسطيني في المفاوضات القادمة. فالطرف المحتل هو المسيطر والأقوى بينما الطرف الفلسطيني يقع تحت الاحتلال ويفقد يومياً ما لديه من أوراق بسبب الأطماع والأكاذيب والممارسات اليهودية، وضعف القيادة الفلسطينية وهزالة المفاوض الفلسطيني.

إلا أن طبيعة المشروع الصهيوني وأبعاده التي تتعرض لحياة الانسان العادي ووجوده ظلت محفزاً أساسياً للجماهير من أجل الانخراط في مقاومة المشروع وابتكار وسائل مناسبة لذلك، فكانت الثورات الشعبية التي توجها الشعب الفلسطيني بانتفاضته المباركة عام 1987 وظهور حركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي نشأت وترعرعت خارج رحم السلطة وفي أحضان الشعب الرئيسي والجماهيري باعتبارهم المستهدف الأول من المشروع الصهيوني والمتضرر الرئيسي من إجراءات الصهاينة، وخط الدفاع الذي لا ينكسر في مواجهة المشروع الصهيوني، فالأنظمة والنخب قد تفتر وقد تهزم وقد تنمحي غير أن الشعب والجماهير لا تموت مهما أثخنتها الجراح فتظل قادرة على النهوض من جديد والمقاومة حتى النصر.





فلسطين قبل الفتح الإسلامي:
كانت فلسطين تقع تحت حكم البيزنظيين، في صلب الأحداث التي نجمت عن الحروب الانتقامية التي شنها (هرقل) على فارس، رداً للهجوم الذي قام به كسرى الثاني (590-628م) على بيزنطة في الأناضول وانطاكية ودمشق وبيت المقدس، التي تركها نهباً للحرائق ودمر فيها كنيسة القيامة وغيرها من بيوت العبادة، وأعمل السيف في أهلها عام 614م، وحمل معه الصليب المقدس وعاد به إلى عاصمته، وقد استرد (هرقل) ما فقده من أرض ومن جملتها فلسطين، كان الحكم الفارسي قد دام اثنتي عشرة سنة، فقدت خلالها بيزنطة الكثير من نفوذها وهيبتها، وخاصة في المناطق الجنوبية من بلاد الشام (فلسطين)، بعد إيقاف المساعدات المالية المدفوعة لهذه المنطقة، مقابل حراسة الحدود، ولم تكن الحال بأفضل في المجال الديني، إذ أن الانشقاق في الكنيسة الذي حدث في منتصف القرن الخامس أدى إلى تصدع وحدة المجتمع الروحية.
كان الفتح العربي لبلاد الشام ومنها فلسطين، جزءاً من مخطط بدأ تنفيذه منذ حياة الرسول (ص)، تطبيقاً لمبدأ عالمية الدعوة الإسلامية: الأقربون، عرب الجزيرة، العرب خارج الجزيرة، شعوب العالم، فكانت بدايات الفتح للعرب خارج الجزيرة، علماً بأن العرب خارج الجزيرة، غالبية قبائلهم تحالفت مع البيزنطيين لعاملين أساسيين أولهما عامل الدين إذ كان بعضها يدين بالنصرانية، والثاني عامل الاستقلال القبلي ورفض تدخل أية قوة خارج عن إطار القبلية، كان اللقاء الأول للفاتحين مع هذه القبائل، ثم تم فتح المدن ذات الغالبية العربية الواقعة جنوب بلاد الشام، ثم أواسط بلاد الشام، ثم المدن الساحلية، ومعظم هذه المدن تم فتحها بعد حصار طويل، وقد سهل على الفاتحين التناقض في التركيب السكاني وتعدد الديانات، وسوء الادارة البيزنطية، والخلافات المذهبية، وقد أقامت الجيوش الفاتحة قواعدها العسكرية المركزية في الجابية في الجولان منطقة الغساسنة والرملة في فلسطين، ونزل القادة الفاتحون في طبريا، وبيسان، وفي القدس (إيلياء).
بداية الفتح العربي الإسلامي لفلسطين:
واستمرَّت "فلسطين"خاضعة للحكم الرومانى إلى أن فتحها العرب المسلمون سنة (15هـ= 636م)، بقيادة "أبي عبيدة بن الجراح"، في عهد أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه- وعندما جاء الخليفة "عمر بن الخطاب" من"المدينة" إلى "القدس"، وتسلمها من أهلها كتب لهم عهدًا بالأمان عُرف بالعهدة العمرية، وقام بنفسه بتنظيف الصخرة المشرفة وساحة الأقصى، ثم بنى مسجداً صغيراً عند مسرى النبي ومعراجه، وقد جاء معه وفد ضمَّ العديد من كبار الصحابة، منهم : "أبوعبيدة عامر بن الجراح"، و"سعد بن أبي وقاص"، و"خالد بن الوليد"، و"أبو ذر الغفاري".
فلسطين في العهد العربي الإسلامي:
قبل أن تتشكل الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، كانت أنظار القلّة المستضعفة من المسلمين في مكة تتجه إلى المسجد الأقصى وبيت المقدس في فلسطين. إذ إن معجزة الإسراء تمت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. وكان المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين في الصلاة. وقد كان فتح خيبر وفدك (7هـ) وغزوتا مؤتة (8هـ) وتبوك (9هـ) وحملة أسامة بن زيد (11هـ) مقدمة لتطلع المسلمين إلى بلاد الشام.
أما فتح فلسطين فكانت أبرز المعارك التي أدت إلى فتحها هي معركة أجنادين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه في 27 جمادى الأولى 13هـ ـ 30 يوليو 634م قرب بيت جبرين التي قتل فيها نحو ثلاثة آلاف من الروم، ومعركة فحل ـ بيسان في 28 ذي القعدة 13هـ ـ 23 يناير 635م والتي كان ميدانها غربي نهر الأردن إلى الجنوب من بيسان. أما المعركة الفاصلة فكانت معركة اليرموك شمالي الأردن في 5 رجب 15هـ ـ 12 أغسطس 636م والتي واجه فيها جيشُ المسلمين ـ المكون من 36 ألفاً بقيادة أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ـ جيش الروم البالغ 200 ألف. وقد حلَّت كارثة كبرى في الروم قدَّرها بعض المؤرخين بنحو 130 ألف قتيل. وقد أدت هذه المعركة إلى فتح بلاد الشام. وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنفسه لاستلام مفاتيح بيت المقدس بعد أن حاصرها المسلمون بضعة أشهر ورغب أهلها في الصلح شرط أن يتولى عمر رضي الله عنه العقد بنفسه. وهي المدينة الوحيدة في عهد الراشدين التي تولى خليفة بنفسه استلام مفاتيحها، وقد شارك عمر في الفتح نحو أربعة آلاف من الصحابة وصدَح صوت بلال بن رباح فيها بالأذان بعد أن كان امتنع عن ذلك منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كتب عمر بن الخطاب لأهل القدس عهداً، اشتهر باسم "العهدة العمرية" وقد جاء فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيِّزِها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن. وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وله مثل ما على أهل إيلياء من الجزية.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة 15هـ".
ويعكس هذا النص مدى التسامح الديني عند المسلمين في عالم كان يسوده التعصب الأعمى والإكراه على الدين. وقد تم فتح القدس على الأرجح في ربيع الآخر 15هـ ـ مايو 637م. وكانت "قيسارية" آخر مدينة تفتح في فلسطين في شوال 19هـ ـ أكتوبر 639م، وكانت ميناء ومدينة عامرة قوية سعى الروم للاحتفاظ بها قدر استطاعتهم.
وحسب التقسيمات الإدارية أصبحت فلسطين "جنداً" من "أجناد" الشام الذي توزع على أربعة أجناد في الراشدين، وأصبحت خمساً في عهد الدولة الأموية. وقد ظلت فلسطين جزءاً أصيلاً في الدولة الإسلامية ومتفاعلاً مع تطوراتها السياسية والحضارية.

افاق النسيم
02-12-04, 01:58 AM
شرح جميل جدا الله يعطيك العافيه وان شاالله ترجع فلسطين عربيه كما كانت

ال مستحيل
02-12-04, 11:36 PM
sslamah

جزاك الله خير

المعلومات قيمه جداً

بارك الله فيك وفي جهدك

بالله عليك ممكن تتفضل وتذكر المصدر أو المصادر

غريب الماضي
03-12-04, 03:08 AM
الـسـلام عليكم،،


بــارك الله بـك،،


نـبـذهـ وشــرح طـيـب،، ورائــع،، عن فلسطـيـن الـحـاظــر والـمـاضي.


والله ينصـر الاسـلام والمسلمين ويحرر بـلاد الـمـقـدس والـرافـديـن


خاصة وبـلاد الـمسلمين عـامة يارب العالمين


شكراً جـزيلاً ،، جـهـد،، ومعلومات قيمة جداً


الله يعطيك العافية

النجم 2
02-01-05, 10:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله فيك اخي الفاضل

اسامه

جزاك الله خيرا
اللهم حرر ارض فلسطين من براثن اليهود اللهم انصر اخواننا في فلسطين
الله عجل بالنصر و التمكين لاخواننا المسلمين و المظطهدين هناك يارب العالمين

sslamah
08-01-05, 02:44 PM
شاكر لكم مروركم اخواني
وجوزيتم كل خير ان شاء الله تعالي

كاتم الونة
04-02-07, 06:02 PM
بارك الله فيك...ونفع بك

جزاك الله خيرا .

شمشوم نجد
12-04-07, 03:29 AM
الله يعطيك العافية