sslamah
28-11-04, 12:24 AM
عرفت فلسطين قبل أن تسمى بفلسطين ( بأرض كنعان) ، نسبة للكنعانيين العرب. وظلت طوال تاريخها تعرف ببلاد الشام وبسورية الجنوبية إلى أن جاءت اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية عام 1916 وفصلتها عن سورية مقدمة لتهويدها.
تؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا مدينة القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام. وبنى اليبوسيون العرب المدينة عام (3000) ق.م. وسميت آنذاك يبوس وأوروسالم نسبة للملك اليبوسي (العربي) سالم، وتعنى أور مدينة، أي مدينة سالم، ومن الاسم العربي هذا جاء اسمها جيروزاليم. وجاء الاسم أورشليم الذي يطلقه اليهود عليها من الآرامية، وبالتالي فإن الاسم (أورشليم) كلمة عربية وليست عبرية.
ورد اسم المدينة في نصوص الطهارة المصرية، في القرن التاسع عشر قبل الميلاد (يوروشاليم)، وفي رسائل تل العمارنة في القرن الرابع قبل الميلاد "يوروسالم"، وفي النقوش الآشورية بعد ذلك أوروشليمو". وسماها الإمبراطور الروماني إيلياء.
أما في العهد الإسلامي فقد كانت فلسطين جزءاً من بلاد الشام، حيث كانت لها منزلة خاصة في نفوس العرب المسلمين حيث ورد في القرآن الكريم "الأرض التي باركنا فيها للعالمين" (الأنبياء 71) صدق الله العظيم.
المساحة :
المساحة الإجمالية لفلسطين التاريخية 27.009 كيلو متر مربع أما مساحة دولة فلسطين المقترحة علي الأراضي المحتلة في عام 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة) فتبلغ 6209 كيلو متر مربع وتمثل 22.95% من مساحة فلسطين التاريخية علي النحو التالي:
مساحة الضفة الغربية 5844 كيلو متر ، وتشكل 21.6% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية.
مساحة قطاع غزة 365 كيلو متر مربع ويشكل 1.35% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية.
الموقع الجغرافي:
تقع فلسطين جنوب غرب قارة آسيا في الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وموقع فلسطين الجغرافي له أهمية استراتيجية كبيرة، فهو نقطة التقاء هامة تتوسط ثلاث قارات، هي أوروبا واسيا وإفريقيا.
حدود فلسطين التاريخية:
يحد فلسطين من الشمال لبنان وسوريا.
من الغرب البحر الأبيض المتوسط.
من الجنوب جمهورية مصر العربية. وخليج العقبة
من الشرق الأردن.
- حدود دولة فلسطين المقترحة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة،
- يحد الضفة الغربية من الشمال والغرب والجنوب إسرائيل ومن الشرق الأردن.
- أما قطاع غزة فيحده من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب جمهورية مصر العربية ومن الشمال والشرق إسرائيل.
المسطحات المائية في فلسطين:
تطل فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط لمسافة تصل إلى 224 كم وعلى خليج العقبة لمسافة تصل إلى 10.5 كلم وهناك بحيرة طبريا وهو المسطح المائي الوحيد في داخل فلسطين يبلغ طولها 21.5 وعرضها 12.3 كم.
السكان
عدد السكان:
بلغ عدد الفلسطينيين في العالم 8838431 نسمة.
بلغت نسبة عدد اللاجئين الفلسطينيين 62.4% من إجمالي الفلسطينيين.
تقسيم السكان حسب مكان الإقامة:
عدد سكان الضفة الغربية 2011930. عدد سكان قطاع غزة 1138126.
عدد الفلسطينيين المقيمين علي الأراضي المحتلة عام 48 - 1113000.
أما عدد الفلسطينيين المقيمين خارج فلسطين بلغ 4.575.375 موزعون على النحو التالي حسب مكان الإقامة طبقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لسنة 2001:
الأردن
2637076
السعودية
291811
لبنان
391240
الكويت
37140
سوريا
411119
دول الخليج الأخرى
6.149
مصر
58363
الولايات المتحدة
227179
العراق وليبيا
108910
الدول الأجنبية الأخرى
289289
اللغة :
اللغة العربية هي اللغة الرسمية في فلسطين.
القدس الشريف:
موقعها
تقع مدينة القدس في قلب فلسطين على تلال يتراوح ارتفاعها مابين 720 إلى 830 متراً عن سطح البحر وعلى خط الطول 35 شرقاً وخط العرض 34 شمالاً.
أقسامها
*القسم القديم
وهو المدينة التاريخية القديمة ويضم ساحة المسجد الأقصى المبارك، وتبلغ مساحة القسم القديم كيلو متراً مربعاً واحداً ويحيط به سور من جميع جهاته يبلغ طوله نحو 4كم وارتفاعه 12 متراً وله سبعة أبواب مفتوحة وهي: باب الساهرة وباب العمود من الشمال، وباب الخليل وباب المغاربة من الغرب وباب داوود عليه السلام من الجنوب، وباب الأسباط من الشرق، والباب الجديد من الشمال الغربي، وهناك باب ثامن مغلق يسمى الباب الذهبي.
*القسم الجديد
وكان ينقسم إلى منطقتين قبل الاحتلال اليهودي عام 1387/1967م وهما القسم الشرقي والقسم الغربي، والقدس الآن بأكملها وبمسجدها المبارك ترزح تحت وطأة الاحتلال اليهودي.
نبذة عن المسجد الأقصى
"سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"
مساحته
مساحة الأقصى مستطيلة الشكل تقريباً ويقع المسجد في الحي القديم في مدينة القدس وطولها من الجهة الغربية 490م ومن الجهة الشرقية 474م ومن الشمالية 321م ويحيط بهذه المساحة سور قديم يتخلله عشرة أبواب مفتوحة وأربعة مغلقة.
بناؤه وعمارته
الأقصى ثاني مسجد في الأرض لحديث أبي ذر - رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال المسجد الحرام، قال قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما؟ قال أربعون سنة.
اختلف فيمن أقام بناءه الأول، فقيل: أحد أبناء آدم عليه السلام وقيل: إن الملائكة قد بنته بعد بناء المسجد الحرام.
الأقصى تحت الاحتلال الصليبي
في عام 1099م زحف الصليبيون نحو مدينة القدس وحاصروها لمدة 40 يوماً، وظل المسلمون مستبسلين في الدفاع عن مدينتهم القدس رغم قلة العدد والعتاد، وفي ليلة 13-14 يوليو من عام 1099م كثف الصليبيون هجومهم على أسوار القدس حتى تمكنوا في ظهيرة اليوم التالي من اختراق دفاعات المسلمين.
فتح الله على يدي صلاح الدين القدس فدخلها وأسرع في تطهير المسجد الأقصى من دنس الصليبيين وأمر بتجديد بنائه وتنظيف ساحاته.
الأقصى تحت الاحتلال اليهودي
وقع المسجد الأقصى أسيرا في يد اليهود سنة 1967 على إثر الاحتلال الإسرائيلي لبقية الأراضي الفلسطينية ويومها دخل وزير الدفاع اليهودي ديان ومعه الحاخام الأكبر للجيش شلومو غورين.
ساعدت خصوبة أرض فلسطين واعتدال مناخها وموقعها المتوسط على وجود الإنسان فيها، منذ أقدم العصور حتى الوقت الحالي، لقد كان لموقع فلسطين المتوسط بين الدول التي نشأت في وادي النيل، وبلاد ما بين النهرين، والأناضول دور كبير في كتابة تاريخها، ولهذا كان لفلسطين دور بارز في عملية الاتصال الحضاري ما بين المناطق المختلفة من العالم، إذ كانت موضع تأثر وتأثير في جميع مناطق الشرق القديم، وشرق البحر المتوسط، وشمال إفريقيا. ولهذا يمكننا تقسيم التاريخ الفلسطيني إلى قسمين رئيسيين:
قبل الإسلام
عبر التاريخ سكن الإنسان أرض فلسطين منذ العصور الموغلة في القدم، وهناك آثار تعود إلى العصر الحجري القديم (500 ألف – 14 ألف ق.م)، والعصر الحجري الوسيط (14 ألف – 8 آلاف ق.م) وانتقلت حياة الإنسان في فلسطين إلى الاستقرار، وتحول من جمع الغذاء إلى إنتاجه، وفي أريحا ظهرت أول الدلائل على حياة الاستقرار، وهي تعتبر – حتى الآن – أقدم مدن العالم حيث أنشئت نحو 8000 ق.م.
وفي الألف الثالث قبل الميلاد زاد عدد سكان فلسطين ونمت المدن وأصبح لها قوة سياسية واقتصادية مما يمكن تسميته عصر "دويلات المدن".
وخلال الألف الثالث قبل الميلاد هاجر إلى فلسطين العموريون (الأموريون) والكنعانيون، وكذلك اليبوسيون والفينقيون (وهما يعتبران من البطون الكنعانية)، وعلى ما يظهر فقد كانت هجرتهم إلى فلسطين حوالي 2500 ق.م، حيث استقر الكنعانيون في سهول فلسطين، وتركز العموريون في الجبال، واستقر اليبوسيون في القدس وما حولها وهم الذين أنشأوا مدينة القدس وأسموها "يبوس" ثم "أورسالم"، أما الفينيقيون فاستقروا في الساحل الشمالي لفلسطين وفي لبنان.
ويرى ثقات المؤرخين أن العموريين والكنعانيين واليبوسيين والفينيقيين قد خرجوا من جزيرة العرب وأن سواد أهل فلسطين الحاليين وخاصة القرويين هم من نسل تلك القبائل والشعوب القديمة أو من العرب والمسلمين الذين استقروا في البلاد إثر الفتح الإسلامي لها.لقد كانت هجرة الكنعانيين واسعة في تلك الفترة بحيث أصبحوا السكان الأساسيين للبلاد، واسم أرض كنعان هو أقدم اسم عرفت به أرض فلسطين، وقد أنشأ الكنعانيون معظم مدن فلسطين، وكان عددها – حسب حدود فلسطين الحالية – لا يقل عن مائتي مدينة خلال الألف الثاني قبل الميلاد وقبل قدوم العبرانيين اليهود بمئات السنين.
ثم جاء العصر البرونزي الوسيط (2000 – 1550 ق.م) حيث شهد النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد حكم الهكسوس الذين سيطروا على فلسطين خلال القرون (18 –16ق.م) وعلى ما يظهر ففي هذا العصر (حوالي 1900ق.م) قدم إبراهيم عليه السلام ومعه ابن أخيه لوط عليه السلام إلى فلسطين وهناك ولد إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.
وبدأ العصر البرونزي المتأخر (1550 – 1200) بانزواء حكم الهكسوس ودخول فلسطين تحت سيطرة الحكم المصري المطلق، أما العصر الحديدي (1200 – 320ق.م) فيظهر أنه في بدايته (1200 ق.م تقريباً) استقبلت فلسطين مجموعات مهاجرة من مناطق مختلفة
ويظهر من الدلائل التاريخية المقارنة أن موسى عليه السلام قاد بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة في النصف الأخير من القرن 13 ق.م أي أواخر العصر البرونزي المتأخر، الذي شهد هو وبداية العصر الحديدي بداية الدخول اليهودي إلى فلسطين، ثم قيام مملكة داود وسليمان عليهما السلام 1004 – 923 ق.م التي انقسمت إلى مملكة إسرائيل 923 – 722 ق.م ومملكة يهودا 923 – 586 ق.م والتي حكمت كل منها جزءاً محدوداً من أرض فلسطين. ومنذ 730 ق.م دخلت فلسطين بشكل عام تحت النفوذ الآشوري القادم من العراق حتى 645 ق.م ثم ورثهم البابليون في النفوذ حتى 539 ق.م، وكان الآشوريون والبايليون يتداولون النفوذ على فلسطين مع مصر. ثم إن الفرس غزوا فلسطين وحكموها 539 – 332 ق.م. ثم دخلت فلسطين في العصر الهلينستي اليوناني حيث حكمها البطالة حتى 198 ق.م ورثهم السلوقيون حتى 64ق.م عندما جاء الرومان وسيطروا على فلسطين، وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية ظلت فلسطين تتبع الإمبراطورية الرومانية الشرقية "دولة الروم" وعاصمتها القسطنطينية حتى جاء الفتح الإسلامي وأعطاها صبغتها العربية الإسلامية سنة 636م.
دولة الحق ومسيرة الأنبياء على الأرض المقدسة
كان إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين نعلم أنهم عاشوا في فلسطين وماتوا فيها، وإبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء فمن نسله جاء الكثير من الأنبياء كإسحاق ويعقوب ويوسف وإسماعيل ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ويظهر أن إبراهيم في البداية هاجر ومن معه إلى حران (الرها) وهي تقع الآن في جنوب تركيا إلى الشمال من سوريا، ومن هناك هاجر إلى أرض كنعان "فلسطين"، قال تعالى {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}، وحسب تقدير المؤرخين فإن قدومه إلى فلسطين كان حوالي 1900ق.م، نزل إبراهيم عليه السلام في شكيم قرب نابلس ومنها انتقل إلى جهات رام الله والقدس ومر بالخليل ثم ببئر السبع حيث استقر حولها زمناً ثم ارتحل إلى مصر، ثم عاد إلى فلسطين، ثم إن لوطاً عليه السلام انتقل إلى جنوب البحر الميت حيث أرسل لأهل تلك المنطقة، بينما مكث إبراهيم عليه السلام في جبال القدس والخليل، وقد ولد إسماعيل عليه السلام لإبراهيم من زوجته هاجر، ثم رزق بإسحاق بعد ذلك بثلاثة عشر عاماً من زوجته سارة، ويبدو أن إبراهيم عليه السلام تردد على الحجاز أكثر من مرة، فقد أحضر إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة وقصة سعي هاجر بين الصفا والمروة وتفجر ماء زمزم مشهورة، ثم إن إبراهيم عاد فبنى مع إسماعيل الكعبة {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}. غير أن مركز استقرار إبراهيم ظل فلسطين، وفيها توفي حيث دفن في مغارة المكفيلة قرب "الخليل" وهي المدينة التي سميت باسمه عليه السلام. وقيل إنه عمّر 175 سنة.
على كل حال فإن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل كان رسولاً من أولي العزم من الرسل، وكان له دوره الدعوي في نشر رسالة التوحيد في فلسطين حيث كان يؤسس المساجد ويقيم المحاريب لعبادة الله في كل مكان ذهب إليه. ويظهر أنه لم يجد عناء أو عنتاً من أهل فلسطين ولم يضطر لتركها بسبب دينه ودعوته فظل مستقراً يتنقل بحرية فيها حتى توفاه الله.
ويشير القرآن الكريم إلى أن إبراهيم عليه السلام قد عاصر رسالة لوط وهلاك قومه. فقد جاءه الملائكة وبشروه بإسحاق وأخبروه بأنهم مرسلون لتدمير قوم لوط فقال لهم {إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينّه وأهله إلا امرأته . . }، وهكذا نصر الله سبحانه رسوله لوطاً وطهر أرضه المباركة من {القرية التي كانت تعمل الخبائث}، وجاءت البشرى لإبراهيم بإسحاق ليحمل راية التوحيد من بعده على الأرض المباركة وليتواصل انتشار النور الإلهي فيها .
وعاش إسحاق في أرض فلسطين ورزقه الله سبحانه يعقوب عليه السلام "إسرائيل" والذي يعتبره اليهود أباهم، وكان إسحاق ويعقوب منارات للهدى بعد إبراهيم عليه السلام،{ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} .
ولد يعقوب عليه السلام في القرن 18 ق.م (حوالي 1750ق.م) في فلسطين، غير أنه هاجر على ما يظهر إلى حران "الرها" وهناك تزوج له أحد عشر ابناً منهم يوسف عليه السلام بينما ولد ابنه الثاني عشر بنيامين في أرض كنعان "فلسطين" وقد رجع يعقوب عليه السلام وأبناؤه إلى فلسطين وسكن عند "سعيّر" قرب الخليل،وتذكر بعض الروايات أن يعقوب عاش في مصر 17 سنة غير أن دفن عليه السلام إلى جوار جده وأبيه إبراهيم وإسحاق في الخليل .
على كل حال، يظهر أن يوسف وإخوته أبناء يعقوب "إسرائيل" نعموا بحرية العمل والعبادة في مصر وكان لهم دورهم في الدعوة إلى التوحيد، غير أن الأمر لم يستمر على حاله في أجيالهم المتعاقبة، فوقع بنو إسرائيل تحت الاضطهاد الفرعوني حتى أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون لإخراج بني إسرائيل منها إلى الأرض المقدسة.
بنو إسرائيل في عهد موسى عليه السلام
لقد كان بنو إسرائيل في تلك الفترة هم أهل الحق وحملة راية التوحيد، وكان فرعون مصر في ذلك الزمان متكبراً متعجرفاً يدعي الألوهية، وكان مفسداً يضطهد بني إسرائيل فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}، وقد ولد موسى عليه السلام في هذا الجو وتربى في بيت فرعون في تدبير رباني محكم، وقصة موسى ونشأته ودعوته لفرعون وخروجه ببني إسرائيل وهلاك فرعون أشهر من أن تروى .
قدر الله سبحانه أن يعطي تلك الفئة المؤمنة في ذلك الزمان أرض فلسطين {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} .
ونقف هنا عند بعض الآراء والروايات التاريخية التي يظهر منها أن عدد من خرج مع موسى من مصر كان حوالي ست آلاف فقط أو خمسة عشر آلفاً على بعض الروايات. ثم يقود موسى بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة، ولكنهم يختارون الارتداد على أدبارهم، {قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}، ويتألم موسى عليه السلام ويلجأ إلى ربه {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين}، ويستجيب الله لنبيه {قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض}، وهكذا يحكم عليهم بالتيه بعد أن كانوا على أبواب الأرض المقدسة، ويظهر أن الله سبحانه قد حرمها على هذا الجيل من بني إسرائيل حتى ينشأ جيل غيره يصلب عوده في جو من خشونة الصحراء، فهذا الجيل "أفسده الذل والاستعباد والطغيان في مصر فلم يعد يصلح لهذا الأمر الجليل".
وتوفي موسى عليه السلام قبل أن يستطيع دخول الأرض المقدسة، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن موسى عندما حان أجله قال رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم مكان قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر".
دخول بني إسرائيل أرض فلسطين
وبعد أن نشأ جيل صلب جديد وبعد سنوات التيه قاد بني إسرائيل نبي لهم هو يوشع بن نون عليه السلام ويسميه اليهود "يشوع" وهو الذي عبر بهم نهر الأردن وانتصر على أعدائه واحتل مدينة أريحا، وكان عبوره نهر الأردن حوالي 1190 ق.م ثم غزا "عاي" بجوار رام الله، وحاول فتح القدس ولكنه لم يستطيع، وكان عدد اليهود قليلاً بحيث يصعب عليهم الانتشار واحتلال كافة المناطق والسيطرة عليها. ومما نعلمه عن يوشع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوشع التقى أعداءه في معركة طالت حتى كادت الشمس تغيب فدعا الله ألا تغيب الشمس حتى تنتهي المعركة وينتصر فاستجاب الله لدعوته فأخر غروب الشمس حتى انتصر يوشع .
وبعد يوشع عليه السلام تولى قيادة اليهود زعماء عرفوا "بالقضاة" وعرف عصرهم ب"عصر القضاة" وعلى الرغم من محاولاتهم إصلاح قومهم فقد ساد عصرهم الذي دام حوالي 150 سنة، الفوضى والنكبات والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني إسرائيل، وقد استوطنوا في تلك الفترة في الأراضي المرتفعة المحيطة بالقدس وفي السهول الشمالية في فلسطين .
ولما شعر بنو إسرائيل بحالهم المتردي طلب الملأ منهم من نبي لهم (يقال ان اسمه صموئيل) أن يبعث عليهم ملكاً يقاتلون تحت رايته في سبيل الله، ولكن نبيهم الذي يعرف طباعهم قال لهم {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم} وأخبرهم نبيهم أن الله قد بعث عليهم طالوت ملكاً فاعترضوا بأنه أحق بالملك منه وأنه {لم يؤت سعة من المال}، فقال لهم نبيهم إن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم .
وتولى القائد المؤمن طالوت الملك على بني إسرائيل، وكان ذلك حوالي سنة 1025ق.م، وتسميه الروايات الإسرائيلية "شاؤول" وتساقط أتباعه في الاختبار عندما ابتلاهم الله بنهر الأردن ومنعهم من الشرب منه {إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم}، ثم تساقط الكثير من القليل الذي بقي في الاختبار التالي عندما رأوا جالوت وجنوده فقالوا {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}، ولم تثبت في النهاية إلا ثلة قليلة مؤمنة أعطاها الله سبحانه النصر وقتل داود عليه السلام – وكان فتى – في هذه المعركة جالوت بالمقلاع.
ولا نعرف بعد ذلك ما حصل يقيناً لطالوت، غير أن الروايات الإسرائيلية تذكر أنه في سنة 1004 ق.م تقريباً استطاع الفلسطيون الانتصار على طالوت "شاؤول" في معركة جلبوع وأنهم قتلوا ثلاثة من أبنائه وأكرهوا على الانتحار وقطعوا رأسه وسمّروا جسده وأجساد أولاده على سور مدينة بيت شان "بيسان" .
وينفتح فصل جديد في تاريخ بين إسرائيل وفي انتشار وسيطرة دعوة التوحيد على الأرض المباركة وذلك بتولي داود عليه السلام الملك بعد طالوت سنة 1004 ق.م، ويعتبر داود عليه السلام المؤسس الحقيقي لمملكة بني إسرائيل في فلسطين، ولد داود عليه السلام في بيت لحم، واستمر حكمه أربعين عاماً تقريباً (1004-963 ق.م) وكانت عاصمة حكمه في البداية مدينة "الخليل" حيث مكث فيها سبع سنوات، ثم إنه فتح القدس حوالي سنة 995 ق.م فنقل عاصمته إليها. وواصل حربه ضد الأقوام الكافرة في الأرض المقدسة حتى تمكن من إخضاعهم سنة 990 ق.م تقريباً، وأجبر دمشق على دفع الخراج وأخضع المؤابيين والأيدوميين والعمونيين، وهكذا سيطر أتباع التوحيد – في ذلك الزمان – لأول مرة – فيما نعلم – على معظم أنحاء فلسطين، غير أنه حدود مملكة داود عليه السلام في أغلب الظن لم تلامس البحر إلا من مكان قريب من يويا (يافا)، ويبدو أن حدود المملكة الإسرائيلية في أوجها كانت مئة وعشرين ميلاً في أطول أطوالا وستين ميلاً في أعرض عرضها وأقل من ذلك بكثير في أغلب الأحيان، أي أن مساحتها لم تزد عن 7200 ميل مربع أي حوالي 20 ألف كم2، وهذا أقل من مساحة فلسطين الحالية بحوالي سبعة آلاف كم2. لقد سيطر اليهود على المناطق المرتفعة لكنهم أخفقوا في السيطرة على السهول وخصوصاً أجزاء كبيرة من الساحل الفلسطيني، وهي أجزاء لم تتم لدولتهم السيطرة عليها إطلاقاً طوال قيامها .
وإذا كان يهود هذا الزمان يفاخرون بداود عليه السلام ويعتبرون أنفسهم حاملي لوائه وميراثه، فإن المسلمين يعتبرون أنفسهم أحق بداود من بني إسرائيل، وهم يؤمنون به نبياً من أنبياء الله ويحبونه ويكرمونه، ويفاخرون به لأنه أنشأ دولة الإيمان القائمة على التوحيد في فلسطين وهم السائرون على دربه الحاملون لرايته في هذا الزمان بعد أن نكص عنها بنو إسرائيل وكفروا وأشركوا ونقضوا عهودهم مع الله.
وورث سليمان عليه السلام أباه داود في العلم والحكم والنبوة، وتشير الروايات إلى أن سليمان كان واحداً من 19 أبناً لداود، وأن سليمان ولد في القدس، وأن حكمه في الأرض المباركة استمر حوالي أربعين عاماً (963-923ق.م).
استمر حكم داود وسليمان حوالي ثماني عاماً وهو العصر الذهبي الذي حكمت فيه فلسطين تحت راية التوحيد والإيمان قبل الفتح الإسلامي لها.
اليهود بعد دولة سليمان عليه السلام
وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري والسياسي والنفوذ الخارجي، فعند وفاة سليمان اجتمع ممثلو قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة في شكيم "قرب نابلس" لمبايعة رحبعام بن سليمان، ولكن ممثلي عشر قبائل اتفقوا على عدم مبايعته لأنه لم يعدهم – حسب الروايات – بتخفيف الضرائب، وانتخبوا بدلاً منه "يربعام" من قبيلة أفرايم ملكاً وأطلقوا اسم "إسرائيل" على مملكتهم وعاصمتهم شكيم (ثم ترزة ثم السامرة)، أما قبيلتا يهوذا وبنيامين فقد حافظتا على ولائهما لرحبعام بن سليمان وكونتا تحت حكمه مملكة "يهودا" وعاصمتها القدس. أما مملكة "إسرائيل" فقد استمرت خلال الفترة 923 – 721 ق.م، وأما مملكة "يهودا" 923 – 586 ق.م
تداول الهيمنة الفارسية والإغريقية والرومانية على فلسطين
عاش اليهود بعد سقوط ملكهم في فلسطين مرحلة "السبي البابلي" في العراق ما لا يقل عن سبعمائة سنة من ظهور موسى عليه السلام، ولاحت الفرصة لليهود للعودة مرة أخرى إلى فلسطين عندما أسقط الإمبراطور الفارسي قورش الثاني الدولة البابلية الكلدانية 539 ق.م بمساعدة يهودية، وانتصر على ميديا، ومد نفوذه إلى فلسطين التي دخلت في عصر السيطرة الفارسية 539 - 332 ق.م وقام هؤلاء اليهود ببناء الهيكل حيث اكتمل بناؤه في 515 ق.م. وفي منطقة القدس تمتع القدس بنوع من الاستقلال الذاتي تحت الهيمنة الفارسية، وهو حكم لم يكن يتجاوز نصف قطره عشرين كيلومتراً في أي اتجاه .
وفي سنة 332 ق.م احتل الإسكندر المقدوني فلسطين وقد ترك الاسكندر اليهود دون أن يمسهم، ومنذ ذلك التاريخ دخلت فلسطين في عصر السيطرة الهللينية الإغريقية الذي استمر حتى سنة 63 ق.م .
وبعد موت الإسكندر نشب نزاع بين قادته أدى إلى توزيع مملكته بينهم فكانت فلسطين من نصيب القائد بطليموس، وسمي حكمه وحكم خلفائه من بعده بـ"عصر البطالمة" وقد استمر في فلسطين من 302 – 198ق.م، وقد عطف البطالمة على اليهود الذين كان يدير شؤونهم "الكاهن الأكبر". ثم إن السلوقيين (الذين كان نصيبهم بعد وفاة الإسكندر سوريا الشمالية وآسيا الصغرى والرافدين والهضبة الإيرانية) استطاعوا السيطرة على فلسطين إثر معركة "بانيون" التي حقق فيها الملك السلوقي انطيوخس الثالث نصراً كاملاً على البطالمة، وقد استمرت سيطرة السلوقيين على فلسطين حتى 63 ق.م .
ولد عيسى بن مريم حوالي 4 ق.م في بيت لحم، وهناك في الأرض المباركة فلسطين قام عيسى عليه السلام بواجب الدعوة إلى الله وبذل جهوداً كبيرة في هداية بين إسرائيل، وبشرهم بقدوم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم {ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وعلى الرغم من المعجزات التي أجراها الله على يديه وما تضمنته رسالته من حق ونور إلا أن بني إسرائيل جحدوا وأنكروا وناصبوه العداء،ولم يؤمن به إلا عدد ضئيل.
ويذكر التاريخ أنه لما جاء عيد الفصح من سنة 30 م ذهب المسيح إلى أورشليم (القدس) وزار الهيكل واستنكر وجود الصيارفة والباعة، وفي إنجيل متى (21/12 – 13) "ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم مكتوب أن بيتي -هكذا النص- بيت الصلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص".
وقد حقد اليهود والوجهاء على المسيح، وفي إنجيل لوقا (19/47) "وكان يعلم كل يوم في الهيكل وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجود الشعب يطلبون أن يهلكوه"، وسارع مجلس اليهود الديني "السنهدرين" إلى الاجتماع وقرر القبض على المسيح وأصدر في الحال حكماً بإعدامه بتهمة التجديف والخروج عن الدين .
ثم إنهم ساقوه إلى الوالي الروماني – في ذلك الوقت – بيلاطس البنطي الذي يحق له وحده تنفيذ الإعدام، ولم يجد هذا جرماً من المسيح يوجب قتله فقامت قيامة اليهود، وأخذوا يصرخون بصوت واحد، اصلبه، اصلبه "دمه علينا وعلى أولادنا". وقد اضطر كارهاً إلى الموافقة على إعدامه، غير أن الله سبحانه أدركه برحمته فرفعه إليه في الوقت الذي ظن فيه اليهود أنهم قتلوه {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم . . بل رفعه الله إليه } .
وطويت هذه الصفحة من تاريخ الصراع بين الحق والباطل على الأرض المقدسة، فقد كذب بنو إسرائيل بآخر بني أرسل إليهم واتهموه بالسحر وتآمروا عليه، وآمن بعيسى الحواريون وأخذوا ينشرون دعوته من بعده ويلاقون في سبيلها الاضطهاد والأذى. واستمر الحواريون في دعوة اليهود وكانوا يخطبون في الهيكل، ولما تضاعف عدد النصارى بعد بضع سنوات خاف اليهود من انتشار الدعوة وطلبوا القبض على بطرس وغيره لمحاكمتهم أمام "السهندرين" إلا أن المجلس اكتفى بجلدهم وأطلق سراحهم، وهرب المهتدون الجدد إلى السامرة وقيسارية وأنطاكية فأنشأوا الجماعات المسيحية، ووصل بطرس إلى روما حيث أنشأ جماعة مسيحية وكان يركز في دعوته على اليهود، أما بولس فكان يدعو الوثنيين كما يدعو اليهود واستخدم في دعوته المصطلحات والمفاهيم الفلسفية لتفسير المسيحية بما يتلاءم مع الثقافة الهلنستية السائدة آنذاك. وانتهى الأمر ببولس وبطرس بأن حكم عليهما بالإعدام في عهد الإمبراطور الروماني نيرون سنة 64 م.
نهاية الوجود اليهودي في فلسطين
ونعود مرة أخرى لنرى أحوال بني إسرائيل في فلسطين بعد صعود المسيح، فقد كان الرومان قد بدأوا حكماً مباشراً على القدس وباقي فلسطين منذ 6 م، بعد أن خلعوا أرخيليوس الذي خلف أباه هيرودس لسوء حكمه، وفي عهد واليهم بيلاطس البنطي 26-36 م حدثت وقائع السيد المسيح عليه السلام. وقد ثار اليهود على حكم الرومان في نوفمبر 66م في عهد الإمبراطور نيرون واستطاع القائد العسكري الروماني تيتوس إخماد هذه الثورة في سبتمبر 70م – بعد أن استمرت أربع سنوات – فدخل القدس بعد حصار شديد وأعمل القتل والنهب والحرق، ودمر الهيكل الذي بناه هيرودس حتى لم يبق حجر على حجر وأصبحت مدينة القدس قاعاً صفصفاً، وبيع كثير من الأسرى عبيداً في أسواق الإمبراطورية الرومانية بأبخس الأثمان، وكانت أمنية اليهودي أن يشتريه من يرفق به فلا يرسله إلى حلقة المصارعة مع الوحوش التي اعتاد الرومان التلذذ بمنظرها وهي تلتهم الناس!! وبنى هذا القائد قوساً في روما بمناسبة نصره على اليهود وهو لا يزال قائماً إلى الآن وعليه نقوش ذكرى ذلك الانتصار، ويُرى فيه الشمعدان ذو الرؤوس السبعة المشهور عند اليهود والذي أخذه من الهيكل .
ثار اليهود مرة أخرى على الرومان بقيادة باركوخبا واسمه الأصلي "سيمون" واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات 132-135م، واجتمع تحت لوائه عدد كبير من اليهود واستطاع احتلال القدس، غير أن الإمبراطور الروماني هدريان أرسل جيشاً كبيراً بقيادة جوليوس سيفروس الذي احتل القدس ثانية وهزم اليهود، الذين هربوا إلى بتّير حيث لا تزال خرائب القلعة التي تحصن فيها اليهود وهزموا وسماها العرب "خربة اليهود"، وقد نكل هدريان بالثائرين أشد تنكيل ودمر "أورشليم" وحرث موقعها الذي كانت قائمة عليه وقتل وسبى أعداداً كبيرة من اليهود، ثم منع اليهود من دخول القدس والسكن فيها بل والدنو منها، وسمح للمسيحيين بالإقامة فيها على ألا يكونوا من أصل يهودي. وأقام هدريان مدينة جديدة فوق خرائب "أورشليم" سماها إيليا كابيتولينا،حيث عرفت بعد ذلك بـ"إيلياء" وهو اسم هدريان الأول، وأقام هيكلاً وثنياً لجوبيتر على نفس مكان الهيكل القديم .
واستمر حظر دخول القدس على اليهود حوالي 200 سنة تالية، وندر دخولهم إليها وأقامتهم فيها طوال القرون التالية حتى القرن التاسع عشر، وتشرد بنو إسرائيل في الأرض ولم يعد لهم في فلسطين سوى الذكريات التي أكثرها كفر وفسق وبغي وقتل للأنبياء، فكان جزاؤهم غضب الله عليهم ولعنته وحرمانهم من الأرض المقدسة وتقطيعهم في الأرض.
وفي نهاية هذا الاستعراض نذكر الخلاصات التالية:
(1) إن سكان فلسطين قد جاء معظمهم من جزيرة العرب وأنهم ظلوا سكان هذه البلاد حتى عصرنا هذا .
(2) إن الله قد وعد بني إسرائيل الأرض المقدسة عندما كانوا مستقيمين على أمر الله وعندما كانت تسوسهم الأنبياء، فلما بدلوا وأعرضوا وكفروا ذهب هذا الحق من أيديهم .
(3) إن المسلمين هم أولى من بني إسرائيل بأنبيائهم وهم الورثة الحقيقيون لتراثهم ودعوة الإسلام هي استمرار لدعوة هؤلاء الأنبياء، وإن الحق الذي سعوا لتكريسه هو الحق الذي يسعى المسلمون لتكريسه .
(4) إن ملك بني إسرائيل لم يشمل في أي يوم من الأيام كل فلسطين المعروفة بحدودها الحالية، وإن المدة التي حكموا فيها بشكل مستقل تماماً هي مدة ضئيلة قياساً إلى تاريخ فلسطين وأنهم حتى عندما كانت لهم مملكتان كانوا في كثير من الأحيان خاضعين لنفوذ قوى أكبر منهم .
(5) إن الحكم الذاتي الذي تمتع به اليهود بعد عودتهم من السبي البابلي كان ضعيفاً ومحدوداً بمنطقة القدس وضواحيها، ولم يتمتعوا بعد ذلك إلا باستقلال محدود في عهد المكابيين .
(6) إن اليهود بعد ذلك تشردوا في الأرض – بسبب منكراتهم وأفعالهم- ولم تعد لهم صلة بفلسطين لفترة استمرت حوالي 1900 سنة متصلة .
وفي الختام نذكر قول هـ.ج.ولز في كتاب "موجز التاريخ" حول تجربة بني إسرائيل في فلسطين بعد السبي البابلي:"كانت حياة العبرانيين (في فلسطين) تشبه حياة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم، فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار . . ومن الأول إلى الآخر لم تكن (مملكتهم) سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسورية وآشور وفينيقية ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم".
ويذكر المؤرخ المشهور جوستاف لوبون أن بني إسرائيل عندما استقروا في فلسطين "لم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى أخس ما في حضارتها، أي لم يقتبسوا غير عيوبها وعاداتها الضارة ودعارتها وخرافاتها فقربوا لجميع آلهة قبيلتهم يهوه العبوس الحقود الذي لم يثقوا به إلا قليلاً"، ويقول "اليهود عاشوا عيش الفوضى الهائلة على الدوام تقريباً ولم يكن تاريخهم غير قصة لضروب المنكرات. ." . . "إن تاريخ اليهود في ضروب الحضارة صفر . . و(هم) لم يستحقوا أن يعدوا من الأمم المتمدنة بأي وجه" . .
ويقول جوستاف لوبون أيضاً "وبقي بنوا إسرائيل حتى في عهد ملوكهم بدواً أفّاقين مفاجئين مغيرين سفاكين . . مندفعين في الخصام الوحشي"، ويقول "إن مزاج اليهود النفسي ظل على الدوام قريباً جداً من حال أشد الشعوب ابتدائية فقد كان اليهود عنُدُاً مندفعين غفلاً سذجاً جفاة كالوحوش والأطفال."
تؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا مدينة القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام. وبنى اليبوسيون العرب المدينة عام (3000) ق.م. وسميت آنذاك يبوس وأوروسالم نسبة للملك اليبوسي (العربي) سالم، وتعنى أور مدينة، أي مدينة سالم، ومن الاسم العربي هذا جاء اسمها جيروزاليم. وجاء الاسم أورشليم الذي يطلقه اليهود عليها من الآرامية، وبالتالي فإن الاسم (أورشليم) كلمة عربية وليست عبرية.
ورد اسم المدينة في نصوص الطهارة المصرية، في القرن التاسع عشر قبل الميلاد (يوروشاليم)، وفي رسائل تل العمارنة في القرن الرابع قبل الميلاد "يوروسالم"، وفي النقوش الآشورية بعد ذلك أوروشليمو". وسماها الإمبراطور الروماني إيلياء.
أما في العهد الإسلامي فقد كانت فلسطين جزءاً من بلاد الشام، حيث كانت لها منزلة خاصة في نفوس العرب المسلمين حيث ورد في القرآن الكريم "الأرض التي باركنا فيها للعالمين" (الأنبياء 71) صدق الله العظيم.
المساحة :
المساحة الإجمالية لفلسطين التاريخية 27.009 كيلو متر مربع أما مساحة دولة فلسطين المقترحة علي الأراضي المحتلة في عام 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة) فتبلغ 6209 كيلو متر مربع وتمثل 22.95% من مساحة فلسطين التاريخية علي النحو التالي:
مساحة الضفة الغربية 5844 كيلو متر ، وتشكل 21.6% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية.
مساحة قطاع غزة 365 كيلو متر مربع ويشكل 1.35% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية.
الموقع الجغرافي:
تقع فلسطين جنوب غرب قارة آسيا في الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وموقع فلسطين الجغرافي له أهمية استراتيجية كبيرة، فهو نقطة التقاء هامة تتوسط ثلاث قارات، هي أوروبا واسيا وإفريقيا.
حدود فلسطين التاريخية:
يحد فلسطين من الشمال لبنان وسوريا.
من الغرب البحر الأبيض المتوسط.
من الجنوب جمهورية مصر العربية. وخليج العقبة
من الشرق الأردن.
- حدود دولة فلسطين المقترحة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة،
- يحد الضفة الغربية من الشمال والغرب والجنوب إسرائيل ومن الشرق الأردن.
- أما قطاع غزة فيحده من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب جمهورية مصر العربية ومن الشمال والشرق إسرائيل.
المسطحات المائية في فلسطين:
تطل فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط لمسافة تصل إلى 224 كم وعلى خليج العقبة لمسافة تصل إلى 10.5 كلم وهناك بحيرة طبريا وهو المسطح المائي الوحيد في داخل فلسطين يبلغ طولها 21.5 وعرضها 12.3 كم.
السكان
عدد السكان:
بلغ عدد الفلسطينيين في العالم 8838431 نسمة.
بلغت نسبة عدد اللاجئين الفلسطينيين 62.4% من إجمالي الفلسطينيين.
تقسيم السكان حسب مكان الإقامة:
عدد سكان الضفة الغربية 2011930. عدد سكان قطاع غزة 1138126.
عدد الفلسطينيين المقيمين علي الأراضي المحتلة عام 48 - 1113000.
أما عدد الفلسطينيين المقيمين خارج فلسطين بلغ 4.575.375 موزعون على النحو التالي حسب مكان الإقامة طبقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لسنة 2001:
الأردن
2637076
السعودية
291811
لبنان
391240
الكويت
37140
سوريا
411119
دول الخليج الأخرى
6.149
مصر
58363
الولايات المتحدة
227179
العراق وليبيا
108910
الدول الأجنبية الأخرى
289289
اللغة :
اللغة العربية هي اللغة الرسمية في فلسطين.
القدس الشريف:
موقعها
تقع مدينة القدس في قلب فلسطين على تلال يتراوح ارتفاعها مابين 720 إلى 830 متراً عن سطح البحر وعلى خط الطول 35 شرقاً وخط العرض 34 شمالاً.
أقسامها
*القسم القديم
وهو المدينة التاريخية القديمة ويضم ساحة المسجد الأقصى المبارك، وتبلغ مساحة القسم القديم كيلو متراً مربعاً واحداً ويحيط به سور من جميع جهاته يبلغ طوله نحو 4كم وارتفاعه 12 متراً وله سبعة أبواب مفتوحة وهي: باب الساهرة وباب العمود من الشمال، وباب الخليل وباب المغاربة من الغرب وباب داوود عليه السلام من الجنوب، وباب الأسباط من الشرق، والباب الجديد من الشمال الغربي، وهناك باب ثامن مغلق يسمى الباب الذهبي.
*القسم الجديد
وكان ينقسم إلى منطقتين قبل الاحتلال اليهودي عام 1387/1967م وهما القسم الشرقي والقسم الغربي، والقدس الآن بأكملها وبمسجدها المبارك ترزح تحت وطأة الاحتلال اليهودي.
نبذة عن المسجد الأقصى
"سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"
مساحته
مساحة الأقصى مستطيلة الشكل تقريباً ويقع المسجد في الحي القديم في مدينة القدس وطولها من الجهة الغربية 490م ومن الجهة الشرقية 474م ومن الشمالية 321م ويحيط بهذه المساحة سور قديم يتخلله عشرة أبواب مفتوحة وأربعة مغلقة.
بناؤه وعمارته
الأقصى ثاني مسجد في الأرض لحديث أبي ذر - رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال المسجد الحرام، قال قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما؟ قال أربعون سنة.
اختلف فيمن أقام بناءه الأول، فقيل: أحد أبناء آدم عليه السلام وقيل: إن الملائكة قد بنته بعد بناء المسجد الحرام.
الأقصى تحت الاحتلال الصليبي
في عام 1099م زحف الصليبيون نحو مدينة القدس وحاصروها لمدة 40 يوماً، وظل المسلمون مستبسلين في الدفاع عن مدينتهم القدس رغم قلة العدد والعتاد، وفي ليلة 13-14 يوليو من عام 1099م كثف الصليبيون هجومهم على أسوار القدس حتى تمكنوا في ظهيرة اليوم التالي من اختراق دفاعات المسلمين.
فتح الله على يدي صلاح الدين القدس فدخلها وأسرع في تطهير المسجد الأقصى من دنس الصليبيين وأمر بتجديد بنائه وتنظيف ساحاته.
الأقصى تحت الاحتلال اليهودي
وقع المسجد الأقصى أسيرا في يد اليهود سنة 1967 على إثر الاحتلال الإسرائيلي لبقية الأراضي الفلسطينية ويومها دخل وزير الدفاع اليهودي ديان ومعه الحاخام الأكبر للجيش شلومو غورين.
ساعدت خصوبة أرض فلسطين واعتدال مناخها وموقعها المتوسط على وجود الإنسان فيها، منذ أقدم العصور حتى الوقت الحالي، لقد كان لموقع فلسطين المتوسط بين الدول التي نشأت في وادي النيل، وبلاد ما بين النهرين، والأناضول دور كبير في كتابة تاريخها، ولهذا كان لفلسطين دور بارز في عملية الاتصال الحضاري ما بين المناطق المختلفة من العالم، إذ كانت موضع تأثر وتأثير في جميع مناطق الشرق القديم، وشرق البحر المتوسط، وشمال إفريقيا. ولهذا يمكننا تقسيم التاريخ الفلسطيني إلى قسمين رئيسيين:
قبل الإسلام
عبر التاريخ سكن الإنسان أرض فلسطين منذ العصور الموغلة في القدم، وهناك آثار تعود إلى العصر الحجري القديم (500 ألف – 14 ألف ق.م)، والعصر الحجري الوسيط (14 ألف – 8 آلاف ق.م) وانتقلت حياة الإنسان في فلسطين إلى الاستقرار، وتحول من جمع الغذاء إلى إنتاجه، وفي أريحا ظهرت أول الدلائل على حياة الاستقرار، وهي تعتبر – حتى الآن – أقدم مدن العالم حيث أنشئت نحو 8000 ق.م.
وفي الألف الثالث قبل الميلاد زاد عدد سكان فلسطين ونمت المدن وأصبح لها قوة سياسية واقتصادية مما يمكن تسميته عصر "دويلات المدن".
وخلال الألف الثالث قبل الميلاد هاجر إلى فلسطين العموريون (الأموريون) والكنعانيون، وكذلك اليبوسيون والفينقيون (وهما يعتبران من البطون الكنعانية)، وعلى ما يظهر فقد كانت هجرتهم إلى فلسطين حوالي 2500 ق.م، حيث استقر الكنعانيون في سهول فلسطين، وتركز العموريون في الجبال، واستقر اليبوسيون في القدس وما حولها وهم الذين أنشأوا مدينة القدس وأسموها "يبوس" ثم "أورسالم"، أما الفينيقيون فاستقروا في الساحل الشمالي لفلسطين وفي لبنان.
ويرى ثقات المؤرخين أن العموريين والكنعانيين واليبوسيين والفينيقيين قد خرجوا من جزيرة العرب وأن سواد أهل فلسطين الحاليين وخاصة القرويين هم من نسل تلك القبائل والشعوب القديمة أو من العرب والمسلمين الذين استقروا في البلاد إثر الفتح الإسلامي لها.لقد كانت هجرة الكنعانيين واسعة في تلك الفترة بحيث أصبحوا السكان الأساسيين للبلاد، واسم أرض كنعان هو أقدم اسم عرفت به أرض فلسطين، وقد أنشأ الكنعانيون معظم مدن فلسطين، وكان عددها – حسب حدود فلسطين الحالية – لا يقل عن مائتي مدينة خلال الألف الثاني قبل الميلاد وقبل قدوم العبرانيين اليهود بمئات السنين.
ثم جاء العصر البرونزي الوسيط (2000 – 1550 ق.م) حيث شهد النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد حكم الهكسوس الذين سيطروا على فلسطين خلال القرون (18 –16ق.م) وعلى ما يظهر ففي هذا العصر (حوالي 1900ق.م) قدم إبراهيم عليه السلام ومعه ابن أخيه لوط عليه السلام إلى فلسطين وهناك ولد إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.
وبدأ العصر البرونزي المتأخر (1550 – 1200) بانزواء حكم الهكسوس ودخول فلسطين تحت سيطرة الحكم المصري المطلق، أما العصر الحديدي (1200 – 320ق.م) فيظهر أنه في بدايته (1200 ق.م تقريباً) استقبلت فلسطين مجموعات مهاجرة من مناطق مختلفة
ويظهر من الدلائل التاريخية المقارنة أن موسى عليه السلام قاد بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة في النصف الأخير من القرن 13 ق.م أي أواخر العصر البرونزي المتأخر، الذي شهد هو وبداية العصر الحديدي بداية الدخول اليهودي إلى فلسطين، ثم قيام مملكة داود وسليمان عليهما السلام 1004 – 923 ق.م التي انقسمت إلى مملكة إسرائيل 923 – 722 ق.م ومملكة يهودا 923 – 586 ق.م والتي حكمت كل منها جزءاً محدوداً من أرض فلسطين. ومنذ 730 ق.م دخلت فلسطين بشكل عام تحت النفوذ الآشوري القادم من العراق حتى 645 ق.م ثم ورثهم البابليون في النفوذ حتى 539 ق.م، وكان الآشوريون والبايليون يتداولون النفوذ على فلسطين مع مصر. ثم إن الفرس غزوا فلسطين وحكموها 539 – 332 ق.م. ثم دخلت فلسطين في العصر الهلينستي اليوناني حيث حكمها البطالة حتى 198 ق.م ورثهم السلوقيون حتى 64ق.م عندما جاء الرومان وسيطروا على فلسطين، وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية ظلت فلسطين تتبع الإمبراطورية الرومانية الشرقية "دولة الروم" وعاصمتها القسطنطينية حتى جاء الفتح الإسلامي وأعطاها صبغتها العربية الإسلامية سنة 636م.
دولة الحق ومسيرة الأنبياء على الأرض المقدسة
كان إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين نعلم أنهم عاشوا في فلسطين وماتوا فيها، وإبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء فمن نسله جاء الكثير من الأنبياء كإسحاق ويعقوب ويوسف وإسماعيل ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ويظهر أن إبراهيم في البداية هاجر ومن معه إلى حران (الرها) وهي تقع الآن في جنوب تركيا إلى الشمال من سوريا، ومن هناك هاجر إلى أرض كنعان "فلسطين"، قال تعالى {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}، وحسب تقدير المؤرخين فإن قدومه إلى فلسطين كان حوالي 1900ق.م، نزل إبراهيم عليه السلام في شكيم قرب نابلس ومنها انتقل إلى جهات رام الله والقدس ومر بالخليل ثم ببئر السبع حيث استقر حولها زمناً ثم ارتحل إلى مصر، ثم عاد إلى فلسطين، ثم إن لوطاً عليه السلام انتقل إلى جنوب البحر الميت حيث أرسل لأهل تلك المنطقة، بينما مكث إبراهيم عليه السلام في جبال القدس والخليل، وقد ولد إسماعيل عليه السلام لإبراهيم من زوجته هاجر، ثم رزق بإسحاق بعد ذلك بثلاثة عشر عاماً من زوجته سارة، ويبدو أن إبراهيم عليه السلام تردد على الحجاز أكثر من مرة، فقد أحضر إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة وقصة سعي هاجر بين الصفا والمروة وتفجر ماء زمزم مشهورة، ثم إن إبراهيم عاد فبنى مع إسماعيل الكعبة {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}. غير أن مركز استقرار إبراهيم ظل فلسطين، وفيها توفي حيث دفن في مغارة المكفيلة قرب "الخليل" وهي المدينة التي سميت باسمه عليه السلام. وقيل إنه عمّر 175 سنة.
على كل حال فإن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل كان رسولاً من أولي العزم من الرسل، وكان له دوره الدعوي في نشر رسالة التوحيد في فلسطين حيث كان يؤسس المساجد ويقيم المحاريب لعبادة الله في كل مكان ذهب إليه. ويظهر أنه لم يجد عناء أو عنتاً من أهل فلسطين ولم يضطر لتركها بسبب دينه ودعوته فظل مستقراً يتنقل بحرية فيها حتى توفاه الله.
ويشير القرآن الكريم إلى أن إبراهيم عليه السلام قد عاصر رسالة لوط وهلاك قومه. فقد جاءه الملائكة وبشروه بإسحاق وأخبروه بأنهم مرسلون لتدمير قوم لوط فقال لهم {إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينّه وأهله إلا امرأته . . }، وهكذا نصر الله سبحانه رسوله لوطاً وطهر أرضه المباركة من {القرية التي كانت تعمل الخبائث}، وجاءت البشرى لإبراهيم بإسحاق ليحمل راية التوحيد من بعده على الأرض المباركة وليتواصل انتشار النور الإلهي فيها .
وعاش إسحاق في أرض فلسطين ورزقه الله سبحانه يعقوب عليه السلام "إسرائيل" والذي يعتبره اليهود أباهم، وكان إسحاق ويعقوب منارات للهدى بعد إبراهيم عليه السلام،{ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} .
ولد يعقوب عليه السلام في القرن 18 ق.م (حوالي 1750ق.م) في فلسطين، غير أنه هاجر على ما يظهر إلى حران "الرها" وهناك تزوج له أحد عشر ابناً منهم يوسف عليه السلام بينما ولد ابنه الثاني عشر بنيامين في أرض كنعان "فلسطين" وقد رجع يعقوب عليه السلام وأبناؤه إلى فلسطين وسكن عند "سعيّر" قرب الخليل،وتذكر بعض الروايات أن يعقوب عاش في مصر 17 سنة غير أن دفن عليه السلام إلى جوار جده وأبيه إبراهيم وإسحاق في الخليل .
على كل حال، يظهر أن يوسف وإخوته أبناء يعقوب "إسرائيل" نعموا بحرية العمل والعبادة في مصر وكان لهم دورهم في الدعوة إلى التوحيد، غير أن الأمر لم يستمر على حاله في أجيالهم المتعاقبة، فوقع بنو إسرائيل تحت الاضطهاد الفرعوني حتى أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون لإخراج بني إسرائيل منها إلى الأرض المقدسة.
بنو إسرائيل في عهد موسى عليه السلام
لقد كان بنو إسرائيل في تلك الفترة هم أهل الحق وحملة راية التوحيد، وكان فرعون مصر في ذلك الزمان متكبراً متعجرفاً يدعي الألوهية، وكان مفسداً يضطهد بني إسرائيل فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}، وقد ولد موسى عليه السلام في هذا الجو وتربى في بيت فرعون في تدبير رباني محكم، وقصة موسى ونشأته ودعوته لفرعون وخروجه ببني إسرائيل وهلاك فرعون أشهر من أن تروى .
قدر الله سبحانه أن يعطي تلك الفئة المؤمنة في ذلك الزمان أرض فلسطين {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} .
ونقف هنا عند بعض الآراء والروايات التاريخية التي يظهر منها أن عدد من خرج مع موسى من مصر كان حوالي ست آلاف فقط أو خمسة عشر آلفاً على بعض الروايات. ثم يقود موسى بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة، ولكنهم يختارون الارتداد على أدبارهم، {قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}، ويتألم موسى عليه السلام ويلجأ إلى ربه {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين}، ويستجيب الله لنبيه {قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض}، وهكذا يحكم عليهم بالتيه بعد أن كانوا على أبواب الأرض المقدسة، ويظهر أن الله سبحانه قد حرمها على هذا الجيل من بني إسرائيل حتى ينشأ جيل غيره يصلب عوده في جو من خشونة الصحراء، فهذا الجيل "أفسده الذل والاستعباد والطغيان في مصر فلم يعد يصلح لهذا الأمر الجليل".
وتوفي موسى عليه السلام قبل أن يستطيع دخول الأرض المقدسة، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن موسى عندما حان أجله قال رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم مكان قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر".
دخول بني إسرائيل أرض فلسطين
وبعد أن نشأ جيل صلب جديد وبعد سنوات التيه قاد بني إسرائيل نبي لهم هو يوشع بن نون عليه السلام ويسميه اليهود "يشوع" وهو الذي عبر بهم نهر الأردن وانتصر على أعدائه واحتل مدينة أريحا، وكان عبوره نهر الأردن حوالي 1190 ق.م ثم غزا "عاي" بجوار رام الله، وحاول فتح القدس ولكنه لم يستطيع، وكان عدد اليهود قليلاً بحيث يصعب عليهم الانتشار واحتلال كافة المناطق والسيطرة عليها. ومما نعلمه عن يوشع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوشع التقى أعداءه في معركة طالت حتى كادت الشمس تغيب فدعا الله ألا تغيب الشمس حتى تنتهي المعركة وينتصر فاستجاب الله لدعوته فأخر غروب الشمس حتى انتصر يوشع .
وبعد يوشع عليه السلام تولى قيادة اليهود زعماء عرفوا "بالقضاة" وعرف عصرهم ب"عصر القضاة" وعلى الرغم من محاولاتهم إصلاح قومهم فقد ساد عصرهم الذي دام حوالي 150 سنة، الفوضى والنكبات والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني إسرائيل، وقد استوطنوا في تلك الفترة في الأراضي المرتفعة المحيطة بالقدس وفي السهول الشمالية في فلسطين .
ولما شعر بنو إسرائيل بحالهم المتردي طلب الملأ منهم من نبي لهم (يقال ان اسمه صموئيل) أن يبعث عليهم ملكاً يقاتلون تحت رايته في سبيل الله، ولكن نبيهم الذي يعرف طباعهم قال لهم {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم} وأخبرهم نبيهم أن الله قد بعث عليهم طالوت ملكاً فاعترضوا بأنه أحق بالملك منه وأنه {لم يؤت سعة من المال}، فقال لهم نبيهم إن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم .
وتولى القائد المؤمن طالوت الملك على بني إسرائيل، وكان ذلك حوالي سنة 1025ق.م، وتسميه الروايات الإسرائيلية "شاؤول" وتساقط أتباعه في الاختبار عندما ابتلاهم الله بنهر الأردن ومنعهم من الشرب منه {إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم}، ثم تساقط الكثير من القليل الذي بقي في الاختبار التالي عندما رأوا جالوت وجنوده فقالوا {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}، ولم تثبت في النهاية إلا ثلة قليلة مؤمنة أعطاها الله سبحانه النصر وقتل داود عليه السلام – وكان فتى – في هذه المعركة جالوت بالمقلاع.
ولا نعرف بعد ذلك ما حصل يقيناً لطالوت، غير أن الروايات الإسرائيلية تذكر أنه في سنة 1004 ق.م تقريباً استطاع الفلسطيون الانتصار على طالوت "شاؤول" في معركة جلبوع وأنهم قتلوا ثلاثة من أبنائه وأكرهوا على الانتحار وقطعوا رأسه وسمّروا جسده وأجساد أولاده على سور مدينة بيت شان "بيسان" .
وينفتح فصل جديد في تاريخ بين إسرائيل وفي انتشار وسيطرة دعوة التوحيد على الأرض المباركة وذلك بتولي داود عليه السلام الملك بعد طالوت سنة 1004 ق.م، ويعتبر داود عليه السلام المؤسس الحقيقي لمملكة بني إسرائيل في فلسطين، ولد داود عليه السلام في بيت لحم، واستمر حكمه أربعين عاماً تقريباً (1004-963 ق.م) وكانت عاصمة حكمه في البداية مدينة "الخليل" حيث مكث فيها سبع سنوات، ثم إنه فتح القدس حوالي سنة 995 ق.م فنقل عاصمته إليها. وواصل حربه ضد الأقوام الكافرة في الأرض المقدسة حتى تمكن من إخضاعهم سنة 990 ق.م تقريباً، وأجبر دمشق على دفع الخراج وأخضع المؤابيين والأيدوميين والعمونيين، وهكذا سيطر أتباع التوحيد – في ذلك الزمان – لأول مرة – فيما نعلم – على معظم أنحاء فلسطين، غير أنه حدود مملكة داود عليه السلام في أغلب الظن لم تلامس البحر إلا من مكان قريب من يويا (يافا)، ويبدو أن حدود المملكة الإسرائيلية في أوجها كانت مئة وعشرين ميلاً في أطول أطوالا وستين ميلاً في أعرض عرضها وأقل من ذلك بكثير في أغلب الأحيان، أي أن مساحتها لم تزد عن 7200 ميل مربع أي حوالي 20 ألف كم2، وهذا أقل من مساحة فلسطين الحالية بحوالي سبعة آلاف كم2. لقد سيطر اليهود على المناطق المرتفعة لكنهم أخفقوا في السيطرة على السهول وخصوصاً أجزاء كبيرة من الساحل الفلسطيني، وهي أجزاء لم تتم لدولتهم السيطرة عليها إطلاقاً طوال قيامها .
وإذا كان يهود هذا الزمان يفاخرون بداود عليه السلام ويعتبرون أنفسهم حاملي لوائه وميراثه، فإن المسلمين يعتبرون أنفسهم أحق بداود من بني إسرائيل، وهم يؤمنون به نبياً من أنبياء الله ويحبونه ويكرمونه، ويفاخرون به لأنه أنشأ دولة الإيمان القائمة على التوحيد في فلسطين وهم السائرون على دربه الحاملون لرايته في هذا الزمان بعد أن نكص عنها بنو إسرائيل وكفروا وأشركوا ونقضوا عهودهم مع الله.
وورث سليمان عليه السلام أباه داود في العلم والحكم والنبوة، وتشير الروايات إلى أن سليمان كان واحداً من 19 أبناً لداود، وأن سليمان ولد في القدس، وأن حكمه في الأرض المباركة استمر حوالي أربعين عاماً (963-923ق.م).
استمر حكم داود وسليمان حوالي ثماني عاماً وهو العصر الذهبي الذي حكمت فيه فلسطين تحت راية التوحيد والإيمان قبل الفتح الإسلامي لها.
اليهود بعد دولة سليمان عليه السلام
وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري والسياسي والنفوذ الخارجي، فعند وفاة سليمان اجتمع ممثلو قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة في شكيم "قرب نابلس" لمبايعة رحبعام بن سليمان، ولكن ممثلي عشر قبائل اتفقوا على عدم مبايعته لأنه لم يعدهم – حسب الروايات – بتخفيف الضرائب، وانتخبوا بدلاً منه "يربعام" من قبيلة أفرايم ملكاً وأطلقوا اسم "إسرائيل" على مملكتهم وعاصمتهم شكيم (ثم ترزة ثم السامرة)، أما قبيلتا يهوذا وبنيامين فقد حافظتا على ولائهما لرحبعام بن سليمان وكونتا تحت حكمه مملكة "يهودا" وعاصمتها القدس. أما مملكة "إسرائيل" فقد استمرت خلال الفترة 923 – 721 ق.م، وأما مملكة "يهودا" 923 – 586 ق.م
تداول الهيمنة الفارسية والإغريقية والرومانية على فلسطين
عاش اليهود بعد سقوط ملكهم في فلسطين مرحلة "السبي البابلي" في العراق ما لا يقل عن سبعمائة سنة من ظهور موسى عليه السلام، ولاحت الفرصة لليهود للعودة مرة أخرى إلى فلسطين عندما أسقط الإمبراطور الفارسي قورش الثاني الدولة البابلية الكلدانية 539 ق.م بمساعدة يهودية، وانتصر على ميديا، ومد نفوذه إلى فلسطين التي دخلت في عصر السيطرة الفارسية 539 - 332 ق.م وقام هؤلاء اليهود ببناء الهيكل حيث اكتمل بناؤه في 515 ق.م. وفي منطقة القدس تمتع القدس بنوع من الاستقلال الذاتي تحت الهيمنة الفارسية، وهو حكم لم يكن يتجاوز نصف قطره عشرين كيلومتراً في أي اتجاه .
وفي سنة 332 ق.م احتل الإسكندر المقدوني فلسطين وقد ترك الاسكندر اليهود دون أن يمسهم، ومنذ ذلك التاريخ دخلت فلسطين في عصر السيطرة الهللينية الإغريقية الذي استمر حتى سنة 63 ق.م .
وبعد موت الإسكندر نشب نزاع بين قادته أدى إلى توزيع مملكته بينهم فكانت فلسطين من نصيب القائد بطليموس، وسمي حكمه وحكم خلفائه من بعده بـ"عصر البطالمة" وقد استمر في فلسطين من 302 – 198ق.م، وقد عطف البطالمة على اليهود الذين كان يدير شؤونهم "الكاهن الأكبر". ثم إن السلوقيين (الذين كان نصيبهم بعد وفاة الإسكندر سوريا الشمالية وآسيا الصغرى والرافدين والهضبة الإيرانية) استطاعوا السيطرة على فلسطين إثر معركة "بانيون" التي حقق فيها الملك السلوقي انطيوخس الثالث نصراً كاملاً على البطالمة، وقد استمرت سيطرة السلوقيين على فلسطين حتى 63 ق.م .
ولد عيسى بن مريم حوالي 4 ق.م في بيت لحم، وهناك في الأرض المباركة فلسطين قام عيسى عليه السلام بواجب الدعوة إلى الله وبذل جهوداً كبيرة في هداية بين إسرائيل، وبشرهم بقدوم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم {ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وعلى الرغم من المعجزات التي أجراها الله على يديه وما تضمنته رسالته من حق ونور إلا أن بني إسرائيل جحدوا وأنكروا وناصبوه العداء،ولم يؤمن به إلا عدد ضئيل.
ويذكر التاريخ أنه لما جاء عيد الفصح من سنة 30 م ذهب المسيح إلى أورشليم (القدس) وزار الهيكل واستنكر وجود الصيارفة والباعة، وفي إنجيل متى (21/12 – 13) "ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم مكتوب أن بيتي -هكذا النص- بيت الصلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص".
وقد حقد اليهود والوجهاء على المسيح، وفي إنجيل لوقا (19/47) "وكان يعلم كل يوم في الهيكل وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجود الشعب يطلبون أن يهلكوه"، وسارع مجلس اليهود الديني "السنهدرين" إلى الاجتماع وقرر القبض على المسيح وأصدر في الحال حكماً بإعدامه بتهمة التجديف والخروج عن الدين .
ثم إنهم ساقوه إلى الوالي الروماني – في ذلك الوقت – بيلاطس البنطي الذي يحق له وحده تنفيذ الإعدام، ولم يجد هذا جرماً من المسيح يوجب قتله فقامت قيامة اليهود، وأخذوا يصرخون بصوت واحد، اصلبه، اصلبه "دمه علينا وعلى أولادنا". وقد اضطر كارهاً إلى الموافقة على إعدامه، غير أن الله سبحانه أدركه برحمته فرفعه إليه في الوقت الذي ظن فيه اليهود أنهم قتلوه {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم . . بل رفعه الله إليه } .
وطويت هذه الصفحة من تاريخ الصراع بين الحق والباطل على الأرض المقدسة، فقد كذب بنو إسرائيل بآخر بني أرسل إليهم واتهموه بالسحر وتآمروا عليه، وآمن بعيسى الحواريون وأخذوا ينشرون دعوته من بعده ويلاقون في سبيلها الاضطهاد والأذى. واستمر الحواريون في دعوة اليهود وكانوا يخطبون في الهيكل، ولما تضاعف عدد النصارى بعد بضع سنوات خاف اليهود من انتشار الدعوة وطلبوا القبض على بطرس وغيره لمحاكمتهم أمام "السهندرين" إلا أن المجلس اكتفى بجلدهم وأطلق سراحهم، وهرب المهتدون الجدد إلى السامرة وقيسارية وأنطاكية فأنشأوا الجماعات المسيحية، ووصل بطرس إلى روما حيث أنشأ جماعة مسيحية وكان يركز في دعوته على اليهود، أما بولس فكان يدعو الوثنيين كما يدعو اليهود واستخدم في دعوته المصطلحات والمفاهيم الفلسفية لتفسير المسيحية بما يتلاءم مع الثقافة الهلنستية السائدة آنذاك. وانتهى الأمر ببولس وبطرس بأن حكم عليهما بالإعدام في عهد الإمبراطور الروماني نيرون سنة 64 م.
نهاية الوجود اليهودي في فلسطين
ونعود مرة أخرى لنرى أحوال بني إسرائيل في فلسطين بعد صعود المسيح، فقد كان الرومان قد بدأوا حكماً مباشراً على القدس وباقي فلسطين منذ 6 م، بعد أن خلعوا أرخيليوس الذي خلف أباه هيرودس لسوء حكمه، وفي عهد واليهم بيلاطس البنطي 26-36 م حدثت وقائع السيد المسيح عليه السلام. وقد ثار اليهود على حكم الرومان في نوفمبر 66م في عهد الإمبراطور نيرون واستطاع القائد العسكري الروماني تيتوس إخماد هذه الثورة في سبتمبر 70م – بعد أن استمرت أربع سنوات – فدخل القدس بعد حصار شديد وأعمل القتل والنهب والحرق، ودمر الهيكل الذي بناه هيرودس حتى لم يبق حجر على حجر وأصبحت مدينة القدس قاعاً صفصفاً، وبيع كثير من الأسرى عبيداً في أسواق الإمبراطورية الرومانية بأبخس الأثمان، وكانت أمنية اليهودي أن يشتريه من يرفق به فلا يرسله إلى حلقة المصارعة مع الوحوش التي اعتاد الرومان التلذذ بمنظرها وهي تلتهم الناس!! وبنى هذا القائد قوساً في روما بمناسبة نصره على اليهود وهو لا يزال قائماً إلى الآن وعليه نقوش ذكرى ذلك الانتصار، ويُرى فيه الشمعدان ذو الرؤوس السبعة المشهور عند اليهود والذي أخذه من الهيكل .
ثار اليهود مرة أخرى على الرومان بقيادة باركوخبا واسمه الأصلي "سيمون" واستمرت ثورتهم ثلاث سنوات 132-135م، واجتمع تحت لوائه عدد كبير من اليهود واستطاع احتلال القدس، غير أن الإمبراطور الروماني هدريان أرسل جيشاً كبيراً بقيادة جوليوس سيفروس الذي احتل القدس ثانية وهزم اليهود، الذين هربوا إلى بتّير حيث لا تزال خرائب القلعة التي تحصن فيها اليهود وهزموا وسماها العرب "خربة اليهود"، وقد نكل هدريان بالثائرين أشد تنكيل ودمر "أورشليم" وحرث موقعها الذي كانت قائمة عليه وقتل وسبى أعداداً كبيرة من اليهود، ثم منع اليهود من دخول القدس والسكن فيها بل والدنو منها، وسمح للمسيحيين بالإقامة فيها على ألا يكونوا من أصل يهودي. وأقام هدريان مدينة جديدة فوق خرائب "أورشليم" سماها إيليا كابيتولينا،حيث عرفت بعد ذلك بـ"إيلياء" وهو اسم هدريان الأول، وأقام هيكلاً وثنياً لجوبيتر على نفس مكان الهيكل القديم .
واستمر حظر دخول القدس على اليهود حوالي 200 سنة تالية، وندر دخولهم إليها وأقامتهم فيها طوال القرون التالية حتى القرن التاسع عشر، وتشرد بنو إسرائيل في الأرض ولم يعد لهم في فلسطين سوى الذكريات التي أكثرها كفر وفسق وبغي وقتل للأنبياء، فكان جزاؤهم غضب الله عليهم ولعنته وحرمانهم من الأرض المقدسة وتقطيعهم في الأرض.
وفي نهاية هذا الاستعراض نذكر الخلاصات التالية:
(1) إن سكان فلسطين قد جاء معظمهم من جزيرة العرب وأنهم ظلوا سكان هذه البلاد حتى عصرنا هذا .
(2) إن الله قد وعد بني إسرائيل الأرض المقدسة عندما كانوا مستقيمين على أمر الله وعندما كانت تسوسهم الأنبياء، فلما بدلوا وأعرضوا وكفروا ذهب هذا الحق من أيديهم .
(3) إن المسلمين هم أولى من بني إسرائيل بأنبيائهم وهم الورثة الحقيقيون لتراثهم ودعوة الإسلام هي استمرار لدعوة هؤلاء الأنبياء، وإن الحق الذي سعوا لتكريسه هو الحق الذي يسعى المسلمون لتكريسه .
(4) إن ملك بني إسرائيل لم يشمل في أي يوم من الأيام كل فلسطين المعروفة بحدودها الحالية، وإن المدة التي حكموا فيها بشكل مستقل تماماً هي مدة ضئيلة قياساً إلى تاريخ فلسطين وأنهم حتى عندما كانت لهم مملكتان كانوا في كثير من الأحيان خاضعين لنفوذ قوى أكبر منهم .
(5) إن الحكم الذاتي الذي تمتع به اليهود بعد عودتهم من السبي البابلي كان ضعيفاً ومحدوداً بمنطقة القدس وضواحيها، ولم يتمتعوا بعد ذلك إلا باستقلال محدود في عهد المكابيين .
(6) إن اليهود بعد ذلك تشردوا في الأرض – بسبب منكراتهم وأفعالهم- ولم تعد لهم صلة بفلسطين لفترة استمرت حوالي 1900 سنة متصلة .
وفي الختام نذكر قول هـ.ج.ولز في كتاب "موجز التاريخ" حول تجربة بني إسرائيل في فلسطين بعد السبي البابلي:"كانت حياة العبرانيين (في فلسطين) تشبه حياة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم، فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار . . ومن الأول إلى الآخر لم تكن (مملكتهم) سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسورية وآشور وفينيقية ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم".
ويذكر المؤرخ المشهور جوستاف لوبون أن بني إسرائيل عندما استقروا في فلسطين "لم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى أخس ما في حضارتها، أي لم يقتبسوا غير عيوبها وعاداتها الضارة ودعارتها وخرافاتها فقربوا لجميع آلهة قبيلتهم يهوه العبوس الحقود الذي لم يثقوا به إلا قليلاً"، ويقول "اليهود عاشوا عيش الفوضى الهائلة على الدوام تقريباً ولم يكن تاريخهم غير قصة لضروب المنكرات. ." . . "إن تاريخ اليهود في ضروب الحضارة صفر . . و(هم) لم يستحقوا أن يعدوا من الأمم المتمدنة بأي وجه" . .
ويقول جوستاف لوبون أيضاً "وبقي بنوا إسرائيل حتى في عهد ملوكهم بدواً أفّاقين مفاجئين مغيرين سفاكين . . مندفعين في الخصام الوحشي"، ويقول "إن مزاج اليهود النفسي ظل على الدوام قريباً جداً من حال أشد الشعوب ابتدائية فقد كان اليهود عنُدُاً مندفعين غفلاً سذجاً جفاة كالوحوش والأطفال."