المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفكر ساعة ... أصدق كلمة


ابن الرمادي
27-08-07, 05:10 PM
تفكر ساعة
أصدق كلمة



دكتور: عماد عطا البياتي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبهِ ومن والاه. أما بعد…
ورد في الحديث الصحيح، أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قال: ( أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ). أي أن الله سبحانه وتعالى هو الموجود الحق وكل ما سواه فان وهالك وباطل إلا به والإنسان أول هالك وباطل.
إن لهذا البيت من الشعر معنى عظيم وعميق جداً وإلا لما وصفه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بهذا الوصف (أصدق كلمة)، فالعرب قالوا أبيات كثيرة جداً، ولكن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول: إن هذا البيت هو اصدق كلمة قالها شاعر؛ فتعالوا معي إخواني في جولة إيمانية علمية تفكرية قصيرة في هذه المعاني الجميلة والعظيمة والصادقة.

) يقول تعالى في كتابه الكريم في سورة فاطر: بسم الله الرحمن الرحيم:(( يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديد. وما ذلك على اللهِ بعزيز.)) (فاطر: 15-17).
"يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله" الخطاب لجميع البشر لتذكيرهم بهذه الحقيقة العظيمة أي انتم المحتاجون إليه تعالى في بقائكم وفي كل أحوالكم. "والله هو الغني الحميد" أي وهو جل وعلا الغني عن العالم على الإطلاق، المحمود على نعمه التي لا تحصى. وهذه آية موعظة وتذكير، وأن جميع الناس محتاجون إلى إحسان الله تعالى وانعامه، في جميع أحوالهم، لا يستغني أحد عنه طرفة عين وهو الغني عن العالم على الإطلاق، المحمود على ما يسديه من النعم، المستحق للحمد وللثناء. ثم قرر استغناءه عن الخلق بقوله "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديد" وفي هذا وعيد وتهديد "وما ذلك على اللهِ بعزيز" أي ليس بصعبٍ أو ممتنع على الله تعالى، بل هو سهل يسير عليه سبحانه فالله تعالى يقول للشيء كن فيكون.
فالمعنى العميق المهم في هذه الآية هو انه لا توجد ذرة في الأرض ولا في السماء تستمد وجودها من ذاتها حتى يتصور استغناءها بنفسها بل على العكس، هذا الوجود المفاض والمنعم عليها يتلاشى ويفنى إذا شاء مفيضه ومنعمه أن يحرمها منه.
فلن يكون نهاراً إلا مع وجود الشمس ولن يكون وجود للمخلوقات إلا مع وجود الله سبحانه وتعالى ( ولله المثل الأعلى ) (النحل: 60).

وهاك مثالاً لتوضيح هذا المعنى:
قد يشرف المهندسون والبناءون على تشييد عمارة ضخمة، ثم ينفضون أيديهم منها أو يموتون عنها، وتبقى العمارة بعدهم أمداً بعيداً قائمة الجدران مستوية الأركان، إن هذه العمارة لم تخلق من العدم، وكل الذي فعله البناءون هو ضمهم للأحجار بعضها فوق بعض ثم انتهى عملهم إلى هذا الحد. أما بناء هذا الكون الفسيح، وتشييد سقفه المحفوظ وتمهيد أرضه وتهيئتها للعمران، فهو عمل آخر أساسه الإبداع فالله سبحانه وتعالى (( بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون.)) (البقرة: 117). أي خالقها ومبدعها على غير مثال سابق، وإذا أراد إيجاد شيء حصل من غير امتناع ولا مهلة فمتى أراد شيئاً وجد بلمح البصر، فمراده نافذ وأمره لا يتخلف.
وكما أن العالم في وجوده احتاج ربه، فهو في بقائه يحتاج إليه لحظة بعد لحظة. فالإمداد الإلهي وحده هو الذي قام ويقوم بكل ما ترى من حركات النجوم والكواكب ومن تعاقب الليل والنهار ومن حياة وسعي المخلوقات المختلفة قياماً لا تتوهم معه غفلة ولا تفريط ولا فتور وإلا لهلكنا وفنينا وفني كل شيء. فالفارق بين وجودنا ووجود الله سبحانه وتعالى هو أن الله تبارك وتعالى وجوده واجب له في ذاته، أما نحن فليس لنا من ذواتنا شيء قط، إن منحنا نعمة الوجود بقينا ما بقيت معارة لنا، وإلا اختفينا فلم يمسكنا شيء بعد الله تعالى.


فالله تعالى هو القـيـوم…
أي أن قوامه بذاته وقوام كل شيء بهِ، بسم الله الرحمن الرحيم: (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.)) (البقرة: 255).

وهو المـلـك جل جلاله…
أي هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ولا يستغني عنه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في وجوده ولا في بقاءه، بسم الله الرحمن الرحيم: (( فتعالى الله الملك الحق )) (طه: 114).




) والآن إخواني لنعود إلى الإنسان، فخطاب الآية الكريمة من سورة فاطر كان للناس، بسم الله الرحمن الرحيم: (( يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.)) (فاطر: 15-16).
إن هذا الإنسان يحتاج في كل لحظة من لحظات حياته إلى الله تعالى، وكل عضو من أعضاءه وكل خلية من خلاياه تحتاج إلى الله تعالى في كل لحظة لكي تستمر بالحياة، فتحتاج إلى رزقه والى تقديره والى هدايته والى مدده سبحانه وتعالى لكي تنبض بالحياة.
وقد يسأل سائل ويقول قائل، هل لديكم دليل علمي على هذه الحقيقة العظيمة وهل أن ذلك ثابت علمياً؟
ونحن نجيب على هذا السائل بمثال بسيط مستشهدين بفعالية واحدة من فعاليات الجسم الحيوية المختلفة:-
إن الإنسان لكي يستطيع أن يحيى لا بد له من أن يتنفس فلولا عملية التنفس لاستحالت الحياة. ولكن كيف تحدث عملية التنفس؟ يقول العلماء هنالك مجموعة من الخلايا العصبية موجودة في النخاع المستطيل الذي هو جزء من جذع الدماغ منها تتولد الإشارة العصبية الأولى والتي تعطي الأمر والإيعاز بالتنفس فتنتقل هذه الإشارات والإيعازات إلى الحجاب الحاجز وعضلات الصدر فيحدث التنفس، وتسمى هذه المجموعة من الخلايا بـ مركز التنفس أو مركز السيطرة على التنفس.
ولكن هنا يستجد سؤال وهو، إذا كان مركز التنفس هو الذي يعطي الإشارة الأولى لحدوث عملية التنفس ولولا هذه الإشارة لاستحالت الحياة، فمن الذي يأمر هذا المركز ويوعز له ليعطي هذه الإشارة؟
افترض العلماء فرضيات كثيرة للإجابة على هذا التساؤل فقالوا: إن المراكز العليا في الدماغ هي التي تعطي الإيعاز إلى مركز التنفس لكي يعطي الإشارة، وقالوا لا بل أن الأعصاب المحيطية هي التي تحفز هذا المركز عن طريق الإشارات الواردة منها. ولكن العلماء قاموا بتجربة لتمحيص تلك الفرضيات فقاموا بقطع كل الأعصاب المحيطية التي تدخل إلى النخاع المستطيل مع قطع جذع الدماغ فوق واسفل النخاع المستطيل، فلاحظوا شيئاً عجيباً أثار الدهشة والاستغراب وهو أن هذا المركز استمر بإعطاء الإيعازات العصبية حتى بعد عزله تماماً عن باقي أجزاء الجهاز العصبي!!!، والى الآن لم يعرف العلماء الأسباب الرئيسية لهذه الإيعازات المتكررة وحتى لو توصلوا إلى مركز آخر يوعز إلى هذا المركز فمن الذي أوعز إلى المركز الأول؟!!.
ونحن نقول: بسم الله الرحمن الرحيم:(( يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.)) (فاطر: 15-16)، فامرنا بيديه وحياتنا بيديه فهو الخالق الذي خلقنا وهو المالك المتصرف في ملكه كيف يشاء وهو واهب الحياة لنا وهو الذي هدى هذه الخلايا وهذا المركز إلى إعطاء تلك الإشارة التي نحتاجها في كل لحظة من لحظات حياتنا فإذا شاء أن تتوقف توقفت وانتهت بسبب ذلك الحياة، فإذاً وجود الإنسان قائم بالله تعالى، ويحتاج إليه في كل لحظة لحياته.

) ومن الحقائق العجيبة جداً والاكتشافات التي تحمل في طياتها معناً ومغزاً ضمنياً عميقاً جداً هو الآتي:-
لاحظ العلماء وجود مجموعة عصبية أخرى في النخاع المستطيل أيضاً ومسؤولة عن التنفس، ولكن الشيء العجيب فيها هو أن إشاراتها تؤدي إلى تثبيط وتأخير وقطع النفس، فسمى العلماء هذه المجموعة من الخلايا بإسم مركز قطع النفس، ولاحظ العلماء أنه من رحمة الله بهذا الإنسان الفقير المحتاج إلى بارئه سبحانه وتعالى فإن هذا المركز لا يرسل إشاراته باستمرار وإلا لانقطع النفس ومات الإنسان، ولكنه يعطي إشارات عصبية بين وقت وآخر فخرجوا بافتراض هو أنه من المحتمل أن يكون هذا المركز يعمل بالاشتراك مع الخلايا التي تعمل على تنظيم عملية التنفس (مركز تنظيم التنفس) الموجود ضمن مركز التنفس المذكور سابقاً، أي تعمل على التحكم بعمق الشهيق، ولكن لحد الآن لا يعرف أحد وظيفته الأساسية على وجه الدقة، ولكن قرر العلماء أن هذا المركز لو استمر بإعطاء إشاراته لانقطع النفس ولانتهت الحياة!!.
إن وجود هذا المركز العجيب وبهذه الوظيفة المذهلة فيه تحذير وتنبيه لكل الناس، (( يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.)) (فاطر: 15-16).



الحمد لله على نعمه وهدايته وحفظه ومدده
ونعوذ بـه من سخطه علينـا وذهابه بنا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالميـن