المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة ابراهيم عليه السلام


المذهل
17-06-04, 01:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

نسب إبراهيم عليه السلام

هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ إلى أن يصل إلى سام بن نوح عليه السلام.

وذكر صاحب كتاب (المبتدأ) أن اسم أم إبراهيم (أميلة).

ولما كان عمر أبيه تارخ خمسا وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام وناحور، وهاران، وولد لهاران لوط. وقيل: إن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط وإن هاران مات فى حياة أبيه فى أرضه التى ولد فيها وهى أرض بابل وليس غوطة دمشق، وهذا هو الصحيح المشهور عن أهل السير والتواريخ والأخبار: أن ولادة إبراهيم كانت فى أرض الكلدانيين. وهى أرض بابل بين دجلة والفرات بالعراق، وتسمى أرض السواد، وكان ملكها يسمى (النمرود) وستأتى قصته وهلاكه. وكان قومه يعبدون الأصنام، ويعبدون هذا الملك على أنه إله.

وقد تزوج إبراهيم سارة ابنة عمه، وكانت سارة عاقرا لا تلد، وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة، وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين وهى بلاد بيت المقدس فأقاموا بحاران وكان أهلها يعبدون الكواكب السبعة. وحاران يكتبها بعض المؤرخين (حران) والمراد واحد.

والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين يستقبلون القطب الشمالى ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال والمقال، ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب منها ويعملون لها أعيادًا وقرابينًا. وهكذا كان أهل حاران يعبدون الكواكب والأصنام.

وكل من كان على وجه الأرض كانوا كفارا سوى الخليل إبراهيم وامرأته وابن أخيه لوط عليهم السلام، وكان الخليل عليه السلام هو الذى أزال الله به تلك الشرور وأبطل به ذلك الضلال، فإن الله تعالى آتاه رشده فى صغره وابتعثه رسولاً واتخذه خليلا فى كبره. قال تعالى: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين) (الأنبياء:51) أى كان أهلاً لذلك.



فضل إبراهيم عليه السلام

إن إبراهيم عليه السلام كان إنسانا جامعا خصال الخير والكمال كأن كل ذرة فى جسده نور ربانى، وكل خطرة فى نفسه شعاع إلهى، سما بروحه سموا كريما حتى كأنما يعيش فى الملأ الأعلى فوق السماء، وارتفع بإنسانيته ارتفاعا عظيما جعله قمة وإماما فى حضرة الأنبياء، وباع نفسه لله بيع السماح والرضى فكانت جميع مواقفه ربانية شامخة مستعلية على كل فتن الحياة الدنيا.

لذلك نال من المناصب الإلهية أعلاها، ومن تكريم الله له ما لم ينله أحد من المرسلين قبله ولا بعده غير النبى محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال الله تعالى فيه: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما) (البقرة:124).

وقال تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) (البقرة:125).

وقال تعالى: (ولقد اصطفيناه فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين) (البقرة:130).

وقال تعالى: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) (البقرة:131).

وقال تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) (النساء:125).

وقال تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) (النحل:120).

امتحن فى نفسه بتكالب الكافرين عليه تكالبا وحشيا تنفر الوحوش من قسوته فجمعوا له من الأحطاب والأخشاب ما يكفى جيشا بأكمله، وأشعلوا فيها نيرانا استطار شررها فى الجو حتى أحرق الطير البعيد فى الهواء، وقيدوه وكتفوه بدون رأفة أو رحمة أو شعور بأنه أخ لهم فى الإنسانية والوطن وله فيهم أقرباء وأنسباء، ورموه فى تلك النار وهم حولها مبتهجون ومسرورون، كأنهم فى حفل انتصار على جيش من أشد الأعداء، فما وهن الخليل وما ضعف، وما لان فى الحق ولا استكان، بل ظل شامخا صابرا محتسبا ينظر إليهم كأنهم هباء، ويثق فى عظمة ربه وحبيبه وخليله جبار الأرض والسماء، ويثق فى رحمته ونصره ثقة أولى العزم من الأنبياء، وما إن رموه فى تلك النار وذلك الجحيم، حتى قال خليله: (يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم) فصارت نارهم عنده روضة، فيها الراحة والسعادة والرحمة، وهكذا يخزى الله أعداء المؤمنين المخلصين وينصر أحبابه وأولياءه فى الدنيا ويوم الدين.

وتلك فتنة أخرى تزلزل قلوبا كالجبال، حين أمر الخليل بذبح ابنه الوحيد إسماعيل فاستجاب لربه وأسرع بالسكين ينفذ أمر الله، وألقى ابنه على وجهه ولم يفكر فى غير الخضوع لربه ومولاه، وصار يذبح وحيده بقوة وسرعة ولكن السكين لا يؤثر فى رقبة إسماعيل المستسلم مع أبيه لرب العالمين، وهنا نادى جبريل عليه السلام الخليل إبراهيم: يكفيك ما فعلت فقد صدقت مع ربك وصدقت الرؤيا ونلت جزاء المحسنين، وهذا كبش من الجنة فاذبحه فداء لإسماعيل، وهدية من رب العالمين.

قال العلامة الفخر الرازى فى تفسيره: قيل: لما أطلع الله إبراهيم عليه السلام على الملكوت الأعلى والأسفل. ودعا القوم مرة بعد أخرى إلى توحيد الله، ومنعهم عن عبادة النجم والقمر والشمس، ومنعهم عن عبادة الأوثان، ثم سلم نفسه للنيران، وولده للقربان، وماله للضيفان، جعله الله إماما للخلق، ورسولاً إليهم وبشره بأن الملك والنبوة فى ذريته، فلهذه الاختصاصات سماه خليلاً.

وقال شهر بن حوشب: هبط ملك فى صورة رجل وذكر اسم الله بصوت رخيم شجى فقال إبراهيم عليه السلام: اذكره مرة أخرى، فقال: لا أذكره مجانًا، فقال: لك مالى كله، فذكره الملك بصوت أشجى من الأول، فقال: اذكره مرة ثالثة ولك أولادى، فقال الملك: أبشر فإنى ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك، وإنما كان المقصود امتحانك، فلما بذل المال والأولاد على سماع ذكر الله لا جرم اتخذه الله خليلاً.

وروى طاوس عن ابن عباس أن جبريل والملائكة لما دخلوا على إبراهيم فى صورة غلمان حسان الوجوه. وظن الخليل أنهم أضيافه وذبح لهم عجلا سمينا وقربه إليهم وقال: كلوا على شرط أن تسموا الله فى أوله وتحمدوه فى آخره، فقال جبريل: أنت خليل الله، فنزل هذا الوصف.

ولا مانع من أن يكون كل ذلك وغيره من أسباب تشريفه بهذا الوصف الجليل صلى الله عليه وسلم.



نشأته دعوته لأبيه

وكان أول دعوة إبراهيم دعوته لأبيه واسمه تارخ كما سبق، وقيل (آزر) وقيل: سمى بهما، وقيل: أحدهما علم والثانى لقب، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، قال تعالى: (واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا (41) إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا (42) يا أبت إنى قد جاءنى من العلم ما لم يأتك فاتبعنى أهدك صراطا سويا (43) يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) (مريم:41-44). الخ.

فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة، وبين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التى لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه فكيف تغنى عنه شيئا أو تفعل به خيرًا من رزق أو نصر، فلما أهدى هذه النصيحة إليه لم يقبلها منه، ولا أخذها عنه، بل تهدده وتوعده، قال: (أراغب أنت عن آلهتى يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرنى مليا) أى زمنا طويلا، فعندها قال له إبراهيم: (سلام عليك) أى لا يصلك منى مكروه، ولا ينالك منى أذى، وزاده خيرًا فقال: (سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا (لطيفا ومحسنا) (47) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا) (مريم:47-48).

وقد استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه كما وعده فى أدعيته، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. كما قال تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياها فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) (التوبة:114).

وروى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصنى، فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب: إنك وعدتنى ألا تخزينى يوم يبعثون، وأى خزى أخزى من أبى الأبعد، فيقول الله: إنى حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم: ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ. فيؤخذ بقوائمه فيلقى فى النار) هكذا رواه فى قصة إبراهيم منفردًا.



موقفه مع قومه

قال الله تعالى: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين (75) فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين (76) فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين (77) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إنى برئ مما تشركون (78) إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) (الأنعام:75-79).

وهذا المقام مقام مناظرته قومه بأسلوب استدراجى حكيم، يدل على عظمة الخليل وسعة أفقه كما قال الله تعالى فيه: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) (الأنعام:83)، فبين لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية ولا أن تعبد مع الله عز وجل، لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة تطلع تارة، وتأفل أخرى فتغيب عن هذا العالم فلا تديره ولا تعلم ما فيه، والرب تعالى لا يغيب عن العالم، ولا يغيب عن شئ، ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقى بلا زوال لا إله إلا هو، ولا رب سواه، فبين لهم أولا عدم صلاحية الكوكب (قيل: هو الزهرة) لأن يكون إلها. ثم ترقى إلى القمر الذى هو أضوأ من الزهرة وأبهى من حسنها. ثم ترقى إلى الشمس التى هى أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة.

وظاهر أن موعظته هذه فى الكواكب لأهل حاران فإنهم كانوا يعبدونها.

وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم فى عبادتها وكسرها عليهم وأهانها وبين بطلانها كما قال تعالى: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين (51) إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون (52) قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين (53) قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم فى ضلال مبين (54) قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين (55) قال بل ربكم رب السموات والأرض الذى فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين (56) وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (57) فجعلهم جذاذا إلا كبيرًا لهم لعلهم إليه يرجعون (58) قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين (59) قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم (60) قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون) (الأنبياء: 51-61).

فلما اجتمعوا وجاءوا به (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم، قال بل فعله كبيرهم هذا) أى إن الذى كسر هذه الأصنام وجعلها فتاتًا هو كبير الأصنام وهذا أيضا من قوة حجته، حيث جعلهم فى حيرة تدل على سخافة عقولهم، ولهذا قال لهم: (فاسألوهم إن كانوا ينطقون)، وإنما أراد بقوله هذه أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات. قال تعالى: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون). أى فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا: (إنكم أنتم الظالمون) أى فى عبادتها، (ثم نكسوا على رءوسهم) أى ثم رجعوا إلى الفتنة والدفاع عن الأصنام فقالوا: (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون (65) قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم (66) أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون67) (الأنبياء:65-67)



محاولة حرقه عليه السلام

وهكذا استدرجهم الخليل حتى جعلهم يقرون بجهلهم وضلالهم، وفى نهاية الحوار قال الكلمة التى لابد أن يسمعوها ليعلموا حقيقة ما هم فيه فقال: (أفلا تعقلون) فسجل عليهم سخف عقولهم وسخافة عقيدتهم فعدلوا إلى استعمال قوتهم وسلطانهم لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم فكادهم الرب جل جلاله وأعلى كلمته ودينه كما قال تعالى:

(قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين (68) قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم (69) وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) (الأنبياء:68-70).

وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبًا من جميع ما يمكنهم من الأماكن فمكثوا مدة يجمعون له حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق إبراهيم، ثم عمدوا إلى حفرة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأطلقوا فيه النار، فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شرر لم ير مثله قط، ثم وضعوه عليه السلام فى كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له (هزن) وكان أول من صنع المجانيق فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك. فلما وضع الخليل عليه السلام فى كفة المنجنيق مقيدا مكتوفًا ثم ألقوه به إلى النار قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) كما روى البخارى عن ابن عباس أنه قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم حين ألقى فى النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قيل له: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) (آل عمران: 173-174).

وذكر بعض السلف أن جبريل عليه السلام عرض له فى الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال له: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: حسبى علمه بحالى، فقال تعالى: (يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم) (أى على إبراهيم وحده ولو قرب منها غيره لاحترق).

قال ابن عباس وأبو العالية: لو أن الله لم يقل: وسلاما على إبراهيم لآذى إبراهيم بردها.

وقال كعب الأحبار: لم تحرق النار منه سوى وثاقه وما ربط به.

وقال الضحاك: يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه لم يصبه منها شئ غيره.

وقال السدى: كان معه أيضا ملك الظل، وصار إبراهيم عليه السلام فى وسط البؤرة، وحوله النار، وهو فى روضة خضراء، والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول إليه ولا هو يخرج إليهم.

فعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال: نعم الرب ربك يا إبراهيم.

وروى ابن عساكر عن عكرمة أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها عليه السلام فنادته يا بنى إنى أريد أن أجئ إليك فادع الله أن ينجينى من حر النار حولك. فقال: نعم. فأقبلت إليه لا يمسها شئ من حر النار، فلما وصلت إليه اعتنقته وقبلته ثم عادت.

وعن المنهال بن عمرو أنه قال: أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوما، وأنه قال: ما كنت أياما وليالى أطيب عيشا منى إذ كنت فيها، ووددت أن أعيش حياتى كلها مثل ما كنت فيها، صلوات الله وسلامه عليه.

أرادوا أن ينتصروا فخذلوا، وأرادوا أن يرتفعوا فاتضعوا، وأرادوا أن يغلبوا فغُلِبوا. قال الله تعالى: (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) وفى الآية الأخرى (الأسفلين).

روى البخارى بسنده عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال: كان ينفخ على إبراهيم.

وقال أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب عن نافع أن امرأة دخلت على عائشة فإذا رمح منصوب، فقالت: ما هذا الرمح؟ فقالت: نقتل به الأوزاغ. ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم لما ألقى فى النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ فإنه جعل ينفخها عليه. تفرد به أحمد من هذين الوجهين.



مناظرة إبراهيم الخليل مع عتاة الكافرين ( النمرود)

قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين) (البقرة:258).

يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذى ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة جهله وقلة عقله، وألجمه الحجة.

قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار: هذا الملك هو ملك بابل، واسمه (النمرود) بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح عليه السلام، قال مجاهد.

وقال غيره: نمروذ بن فالج بن عابر بن صالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح.

قال مجاهد وغيره: وكان أحد ملوك الدنيا، فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان، والكافران: النمرود وبختنصر. وهذا القول فيه تجوز كبير والله أعلم.

وذكروا أن نمرود هذا استمر فى ملكه أربعمائة سنة، وكان طغى وبغى، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا.

ولما دعاه الخليل إبراهيم عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع، فحاج إبراهيم الخليل فى ذلك، وادعى لنفسه الربوبية. فلما قال الخليل: (ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت).

قال قتادة والسدى ومحمد بن إسحاق: يعنى أنه إذا أُتى بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.

وهذا ليس بمعارضة للخليل، بل هو كلام خارج عن مقام المناظرة، ليس بمنع ولا بمعارضة، بل هو تشغيب محض، وهو انقطاع فى الحقيقة، فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وموتها، على وجود فاعل ذلك الذى لابد من استنادها إلى وجوده، ضرورة عدم قيامها بنفسها، ولا بد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة من خلقها وتسخيرها، وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر، وخلق هذه الحيوانات التى توجد مشاهدة ثم إماتتها. ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: (ربى الذى يحيى ويميت). فقول هذا الملك الجاهل: (أنا أحيى وأميت) إن عنى أنه الفاعل لهذه المشاهدات فقد كابر وعاند، وإن عنى ما ذكره قتادة والسدى ومحمد بن إسحاق فلم يقل شيئا يتعلق بكلام الخليل عليه السلام، إذ لم يمنع مقدمة، ولا عارض الدليل.

ولما كان انقطاع مناظرة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضر وغيرهم، ذكر دليلاُ آخر بين وجود الصانع، وبطلان ما ادعاه النمرود وانقطاعه جهرة (قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) أى فإن كنت كما تزعم فافعل هذا، فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم وكل أحد أنك لا تقدر على شئ من هذا، بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر لها.

فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به، بل انقطع وسكت، ولهذا قال: (فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين).

وقد ذكر السدى أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم وبين النمرود يوم خرج من النار، ولم يكن اجتمع به إلا يومئذ، فكانت بينهما هذه المناظرة.

وقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن زيد بن أسلم، أن النمرود كان عنده طعام، وكان الناس يفدون إليه ليأخذوا لأهليهم منه فوفد إبراهيم فى جملة من وفد، ولم يكن اجتمع به إلا يومئذ فكانت بينهما هذه المناظرة ولم يعط إبراهيم من هذا الطعام كما أعطى الناس بل خرج وليس معه شئ منه.

فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه (وعاءيه)، وقال: أشغل أهلى إذا قدمت عليهم، فلما قدم وضع رحله وجاء فاتكأ فنام، فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاما طيبا، فعملت منه طعاما، فلما استيقظ إبراهيم وجد الذى قد أصلحوه فقال: أنى لكم هذا؟ قالت: من الذى جئت به، فعرف أنه رزق رزقهموه الله عز وجل.

قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار، ملكا يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه، ثم دعاه الثانية فأبى عليه، ثم دعاه الثالثة فأبى عليه، فقال: اجمع جموعك وأجمع جموعى. فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليهم ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية ودخلت واحدة منها فى منخر الملك فمكثت فى منخرة أربعمائة سنة. عذبه الله تعالى بها فكان يضرب رأسه بالمرازب فى هذه المدة كلها، حتى أهلكه الله عز وجل بها. وقصة إبراهيم هذه مع النمرود كانت قبل قصته مع أهل الشام عباد الكواكب.



هجرته إلى بلاد الشام

قال الله تعالى: (فآمن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم (26) ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين) (العنكبوت:26-27).

وقال تعالى: (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين (71) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين (72) وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) (الأنبياء:71-73). وذلك أنه لما هجر قومه فى الله وهاجر من بين أظهرهم، وكانت امرأته عاقرا لا يولد لها، ولم يكن له من الولد أحد، بل معه ابن أخيه لوط، وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين، وجعل فى ذريته النبوة والكتاب، فكل نبى بعث بعده فهو من ذريته، وكل كتاب نزل من السماء على نبى من الأنبياء من بعده فعلى واحد من ذريته، خلعة من الله وكرامة له.

والأرض التى قصدها بالهجرة أرض الشام، وهى التى قال الله عز وجل فيها إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين) (الأنبياء:71) قاله أبى بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم، وكانت هجرته من أرض بابل بعد نجاته من نار أهلها، وبعد مجادلته الملك النمرود وإفحامه بالحجة كما سبق.



هجرته إلى مصر وزواجه بهاجر

ذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إليه: (إنى جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك) فابتنى إبراهيم مذبحا لله شكرا على هذه النعمة، وضرب قبته شرقى بيت المقدس وأنه كان جوع (أى قحط وشدة وغلاء)، فارتحلوا إلى مصر، وذكروا قصة سارة مع ملكها، وأن إبراهيم قال لها: قولى أنا أخته، وذكروا إخدام الملك إياها هاجر. ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن، يعنى أرض بيت المقدس وما والاها، ومعه دواب وعبيد وأموال.

وقال الإمام أحمد: حدثنا على بن حفص، عن ورقاء -هو أبو عمرو اليشكرى- عن أبى الزناد: (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: قوله حين دعى إلى آلهتهم فقال: (إنى سقيم)، وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقوله لسارة: (إنها أختى). قال: ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة (هو ملك مصر) فقيل له: (دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس، قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟ قال: أختى، قال: فأرسل بها، قال: فأرسل بها إليه، وقال: لا تكذبى قولى، فإنى قد أخبرته أنك أختى (أى فى الدين)، إنه ما على الأرض مؤمن غيرى وغيرك، فلما دخلت عليه قام إليها، فأقبلت تتوضأ وتصلى وتقول: اللهم إن كنت تعلم أنى آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى إلا على زوجى فلا تسلط على الكافر. قال: فغط (ضغط بشدة) حتى ركض (ضرب) برجله. قال أبو الزناد: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة إنها قالت: اللهم إن يمت يُقَلْ: هى قتلته، قال: فَأُرْسِلَ. قال: ثم قام إليها، قال: فقامت تتوضأ وتصلى وتقول: اللهم إن كانت تعلم أنى آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى إلا على زوجى فلا تسلط على الكافر. قال: فغط حتى ركض برجله. قال أبو الزناد: وقال أبو سلمة عن أبى هريرة أنها قالت: اللهم إن يمت يقل هى قتلته. قال: فأرسل. قال: فقال فى الثالثة أوالرابعة: ما أرسلتم إلى إلا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر. قال: فرجعت، فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة؟) تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيح.

وقد رواه البخارى عن أبى اليمان، عن شعيب بن أبى حمزة، عن أبى الزناد عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم به مختصرا.

وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلى لله عز وجل، ويسأله أن يدفع عن أهله، وأن يرد بأس هذا الذى أراد أهله بسوء، وهكذا فعلت هى أيضا. فلما أراد عدو الله أن ينال منها أمرا قامت إلى وضوئها وصلاتها، ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم. ولهذا قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) (البقرة:45)، فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام.

وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة: سارة، وأم موسى، ومريم عليهن السلام.

والذى عليه الجمهور: أنهن صديقات رضى الله عنهن وأرضاهن.

ورأيت فى بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها، فلم تحجب عنه منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه وكان مشاهدًا لها وهى عند الملك، وكيف عصمها الله تعالى منه، ليكون ذلك أطيب لقلبه، وأقر لعينه وأشد لطمأنينته، فإنه كان يحبها حبا شديدًا، لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر، فإنه قد قيل: إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها، أحسن منها رضى الله عنها.

ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن وهى الأرض المقدسة التى كان فيها، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل، وصحبتهم هاجر القبطية المصرية.

ثم إن لوطا عليه السلام نزح بما لَهُ من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له فى ذلك، إلى أرض الغور، المعروف (بغور زغر) فنزل بمدينة سدوم: وهى مدينة قديمة فى فلسطين على شاطئ البحر الميت، وهى قرية قوم لوط، وجاء عن أهل الكتاب أن الله أمطرها مع مدينة عامورة نارا قصاصا على خطايا أهلها. وهى أم تلك البلاد فى ذلك الزمان. وكان أهلها أشرارًا كفارا فجارًا ,

ثم إن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه، فلما بلغ الخبر إبراهيم عليه السلام سار إليهم فى ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا فاستنقذ لوطا عليه السلام واسترجع أمواله وقتل من أعداء الله ورسوله خلقا كثيرا وهزمهم وسار فى آثارهم حتى وصل إلى شمالى دمشق، وعسكر بظاهرها عند برزة ثم رجع مؤيدا منصورا إلى بلاده، وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين، واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه.

المتحد
17-06-04, 09:43 PM
.
هذا قليل من كثيرمن سيرة خليل الرحمن .
أفضل الانبياء بعد سيد الخلق .
يقرأكم السلام عندما عرج بالمصطفى وقابله صلى الله
عليه وسلم في السماء السابعه .
يقرأكم السلام ,
ويقول غراس الجنه الذكر .
اللهم صلى على محمد وآل محمد .
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين .
.
شكراً يامذهل .
.

لؤلؤة الخليج
17-06-04, 10:15 PM
اخى المذهل:
جزاك الله خير.وجعل الله عز وجل كتابتك عن الانبياء والرسل فى ميزان حسناتك:
ولك تحياتى......!!

غريب الماضي
18-06-04, 02:50 AM
الـسـلام عـلـيـكـم



جـزاك الله خـيـرررر وبارك الله بـك وسدد الله خـطـاك


والف شكرررررر على الـجـهـد الـسـخـي والـطـيـب هـذا







ولـــــي ،، عـودة،،،لـلـمـوضـوع،،،،،،؟

المذهل
18-06-04, 05:48 PM
اخي المتحد
جزاك الله خير واكثر من امثالك نعم ماروع قصص الانبياءصلى الله عليهم وسلم
أختي لولوة الخليج
شكرا على مرورك والله يعطيك العافيه
اخوي غريب الماضي
حياك الله
ولا شكر على واجب
والله يعطيك العافيه

أبو سديم
18-06-04, 06:07 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي المذهل كيف الحال

وأسأل الله أن يجزيك خير الجزاء

أن يجعله في ميزان حسناتك

وأن يجعله حجتا لنا لا علينا


وتقبلوا خالص الشكر والتقدير

أخوك ابو سديم

المذهل
19-06-04, 10:34 AM
حياك الله اخوي ابو سديم
شكرا على مرورك
جزاك الله خير
ووفقك لما يحبه ويرضاه

سيف العداله
25-06-04, 05:05 PM
تشكرات كثيرات على الموضوع :)

هبه
28-06-04, 02:23 AM
جزاك الله خير

والله يعطيك العافيه

المذهل
29-06-04, 09:31 PM
أخوي سيف العداله
اختي هبه
جزاكم الله الف خير على المرور
وبارك الله فيكم

محترم
02-07-04, 05:04 PM
الله يجزاك كل خير

المذهل
13-08-04, 01:05 PM
حياك الله اخي الكريم محترم
وجزاك الله خير على المورور الكريم

كاتم الونة
04-02-07, 05:56 PM
بارك الله فيك...ونفع بك

جزاك الله خيرا .

شمشوم نجد
12-04-07, 03:34 AM
الله يعطيك العافية