العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
سيــــــرة النبي صلى الله عليه وسلم كاملــــة
منقووووووووول
سيرة النبي صلي الله عليه وسلم (1) لما كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله إلى البشرية جمعاء ، لزم أن تكون سيرته واضحة للجميع ، يستطيع كل أحدٍ الوصول إليها ، والنظر فيها ، والاستفادة منها .....أتمني تثبيت الموضوع لاني راح اكتب الموضوع متسلسل من مولدة الي وفاتة عليه الصلاة و السلام ..... مقدمات في السيرة النبوية ومولده النبوات والرسالات هي أفضل النعم التي تفضل الله بها على الناس، وأفضل هذه الرسالات وأعظمها وأشملها هي رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، ولذلك أحاطها الله بعنايته، وشملها برعايته. تلك الدلائل والبشارات التي بشرت بمبعثه قبل مولده صلى الله عليه وسلم، ما رواه الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أن أمية بن أبي الصلت قال له : إني أجد في الكتب صفة نبي يبعث من بلادنا ، وكنت أظن أني هو، ثم ظهر لي أنه من بني عبد مناف ، قال فنظرت فلم أجد فيهم من هو متصف بأخلاقه إلا عتبة بن ربيعة إلا أنه جاوز الأربعين ولم يوح إليه، فعرفت أنه غيره .قال أبو سفيان : فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قلت لأمية عنه فقال: أَمَا إنَّه حق فاتَّبعه ، فقلت له وأنت ما يمنعك ؟ قال: الحياء من نساء ثقيف أني كنت أخبرهن أني أنا هو، ثم أصير تبعاً لفتىً من بني عبد مناف. فهذه علامة وبشارة واضحة تدل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما منع هذا الرجل من الإيمان به بعد مبعثه -مع علمه أنه حق- إلا الكبر عياذاً بالله. ومن الدلائل والبشائر على نبوته كذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث سلمة بن وقش قال : كان لنا جار من اليهود بالمدينة فخرج علينا قبل البعثة بزمان فذكر الحشر والجنة والنار، فقلنا له : وما آية ذلك ؟ قال خروج نبي يبعث من هذه البلاد ـ وأشار إلى مكة ـ فقالوا متى يقع ذلك ؟ قال فرمى بطرفه إلى السماء ـ وأنا أصغر القوم فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه ، قال فما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث الله تعالى نبيه ، وهو حي ـ أي اليهودي ـ فآمنَّا به وكفر هو بغياً وحسداً. أما العلامات والدلائل على نبوته صلى الله عليه وسلم والتي كانت عند مولده وبعده، فمنها ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى عليهما السلام ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام) أخرجه أحمد بسند صحيح. ومن هذه العلامات على نبوته بعد مولده صلى الله عليه وسلم ما جاء في قصة حليمة السعدية حيث أخبرت أنها لما أخذته من أمه، كثر اللبن في ثديها، ووجد زوجها اللبن في ناقته، وكثر اللبن في شياهها، إلى غير ذلك من الأمور التي خرجت عن مألوف العادة، والتي حصلت ببركة وجوده بينهم صلى الله عليه وسلم. ويتوج ذلك كله حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع سنين، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه(أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقةً وقال: هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم جمعه فأعاده إلي مكانه) وهذه الواقعة كانت من أهم البشائر على قرب مبعثه صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً. التعبد في غار حراء كانت عند العرب بقايا من الحنيفية التي ورثوها من دين إبراهيم عليه السلام، فكانوا مع -ما هم عليه من الشرك- يتمسكون بأمور صحيحة توارثها الأبناء عن الآباء كابراً عن كابر، وكان بعضهم أكثر تمسكاً بها من بعض، بل كانت طائفة منهم -وهم قلة- تعاف وترفض ما كان عليه قومها من الشرك وعبادة الأوثان، وأكل الميتة، ووأد البنات، ونحو ذلك من العادات التي لم يأذن بها الله، ولم يأت بها شرع حنيف، وكان من تلك الطائفة ورقة بن نوفل و زيد بن نفيل ورسولنا صلى الله عليه وسلم ، والذي امتاز عن غيره صلى الله عليه وسلم باعتزاله الناس للتعبد والتفكُّر في غار حراء، فما هو خبره صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، هذا ما سنقف عليه في المقال التالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأمل منذ صغره ما كان عليه قومه من العبادات الباطلة والأوهام الزائفة، التي لم تجد سبيلاً إلى نفسه، ولم تلق قبولاً في عقله، بسبب ما أحاطه الله من رعاية وعناية لم تكن لغيره من البشر، فبقيت فطرته على صفائها، تنفر من كل شيء غير ما فطرت عليه. هذا الحال الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم دفع به إلى اعتزال قومه وما يعبدون من دون الله، وحبَّب الله إليه عبادته بعيداً عن أعين قومه وما كانوا عليه من عبادات باطلة، وأوهام زائفة، فكان يأخذ طعامه وشرابه ويذهب إلى غار حراء كما ثبت في الحديث المتفق عليه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (جاورت بحراء شهراً...)وحراء هو غار صغير في جبل النور على بعد ميلين من مكة، فكان يقيم فيه الأيام والليالي ذوات العدد، يقضي وقته في عبادة ربه والتفكَّر فيما حوله من مشاهد الكون، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك الباطلة، والتصورات الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح ولا منهج محدد يطمئن إليه و يرضاه. وكان اختياره لهذه العزلة والانقطاع عن الناس بعض الوقت من الأسباب التي هيأها الله تعالى له ليعده لما ينتظره من الأمر العظيم، والمهمة الكبيرة التي سيقوم بها، وهي إبلاغ رسالة الله تعالى للناس أجمعين واقتضت حكمة الله أن يكون أول ما نزل عليه الوحي في هذا الغار. فهذا ما كان من أمر تعبده صلى الله عليه وسلم، واعتزاله قومه وما كانوا عليه من العبادات والعادات، وقد أحاطه الله سبحانه بعنايته ورعايته، وهيأ له الأسباب التي تعده لحمل الرسالة للعالمين. وهو في حاله التي ذكرنا ينطبق عليه قوله تعالى في حق موسى عليه الصلاة والسلام {ولتصنع على عيني}(طه:39)إنه الإعداد لأمر عظيم تنوء الجبال بحمله، إنها الأمانة التي كان يُعدُّ لحملها إلى الناس أجمعين، ليكون عليهم شهيداً يوم القيامة،تحقيقاً لقوله تعالى{وجئنا بك شهيداً على هولاء}(النحل:89) فجزاه الله عن أمته وعن العالمين خير الجزاء، وجمعنا معه تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، والحمد لله رب حادثة الفيل إن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار}(القصص:68) خلق الإنسان وفضل بعضه على بعض، وخلق الزمان وفضل بعضه على بعض، وخلق المكان وفضل بعضه على بعض، ومن الأماكن التي اختارها سبحانه وفضلها على سائر بقاع الأرض، مكة المكرمة، التي فيها البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس، وقد حرسه الله وحماه وأحاطه برعايته ورد عنه كيد المجرمين، ومن ذلك حادثة الفيل المشهورة التي سجل الله وقائعها في القرآن الكريم فما خبر هذه الواقعة ؟ هذا ما سنقف عليه في هذه الأسطر : ذكرت كُتب السيرة أن أبرهة الحبشي كان نائباً للنجاشي على اليمن، فرأى العرب يحجون إلى الكعبة، ويعظمونها، فلم يرق له ذلك، وأراد أن يصرف الناس عنها،فبني كنيسة كبيرة بصنعاء ، ليحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، فلما سمع بذلك رجل من بني كنانة دخل الكنيسة ليلاً، فبال وتغوط فيها ، فلما علم أبرهة بذلك سأل عن الفاعل فقيل له، صنع هذا رجل من العرب من أهل البيت الذي تحج العرب إليه بمكة ، فغضب أبرهة وحلف أن يذهب إلى مكة ليهدمها، فجهَّز جيشاً كبيرا، وأنطلق قاصداً البيت العتيق يريد هدمه، وكان من جملة دوابهم التي يركبون عليها الفيل-الذي لا تعرفه العرب بأرضها- فأصاب العرب خوفٌ شديد،ٌولم يجد أبرهة في طريقه إلا مقاومة يسيرة من بعض القبائل العربية التي تعظم البيت، أما أهل مكة فقد تحصنوا في الجبال ولم يقاوموه. وجاء عبد المطلب يطلب إبلاً له أخذها جيش أبرهة، فقال له أبرهة: كنتَ قد أعجبتني حين رأيتُك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أخذتها منك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه ! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت رباً يحميه، فقال أبرهة: ما كان ليمتنع مني ، قال عبد المطلب : أنت وذاك.وأنشد يقول: لاهُمَّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم غدواً محالك إن كنتَ تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك فلما أصبح أبرهة عبأ جيشه، وهيأَ فيله لدخول مكة ، فلما كان في وادي محسر-بين مزدلفة ومنى- برك الفيل، وامتنع عن التقدم نحو مكة ، وكانوا إذا وجهوه إلى الجنوب، أو الشمال ، أو الشرق،انقاد لذلك، وإذا وجهوه للكعبة برك وامتنع، وبينما هم على هذه الحالة ، إذ أرسل الله عليهم طيراً أبابيل -ومعنى أبابيل يتبع بعضها بعضاً- مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، لا تصيب منهم أحداً إلا تقطعت أعضاؤه ، وهلك. أما أبرهة فقد أصابه الله بداء، تساقطت بسببه أنامله، فلم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل فرخ الحمام، وانصدع صدره عن قلبه فهلك شر هلكة.وقد أخبر الله تعالى بذلك في كتابه فقال:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول.} (سورة الفيل) وقد حدثت هذه الواقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يوما تقريبا .وهو يوافق فبراير سنة 571م. ووقعت في ظروف ساعدت على وصول خبرها إلى معظم أرجاء المعمورة المتحضرة في ذلك الزمن ، فالحبشة كانت ذات صلة قوية بالرومان ، والفرس لهم بالمرصاد يترقبون ما ينزل بهم وبحلفائهم، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الزمان. فلفتت هذه الواقعة أنظار العالم إلى شرف هذا البيت ومكانته، وأنه هو البيت الذي اصطفاه الله تعالى للتقديس. نسب النبي صلى الله عليه وسلم خلق الله تعالى الإنسان وكرمه، وفضله على كثير من خلقه وعلَّمه، وكان من مظاهر ذلك التكريم أن أقام سبحانه وشائج النسب والمصاهرة بين بني الإنسان، كما بين ذلك بقوله :{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} (الفرقان:54) وكان مقصد حفظ الأنساب من المقاصد الأساسية التي اتفقت على رعايتها وحفظها جميع الشرائع السماوية، لذا وجدنا الأنساب والأعراق من أهم الأمور التي يتفاخر بها الناس، ويحرصون على إبرازها وإظهارها، وكانت العرب أشهر من اعتنى بذلك، وحرص عليه، ولذلك بعث الله رسوله من أفضل قبيلة وأشرف نسب. وقد اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه، أن اختار رسله إليهم من ذو الأنساب الأصيلة والأقوام العريقة، ولذلك كان أول سؤال سأل عنه هرقل أبا سفيان أن قال له كيف نسبه فيكم؟ -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- فأجاب أبو سفيان: هو فينا ذو نسب -أي صاحب نسب شريف معروف- ثم قال هرقل في ختام الأسئلة: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها. فنسب النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب، كما ثبت في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) رواه مسلم وقد اتفق أهل السير والأخبار على ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان، فنسبوه بأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر - وهو قريش الذي تنسب له القبيلة_ بن مالك بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأما ما بعد عدنان إلى إبراهيم عليه السلام فقد اختلف أهل السير في صحته، فمنهم من قال به، ومنهم من توقف فيه. وجملة القول: إن النبي صلى الله عليه وسلم خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق. فحريُّ بالمسلم أن يكون على علم بهذا النسب الشريف، ومقام صاحبه صلوات الله وسلامه عليه. والله نسأل أن يجعلنا من المحبين له، والمتمسكين بهديه، والحمد لله أولاً عبد المطلب جد رسول الله قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظاً على العهود ، متخلقاً بمكارم الأخلاق ، يحب المساكين ، ويقوم في خدمة الحجيج ، ويطعم في الأزمات ، ويقمع الظالمين ، وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رؤوس الجبال ، وكان له أولاد أكبرهم الحارث ، توفي في حياة أبيه ، وأسلم من أولاد الحارث : عبيدة قتل ببدر ، وربيعة ، وأبو سفيان ، وعبد الله . ومنهم : الزبير بن عبد المطلب شقيق عبد الله ، وكان رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار ، شريفاً شاعراً ، ولم يدرك الإسلام وأسلم من أولاده . عبد الله واستشهد بأجنادين ، وضباعة ، ومجل ، وصفية ، وعاتكة . وأسلم منهم حمزة بن عبد المطلب ، والعباس . ومنهم : أبو لهب مات عقيب بدر ، وله من الولد : عتيبة الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله السبع . وله عتبة ، ومعتب، أسلما يوم الفتح .ومن بناته : البيضاء أم حكيم ، تزوجها كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، فولدت له عامراً وأروى، فتزوج أروى عفان بن أبي العاص بن أمية، فولدت له عثمان ، ثم خلف عليها عقبة بن أبي معيط ، فولدت له الوليد بن عقبة، وعاشت إلى خلافة ابنها عثمان ، ومنهن : برة بنت عبد المطلب ، أم أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي . ومنهن : عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية ، وهي صاحبة المنام قبل يوم بدر ، واختلف في إسلامها . ومنهن : صفية أم الزبير بن العوام ، أسلمت وهاجرت . وأروى أم آل جحش - عبد الله وأبي أحمد ، وعبيد الله وزينب ، وحمنة . وأم عبد المطلب : هي سلمى بنت عمرو بن زيد من بني النجار ، تزوجها أبوه هاشم بن عبد مناف ، فخرج إلى الشام - وهي عند أهلها ، قد حملت بعبد المطلب- فمات بغزة . فرجع أبو رهم بن عبد العزى وأصحابه إلى المدينة بتركته . وولدت امرأته سلمى : عبد المطلب ، وسمته شيبة الحمد ، فاقام في أخواله مكرماً . فبينما هو يناضل الصبيان ، فيقول : أنا ابن هاشم ، سمعه رجل من قريش ، فقال لعمه المطلب : إني مررت بدور بني قيلة ، فرأيت غلاماً يعتزي إلى أخيك ، وما ينبغي ترك مثله في الغربة ، فرحل إلى المدينة في طلبه ، فلما رآه فاضت عيناه ، وضمه إليه ، وأنشد شعراً : عرفت شيبة والنجار قد جعلت أبناءها حوله بالنبل تنتضل عرفت أجــلاده فيـنا وشــيمتـه فـفاض مني عليه وابل هطـل فأردفه على راحلته ، فقال : يا عم ، ذلك إلى الوالدة . فجاء إلى أم ه ، فسألها أن ترسل به معه ، فامتنعت . فقال لها : إنما يمضي إلى ملك أبيه ، وإلى حرم الله . فأذنت له . فقدم به مكة ، فقال الناس : هذا عبد المطلب ، فقال : ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم . فأقام عنده حتى ترعرع ، فسلم إليه ملك هاشم من أمر البيت ، والرفادة، والسقاية ، وأمر الحجيج ، وغير ذلك . وكان المطلب شريفاً مطاعاً جواداً ، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه ، وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي ، وله من الولد : الحارث ، ومخرمة ، وعباد ، وأنيس ، وأبو عمر ، وأبو رهم ، وغيرهم . ولما مات وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح شيبة ، فغصبه إياها ، فسأل رجالاً من قريش النصرة على عمه ، فقالوا : لا ندخل بينك وبين عمك . فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتاً ، منها : يا طــول ليلـي لأحزاني وأشغــالي هل من رسول إلى النجار أخوالي بنـــي عــــدي ودينـــار ومازنـــها ومالك عصمة الحيران عن حـــالي قد كنت فيهم وما أخشى ظلامة ذي ظلم عزيزاً منيــــعاً ناعــم البـــال حتى ارتحلت إلى قومي وأزعجني لــذاك مطلب عمــي بترحـــــالـــي فغاب مطـلـب في قعـر مظــلـمـة ثم انبــرى نوفــل يعـدو على مـــالي لــمــا رأى رجـــلاً غابت عمــومــته وغاب أخـــواـله عنـه بلا والــــي فاستنفروا وامنعـوا ضيم ابن أختكم لا تخـــذلوه فمـــا أنتم بخــذالي فلما وقف خاله أبو سعد بن عدي بن النجار على كتابه بكى ، وسار من المدينة في ثمانين راكباً ، حتى قدم مكة. فنزل بالأبطح، فتلقاه عبد المطلب ، وقال : المنزل يا خال ، فقال : لا والله حتى ألقى نوفلاً ، فقال : تركته بالحجر جالساً في مشايخ قومه ، فأقبل أبو سعد حتى وقف عليهم ، فقام نوفل قائماً ، فقال : يا أبا سعد ، أنعم صباحاً . فقال : لا أنعم الله لك صباحاً ، وسل سيفه ، وقال : ورب هذا البيت ، لئن لم ترد على ابن أختي أركاحه لأمكنن منك هذا السيف . فقال : رددتها عليه . فأشهد عليه مشايخ قريش . ثم نزل على شيبة ، فأقام عنده ثلاثاً ، ثم اعتمر ورجع إلى المدينة ، فقال عبد المطلب : ويأبى مازن وأبـو عدي ودينـــار بن تيــم الله ضيــمــي بهم رد الإله علي ركحي وكانوا في انتساب دون قومي فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم ، وحالفت بنو هاشم خزاعة على بني عبد شمس ونوفل، فكان ذلك سبباً لفتح مكة ، كما سيأتي . فلما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب ، قالوا : نحن ولدناه كما ولدتموه ، فنحن أحق بنصره، وذلك أن أم عبد مناف منهم. فدخلوا دار الندوة وتحالفوا وكتبوا بينهم كتاباً . أكتفي ان شاء الله غدا اكمل من الهجرة إلى بدر
|
#2
|
||||
|
||||
جزاكي الله كل خير أختي داعيه ........
وبانتظار أن تكملي لنا القصه...... أخوكي : خلي البال.....
|
#3
|
|||||||||||
|
|||||||||||
|
#4
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
أرجو أن تكمل السيرة كما أتمنى أن تذكر المصدر واحرص على ماثبت
|
#5
|
||||
|
||||
سيــــــرة النبي صلى الله عليه وسلم كاملــــة
المدينة قبل الهجرة
كان أول من سكن المدينة العمالقة ، وهم قوم من ولد عِمْلِـيق بن لاوَذَ بن إِرَمَ بن سامِ بن نُوح، وهم الجبابرة من بقية قوم عاد ، كانوا بالشام على عهد موسى عليه السلام ، ثم تفرقوا صحيفة المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وإقامة قواعد المجتمع الإسلامي الجديد بين المسلمين من مهاجرين وأنصار ، كان من الضروري تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة السرايا قبل بدر كانت سرية سيف البحر أولى السرايا التي عقد لواءها رسول صلى الله عليه وسلم ، لمواجهة قريش ومنعها مما تنوي القيام به من محاصرة الدعوة ، وتضييق الخناق عليها ، وقد تحدثنا عن تلك السرية في مقال سابق ، وفي مقالنا هذا نتابع الحديث عن بعض السرايا الأخرى التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمتابعة تحركات قريش ونشاطاتها ، فمن تلك السرايا التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم : 1- سرية رابغ وكانت في شوال من السنة الأولى للهجرة ، بقيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وكان عدد المسلمين فيها نحو ستين رجلاً من المهاجرين ليس فيهم أنصاري ، فالتقوا بأبي سفيان وهو في مائتين على بطن رابغ ، وترامى الفريقان بالنبل ، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله ، وانفضّ الفريقان بعد ذلك من غير قتال . 2- سرية الخرار وقعت في ذي القعدة من السنة الأولى للهجرة ، وتتكون هذه السرية من عشرين راكباً بقيادة سعد بن أبي وقاص ، بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ، فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار ، ويسيرون بالليل حتى وصلوا الخرَّار وهو موضع قرب الجحفة ، فوجدوا العير قد مرت . 3- سرية نخلة وكانت في رجب من السنة الثانية للهجرة ، وتتكون من اثني عشر رجلاً من المهاجرين بقيادة عبدالله بن جحش الأسدي ، وقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً ، وأمره ألا يقرأه إلا بعد مسيرة يومين ، وتضمن الكتاب الأمر بالمُضِّي حتى وصول نخلة بين مكة والطائف ، ثم القيام برصد عيرٍ لقريش ، فساروا حتى بلغوا المكان ، فمرت العير تحمل زبيباً ، وأُدْماً ، وتجارة ، فلحق بها المسلمون حتى أدركوها في آخر يوم من رجب وهو من الأشهر الحرم ، فقتلوا ناساً من القافلة ، ولاذ البعض بالفرار ، وعادت السرية بالعير وأسيرين إلى المدينة ، فعاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتالهم في الشهر الحرام ، واستغل المشركون الحادثة ، وتحدثوا أن المسلمين قد انتهكوا الأشهر الحرم ، ثم نزل القرآن حاسماً للموقف بأنّ ما يقوم به المشركون من الصد عن دين الله ، وعن المسجد الحرام ، وإيذاء المؤمنين ، والشرك بالله ، أشد حرمة من القتال في الأشهر الحرم ، قال تعالى : { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ }(البقرة:217). بعد ذلك أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح الأسيرين ، ودفع دية المقتول إلى أوليائه . إنّ من النتائج المترتبة على إرسال تلك السرايا والبعوث أنَّ قريشاً أدركت أنّ جانب المسلمين أصبح من المنعة بمكان ، وأنّ طريق تجارتها كذلك أصبح مهدداً من قِبَل المسلمين ، وأنّ عليها أن تفيء إلى رشدها وتذعن لأمر ربها ، أو على الأقل تمتنع من الوقوف في وجه تلك الدعوة المباركة الآخذة في الانتشار والقبول ، هذا على صعيد جانب قريش . أما على صعيد المؤمنين فإنّ تلك السرايا والبعوث قد زادتهم يقيناً بنصر الله ، وثباتاً على الحق ، واعتقاداً بأن العاقبة للمتقين ، كيف لا وقد بشرهم الله بذلك عندما قال : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَََرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:55) ، وقال تعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحج: من الآية40) غزوة العشيرة خرج المسلمون من مكة مهاجرين إلى المدينة امتثالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذاقوا الأمرين على يد جبابرة قريش وعتاتها ، فكانت هجرتهم نصرا وفتحاً ، نظرا لما كان عليه الحال في مكة من العذاب والذل ، فتركوا أموالهم وديارهم فراراً بدينهم وعقيدتهم . ولما استقر بهم المقام في المدينة النبوية أصبح الجو مهيأ أكثر من ذي قبل لنشر الدعوة ومواجهة الواقفين في سبيلها ، وكان من أساليب المواجهة التي نهجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يسمى بلغة اليوم المواجهة الاقتصادية ، إذ عمد إلى ضرب اقتصاد المشركين عن طريق التعرض لقوافلهم التجارية المترددة بين مكة والشام ، حتى يسترد المسلمون أموالهم التي سلبتها قريش ، ولتشكل هذه المواجهة ضغطا على المشركين ، يرغمهم على تعديل سياستهم في التعامل مع المسلمين . ووفق هذه الخطة كانت غزوة العشيرة - موضع بناحية ينبع - ، والتي جرت أحداثها في أواخر جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج صلى الله عليه وسلم في نحو مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين ، معهم ثلاثون بعيرا يتناوبون على ركوبها ، وصاحب اللواء فيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وكان الخروج في هذه الغزوة اختياريا، فمن شاء خرج ، ومن شاء لم يخرج ، وكان الغرض من الخروج اعتراض قافلة لقريش كانت ذاهبة إلى الشام . فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم العشيرة وجد قافلة قريش قد فاتته بأيام ، فاستغل صلى الله عليه وسلم فرصة وجوده في تلك الناحية ، فعقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ، ثم عاد إلى المدينة في أوائل جمادى الآخرة ، وكما كانت تلك القافلة سببا في غزوة العشيرة ، كانت كذلك سبباً في غزوة بدر ، وذلك في طريق عودتها من الشام . لقد كانت غزوة العشيرة من أوائل الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الهدف منها - كما بينا - ضرب اقتصاد قريش ، والغزوة وإن لم تحقق هدفها المادي وهو الاستيلاء على القافلة ، إلا أنها - وهو الأهم - قد أدت هدفها المعنوي من إبلاغ رسالة إلى قريش مفادها أننا لن نكون لكم هدفاً سهلا بعد اليوم ، وأننا سوف نواجهكم ما دمتم تقفون عائقا في وجه الدعوة، وسوف نلاحقكم كما تلاحقون المؤمنين وتضطهدونهم ، وإلا فكفوا أيديكم فهو أسلم لكم . هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لما ضاقت مكة بأفضل أهلها وخيرهم عند الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه، جعل الله للمسلمين فرجاً ومخرجاً، فأذن لهم بالهجرة إلى المدينة حيث النصرة، وقبول الحق . وقد أرخ لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم . الزهري فقال : " مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة , والمحرم وصفر ثم إن مشركي قريش اجتمعوا " - يعني على قتله - وقال الحاكم : " تواترت الأخبار أن خروجه كان يوم الاثنين ودخلوه المدينة كان يوم الاثنين " . وقد أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة , وكان يتردد على بيت أبي بكر كل يوم صباحاً ومساء , لا يكاد يدع ذلك , فلما أذن له بالهجرة جاءهم ظهراً على غير عادته وهو متقنع , فأخبر أبا بكر بذلك . واختياره وقت الظهر لأن الناس تأوي إلى بيوتها للقيلولة فراراً من الحر , وتقنّعه يفيد شعوره بالخطر من حوله , فقد اعتزمت قريش قتله , ولابد أنها ستعمد إلى رصد تحركه . قال تعالى : {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } (الأنفال 30). مؤامرة لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وقد بينت رواية ضعيفة - بسبب الإرسال - قصة اجتماع المشركين على باب الرسول صلى الله عليه وسلم وذره التراب على رؤوسهم . كما بيّن ابن عباس حصار المشركين لبيته ابتغاء قتله , ومبيت علي رضي الله على فراشه ولحاقه صلى الله عليه وسلم بالغار , ولما علم المشركون ذلك في الصباح اقتصوا أثره إلى الغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت فتركوه . ولكن هذه الرواية لا تصلح للاحتجاج بها وهي أجود ما روي في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار ، وقد ورد حديث ضعيف جداً يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بات في غار ثور أمر الله شجرة , فنبتت في وجه الغار , وأمر حمامتين وحشيتين , فوقعتا بفم الغار . وأن ذلك سبب صدود المشركين عن الغار . ومثل هذه الأساطير تسربت إلى مصادر كثيرة في الحديث والسيرة . وعلى أية حال فإن ائتمار المشركين لقتله ثابت بنص الآية فلا يبعد أن يحاصروا بيته . في غار ثور قالت عائشة رضي الله عنها : ( فبينما نحن يوماً جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة , قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقناً في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي , والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له , فدخل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أخرج من عندك . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . قال : فإني قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يارسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قال أبو بكر : فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز , وضعنا لهم سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها , فربطت به على فم الجراب . وبذلك سميت ذات النطاق . قالت : ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور , فكمنا فيه ثلاث ليال , يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر - وهو غلام شاب ثقف لقن - فيدلج من عندهما بسحر , فيصبح من قريش بمكة كبائت , فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام , ويرعى عليهما عامر بن فهيرة - مولى أبي بكر - منحة من غنم , فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء , فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس , يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث . واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عدي بن عدي هادياً خرّيتاً قد غمس حلفاً في العاص بن وائل السهمي - وهو على دين الكفار - فدفعا اليه راحلتيهما , وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث. ) وتشير رواية صحيحة أخرى إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ركبا ، قال : ( فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور ) . موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وثمة رواية حسنة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق إلى الغار من بيته حيث حاصره المشركون يريدون قتله , فلبس علي رضي الله عنه ثوبه ونام مكانه واخترق رسول الله صلى الله عليه وسلم حصار المشركين دون أن يروه , بعد أن أوصى علياً بأن يخبر أبا بكر أن يلحق به , فجاء أبو بكر وعليّ نائم , وأبو بكر يحسب أنه نبي الله صلى الله عليه وسلم , قال : فقال : يا نبي الله .. فقال له علي : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه . قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار . قال : وجعل علي يرمي بالحجارة , كما كان يرمي نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضور , قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه , حتى أصبح . ثم كشف عن رأسه , فقالوا : إنك للئيم ! . كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك . لقد كان غار ثور قد تحدد منطلقاً للهجرة , وضرب الموعد مع الدليل في ذلك المكان , وكان خروج المصطفى والصديق الى الغار ليلاً . ولا تقوى هذه الرواية على معارضة ما في الصحيح , ولكن يمكن التوفيق بينهما , لأن رواية الصحيح ليست صريحة في ركوبهما من بيت الصديق رضي الله عنه . فإذا افترضنا أن اصطحابهما معاً جرى من بئر ميمون أمكن التوفيق بين الروايتين . أبو بكر الصديق يضع ثروته في خدمة الدعوة لقد حمل أبو بكر رضي الله عنه ثروته ليضعها تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد ذكرت أسماء ابنته أنها خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم . لقد مكث الاثنان في الغار ثلاث ليال وقد تمكن المشركون من اقتفاء أثرهم إلى الغار حيث رأى الصديق أقدامهم فقال :" يا نبي الله , لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا " . قال : ( اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما ) . وإلى هذا اليقين التام والتوكل الكامل تشير الآية { ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } ( التوبة 40) الإعلان عن مكافأة لقد أخفقت قريش في العثور عليهما , فأعلنت عن مكافأة لمن يقتلهما أو يأسرهما وأرّخت رواية واهية خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار في ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول , وأدركتهما القيلولة ظهر يوم الثلاثاء بقديد . وهذا التحديد يثير الشك بصحة الرواية فضلاً عن ضعف الإسناد .لقد مضى الاثنان في الطريق الى المدينة وهما يحسان برصد المشركين لهما . قال أبو بكر : " أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلاً " وصول رسول الله إلى المدينة كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة , فكانوا يغدون كل غداة إلى ظاهر المدينة ينتظرونه , حتى إذا اشتد الحر عليهم عادوا إلى بيوتهم , حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه انتظروه حتى لم يبق ظل يستظلون به فعادوا , وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا بيوتهم , فبصر به يهودي فناداهم , فخرجوا فاستقبلوه , وكانت فرحتهم به غامرة ، فقد حملوا أسلحتهم وتقدموا نحو ظاهر الحرة فاستقبلوه . وقد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء . ولما عزم رسول الله صلى عليه وسلم أن يدخل المدينة أرسل إلى زعماء بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم . وقد سجلت رواية أن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار ، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر وهما راكبان , ومضى الموكب داخل المدينة , ( وقيل في المدينة : جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ) . وقد صعد الرجال والنساء فوق البيوت , وتفرق الغلمان في الطرق ينادون : يا محمد يا رسول الله , يا رسول الله . قال الصحابي البراء بن عازب - وهو شاهد عيان - :" ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم " أما تلك الروايات التي تفيد استقباله بنشيد (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع) فلم ترد بها رواية صحيحة . وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب الأنصاري فتساءل : أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب : أنا يا نبي الله , هذه داري وهذا بابي . فنزل في داره . وقد ورد في كتب السيرة أن زعماء الأنصار تطلعوا إلى استضافة الرسول صلى الله عليه وسلم , فكلما مر بأحدهم دعاه للنزول عنده , فكان يقول لهم : دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب ، وكان داره طابقين , قال أبو أيوب الأنصاري : ((لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السّفل وأنا وأم أيوب في العلو , فقلت له : يا نبي الله - بأبي أنت وأمي - إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك , وتكون تحتي , فاظهر أنت في العلو , وننزل نحن فنكون في السفل . فقال : يا أبا أيوب : إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت. قال : فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء , فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه)). وقد أفادت رواية ابن سعد أن مقامه صلى الله عليه وسلم بدار أبي أيوب سبعة أشهر . وقد اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين , وآثروهم على أنفسهم , فنالوا من الثناء العظيم الذي خلّد ذكرهم على مرّ الدهور وتتالي الأجيال , إذ ذكر الله مأثرتهم في قرآن يتلوه الناس : {والذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون} ( الحشر9) . وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار ثناء عظيماً فقال : (لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار) و (لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة , ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين من بني النجار . وقد اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقام المسلمون بتسويتها وقطع نخيلها وصفوا الحجارة في قبلة المسجد , وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم وهم يرتجزون : اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة . وقد بناه أولاً بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين، وقد واجه المهاجرون من مكة صعوبة اختلاف المناخ , فالمدينة بلدة زراعية , تغطي أراضيها بساتين النخيل , ونسبة الرطوبة في جوها أعلى من مكة , وقد أصيب العديد من المهاجرين بالحمى منهم أبو بكر وبلال . فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ((اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشدّ , وصححها , وبارك لنا في صاعها ومدّها , وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة)). وقال : ((اللهم امض لأصحابي هجرتهم , ولا تردهم على أعقابهم)) . لقد تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة , واستقروا في الأرض الجديدة مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة , بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام ومواساته بالنفس , حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . والحكم يدور مع علته , ومقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه , وإلا وجبت . ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر , فقد صارت البلد به دار إسلام , فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام . وعندما دون التاريخ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتخذت مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي , لكنهم أخروا ذلك من ربيع الأول الى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم , إذ بيعة العقبة الثانية وقعت في أثناء ذي الحجة , وهي مقدمة الهجرة . فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم , فناسب أن يجعل مبتدأ التاريخ الإسلامي نظرة في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إن رباط الأخوة في الإسلام رباط عظيم ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأكده، وكان من أوائل الأمور التي قام بها بعد وصوله المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار. ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر يؤاخي بين أصحابه مؤاخاة مواساة وتعاون وتناصح دون أن يترتب على ذلك حق التوارث بين المتآخين ، وهكذا وردت أخبار تفيد أنه آخى بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي مع أن سلمان أسلم بين أحد والخندق مما جعل الواقدي والبلاذري ينكران ذلك . وكذلك أنكر ابن كثير مؤاخاة جعفر بن أبي طالب لمعاذ بن جبل لأن جعفراً قدم في فتح خيبر أول سنة 7هـ . ومثل ذلك مؤاخاة الحتات مع معاوية بن أبي سفيان ؛ لأن معاوية أسلم بعد فتح مكة سنة 8هـ . وكذلك فإن الحتات قدم المدينة في وفد تميم في العام التاسع للهجرة ، وإذا اعتبرنا المؤاخاة مستمرة إلا ما يتعلق بحق التوارث الذي أبطل بعد بدر فلا موجب لهذا الاعتراض والإنكار الذي أبداه المؤرخون تجاه هذه الروايات . وكذلك إذا قبلنا وقوع مؤاخاة دون إرث قبل وبعد تشريع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فإن ذلك سوف يفسر الالتباس الذي وقع فيه ابن إسحق عندما أورد في قائمة المتآخين خبر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بن حارثة وكلهم مهاجرون في حين أن سائر الأسماء الأخرى التي وردت في قائمته توضح أن المؤاخاة كانت بين مهاجري وأنصار . وقد عقب ابن كثير على مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بأنه لا معنى لهذه المؤاخاة إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من صغره . وإلا أن يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار . ولكن هذا التعليل الذي قدمه ابن كثير غير مقبول لأن المصادر ذكرت مؤاخاة حمزة ابن عبد المطلب لكلثوم بن الهدم وغيره , كما ذكرت مؤاخاة زيد بن حارثة لأسيد بن حضير . كما أن المؤاخاة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي تقتضي التوارث , والنبي لا يورث كما جاء في الحديث , كما أن البلاذري ذكر مؤاخاة علي لسهل بن حنيف . وكذلك فإن البلاذري ذكر وقوع مؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وحمزة وزيد بمكة ونخلص من ذلك إلى أن هذه المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وبين حمزة وزيد إذا كانت قد وقعت , فإنها مؤاخاة تقتضي المؤازرة والرفقة دون حقوق التوارث وأنها جرت في غير الوقت الذي أعلن فيه نظام المؤاخاة في دار أنس بن مالك . الغزوات قبل بدر أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم دولة الإسلام في المدينة بعد مهاجره من مكة المكرمة ، ثم شرع في متابعة تبليغ دعوته لقبائل العرب ، وكان من الطبيعي أن يلقى معارضة ممن يكيد لهذا الدين ولا يريد أن تقوم له قائمة . وكانت موقعة بدر من المواقع الحاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية ، نصر الله فيها الحق على الباطل ، والإيمان على الشرك ، وقد تقدمها بعض الوقائع التي كانت بمنزلة التمهيد والإعداد لهذه المعركة الفاصلة ، وكان مما تقدمها الغزوات الآتية : 1- غزوة الأبْواء (وَدّان) كانت في صفر من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من المهاجرين بعد أن استخلف سعد بن عبادةعلى المدينة بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ، وهي أول غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان حامل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبدالمطلبرضي الله عنه ، وفيها عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفاً مع بني ضمرة على ألا يغزوهم ولا يغزوه ، ولا يعينوا عليه أحدا ، ولم يحدث قتال في هذه الغزوة . 2- غزوة بُوَاط وكانت في ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه بعد أن استخلف سعد بن معاذعلى المدينة ، وكان الهدف من الغزوة اعتراض عيرٍ لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ، ومائة رجل من قريش ، وألفان وخمسمائة بعير ، وكان حامل اللواء في هذه الغزوة سعد بن أبى وقاصرضي الله عنه، وقد رجع المسلمون من غير قتال حين لم يعثروا على القافلة ، "وبواط" جبال من جبال جهينة من ناحية رضوى . 3- غزوة سَفَوان وكانت كذلك في شهر ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع سبعين رجلاً في طلب كُرْز بن جابر الفِهْري الذي أغار على مراعي المدينة ، في قوات من المشركين ، ونهب المواشي ، فطارده المسلمون حتى بلغوا وادياً يقال له : سفوان من ناحية بدر ، ولذلك تسمى هذه الغزوة : "بدر الأولى" . وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على المدينة زيد بن حارثة ، وكان حامل لوائها علي بن أبي طالب. ورجع المسلمون من هذه الغزوة دون حرب ؛ حيث أنهم لم يدركوا كُرز الفهري . 4- غزوة ذي العشيرة وكانت في جمادى الأولى والآخرة من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة من المهاجرين ، على ثلاثين بعيراً ، بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ذاهبة إلى الشام ، فلما بلغ الجيش ذا العشيرة وجدوا العير قد فاتتهم بأيام ، وقد طلبها المسلمون أثناء عودتها من الشام ، فكانت سبب غزوة بدر الكبرى ، وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وحمل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبدالمطلبرضي الله عنه. وكان من نتائج هذه الغزوة عقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني النضير . من خلال هذه الغزوات استفاد المسلمون فوائد متعددة ، منها ما يتعلق بتخويف العدو ، وبعث رسالة للواقفين في وجه الدعوة الإسلامية ، ومنها ما يتعلق بتقوية جيش المسلمين ، وتدريبه على القتال ، والصبر ، والقيادة ، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم ، يعطي اللواء في كل مرة لقائد من القواد ، فتتنقل الراية من حمزة إلى سعد بن أبي وقاص ، إلى علي ، ثم تعود إلى حمزة مرة أخرى - رضي الله عنهم جميعاً - ، وكان يُنوِّع في الاستخلاف على المدينة ، فمرة سعد بن عبادة ، وأخرى سعد بن معاذ، وثالثة زيد بن حارثة، ورابعة أبا سلمة المخزومي، وهذا فيه دلالة عظيمة على حنكة القائد ، وفطنته ، وفيه تدريب على تحمل المسؤولية ، والاستفادة من قدرات الجميع وإمكاناتهم ، وفيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يربي قادة ، ويعلم أمة ، ويرسم منهاجاً ، فهل يعي المسلمون ذلك ؟ خاصة أنهم في أمس الحاجة إلى النظر والتدبر في سيرة قائدهم ، وأسوتهم صلى الله عليه أوائل المهاجرين اشتد الأذى بالمؤمنين في مكة حتي صارت جحيماً لايطاق، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة حتي يأمنوا على أنفسهم، ويقيموا شعائر دينهم، فاستجاب المؤمنون لله ورسوله فهاجروا، وكان منهم سابقون إلى الهجرة، فمن أول من هاجر من الصحابة؟ هذا ما سنستعرضه في مقالنا التالي يتفق موسى بن عقبة وابن إسحاق على أن أبا سلمة بن عبد الأسد هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة بعد أن آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة , فتوجه إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة . وكذلك فإن مصعب بن عمير وابن مكتوم كانا من أوائل المهاجرين حيث كانا يقرئان الناس القرآن . وقد تتابع المهاجرون فقدم المدينة بلال بن رباح وسعد ابن أبي وقاص وعمار بن ياسر ثم عمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة . وقد سعت قريش بشتى الطرق إلى عرقلة الهجرة إلى المدينة , وإثارة المشاكل أمام المهاجرين , مرة بحجز أموالهم ومنعهم من حملها , ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم , وثالثة بالاحتيال لإعادتهم إلى مكة، لكن شيئاً من ذلك كله لم يعق موكب الهجرة , فالمهاجرون كانوا على أتم الاستعداد للانخلاع عن أموالهم وأهليهم ودنياهم كلها تلبية لداعي العقيدة . قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها : ( لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره , ثم حملني عليه , وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري , ثم خرج بي يقود بعيره ، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها , أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت : فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه ، قالت : وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة . قالوا : لا والله لاتترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ، قالت : فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم , وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ، قالت : ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ، قالت : فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح , فما أزال أبكي حتى أمسي , سنة أو قريباً منها ، حتى مرّ بي رجل من بني عمي - أحد بني المغيرة - فرأى مابي , فرحمني , فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون هذه المسكينة فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ؟ قالت : فقالوا لي : الحقي بزوجك إن شئت ، قالت : وردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك ابني . قالت : فارتحلت بعيري , ثم أخذت ابني فوضعته في حجري , ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة , وما معي أحد من خلق الله . قالت : فقلت : أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي . حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار , فقال لي : إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ قالت : فقلت : أريد زوجي بالمدينة . قال : أو معك أحد ؟ قالت : فقلت : لا والله إلا الله وبنيّ هذا . قال : والله مالك من مترك فأخذ بخطام البعير . فانطلق معي يهوي بي , فوالله ماصحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه , كان إذا بلغ المنزل أناخ بي , ثم استأخر عني , حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحط عنه , ثم قيده في الشجرة , ثم تنحّى إلى الشجرة فاضطجع تحتها , فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدّمه فرحّله ، ثم استأخر عني فقال : اركبي , فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه , فقاد بي حتى ينزل بي , فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال : زوجك في هذه القرية - وكان أبوسلمة بها نازلاً - فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة . قال فكانت تقول : والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة . وما رأيت صاحباً قط أكرم من عثمان بن طلحة ). وقد سقت الخبر بطوله لما فيه من دلالة على الصعوبات التي واجهها المهاجرون وهي تشير إلى أصر العصبية في اتخاذ العشائر القرشية مواقفها من الأحداث ، فقد انحاز قوم أبي سلمة إليه رغم مخالفتهم له في العقيدة , ثم إن الخبر يكشف عن صورة من صور المروءة التي عرفها المجتمع القرشي قبل الإسلام تتمثل في موقف عثمان بن طلحة وتطوعه في مصاحبة المرأة وإحسان معاملتها مما يدل على سلامة الفطرة التي قادته أخيراً إلى الإسلام بعد صلح الحديبية , ولعل إضاءة قلبه بدأت منذ تلك الرحلة مع المرأة المسلمة . وثمة صورة تاريخية لحدث آخر هو هجرة عمر بن الخطاب كما حدّث بها بنفسه قال : ( اتعدت - لما أردنا الهجرة إلى المدينة - أنا وعياش بن أبي ربيعة , وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب - موضع - من أضاءة بني غفار فوق سرف , وقلنا أينا لا يصبح عندها فقد حبس , فليمض صاحباه .قال : فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة التناضب , وحبس عنها هشام , وفتن فافتتن . فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء , وخرج أبو جهل بن هشام , والحارث بن هشام إلى عياش ابن أبي ربيعة - وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما - حتى قدما علينا المدينة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة - فكلماه وقالا : إن أمك قد نذرت ألا يمسّ رأسها مشط حتى تراك , فرقّ لها . فقلت له : يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم . فقال : أبرّ قسم أمي , ولي هناك مال فآخذه . فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً , فلك نصف مالي ولا تذهب معهما . فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما . فلما أبى إلا ذلك قلت : أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول , فالزم ظهرها , فإن رابك من القوم ريب فانج عليها , فخرج عليها معهما . حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل : والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا , أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال : بلى . قال : فأناخ وأناخ ليتحول عليها , فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه , ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن . قال : فكنا نقول : ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبةً ؛ قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم . قال : وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم , وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون } ( الزمر 53-55) . قال عمر بن الخطاب : فكتبتها بيدي في صحيفة , وبعثت بها إلى هشام بن العاص . قال فقال هشام : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوّب ولا أفهمها . حتى قلت : اللهم فهمنيها . قال : فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول لأنفسنا ويقال فينا . قال : فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما ما روي من إعلان عمر لهجرته وتهديده من يلحق به بثكل أمه فلم يصح . وهكذا وصلت طلائع الهجرة إلى المدينة المنورة، ووجدوا الأمن والأمان، والأخوة الصادقة من الأنصار، وأقاموا شعائر دينهم، فلله الحمد معجزات على طريق الهجرة بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدي ودين الحق، ووعده بالنصر والتأييد، وكان تأييده تعالى لرسوله بأمور كثيرة منها المعجزات والتي هي خوارق العادات، فقد وقعت له معجزات كثيرة ، ومنها ما كان على طريق الهجرة ، وهو ما سنقف عليه في هذه الكلمات. وقعت معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة , ولنقرأ ما سجله الصديق رضي الله عنه عن بداية الرحلة قال : ((أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة , وخلا الطريق فلا يمر فيه أحد , حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل , لم تأت عليه الشمس بعد , فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكاناً ينام فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظلها ثم بسطت عليه فروة . ثم قلت : نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك , فنام)) . ثم حكى أبو بكر خبر مرور راع بهما , فطلب منه لبناً , وصادف استيقاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب ثم قال : ((ألم يأن للرحيل)) قلت : بلى . قال : فارتحلنا بعدما زالت الشمس , وأتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض . معجزة في خيمة أم معبد : وقد اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيمة أم معبد بقديد طالبين القرى , فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها إلا شاة هزيلة لا تدرّ لبناً , فأخذ الشاة فمسح ضرعها بيده , ودعا الله , وحلب في إناء حتى علت الرغوة , وشرب الجميع , ولكن هذه الرواية طرقها ما بين ضعيفة وواهية . إلا طريقاً واحدة يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها ((لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله مالنا شاة , وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسبه - فما تلك الشاة ؟ فأتى بها . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها , ثم حلب عسّاً فسقاه , ثم شربوا , فقال : أنت الذي يزعم قريش أنك صابيء ؟ قال : إنهم ليقولون . قال : أشهد أن ما جئت به حق . ثم قال : أتبعك . قال : لا حتى تسمع أناّ قد ظهرنا . فاتّبعه بعد)) . وهذا الخبر فيه معجزة حسية للرسول صلى الله عليه وسلم شاهدها أبو معبد فأسلم . قصة سراقة بن معبد : ولندع رواية سراقة بن مالك تكمل الخبر التاريخي ففيها تفاصيل تكشف عن المعجزة النبوية . قال سراقة : ((لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً إلى المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم . قال : فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال : والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا عليّ آنفاً إني لأراهم محمداً وأصحابه . قال : فأومأت إليه بعيني أن اسكت . ثم قلت : إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم , قال : لعلّه , ثم سكت)) . ثم ذكر سراقة خروجه في أثرهم , وأن فرسه ساخت به حتى طلب الدعاء له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : قل له وما تبتغي منا ؟ فقال لي ذلك أبو بكر . قال قلت : تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك . قال : اكتب له يا أبا بكر . فكتب لي كتاباً في عظم أو في رقعة أو في خزفة , ثم ألقاه إلي , فأخذته فجعلته في كنانتي , ثم رجعت فسكت , فلم أذكر شيئاً مما كان)) . ثم حكى خبر لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وإسلامه . وقد ذكر سراقة في رواية صحيحة أنه اقترب من الاثنين حتى سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت , وأبو بكر يكثر الالتفات , كما ذكر أنه عرض عليهما الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئاً , وأن وصيته كانت : اخف عنا . وتذكر رواية صحيحة أنه صار آخر النهار مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان جاهداً عليه أوله . وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا عليه فصرعه الفرس . وقد احتاط الاثنان في الكلام مع الناس الذين يقابلونهم في الطريق , فإذا سئل أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا الرجل يهديني السبيل , فيحسب الحاسب إنه إنما يعني الطريق , وإنما يعني سبيل الخير . وقد صح أن الدليل أخذ بهم طريق السواحل وبالجملة: فإن المعجزات جند من جنود الله تعالى أيد بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكرمه بها، فله الحمد في الأولى والآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم . بناء المسجد النبوي إن المساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ومكانة رفيعة، ففيها يعبد الله تعالى ويذكر فيها اسمه، { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح لها فيها بالغدو والآصال رجال...) ولم يكن هديه صلى الله عليه وسلم في المسجد قاصرا على الصلاة فحسب، بل كما كان مكان للعبادة فهو مكان للحكم والقضاء، وإدارة الدولة وسياستها، وتجيش الجيوش وغير ذلك من المهام . ولما كان المسجد بهذه المكانة فأول أمر بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله المدينة بناء المسجد وهذا ما سنقف عليه في المقال التالي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة المنورة يصلي حيث أدركته الصلاة ، ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين ، من بني النجار ، وقد أشترها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام المسلمون بتسويتها ، وقطع نخيلها ، وصفوا الحجارة في قبلة المسجد التي كانت تتجه نحو بيت المقدس آنذاك ، وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم ، وهم يرتجزون . وكانت سواريه من جذوع النخل وأعلاه مظلل بجريد النخل ، ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين . ثم أعيد بناء المسجد سنة 7هـ حيث اشترك في بنائه أبو هريرة ، وطلق بن علي الحنفي ـ أسلما سنة 7هـ وقد جرت توسعة المسجد عند إعادة بنائه هذه. وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم موقع المنبر : وبنى بيوت أزواجه بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ،وتحدد موقع مصلاه بدقة حيث اتخذ محرابا من بعده ، وكانت ثمة اسطوانة تحدد موقعه ، وصارت تمسى باسطوانة المخلفَّة والقرعة ، وهي الآن في ظهر المحراب القديم ، وقد وضع المصحف في صندوق عند هذه الاسطوانة في جيل الصحابة ، وعرف المكان ما بين بيت عائشة رضي الله عنها والمنبر باسم " الروضة ". و تحددت في زمنه صلى الله عليه وسلم اسطوانة التوبة داخل الروضة ، وهي الاسطوانة الرابعة شرق المنبر ، وكان مصلى العيد في زمنه صلى الله عليه وسلم في موقع مسجد الغمامة اليوم ، وكان ما بينه وبين المسجد النبوي مبلطا بالحجارة ويعرف بالبلاط حيث بنى كثير من المهاجرين بيوتهم في جهته. ولم يوقد في حياته صلى الله عليه وسلم في المسجد قنديل ، ولا بسط فيه حصير . وللمسجد أهمية عظيمة في المجتمع الإسلامي ، فهم يجتمعون فيه للصلاة خمس أوقات كل يوم يتقربون إلى الله بالعبادة ، ويتعرفون على أحوال إخوانهم ويتعاونون على البر والتقوى . ثم إن المسجد كان مركزا للقضاء بين الناس ومنطلقا لقوافل الجهاد حيث يعلن فيه النفير . وقد احتل المسجد مكاناً هاماً في تعليم المسلمين وتثقيفهم ، وتلاوة ما ينزل من قرآن ، وقد جلس فيه معلمون لتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة من نتائج الهجرة قيام الدولة الإسلامية لقد تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة , واستقروا في الأرض الجديدة , مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة , بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم , ومواساته بالنفس , حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة ؛ لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . وأبرز نتائج الهجرة تتمثل في قيام الدولة الإسلامية الأولى , وهي أول دولة أقامها نبي في الأرض , وذلك لأن دين الإسلام يجمع ما بين العبادة والتشريع والحكم . وقد هيأت الهجرة الأمة والأرض لإقامة دولة نموذجية تهدف إلى إيجاد ظروف ملائمة لتحقيق العبودية الخالصة لله وحده , ولبناء مجتمع تسوده الأخوة الدينية وينأى عن العصبية الجاهلية , وكانت طاعة الله ورسوله هي الوسيلة لبناء المجتمع والدولة على أسس جديدة . وفيما يلي توضيح لنتائج الهجرة وقيام الدولة الإسلامية . من أسس الدولة : أ- تحقيق العبودية الخالصة لله وحده . أحدث الإسلام نقلة عميقة وشاملة في عالم العقيدة , فلم يعد ثمة مجال لعبادة الأصنام والكواكب والأوهام , ولا لممارسة السحر والكهانة , ولا للتشبث بالتمائم والرقى , بل اتجه سكان الدولة الإسلامية إلى توحيد الله في التصور والعبادة والسلوك , فالله واحد { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}) (البقرة: من الآية163) وهو { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } (الأنعام: من الآية103) ولا يشبه شيئاً من المخلوقات , وقد وصف نفسه بصفات السمع والبصر والعلم والحياة وغيرها من الصفات التي وردت في القرآن والسنة ؛ لكن هذه الصفات لا تماثل صفات المخلوقين{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير } (الشورى: من الآية11) . وأحدث الإسلام انقلاباً جذرياً في حياة الفرد والجماعة , بحيث تغيّر سلوك الأفراد اليومي وعاداتهم المتأصلة تغيراً كلياً , كما تغيرت مقاييسهم وأحكامهم ونظرتهم إلى الكون والحياة . وكذلك تغيرت بنية المجتمع بصورة واضحة , فاختلفت مظاهر وصور , وبرزت معالم وظواهر جديدة . فالنقلة كبيرة بين ما كان عليه الإنسان في جاهليته , وما صار إليه في إسلامه . إذ لم يعد العربي متفلتاً من الضوابط في معاملاته وعلاقاته الاجتماعية , بل صار منضبطاً بضوابط الشريعة الإسلامية في جزئيات حياته من أخلاق وعادات كالنوم والاستيقاظ , والطعام والشراب , والزواج والطلاق , والبيع والشراء , ولا شك أن العادات تتحكم في الإنسان , ويصعب عليه التخلص منها واكتساب عادات وصفات جديدة , ولكن ما ولّده الإسلام في أنفسهم من إيمان عميق مكّنهم من الانخلاع من الشخصية الجاهلية بكل ملامحها واكتساب الشخصية الإسلامية بكل مقوماتها , فاعتادوا على عبادة الله تعالى وحده , بالصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد , وقصده بكل أعمال الخير الأخرى , والتقرب إليه بالذكر والشكر , والصبر على البلوى , والإنابة إليه , والدعاء إليه , والرغبة في فضله ورحمته , وامتلاء القلب بالتوحيد والإخلاص والرجاء . واعتادوا أيضاً على استحضار النية لله في نشاطهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ؛ لان العبادة في الإسلام مفهومها واسع يمتد لكل عمل يقوم به الإنسان إذا قصد به وجه الله وطاعته . وإلى جانب الاعتياد على الطاعات , فإن المسلمين تخلصوا من العادات المتأصلة التي نهى عنها الإسلام كشرب الخمر و الأنكحة الجاهلية والربا ومنكرات الأخلاق من الكذب والخيانة والغش والغيبة والحسد والكبر والظلم ... وهكذا فإن الدولة الإسلامية التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة كونت مجتمعاً ربانياً يسعى أفراده في العمران الأدبي والمادي للأرض ويتطلعون إلى ما عند الله من النعيم المقيم . ب- الأخوة ووحدة الصف : إن الأساس الذي بنيت عليه العلاقات في مجتمع الدولة الإسلامية هو الاخوة الإيمانية التي حددتها الآية الكريمة { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (الحجرات: من الآية10) , فالأخوة الصادقة لا تكون إلا بين المؤمنين , وهم يقفون صفاً واحداً للجهاد في سبيل الله ولبناء قوة الدولة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية , وذلك برص صفوفهم , والتعاون فيما بينهم , وشيوع المحبة والألفة في مجتمعهم . قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } (الصف:4) ج- الطاعة بالمعروف في المنشط والمكره : اتسم جيل الصحابة رضوان الله عليهم بالطاعة الكاملة لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم , فقد كانوا يقرؤون القرآن وكأنه ينزل على كل واحد منهم - رجلاً كان أم امرأة - غضاً طرياً , وكانت لغة التخاطب بينهم هي الفصحى التي نزل بها القرآن , وقد أعانهم ذلك على فهم الخطاب الإلهي بسهولة ويسر , كما ولّد الأثر القوي في نفوسهم , وسرعة الاستجابة التامة لتعاليمه وأحكامه . فكان جيل الصحابة قادراًُ على التخلص من عادات الجاهلية وتقاليدها وأعرافها , حتى لو كانت العادات قد استقرت منذ قرون , وصارت عرفاً مشروعاً وتقليداً مقبولاً . فمن ذلك أنه لما نزل قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (المائدة:90) خرجت الأنصار بدنان الخمر إلى الأزقة وأراقوها وقالوا : انتهينا ربنا انتهينا ربنا . وشرب الخمر الذي أقلعوا عنه كان عادة متأصلة في حياة الفرد والمجتمع , والخمر الذي أراقوه كان مالاً ضحوا به تسليما لله رب العالمين . ومن ذلك أن قوماً من المسلمين وفدوا على رسول الله صلى الله عيه وسلم في أول النهار , فإذا هم عراة حفاة يلبسون أكسية الصوف وعليهم السيوف , فتغيّر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إشفاقا عليهم , وجمع الناس , وحثّهم على الصدقة , وقرأ عليهم الآيات في ذلك ومنها { اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد } (الحشر: من الآية18) فتتابع الناس حتى جمعوا كومين من طعام وثياب , فتهلّل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فرحاً بمبادرة الصحابة إلى معونة إخوانهم وطاعة ربهم وكذلك بادرت الصحابيات إلى طاعة أمر الله تعالى , قالت عائشة رضي الله عنها : "يرحم الله نساء المهاجرات الأول , لما أنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن }( النور 31) شققن مروطهنّ فاختمرن به" رواه البخاري . لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يلتزمون بالبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء الراشدين من بعده , وكان للبيعة قيمة عالية , فهي التزام حرّ , وتعاقد بين الطرفين , وقد دللّوا دائما على صدق التزامهم فلبّوا داعي الجهاد , وخاضوا غمار المعارك في أماكن نائية عن ديارهم , ودفن كثير منهم في أطراف الأرض , وما عرفوا القعود عن الجهاد , والحفاظ على الكرامة ' والذود عن العقيدة . فجزاهم الله عن هذه الامة وهذا الدين خير الجزاء، وسلك بنا سبيلهم، وحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه خير مسؤول. أكتفي الي هنا وباذنه تعالى غدا نكمل من الحديبية إلى تبوك
|
#6
|
|||
|
|||
جزاك الله خير
|
#7
|
||||
|
||||
سيــــــرة النبي صلى الله عليه وسلم كاملــــة
غزوة الطائف بعد أن كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال عام 8هـ قاصداً الطائف يريد فتحها ، وانتدب لتلك المهمة خالد بن الوليد فتح مكة لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وقد كانت غزوة الغابة تعقب القراصنة ، ومطاردتهم ، وإيقافهم عند حدهم ، أمر لا بد منه لاستتاب الأمن ونشر السلام ، وهذا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وخاصة مع الأعراب ، والقبائل التي اعتادت القرصنة والاعتداء أحداث بين غزوة الطائف وغزوة تبوك كانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه حياة جِدِّ وعمل ، ومما يدل على ذلك أحداث السيرة العطرة ، التي يراها الناظر متتابعة متلاحقة في إنجازاتها العظيمة التي تدل ولا شك على عظمة القائد ، وجَلده وصبره في تبليغ الحق الذي جاء به ، والثبات عليه مهما كانت الصعاب والعقبات ، ومعه في ذلك الطريق أصحابه الكرام . فبعد غزوة الطائف التي كانت في شوال سنة 8هـ ، لحقتها عدة أحداث نوجزها باختصار : 1-قدوم وفد هوازن حيث أقبلوا مسلمين طائعين مبايعين ، وكان عددهم أربعة عشر رجلاً ، ويرأسهم زهير بن صُرَد ، وفيهم أبو بُرْقَان عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، وكان من جملة ما طلبوا من الرسول أن يعيد إليهم السبايا التي أصابها المسلمون منهم ، فأجابهم النبي الكريم إلى ذلك بعد استشارة أصحابه ، واستطابة خاطرهم . 2-أداء العمرة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمة غنائم حنين في الجعرانة ، حيث أخّر قسمتها ، أملاً في قدوم وفد هوازن تائبين ، فتُعاد إليهم ، ولما لم يأته أحد قسمها ، ثم أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة منها ، وبعد انتهاء العمرة انصرف من مكة عائداً إلى المدينة بعد تولية عتّاب بن أسيد على مكة ، وكان دخوله المدينة أواخر ذي القعدة سنة 8هـ . 3-البعوث بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، بدأ أوائل سنة 9هـ في بعث الوفود إلى القبائل ، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم ، ويزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار ، وعباد بن بشر الأشهلي إلى سُليم ومزينة ، ورافع بن مكيث إلى جهينة ، وعمرو بن العاص إلى بني فزارة ، والضحاك بن سفيان إلى بني كلاب ، وبشير بن سفيان إلى بني كعب ، وابن اللّتبية الأزدي إلى بني ذبيان ، والمهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ، وزياد بن لبيد إلى حضرموت ، وعدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد ، ومالك بن نويرة إلى بني حنظلة ، والزِّبْرِقَان بن بدر وقيس بن عاصم إلى بني سعد ، والعلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، وعلي بن أبي طالب إلى نجران . وكانت هذه البعوث تقوم بالدعوة إلى الله ، وتعليم الناس أمور دينهم ، وجمع الصدقات ، وأخذ الجزية . 4-السرايا وكما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم البعوث ذات الطابع السِّلمي ، أرسل السرايا التي يغلب عليها الطابع العسكري الجهادي من أجل الوقوف بحزم مع أولئك الذين يثيرون القلاقل بين حين وآخر : فكانت سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم ، في خمسين فارساً . وسرية قُطبة بن عامر إلى حي من خثعم ، في عشرين رجلاً . وسرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب . وسرية علقمة بن مُجزِّر المُدلجي إلى سواحل جُدَّة ، في ثلاثمائة . وسرية علي بن أبي طالب إلى صنم لطيئ من أجل هدمه ، في خمسين ومائة . وكانت نتائج هذه السرايا انتصار المسلمين ، وكسب الغنائم ، مع نيل الشهادة لبعض القادة والمقودين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . تلك بعض الأحداث التي كانت بين غزوتي الطائف وتبوك ، وهي تدل على الصبر والجلد عند أولئك الرجال العظام ، وكيف أنهم كانوا يواصلون الخير والعطاء ، ونشر الهداية بين الناس ، والجهاد في سبيل الله باللسان والسنان دون كلل أو ملل ، وفي ذلك درسٌ عظيم لأمة الإسلام كي تنهض من كبوتها ، وتأخذ بهدي نبيها ، عسى الله أن يجعل لها من بعد عُسرها يُسرا الكتب والرسائل صلح الحديبية بين المسلمين وقريش أتاح فرصة عظيمة للمسلمين للتوجه نحو النشاط الدعوي ، وبداية مرحلة جديدة ، وهي نقل الدعوة الإسلامية إلى أكبر عدد من الناس عن طريق مخاطبة الملوك والأمراء . وبدأت هذه المرحلة من أواخر السنة السادسة ؛ حيث انطلق الرسل يحملون الخير ، ونور الهداية ، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختم النبي صلى الله عليه وسلم ، وموجهة إلى الزعماء ، تدعوهم إلى الإسلام والدخول فيه ، لينالوا ملك الدنيا والآخرة ، ويسعدوا بالسعادة الحقيقية ، التي لا تكون إلا بالعبودية لله بحق ، والبعد عن عبادة غيره ، أو الشرك به ، وهذه هي دعوة الله للناس جميعاً ، قال تعالى : {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(النحل : 36) . فتوجهت الكتب والرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة ، وإلى المقوقس ملك مصر ، وإلى كسرى ملك فارس ، وإلى قيصر ملك الروم ، وإلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين ، وإلى هوذة بن علي صاحب اليمامة ، وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق ، وإلى ملك عُمان جيفر بن الجلندي . وكانت تلك الخطابات تحمل في طيّاتها الرأفة ومحبة الخير والهداية لهم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامهم حرصه على بلوغهم الدعوة الربانية الصافية من كل شائبة ؛ ولذلك عمل بالوسائل الممكنة والمتاحة من انتقاء الرسل ، واختيار الأسلوب المناسب لمضمون كل خطاب . ومع ذلك تبقى الهداية فضلاً من الله يؤتيه من يشاء ، ويمنعه عمن يشاء ، فآمن بعض الملوك ، واتبع الهدى ، فأنقذ نفسه وقومه من ظلمات الكفر ، وبقي البعض على الكفر يتخبط في ظلامه ، طمعاً في جاهٍ زائل ، أو حرصاً على دنيا فانية ، أو خوفاً من حاشيته وقومه، قال تعالى : {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين }(القصص : 56) . وبذلك يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد نقل دعوته المباركة إلى ملوك الأرض ، وعرفهم بالدين الجديد الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين . ومن خلال هذا المنبر ندعو الناس جميعاً للدخول في الإسلام ، الذي جاء بالأمن والسلام ، والسعادة والاطمئنان ، والحذر من الشرك بالله {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}(النساء : 48) غزوة حنين كان فتح مكة أعظم فتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فبهذا الفتح أحكم المسلمون السيطرة على الجزيرة العربية عموماً، وأصبحوا سادتها، ومن ثَمَّ انزعجت القبائل المجاورة لقريش من انتصار المسلمين ، خاصة هوازن و ثقيف فإنهما فزعتا من أن تكون الضربة القادمة من نصيبهم، فقالوا: لِنغزوا محمداً قبل أن يغزونا، واستعانت هاتان القبيلتان بالقبائل المجاورة ، وقرروا أن يكون مالك بن عوف - سيد بني هوازن - قائد جيوش هذه القبائل التي ستحارب المسلمين. ثم بدأ مالك في إعداد العدة والتخطيط لخوض الحرب ضد المسلمين، وكان مالك شجاعاً مقداماً، لكنه سقيم الرأي، قليل التجربة، فقد جعل من ضمن خطته أن يخرج معهم النساء والأطفال والمواشي والأموال ويجعلوهم في آخر الجيش، ليشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها. وهذا من جهله، فإن الهارب من ساحة القتال لا يرده شيء وقد انخلع قلبه وخاف، ولكن أراد الله أن تكون نساؤهم وأموالهم غنيمة للمسلمين. ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك خرج إليهم في أصحابه وكان ذلك في شهر شوال من العام الثامن للهجرة، وكان عدد المسلمين اثني عشر ألفاً من المجاهدين، عشرة آلاف من الذين شهدوا فتح مكة ، وألفان ممن أسلموا بعد الفتح من قريش . ونظر المسلمون إلى جيشهم الكبير فاغتروا بالكثرة، وقالوا لن نغلب اليوم من قلة، لأنهم وهم قلة كانوا يكسبون المعارك، فكيف وهم اليوم يخرجون في عدد لم يجمعوا مثله من قبل، حيث بلغ عددهم اثنا عشر ألفاً، ولكنْ أراد الله لهم أن يعرفوا أن الغلبة ليست بالكثرة، قال تعالى: {ويومَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعجبتْكم كَثْرَتكُمْ فلم تُغنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأَرض بما رحُبت ثمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبرين} (التوبة:25) وبلغ العدو خبر خروج المسلمين إليهم، فأقاموا كميناً للمسلمين عند مدخل الوادي، وكان عددهم عشرين ألفاً . وأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى نزلوا بالوادي . وكان الوقت قبيل الفجر ، والظلام يخيم على وادي حنين. وفوجئ المسلمون عند دخول الوادي بوابل من السهام تنهال عليهم من كل مكان . فطاش صواب طائفة من الجيش ، واهتزت صفوفهم، وفر عددٌ منهم . ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم تراجع بعض المسلمين نادى فيهم بقوله: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادي في الناس ، فقال : يا معشر الأنصار، يا معشر المهاجرين، يا أصحاب الشجرة - أي أصحاب البيعة - . فحركت هذه الكلمات مشاعر الإيمان والشجاعة في نفوس المسلمين ، فأجابوه : لبيك يا رسول الله لبيك . وانتظم الجيش مرةً أخرى ، واشتد القتال . وأشرف الرسول صلى الله عليه وسلم على المعركة وقال (الآن حمي الوطيس) رواه مسلم - أي اشتدت الحرب - . وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون ، وولوا الأدبار تاركين غنائم هائلة من النساء والأموال والأولاد، حتى إن عدد الأسرى من الكفار بلغ في ذلك اليوم ستة آلاف أسير، وهكذا تحولت الهزيمة إلى نصر بفضل الله تعالى ورحمته، ومرت الأيام فإذا بوفد من هوازن يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعلن ولاءه للإسلام ، وجاء وفد من ثقيف أيضاً يعلن إسلامه . وأصبح الذين اقتتلوا بالأمس إخواناً في دين الله. وكانت حنين درساً استفاد منه المسلمون، فتعلموا أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة، وأن الاعتزاز بذلك ليس من أخلاق المسلمين، وإنما الاعتماد على الله وحده، والثقة بنصره بعد فعل الأسباب، وأن ينصروا الله تعالى، فمن ينصر الله ينصره، قال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. (محمد:7) عمرة القضية فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً عمرة القضية . حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها ، إلا الحجف والمجان والنبل والرماح . ودخلوا بسلاح الراكب -السيوف- وبعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث يخطبها ، فجعلت أمرها إلى العباس فزوجه إياها . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر أصحابه أن يكشفوا عن المناكب ويسعوا في الطواف ، ليرى المشركون قوتهم-وكان يكايدهم بكل ما استطاع - فوقف أهل مكة -الرجال والنساء والصبيان- ينظرون إليه وإلى أصحابه ، وهم يطوفون بالبيت . وعبد الله بن رواحة ، آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز يقول : خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله قد أنزل الرحمن في تنزيله في صحف تتلى على رسوله بأن خير القتل في سبيله يارب إني مؤمن بقيله إني رأيت الحق في قبوله اليوم نضربكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله فأقام بمكة ثلاثة ، ثم أتاه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد ا لعزى ، فصاح حويطب : نناشدك الله والعقد، لما خرجت من أرضنا، فقد مضت الثلاث ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل . ثم دخلت السنة الثامنة حركات جهادية بين مؤته وفتح مكة بعد أن قويت شوكة الإسلام وأرسى دعائم دولته ، دخلت فيه بعض القبائل ، ولَمّا يتمكن الإيمان من قلوبها ، ولم تكن مهيأة بعد لاحتمال مشاق الدعوة وعقبات الطريق ...وإن شئت قل : إن دخول تلك القبائل في الإسلام لم يكن موقفاً خالياً من المصالح الذاتية التي بدت لهم ، ولذلك نجدهم يتراجعون عند أول صدمة ، بل ينتهزون الفرص لبث الفوضى ، وإثارة القلاقل ، وتأليب الناس على المسلمين . وهذا ما كان من شأن قبائل قُضاعة . فبعد عودة المسلمين من غزوة مؤتة إلى المدينة ، جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً يتكون من ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار بقيادة عمرو بن العاص إلى "ذات السلاسل" - بمشارف الشام- بهدف تأديب قبائل قُضاعة التي غرّها ما أصاب المسلمين في مؤته ، مما دفعها إلى التعاون مع الروم ، والعمل على مهاجمة المدينة . وعندما وصل عمرو إلى القوم ورأى كثرة تجمعهم ، أرسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره بأمرهم ، فأمدّه بمائتي مجاهد بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ، فاتحدوا جميعاً ، واتجهوا إلى بلاد قُضاعة ، حتى أتوا على أقصى البلاد ، وفرقوا جمعهم ، وحمل المسلمون على من بقي منهم فلم يثبتوا أمام المؤمنين ، وفروا هاربين منهزمين ، وكتب الله النصر لعباده ، ونجح المسلمون في إرجاع هيبة الإسلام بأطراف الجزيرة الشمالية ، ناحية الشام ، مما كان له الأثر في عودة القبائل إلى أحلافها مع المسلمين ، وإسلام الكثيرين من بني عبس وذبيان ومرة وفزارة ، ثم تبعهم بنو سُليم وعلى رأسهم العباس بن مرداس ، وبنو أشجع ، حتى قوي شأن المسلمين ، ووافق بعث هذه السرية في جمادى الآخرة سنة 8 هـ . وفي رجب من العام نفسه لحقتها سرية الخبط ، بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ، في ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار ، وزودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جراباً من تمر ، فكان أبو عبيدة يقبض لهم قبضة ثم تمرة تمرة ، فكان أحدهم يلوكها ، ويشرب عليها الماء ، فلما نفد ما عندهم أكلوا الخبط - ورق السمر- ، وأصابهم جوع شديد ، ثم أنعم الله عليم بحوت ضخم ، يقال له "العنبر" ، ألقى به البحر إليهم ميتاً ، فأكلوا منه حتى شبعوا ، وأحضروا منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيح : ( كلوا رزقاً أخرجه الله ، أطعمونا إن كان معكم ، فأتاه بعضهم بعضو ، فأكله ) متفق عليه . وفي شعبان من العام نفسه لحقتها سرية " أبي قتادة " ومعه عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة ، لكسر شوكة قيس بن رفاعة الذي كان يريد جمع قيسٍ على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عدد السرية خمسة عشر رجلاً ، فتم قتل زعيمهم ، وشُرِّد أتباعه ، وعاد المسلمون إلى المدينة منتصرين غانمين . وفي أول شهر رمضان سنة 8هـ اتجهت سرية لأبي قتادة إلى بطن إِضَم - موضع ماء بين مكة واليمامة - ، في ثمانية نفر ، بهدف التمويه على قريش ، لتذهب الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجه إلى تلك الناحية . تلك البعوث الجهادية وغيرها يؤخذ منها دروس وعبر ، تتعلق بتدريب القادة العظام ، وتأهيل المجاهدين الأفذاذ , والتربية على الصبر والطاعة ، والعمل على تأمين حدود دولة الإسلام ، وإعادة ضعاف القلوب إلى الإسلام ، وإيقاف من تسول له نفسه المساس بالمسلمين عند حده ، فأهل الإسلام قد يُبتلون في بعض المواقف ، كما كان الأمر في غزوة أحد ومؤته ، لكنهم سرعان ما يعودون إلى كسب النصر والتأييد والتمكين ، بتوفيق الله لهم وإنجاز وعده . وذلك لأنهم أصحاب الدين الخاتم ، الذي يحمل للإنسانية الخير والسعادة ، فهم يهدفون في كل تحركاتهم نفع الناس ، بدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته واتباع دينه ، قال تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِينَ } (البقرة:193) فوائد من فتح مكة ( 1 ) كان فتح مكة أهم فتح للإسلام والمسلمين ، أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم خاصة والمسلمين عامة ، فقد جاء هذا الفتح المبارك بعد سنوات متواصلة من الدعوة والجهاد لتبليغ رسالة الإسلام ، فتوج مرحلة مهمة من مراحل الدعوة الإسلامية ، وكان أشبه ما يكون بنهاية المطاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الدار ، وبداية المطاف لمن بعده لإتمام مهمة نشر الدعوة في أرجاء الأرض كافة . ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا : إن فتح مكة يحمل من الدلالات والفوائد والعبر ما لا يحيط به كتاب فضلا أن يحيط به مقال كهذا ، وحسبنا في هذا المقام أن نقف عند بعض الفوائد والدلائل التي حملها ذلك الحدث التاريخي ، لنعرف أهميته في تاريخ الإسلام ، وندرك مكانته في مسيرة الدعوة إلى الله سبحانه . إن من أولى فوائد فتح مكة أنه انتزع تلك البقعة المباركة من براثن الشرك، وضمها لحمى التوحيد . فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فكان من أول ما فعل أن كسَّر الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وهو يردد قوله تعالى:{ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} ( الإسراء : 81 ) وقوله : { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }(سـبأ:49) ، وصعد بلال على سطح الكعبة وصدح بالأذان ، فكانت كلماته تتردد في أرجاء مكة معلنة انتهاء عهد الخرافة والشرك ، وبدء عصر النور والتوحيد . وقد كان من فوائد فتح مكة رفعُ سيف الكفر المسلط على رقاب المستضعفين من أهل مكة - سواء ممن أسلم ، أو ممن كان يرغب في الإسلام - الذين أرهبهم سيف قريش ، وسَلَبَ حقهم في اختيار الدين الحق ، فجاء ذاك الفتح ليرفع السيف عن رقابهم وليدخلوا في دين الله دون خوف أو وجل . ومما أسفر عنه هذا الفتح العظيم تحطيم وإزالة رهبة قريش من قلوب قبائل العرب ، التي كانت تؤخر إسلامها لترى ما يؤول إليه حال قريش من نصر أو هزيمة، روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة : " أن العرب كانت تَلَوَّمُ - تنتظر - بإسلامها الفتح ، يقولون انظروا فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم " . وكان من فوائد هذا النصر المبارك زيادة إيمان المؤمنين بتحقق وعد ربهم ، دخول البيت والطواف به ، بعد أن منعهم منه المشركون، فقال سبحانه { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُون }( الفتح: من الآية27) . ومن فوائد فتح مكة اكتساب المسلمين شرف حماية البيت وخدمته ، مما جعل لهم من المكانة عند العرب نظير ما كان لقريش من قبل ، بل وأعظم . ومن فوائد فتح مكة تضعضع مركز الكفر والشرك في جزيرة العرب ، وتحول رؤوس الكفر إلى القتال على جبهات ليس لها منزلة ولا مكانة عند العرب كثقيف وهوازن ، وما هي إلا جولة أو جولتان حتى خضعت جزيرة العرب للحكم الإسلامي ، وأصبحت الجزيرة مركزاً لنشر الدين الجديد وانطلقت الجيوش المسلمة الفاتحة لتدك عروش كسرى وقيصر ، ولتخضع أكبر إمبراطوريات الشر لحكم الدين الإسلامي. ومن أهم الدلالات التي أفصح عنها فتح مكة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها الذين ناصبوه العداء منذ أن بدأ بتبليغ دعوته ، فبعد أن أكرمه الله عز وجل بدخول مكة توجه إلى أهلها ليقول لهم ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) رواه البيهقي فيا له من موقف كريم يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين . هذه بعض فوائد فتح مكة ، ذلكم الفتح الذي ليس ثمة فتح يوازيه في مكانته وأهميته ، حتى سماه العلماء الفتح العظيم ، وذلك لما ترتب عليه من نتائج عظيمة ليس أقلها إعادة أعظم بقعة في الأرض من براثن الشرك إلى حمى التوحيد ، وليس أدناها اقتران هذا الفتح المبارك بدخول الناس في دين الله أفواجاً ، كما قال تعالى { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } ( النصر:1-3 ) غزوة مؤتة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي رسولاً إلى ملك بصرى من أرض الشام يدعوه إلى الإسلام ، فما كان من ملك بصرى إلا أن قتل رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج ومقاتلة الروم ، فسرعان ما اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف مقاتل ، فعقد الراية لثلاثة منهم وجعل إمرتهم بالتناوب ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ) رواه البخاري ومسلم ، فتجهز الناس وخرجوا ، وكان ذلك يوم الجمعة من السنة الثامنة للهجرة النبوية ، وودعهم المسلمون قائلين : " صحبكم الله ، ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ، فقال عبد الله بن رواحة : لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبــدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا وسار المسلمون حتى نزلوا معانا - اسم قرية - من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليه مائة ألف أخرى من القبائل العربية الموالية له كلخم ، وجذام ، وبلقين ، وبهراء ، فاجتمع لهرقل مائتي ألف مقاتل ، فعقد المسلمون مجلسا للتشاور ، فقال بعضهم : نكتب للنبي صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له ، فقام عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، وقال لهم : يا قوم والله للذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة ، ما نقاتل الناس بعدد ، ولا عدة ، ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور ، وإما شهادة ، فقال الناس : صدق والله ابن رواحة ، فمضوا حتى إذا قاربوا البلقاء - منطقة بالشام - ، لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية يقال لها مشارف ، فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة وتسمى اليوم بالكرك ، فالتقى الناس عندها ، فتجهز المسلمون وجعلوا على ميمنة الجيش قطبة بن قتاة رجل من بني عذرة ، وعلى الميسرة عباية بن مالك رجل من الأنصار . والتحم الجيشان وحمي الوطيس ، واقتتلوا قتالا شديداً ، وقتل أول قادة المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه ، مقبلاً غير مدبر ، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيمينه ، وأخذ ينشد : يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إن لا قيتها ضرابها فقطعت يمينه رضي الله عنه ، فأخذ الراية بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه حتى قتل رضي الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، ثم تقدم بها على فرسه فجعل يستنزل نفسه ، ويقول : أقسمت يا نفس لتنزلن لتنزلنه أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة قد طال ما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنة ثم تقدم رضي الله عنه فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية ثابت بن أرقم فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، فقالوا : أنت فقال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد . وبعد أن استلم الإمرة خالد انتهج خطة جديدة في مواجهة العدو حيث حوَّل الميسرة ميمنة ، والميمنة ميسرة ، والمؤخرة مقدمة والعكس ، فظن الروم أن المسلمين جاءهم مدد ، فلما حمل عليهم المسلمون هزموهم بإذن الله ، غير أن خالدا لم يتبع أدبارهم بل رجع بالجيش إلى المدينة وهناك عاتبهم المسلمون ، قائلين لهم : لهم أنتم الفرار فقال صلى الله عليه وسلم بل هم الكرار إن شاء الله . هذه هي غزوة مؤتة تكاد تتفجر عظة وعبرة ، فما إن يقرأ القارئ هذه الأحداث إلا ويجد الإعجاب قد عقد لسانه ، فأي بشر هؤلاء ، يقفون بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل أمام جيش هائل قوامه مائتي ألف مقاتل ، إن تصورا سريعا للقوتين ليعطي نتائج حاسمة بانتصار الجيش الكبير على الجيش المقابل ، ومع ذلك يتقدم المسلمون على قلة عددهم ، وضعف عُدَدَهِم - آلة الحرب - ليضربوا أعظم صور التضحية والفداء ، بل ولينتصروا على ذلك العدو ، في أعظم مهزلة يتعرض لها جيش الإمبراطورية الرومانية ، إن غزوة مؤتة بكل المقاييس العسكرية معجزة من المعجزات ، وكرامة من الكرامات ، لقد وضعت معركة مؤتة القاعدة العسكرية الإسلامية في مواجهة العدو ، فنحن لا نقاتل بعدد ولا عدة ولكن نقاتل بهذا الدين ، فإذا تمحض قتالنا نصرة لدين الله ، وقمنا - ما استطعنا - بما أوجبه الله علينا من الأخذ بالأسباب الظاهرة ، كان النصر حليفنا بإذن الله . إن ما يتمتع به المسلم من حب البذل والتضحية بالنفس والمال في سبيل هذا الدين نابع من إيمانه بالله ويقينه بما عنده ، فهل تُحيا في الأمة هذه البسالة ، وهل نستخلص من غزوة مؤتة - خاصة - وتاريخ المسلمين الجهادي - عامة - دروسا تزرع التضحية والفداء في قلوب فتيانه حتى يعود للأمة سابق مجدها وغابر عزها ، نسأل المولى الكريم أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا إن ولي ذلك والقادر عليه غزوة حنين قال ابن إسحاق : لما سمعت هوازن بالفتح ، جمعها مالك بن عوف النصري مع هوازن ثقيف كلها . فلما أجمع مالك السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم ، فلما نزل بأوطاس ، اجتمعوا إليه . وفيهم دريد بن الصمة الجشمي ، وهو شيخ كبير ، ليس فيه إلا رأيه ، وكان شجاعاً مجرباً . فقال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس. قال : نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس . ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء؟ قالوا : ساق مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم . قال : أين مالك ؟ فدعي له ، فقال : إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام ، فلم فعلت هذا ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ، ليقاتل عنهم. قال : راعي ضأن والله ، وهل يرد المنهزم شئ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك : فضحت في أهلك ومالك . ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد . قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغيبوا، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعو ف بن عامر . قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران . يا مالك ! إنك لم تصنع بتقديم البيضة -بيضة هوازن- إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم ، وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل . فإن كانت لك : لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذاك وقد أحرزت أهلك ومالك . قال . والله لا أفعل ، إنك قد كبرت وكبر عقلك ، والله لتطيعنني يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ، أو رأي . قالوا : أطعناك ، فقال دريد : هذا يوم لم أشهده ، ولم يفتني . ياليتني فيها جذع أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع ثم قال مالك : إذ رأيتموهم ، فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد . ثم بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب والهلع . فقال لهم : ويلكم ، ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد . ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . بعث إليهم عبد الله بن حدرد الأسلمي . وأمره أن يداخلهم حتى يعلم علمهم . فانطلق . فداخلهم حتى علم ما هم عليه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر . فلما أراد المسير ، ذكر له : أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً -وهو يومئذ مشرك-، فقال له : يا أبا أمية ! أعرنا سلاحك هذا ، نلق فيه عدونا غداً، فقال : أغصباً يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة ، حتى نؤديها إليك، فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح . فخرج صلى الله عليه وسلم ، ومعه ألفان من أهل مكة ، وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفاً. واستعمل عتاب بن أسيد على مكة . فلما استقبلوا وادي حنين ، انحدروا في واد من أودية تهامة أجوف في عماية الصبح . قال جابر : وكانوا قد سبقونا إليه ، فكمنوا في شعابه ومضايقه ، قد تهيئوا . فوالله ما راعنا إلا الكتائب ، قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، فانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد . وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ، ثم قال :أيها الناس ! أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله، وبقي معه نفر من المهاجرين ، وأهل بيته ، فاجتلد الناس فوالله ما رجعت الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى عند رسول الله . وكانوا حين رأوا كثرتهم قالوا : لن نغلب اليوم عن قلة ، فوقع بهم ما وقع من ابتلاء الله لقولهم ذلك . قال ابن إسحق : ولما وقعت الهزيمة تكلم رجال من جفاة أهل مكة بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وصرخ جبلة بن الحنبل : ألا بطل السحر اليوم . فقال له أخوه صفوان بن أمية -وكان بعد مشركاً- : اسكت ، فض الله فاك ، فوالله لأن يريبي رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن . وذكر ابن إسحاق عن شيبة بن عثمان الحجبي ، قال : لما كان يوم الفتح قلت : أسير مع قريش إلى هوازن ، لعلي أصيب من محمد غرة. فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول : لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا تبعه ، ما اتبعته أبداً. فلما اختلط الناس ، اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف ، فدنوت أريد ما أريد ، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره . فرفع لي شواظ من نار كالبرق ، كاد أن يمحشني . فوضعت يدي على بصري خوفاً عليه ، فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداني : يا شيب ، أدن مني ، فدنوت منه ، فمسح صدري . ثم قال : اللهم أعذه من الشيطان ، فو الله لهو كان ساعئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي . ثم قال : أدن ، فقاتل ، فتقدمت أمامه أضرب بسيفي . الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي . ولو لقيت تلك الساعة أبي لأوقعت به السيف . فجعلت ألزمه فيمن لزمه ، حتى تراجع الناس، وكروا كرة رجل واحد. وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستوى عليها. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم حتى تفرقوا [في كل وجه] ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معسكره ، فدخل خباءه ، فدخلت عليه ، ما دخل عليه غيري ، حباً لرؤية وجهه ، وسروراً به ، فقال : يا شيب ! الذي أراد الله لك ، خير من الذي أردت لنفسك . قال العباس : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكنت امرءاً جسيماً شديد الصوت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين رأى ما رأى من الناس- : إليَّ أيها الناس ، أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ، فلم أر الناس يلوون على شئ ، فقال : أي عباس ، اهتف بأصحاب السمرة ، فناديت : يا أصحاب السمرة ! يا أصحاب سورة البقرة ! فكان الرجل يريد أن يرد بعيره فلا يقدر ، فيأخذ سلاحه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، ويؤم الصوت ، فأتوا من كل ناحية : لبيك ، لبيك ، حتى إذا اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة استقبلوا الناس، فاقت تلوا ، فكانت الدعوة أولاً : يا للأنصار، يا للأنصار، ثم خلصت الدعوة : يا لبني الحارث بن الخزرج ، وكانوا صبراً عند الحرب . وفي صحيح مسلم : ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات ، فرمى بها وجوه القوم ، ثم قال : انهزموا ، ورب محمد، فما هو إلا أن رماهم ، فما زلت أرى حدهم كليلاً ، وأمرهم مدبراً . ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ، ومعهم مالك بن عوف . وعسكر بعضهم بأوطاس . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر من توجه نحو أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك بعضهم فناوشوه القتال ، فهزمهم الله تعالى . وقتل أبو عامر، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، فلما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اللهم أغفر لأبي عامر وأهله ، وأجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك . [وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم أن تجمع ، وكان السبي ستة آلاف رأس ، والإبل : أربعة وعشرين ألفاً ، والغنم : أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة ، فاستأنى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم] . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدموا موالين مسلمين ، بضع عشرة ليلة . ثم بدأ بالأموال فقسمها . وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس . فأعطى أبا سفيان مائة من الإبل ، وأربعين أوقية. وأعطى ابنه يزيد مثل ذلك وأعطى ابنه معاوية مثل ذلك. وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه ، وذكر ابن إسحاق أصحاب المائة وأصحاب الخمسين . ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الغنائم والناس ، ثم فضها على الناس . قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شئ ، وجدت الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله قومه . فدخل عليه سعد بن عبادة ، فذكر له ذلك ؟ فقال :فأين أنت من ذلك يا سعد؟، قال: يا رسول الله ! ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين ، فتركهم فدخلوا . وجاء آخرون فردهم ، فلما اجتمعوا أتاه سعد فأخبره . فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : يا معشر الأنصار ، ما مقالة بلغتني عنكم ؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً، فه داكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي، قالوا : الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال : ألا تجيبوني ، يا معشر الأنصار؟ . قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله ولرسوله المن والفضل . قال : أما والله ، لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم ، أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فآسيناك . أوجدتم علي يا معشر الأنصار! في أنفسكم في لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار : أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده ! لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار . ولو سلك الناس شعباً ووادياً، وسلكت الأنصار شعباً ووادياً، لسلكت شعب الأنصار وواديها . الأنصار شعار ، والناس دثار اللهم أرحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار. قال : فبكى القوم ، حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسماً وحظاً . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا. وقدمت الشيماء بنت الحارث -أخت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة- فقالت : يا رسول الله ! أنا أختك . فبسط لها رداءه . وأجلسها عليه . وقال : إن أحببت فعندي مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك. فقالت : بل تمتعني ، وتردني إلى قومي . ففعل وأسلمت . فأعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعماً وشاء . اكتفي الي هنا ولنا تكملة بمشيئة الله تعالى غدا شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
|
#8
|
||||
|
||||
جزاكي الله خير
|
#9
|
||||
|
||||
أخي الكريم داعية
بارك الله فيك وجعلها الله في ميازين حسناتك ونعم من أهم العلوم هي علوم السيرة النبوية اللهم صلي على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بهدى إلى يوم الدين واحشرنا بهم في جنات الخلد خالدين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الرحمين والحمد لله رب العالمين
|
#10
|
||||
|
||||
سيــــــرة النبي صلى الله عليه وسلم كاملــــة
معجزة القرآن الكريم الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الخلق ، واختص الثقلين - الجن والإنس - بالتكليف، فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، إرشاداً وبياناً وإقامة للحجة، وكان آخر رسله محمداً صلى الله عليه وسلم. وقد نطق الجماد والحيوان من المعجزات والآيات التي أُعطي إياها النبي صلى الله عليه وسلم ، تأييداً لدعوته، وإكراماً له، وإعلاءً لقدره، إنطاق الجماد له، وتكلم الحيوان إليه، الأمر الذي ترك أثره في النفوس، وحرك العقول، ولفت انتباه
معجزة انشقاق القمر من المعجزات التي أيَّد الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، معجزة انشقاق القمر إلى شقين، حتى رأى بعض الصحابة جبل حراء بينهما. وكان وقوع هذه المعجزة قبل الهجرة النبوية عندما طلب منه كفار مكة آية الإخبار عن المغيبات من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم إخباره عن الكثير من المغيبات ، سواء ما حدث منها قبل بعثته أم بعدها، أو ما تعلق بأخبار حياة البرزخ ، وأحداث يوم القيامة والجنة والنار، أو الإخبار عن العوالم الأخرى، كالجن وغيرها. فمما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن الأمم السابقة قصة جريج العابد، التي ثبتت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج يصلي، فجاءته أمه، فدعته، فأبى أن يجيبها، فقال: أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فقالت امرأة: لأفتنن جريجاً، فتعرضت له، فكلمته، فأبى، فأتت راعياً، فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت: هو من جريج، فأتوه، وكسروا صومعته، فأنزلوه، وسبوه، فتوضأ، وصلى، ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا إلا من طين ) فهذه من الأخبار الماضية التي وقعت في الأمم السابقة وأخبر عنها صلى الله عليه وسلم. ومن المغيبات ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بذكر منازلهم في الجنة، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الراشدين ، وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً مما لا يسع المجال لذكره ، وكذلك ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض زوجاته ، فقال: ( بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ) متفق عليه. وبشر مؤذنه بلال رضي الله عنه بقوله: ( فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ) متفق عليه. ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن أناسٍ أنهم من أهل النار، من ذلك ما ثبت في الصحاح من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة، ولا فاذة، إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، فجرح الرجل جرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه- أي طرفه- بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً، أنه من أهل النار- وذكرنا قصته - ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري . ومن المغيبات - غير ما تقدم- إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن وعلامات الساعة وهذا كثير؛ من ذلك ما رواه أسامة رضي الله عنه قال: ( أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم- أي حصن - من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال، ما حدث به نبي قومه، إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه ) متفق عليه. وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم - خيمة من جلد-، فقال: اعدد ستاً بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص- أي مثل داء يميت الدواب فجأة- الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة، تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية -راية-، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ) رواه البخاري . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تقاتلون اليهود، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله ) متفق عليه. ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن العوالم الأخرى؛ كالجن والملائكة وغيرها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير ) رواه مسلم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم . تلك المغيبات وغيرها كثير من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، التي خُصَّ بها، كان لها من الفوائد العظيمة، والآثار الجليلة، ما جعل رسالة الإسلام مميزة على غيرها من الشرائع ، محفوظة بحفظ الله لها ومؤيدة بتأييده إياها، لا يعرفها أحد معرفة صحيحة إلا سلّم القياد لها وأذعن لحكمها، ولا ينصفها شخص إلا دخل في ركابها وسار على هديها، إنها الرسالة الخاتمة، العامة، الشاملة خلقه في الوفاء مما تحلى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، من الأخلاق الفاضلة ، والشمائل الطيبة ، الوفاء بالعهد ، وأداء الحقوق لأصحابها ، وعدم الغدر ، امتثالاً لأمر الله في كتابه العزيز حيث قال{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} (الأنعام 152) . وتخلق الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الكريم ظاهر بيّن ، سواء في تعامله مع ربه جل وعلا ، أو في تعامله مع أزواجه ، أو أصحابه ، أو حتى مع أعدائه . ففي تعامله مع ربه كان صلى الله عليه وسلم وفياً أميناً ، فقام بالطاعة والعبادة خير قيام ، وقام بتبليغ رسالة ربه بكل أمانة ووفاء ، فبيّن للناس دين الله القويم ، وهداهم إلى صراطه المستقيم ، وفق ما جاءه من الله ، وأمره به ، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (سورة النحل 44) . وكان وفياً مع زوجاته ، فحفظ لخديجة رضي الله عنها مواقفها العظيمة ، وبذلها السخي ، وعقلها الراجح ، وتضحياتها المتعددة ، حتى إنه لم يتزوج عليها في حياتها ، وكان يذكرها بالخير بعد وفاتها ، ويصل أقرباءها ، ويحسن إلى صديقاتها ، وهذا كله وفاءاً لها رضي الله عنها . وكان وفياً لأقاربه ، فلم ينس مواقف عمه أبي طالب من تربيته وهو في الثامنة من عمره ، ورعايته له ، فكان حريصاً على هدايته قبل موته ، ويستغفر له بعد موته حتى نهي عن ذلك . وكان من وفائه لأصحابه موقفه مع حاطب بن أبي بلتعة مع ما بدر منه حين أفشى سر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في أشد المواقف خطورة ، حيث كتب إلى قريش يخبرها بمقدم رسول الله وجيشه ، فعفى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفاءاً لأهل بدر ، وقال : (إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) رواه البخاري و مسلم . أما وفاؤه لأعدائه فظاهر كما في صلح الحديبة ، حيث كان ملتزماً بالشروط وفياً مع قريش ، فعن أنس رضي الله عنه أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قال سهيل : أما باسم الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ، ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم ، فقال : اكتب من محمد رسول الله ، قالوا : لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك ، ولكن اكتب اسمك ، واسم أبيك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب من محمد بن عبد الله ، فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، أن من جاء منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقالوا : يا رسول الله أنكتب هذا ، قال نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا) رواه مسلم . وتم إرجاع أبي بصير مع مجيئه مسلماً وفاءاً بالعهد . وعن حذيفة بن اليمان قال : ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل ، فأخذنا كفار قريش ، قالوا : إنكم تريدون محمدا ، فقلنا : ما نريده ، ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ، ولا نقاتل معه ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر ، فقال : (انصرفا ، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)رواه مسلم . وعدّ صلى الله عليه وسلم نقض العهد ، وإخلاف الوعد من علامات المنافقين ، فقال : (آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم . هذا هو وفاء النبي العظيم ، أَنْعِم به من خلق كريم ، تعددت مجالاته ، وتنوعت مظاهره ، فكان لكل صنف من الناس نصيب من وفاءه صلى الله عليه وسلم ، فهل أنت أخي المسلم ... أختي المسلمة لكم نصيب من خلق نبيك ورسولك؟ عدل النبي صلى الله عليه وسلم العدل خلق كريم وصفة عظيمة جليلة ، محببة إلى النفوس ، تبعث الأمل لدى المظلومين ، ويحسب لها الظالمون ألف حساب ، فالعدل يعيد الأمور إلى نصابها ، وبه تؤدى الحقوق لأصحابها ، به يسعد الناس ، وتستقيم الحياة ، ما وجد العدل في قوم إلا سعدوا ، وما فقد عند آخرين إلا شقوا العدل خلق العظماء ، وصفة الأتقياء ، ودأب الصالحين ، وطريق الفلاح للمؤمنين في الدنيا ويوم الدين . تحلى به الأنبياء والصالحون والقادة والمربون ، وكان أعظمهم في ذلك ،وأكثرهم قدراً ونصيباً سيد العالمين ، وخاتم الرسل أجمعين ، محمد بن عبدالله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم . فالعدل خلق من أخلاقه ، ضمن شمائله العظيمة ، وصفاته الجليلة ، عدل في تعامله مع ربه جل وعلا ، وعدل في تعامله مع نفسه ، وعدل في تعامله مع الآخرين ، من قريب أوبعيد ، ومن صاحب أو صديق ، ومن موافق أو مخالف ، حتى العدو المكابر، له نصيب من عدله صلى الله عليه وسلم ، وكيف لا يعدل من خوطب بقول واضح مبين، {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} (المائدة:8) ، فكان يمتثل أمر الله عز وجل في كل شأن من شؤونه ، مع أصحابه وأعدائه ، آخذاً بالعدل مع الجميع . يعترض عليه القوم ويخطئ في حقه أناس ، فلا يتخلى عن العدل ، بل يعفو ويصفح ، كما في حادثة يرويها أبو سعيد الخدري قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر ، الأقرع بن حابس الحنظلي ، وعيينة بن بدر الفزاري ، وعلقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب ، وزيد الخير الطائي ، ثم أحد بني نبهان ، فغضبت قريش ، فقالوا : أتعطي صناديد نجد وتدعنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم ، فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس ، فقال اتق الله يا محمد ، قال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ، ولا تأمنوني ) رواه البخاري و مسلم . ويظهر هذا الخلق العظيم منه صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة ، عندما يطلب ممن ظن أنه أخطأ في حقه ، أن يستوفي حقه ، بالقود منه ، فعن أبي سعيد الخدري قال (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا ، أقبل رجل فأكب عليه ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه ، فخرج الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعال فاستقد ، قال : بل قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي . والعدل ملازم للرسول صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله ، فهو يكره التميز على أصحابه ، بل يحب العدل والمساواة ، وتحمل المشاق والمتاعب مثلهم ، فعن عبد الله بن مسعود قال (كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: وكانت عقبة -دور- رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا : نحن نمشي عنك، فقال : ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) رواه أحمد في مسنده. ولم ينشغل صلى الله عليه وسلم بالدولة وقيادتها ، والغزوات وكثرتها ، عن ممارسة العدل في نطاق الأسرة الكريمة ، وبين زوجاته أمهات المؤمنين ، فقد (كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) رواه الترمذي وفيه ضعف ، ومعنى قوله لا تلمني فيما تملك ولا أملك، أي الحب والمودة القلبية ، كما قال أهل العلم . وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها) رواه البخاريومسلم . فعن أنس قال( أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاما في قصعة ، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : طعام بطعام ، وإناء بإناء) رواه الترمذي وحسنه ، والحديث في البخاري بلفظ آخر . وفي قضائه بين المتخاصمين كان عادلاً صلى الله عليه وسلم ، بعيداً عن الحيف والظلم ، فعن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل) رواه أحمد. وكان صلى الله عليه وسلم لا يرضى تعطيل حدود الله ، التي شرعها سبحانه لإقامة العدل بين الناس ، ولو كان الجاني من أقربائه وأحبابه ، ففي حادثة المرأة المخزومية التي سرقت لم يقبل شفاعة أسامة ، وقال مقالته المشهورة : ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاريو مسلم . وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالعدل في الأمور ، وعدم تغليب جانب على حساب آخر ، وإنما الموازنة وإعطاء كل ذي حق حقه ، فقال : (يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار ، وتقوم الليل فلا تفعل ، فإن لجسدك عليك حظا ، ولعينك عليك حظا ، وإن لزوجك عليك حظا) رواه مسلم . صبره صلى الله عليه وسلم إن الحديث عن صبره عليه الصلاة والسلام , هو في حقيقة الأمر حديث عن حياته كلها , وعن سيرته بجميع تفاصيلها وأحداثها , فحياته صلى الله عليه وسلم كلها صبر ومصابرة , وجهاد ومجاهدة , ولم يزل عليه الصلاة والسلام في جهد دؤوب ، وعمل متواصل ، لا ينقطع ولا يهدأ ، ولا يعرف الكلل والملل , منذ بدء الرسالة ونزول أول آية عليه ، وحتى آخر لحظة في حياته وهو يلفظ أنفاسه ويودع الحياة . لقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيعة ما سيلقاه في هذا الطريق , منذ اللحظة الأولى لنزول هذا الدين ، وبعد أول لقاء بالملك , حين ذهبت به خديجةرضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، فقال له ورقة: يا ليتني كنت حياً إذ يخرجك قومك , فقال له عليه الصلاة والسلام : أو مخرجي هم , قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي . فوطن نفسه منذ البداية على تحمل الصد والإيذاء والكيد والعداوة . ومن المواقف التي يتجلى فيها صبره عليه الصلاة والسلام ما تعرض له من أذى جسدي من قومه وأهله وعشيرته وهو بمكة يبلغ رسالة ربه ، ومن ذلك ما جاء عند البخاري أن عروة بن الزبير سأل عبد الله ابن عمرو بن العاصعن أشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله . وفي يوم من الأيام كان عليه الصلاة والسلام يصلي عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، إذ قال بعضهم لبعض : أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد ، فانبعث أشقى القوم فجاء به ، فنظر حتى سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه ، فجعلوا يضحكون و يميل بعضهم على بعض ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه ، حتى جاءته فاطمةفطرحت عن ظهره الأذى . وأشد من ذلك الأذى النفسي برد دعوته وتكذيبه ، واتهامه بأنه كاهن وشاعر ومجنون وساحر , وقد حدَّث صلى الله عليه وسلم عن موقف من مواقف الأسى والحزن ، حين يبلغ الحد بالإنسان أن ينسى نفسه وهو في غيبوبة الهم والحزن ، وذلك بعد أن ضاقت عليه مكة فخرج إلى الطائف يطلب النصرة ، روى البخاري ومسلمأن عائشةرضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقالت : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : ( لقد لقيت من قومك ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلالفلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا محمد فقال : ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) ويبلغ الأذى قمته فيحاصر ثلاث سنوات في شعب أبي طالب ، وتهجم عليه الأحزان المتوالية ، فيفقد زوجته خديجة التي كانت خير ناصر ومعين بعد الله عز وجل ، ثم يفاجأ بموت عمه الذي كان يحوطه ويدافع عنه ، ويضاعف حزنه أن مات على الكفر ، ثم يخرج من بلده مهاجراً طريدا ًشريداً بعد عدة محاولات لقتله واغتياله ، وفي المدينة بدأ عهداً جديدا ًمن الصبر والتضحية ، وحياة فيها الكثير من الجهد والشدة ، ولم يكن يخرج من غزوة إلا ويدخل في أخرى ، حتى شُجَّ وجهه الشريف ، وكسرت رباعيته ، واتهم في عرضه ، وجاع وافتقر وربط على بطنه الحجر ، وما بدر وأحد والأحزاب وتبوك وحنين وغيرها من غزواته وسراياه التي بلغت مائة غزوة وسرية ، إلا صفحات مضيئة من صبره وجهاده صلى الله عليه وسلم , روى البخاري عن عبد الله ابن مسعودرضي الله عنه قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة ، فقال رجل من الأنصار : والله ما أراد محمد بهذا وجه الله ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فتمعر وجهه وقال : ( رحم الله موسىلقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) . وما ذكرناه إنما هو شيء من صبره صلى الله عليه وسلم , مدة ثلاثٍ وعشرين سنة , يبلِّغ فيها رسالات ربه , لم يجزع يوماً ، ولم يتخل عن دعوته ، ولو أصيب غيره بعشر ما أصيب به لوجد مبرراً للتخلي عن الدعوة وترك المسؤولية ، وإن في صبره صلى الله عليه وسلم وفيما لقيه من أعظم ما يسلِّي الداعية ويثبته على هذا الطريق , الذي هو طريق الأنبياء والمرسلين . فصلوات الله على عبده ورسوله وعلى سائر الأنبياء والمرسلين . تواضعه صلى الله عليه وسلم خلق التواضع من الأخلاق الفاضلة الكريمة ، والشيم العظيمة التي حث عليها الإسلام ورغَّب فيها، وتمثله رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجاً عملياً في حياته، وفي ثنايا الأسطر التالية نقف عند بعض ملامح هذا المنهج العملي لنرى تواضعه صلى الله عليه وسلم. فقد كان صلى الله عليه وسلم مع علو قدره ، ورفعة منصبه أشد الناس تواضعاً، وألينهم جانباً، وحسبك دليلاً على هذا أن الله سبحانه وتعالي خيَّره بين أن يكون نبياً ملكاً ، أو نبياً عبداً ، فأختار أن يكون نبياً عبداً صلوات الله وسلامه عليه. وكان صلى الله عليه وسلم يمنع أصحابه من القيام له، وما ذلك إلا لشدة تواضعه فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على عصاً ، فقمنا له ، قال : ( لا تقوموا كما يقوم الأعاجم ، يعظِّم بعضهم بعضاً) رواهأحمد وأبو داود وهذا خلاف ما يفعله بعض المتكبرين من حبهم لتعظيم الناس لهم ، وغضبهم عليهم إذا لم يقوموا لهم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام ( من أحب أن يتمثَّل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) رواه أحمد والترمذي و أبو داوود. وخلق التواضع كان سمةً ملازمةً له صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، في جلوسه ، وفي ركوبه ، وفي أكله ، وفي شأنه كله ، ففي أكله وجلوسه نجده يقول (إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) رواه ابن حبان ، وفي ركوبه يركب ما يركب عامة الناس، فركب صلى الله عليه وسلم البعير و الحمار والبغلة والفرس، قال أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف ) رواه الترمذي. وفي "سنن" ابن ماجه عن قيس بن أبي حازم : أن رجلاً أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه فأخذته رعدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هوّن عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) ـ والقديد هو اللحم المجفف - وهذا من تمام تواضعه صلى الله عليه وسلم حيث بين له أنه ليس بملك، وذكر له ما كانت تأكله أمه لبيان أنه رجل منهم ، وليس بمتجبر يُخاف منه. وبالجملة فإن الناظر إلى ما تقدم بعين البصيرة والاعتبار يعلم علم اليقين، أن خلق التواضع كان خلقاً ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها و يحرص عليها إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كي ينال خيريِّ الدنيا والآخرة نبع الماء من بين أصابعه الماء نعمة من نعم الله العظيمة، التي وهبها الله لعباده ، أنزله من السماء ، فسالت أودية بقدرها، وأودعه الأرض وجعل منه ينابيع وأنهاراً، وجعله شراباً سائغاً ، وجعل أمر الحياة عليه قائما، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ } (الانبياء:30)، وإذا كان نبع الماء من الأرض آية ، ونبعه من الحجر الأصم آية أعظم ، فما ظنك إذا كان نبعه من بين الأصابع ، فذلك معجزة وكرامة . ومعجزة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كانت من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد تكرر حصول تلك المعجزة عدة مراتٍ ، وفي مناسبات مختلفة، رأى ذلك الصحابة الكرام، ونقلوه إلينا نقلاً واضحاً بينا . فمن ذلك ما حدث يوم الحديبية، فيما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة- إناء من جلد-، فتوضأ، فجهش-أسرع- الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا، وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة ) متفق عليه، واللفظ للبخاري . ومن ذلك ما حصل بالزوراء - وهو مكان قرب السوق في المدينة - مما نقله الصحابي الجليل أنس رضي الله عنه، قال: ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناءٍ وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم، قال قتادة : قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة ) متفق عليه، واللفظ للبخاري . ومن ذلك أيضاً ما حدث عندما قلّ الماء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على سفر، يحدثنا عن ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ( كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) رواه مسلم . وفي هذه المعجزة النبوية إشارة واضحة بينّة، ودلالة عظيمة شاهدة على تأييد الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ، إذ كان لهذه المعجزة وأمثالها من المعجزات النبوية الأثر البالغ في زيادة الإيمان، وقوة التعلق بالواحد الديان من قبل الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وخاصة أنهم كانوا في ظروف صعبة، نتيجة صراعهم مع أهل الباطل من المشركين واليهود والمنافقين، فكانت مثل هذه الحوادث عوناً لهم ، وزاداً إيمانياً قوياً ، إضافة إلى ما تتركه مثل هذه المعجزات من أثرٍ في نفوس الكافرين والمعاندين، وتلفت الانتباه إلى أن الله هو القوي القادر، الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، فسبحان من لم يقدره العباد حق قدره، ولم يعبده العباد حق العبادة، وهو الغفور الرحيم ، والحمد لله رب العالمين . مزاحه ومداعبته صلى الله عليه وسلم المزاح والمداعبة شئ محبب إلى النفوس ، فهو يبعث على النشاط والإقبال على الأعمال بجد وطاقة ، ولا حرج فيه ما دام منضبطا بضوابط الشرع ، ولا يترتب عليه ضرر ، بل هو مطلوب ومرغوب ، وذلك لأن النفس يعتريها السآمة والملل ، فلا بد من فترات راحة ، وليس أدل على أهمية المزاح والحاجة إليه ، مما كان عليه سيد الخلق وخاتم الرسل ، فقد كان صلى الله عليه وسلم ، يمازح أصحابه ، ويداعب أهله ، وكان يعتني بصغار السن ويجعل لهم جزءاً من وقته ، ويعاملهم بما يطيقون ويفهمون . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا ذا الأذنين) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني . وأتى رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله احملني قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنا حاملوك على ولد ناقة ، قال : وما أصنع بولد الناقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وهل تلد الإبل إلا النوق) . رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني . وعن أنس قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، وكان إذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير ) رواه البخاريومسلم . والنغير هو طائر صغير كان يلعب به . وطعن صلى الله عليه وسلم مرة أحد أصحابه بقضيب في يده مداعبة له ، فعن أسيد بن حضير قال : (بينما هو - يعني أسيد - يحدث القوم ، وكان فيه مزاح ، يضحكهم ، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود ، فقال : أصبرني - أي اجعلني اقتص منك - ، فقال : اصطبر ، قال : إن عليك قميصا ، وليس علي قميص ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه ، فاحتضنه ، وجعل يقبل كشحه - ما بين الخاصرة والضلع - ، قال إنما أردت هذا يا رسول الله) رواه أبو داود ، وصححه الألباني . وكان يبتسم صلى الله عليه وسلم في وجوه أصحابه ، ويسمعهم الكلام الطيب ، ويتقبل شكواهم بصدر رحب وأدب جم ، فعن جرير رضي الله عنه ، قال : (ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ، ولقد شكوت إليه إني لا أثبت على الخيل ، فضرب بيده في صدري وقال اللهم ثبته ، واجعله هاديا مهديا) . رواه البخاري . وكان صلى الله عليه وسلم يمزح مع أقاربه ، فيأتي علياً ابن عمه وزوج ابنته ، وهو مضطجع في المسجد ، بعد أن سأل عنه فاطمة رضي الله عنها ، فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج ، فيقول له : (قم أبا التراب قم أبا التراب) . رواه البخاري ومسلم . أما مزاحه مع أهله ، ومداعبته لزوجاته ، وبناته ، فكان لهم نصيب وافر من خلقه العظيم في هذا الجانب المهم ، فكان يسابق عائشة رضي الله عنها ، ويقر لعبها مع صواحبها فعنها رضي الله عنها قالت : (كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي) . رواه البخاري . أما بالنسبة للصغار ، واعتنائه صلى الله عليه وسلم بهم، ومداعبته لهم ، فيظهر واضحاً جلياً فيما ورد مع الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء ، وهو حامل حسنا أو حسينا ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ، ثم كبر للصلاة فصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر ، أو أنه يوحى إليك ، قال : كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) . رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني . ومن خلال ذلك يتبين مجال الفسحة في ديننا العظيم ، وأنه لا تعارض بين الجد والمرح أحياناً ، وكما أن في ديننا الإسلامي غذاء للقلوب والأرواح ، وتوجيهات لما يصلح الأجساد ، ففيه أيضاً ما يروح عن النفوس ، ويبعث فيها الفرح والسرور زهده صلى الله عليه وسلم الزهد في حقيقته هو الإعراض عن الشيء ، ولا يطلق هذا الوصف إلا على من تيسر له أمر من الأمور فأعرض عنه وتركه زهدا فيه , وأما من لم يتيسر له ذلك فلا يقال إنه زهد فيه ، ولذلك قال كثير من السلف : إن عمر بن عبد العزيز كان أزهد من أويس رحمة على الله الجميع ، وقال مالك بن دينار عن نفسه : الناس يقولون مالك زاهد ، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز، أي إنه هو الزاهد حقيقة فإن الدنيا كانت بين يديه فلم يلتفت إليها . وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا , وأقلهم رغبة فيها ، مكتفياً منها بالبلاغ ، راضياً فيها بحياة الشظف ، ممتثلاً قول ربه عز وجل :{ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} (طه 131) ، مع أن الدنيا كانت بين يديه ، ومع أنه أكرم الخلق على الله ، ولو شاء لأجرى الله له الجبال ذهباً وفضة . وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عن خيثمة أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك , ولا نعطي أحداً من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله , فقال : اجمعوها لي في الاخرة ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا } (الفرقان 10) ، وخُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملِكاً نبياً أو عبداً رسولاً ، فاختار أن يكون عبداً رسولاً . وأما حياته صلى الله عليه وسلم ومعيشته فعجب من العجب ، يقول أبو ذررضي الله عنه :كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة ، فاستقبلَنا أحدٌ ، فقال : ( يا أبا ذر : قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا ، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار ، إلا شيئاً أرصده لدين ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ، ثم مشى فقال : إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ) . رواه البخاري وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا - وفي رواية - كفافا ) ، ودخل عليه عمررضي الله عنه يوماً ، فإذا هو مضطجع على رمالٍِ وحصيٍر ليس بينه وبينه فراش ، وقد أثر في جنبه ، قال عمر : فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر ، فقلت : ادع الله فليوسع على أمتك ، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، فقال : ( أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب ، أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا) ، وكان يقول : (ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها ) ، وكان فراشه صلى الله عليه وسلم من الجلد وحشوه من الليف . وأما طعامه فقد كان يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال ، ثلاثة أهلة ، وما توقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ، وربما ظل يومه يلتوي من شدة الجوع وما يجد من الدَّقل - وهو رديء التمر - ما يملأ به بطنه ، وما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى قبض ، ولم يأكل صلى الله عليه وسلم على خِوان - وهو ما يوضع عليه الطعام - حتى مات . ولم يترك صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة ، قالت عائشة رضي الله عنها :" توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفِّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي ، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ " هدى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أموره كافة أسوة يُقتدي بنهجه، ويُهتدي بهديه ، كيف لا وهو صفوة الله إلى خلْقه ، ورحمة منه إلى عباده . وكان صلى الله عليه وسلم قدوة في عبادته ومعاشه، في اجتماعه وانفراده ، في ليله ونهاره، وفي غير ذلك. وفي هذه العُجالة نقف عند خبره صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه، لنتبين أمره في ذلك ، ونقتدي به، ونحذوا حذوه . فقد كان صلى الله عليه وسلم على صلة دائمة بخالقه ، ومستحضراً لعظمته ، راغباً في لقائه ، وراهباً من حسابه وعقابه. وكان إذا أراد أن يعطي جسده حقه من الراحة بعد عناء نهار طويل استحضر ذكره تعالى ، وتوجه إليه داعياً : ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي) رواه مسلم، فهو صلى الله عليه وسلم قبل أن يخلد إلى نومه يحمد ربه على ما أنعم عليه من نعمة الطعام والشراب والإيواء ، التي حرم منها كثير من الناس ، فكم من أناس أمضوا نهارهم وباتوا ليلهم دون أن يجدوا الحد الأدنى مما يقيم أودهم ، ويكفي حاجتهم، فهذه النعم ينبغي أن تتبع دوماً بالحمد والشكر لمانحها، لا بالكفر والنكران . ثم إنه صلى الله عليه وسلم إذا أسلم النفس لراحتها ذكَّرها بأن أمرها أولاً وآخراً بيد بارئها لا بيد أحدٍ غيره، فقال داعياً: ( اللَّهُمَّ إني أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْت أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) متفق عليه. ففي هذا الدعاء بيان للحال الذي على المسلم أن يكون عليها وهو على فراش نومه ، إنه حال الاستسلام والتسليم إلى خالق النفس وبارئها.وقريب من هذه الدعاء دعائه صلى الله عليه وسلم على تلك الحال بقوله : (باسمك رب وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) متفق عليه. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه للنوم أن يضع يده تحت خده الأيمن داعياً ( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) رواه أبو داود وأحمد. وكان يكرر ذلك ثلاث مرات ، مما يدل على أنه صلى الله عليه سلم كان دائم حضور القلب مع خالقه . ثم إن من هديه صلى الله عليه سلم أنه إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ، وتفل فيهما قارئاً المعوذات : قل هو الله أحد ، قل أعوذ برب القلق ، قل أعوذ برب الناس ، ماسحاً بهما جسده ، تحصيناً له من شر الإنس والجن . ومن هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن أنه إذا نام لم يستغرق الليل كله في النوم، بل كان يقوم من الليل متهجداً ، وذاكراً لربه منيباً إليه ، مستحضراً قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (السجدة:16) وكان صفة قيامه في ليله، أن يطيل القيام وهو يناجي ربه .وقد وصفت أم المؤمنين عائشة طول قيامه فقالت : (كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، فقيل له : لم تشق على نفسك كل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فأجاب إجابة العارف لقدر خالقه : أفلا أكون عبداً شكوراً ) متفق عليه ومما له دلالته في هذا السياق ، أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام نامت عيناه فحسب دون أن ينام قلبه ، وهذا مما اختصه به سبحانه دون غيره من عباده ، وهو ما يؤيد ما ذكرناه مراراً من أنه صلى الله عليه وسلم كان دائم الحضور مع ربه ، مستحضراً لعظمته ، راغباً في لقائه ، وراهباً من عذابه . أما استيقاظه وانتباهه صلى الله عليه وسلم من نومه، فقد كان كذلك على ذكر الله، كباقي أحواله، فإذا انتبه من نومه دعا ربه وحمده على نعمة الحياة بعد تلك الموتة ، فكان يقول : (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) رواه أبوداود. بل ومرة قام صلى الله عليه وسلم من الليل فقرأ الآيات من أواخر سورة آل عمران من قوله تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض ..) إلي قوله تعالى ( يأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ....) وهذا مما يشير إلى إحدى حالات إنتباهه صلى الله عليه وسلم من نومه وكيف كانت. كلامه وسكوته وضحكه وبكاؤه اتصف صلى الله عليه وسلم بصفات لم تجتمع لأحد قبله ولا بعده ، كيف لا وهو خير الناس وأكرمهم عند الله تعالى . فقد كان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس ، وأعذبهم كلاماً وأسرعهم أداءً، وأحلاهم منطقا حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويأسر الأرواح ، يشهد له بذلك كل من سمعه. وكان إذا تكلم تكلم بكلام فَصْلٍ مبين، يعده العاد ليس بسريع لا يُحفظ ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع، بل هديه فيه أكمل الهديِّ ،كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل يتحفظه من جلس إليه) متفق عليه . وثبت في (( الصحيحين )) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( بعثت بجوامع الكلام) وكان كثيراً ما يعيد الكلام ثلاثاً ليفهمه السامع ويعقله عنه ، ففي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : ( كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً ، حتى يفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم ، سلم ثلاثاً). وكان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وكان إذا تكلم افتتح كلامه واختتمه بذكر الله، وأتى بكلام فَصْلٍ ليس بالهزل ، لازيادة فيها عن بيان المراد ولاتقصير ، ولا فحش فيه ولا تقريع ، أما ضحكه صلى الله عليه وسلم فكان تبسماً، وغاية ما يكون من ضحكه أن تبدو نواجذه ، فكان يَضْحَك مما يُضْحك منه ، ويتعجب مما يُتعجب منه. وكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم من جنس ضحكه ، فلم يكن بكاءه بشهيق ولا برفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، بل كانت عيناه تدمعان حتى تهملا، ويُسمع لصدره أزيز، وكان صلى الله عليه وسلم تارة يبكى رحمة للميت كما دمعت عيناه لموت ولده، وتارة يبكي خوفاً على أمته وشفقة عليها ، وتارة تفيض عيناه من خشية الله ، فقد بكى لما قرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه (سورة النساء ) وانتهى إلى قوله تعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41]. وتارة كان يبكي اشتياقاً ومحبة وإجلالاً لعظمة خالقه سبحانه وتعالى. اكتفي الي هنا وبمشيئة الرحمن اكمل غدا شبهات حول السيرة
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |