26-11-08, 11:22 AM
|
|
الضحك على الذقون
الشيخ عائضالقرني
كثرة عدد السكان مع الجودة فضيلة عند الأمم لكن الخطأ أنيكثر العدد بلا نفع ولا إنتاج، والإسلام يحث على طلب الذرية الطيبة الصالحة، ولكنإذا تحولت كثرة النسل إلى عبء اجتماعي صار هذا خطأ في التقدير، ونحن في الشرق أكثرالأمم نمواً سكانياً مع ضعف في التربية والتعليم، فقد تجد عند الواحد عشرين ابناًلكنه أهمل تأديبهم وتعليمهم فصار سهرهم في دبكة شعبية مع لعب البلوت وأكل الفصفصبلا إنتاج ولا عمل، بل صاروا حملاً ثقيلاً على الصرف الصحي والطرق والمطاراتوالمستشفيات، بينما الخواجة ينجب طفلين فيعتني بهما فيخرج أحدهما طبيباً والآخريهبط بمركبته على المريخ، وأنا ضد جلد الذات لكن ما دام أن الخطأ يتكرر والعلاجيستعصي فالبيان واجب،
لا زال بعض العرب يرفع عقيرته عبر الشاشات ويقول: أناابن جلا وطلاع الثنايا، ثم تجده في عالم الشرع لا يحفظ آية الكرسي، وفي عالم الدنيالم يسمع بابن خلدون وابن رشد، وتجد الغربي ساكتاً قابعاً في مصنعه أو معمله يبحثوينتج ويخترع ويبدع، أرجو من شبابنا أن يقرأوا قصة أستاذ ثوره اليابان الصناعية «تاكيو اوساهيرا» وهي موجودة في كتاب «كيف أصبحوا عظماء؟» كيف كان طالباً صغيراًذهب للدراسة في ألمانيا، فكان ينسل إلى ورشة قريبة فيخدم فيها خمس عشرة ساعة علىوجبة واحدة، فلما اكتشف كيف يدار المحرك وأخبر الأمة اليابانية بذلك استقبله عندعودته إلى المطار إمبراطور اليابان، فلما أدار المحرك وسمع الإمبراطور هدير المحركقال: هذه أحسن موسيقى سمعتها في حياتي،
وطالب عربي في المتوسطة سألهالأستاذ: الكتاب لسيبويه مَنْ ألَّفه؟ قال الطالب: الله ورسوله أعلم، والتمدد فيالأجسام على حساب العقول مأساة، والافتخار بالآباء مع العجز منقصة، لن يعترف بناأحد حتى نعمل وننتج، فالمجد مغالبة والسوق مناهبة، وإن النجاح قطرات من الآهاتوالزفرات والعرق والجهد، والفشل زخّات من الإحباط والنوم والتسويف، كن ناجحاً ثم لاتبالي بمن نقد أو جرّح أو تهكم، إذا رأيت الناس يرمونك بأقواس النقد فاعلم أنك وصلتإلى بلاط المجد، وأن مدفعية الشرف تطلق لك واحدا وعشرين طلقة احتفاءبقدومك
لقد هجر الكثير منّا الكتاب وأصبح يعيش الأمية فلا يحفظ آيةً ولاحديثاً ولا بيتاً ولم يقرأ كتاباً ولم يطالع قصة ولا رواية، ولكنه علّق في مجلسبيته شجرة الأنساب؛ ليثبت لنا أنه من أسرة آل مفلس من قبيلة الجهلة، والوحي ينادي «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، والتاريخ يخبرك أن بلال مولى حبشي، وهو مؤذن الإسلامالأول، وأن جوهر الصقلي فاتح مصر وباني الأزهر أمازيغي أمهُ تبيع الجرجير في مدينةسبتة، ولكن النفس الوثّابة العظيمة لا تعتمد على عظام الموتى؛ لأن العصامي يشرّفقبيلته وأمته وشعبه ولا ينتظر أن يشرفه الناس، لقد كان نابليون شاباً فقيراً لكنهجدّ واجتهد حتى أخذ التاج من لويس الرابع عشر، وفتح المشرق وصار في التاريخ أسطورة،وهو القائل: «الحرب تحتاج إلى ثلاثة: المال ثم المال ثم المال، والمجد يحتاج إلىثلاثة: العمل ثم العمل ثم العمل».
لقد أرضينا غرورنا بمدح أنفسنا حتى سكِرَالقلب بخمر المديح على مذهب جرير: أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا؟ وقد ركبالآخر بساط الريح وإف 16 والكونكورد. ولو اجتمعنا ما انتجنا سيارة «فولكس فاغن» فضلاً عن «كراسيدا». ورحم الله امرُؤًا عرف تقصيره فأصلح من نفسه ولابد أن تقنعالمريض بمرضه حتى يستطيع أن يعالج نفسه على أني اعترف بأن عندنا عباقرة ونوابغيحتاجون لمراكز بحوث ومؤسسات لرعايتهم ومعامل ومصانع لاستقبال نتاجهم.
لقدتركت اليابان الحرب وتابت إلى الله من القتال وتوجهت للعمل والإنتاج، فصارت آيةًللسائلين وكدّس العراق قبل الغزو السلاح واشتغل بحروبٍ مع الجيران، فانتهى قادتهإلى المشنقة، وجُوِّع الشعب ثم قُتِل وسُحِق. سوف نفتخر إذا نظر الواحد منّا إلىسيارته وثلاجته وتلفازه وجواله فوجدها صناعةً محلية. وأرجو أن نقتصد في الأمسياتالشعرية فإن عشرة دواوين من الشعر لا تنتج صاعاً من شعير
يقول نزار قباني:
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متىالبنادق كانت تسكن الكتبا؟ وعلينا أن نعيد ترميم أنفسنا بالإيمان والعمل وتهذيبعقولنا بالعلم والتفكر، وهذا جوهر رسالتنا الربانية الخالدة وطريق ذلك المسجدوالمكتبة والمصنع، والخطوة الأولى مكتبة منـزلية على مذهب الخليفة الناصر الأندلسييوم ألزم الناس بإنشاء مكتبة في كل منـزل وقراءة يومية مركزة، وهذا خير من مجالسالغيبة والقيل والقال وقتل الزمان بالهذيان.. «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولهوالمؤمنون».
التوقيع
|
لا تظلمن إذا ماكنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
|
|