04-02-10, 12:59 AM
|
|
السلام عليكم
التلون المذموم هو التنقل من زي متكلف لا معنى له إلى زي آخر مثله في التكلف وفي أنه لا معنى له ومن حال لا معنى لها إلى حال لا معنى لها بلا سبب يوجب ذلك وأما من استعمل من الزي ما أمكنه مما به إليه حاجة وترك التزيد مما لا يحتاج إليه فهذا عين من عيون العقل والحكمة كبير وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة في كل خير والذي أثنى الله تعالى على خلقه والذي جمع الله تعالى فيه أشتات الفضائل بتمامها وأبعده عن كل نقص يعود المريض مع أصحابه راجلا في أقصى المدينة بلا خف ولا نعل ولا قلنسوة ولا عمامة ويلبس الشعر إذا حضره وقد يلبس الوشي من الحبرات إذا حضره ولا يتكلف ما لا يحتاج إليه ولا يترك ما يحتاج إليه ويستغني بما وجدة عما لا يجد ومرة يمشي راجلا حافيا ومرة يلبس الخف ويركب البغلة الرائعة الشهباء ومرة يركب الفرس عريا ومرة يركب الناقة ومرة يركب حمارا ويردف عليه بعض أصحابه ومرة يأكل التمر دون خبز والخبز يابسا ومرة يأكل العناق المشوية والبطيخ بالرطب والحلواء يأخذ القوت ويبذل الفضل ويترك ما لا يحتاج إليه ولا يتكلف فوق مقدار الحاجة ولا يغضب لنفسه ولا يدع الغضب لربه عز وجل الثبات الذي هو صحة العقد والثبات الذي هو اللجاج مشتبهان اشتباها لا يفرق بينهما إلا عارف بكيفية الأخلاق والفرق بينهما أن اللجاج هو ما كان على الباطل أو ما فعله الفاعل نصرا لما نشب فيه وقد لاح له فساده أو لم يلح له صوابه ولا فساده وهذا مذموم وضده الإنصاف وأما الثبات الذي هو صحة العقد فإنما يكون على الحق أو على ما اعتقده المرء حقا ما لم يلح له باطله وهذا محمود وضده الاضطراب وإنما يلام بعض هذين لأنه ضيع تدبر ما ثبت عليه وترك البحث عما التزم أحق هو أم باطل حد العقل استعمال الطاعات والفضائل وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل قال الله تعالى حاكيا عن قوم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ثم قال تعالى مصدقا لهم فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير وحد الحمق استعمال المعاصي والرذائل وأما التعدي وقذف الحجارة والتخليط في القول فإنما هو جنون ومرار هائج وأما الحمق فهو ضد العقل وهما ما بينا آنفا ولا واسطة بين العقل والحمق إلا السخف وحد السخف هو العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا ولا حميد خلق مما ليس معصية ولا طاعة ولا عونا عليهما ولا فضيلة ولا رذيلة مؤذية ولكنه من هذر القول وفضول العمل فعلى قدر الاستكثار من هذين الأمرين أو التقلل منهما يستحق المرء اسم السخف وقد يسخف المرء في قصة ويعقل في أخرى ويحمق في ثالثة وضد الجنون تمييز الأشياء ووجود القوة على التصرف في المعارف والصناعات وهذا الذي يسميه الأوائل النطق ولا واسطة بينهما وأما إحكام أمر الدنيا والتودد إلى الناس بما وافقهم وصلحت عليه حال المتودد من باطل أو غيره أو عيب أو ما عداه والتحيل في إنماء المال وبعد الصوت وتسبيب الجاه بكل ما أمكن من معصية ورذيلة فليس عقلا ولقد كان الذين صدقهم الله في أنهم لا يعقلون وأخبرنا بأنهم لا يعقلون سائسين لدنياهم مثمرين لأموالهم مدارين لملوكهم حافظين لرياستهم لكن هذا الخلق يسمى الدهاء وضده العقل والسلامة وما إذا كان السعي فيما ذكرنا بما فيه تصاون وأنفة فهو يسمى الحزم وضده المنافي له التضييع وأما الوقار ووضع الكلام موضعه والتوسط في تدبير المعيشة ومسايرة الناس بالمسالمة فهذه الأخلاق تسمى الرزانة وهي ضد السخف الوفاء مركب من العدل والجود والنجدة لأن الوفي رأى من الجور أن لا يقارض من وثق به أو من أحسن إليه فعدل في ذلك ورأي أن يسمح بعاجل يقتضيه له عدم الوفاء من الحظ فجاد في ذلك ورأى أن يتجلد لما يتوقع من عاقبة الوفاء فشجع في ذلك أصول الفضائل كلها أربعة عنها تتركب كل فضيلة وهي العدل والفهم والنجدة والجود أصول الرذائل كلها أربعة عنها تتركب كل رذيلة وهي أضداد الذي ذكرنا وهي الجور والجهل والجبن والشح الأمانة والعفة نوعان من أنواع العدل والجود النزاهة في النفس فضيلة تركبت من النجدة والجود وكذلك الصبر الحلم نوع مفرد من أنواع النجدة القناعة فضيلة مركبة من الجود والعدل الحرص متولد عن الطمع والطمع متولد عن الحسد والحسد متولد عن الرغبة والرغبة متولدة عن الجور والشح والجهل ويتولد من الحرص رذائل عظيمة منها الذل والسرقة والغصب والزنا والقتل والعشق والهم بالفقر والمسألة لما بأيدي الناس تتولد فيما بين الحرص والطمع وإنما فرقنا بين الحرص والطمع لأن الحرص هو بإظهار ما استكن في النفس من الطمع والمداراة فضيلة متركبة من الحلم والصبر الصدق مركب من العدل والنجدة من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحق وذلك أن من نقل إليك كذبا عن إنسان حرك طبعك فأجبته فرجع عنك بحق فتحفظ من هذا ولا تجب إلا عن كلام صح عندك عن قائله لا شيء أقبح من الكذب وما ظنك بعيب يكون الكفر نوعا من أنواعه فكل كفر كذب فالكذب جنس والكفر نوع تحته والكذب متولد من الجور والجبن والجهل لأن الجبن يولد مهانة النفس والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة رأيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساما ثلاثة أحدهما من لا يبالي فيما أنفق كلامه فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس والثاني أن يتكلم ناصرا لما وقع في نفسه أنه حق ودافعا لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب الحقيقة لكن لجاجا فيما التزم وهذا كثير وهو دون الأول والثالث واضع الكلام في موضعه وهذا أعز من الكبريت الأحمر لقد طال هم من غاظه الحق اثنان عظمت راحتهما أحدهما في غاية المدح والآخر في غاية الذم وهما مطرح الدنيا ومطرح الحياء لو لم يكن من التزهيد في الدنيا إلا أن كل إنسان في العالم فإنه كل ليلة إذا نام نسي كل ما يشفق عليه في يقظته وكل ما يشفق منه وكل ما يشره إليه فتجده في تلك الحال لا يذكر ولدا ولا أهلا ولا جاها ولا خمولا ولا ولاية ولا عزلة ولا فقرا ولا غنى ولا مصيبة وكفي بهذا واعظا لمن عقل من عجيب تدبير الله عز وجل للعالم أن كل شيء اشتدت الحاجة إليه كان ذلك أهون له وتأمل ذلك في الماء فما فوقه وكل شيء اشتد الغنى عنه كان ذلك أعز له وتأمل في الياقوت الأحمر فما دونه الناس فيما يعانونه كالماشي في الفلاة كلما قطع أرضا بدت له أرضون وكلما قضى المرء سببا حدثت له أسباب صدق من قال إن العاقل معذب في الدنيا وصدق من قال إنه فيها مستريح فأما تعذيبه ففيما يرى من انتشار الباطل وغلبة دولته وبما يحال بينه وبينه من إظهار الحق وأما راحته فمن كل ما يهتم به سائر الناس من فضول الدنيا إياك وموافقة الجليس السيء ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم ولن يحمدك من ساعدته بل يشمت بك وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا وفي أخراك وإن قل فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلا إن لم يكن بد من إغضاب الناس أو إغضاب اللهعز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الحق فأغضب الناس ونافرهم ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب فمن وعظ بالجفاء والا كفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقته صلى الله عليه وسلم وصار في أكثر الأمر مغريا للموعوظ
|