العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
العلمانية ودورها في تشويه العلاقة بين الدين والعلم
قال الله تعالى (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) تذهب التيارات الفكرية المعاصرة - ومنها العلمانية - في خصومتها مع الدين تتم ضمن نظرية شاملة؛ ترى أن هذه التيارات تنطلق جميعا من وجهة نظر معينة في العلاقة بين الدين والعلم، وتقدم رؤيتها من خلال معتقدات … فهي دين بوجه ما. وترتكز مقاومة هذه التيارات - في ضوء هذه النظرية على تصحيح العلاقة بين الدين والعلم، وإبراز معتقدية الأسس التي تقوم عليها تلك التيارات، وضرب القواعد التي تنطلق منها. ومن هنا تبرز أهمية دراسة العلاقة بين العلم والدين. ونحن لا نعني هنا بدراسة هذه العلاقة بسرد أدوارها التاريخية التي مرت بها في الحضارات المختلفة، بقدر ما نعني بدراسة وضعية هذه العلاقات في نظر المفكرين المعاصرين. وهنا يمكننا أن نصنف هذه الأنظار إلى ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول: يري ضرورة "الفصل" بينهما فصلا تاما. بحيث يكون لكل منهما مجاله الخاص، يقرر بحرية ما يشاء دون تدخل من الطرف الآخر على وجه الإطلاق. فهو فصل في الوسائل والنتائج على السواء. يقول أميل بوترو في كتابه "العلم والدين": (لقد ظن البعض في نهاية القرن التاسع عشر أن المشكلة بين الدين والعلم حلت بوضعهما في ثنائية حاسمة يصبح فيها كل منهما مطلقا على طريقته، ومتميزا عن صاحبه تميز الذكاء والعاطفة، أو تميز العقل والقلب، واستنادا إلى هذه الثنائية لاح إمكان وجودهما معا في صدر إنسان واحد، بحيث يقومان جنبا إلى جنب، على أن يتفادى كل منهما بحث مبادئ الآخر ووسائله ونتائجه). أ) ويبدو أن هذا الاتجاه هو ما تحاوله المسيحية المعاصرة، إذ لا يرى المسيحي المعاصر بأسا في التناقض بين ما يقرره العلم في الجامعة، وبين ما تقرره المسيحية في الكتاب المقدس: فالأناجيل - على سبيل المثال - تقرر نسب المسيح على نحوين متناقضين تماما بين ما جاء في إنجيل متى وإنجيل لوقا. والعهد القديم من الكتاب المقدس - على سبيل المثال أيضا - يقرر ظهور الليل والنهار والصباح في اليوم الأول قبل خلق الشمس والنجوم في اليوم الرابع، وهذا ما يتعارض مع العلم. وفيه أن الله خلق النبات في اليوم الثالث قبل أن يخلق الشمس في اليوم الرابع، وهذا ما يتعارض مع العلم أيضا. وفيه أن خلق العالم يرجع إلى حوالي ستة آلاف عام لا أكثر وهذا يتعارض مع العلم كذلك. وفيه أن الطوفان عندما حدث اكتسح المعمورة كلها وأنه حدث في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد وهو عصر ظلت معه وبعده حضارات سابقة في مصر وبابل دون مساس، وهذا يتعارض مع العلم أيضاً. [أنظر "دراسة الكتب المقدسة فى ضوء المعارف الحديثة " لموريس بوكاى نشر دار المعارف ص 41 إلى ص 47 ص 53]. وهذه معارضات لا تحتمل التملص، ولا تحتمل التوفيق. وهنا كان لابد للاتجاه الديني المسيحي من أن يلجأ إلى وضع العلاقة بين العلم والدين في وضعية الفصل بينهما. يذهب المسيحي إلى الكنيسة ليستمع في هدوء تام إلى تلك الروايات المتعارضة مع العلم، كما يمارس عملية الاتحاد بجسد المسيح المرفوضة علميا. ثم يخرج من الكنيسة ليقرر في الجامعة أو في المعمل أو في مركز البحوث العلمية : أمورا تتعارض تماما مع ما استمع إليه هناك. وقد لجأ إلى هذا الحل أيضا - الفصل التام بين العلم والدين - بعض المستغربين من المسلمين الذين اعتنقوا مذاهب الحادية - وضعية، أو وضعية منطقية أو مادية، أو ماركسية الخ - وعندما طعنوا في السن، أو رجعوا إلى أوطانهم وجدوا صراعا داخليا لم يصل بهم إلى حد الاعتراف بالإلحاد أمام أنفسهم، أو أمام الناس فباركوا هذا الحل ونادوا بالفصل، وتوزيع الاختصاص، وقالوا: نمارس الدين في ساعة هي للوجدان، ونمارس العلم في ساعة هي للعقل، أو كما يقول - بعضهم - جعلوا في صدورهم بيتين، أو غرفتين - أو قلبين؟؟ - غير مبالين بقوله تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}. إن هؤلاء المستغربين عندما فعلوا ذلك لم يفعلوه لمعارضة بين العلم والإسلام، ولكن لمعارضة بين الإسلام وما اعتنقوه من مذاهب. ومن الأغاليط الشائعة أن هؤلاء يروجون للعلم على أساس أنه هو الذي يتجاوب مع "العقل" ويغذيه بينما الدين يخص العاطفة، وهم في ذلك واهمون أو جاهلون بالتطور الذي صار إليه العلم: فالعلم يتصل بالمشاهدات والخبرات اليومية المباشرة ليستخرج منها مبادئ، أما العقل فهو يتصل بالبديهيات الجلية ليستخرج منها فلسفة. يقول فيليب فرانك في كتابه "فلسفة العلم" - ص 33 -: (وضع مبادئ نستطيع أن نستنبط منها تطبيقات وحقائق مشهودة هو ما نسميه اليوم "علما" والعلم لا يهتم كثيرا بما إذا كانت هذه المبادئ معقولة أم لا، فهذا أمر لا يعنى العالِم كعالِم، وفى كثير من الكتب الدراسية نجد ما ينص على أنه ليس من المهم إطلاقا أن تكون هذه المبادئ معقولة، وتذكر هذه الكتب أن مبادئ علوم القرن العشرين كالنسبية ونظرية الكم ليست معقولة على الإطلاق، ولكنها متناقضة فى ظاهرها ومشوشة، وعندما ظهرت مبادئ النسبية وميكانيكا الكم قال بعض الناس؛ ربما أمكن استنباط نتائج مفيدة من هذه المبادئ، ولكن المبادئ نفسها غامضة، بل هي في ظاهرها متناقضة، إنها تخدم غرضا معينا إلا أنها ليست جلية). وما يزيد الأمر وضوحا في الانفصال الذي يزداد يوما بعد يوم بين مجال التفكير العلمي والتفكير الفلسفي أو العقلي، ما يقوله فيليب فرانك: (كثير من المصطلحات التي كانت تستخدم من قبل في لغة العلم لم يعد ممكنا أن تستخدم الآن، لأن المبادئ العامة المعاصرة تستخدم الآن مصطلحات أكثر نأيا عن لغة الفطرة السليمة 0 فالتعبيرات من طراز "العقل" و "المادة" و "السبب" و "النتيجة" هي اليوم مجرد تعبيرات فطرة سليمة 0 وليس لها مكان في الحديث العلمي الدقيق، وعلينا لكي ندرك هذا التطور أن نقارن بين فيزياء القرن العشرين، وسالفتها فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر، لقد استخدمت الميكانيكا النيوتونية مصطلحات مثل "الكتلة" و "القوة " و "الموضع" و "السرعة" بمعنى يبدو قريبا - إلى حد ما - من استخداماتها في الفطرة السليمة، وفى نظرية أينشتاين للجاذبية نجد مصطلحات مثل "إحداثيات الحدث" أو "الجهود الممتدة الكمية" وهى مصطلحات تحتاج إلى سلسلة طويلة من التفسيرات لكي ترتبط بلغة الفطرة السليمة، ونجد هذا الأمر أكثر صحة في مصطلحات نظرية الكم مثل "الدالة الموجبة" و "مصفوفات الموضع"... الخ، وقد تحدث أينشتاين فى محاضرة له في أكسفورد عام 1933 عن "الفجوة التي يتزايد اتساعها بين المفاهيم والقوانين الأساسية من ناحية والنتائج التي يجب أن نربطها بخبرتنا من ناحية أخرى وهى الفجوة التي تتسع باضطراد"، يقول هربرت دنجل؛ إنني عندما أؤكد على ضرورة تحرير الفلسفة العلمية من تطفل المفاهيم "المستساغة" و "مفاهيم الفطرة السليمة" فإني لا أفعل ذلك للحط من قيمة الفطرة السليمة، وإنما لأن الخطر الأكبر إنما يكمن اليوم في هذا التشويش) [أنظر فلسفة العلم ص 70 – 71]. ولكن المستغربين عندنا عندما يستلهمون الغرب فإنهم يرجعون عادة لما هم عليه من كسل عقلي وانتهازية ثقافية يرجعون إلى معلومات قديمة مستهلكة، فينطلقون إلى إعلان الخصومة بين الدين والعلم توهما منهم أنه – أي العلم – هو الذي يمثل العقل فوجب في تقديرهم أن تكون الخصومة بين الدين والعقل أصلا، ومن ثم بينه وبين العلم تبعا، وكان الحل الذي " اهتدوا " إليه في استبقاء ما يسمى "الفصل" بدلا مما يسمى "الخصومة"، ظنا منهم أن الفصل بين أمرين يقبل المعايشة بينهما، كما هو الحال في الفصل القائم بين العقل والقلب مع استمرار المعايشة القائمة بينهما، وابتدع بعضهم لهذا الفصل صيغة تشبيهية مخففة أطلق عليها "الغرفتين" وقالوا: نمارس الدين في ساعة هي للوجدان، ونمارس العلم في ساعة هي للعقل، أو كما فعل – بعضهم –: جعلوا في صدورهم بيتين، أو غرفتين، إحداهما للعلم والثانية للدين دون مراجعة من إحداهما للأخرى. وإذا كان هذا الحل قد نادى به بعض المستغربين من بعض المسلمين فإن الإسلام لم يكن ليقبل هذا الحل: من ناحية لأنه هو الإسلام الشامل للعقل والقلب والجسد جميعا، ولأنه غير مضطر لشيء من ذلك من ناحية أخرى، لأنه كما يقول موريس بوكاي عن القرآن: (إن القرآن لا يخلو فقط من متناقضات الرواية - وهى السمة البارزة في مختلف صياغات الإنجيل، بل هو يظهر أيضا - لكل من يشرع في دراسته بموضوعية وعلى ضوء العلوم - التوافق التام مع المعطيات العلمية) [دراسة الكتب المقدسة فى ضوء المعارف الحديثة " لموريس بوكاى ص 285]. ونحن لا نشير إلى هذا التوافق الذي أشار إليه بوكاي باعتباره صياغة نموذجية للعلاقة بين العلم والدين، فلهذا كلام مقبل، ولكن باعتباره دليلا على عدم اضطرار المسلم إلى وضعية "الفصل". ب)وبعد؛ فهل وضعية "الفصل" هذه مقبولة علميا أو مقبولة دينيا؟ وللرد على هذا السؤال نقول بالنفي، على المستويين، العلمي والديني. أما العلمي؛ فلأن البحث العلمي في شخصية الإنسان ينتهي إلى كونها وحدة متداخلة متكاملة لا تستقر بغير التمازج والتوافق بين عناصرها المختلفة. فليس في مقدور إنسان أن ينشئ في داخله قلبين، أو أن يعزل في صدره بين حجرتين لتكون إحداهما مخزنا لقرارات تنكرها مخزونات الحجرة الأخرى، وكما يقول أميل بوترو عن هذه الوضعية: (إن المشكلة حلت بذلك في عالم التصورات أما في عالم الواقع فليس الأمر كذلك، إذ أين نجد في الإنسان الحد الفاصل بين العقل والقلب؟ وأين نجد في الطبيعة الحد الفاصل بين الأجسام والأرواح؟...). إنه لا مفر تحت وضعية الفصل هذه من أن تصير شخصية الإنسان إلى أحد أمرين: إما المرض والانحلال، وإما التوثب لغلبة أحد الجانبين للآخر، وهذا هو سر الانفصال الذي يتغلغل في شخصية الأوربي المعاصر، المتعرض لتيار العلم وتيار الدين، أو هو سر الانغلاق الذي يحتمي فيه بتيار ضد تيار آخر. وأما على المستوى الديني: فهذه الوضعية مرفوضة إسلاميا، لأن الإسلام هو الإسلام الشامل، هو الذي يحتوى الشخصية من جميع أقطارها، ولا يرضى لها بغير ذلك وانظر ما كتبناه في ذلك في مقالنا السابق بعنوان " لا علمانية مع الإسلام " وهكذا ينبغي أن يكون الدين. الاتجاه الثاني: الوضعية الثانية المقترحة لإرساء العلاقة بين العلم والدين: هي وضعية (التوفيق) بينهما في النتائج: وإن اختلفت الوسائل. ومن الواضح أن هذا الشعار - شعار التوفيق - إنما يرفع في ظل سيادة العلم، فهو يعنى أن يكون المرجع في عملية التوفيق هذه إلى العلم لا إلى الدين، ومعنى هذا أن يعاد تفسير الدين أو نصوصه أو معطياته - عندما يبدو أنها تتعارض مع العلم - لكي تتفق مع مقررات العلم التي يستقل بتقريرها بحرية كاملة، دون وصاية من أحد.. وشرط هذا التوفيق أن يبدو النص الديني متقبلا للتفسير الجديد، دون محاولة التخلص منه. ويبدو أن هذا الاتجاه تمارسه المسيحية جزئيا عندما يكون هذا التوفيق ممكنا، كما يمارسه بعض الدعاة في الإسلام وهو سهل عليهم، لما سبق أن قررناه عن خلو القرآن من التناقض مع العلم. ونحن نقر هذا الاتجاه في مجال الدعوة التي تستهدف الهداية، ولا نقره في مجال تأصيل القضية: قضية صياغة العلاقة بين العلم والدين. ذلك لأنه في مجال الدعوة يباح للداعية أن يؤثر في المدعو بما يتيسر له من وسائل مقبولة ومستحبة، إذ العبرة في الوصول إلى هداية المدعو، وعندئذ للداعية أن يتوسل لذلك بالقدوة الشخصية، وله أن يتوسل لذلك بنوع من السلوك المحبب، وله أن يتوسل لذلك باعتماد المدعو لوسيلة الفلسفة أو العقل، وله أن يتوسل لذلك باعتماد المدعو لوسيلة الوجدان، وله أن يتوسل لذلك باعتماد المدعو لوسيلة "العلم"... الخ. إذ العبرة في النهاية بجذب المدعو إلى ساحة النجاة، وأمن الإيمان، بالمقياس الذي يرتاح إليه. أما في مقياس النظر الأصولي في وضعية العلاقة بين العلم والدين، فذلك الوضع - وضعية التوفيق - غير مقبول في مقياس الفلسفة العلمية أو في مقياس العقيدة الدينية على السواء. أ) أما انه غير مقبول في باب الفلسفة العلمية فذلك: لأن العلم لا يقر بمشروعية استفادة الدين به، وهو يرى أن تصديقه لبعض حقائق الدين إنما يقع اتفاقا – أي مصادفة -، أو هو على أحسن الفروض ظاهرة تفتقر إلى تفسير تجريبي مفتوح على المستقبل، وهو على كل حال اتفاق لا قيمة له في نظر المنهج العلمي. ومن وجهة نظر المنهج العلمي، وكما يقول أحد فلاسفة الإلحاد المعاصرين - أرنست هيكل 1840 / 1919 -: (الأديان تقوم على الوحي، والعلم لا يعرف إلا التجربة، ولا قيمة في نظره لأي فكرة إذا لم تكن تعبيرا مباشرا عن وقائع، أو نتيجة لاستنباط محدود قائم على القوانين الطبيعية). وكما يقول أحد الفلاسفة المعاصرين - أميل بوترو -: (إن العلم أصبح يكفى نفسه في نموه وتطوره، وإن أول سمة للروح العلمية من الآن فصاعدا هي عدم التسليم بأي مبدأ للبحث، وأي مصدر للمعرفة سوى التجربة، فالعلم يوضع في نظر العالِم كأنه أمر أولي مطلق، ومن العبث أن يطلب منه اتفاقه مع أي شيء...)، (وبالرغم من أن العلم الحديث يتسم بالتواضع، ويعترف بنسبية المعلومات التي يتوصل إليها ولا يدعى لها الصحة المطلقة إلا أن ذلك لا يعني - في مفهوم العلم التجريبي - أنه يعترف بأن خارج الميدان الذي يتحرك فيه العلم يوجد ميدان آخر يباح لأنظمة أخرى أن تعيش فيه، ولكنه على العكس من ذلك يعمل على أن يمنع العقل البشرى من ارتياد أي ميدان ليس في متناول العلم، لأنه إذا كان ثمة شئ لا يمكن أن يعرفه العلم فهذا الشيء من باب أولى لا يمكن أن يعرفه أي نظام آخر). والعلم وفقا لإحساسه - المزيف - بالكفاية التي يختص بها نفسه فانه حين يقول: إني أعلم، فمعنى ذلك أن الشيء الذي يعلمه موجود بالنسبة للمعرفة البشرية، وحين يقول العلم: لا أعلم فهذا يعنى إن أحدا لن يدعي المعرفة. وبناء على ذلك فإن العلم الحديث المتواضع العارف لحدوده ليس أكثر ملاءمة للدين من العلم الدجماطيقي – أي القطعي -، فالدين من وجهة نظر العلم - في الحالتين - ليس إلا مجموعة تصورات تعسفية. ولا يكفى - من وجهة نظر العلم - أن نتعلل بأن ما نتمسك به مما يتجاوز حدود العلم يمكن أن يأخذ مكانته باعتباره "اعتقادا" لأن "الاعتقاد" من وجهة النظر العلمية ليس له قيمة إلا إذا كان ثمرة ملاحظة وتجريب. ب) أما أن هذا الاتجاه - أعنى وضعية التوفيق على أساس العلم - غير مقبول دينيا: فذلك لأن هذا التوفيق - وقد أشرنا إلى أنه يتم على أساس العلم - يلغى جوهرية الدين ويسقطه من منزلته. ذلك لأن جوهر الدين يقوم في كونه متبوعا لا تابعا، إنه كلمة الوحي ولا يمكن أن تنتظر كلمة الوحي أو تتعطل أو تتحور تبعا لكلمة العلم مهما تكن درجته من الظن أو درجته من اليقين. والدين بغير وحي ليس دينا. والدين بغير اتَباع ليس دينا. وعلى هذا فإن الدين ينكر هذه الوضعية المقترحة وضعية "التوفيق" بينه وبين العلم، وهى كما قلنا تقوم - عصريا - على سيادة كلمة العلم. وقد يقول قائل: إن هذه التبعية ليست للعلم إلا لأنه حق، والدين لا يتعارض مع الحق، وهذا شبيه بما قاله ابن رشد في كتابه " فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال " في التوفيق بين الدين والفلسفة. وهنا نحيل مرة أخرى إلى المنهج إجمالا فنقول: منهجيا من الذي يحق له أن يعلن أنه توصل إلى "الحق"؟ الوحي؟ أم جهد بشرى في الفلسفة؟ أم جهد بشرى في العلم؟ من الواضح أن "الدين" لا يمكن أن يتنازل عن سيادته المنهجية إلا بالتنازل عن كيانه وجوهره. كما نود فيما يأتي أن نفصل الكلام في هذه المسألة بعض التفصيل من ناحية المسائل التي يتقدم بها العلم لتوضيح بطلان المطابقة بين العلم والحق؛ مسائل العلم يمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات: 1) النظريات؛ كنظرية النشوء والارتقاء. 2) والقوانين؛ كقانون الجاذبية. 3) والوصف المباشر للوقائع؛ مثل إحصائية لحركة المرور في شارع أو ميدان، أو الكشف عن أطوار التكوين للجنين. ومن الواضح أنه لا مجال لافتراض التعارض بين الدين الصحيح وبين الوصف المباشر للوقائع وذلك لسبب بسيط هو أن هذا الوصف لم يكن يوما - ولن يكون - ملكا للعلم على أي نحو من الأنحاء. إنه مقدمة للدخول في العلم؛ والعلم إنما يبدأ بوضع هذا الوصف في نظرية أو قانون. يقول فيليب فرانك في كتابه "فلسفة العلم": (إن مجرد تسجيل المشاهدات لا يزودنا إلا بنقاط "راقصة"، وأن العلم لا يبدأ إلا إذا استطردنا من هذه الخبرات المستساغة "خبرات الفطرة السليمة" إلى الأنماط البسيطة للوصوف التي نسميها "نظريات" [انظر فلسفة العلم لفيليب فرانك ص 24 ومابعدها]، لنتخيل أننا أسقطنا جسما في الهواء. وليكن مثلا قصاصه ورق خفيفة "مثل ورقة السيجارة" فماذا يحدث؟ إذا فعلنا ذلك مرات عديدة - مئات أو آلاف المرات - فسوف نلحظ أن تحرك الورقة يختلف في كل مرة عن تحركها في المرات الأخرى. وتراكم هذه المشاهدات ليس علما. وليست هذه هي الطريقة التي يعمل بها الفيزيائي ما لم تكن في مجال غير متقدم كثيرا حيث لا يكاد يعرف عنه أي شيء) [فلسفة العلم ص 24 - 25]. ومن جهة أخرى يقول فيليب فرانك أيضا: (من المهم أن نتذكر دائما أن العلم ليس جمعا للحقائق. فليس هناك علم يبنى بهذه الطريقة. فإذا جمعنا نصوصا تبين الأيام التي يسقط فيها الجليد على لوس أنجلوس فهذا ليس علما، ولا يكون لدينا علم إلا إذا وضعنا مبادئ نستطيع أن نستنبط منها الأيام التي سوف يسقط فيها الجليد على لوس أنجلوس. وفوق ذلك إذا كانت المبادئ التي نضعها تبلغ من التعقيد حدا مثلما تبلغه الخبرة ذاتها فلن يكون ذلك اقتصادا ولن يكون علما بمعناه المحدد. إن عددا كبيرا من المبادئ يستوي مع مبدأ واحد شديد التعقيد... إذا لم يكن هناك عدد صغير من المبادئ، وإذا لم يكن هناك تبسيط فلن يكون هناك علم وإذا قال امرؤ إنه لا يريد معادلات، وأن ما يريده هو مجرد الحقائق كلها، فإنه يكون ساعيا فقط إلى الخطوة التمهيدية للعلم، وليس إلى العلم نفسه) [فلسفة العلم لفيليب فرانك ص 66 - 67]. فإذا نحن استبعدنا الحقائق المفردة من مجال بحث العلاقة بين العلم والدين ينتقل بنا الكلام عن هذه العلاقة في مجال النظريات والقوانين العلمية. وهنا نعود لمناقشة القول بأن العلم يمثل "الحق".. لنحيل إلى ما تقرر في الأوساط العلمية من أنه لا يقين في العلم، وإنما ظنون وظنون، تقدم للتجربة، لتمتحن فيها، لتتعدل إلى ظنون أخرى لتقدم للتجربة، لتمتحن مرة أخرى، وهكذا بغير نهاية، وهذه هي نقطة الضعف في العلم، وهى سر الاستمرار والتقدم فيه أيضا. إن الاتجاه الوضعي المعاصر يذهب إلى اعتبار القانون العلمي اختراعا وليس كشفا. يقول فيليب فرانك: (يبحث العالم عن صيغة يستطيع المرء أن يستنبط منها الوقائع المشاهدة ويتطلب العثور عليها تصورا خلاقا من جانب العالم. وإذا أردنا أن نصف هذا العثور على الصيغة فإن هناك طريقتين لهذا الوصف؛ فيمكننا أن نقول : إن هذه الصيغة من اختراع العالِم، وأنه لم يكن لها وجود قبل أن يعثر عليها العالِم. إننا نقارنها باختراع مثل اختراع التليفون الذي لم يكن موجودا قبل أن يخترعه "الكسندر جراهام بل" فالفرض أو الصيغة هي نتاج للتصور البشري، هي نتاج لقدرة العالِم على الاختراع. ويجب اختبارها بالتجربة الحسية. والطريقة الثانية يمكن أن نقول: إن الصيغة كانت موجودة دائما ضمن الحقائق المتطورة، وقد اكتشفها العالِم كما اكتشف كولومبس أمريكا والعالم ليس مخترعا، إنه "يبصر" الصيغة "بفطرة الباطن"... فالعالم يستخدم البصيرة في اكتشاف الصيغة). وهنا يأتى السؤال: أي الطريقتين نختار؟ يقول فيليب فرانك: (تتفق الطريقة الأخيرة في وصف نشاط العالِم مع تقاليد الفلسفة المدرسية "الكلاسيكية"). وهذه الفلسفة كانت - كما يقول هانزريشنباخ -: (تعتقد بوجود بصيرة رؤية بواسطة العقل تناظر الرؤية بواسطة العين، وهذا التماثل بين الرؤية بالعقل والرؤية بالعين هو الذي دعا الفلسفةالتقليدية إلى القول بأن البدهيات غنية عن البرهان) [أنظر فلسفة العلم ص37]. أما الطريقة الأولى التي تصف العالِم بأنه مُخترع فهي - كما يقول فيليب فرانك -: (أقرب إلى خط الفلسفة الوضعية، والفلسفة الذرائعية)، ويقول: (يقول المحدثون من العلماء إن الفروض والصيغ من نتائج التخيل، وإنما تختبر بالتجربة والخطأ..) [فلسفة العلم ص 34، 35]. وسواء كان هذا أو ذاك فهي تتزحزح عن مرتبة اليقين. إن العلماء يصرحون اليوم بأن التجربة تعزز الفرض ولا تثبته، وانه لا يوجد ما يسمى "التجربة الحاسمة". يقول فيليب فرانك: (إن الفرض لا يمكن "إثباته" فالتجربة "تعزز" أحد الفروض فإذا لم يجد شخص ما حافظته في جيبه فإن ذلك يعزز الفرض بوجود لص بالمقربة، ولكنه لا يثبت هذا الفرض، فقد يكون هذا الشخص قد ترك حافظته في بيته، ومن ثم فإن الحقيقة المشاهدة قد تعزز فرضا آخر بأنه نسيها. وأية مشاهدة تعزز كثيرا من الفروض. والمشكلة هي أن تحدد درجة التعزيز المطلوبة، فالعلم يشبه قصة بوليسية. إن كل الحقائق قد تعزز فرضا معينا، ولكن الفرض الصحيح قد يكون مختلفا اختلافا كليا. ومع ذلك يجب أن نقر بأنه ليس لدينا معيار للحقيقة في العلم غير هذا المعيار). ويقول بيير دوهيم: (إن التجربة الحاسمة في الفيزياء أمر مستحيل) [فلسفة العلم ص 36، ص 55]. ومن ذلك يتبين لنا أن ما يقدمه العلم من النظريات والقوانين لا يصل إلى مرتبة اليقين. وهي - أي هذه النظريات والقوانين ليست "الحق" الذي ترتعد أمامه الفرائص، ويتحدى الإيمان، أو يستولي عليه. وعند هذه النقطة من البحث فإن العلم الخالص يلتزم الصمت، لتتقدم " الفلسفة العلمية " لتحتل منصته في المناقشة. ومن هنا ندخل إلى الاتجاه الثالث في تحرير العلاقة بين العلم والدين. هذا الاتجاه الثالث: يرى بين يديه الحالة الواقعة في المواجهة بين الدين والفلسفة العلمية - المتخفية وراء العلم - ليكون لأحدهما الكلمة العليا. وهنا يظهر تياران: أ) تيار إسلامي: يجعل الكلمة العليا للدين، وعندئذ فهو يعترف للعلم بوسائله، ولكنه "يستخدمها" لأهدافه العليا، ليصل منها إلى "نتائج" تتفق مع هذه الأهداف ولا تختلف معها. وإذن فهي معركة بين "الفلسفة العلمية" والدين، ينبغي في نظر هذا التيار أن تنتهي، لا بالقضاء على العلم، ولكن بإخضاعه للدين باعتباره خادما له، أو وسيلة من وسائله. وإنك لتجد الأمر على هذا النحو - أي صيرورة العلم خادما للعقيدة - في أشد البيئات تمسحا بشعار العلم. ففي مقال نشرته البرافدا في عام 1949 يقول رئيس أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي س. أ. فاينلوف تحت عنوان "لينين والمسائل الفلسفية للفيزياء الحديثة": (إن الفيزياء السوفيتية!! تبنى عملها على ما اعتنق العالِم من "المادية الديالكتيكية" وليس العكس)، وفى مقال آخر نشرته مجلة أسبوعية إنجليزية "ناتشر" في مايو 1950 يقول أحد أعضاء هذه الأكاديمية: (إننا أعلنا مرارا ولا نزال نعلن أن العلم إنما هو علم حزبي طبقي). ولسنا بحاجة إلى أن نؤكد أن هذه الوضعية هي السائدة في الجانب المنتصر من الحضارة المعاصرة إذ يقوم العلم بدوره كخادم للعقيدة السائدة؛ تلك التي تقوم على مفاهيم المتعة الحسية، والقوة المادية، والسيطرة على الآخر، وهى مفاهيم ورثتها الحضارة الأوربية المعاصرة عن الحضارة الرومانية القديمة وأكدتها أنظار الفلاسفة الذين قيض لهم السيطرة على العقل الحديث. وهذا الاتجاه لا يفترق في جوهره عن الدور الذي كان يمارسه رجال اللاهوت في العصور الوسطى في أوربا، وكما يقول الأستاذ إسماعيل مظهر في مقدمته لترجمة كتاب "بين الدين والعلم": (قامت لدى اللاهوتيين فكرة ثابتة في أن العلم لا يصح أن يبشر فيه بأقل مخالفة لما جاءت به الأسفار المقدسة والمتون). هكذا الأمر في جميع الحضارات والعصور؛ يحتل العلم مكانته تحت توجيه الدين، والفرق بين حضارة وأخرى، وبين عصر وآخر إنما يأتي من طبيعة الإيمان الذي تعتنقه الحضارة أو يعتنقه العصر، وإنه في ظل العقيدة الإسلامية لم يجد العلم نفسه في حالة حصار أو إحباط، وإنما كان الأمر على العكس من ذلك، وجد العلم نفسه - والعقل أيضا - محررا من أغلال النظم المزيفة الصادرة عن غير الله تعالى، مالكا الأمان في رحاب النظام الإلهي، ومن ثم كان من الطبيعي أن تأخذ النزعة العلمية في الحضارة الإسلامية أعلى مقام أخذته في التاريخ. ولسنا نريد أن نكتب في هذا المقام كلاما مكررا عن أستاذية الحضارة الإسلامية للمنهج التجريبي الذي قامت عليه الحضارة الحديثة، فهذا ما شهد به المؤرخون جميعا، ولكني أكتب لأنبه إلى تحديد وضعية العلاقة بين كل منهما، لأنه بدون هذا التحديد سندخل في متاهات محيرة ومهاو مدمرة، لا تقل خطورة عن الظن بحتمية التعارض بينهما. وكما أوضحنا فان هذه الوضعية لا يمكن أن تقوم على الفصل بينهما - كما هو الأمر في التاريخ القديم والحديث على السواء - كما لا يمكن أن تقوم على فكرة التكامل لأن هذا التكامل مرفوض إسلاميا، بقدر ما هو مرفوض واقعيا.إنه لابد من أن يقوم العلم بدوره المقدور له دائما؛ تابعا للدين. وإذا كنا قد أثبتنا ذلك من الناحية التاريخية فإن إثباته من الناحية النظرية لا يقل أهمية؛ ذلك أن العلم لا يمكنه أن يمارس دوره إلا في ظل مجموعة من القيم تقوده في الطريق، وكما يقول الأستاذ فانيفاربوش الرئيس الفخري لمعهد ماساشوستش للتكنولوجيا: (الذي يتبع العلم اتباعا أعمى ولا يتبع إلا العلم يصل إلى سد لا يستطيع أن يتجاوزه ببصره). ويكفى أن نضرب هنا مثلا قدمه بعض المهتمين بالقضية لحالة قد يظن أنها خالصه للعلم، تلك هي إذا ما أردت من أحد العلماء أن يصمم لك طائرة، إن الأمر في هذه الحالة لا يمكن الخطو إليه خطوة واحدة إلا في ظل مجموعة من القيم، وذلك أنه لو استعمل العالم - مثلا - مادة ثقيلة أكثر مما يجب لكان مخطئا، لما يؤدى إليه ذلك من عجز الطائرة عن التحليق، لكننا في هذه الحالة نكون قد استنجدنا بحكم قيمي، يوضح لنا أهمية "التحليق"، وكذلك الأمر في تعلقه بجوانب أخرى من هذه العملية حيث نستند إلى مجموعة من القيم الأخرى التي توضح الغاية المرجوة من صنع الطائرة، وقد تتضارب الغايات التي يهدف المرء إليها فيحاول صنع طائرة صالحة للعمل بأدنى تكلفة ممكنة، أو طائرة تستطيع التحليق إلى أعلى ارتفاع ممكن، أو قد تكون الغاية هي السرعة القصوى، أو المتانة القصوى، أو السلامة القصوى، ومن المحتمل أن تكون الأهداف المتباينة مما لا يمكن تحقيقه إلا بوسائل متباينة، لذلك فسلوك العالِم يتوقف في النهاية على تقرير الهدف الذي نقدمه له وتقرير هذا الهدف يتوقف على تقرير القيمة التي نعتنقها. وكما يقول أحد فلاسفة العلم: (إنك إذا سألت عالِما عن الطريق الواجب عليك أن تسلكه؟ لكان جوابه الوحيد الذي يمكنه الإدلاء به هو؛ هذا يتوقف إلى حد بعيد على المكان الذي تقصده). وإذا كان ذلك يبين لنا أنه لابد من أن يعمل العلم في ظل مجموعة من القيم السائدة، فإنه ينبغي أن يكون من الواضح أننا إن لم نبادر إلى تنمية هذه القيم وتصحيحها بوصاية العقيدة والإيمان، فإن العلم يصبح أداة طيعة للقيم المنهارة المدمرة. وتتضح خطورة هذه القضية أكثر ما تتضح في ظل التقدم الهائل الذي أحرزه العلم الحديث. ولقد كان الفيلسوف الفرنسي المعاصر هنري برجسون على حق حينما قال: (يتطلب جسدنا المتوسع - بفعل التقدم العلمي الحديث - زيادة في الروح..) وكما يقول العالم الفيزيائي المعاصر الشهير لويس دي برولي: (على قدر ما تتزايد الوسائل التي أودعها العلم والتقدم الصناعي تحت أيدينا للعمل وبالتالي للتدمير فإن الخراب الذي نستطيعه يصبح مداه أعظم اتساعا، والجراح التي تتولد عن ذلك لا تشفى سريعا). ويكفى أن نشير هنا إلى إمكانية واحدة رهيبة يشير إليها العالم الشهير؛ تلك هي أنه منذ أكثر من نصف قرن يستخدم الفوضويون القنابل على نطاق واسع ويلقونها على الناس في الأماكن العامة، أما الآن فان العصابات الدولية أصبحت قريبة من تصنيع القنبلة الذرية: "فكيف يكون الأمر لو نجح الفوضويون الجدد في استخدامها في تهديد مدن بأسرها"؟ هنا نمسك بتلابيب المأساة وجوهرها الحقيقي؛ إن كل زيادة في قوة التأثير - يقدمها العلم - تزيد حتما القدرة على الإضرار وكما زادت قدرتنا على الغوث والإعانة زادت قدرتنا على الإساءة ونشر الدمار. هنا يصبح لمشكلة القيم مغزى أعظم مما كان لها في أي عصر من العصور. بل إن خطر هذه المشكلة - مشكلة - القيم - يعود ليؤثر في الوضع الذي يحتله العلم نفسه، وليتقاضاه ثمن ما قدمه من مساعدة للقيم المنهارة. ويكفى أن نشير هنا إلى نقطة تغيب عن كثير من الناس، تلك هي أنه إذا كان العلم الحديث قد ازدهر في ظل قيمة "الحرية" فإنه في الآونة الأخيرة - وبفضل ما أحرزه من تقدم رهيب - أصبح من الضروري أن يدخل شيئا فشيئا إلى قبضة السلطة الحاكمة، إذ أين هي السلطة التي تجد أن بإمكانها أن تبتعد عما يحدث في معسكر العلم مع ما يمثله ذلك من تهديد خطير لأهداف المجتمع، إن الدولة هنا لا تجد مناصا من أن تعنى بالبحث العلمي أكثر من ذي قبل، بل تجد نفسها مضطرة إلى السيطرة على أسرار معينة، ومضطرة أيضا إلى أن تخضع النشاط العلمي للتنظيم والتفتيش اللذين لم يتعود عليهما. وكما يقول لويس دي برولي عالم الفيزياء الذي سبق أن ذكرناه: (إنه حتى في الولايات المتحدة لم يعد العلماء الذين يعرفون أسرار الذرة يملكون حرية الحركة..). وهنا يتعرض العلم الحديث لدور تاريخي مناقض للدور الذي انتعش في ظله، وتعود مشكلة القيم لتؤكد دورها الرئيسي في قيادة العلم. وإذا كنا قد توصلنا إلى هذه النتيجة وهى قيادة القيم للعلم، فإنه من الواضح أن نسلم بقيادة العقيدة له، لأن القيم لا تستقى إلا من العقيدة، ولا تقوم إلا عليها. وهنا نود أن نعلن أن الإسلام وحده هو الذي يقدم مجموعة القيم التي تضع العلم في مناخ يسمح له بالنمو إلى حيث يشاء، وتقوده في نفس الوقت في طريق التقدم "بالإنسان". ويكفى أن نشير هنا إلى حقيقة، تلك هي؛ أن من يوكل إليه صياغة هذه القيم ينبغي أن يحيط علما بكل شئ، إنه إذا كان الإنسان جزءا من هذا الكون، يؤثر فيه ويتأثر به فإنه من المقرر أنه لا يمكن أن تعرف الجزء معرفة دقيقة حتى تعرف الكل الذي ينتمي إليه. وكما يقول الأستاذ مونتاجيو أحد علماء الأنثروبولوجيا المرموقين وهو بصدد الدعوة لاستخدام العلم في تحسين حاضر البشر ومستقبلهم: (إن التعليم الضئيل شئ خطر، وإنه لمن الضروري والحالة هذه التزام أعظم جانب من الحذر عند بحث جميع المشكلات أو التوصيات التي تهدف إلى التحكم لا في حياة الأحياء فحسب، بل أيضا في حياة الذين لم يولدوا بعد). ومن هنا فإننا نقول: إن الكلمة في هذا المقام لمن يحيط علما بالكون، إنها ليست للعلم أو الفلسفة أو الإنسان، وإنما هي للوحي الذي يعبر عمن يحيط علما بكل شئ. {وكان الله بكل شئ محيطا}. {إن الله قد أحاط بكل شئ علما}. {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}. {وخلق كل شئ فقدره تقديرا}. {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}. إن الله سبحانه وتعلى هو وحده صاحب الكلمة لأنه وهو صانع الإنسان يصبح من ثم - ونزولا على منطق التكنولوجيا أيضا - ليس لأحد غيره باعتباره الصانع أن يرسم لك طريقة بناء المصنوع أو تشغيله. وأنت إذا تجاوزت الصانع في تشغيل المصنوع، انتهيت إلى تدمير المصنوع، هذه بديهية مستقاة من منطق العلم ومن عالم الصناعة معا، ومن هنا فإننا إذا كنا بصدد صياغة القيم التي تقود العلم في طريق الإنسان كان لا مفر لنا من الالتجاء إلى صانع الإنسان، ويصبح الأمر من ثم لا مجال فيه للدعوة إلى علمنة القيم، وإنما ينقلب الوضع لتعود الرأس إلى مكانها الطبيعي، وليصبح العلم هو الرجلين اللتين تخطوان بالإنسان وفقا للتوجيه الصادر من الدين. والنتيجة النهائية لما كتبناه هي أنه يلزم في الوقت الراهن أن نهتم بوضعية العلاقة بين العلم والدين، وأنه لا مفر واقعيا ونظريا من أن يحتل العلم مكانته في هذه الوضعية: تابعا مطيعا للدين. وهذا هو التعبير الصحيح عن التيار الإسلامي في وضعية المواجهة بين العلم والدين، تنتهي فيه هذه المواجهة إلى تسليم العلم قياده للدين. ب) وهناك تيار علماني إلحادي يجعل الكلمة العليا للعلم؛ وعندئذ فهو ينكر على الدين نتائجه ووسائله على السواء، ويحاول أن يقتلعه من جذوره. كما كان يتصور طه حسين في كتابه الذي اقتطفنا منه في أول المقال، وإذن فهي معركة بين العلم والدين، ينبغي في نظر هؤلاء أن تنتهي بالقضاء على الدين. وينطلق "الإلحاد العلمي" هنا من قواعد تنتمي إلى "الفلسفة العلمية ولا تنتمي إلى العلم ذاته" لأن العلم في أبوابه الأصلية - النظريات والقوانين - يعلن أنه يقوم على الظن لا على اليقين. والفكر الإسلامي لا ينبغي له أن يهاب هذا الموقف، فهو مفروض عليه سواء أراد أو لم يرد. إنه لم يعد كافيا في الدفاع عن الدين ضد الإلحاد المستند إلى العلم "كذبا" أن نقتصر على بيان اختلاف المجال في كل من الدين والعلم من ناحية، أو بيان التوافق بينهما من ناحية أخرى، فهذا الموقف يدخل السرور على عتاة الإلحاد العلمي لأنهم يدركون قصوره، إنما الموقف الذي ينبغي أن نقتحمه؛ هو موقف الحسم، على المستوى النظري على الأقل، والحسم هنا أمر مطلوب لمنع التداعيات الفاسدة التي يمكن أن تترتب عادة على الميوعة السائدة في هذا المجال، وهو حسم واجب وجوب الحسم الذي نراه في قضية موازية؛ العلاقة بين الدين والسياسة، إن اللبس والدعايات المأجورة تنفث سمومها من حيث ترك الإجابة على السؤال الآتي: أيهما يخدم الآخر؛ الدين يخدم العلم؟ الدين يخدم السياسة؟ هنا نقطة الانحراف، هنا يسمع فحيح الأفعى، وكلاهما من جحر العلمانية. يجب أن نحسم الأمر: السياسة هي التي تخدم الدين. العلم هو الذي يخدم الدين. والدين - وبالتحديد الدين الإسلامي – لا مكان فيه ألبتة لما يسمى "رجل الدين" أو "المؤسسة الدينية". وقد استدللنا على ذلك. هنا يجب أن ننتقل من الدفاع إلى الهجوم، والهجوم هنا ينبغي أن يتجه إلى ضرب القواعد التي يستند إليها الإلحاد المعاصر "العلمي" في محاربته للدين؛ وهذه القواعد في تقديري ثلاثة: القاعدة الأولى: الزعم بإنكار كل الغيبيات التي لا يمكن إخضاعها للملاحظة والتجربة. القاعدة الثانية: الزعم بأن حتمية القوانين الطبيعية من ناحية وقوانين التطور التقدمي من ناحية أخرى يمكن الاستغناء بهما عن افتراض وجود الله وعلمه وإرادته كتفسير لوجود العالم وحركته وتغيره. القاعدة الثالثة: ادعاء كفاية المنهج العلمي في المعرفة من ناحية، والقيم من ناحية أخرى، والاستغناء به عن المناهج المعرفية الأخرى التي تقوم بها الفلسفة الميتافيزيقية أو الدين. وهنا نجد المجال مفتوحا أمام الباحثين لضرب هذه القواعد. وبهذا يتم في تقديرنا قتل حشرات العلمانية التي خربت طويلا في ثقافة العصر، ودمرت إمكانية التقدم في بلادنا الإسلامية والعربية منذ أكثر من قرن..... نقل بتصرف....والله من وراء القصد
|
#2
|
|||
|
|||
مقال جميل لكنه جدا طويل . الخلاصة تقول أن العلمانية ترى في الدين عائق دون العلم بمافيه من تشريعات تصنف _تحذر _ وتحرم . هذا كل شيء تحياتي
|
#3
|
|||
|
|||
علمانية الغرب هدمت دينهم الباطل واتجهت نحو علوم الارض
وعلمانية الاعراب تنحية الدين عن كل شي للتمتع بالشهوات وخدمة المحتل
|
#4
|
|||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||
أختي الكرسمة(الفاضلة)/عنفوان.....جزاك الله خيرالجزاءوبارك فيك واثابك ورفع قدرك....نعم المقال طويل...ولكنى اتسأل كيف نواجهه تيارت الالحادودعوات التغريب بفكرشبة فارغ وبثقافة محدوده؟...ارجوكم بل اتوسل اليكم ان تقرأوا...واقسم بالله العظيم ان مثل هذاالمقال واطول منه لن ياخذمن وقتكم الكثيركم من اشياءتافهه نهتم بهاونفردلهاوقتناكله....كل الشكروالتقديروالعرفان لك أختي....والله يوفقك دائماوابداويسددعلى طريق الحق والخيرخطاكم والجميع اللهم امين....مع خالص تحياتي وتقديري لشخصكم الكريم....والله من وراءالقصد....
|
#5
|
|||
|
|||
شيخ يقف فى وسط المانيا ويقول من يريد اعتناق الاسلام وأنظر ماذا حدث
|
#6
|
|||
|
|||
شاب مسيحي يسأل شيخ مسلم سؤال واحد ودخل بالاسلام
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |