العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (فضل المسير إلى المسجد) الدكتور عثمان قدري مكانسي حفظك الله أبا أيمن، وبارك فيك، وجعلك من خاصته، وأهل طاعته.
هكذا استقبل أبو حسان أخاه أبا أيمن حين رآه قادماً من المسجد في حرِّ الرمضاء وقد أدى صلاة الظهر في المسجد جماعة، لا يثنيه عن ذلك بعد المسجد، ولا ظلمة الليل، ولا هجير الظهر، وشدة الرطوبة التي يلفح حرُّها وجهه المشرق بالإيمان، ثم قال له: ما الذي يشدك إلى الجامع على الرغم من هذا الطقس الذي يُحيل حرُّه الجسمَ عرقاً، ولهيبه الرملَ جمراً؟ قال أبو أيمن: قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من غدا إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أو راح))، وسكت قليلاً يمسح العرق عن جبينه ثم قال: وقولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من تطهَّر، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة)). ألا ترى يا أخي أننا كثيرو الذنوب والآثام؟ وليس لنا من العمل الصالح إلا القليل؟ وكثرة خطانا إلى المساجد، ومنها، تمحوها وتكسبنا الحسنات دون عناءٍ يذكر. قال أبو حسان: كتب الله لك العافية وجمّلَكَ بالصبر، أفلا استأجرت سيارة إلى المسجد، أو انتظرتني لآخذك في طريقي إليه؟ قال أبو أيمن: إذاً فاستمع إلى هذه القصِّة لتدرك زهدي فيما رَمَيتَ إليه: كان رجل من الأنصار، لا أحد أبعدُ من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء إلى المسجد؟ قال: ما يسرُّني أنّ منزلي إلى جنب المسجد؛ إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً يسمع إلى حديثه فقال له: ((قد جمع الله لك ذلك كله)). وأنا مثله أرجو هذا الثواب يا أخي. قال أبو حسان: صدقت يا أخي، متعك الله بالصحة، وكتب لنا ولك الأجر العميم، فقد روى جابر رضي الله عنه فقال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم: ((بلغني أنكم تريدون أن تنقلوا قرب المسجد؟)) قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك. فقال: ((بني سلمة!! ديارَكم تُكتبْ آثارُكُم، ديارَكم تُكْتب آثارُكم)). فقالوا: ما يسرُّنا أنّا كنّا تحوّلنا. قال أبو أيمن: أما المسير في ظلمة الليل إلى العشاء، وصلاة الصبح فأجره عظيم جداً، نورٌ في البصر والبصيرة، وأمان على الصراط ويوم الحشر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((بشّروا المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التامِّ يوم القيامة)).أفرأيت أحسنَ من هذا يا أخي؟ قال أبو حسان: لا والله، تبذل الجهد القصير في هذه الدنيا الفانية، فتنال الأجر الدائم، والثوابَ القائم في الدار الباقية. فهنيئاً لك يا أخي الحبيب ممشاكَ إلى المسجد في الأوقات كلها. وهنيئاً لك صلاة الجماعة ذات الأجر المضاعف. وهنيئاً لك رضا الله سبحانه وبشرى نبيّه الكريم. رياض الصالحين باب فضل المشي إلى المساجد يتبع
|
#32
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (شكوى الجمل) الدكتور عثمان قدري مكانسي دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بستاناً لأحد الأنصار، وكان هذا البستان واسعاً مُسوَّراً يكثر فيه النخيل، وكانت الظلال الوارفة تطرد الحَرَّ وتهيئ لمن جلس فيها أنساماً باردة تداعبه وتغريه بالبقاء فترة من الزمن يتمنّى كل لحظة أن تطول، وكان خرير الجداول المنبثة بين الأشجار عزفاً لطيفاً يملأ المكان أنساً ولطافة يغريان بالصمت، ويشدان الآذان إلى التحليق في أجواء موسيقى طبيعية حلوة.
وإلى جانب السور جمل بدا كله ملتصقاً بالأرض، ساكناً، يحرك عنقه بين الفينة والأخرى، يمضغ بعض الأشواك، ويرسل رغاءً خفيفاً بين الحين والآخر، فلما رأى الجمل رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إليه بعينين سالت مدامُعها وبدأ صوته يتوالى، ومد رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . لقد عرف فيه إنساناً رؤوفاً رحيماً، ونبياً عطوفاً كريماً، لا تعجب! فالحيوانات كلها كانت من جند سليمان عليه السلامُ تعرف مقداره ومكانته وتقرُّ له بالنبوة والطاعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ذو المكانة الأرفع والمقدار الأسمى له من الآيات الدالة على محادثته الحيوان القصصُ الكثيرة، بل إن الجذع حنَّ إليه، ومال نحوه، وأصدر أنيناً حزيناً حين فارقه الرسول صلى الله عليه وسلم على منبره، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، وخطا إليه يمسح عليه ليسكت، ويعدُه أن يكون من شجر المدينة إن صبر. جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجمل فمسح سنامه ورأسه وأذنيه بيده الرحيمة، وربتّ على رقبته، فسكن الجمل واستكان إليه. هذا الحيوان الأعجم هدأ حين وضع الرسول العظيم يده الحانية عليه وشعر بالأمان والاطمنان، وعلم أنه بين يدي أكرم الخلق على الله سبحانه، وعلم أنه وصل إلى من ينصفه، ويدفع عنه الظلم، فأسلم قياده إليه، واعتمد في رفع ظُلامته عليه، لقد آوى إلى ركن ركين، وملاذٍ أمين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من صاحب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟)) فانطلق أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس صاحبه ويبحث عنه، فلما عرفه، دعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء مسرعاً قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما شأن جملك هذا؟ وماذا كلّفتَه؟)). قال الأنصاري صاحب الجمل: لا أدري ما شأنه يا رسول الله، ولكنْ حملنا عليه أثقالاً كثيرة، ثم ربطناه إلى الساقية يدور حولها ليرتفع الماء فنسقي النخيل والأشجار، فبذل جهده، ثم توقف وقد ظهر العجز عليه، وهذا أمرٌ لم نكن نعهده فيه، فاتفقنا على نحره، وأكل لحمه، فقد أسنّ ولم يعد للعمل صالحاً. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تفعل ذلك، وأرِحه، وأكثر عَلَفه، ولا تكلفه إلا ما يُطيق، واتق الله فيما ملّكك من البهائم، ليبقى عليك فضله، ويزيدك من رزقه. فإن هذا الجمل شكا إليَّ أنك تجيعه، وتتعبه في العمل فلا تقابل نعمة الله بمعصيته، بل بالشكر والإحسان ليدوم لك الامتنان)). رياض الصالحين باب آداب السير، وأمر من قصّر في حق الدابة بالقيام بحقّها يتبع
|
#33
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (الجهاد طريق الجنة) بقلم الدكتور عثمان قدري مكانسي مرَّ رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعبِ جبل لا يقصده أحد، فرأى فيه عين ماء عذب، فأعجبته، فقال: وددت لو اعتزلت الناس في هذا المكان المنقطع أعبد الله تعالى، فلا تقع مني إساءة لأحد، ولا يسيء أحد إليَّ فألقى ربي خفيفاً نظيفاً ليس لأحد عليَّ مظلمةٌ، ولن أفعل ذلك حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما جاءه وأخبره بالشعب وعُيَيْنة الماء ورغبته في اعتزال الناس هناك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تفعل، فإن مُقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، ويدخلكم الجنة؟!) قال الحاضرون: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اغزوا في سبيل الله)، ثم أردف عليه الصلاة والسلام قائلاً: (والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزوَ فأُقتل). صمت الناس، وهم بين متعجب من فضل الجهاد ومفكِّرٍ في ما يعادله من الثواب. قال رجل: يا رسول اله، فما جزاء من قاتل في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : (الجنّة، من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فُواقَ ناقة – الفواق ما بين الحلبتين من الزمن – وجبت له الجنّة، ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نُكبَ نكبةً فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها الزعفران وريحها كالمسك). قال رجل: ما الذي يعدل الجهاد يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : (لا تستطيعونه)، فكرَّرَ عليه السؤال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تستطيعونه)، فلما تعجبوا قال عليه الصلاة والسلام: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم، القائم، القانت بآيات الله، لا يفتُر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله). قال الحاضرون: مَنْ يستطيع ذلك؟! لن تجد إلا الملائكة يستطيعون ذلك. ثم إن فتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أريد الغزو، وليس معي ما أتجهز به. قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (ائت فلاناً، فإنه كان قد تجهّز للحرب، فمرض، فأقرئه السلام وخذ ما تجهّز به). فذهب الفتى إلى الرجل المريض، فسلّم عليه، ثم قال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول: أعطني الذي تجهّزت به. قال الرجل: سمعاً وطاعة لرسول الله، ثم التفت إلى امرأته فقال: يا فلانة أعطيه الذي كنت تجهّزتُ به، ولا تحبسي عنه شيئاً، فوالله لا تحبسين منه شيئاً فيباركَ الله لك فيه، فأدّته إليه كاملاً. وجاء رجل مدجج بالسلاح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتأمرني أن أسلم ثم أقاتل أم أقاتل ثم أسلم؟ قال صلى الله عليه وسلم : ((لا يقبل الله العمل إلا بعد الإيمان، فأسلم ثم قاتل)). فحين أسلم الرجل ثم قاتل، َقُتِل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عَمِلَ قليلاً وأُجِر كثيراً). قال رجل: فما فضل الشهادة يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أحدٌ يدخل الجنة يجب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنّى أن يرجع إلى الدنيا، فيُقتل عشرَ مرات، لِما يرى من الكرامة). والتقى المسلمون في غزوة بدر بالمشركين، وصفّ الرسول الكريم صل الله عليه وسلم المسلمين ثم قال: (لا يباشرْ أحد منكم بالقتال إلا إذا أذنت لكم)، فقالوا: سمعاً وطاعةً، ثم إنّ المشركين هاجموا المسلمين، فلما وصلوا إلى مرمى سهامهم أمرهم القائد الفذُّ صلى الله عليه وسلم فرشقوهم بالسهام، فلما دنوا أمرهم أن يرموهم بالرماح، فلما تلاحموا بدأ الطعن والضرب بالسيوف، ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قوموا إلى جنّة عرضها السماوات والأرض) ، فقال عمير بن الحمام الأنصاري، رضي الله عنه: يا رسول الله؛ جنّة عرضها السماوات والأرض؟ قال: (نعم). فقال عمير: بخٍ بخٍ متعجباً، مفخماً ما سمعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما الذي دعاك إلى قول بخٍ بخٍ؟) قال عمير: يا رسول الله رجاء أن أكون من أهلها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (فأنت من أهلها). وأخرج عميرٌ تمرات من جَعبته، فجعل يأكل منهن ثم حنَّ إلى القتال، فقال: لئن أنا حييت حتى أكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، إنها لحياة طويلة، لا أريدها، فأنا أصبو إلى حياة دائمة تمنعني عنها هذه التمرات، فرمى ما كان معه من تمرات، ثم قاتل المشركين، يضرب هنا وهناك حتى قتل، فدخل الجنّة فهو في حوصلة طير أخضر يأكل من ثمار الجنّة، ثم يأوي إلى عرش الرحمن آمناً مطمئناً. رياض الصالحين / كتاب الجهاد يتبع
|
#34
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (بئر معونة) الدكتور عثمان قدري مكانسي في السنة الرابعة للهجرة قَدِم أبو براء بن عازب بن مالك، ملاعبُ الأسنّة، وهو سيّد قومه بني عامر بن صعصعة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته الطيبة، وأهدى النبيَّ صلى الله عليه وسلم هديةً لم يقبلها، وقال: (يا براء، لا أقبل هدية مشرك)،
ثم عرضَ عليه الإسلام، وبما أن الزعماء يكبر عليهم أن تُردَّ هديتهم لأنها عنوان سيادتهم، فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمْرك هذا حسنٌ – ولم يسلم – فلو بعثتَ رجلاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعوهم إلى دينك لرجوت أن يستجيبوا لك. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخشى عليهم أهل نجد ففيهم غدر ). قال أبو براء: أنا جار لهم. ماذا يفعل رجل واحد مع رجال قلوبهم قدَّت من صخر، وسكن الشيطان في صدورهم، وفرَّخ فيها؟ لأبعثنَّ لهم رجالاً صدقوا الله ما عاهدوه عليه، حياتهم للقرآن، يتدارسونه كل وقتهم، ولْيكونوا من الأنصار الذين آمنوا بي ونصروني، وأعزَّ الله بهم وبمدينتهم الإسلام، وهبُوا حياتهم لمولاهم، وقرآنه محفوظ في عقولهم وأفئدتهم، أسميتهم القرّاء، يتدارسونه في الليل، ويخدمون إخوانهم في النار، فيجيؤون بالماء إلى المسجد لينتفع به المحتاجون شرباً ووضوءاً، وينطلقون إلى أحراش المدينة، فيحتطبون ويبيعون الحطب، فيشترون لأهل الصفّة من الفقراء والمحتاجين طعاماً. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد سبعين رجلاً من القرّاء، فيهم حرام بن ملحان، خال أنس بن مالك، وعامر بن فُهيرة، وساروا حتى نزلوا بئر معونة، من أرض بني عامر فلما نزلوها أرسلوا حرام بن ملحان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيخ قبائلهم عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يَرْعَ حرمة رسوله، فعدا عليه فطعنه وقتله، فقال حرام وهو يلفظ أنفاسه: فزت وربِّ الكعبة، .. فاز بالجنّة، عرضها السماوات والأرض، وفاز برضوان الله تعالى، فحياتُه، وعمله، وأمله أن يصل إلى هذا، ووصل لأنه كان صادقاً يسعى بكل ما أوتي إلى لقاء الله، فلقيه، فأحسن الله وفادته. واستصرخ عامر بن الطفيل بني عامر لقتل القرّاء، فقالوا: لن نخفر أبا براء، فقد أجارهم، لكنهم تخاذلوا عن نصرة المسلمين القادمين إليهم ليعلّموهم ويفقهوهم، حين استصرخ بقية القبائل من بني سليم وعصيّة، ورعل، وذكوان، فأجابوه وخرجوا إلى المسلمين وأحاطوا بهم حتى قتلوهم عن آخرهم. هكذا أعداء الله، لا يرعَون في مؤمن إلّاً ولا ذمّة، ولا عهداً، ولا ميثاقاً، فهم لا يريدون لراية الإسلام أن تعلو خفاقةً، ولا لضياء الحقِّ أن ينير الدنيا خيراً وعدلاً، يقتلون الدعاة ويكممون الأفواه، ويفترون عليهم أسوأ الصفات، ويزعمونهم خارجين على الأمة إرهابيين متخلفين! وهم هكذا في كل زمان ومكان، يريدون أن يطفئوا نور الله، ولكن هيهات هيهات، فما للمخلوق قِبَلٌ للخالق، ولا الضعيف بالقوي طاعة. قال القرّاء وهم يرون مصارعهم حين أحاط بهم الأعداء، فُزنا وربّ الكعبة كما فاز حرام بن ملحان، وانتضوا سيوفهم وقارعوا عدوهم وجأروا إلى الله بالدعاء: اللهم بلّغ عنّا نبينا أنا قد لقيناك، فرضينا بك ربّاً وبشرعك ديناً، وبنبيّك رسولاً، وأنك رضيت عنا فأدخلتنا الجنة وشملتنا برحمتك وغفرانك. وأمر الله تعالى سفيره الكريم جبريل عليه السلام فأوصل ما قالوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للمسلمين: ( إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلّغ عنا نبيك أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا ) وصلى رسول الله والمسلمون معه على هؤلاء الشهداء صلاة الغائب، وحزن عليهم، وكيف لا يحزن المسلمُ على إخوانه، وهم قد بذلوا أرواحهم وحياتهم لله، وقال صلى الله عليه وسلم : (هذا من عمل أبي براء، لم يدافع عنهم) ، فبلغه ما قال النبي الكريم، فحملته النخوة العربية والخوف من العار إلى أن طعن عامر بن الطفيل فخَرَّ عن فرسه، ودميَ، وعرف الأخير أنه أساء لعمّه فقال: إن مِتُّ فلا تنالوه بسوء، دمي حلال له، لكنّه لم يمت. رحم الله قتلى بئر معونة، ورحم الدعاة في كل أرض وكلّ زمن، فإن إيذاءهم يترى، والتضييق عليهم يستمر، ورغم كل هذا فهم على طريق الهدى سائرون. { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)}(البروج) رياض الصالحين / باب الجهاد في سبيل الله يتبع
|
#35
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (سعد وسعيد) الدكتور عثمان قدري مكانسي 1- حين فتح المسلمون العراق بقيادة المثنى بن حارثة، ثم أتمها خالد بن الوليد رضي الله عنه جهز الفرس جيشاً عرمرم بقيادة رستم، وانطلقوا من فارس يريدون دحر المسلمين واسترجاع ما سُلب منهم.
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد جهز جيشاً قوياً يحارب به هؤلاء، وحدثته نفسه أن يقوده بنفسه، فمنعه أصحابه قائلين: إن المسلمين بحاجة إليك، وأصحابُك فيهم القادة العظام، المجرّبون في الحرب القادرون على إحراز النصر بإذن الله، نزل الفاروق على رأيهم، واستشارهم فيمن يوليّ، فوقع الاتفاق على أحدِ العشرة المبشرين بالجنة، سعد بن أبي وقاص، أول رام بسهم في الإسلام، والوحيد الذي فداه الرسول الكريم بأمه وأبيه حين قال له في غزوة أحد: (( ارم يا سعد ارم، فداك أبي وأمي ))، لم يتخلف عن غزوات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، كان مستجاب الدعوة رضي الله عنه. عيّنه الفاروق أميراً على الجيوش الإسلامية، وكانت الرسل بينهما تتوالى يومياً، وكان أمير المؤمنين، يزوّد سعداً بالمؤن والذخائر والجنود، ويطلّع على مجريات المعركة، ويسدّدها، وعنه تصدر التعليمات، فكأنه القائدَ الفعليَّ للمعركة، وانتصر المسلمون في موقعة القادسية على الفرس نصراً مؤزراً، وصار سعدٌ والي العراق، ومقرّه الكوفة، يحكم بالعدل، يواسي الفقير، ويأخذ على أيدي الظالم، ويقسِمُ بالسويّة، ولكنَّ أهل السوء – في موسم الحج – شكَوه إلى أمير المؤمنين، ووصفوه بغير ما هو أهل له، فعزله، ليس تصديقاً لهم، إنما يريده مستشاراً له، واستعمل عليهم عمار بن ياسر رضي الله عنه، ثم إنهم حين رأوا عمر عزله اشتطوا فقالوا: إنه لا يحسنُ الصلاة. أصاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم المبشر بالجنّة، الذي استعمله رسول الله على غزواتٍ ومدحه وفداه بأمه وأبيه لا يحسن الصلاة؟!! هذا افتراء وبهتان، احتد سعدٌ وقال: أما أنا فوالله كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أخرم عنها، أقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة العشاء فأطوّل وأخفف في الثالثة والرابعة كما يفعل رسول الله صلى الله عليه سلم . قال عمر: صدقت يا أبا إسحاق فوالله لأنت الصادق وهم الكاذبون. ولكي يطيّبَ الفاروق خاطر سعد أرسل معه وفداً إلى الكوفة، يمرون معه على مساجدها، ويسألون الناس عن سعدٍ وسيرته فيهم حين كان أميراً، فلم يدَعوا مسجداً إلا سألوا المصلين فيه عن سعدٍ رضي الله عنه، والناس يذكرونه بالخير، ويثنون عليه، ويفيضون في مدحه. حتى إذا وصل إلى مسجد لبني عبس ذكره الناس فيه كالعادة بالفضل وسموّ الأخلاق، والعدل، فقام رجل منهم ضاقت نفسه لمدحه وكان ممن فسَدوا عليه، واغتابوه، يقال له أسامة بن قتادة ويكنى أبا سعدة، فقال: إن كنتم تطلبون الصدق في سعد فإليكم حقيقة الأمر: فإنه كان يرسل الجيش للقتال ولا يخرج معه. وإذا قسم بين الناس الأموال كانت قسمته ضيزى، ليس فيها مساواة. وإذا حكم بينهم لم يعدِل، إنما دأبه أن يميل إلى ذوي الأموال والأهواء. وهنا تأثر سعدٌ رضي الله عنه، وكان كما أسلفنا مستجاب الدعوة فقال: أما وقد قلتَ فإني أدعو عليك دعوات ثلاثاً. اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياء وسمعة فأطلْ عمره، وأطل فقره، وعرّضه للفتن. فكان هذا الشيخ بعد ذلك إذا سئل ما شأنك؟ قال: أصابتني دعوة سعدٍ، فها أنا شيخ كبير مفتون أعمى، عندي عشرُ بنات لا أعرف كيف أصرف عليهن. وعاش الرجل إلى أن أدرك إحدى الفتن فغاص فيها. قال جابر بن سمرة: لقد أبصرت هذا المفتون الكذاب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض إلى الفتيات في الطريق فيغمزهن ويمسك بأصابعهن يداعبهن كما يفعل السفيه، فيهربن منه. 2- أما سعيد بن زيد، وهو كذلك أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه، فقد خاصمته امرأة اسمها أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم، وادّعت أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد: أنا آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال مروان: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من أخذ شبراً من الأرض ظلماً، طوّقه إلى سبعة أرضين )). فقال مروان: لا أسألك بعد هذا بيّنة، فأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شهد لك بالجنّة. قال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعمٍ بصرها، واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها فكان الناس يرونها تلتمس الطريق تقول: أصابتني دعوة سعيد.. وإنها مرّت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها، فكانت قبرَها. رياض الصالحين / باب كرامات الأولياء يتبع
|
#36
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (المجتمع المتكافل) الدكتور عثمان قدري مكانسي طعام الاثنين يكفي أربعة، وطعام الأربعة يكفي ثمانية، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكفي الإنسان بضع لقيمات يُقمن صلبه، فلم يخلقنا الله تعالى للأكل والشرب، وإنما جعلهما وسيلة لغاية سامية، لحياة نكون فيها عباداً لله فننشئ مجتمعاً متراحماً متكافلاً.
إن أصحاب الصفّة كما مرّ معنا كانوا أناساً فقراء، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: (( من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث (يأكل معهما)، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامسٍ، بسادس ))، وهكذا، فقام أبو بكر إلى ثلاثة من أهل الصفّة، فدعاهم إلى بيته، ثم إنّه قال لابنه عبد الرحمن: هؤلاء أضيافك يا بني، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلي عنده ما يشغلني، فأطعم أضيافك، وأحسِنْ قراهم. وانطلق الصديق أبو بكر إلى دار النبي صلى الله عليه وسلم فجلس عنده ما شاء الله له أن يجلس، وتعشى عنده مع نفر من أصحابه، ولبث هناك إلى ما بعد صلاة العشاء. أما عبد الرحمن فقد جاء بطعام إلى أهل الصفّة الذين جاء بهم أبوه الصدّيق رضي الله عنه فقال: اطعَموا، فقالوا: أين ربّ منزلنا؟ قال: إنه ذهب لبعض شأنه، وأمرني أن أضيفكم، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء والدك، ولن نأكل إلا بوجوده وأن ينال من الطعام معنا. قال عبد الرحمن: أرجوكم أن تأكلوا، فوالله إنه إن جاء، ولم تطعموا لألقينَّ منه ما يسوء، فلم يقبلوا، فعرفتُ أنه سيغضب مني، واحترت في أمري، فلما جاء بعد العشاء وجدهم جالسين لم يعودوا إلى منزلهم، فعلم أنهم لم يأكلوا، فسألهم عن إبائهم الطعام فقالوا: أنت دعوتنا، فلما ذهبت انتظرناك. وكنتُ لما رأيته داخلاً اختبأت لئلا أرى منه وأسمع ما لا يسرُّ، فنادى: أين أنت يا عبد الرحمن؟ كيف تترك أضيافك دون طعام؟ فلما لم أجبه، وكان يعلم أني أسمعه، قال: سألتك بالله أن تجيبني إن كنت تسمعني، فلم أر بدّاً من إجابته، فجئته على خوف واستحياء، فأسمعني ما كنت أتوقعه، فقلت له: يا أبتِ والله لقد عزمت عليهم أن يطعموا، واعتذرت لهم عن غيابك، فأبوا وقالوا: لسنا بآكلين إلا إذا أكل الصديق، فالتفت إليهم قائلاً: أحقاً ما يقوله هذا؟ قالوا: صدق والله، فكيف نأكل ولست معنا؟! فظهر الغضب على وجهه، أما الآن فليس مني، ولكن منهم فقال مغضباً: كلوا لا هنيئاً ولا مريئاً، فتقبّلوا هذا منه لمكانته عندهم، ولأنهم أغضبوه، فكيف يُدْعون فلا يأكلون؟ وابنه بينهم، وهو منشغل عنهم؟. لم تمتد أيديهم إلى الطعام، فسألهم ما يمنعكم أن تأكلوا؟ قالوا: أنت صاحب الطعام وصاحب البيت فابدأ أولاً، قال: انتظرتموني، ثم فرضتم عليَّ الأكل، والله لا ذقته أبداً هذه الليلة، قالوا: والله لا نطعمه حتى تطعمه. قال: ويلكم!! ما لكم لا تقبلون عنا قراكم، هات طعامك يا عبد الرحمن، فجاء به إليه، وهو شبعان، قد أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده فقال: بسم الله، لأحنثنّ بقسمي هذا، فهو من الغضب ومن الشيطان، وأخذ الأضياف الثلاثة وعبد الرحمن وأم رومان زوجة الصديق يأكلون، والصدِّيق ينظر إليهم ويبتسمُ، ولكنّه التفت فجأة إلى زوجته فقال لها: يا أم رومان ما الذي أراه، فانتبهت وقالت: سبحان الله، إن الطعام يكثر، ولا يقلُّ، كلما أكل أحدهم لقمة رَبَت من أسفلها أكثر منها حتى علا الطعام في القصعة، وكاد يسقط منها، فلما شبع القوم، بعث الصدِّيق غلامه بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبرها، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم منها، وتركها عنده إلى الصباح. وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً، كانوا على موعد معه فخرج بهم إلى ظاهر المدينة، حيث كان في انتظارهم عدد كبير من المسلمين، وهناك قسّم الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى اثنتي عشرة مجموعة على رأس كلّ واحدة منها رجل ممَّن كانوا عنده في الصباح، ثم قدَّم لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصعة فأكل منها الجميع وكفتهم، فقد كانت مباركة، ظهرت بركتها عند الصدِّيق رضي الله عنه، وزادت بركةً في بيت النبي صلى الله عليه وسلم . رياض الصالحين /باب كرامات الأولياء ومجالسهم يتبع
|
#37
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (أهل الأنوار) الدكتور عثمان قدري مكانسي كانت ليلة مظلمة من ليالي المدينة، غابت عنها نجومها، وغاب عنها قمرها، لكن الصحابة الأجلاء كانوا يقبسون الأنوار من قمر الهداية، وكوكب العناية الربانية، مَن اصطفاه ربه فأعلى مقامه، وجعله نوراً يهدى به البشرية إلى يوم القيامة.
سمعوا آيات الله تتلى من فم مَن عليه نزل القرآن الكريم، فملأ قلوبهم نوراً وعيونهم ضياءً، وسمعوا كذلك من المصطفى دعاءه: (( اللهم اجعل من أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم اجعلني نوراً ))، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فلما أرادوا العودة إلى بيوتهم كانت الأنوار تحفهم من كل جانب، وكأنهم في رابعة النهار. هذا أُسيد بن حضير وعبادة بن بشر رضي الله عنهما يخرجان من حضرة النبي (الضياء) عليه الصلاة والسلام، وأمامهما مثل المصباح ينير دربهما .. ما كانا يغنيَّان، ولا يتمايلان تمايل السكارى.. ولم يكن حديثهما مما يندى له الجبين، إنما كانا ملكين يمشيان على الأرض، ذكرُ الله في قلبيهما ولسانيهما، يحمدانه على نعمة الإسلام، ونور الإيمان. كان هذا المصباح يشق طريقهما فترتاحُ نفساهما إلى ما هما عليه من دين عظيم كريم يقرب إلى الله تعالى. فلما افترقا كلُّ إلى أهله انقسم هذا النور نورين، والمصباح مصباحين. أرأيت أخي الحبيب ما يفعل الإيمان والإسلام في حياة أتباعه؟ جعلنا الله من أهل الأنوار في الدنيا والآخرة. رياض الصالحين / باب كرامات الأولياء يتبع
|
#38
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (غزوة الرجيع) الدكتور عثمان قدري مكانسي في السنة الرابعة للهجرة، وفي شهر صفر منها، جاء رهط من قبيلتي عُضَل والقارة، أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، يريدون أن يظفروا ببعض المسلمين أسارى ليبيعوهم إلى مشركي مكة فيقتلهم هؤلاء بقتلاهم في أحد فقال هؤلاء الرهط للنبي صل الله عليه وسلم: يا رسول الله إن فينا رغبة في الإسلام، فقد بدأت بيوتنا يفشو فيها هذا الدين الحديث، ولا نعرف شيئاً عنه، فابعث لنا نفراً يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن.
كانت هذه الكلمات منهم عرضاً رائعاً، حفز النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيّد الدعاة – على أن يرسل إليهم بعض الفقهاء الشباب، يعلمونهم دينهم، ويرشدونهم إلى سنّة نبيهم، والشباب عدّة المستقبل وبُناته، وعلى همتهم تقوم أركانه، فاختار ستة وأمّرَ عليهم عاصم بن ثابت، فانطلقوا معهم إلى نجد – مكان إقامتهم -. فلما كانوا بالهدأة وهي بلدة بأعلى مرِّ الظهران، ظهر الغدر في عيون أولئك الرهط، وقاموا يريدون أسرهم، فلما علموا أنهم لا يقدرون عليهم استصرخوا عليهم حياً من هذيل، فبعثوا لهم مئة رجل، فالتجأ المسلمون إلى جبل، واعتصموا فيه، فلما رأى المشركون أن لا سبيل إلى هؤلاء النفر الستة استنزلوهم وأعطوهم الأمان، وأقسموا أن لا ينالوهم بسوء، فقال عاصم: والله لا أنزل على عهد كافر، فالكافر لا أمان له ولا ذمّة، وصعّد نظره في السماء وقال: اللهم بلّغ عنا نبيّك أنّا نموت على دينك وأنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فعليه منك الصلاةُ والسلام، وكان على رأيه اثنان آخران هما مرشد بن أبي مرشد، وخالد بن البَكير، فقتل عاصمٌ ومرشد وخالد. واستأسر بعد ذلك خبيب بن عدي، وزيد بن الدثِنَّة ورجل آخر هو عبد الله بن طارق، فلما أسروهم، أظهروا الغدر كعادتهم وربطوهم بالقسيّ، فقالوا لهم: أين العهد والذمّة، فقال المشركون: لا عهد لكم ولا ذمة، وصدق الله العظيم حين وصف المشركين قائلاً: { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة)" وساقوهم إلى مكة، أما عبد الله بنُ طارق فلم يرضَ المسير، وتمنّى لو قتل مع الشهداء الثلاثة، واستمكن في الأرض، فدفعوه، فلما يئسوا منه وضعوا السيف في صدره فلحقت روحه بإخوانه الثلاثة إلى بارئها. وأراد هؤلاء القتلة أن يحزّوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت أن تشرب الخمر في رأس عاصم لأنه قتل ابنَيْها في غزوة أحد، فجاء النحل بأعداد هائلة يطنُّ حوله، فما استطاعوا الوصول إليه، فقالوا: دعوه إلى المساء فيذهب النحل، فنأخذه، فبعث الله تعالى سبيلاً احتمله، وكان عاصم عاهد الله أن لا يمسّ مشركاً، ولا يمسّه مشرك، فمنعه الله في مماته كما منعه في حياته. وأما خبيب فقد اشتراه بنو الحارث بن نوفل، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث في "أحد" فأخذوه ليقتلوه به، فبينما خبيب عند بنات الحارث استعار من إحداهنّ موسى يستحدُّ بها، فاقترب منه طفل صغير فجلس على فخذ خبيب، والموسى في يده، فصاحت المرأة خوفاً على صغيرها أن يقتله خبيب، فقال لها: أتخشين أن أقتله؟ إن الغدر ليس من شيمة المسلمين وليس من شأنهم الغدر بالآخرين، وأعاده إلى أمه، فكانت هذه المرأة تقول: ما رأيت أسيراً أخيرَ من خبيب، لقد رأيته، وما بمكة ثمرة، وإن في يده لقِطفاً من عنب يأكله، ما كان إلا رزقاً رزقه الله خبيباً. فلما خرجوا من الحرم ليقتلوا خبيباً قال: ردّوني أصلي ركعتين، فتركوه فصلاهما، فسن سنة حسنة لمن يقتل صبراً أن يصلي ركعتين. ثم قال: لولا أن تقولوا جزع لزدت، وقال أبياتاً منها: ولست أبالي حين أقتل مسلماً * على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله، وإن يشأ * يبـارك على أوصـال شِــلوٍ ممـَزّع اللهمَّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ثم صلبوه. يقول أبو سفيان بعد ما أسلم: فوالله لقد كنت وابني معاوية ممن حضرَ مقتله، فما سمعت بدعائه حتى انحنيت، وأحنيت رأس ولدي خوفاً أن يصيبنا دعاؤه. وأما زيد بن الدثِنَّة فإنّ صفوان بن أميّة بعث به مع غلامه نسطاس إلى التنعيم خارج مكة ليقتله بابنيه، فقال نسطاس: أنشُدك الله أتحب أنّ محمداً الآن مكانك نضرب عنقه وأنّك في أهلك؟ قال: ما أحبُّ أن محمداً الآن مكانه بين أصحابه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحبُّ أحداً كحبِّ أصحاب محمدٍ محمداً.. ثم قتله نسطاس. وهكذا انطوت صفحة من صفحات الغدر التي تتوالى على المسلمين في كل زمان ومكان، لا لذنب إلا أنهم قالوا: ربّنا الله، ولا يزال ركبُ الإيمان على الرغم من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، يمشي معلناً كلمة الإيمان: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. البخاري ج5 ص41 الكامل في التاريخ ج2 ص117
|
#39
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (إياك واللعن) الدكتور عثمان قدري مكانسي قال الابن لأبيه: يا أبتِ قرأت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ برجل شرب خمراً، فقال:
(( اضربوه تعزيراً له ورَدْعاً ))، فقال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم: (( لا تقولوا هذا، لا تعينوا عليه الشيطان )) فلماذا أبى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال الأب: الدعاء بقولهم: أخزاك الله، لعنة، ولا يُلعنُ إلا الظالمون، لقوله تعالى: " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " . قال الابن: لقد ظلم نفسه بشرب الخمر يا والدي. قال الأب: يا بني إن الظالمين: الذين يصدون عن سبيل الله، وهذا مسلم ارتكب خطأً فعزّره رسول الله صلى الله عليه وسلم . وليس المؤمن بطعّان ولا لعّان .. أليس كذلك يا بني؟ قال الابن: بلى يا والدي. قال الأب: وقد حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا لعن شيئاً، صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق دونها الأبواب، ثم تنزل إلى الأرض فتغلق دونها أبواب الأرض، ثم تمشي اللعنة يميناً وشمالاً فإذا لم تجد طريقاً إلى ملعون رجعتْ إلى قائلها، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى أن اللعّانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. قال الابن: أعوذ بالله أن أكون لعّاناً. قال الأب: أما وقد كرهت أن تَلعنَ فاسمع ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم مَن لعنت ناقتها. قال الابن: شوقتني يا والدي ومعلمي إلى قصتها. قال الأب: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقةٍ عليها بعض متاع القوم، إذ وصلوا إلى مكان ضيّق بين جبلين تزاحم فيه الركبُ، فأرادت المرأة أن تسرع ناقتها، فلم تستطع، فضجرت منها فلعنتها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالتها، فقال: (( خذوا ما على الناقة من متاع ودعوها فإنها ملعونة، لا تصاحبنا ناقة معلونة )). وقال راوي الحديث – يا بني -: فكأني أرى الناقة تمشي في الناس لا يتعرض لها أحد. قال الابن: أفلا تجوز اللعنة أبداً؟ قال الأب: بلى، ولكن في حدود الشرع، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : الواصلة والمستوصلة وآكل الربا والمصورين ومن لعن والديه، ومن ذبح لغير الله، ومن أحدث منكراً، ومن آذى المسلمين. قال الابن: فما الواصلة والمستوصلة؟ قال الأب: التي تصل شعرها بشعر غيرها تدعى مستوصلة، ومَنْ تقوم بهذا العمل فهي واصلة. قال الابن: أهناك من لُعنوا أيضاً؟ قال الأب: نعم: اليهود الذين اتخذوا مقابر أنبيائهم مساجد، والمتشبهون من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. ورفع الأب وفتاه أيديهما إلى السماء يسألان الله الهداية، والفقه في الدين لهما ولكل المسلمين. رياض الصالحين/ باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابته يتبع
|
#40
|
||||
|
||||
سلسلة قصص رواها الصحابة /د. عثمان قدري مكانسي
سلسلة قصص رواها الصحابة رضوان الله عليهم (صور مردودة) الدكتور عثمان قدري مكانسي الصورة الأولى: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق يراقب البيع والشراء، وتصرُّفَ الناس في السوق، يرشد هذا، ويعلّم ذاك، ويسلم على هذا، ويصبغ المجتمع بصبغة الإسلام، وتوقف عند رجل يبيع طعاماً، فأدخل يده في الإناء فأصابها البلل، فقال له: (( ما هذا يا صاحب الطعام؟ إنّه جافٌ من فوقُ مبللٌ من تحت )). قال الرجل معتذراً: نزل المطر عليه يا رسول الله فابتلَّ. قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أفلا جَعلت ما ابتلَّ فوق الطعام حتى يراه الناس؟! هذا غش لا يرضاه الله عز وجلَّ ولا نرضاه يا صاحب الطعام: من غشّنا فليس منّا )). الصورة الثانية: كان أبو مسعود البدري يضرب أحد عبيده بالسوط لذنبٍ أذنبه، فسمع صوتاً من خلفه يقول: (( يا أبا مسعود )) لكنّه – لغضبه الشديد من فتاه – لم يسمع الكلام ولم يعرفِ المنادي، فلما اقترب الصوتُ منه عرف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتوقف عن الضرب واحمرَّ وجهه خجلاً أن يراه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منفعل يضرب عبده. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا مسعود، إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك، يا أبا مسعود: اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام )). فقال أبو مسعود: فسقط السوط من يدي هيبة، ثم قلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً يا رسول الله. ثم التفت أبو مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسترضيه قائلاً: يا رسول الله هو حرٌّ لوجه الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( أما إنّه لو لم تفعل للفحتك النار يوم القيامة يا أبا مسعود: من ضرب غلاماً له حدّاً لم يأته، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه )). قال أبو علي سويد بن مقرِّن رضي الله عنه: كنا سبعة إخوة من بن مقرِّن ما لنا إلا خادمة واحدة، لطمها أصغرنا فأمرنا الرسول الكريم أن نعتقها. الصورة الثالثة: مرَّ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بفتيان من قريش نصبوا طيراً (حيّاً) وهم يرمونه، وقالوا لصاحب الطير: كل سهم لا يصيب الطير فهو لك، فرضي، فهم يصوبون سهامهم نحوه، فلما رأوا عبد الله بن عمر تفرَّقوا، فقال بن عمر: من فعل هذا؟ لعَنَ الله منْ فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه سلم لعن من اتخذ شيئاً فيه روح هدفاً. الصورة الرابعة: كان هشام بن حكيم بن حزام رجلاً صلباً في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم، عُرف عنه ذلك، فكان الفاروق يُسَرُّ لهذا، ويقول إذا بلغه أن هشاماً ينكر منكراً: ما بقيت أنا وهشام فلا يكون هذا. رجل كهشام قليلاً ما نجده في هذا الزمن الذي فسد فيه كل شيء إلا ما رحم الله. مرَّ هشام هذا بالشام على ناس من الأنباط – وهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم فاختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم – قد أقيموا في الشمس، يلفحهم هجيرها، يُصبُّ على رؤوسهم الزيت فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون لأنهم لم يدفعوا خراج الأرض. قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الله يعذب الذين يعذّبون الناس في الدنيا بغير الحق )). فدخل على الأمير فحدَّثه بما حدَّث به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر الأمير بإخلاء سبيلهم. أما في هذا الزمان فصبُّ الزيت في حر الشمس على الوجوه يعتبر من المزاح الخفيف، لقد اخترع أعداء الله طرقاً شيطانية فيها شتى الأفانين في العذاب، لا تخطر على بال، طرقاً تدل على بهيمية مخترعيها ومستعمليها، وتدلُّ على أنهم لا يمتّون إلى الإنسانية بصلة، حدّثنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (( صنفان من أهل النار لم أرهما ))، وذكر القوم يضربون الناس بأذيال البقر وهي كناية عن التفنن في التعذيب وإيذاء الناس، نعوذ بالله من شرورهم. الصورة الخامسة: قال ابن مسعود: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا طائراً معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمّرة (الطائر) فزعة تطير من فوق رؤوسنا، وكأنها ترجونا أن نعيد إليها فرخيها، لا يقرُّ لها قرار، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فرآها تطير مضطربة، فقال: (( من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها )). ورأى قرية نملٍ قد حرَّقناها، فقال: (( من حرق هذه؟)). قلنا: نحن فعلنا ذلك يا رسول الله، قال: (( إنّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلّا ربُّ النار )). هذا هو الإسلام رحيم بأتباعه رحيم بغيرهم، لا يرضى أن يكون المسلمون ذوي قلوب فظّة قاسية، بل ذوي قلوب محبة رحيمة تحمل الودّ والسلام إلى العالم قاطبة. وهذا هو النبي الرحيم الذي علّم الإنسانية اللطف والتراحم، فهل نقتدي به لنكون سادة العالم مرة أخرى؟! رياض الصالحين / باب النهي عن تعذيب العبد والدابة
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |