العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
هكذا يقودونا: "الإحتقار والإنهزام النفسي"
أولا: تعريف الاحتقار أو الانهزام النفسي
الاحتقار لغة: والاحتقار لغة: الإذلال، والإهانة، والتصاغر، يقال: احتقره، حَقَرَه وحَقُر الشيء حقرا، وحقارة، فهو حقير: ذل، وهان، وصغر . (1) وفي الحديث: "إياكم ومحقرات الذنوب" (2) : صغائر، واحدتها: محقَّرة. والانهزام لغة: الانهزام لغة: الانكسار والتشقق، نقول: انهزم العدو: انكسرت شوكته، وشق صفه، وانتصر عليه، فهو منهزم، ومهزوم، والهزيمة في القتال: الكسر، والفل . (3) اصطلاحا: أما الاحتقار أو الانهزام النفسي في الاصطلاح، فهو: استصغار النفس الخيّرة، واستذلالها، والاستهانة بها أو انكسارها أمام ما يمليه عليه أعداؤها من النفس الأمارة بالسوء، ومن شياطين الإنس والجن، ومن الدنيا بشدائدها، وامتحاناتها، ببريقها، وزخارفها وزيناتها، بصورة تشعرها أنها ليست أهلا لعمل أي بر أو معروف، حتى وإن كان هذا البر وذلك المعروف بسيطا أو يسيرا.
|
#2
|
|||
|
|||
ثانيا: بعض مظاهر الاحتقار أو الانهزام النفسي مع بيان حكمه في ميزان الإسلام
وللاحتقار أو الانهزام النفسي صور يعرف بها، ومظاهر تدل عليه وأهم هذه الصور، وتلك المظاهر: 1 - القعود عن العمل لدين الله - عز وجل - من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومجاهدة الكفار والمنافقين الذين يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا، بدعوى أن الشر قد تفشى وانتشر، وأن المنكر قد استفحل وتمكن، ومهما عملنا فلن نغيِّر شيئا، ولن نجني سوى التعب والمشقة. 2 - اعتزال المجتمع بل الهجرة إلى الشعاب والأودية ورءوس الجبال اعتمادا على الدعوى التي قدمنا، واحتجاجا بقوله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" . (4) 3 - الخضوع والانقياد والاستسلام للأهواء، وما يمليه شياطين الجن والإنس، والدنيا ببريقها وزخارفها، بدعوى عدم القدرة على المواجهة. 4 - الخوف من الباطل، والانقياد له في كل ما يقول، وما يفعل، بدعوى أنه يملك كل شيء، ونحن مهما أوتينا من قوة، ومن سلطان فلن نعمل شيئا، وبالتالي فلن نغير شيئا. 5 - رفض أي مسئولية قيادية حتى وإن كانت في أمر جزئي بسيط، بدعوى عدم الفقه في المسئوليات، بل عدم القدرة على ما تتطلبه هذه المسئوليات من أعباء، وتبعات، وهلم جرا. والاحتقار بالمعنى الذي ذكرنا من استصغار النفس، والاستهانة بها أمام دور الإنسان، بل المسلم ورسالته في هذه الأرض، قبيح مذموم نفى عنه الشارع الحكيم، إذ يقول الله - تبارك وتعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران). {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} (النساء: 104). {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (محمد). {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} (البقرة: 150). {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران). {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} (المائدة: 3). {فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا} (المائدة: 44). {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب).
|
#3
|
|||
|
|||
وإذ يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يحقر أحدكم نفسه" قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: "يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله - عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا، وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى" ، (5) "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز..." الحديث . (6)
وانطلاقا من نهي الشارع الحكيم عن الاحتقار أو الانهزام النفسي زكى يوسف الصديق عليه السلام نفسه، فقال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف). يقول ابن عطية-رحمه الله: "وطلب يوسف للعمل إنما هي حسبة منه عليه السلام لرغبته في أن يقع العدل... فجائز للفاضل أن يعمل، وأن يطلب العمل إذا رأى ألا عوض عنه، وجائز أيضا للمرء أن يثني على نفسه بالحق إذا جهل أمره" . (7) ويقول ابن كثير- رحمه الله: "وفيه دليل على جواز طلب الولاية، إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل، وإجراء أحكام الشريعة، وان كان في يد الجائر أو الكافر" . (8) ويقول الألوسي -رحمه الله: "وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه بالحق إذا جهل أمره، وجواز طلب الولاية إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل وإجراء أحكام الشريعة، وان كان من يد الجائر أو الكافر، وربما يجب عليه الطلب إذا توقف على ولايته إقامة واجب مثلا، وكان متعينا لذلك، وما في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها"، وارد في غير ما ذكر" . (9) ومدح النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بقوله: "أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له..." ، (10) "أنا سيد الناس يوم القيامة" ، (11) "أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة" ، (12) إلى آخر ما جاء عنه في هذا الشأن. ومدح عثمان رضي الله عنه نفسه بقوله: ... ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفر بئر رومة فله الجنة"، فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنه قال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة"، فجهزتها؟ قال: فصدقوه بما قال . (13) يقول ابن حجر في شرح هذا الحديث: "وفيه جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل منفعة، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة، والمكاثرة، والعجب" . (14)
|
#4
|
|||
|
|||
واستأذن أبو موسى الأشعري على عائشة رضي الله عنها فأذنت له، فقال لها: يا أماه، أو يا أم المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء، وإني استحييك فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل" . (15)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه ثقة بنفسه، وتقديرا لها: "والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله، إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه" . (16) قال ابن حجر تعليقا على كلام ابن مسعود هذا: "وفي الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة، ويحمل ما ورد من ذم ذلك على من وقع ذلك منه فخرا أو إعجابا" . (17) وهؤلاء المشاهير علماء المسلمين ولا سيما المؤلفون ن منهم يثقون بأنفسهم فيمدحونها، حتى يقول الواحد منهم عن نفسه: "ما رأيت مثل نفسي" وهكذا. أما الاحتقار أو الانهزام النفسي أمام نعمة الله وعظمته، فمرغوب فيه محمود، وهو التواضع الذي مدحه الحق - تبارك وتعالى - في قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (الفرقان)، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران)، وقال: {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِي وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} (الصافات)، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (يوسف). ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز، من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني" . (18) وانطلاقا من دعوة الشارع الحكيم إلى هضم النفس، وأنها لا تساوي شيئا في جنب عظمة الله، ونعمته،جاءت الأخبار عن السلف بهضم النفس، والتواضع لله، وعدم الترفع على عباده بحال، يقول بكير بن الأشج: إن عبد الله بن سلام خرج من حائط له بحزمة حطب يحملها، فلما أبصره الناس، قالوا: يا أبا يوسف، قد كان - يعني في ولدك، وعبيدك - من يكفيك هذا، قال: أردت أن أجرب قلبي هل ينكر هذا . (19) ويقول المبارك بن فضالة: إنه سمع الحسين يقول: يا ابن آدم، طأ الأرض بقدمك، فإنها عن قليل قبرك، وأنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك . (20)
|
#5
|
|||
|
|||
وأثر عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام (ت 660 ه): أن أمراء المماليك الذين اشتراهم الملك نجم الدين أيوب لا زال حكم الرق مستصحبا عليهم لبيت مال المسلمين، وأنه لابد من تصحيح هذا الخطأ الشنيع، وذلك ببيعهم، وشرائهم، ثم عتقهم مرة ثانية. وكان من جملة هؤلاء نائب السلطنة، فغضب عليه لهذا الأمر لما فيه من إهانة بعد أن أصبحوا ذوي مناصب في الدولة، وقد استدعى نائب السلطنة الشيخ عز الدين فلم يجبه، فانزعج نائب السلطنة لذلك وقصد بيته مع جماعة لقتله، فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى، فأخبر أباه، فما اكترث لذلك، ولا تغير، وقال: يا ولدي، أبوك أقل من يقتل في سبيل الله، وخرج الشيخ وهو مطمئن، فحين وقع بصره على النائب يبست يده ووقع السيف منها، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعوا له، وخضع لرأيه في البيع، وقال له: ففيم تصرف ثمننا؟ قال في مصالح المسلمين، قال: من يقبضه؟ قال: أنا، فتم له ما أراد، ونادى على الأمراء واحدا واحدا في المزاد العلني، وغالى في ثمنهم، وقبضه، وصرفه في وجوه الخير، ثم أعتقهم بعد ذلك، رحمه الله، ورضي عنه ، (21) وعلى أثرها لقب الشيخ ببائع الملوك.
وفحوى هذه القصة: احتقار الشيخ عز الدين نفسه أمام حماية دين الله ومنهجه، وهي من جانب آخر دليل على ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من الثقة التامة بالنفس، وعدم احتقارها في مواجهة المنكر، ومجاهدة الباطل.
|
#6
|
|||
|
|||
ثالثا: أسباب الاحتقار أو الانهزام النفسي
وللاحتقار أو الانهزام النفسي أسباب تؤدي إليه، وبواعث توقع فيه، وأهم هذه الأسباب، وتلك البواعث: 1 - إهمال المرء من التعويد على المسؤولية بل من التشجيع: فقد يكون إهمال المرء من التعويد على المسئولية، بل من التشجيع من بين الأسباب المؤدية إلى الاحتقار، والانهزام النفسي؛ ذلك أن التعويد على المسئولية، بل التشجيع يمنح المرء ثقة بنفسه، واحتراما وتقديرا لها، بحيث يوقن أنه ليس في الدنيا ما يكون صعبا، أو بعيد المنال، وحين يهمل المرء من التعويد على المسئولية، ومن التشجيع يوسوس له الشياطين، وتسول له النفس الأمارة بالسوء أنه ما أهمل بهذه الصورة إلا لأنه لا يحسن أو لا يجيد شيئا، فيفقد الثقة بنفسه، بل يأخذ في احتكارها، ويكون الانهزام النفسي. ولا جرم أن نشير هنا إلى أننا لا نعني بالمسئولية القيادة، بقدر ما نعني بها التكليف بما يوجب التبعة، والمساءلة، وهذا الذي نعنيه من العموم بحيث يشمل الحياتين جميعا الدنيا والآخرة، فتكليف المرء بالاهتمام ببدنه، وروحه، وعقله، وخلقه، ودعوة الآخرين، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ومجاهدة الكفار والمنافقين الذين يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا، هذه وغيرها مسئولية. وكذلك لا نعني بالتشجيع الغناء أو المدح دون قيود أو ضوابط، بل لابد أن يكون محفوفا بالقيود، والضوابط الشرعية، وأهمها: الخلو من الكذب والمبالغة، وأن يكون مبنيا على الظن أو التخمين الغالب لا على اليقين والقطع، فذلك مرده إلى الله - تبارك وتعالى - بأن يقول: أحسب فلانا كذا، والله حسيبه ولا أزكى على الله أحدا، وخير ما يشهد بصحة هذا السبب حركة التاريخ والواقع: أما حركة التاريخ: فقد طالعتنا من قديم: أن آباءنا وأجدادنا ولا سيما عرب الجزيرة العربية ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الثقة بالنفس، والعزة والإباء والشمم، تلك التي عرفوا بها قبل الإسلام إلا بالتعويد على المسئولية منذ نعومة أظفارهم بل والتشجيع المستمر، وجاء الإسلام وأكد على هذا، بل حوله من مجرد أن يكون عادة وعرفا إلى أن يكون شرعة ودينا، فقال الحق - سبحانه: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة )، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الحجر). وعرفنا من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه عمل في صباه في رعي الغنم، وفي التجارة، وساعد في تجديد الكعبة، وشارك في حرب الفجار، وحلف الفضول، وأن هذه الأعمال أسهمت في إعداده وتهيئته لحمل أمانة الدعوة، والبلاغ، والجهاد بعد ذلك. وقد أفتى الحنفية بأن للأب أن يؤاجر ابنه الصغير في عمل من الأعمال . . . من باب النظر-أي رعاية المصالح - ولأن ذلك من باب الأديب والتهذيب والرياضة، ومثل الأب في ذلك الوصي، والقا ضي . (22) ولعل سندهم في هذا ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمتي، قلت: يقيل - أي ينام بعد الظهر- ويعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى صبيان يلعبون قال: فجئت أنظر إلى لعبهم، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على الصبيان وهم يلعبون، قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى حاجة له، فذهبت فيها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيء - أي ظل - حتى أتيته، واحتبست عن أمي عن الإتيان الذي كنت أتيها فيه، فلما أتيتها قالت: ما حسبك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، قالت: وما هي؟ قلت: هو سر، قالت: فاحفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، قال ثابت - راوي الحديث عن أنس: قال لي أنس: لو حدثت به أحدا من الناس -أو لو كنت محدثا به - لحدثتك به يا ثابت . (23) وأما الواقع: فهو ما نرى وما نشاهد من أن أبناء البادية والقرى غالبا ما يكونون أكثر ثقة بأنفسهم من أبناء المدينة أو الحاضرة؛ نظرا لأن قسوة البادية والقرية أوجبت عليهم أن يدربوا على المسئولية في حال الصبا، والأولاد في الغرب الآن يوضعون على المحك، وهم لا يزالون صغارا حتى إذا ما شبوا كان منهم القادة، والمبتكرون، والمخترعون، وهكذا فإن التعويد على المسئولية بل التشجيع يولد الثقة بالنفس، وإهمال ذلك ينشأ عنه الاحتقار أو الانهزام النفسي. 2 - انتقاص الآخرين وتحقيرهم للمرء على الدوام: وقد يكون انتقاص الآخرين وتحقيرهم للمرء على الدوام من بين الأسباب المؤدية إلى الاحتقار أو الانهزام النفسي؛ ذلك أن المرء إذا رأى كل من حوله لا يستحسنون منه شيئا، بل يلاحقونه على الدوام بالانتقاص، والاحتقار، والفشل، فانه غالبا ما يتأثر بذلك، لا سيما إذا كان في المراحل الأولى من حياته أو كان مكلفا بالأمر لأول مرة، وتكون العاقبة أن يصاب بالإحباط، والاحتقار أو الانهزام النفسي. ولعل هذا من بين الأسرار التي من أجلها نهى الشارع الحكيم أن يحقر المسلم أخاه المسلم أو ينال منه بحال، إذ يقول الحق - تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَان} (الحجرات: 11). وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم..." الحديث . (24) 3 - العيش في وسط معروف بالانهزام واحتقار النفس: وقد يكون عيش المرء في وسط معروف بالانهزام واحتقار النفس من بين الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الاحتقار، والانهزام النفسي، أعم من أن يكون هذا الوسط قريبا وهو البيت، أو بعيدا وهو المجتمع، ذلك أن المرء شديد التأثر بالوسط الذي يعيش فيه، وعليه فإذا كان هذا الوسط محتقر لنفسه أو منهزما أمامها سرت عداوة إلى الآخرين، وأصيبوا هم كذلك بالاحتقار والانهزام النفسي، وقد نبهنا غير مرة في هذه الآفات إلى ضرورة طهارة ونظافة الوسط الذي يعيش فيه المرء ليسلم من شره، بل ليتداوى إن كانت عدوى الأوساط العفنة قد سرت إليه، وأفسدته. 4 - تمكن حب الدنيا من القلوب: وقد يكون تمكن حب الدنيا من القلوب من بين الأسباب المؤدية الاحتقار أو الانهزام النفسي، ذلك أن حب الدنيا إذا تمكن من القلوب حمل على الوقوع في المعاصي والسيئات لا محالة، وأقل هذه المعاصي وتلك السيئات، الشح أو البخل بهذه الدنيا. وحين يقع المرء في المعاصي والسيئات على الدوام يسود قلبه، ويصير عليه ران، وربما انتهت الحال إلى قفل هذا القلب، بل الختم عليه والعياذ بالله، ويظهر أثر ذلك في أمور كثيرة أهمها: القلق، والخوف، والاضطراب النفسي، وكذلك الاحتقار والانهزام النفسي. وواقع العصاة اليوم خير ما يشهد بذلك، ولهذا حذر الشارع الحكيم من الوقوع في المعاصي والسيئات، وأرشد من وقع في المعاصي والسيئات - لسبب أو لآخر - أن يبادر بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله. فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (المجادلة). {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (النساء). {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الزمر). {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء). {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (الجن). {قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ} (الزمر). وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفراة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه )، فبايعناه على ذلك . (25)
|
#7
|
|||
|
|||
5 - دوام إخفاق المرء وفشله في كل ما يقصد:
وقد يكون دوام إخفاق المرء وفشله في كل ما يقصد من بين الأسباب المؤدية إلى الاحتقار، والانهزام النفسي؛ ذلك أن للنجاح والتوفيق سننا لابد من رعايتها، وحين تهمل أو تهدر هذه السنن كلا يكون دوام الإخفاق والفشل، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، وحين يرى المرء نفسه في إخفاق وفشل على الدوام يسقط في يده، وربما انتهى به ذلك إلى احتقار نفسه، وهزيمته أمامها، وخير ما يشهد بذلك واقعنا نحن المسلمين اليوم في صراعنا مع أعدائنا. ومن أجل حماية المسلم من أن تنتهي به الأمور إلى هذا الاحتقار وذلك الانهزام النفسي جاءت دعوة الشارع الحكيم إلى ضرورة الإعداد، والإتقان، والحذر أو أخذ الأهبة والاستعداد في الأمور البسيطة قبل المركبة، والسهلة قبل الصعبة. قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} (الأنفال). {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعًا} (النساء). وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء... ) الحديث . (26) "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" . (27) 6 - منافسة ذوي الجد بالقول دون العمل : وقد تكون منافسة ذوي الجد بالقول دون العمل من بين الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الاحتقار أو الانهزام النفسي، ذلك أن الحياة دنيوية كانت أو أخروية إنما تبنى أساسا على المنافسة والمسابقة، وقد يكون أحد الطرفين جادا يأخذ الأمور بحزم وعزم وقوة، وينتفع بكل ما لديه من طاقات وإمكانات، ولا تضيع منه لحظة واحدة هباء أو بددا، ويكون الآخر لاهيا لاعبا لا هم له سوى الكلام والقول أما العمل فهو بمعزل عنه تماما، وبمرور الزمان يجد هذا الأخير نفسه أمام الأول عدما أو في حكم العدم، وحينئذ لا يملك إلا أن يكون فريسة للاحتقار أو الانهزام النفسي. ولعل واقعنا نحن المسلمين اليوم أمام واقع أعدائنا خير ما يشهد بصحة ما نقول، إذ عمل هؤلاء وما زالوا يعملون بالليل والنهار، منتفعين بكل ما منحهم الله من طاقات وإمكانات ومواهب، وقعدنا نحن المسلمين، بل غرقنا في اللهو واللعب حتى سبقونا وتقدموا علينا، بل وأمسكوا بخناقنا، وضيقوا الخناق حول أعناقنا، ولما انتبهنا وأفقنا وأدركنا حقيقة هذا الواقع الأليم المرير واجهناه بالقول دون العمل، وحينئذ لم نستطع السباق أو اللحاق، وصرنا فريسة الاحتقار والانهزام النفسي، وقد جاء عن علي رضي الله عنه خبر فيه راو مجهول إلا أن معناه صحيح موافق لضرورة مواجهة الأعداء بالعمل لا بالقول، وإلا ركب أعناقنا هؤلاء، وكان الاحتلال أو ما يعرف الآن بالاستعمار. إذ أخرج ابن أبي شيبة في: المصنف من حديث الأعمش عن شهر، عن رجل قال: " كنت عريفا في زمن علي، فأمرنا بأمر فقال: أفعلتم ما أمرتكم؟ قلنا: لا، قال: والله لتفعلن ما تؤمرون به، أو لتركبن أعناقكم اليهود والنصارى" . (28) 7 - الكبت أو الاستبداد والقهر: وقد يكون الكبت أو الاستبداد والقهر من بين الأسباب المؤدية إلى الاحتقار والانهزام النفسي، ذلك أن المرء إذا حيل بينه وبين التعبير عما بداخله، وفرض عليه على سبيل الاستبداد والقهر ما لا يقره ولا يرضاه، واستمرت الحال هكذا دون انفراج أو تنفيس أصابه اليأس والقنوط ثم الإحباط والاحتقار والانهزام النفسي. ومن أجل الوقاية من الوقوع في ذلك منع الشارع الحكيم القهر، فلا إكراه في الدين، ولا إكراه في تزويج المرأة، ولا إمامة لحاكم أو أمير، أو ذي سلطان إلا بمشورة وبيعة... وهكذا. قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ} (البقرة: 256). {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر} (آل عمران: 159). {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38). وعن خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له، فرد نكاحها . (29)
|
#8
|
|||
|
|||
- عدم الثقة بالله وبمنهجه:
وقد يكون عدم الثقة بالله وبمنهجه، من بين الأسباب التي توقع في الاحتقار والانهزام النفسي، ذلك أنه سبحانه ذو الكمال والجلال، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، وقد امتن على عباده بمنهاج معصوم فيه سعادة الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس). ووعد بإعلاء شأن هذا المنهج، والتمكين له في العالمين، فقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} (النور). وطلب سبحانه منهم أن يصدقوا ذلك تصديقا لا شك فيه ولا ريب أبدا، فقال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (التغابن). ومن شك في الله وفي منهجه، ولم يثق بهما وكله الله إلى نفسه بحيث يبقى وحيدا أمام حزب الشيطان، وحينئذ لا يسعه إلا أن ينهار وأن ينهزم نفسيا، وربما انقلب فصار من حزب هؤلاء الخاسرين . 9 - عدم إدراك نعمة الله في النفس وفي الكون: وقد يكون عدم إدراك نعمة الله في النفس وفي الكون، من بين الأسباب التي توقع في الاحتقار والانهزام النفسي؛ ذلك أن الله قد امتن علينا في أنفسنا بنعم لا تعد ولا تحصى من السمع، والبصر، والفؤاد، واعتدال القامة، والأيدي، والأرجل، واللسان، والشفتين، ومن الأعضاء الداخلية ما لا يعلمه إلا هو، كما امتن علينا بمثلها في الكون المحيط بنا من الليل والنهار، والشمس والقمر، والنجوم، والشجر والدواب، والأنهار والبحار والهواء، والأرض والسماء، وهلم جرا فقال سبحانه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل). {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد). {وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (النحل). {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الذاريات). {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: 20). {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (إبراهيم: 34، النحل: 18). ومن غفل عن هذه النعم، أو لم يدركها إدراكا حقيقيا، ورأى انتفاع الأعداد واستثمارهم لها، فإنه يصاب لا محالة باليأس والإحباط أو الانهزام النفسي. 10 - الغفلة عن العواقب المترتبة على الاحتقار أو الانهزام النفسي: وقد تكون الغفلة عن العواقب المترتبة على الاحتقار أو الانهزام النفسي من بين الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الاحتقار أو الانهزام النفسي؛ إذ من غفل عن العواقب الضارة، والآثار المهلكة لأمر ما، وقع في هذا الأمر لا محالة، ومن أجل هذا جاءت طائفة كبيرة من المنهجات والمحظورات مقرونة بعواقبها وآثارها، كي يخاف الناس، ويحذروا، بل ويتجنبوا الوقوع في هذه المنهيات، وتلك المحظورات. 11 - الوقوع في المعاصي والسيئات مع الإصرار وإهمال التوبة وقد يكون الوقوع في المعاصي والسيئات مع الإصرار وإهمال التوبة من بين الأسباب المؤدية إلى الاحتقار أو الانهزام النفسي ؛ ذلك أن للمعصية مع الإصرار عليها وإهمال التوبة عواقب ضارة في الدنيا والآخرة. ولعل من أبرز العواقب الدنيوية الابتلاء بالاحتقار أو الانهزام النفسي، وصدق الله إذ يقول : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى). {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} (الحج).
|
#9
|
|||
|
|||
- قياس واقع الأعداء اليوم بحاضرنا مع الغفلة عن ماضينا :
وقد يكون قياس واقع الأعداء واقع اليوم بحاضرنا مع الغفلة عن ماضينا من بين الأسباب المؤدية إلى الاحتقار، والانهزام أم النفسي ؛ ذلك أن واقع الأعداء اليوم بالقياس إلى حاضرنا ينطق بأنهم يتربعون على عرش البشرية، ويوجهونها كما يريدون، وأننا لا نعدو أن نكون ذيولا أو أذنابا لهم، ولكن هذا الواقع يتغير، ولا يتجاوز أن يكون صفرا بالإضافة إلى ماضينا المشرق الزاهر الذي يصوره الشاعر بقوله: ملكنــا هذه الدنيا قــرونا وأخضعـها جـدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضــياء فمــا نسي الزمان ولا نسينا حملناها سيوفا لامعــــات غــداة الروع تأبى أن تلينا إذا خرجت من الأغماد يومـا رأيـت الهون والفتـح المبينا وكـنا حين يرمـينا أنــاس نؤدبهم أبــاة قــادريـنا وكـنا حـين يأخـذنـا ولي بطغيــان ندوس له الجـبينا تفـيض قلوبنا بالهـدي بأسـا فما نعـصي عن الظلم الجفونا بنينا حقبة في الأرض ملكــا يـدعـمه شجاب طـامحونا شباب ذللوا سـبل المعــالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا تعهدهم فأنبتهم نباتا كريـما طـاب في الدنيا غـصـونا هم وردوا الحياض مباركـات فسـالت عندهم ماء معـينا إذا شهدوا الوغى كانوا كمـاة يـدكون المعاقل والحصـونا وإن جـن المسـاء فلا تراهـم من الإشفـاق إلا ساجـدينا شـباب لم تحطـمـه الليـالي ولم يسلم إلى الخصم العـرينا ولم تشهـدهم الأقداح يومـا وقد ملأوا نواديهم مـجـونا عـرفـوا الأغـاني مائعـات ولكـن العلا صنعت لـحونا وقد دانوا بأعظمهم نـضـالا وعلما، لا بأجـرئهم عيـونا فيتحدون أخـلاقـا عــذابا ويـأتلفون مجتمـعـا رزينـا فما عرف الخلاعـة في بنـات ولا عرف التخنث في بنيـنـا ولم يتشدقوا بقـشـور عـلـم ولم يتقيبوا في الملــحــدينا ولم يتبـجـحـوا كـل أمـر خطير، كي يقال مثقـفـونـا كـذلك أخـرج الإســلام قومي شبابا مخلصا حـرا أمينا وعلمه الكـرامة كيـف تبنى فيأبى أن يقـيـد أو يهـونا (30) رابعا: آثارا لاحتقار أو الانهزام النفسي: وللاحتقار أو الانهزام النفسي آثار ضارة وعواقب مهلكة، سواء على العاملين، أو على العمل الإسلامي: أ - على العاملين : أما على العاملين فكثيرة، وأهمها: 1 - مداهنة بل الارتماء في أحضان الظالمين: ذلك أن من ابتلى بالاحتقار أو الانهزام النفسي يتصور أن الظالمين والجبارين بمقدورهم أن يعملوا له شيئا، فيداهنهم بل ويرتمي في أحضانهم، على نحو ما نشهده في عالم المسلمين اليوم من مداهنة وانحناء قيادات، وتمريغها لوجهها وأنفها في التراب لا لشيء إلا الخوف والرجاء من هؤلاء الظالمين المتجبرين، وأولئك في حقيقة الحال لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فضلا عن أن يملكوا ذلك لغيرهم من الخلق. 2 - الغزو في النفس، وفى الحرمات: ذلك أن الاحتقار أو الانهزام النفسي يفتح الطريق أمام الماكرين والمتربصين لغزو هؤلاء المحتقرين أو المنهزمين نفسيا، في أنفسهم وفي حرماتهم، ومقدساتهم من دين، ونسل، وعرض، ومال، وأوطان، على نحو ما يصنعه أعداؤنا بنا اليوم في فلسطين، وفي غيرها من كل بقاع العالم، وإذا غزى الإنسان في نفسه، وفي حرماته فماذا بقي له، وما قيمة الحياة بعد ذلك؟
|
#10
|
|||
|
|||
3 - زيادة الرصيد من الإثم:
وذلك أنه باحتقاره أو انهزامه نفسيا قد فتح الباب أمام كثيرين ممن لديهم استعداد للوقوع في مثل هذه الآفة كي يحاكوه، ويصنعوا مثله لا سيما إذا كان هو في موقع الأسوة والقدوة ويتحمل هو إثم هؤلاء جميعا انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم: "... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" . (31) 4 - الخسران المبين في الآخرة ما بقى الإصرار ولم تكن توبة: إذ هو بتضييعه لنفسه ولغيره، قد حمل وزرا وإثما عظيما ويلقي ربه بهذا كله، ولا إقلاع ولا توبة فتكون النار والعياذ بالله، وهذا هو الخسران المبين حقا، إلا أن تتداركه رحمة الله، قال تعالى : {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَل} (الزمر). ب - على العمل الإسلامي: وأما على العمل الإسلامي فكثيرة أيضا، وأهمها: 1 - قلة كسب الأنصار والمؤيدين: ذلك أن الناس يتأثرون ويقتدون بالأقوياء الواثقين من أنفسهم وبربهم ومناهجهم، أما المحتقرون أو المنهزمون نفسيا فإن الناس لا يأبهون بهم، ولا يستجيبون لهم، وبذلك يقل حجم الأنصار والمؤيدين. 2 - الفرقة والتمزق: إذ وجود الاحتقار أو الانهزام النفسي في داخل الصف يحدث انقساما في هذا الصف ما بين مزيد نصير وظهير، وما بين معارض منكر وبعيد، الأمر الذي يفتح الباب أمام المتربصين من أعداء الله للولوج، والإطباق والتطويق.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |