العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
|||
|
|||
نأسف لتكرار الحلقة السابعة
.................... الحلقة 9 للكافر الحق في أن يُستتاب وأن يشرح أي شبهة لديه معاقبة الكافر تُمنع إذا ترتب عليها مفسدة محتملة بعد أن شرح الدكتور فضل في الحلقات الثلاث السابقة تحريم استهداف السياح والمدنيين في بلادنا والأجانب في بلادهم، ينبه اليوم إلى جريمة إضافية ترتكبها «القاعدة» وهي بث شرائط مصورة لعملياتها، معتبراً أن ذلك يدخل ضمن التفاخر بالمعاصي، ويطالب المسلمين بعدم الإعجاب بهذه العمليات حتى لا ينالهم وزر من شاركوا فيها. ويحدد المؤلف ستة ضوابط شرعية لإصدار حكم التكفير على أي شخص، ورغم أنه لم يصل إلى حد الرفض النهائي لتوجيه هذا الاتهام الخطير، بل على العكس دافع عن أحقية من تتوافر فيه شروط الأهلية الشرعية في إصدار الحكم بالتكفير فإنه حاصر ظاهرة التوسع في التكفير من خلال الضوابط التي حددها. ويشير الدكتور فضل إلى أنه حتى الشخص الذي يُدان بالكفر يظل من حقه أن تعرض عليه التوبة وأن يشرح موقفه، ثم إذا ثبت بعد ذلك كفره قطعياً فلا يلزم تنفيذ العقوبة عليه مادام المسلمون مستضعفين وليس بيدهم مقاليد الأمر، أو إذا ترتبت مفسدة محتملة على إنزال هذه العقوبة. وفي ما يلي نص الحلقة التاسعة من الكتاب: تنبيه على ما ورد في البنود السابع والثامن والتاسع: عدم جواز الفرح أو التفاخر بالمعاصي: قد تبين من البنود السابقة أن ضرب الأجانب والسياح في بلادنا وأن العمليات القتالية داخل دار الحرب (بلاد الأجانب)، وكذلك قتل المدنيين بالصور التي شاعت في السنوات الأخيرة، من المعاصي المحرمة التي اشتملت على سفك الدماء وإتلاف الأموال المحرمة كما اشتملت على الغدر والعدوان، وكل هذه من كبائر الذنوب التي لا يجوز لمسلم أن يفرح أو يفتخر بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» حديث صحيح رواه الطبراني في الكبير عن أبي موسى رضي الله عنه. وقد حملت الرغبة في التشفي من أعداء الإسلام بعض المسلمين على الفرح والسرور بهذه المعاصي المذكورة، وهذا من الجهل بالدين ومن نقص الإيمان، لأن من سرته السيئة فليس بمؤمن. ليس هذا فحسب بل ان من رضي بهذه المعاصي كان عليه مثل ذنب فاعلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها» حديث حسن رواه أبو داود. التفاخر بالمعاصي كما لا ينبغي التفاخر بهذه المعاصي وأعمال الغدر لأن هذا من المجاهرة بالمعاصي التي تبعد فاعلها عن دائرة عفو الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» متفق عليه، فهذه المعاصي ينبغي الاستغفار منها ولأهلها، لا الفرح أو التفاخر بها فلا فخر بأعمال الغدر ولا فخر بغزوات الغدر وإن ظنها الجُهال بطولات. عاشراً: من ضوابط التكفير في الشريعة من المناسب التنبيه على هذه المسألة بعد الكلام في مستور الحال ومجهول الحال في البند السابق، خصوصا قد كثر الاتهام بالتكفير في هذا الزمان. فأقول وبالله تعالى التوفيق: التكفير، بضوابطه الشرعية، حكم شرعي ليس بدعة ولا فكراً ولا تهمة، ورد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي الاستخفاف به لأن الاستخفاف بالأحكام الشرعية كفر، كما قال تعالى «... قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ...» (التوبة: 65، 66). وبعيدا عن التقسيمات البشرية على أساس البلدان أو الأجناس أو الألوان أو اللغات، فإن الله سبحانه لم يقسم خلقه إلا إلى قسمين كما قال تعالى «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (التغابن:2). وكثير من الأحكام الشرعية في الدنيا كما أن جميع أحكام الآخرة من الوعد والوعيد مبنية على هذا التقسيم الإلهي للخلق إلى مؤمن وكافر، والكفار قسمان: 1) الكافر الأصلي: وهـو من لم يكن مسـلماً من قبل، كالمذكورين في قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ» (البينة:6). 2) المرتد: وهو من ثبت له حكم الإسلام من قبل فنقض إسلامه بكفر، ويسمى كفره بالكفر الطارئ. وهذا جائز الحدوث كما قال تعالى «لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ...» (التوبة:66)، وقال تعالى «يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ...» (التوبة: 74)، وقال تعالى «...وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة:217). أحكام الكفار والمرتدين وأحكام الكفار الأصليين مذكورة في أبواب الجهاد من كتب الفقه، كما أن أحكام المرتدين مذكورة في أبواب الردة من كتب الفقه، ولا يخلو كتاب من كتب الفقه من ذلك مهما كان مختصرا، والردة ليست تاريخا مضى وانتهى بمقتل مسيلمة وتوبة سجاح، وإنما هي جائزة الوقوع في أي زمان حتى ان العلماء قد ذكروها ضمن نواقض الوضوء والصلاة والصيام وغيرها من الأعمال، فيجب على كل مسلم أن يتعلم ما نواقض الإسلام؟ إذ إن الكفر والردة يفسدان دين المسلم وكل عباداته وإن كان يؤديها كما قال تعالى «... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (الزمر:65). والتوبة واجبة وجائزة من هذا كله كما قال تعالى «قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ...» (الأنفال:38)، أما قول الله تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ...» (النساء:116)، فهذا فيمن مات كافرا بلا توبة صحيحة في الدنيا. فالإسلام والإيمان ليس من الصفات الثابتة الأبدية للإنسان كلون بشرته، وإنما هي من المتغيرات إن لم يحافظ المسلم عليها ذهبت كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الإيمان كثوب أحدكم يلبسه تارة وينزعه تارة) رواه ابن أبي شيبة في كتابه (الإيمان)، وكذلك شبه الله الدين بالثوب في قوله تعالى «... وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ...» (الأعراف:26)، وكذلك أيضا شبهه رسول الله في قوله صلى الله عليه وسلم «رأيت الناس وعليهم قمص- إلى أن قالوا- فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين» الحديث في البخاري... ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم «بادروا بالأعمال الصالحة، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا» رواه مسلم. ضوابط التكفير وإذا كان التكفير حكما شرعيا فإن له ضوابط يجب الالتزام بها حتى لا يتهم أحد بالكفر بغير حق، وحتى لا يتصدى لذلك من ليست لديه الأهلية الشرعية، ومما أذكره في ذلك بإيجاز: 1) النظر في فعل المكلف: والمكلف هو البالغ العاقل، فلا اعتبار لما يصدر عن الصبي، ومنه القاعدة الفقهية (عمد الصبي خطأ) ولا اعتبار لما يصدر عن المجنون أو المعتوه، ولحديث (رفع القلم عن ثلاث)، وفعل المكلف (من قول أو عمل) الذي يوقعه في الكفر قد يكون صريح الدلالة على الكفر (وهو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً) أو محتمل الدلالة على الكفر، ولا تكفير بمحتمل الدلالة إلا بعد تبين قصد فاعله، وهذا كالصريح والكناية من ألفاظ الطلاق والقذف وغيرها. وقد بوب البخاري رحمه الله لهذه المسألة في كتاب الصلاة من صحيحه في باب (من صلى إلى قبر أو تنور أو شيء مما عبد من دون الله فأراد الله)، كما بوب لها القاضي عياض رحمه الله في كتابه (الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم في باب (ما جاء في إكفار المتأولين)، فلا يجوز إلزام أحد بلوازم عمله (قوله أو فعله) لأن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب إلا أن يلتزمه صراحة كما حققه ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ج 20). 2) النظر في النص القاضي بكفر من فعل هذا الفعل: هل النص صريح في الكفر الأكبر أم محتمل؟. وذلك لأن نصوص الشريعة ذكرت نوعين من الكفر: كفر أكبر يخرج فاعله من الإسلام، وكفر أصغر لا يخرج فاعله من الإسلام، وإنما هي معاصي من كبائر الذنوب سُميت بالكفر من باب التغليظ والزجر عنها. الكفر الأكبر _ ومن ذلك نصوص في نفي الإيمان ليست قطعية في الكفر، فقد يراد بها الكفر الأكبر كما في قوله تعالى في سورة الشعراء «... وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ(8)»، وقد يراد بها الكبائر غير المكفرة كما في أحاديث (والله لا يؤمن...) و(ولا يؤمن أحدكم...) و(ليس منا...) و(ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...) و(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر...) ونحوها. فكلمة (لا يؤمن) لا تساوي (يكفر) بالضرورة. _ ومنها نصوص الوعيد بالنار والعذاب لمن ارتكب أفعالاً معينة لا تعني الكفر بالضرورة، بل قد تعنيه وتعني الكبائر، فقد ذكر الله الشرك والقتل العمد والزنا في سورة الفرقان ثم قال «... وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَن تَابَ...» (الفرقان:68-70)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» متفق عليه. فالوعيد بعذاب النار ليس مرادفا للكفر، بل سيدخل النار أقوام مسلمون بذنوب كبيرة ثم يخرجون منها ويأذن الله لهم بدخول الجنة بما معهم من إيمان صحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ليصيبن أقواما من أمتي سفع من جهنم بذنوب أصابوها» رواه البخاري، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان» الحديث رواه البخاري. وهؤلاء هم عصاة المؤمنين الفساق أصحاب الكبائر الذين ماتوا بلا توبة وليست لهم حسنات موازنة ولم يشأ الله أن يغفر لهم يوم القيامة كما قال تعالى «... وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ...» (النساء:116). أما الكفار فلن يخرجوا من النار أبدا إن ماتوا على الكفر قال الله تعالى «وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ» (غافر:6)، وقد استدل الخوارج بهذه الآية ونحوها على أن كل من دخل النار فهو كافر، ولهذا كفّروا أصحاب الكبائر المتوعدين بالنار، وليس هذا بصحيح كما سبق بيانه، وفي الأحاديث السابقة رد عليهم، وكذلك الآية الأخيرة، فإن صاحب الشيء يلازمه ولا ينفك عنه وكذلك الكفار هم (أصحاب النار) أما عصاة المؤمنين فدخولهم النار مؤقت ثم يخرجون منها بفضل الله فليسوا هم من (أصحاب النار) وللخوارج استدلالات أخرى فاسدة مذكورة بكتب العقائد بسبب فساد فهمهم للنصوص فصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم «حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين» والأحاديث فيهم متفق عليها بل متواترة، ومعنى (حدثاء الأسنان) أي صغار السن، و(سفهاء الأحلام) أي ضعاف العقول، و(لا يجاوز حناجرهم) أي يقرؤون القرآن بغير فهم ولا تدبر يرددونه بحناجرهم ولا يتجاوزها إلى القلوب التي هي محل الفهم، ومن هنا أساءوا الاستدلال بالقرآن والسنة، وهذا مع شدة اجتهادهم في العبادة كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكما وصفهم ابن عباس رضي الله عنهما لما ناظرهم، وخبره معهم ذكره الشاطبي رحمه الله في كتابه (الاعتصام). التفريق بين الكفر والكبائر هذا والذنوب التي ورد فيها نفي الإيمان أو وعيد، يتم التفريق بين الكفر وبين الكبائر منها بجمعها مع النصوص الأخرى الواردة في نفس الذنب، هل سلبت فاعله الإيمان بالكلية أم لا؟ _ ومنها النصوص التي وصفت بعض الأعمال بالكفر، لا تقتضي بالضرورة أنه كفر أكبر مناقص للإسلام. لأن هناك فرقا بين ورود الكفر بصيغة الاسم وبين وروده بصيغة الفعل (وهذا معروف في علم المعاني من علوم البلاغة). كما أن هناك فرقا بين ورود الكفر بصيغة الاسم النكرة وبين وروده بصيغة الاسم المعرفة (وهذا أيضا معروف في علم المعاني، وأشار إليه ابن تيمية في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم»). وهناك فرق بين نصوص الكفر الواردة في القرآن وبين تلك الواردة في السنة (أشار إليه ابن القيم في كتابه «عدة الصابرين»). 3) النظر في حال المكلف: إذا فعل المكلف فعلاً صريح الدلالة على الكفر فإن هناك شروطا وموانع يجب النظر فيها قبل القطع بكفره، فقد لا يكفر بسبب الخطأ أو النسيان أو الإكراه أو الجهل المعتبر ونحوها، وقد يكفر الشخص وتثبت ردته ثم يقوم مانع يحول دون معاقبته، كأن يكون رسولاً من المرتدين، كاللذين أرسلهما مسيلمة الكذاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما «لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» رواه أبو داود، ومنه قال ابن القيم في (زاد المعاد) (ومضت السنة أن الرسول لا يقتل ولو كان مرتدا) أ.هـ، وذلك حتى لا تنقطع فرصة المراسلة وما فيها من المصالح. 4) النظر في الاستتابة: بعد القطع بكفر هذا المكلف وانتفاء الأعذار في حقه، فإن له حقا في الاستتابة أي عرض التوبة عليه وكشف أي شبهة لديه والقاعدة (ادرأوا الحدود بالشبهات)، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» رواه الترمذي بإسناد فيه ضعف، وذكر الشوكاني في (نيل الأوطار) أنه قد صح موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال (ادرأوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم) ولأبي داود بإسناد صحيح مرفوعا (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب). 5) النظر في القدرة على معاقبته: وهذه لا تكون إلا مع التمكين لقوله تعالى «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ...» (الحج:41)، أما المستضعفون فلا يجب عليهم شيء من ذلك. فهناك فرق بين التكفير وبين إنزال العقوبة. 6) النظر في المصلحة والمفسدة المترتبة على معاقبته بعد تحقق القدرة على ذلك: فقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن معاقبة عبد الله بن أُبَيّ للمفسدة المترتبة على ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» متفق عليه، خصوصا مع إظهاره الإسلام وخفاء كفره، ورغم علم النبي صلى الله عليه وسلم بكفره فإنه لم يقتله بعلمه فقط من دون إقامة البينة الشرعية كمـا ذكره ابن حزم في (المحلي ج11)، وقد وفد مسليمة الكذاب على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأعرض عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تقطع الأيدي في الغزو» نظرا إلى المفسدة المحتملة بأن يهرب السارق ويلحق بدار الحرب. فلا بد من النظر في العواقب حتى مع القدرة. يتبع
|
#12
|
|||
|
|||
الحلقة 10 أقباط مصر وكل الأقليات الدينية ليسوا ذميين بل مواطنون من الواجب شرعاً معاملة المسيحيين بالحُسنى وعدم إيذائهم لم يكن طموح كثيرين يتجاوز أن تقر الجماعات الجهادية، بأن أي اعتداء على الأقباط في مصر، أو على غيرهم من المواطنين غير المسلمين في العالم الإسلامي، يعد خرقاً لذمة الله ورسوله (ص)، إلا أن الدكتور فضل يفاجئ الجميع في هذا المبحث المهم من وثيقته، بأنه يعتبرهم مواطنين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وهو موقف أكثر تقدما من أي اجتهاد سابق لأعضاء هذه الجماعات، حتى إنه في بعض العبارات كاد أن يقترب من مفهوم الدولة المدنية. ويشدد الدكتور فضل على أنه لا يوجد شيء في الشريعة الإسلامية اسمه قتل كل اليهود والنصارى، مؤكداً أنه لا يجوز الاعتداء عليهم لأنهم مواطنون لهم كل حقوق المواطنة. وتبدأ الحلقة باستكمال الجزء السابق بعدد من التنبيهات، تشير إلى أنه لا يجوز للناس إقامة الحدود من تلقاء أنفسهم بعيداً عن سلطة الدولة. وفيما يلي نص الحلقة العاشرة: تنبيهات على ما سبق 1) التكفير المطلق وتكفير المعين: التكفير المطلق هو الحكم على الفعل هل هو صريح أم محتمل؟ وكذلك النص المؤثم له هل هو صريح أو محتمل؟ أما تكفير المعين فهو الحكم على الفاعل بعد النظر في حاله وتبين الشروط والموانع، وقد كرر ابن تيمية - رحمه الله - التنبيه على وجوب التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين وسمى هذا (قاعدة التكفير). فلا بد من تبين الشروط والموانع في حق المعينين وهذه مسألة موكولة إلى القاضـي، ولا يستثنى من ذلك إلا الممتنع عن القدرة إذا إستفحل خطره، كما أراده النبي (ص) مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وخبره بطوله في كتاب (الصارم المسلول) لابن تيمية. 2) يتضح مما سبق أن موضوع التكفير لا يدرس من كتب العقائد والتوحيد وحدها، بل من كتب الفقه أيضا، خاصة أبواب القضاء والشهادات والردة وطرق الثبوت الشرعية وعوارض الأهلية. 3) لم تبح الشريعة لأحاد الرعية معاقبة عامة الناس أو إقامة الحدود عليهم ولا يستثنى من ذلك إلا إقامة المسلم الحدود على عبيده كما قال النبي (ص) «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» رواه أبو داود، ورواه مسلم عن علي موقوفا، وقال (ص) «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها» الحديث متفق عليه. 4) يتضح مما سبق في هذا البند أن الكلام في موضوع التكفير ليس سهلاً ويحتاج إلى قسط من الأهلية الفقهية والدراسة الشرعية التفصيلية الطويلة، إن لم يكن التمرس في الفتوى والقضاء الشرعي. 5) ليكن قصد المبتدئ في دراسة هذا الموضوع أن ينقذ نفسه ومن يستطيع من الناس من المكفرات لا تكفير الآخرين، وليتعلم الحق في ذلك من دون إفراط الخوارج ولا تفريط المرجئة. 6) إقامة الحدود لا تجب إلا بعد التمكين، وليس على المستضعف شيء من ذلك ولا يأثم بتركه. 7) مما سبق في هذا البند، تعلم أن القول بتكفير عامة الناس بلا تمييز في بلاد المسلمين اليوم بمن فيهم مستور الحال ومجهوله - كما نقلته في البند التاسع - هو قول غير سديد لا يرتكن إلى دليل معتبر، والأحكام الشرعية لا تبنى على الاحتمالات والأوهام. ضوابط التكفير هذا، وقد تكلمت في (ضوابط التكفير وقاعدة التكفير) في مبحث الاعتقاد بالباب السابع من كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف). وأعود فأكرر أن التكفير حكم شرعي لا ينبغي الغمز واللمز فيه، ولا الاستخفاف به لتنفير الناس منه، هل كان الله تكفيريًا عندما قال: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ»؟ وهل كان رسول الله (ص) تكفيريًا عندما قال: «كفر بعد إيمان»؟ ولأن التكفير من أحكام الشريعة ولا يخلو منه كتاب من كتب الفقه، فإن السلف رضي الله عنهم لم يطلقوا اسم (التكفيريين أو جماعة التكفير) على الخوارج (الذين يكفرون المسلمين بالذنوب الكبائر غير المكفرة بذاتها كالخمر والزنا)، وذلك لأن التكفير حكم شرعي وكلمة معتبرة ومحترمة شرعًا فلا ينبغي إلصاقها بأهل البدع. كما أنه من الجهل وصف كل من يتكلم في أحكام التكفير بأنه من الخوارج. ثم إن من تلبس بشيء من نواقض الإسلام المكفرة من مصلحته أن يجد من ينبهه على ذلك، ليتوب ويتدارك أمره قبل الموت وفوات الفرصة، خاصة في الأماكن والأزمنة التي لا يقام فيها حد الردة. أما أن يُترك مثل هذا في عماه فهذا ليس من النصيحة للمسلمين في شيء بل هو غش لهم. وبهذا تعلم أن رسول الله (ص) وشريعته رحمة للعالمين لأن الكافر إذ رأى ملك الموت فلن يخرج من جهنم أبدا، والتوبة معروضة حال الحياة، والكافر إذا بقي على كفره حتى يرى ملك الموت، وذلك حين ينقطع به خط الرجعة إلى الدنيا فسوف يكتشف حينئذ أنه قد كان هو أكبر مغفل في هذه الدنيا، لأن سيعذب منذ تلك اللحظة وإلى الأبد، وإذا أردت أن تعرف كيف أن الإيمان شيء نفيس لا يقدر بثمن فتدبر قول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ» (أل عمران:91). فإيمان المسلم أغلى من ملء الأرض ذهباً، فالحمد لله على نعمة الإسلام. التغرير بالناس ومن هذا تدرك أن الإعراض عن تعلم ما المكفرات؟ وأن التنفير من حكم التكفير مع الإسراف في العذر بالجهل هو تغرير بالناس وغش لهم، والذين يفعلون ذلك هم شر من تجار المخدرات واللصوص الذين يفسدون على الناس دنياهم، أما هؤلاء فيفسدون على الناس آخرتهم ويسوقونهم إلى جهنم بدعوى سماحة الإسلام. حادي عشر: في معاملة أهل الكتاب المقيمين ببلاد المسلمين أهل الكتاب المقيمون في بلاد المسلمين مثل النصارى في مصر ليسوا أهل ذمة، كان هذا قديما وقت الحكم بالشريعة، ومع نشوء الدولة المدنية بتحكيم القوانين البشرية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، سقطت عن أهل الكتاب بمصر ونحوها من البلدان هذه الصفة، والدستور (وهو أبو القوانين) في هذه البلاد لا ينص على مصطلح (أهل الذمة وإنما ينص على مبدأ المواطنة) فهم بالنسبة للمسلمين (أهل كتاب غير معاهدين). وقال البعض (إن النصارى ما زالوا أهل ذمة)، والقول بأنهم أهل ذمة يتعارض تماما مع مبدأ المواطنة المعمول به في هذه الدول، وذلك لأن المواطنة تساوي بين المواطنين سكان البلد الواحد في الحقوق والواجبات، وهذا بخلاف عقد الذمة الذي يلزم أهل الكتاب المقيمين في دار الإسلام بشروط تميزهم عن المسلمين وتفرق بينهم وبين المسلمين. ومن أراد معرفة شروط الذمة فليطّلع عليها في آخر أبواب الجهاد بكتاب (المغني) لابن قدامة الحنبلي، أو في كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم، أو في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيمية رحمهم الله. وشروط الذمة ليست من الاجتهادات المتغيرة بمرور الزمان، بل إنها ملزمة لجميع المسلمين عند القدرة على العمل بها، لأنها سنة خليفة راشد وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال النبي (ص) «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ثم أجمع الصحابة في عصر عمر ومن بعده على شروط الذمة ولم يخالفه أحد ممن يعتد بقوله، وإجماع الصحابة حجة قطعية ملزمة لجميع المسلمين باتفاق أهل العلم، حتى الذين يشكون في إمكان انعقاد الإجماع كأحمد بن حنبل وابن حزم - رحمهما الله - لا يشكك أحد منهما في إجماع الصحابة وإنما شككا فيما بعد عصر الصحابة، واختارا كلمة (لا نعلم فيه خلافًا) بدل الإجماع. التمييز في شروط الذمة والتمييز الوارد في شروط الذمة هو في الأصل مستفاد مما تواتر عن النبي (ص) - تواتراً معنوياً - من الأمر بمخالفة اليهود والنصارى، ومن قوله (ص): «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه» رواه الطبراني، فالقول بأن النصارى مازالوا أهل ذمة قول غير صحيح وغير سديد ومخالف للشرع وللواقع معا، وقد قال الإمام مالك رحمه الله: (أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما أنزل الله على محمد (ص) لقوله). ومع ذلك، فنحن نرى وجوب معاملتهم بالحسنى وعدم التعرض لهم بأذى، وننصح جميع المسلمين بذلك لأسباب منها: 1) أنهم ليسوا هم الذين أسقطوا عن أنفسهم عقد الذمة، وإنما ترتب ذلك على تحكيم القوانين الحديثة التي تجري على الجميع مسلمين وغير مسلمين. 2) أن الغالب عليهم معاملتهم للمسلمين بالحسنى، فيجب معاملتهم كذلك بحسب (قاعدة المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعا) وقد سبقت هذه القاعدة في البنود السابقة، وأيضًا لقوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة:8)، ومعنى (تبروهم) من البر وهو الإحسان، و(تقسطوا) من القسط وهو العدل، فكل من لم يؤذ المسلمين تجب معاملته بالعدل والإحسان. 3) إنهم جيران المسلمين في السكن والعمل والدراسة، والإحسان إلى الجار (من مسلم وغير مسلم) واجب شرعا وليس مجرد استحباب لقول النبي (ص) في الصحيح: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» متفق عليه، وفي رواية (فلا يؤذ جاره)، ولم يقصر ذلك على الجار المسلم وإنما أطلق اللفظ ليشمل عموم الجار أي كل جار (مسلم وغير مسلم)، وجعل (ص) إكرام الجار من شروط الإيمان (من كان يؤمن) بما يعني أن تركه من الكبائر والفسق، ويتأكد ذلك بنفي الإيمان الوارد في قوله (ص) «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه، فمن آذى جاره بأي شكل من أشكال الإيذاء فهو فاسق مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، فإن الشارع لا ينفي الإيمان عمن ترك شيئا من المندوبات والمستحبات، وإنما ينفيه عمن ترك شيئا من أصل الإيمان أو من واجباته، كما نبه على ذلك كثيرا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الإيمان) والنصوص في وجوب الإحسان إلى الجار وتحريم إيذائه كثيرة معروفة. وفي نفس الوقت، فإننا ننصح النصارى بمعاملة المسلمين بالحسنى وعدم استفزاز مشاعرهم بأي أعمال عدوانية، وذلك للمحافظة على أدب حسن الجوار من الطرفين سكان البلد الواحد. وبالنسبة لنصارى مصر فإن النبي (ص) قد أوصى بهم وصية خاصة في الإحسان إليهم (لأن لهم رحما وصهرا) الحديث برواياته رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أما (الرحم) فإن السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام مصرية وهي جدة النبي (ص)، وأما (الصهر) فإن السيدة مارية القبطية وهي مصرية هي سُرية النبي (ص) وأم ابنه إبراهيم رضي الله عنه. قتل كل اليهود وأعلم أيها المسلم أنه لا يوجد شيء في الشريعة اسمه قتل كل اليهود والنصارى الذين يسميهم البعض بالصليبيين، ولو كان هذا صحيحا ما بقى على وجه الأرض الآن من اليهود والنصارى إلا القليل، وما بقى منهم أحد في بلاد المسلمين فقد عاش هؤلاء رعايا لهم حقوقهم في ديار الإسلام قديما. ويجوز للمسلم أن يعاملهم بالمعاملات التجارية وغير التجارية المختلفة وأن ينكح نساءهم، وقد جمع هذه الأحكام ابن القيم رحمه الله في كتابه (أحكام أهل الذمة). أما قتالهم فالصحيح أنه يقاتل المعتدي منهم في جهاد الدفع، ويقاتل من انتصب منهم لقتال المسلمين في جهاد الطلب، هذا ما استقر عليه فقه المسلمين قبل غلبة الأهواء على الناس. فليحذر المسلم من إطلاقات الجهال في هذا الشأن، فالأمر له ضوابط وفيه تفصيل، وليس كل يهودي أو نصراني يجب أو يجوز قتله. يتبع
|
#13
|
|||
|
|||
الحلقة11 الجهاد لا يعتمد على الأحكام الفقهية فقط إنما على الخبرة العسكرية والتكافؤ في القوة د. فضل: لا يجوز الجهاد من دون إذن ولي الأمر يخصص الدكتور فضل هذا البحث لمسألة جهاد المنفرد التي تثير إشكالات عدة، مثل ضرورة الحصول على إذن ولي الأمر قبل الجهاد، والاعتماد على المعايير الواقعية مثل التكافؤ في العدد ومستوى التسليح والخبرة العسكرية وغيرها. ويتضمن هذا البحث هجوماً غير مسبوق على سلوكيات قادة «القاعدة» من دون أن يذكر أسماءهم، فيتحدث المؤلف عن الذين هربوا أمام أعدائهم وتركوا آلاف الأبرياء ليموتوا، ويصفهم الدكتور فضل بأنهم أكبر موردين للقبور والسجون. ويتحدث الدكتور فضل مجدداً عن الذين فرّوا حتى عن نسائهم وعيالهم وتركوهم فريسة للقصف، والذين يرغبون في التفاوض مع أعدائهم، لكن سراً، حتى لا تتأثر صورتهم الإعلامية. وفيما يلي نص الحلقة الحادية عشرة: ثاني عشر: مسألة جهاد المنفرد استدل البعض بقول الله تعالى: «فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ... » (النساء:84)، وبما فعله الصحابي أبو بصير - رضي الله عنه - بعد الحديبية على وجوب الجهاد على المسلم ولو كان وحده، وهذا الإطلاق غير صحيح، فليس في هذه الأدلة دليل على وجوب الجهاد على المسلم المنفرد. أما الآية فإنها مدنية نزلت بعد الشروع في التمكين وحصول المسلمين على دار للهجرة والإيواء والنصرة بالمدينة، كما امتن الله عليهم بذلك في قوله تعالى: «وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (الأنفال:26)، ولم يفرض الله عليهم الجهاد وهم (قليل مستضعفون) بمكة قبل الهجرة، ولو كان جهاد المنفرد واجبا لفرضه الله عليهم بمكة، ولما شرع الله للمستضعف العزلة والتخفي وكتمان الإيمان، ولأوجب الجهاد على كل من دخل في الإسلام من دون النظر إلى حاله من حيث التمكن والاستضعاف، وهذا كله يبين أن من استدل بهذه الآية على وجوب جهاد المنفرد لم يحسن الاستدلال، واستدل بآية وترك غيرها، ولم يعرف الواجب المناسب لكل واقع، ويؤكد ذلك أن النبي (ص) وبعد الهجرة وبعد تشريع الجهاد لم يخرج إلى قتال وحده، ومما يؤكد عدم وجوب جهاد المنفرد أن موسى وهارون - عليهما السلام - وهما نبيان لم يقاتلا وحدهما لما قعد بنو إسرائيل عن الجهاد الذي أوجبه الله عليهم، قال تعالى: «قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(25) “(المائدة:25،24)، وذلك لأن مقصود الجهاد هو إظهار الدين، وقتال الرجل أو الرجلين - ولو كانا نبيين - لا يحقق هذا المقصد، ولهذا لم يفعله الأنبياء عليهم السـلام، فكـيف يفـعله آحاد المسلمين، وبهذا يعلم أن الأمر الوارد في قوله تعالى: «فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ». (النساء:84)، إنما هو للحض، وغاية ما يقال فيه أنه لبيان جواز ذلك لكنه ليس للوجوب، ولو كان قتال المنفرد واجبًا لأوجبه الله على المستضعفين، ولما شرع الله لهم جواز العزلة وكتمان الإيمان والتقية، ولما أمرهم بالعفو والصفح والصبر وقت الاستضعاف، ولما أجاز الصلح. جهاد المنفرد إذا قلنا إن جهاد المنفرد جائز وليس واجبا فإن جوازه مقيد بشروط... منها: • أن من له إمام أو أمير لا يجوز أن يفعل شيئا من ذلك إلا بإذنه لقوله تعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ...» (النور:62). وفي الصحيح أن النبي (ص) قال: «من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني» متفق عليه، ولهذا قال الفقهاء (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام) ذكره ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في كتابه (المغني)، وقد يرى الإمام أو الأمير تكليف فرد وحده بمهمة فهذا جائز، كما روى البخاري رحمه الله (أن النبي (ص) بعث الزبير طليعة وحده)، وفي غزوة الأحزاب أمر النبي (ص) حذيفة بن اليمان أن يأتيه بخبر المشركين، فاندس بينهم لذلك رضي الله عنهم. أما أن يكون الرجل له أمير وقد بايعه بالإمارة، ثم يقوم بدون إذن أميره وبدون إعلامه بأعمال من جنس الجهاد تعود بتدمير الإمارة كلها وزوال الدولة على يد من استفزهم من أعداء الإسلام، فهذا الرجل يكون بذلك قد نكث بيعته مع أميره وخان وغدر وجلب الدمار على المسلمين وخالف أحكام الدين المستقرة القاضية بأن (أمر الجهاد موكول إلى الإمام)، وهذه كلها من كبائر الذنوب المهلكات، ينكث ويغدر ويهرب ثم يترك آلاف المسلمين الأبرياء يدفعون ثمن نكثه وغدرِهِ، ولو شئت أن اقول منهم فلان وفلان لقلت. • أن يغلب على ظن المنفرد أن قتاله سيعود بنفع على الدين وأهله، لأن هذا هو مقصود الجهاد. «لا ضرر ولا ضرار» • أن لا يعود قتال المنفرد بضرر على الدين وأهله، لقول النبي (ص): «لا ضرر ولا ضرار» وكل ما غلب ضرره وفساده على منفعته فهو حرام ولا يجوز للقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) ولأن (الفساد علة التحريم) ولا يجوز للمسلم أن يقدم على أمر له فيه منفعة ولو كانت طلب الشهادة إذا كان سيعود بالضرر على غيره من المسلمين، وقد قال النبي (ص): «المؤمنون كرجل واحد» وفي رواية في الصحيح أيضا: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد» الحديث متفق عليه، فلا بد للمسلم من مراعاة أحوال بقية المسلمين، وإلا فليس هو من هذا الجسد الواحد أي ليس منهم. فليس من المسلمين من لا يبالي بما يجري على الإسلام وأهله ولا يهتم بهم. ومن هؤلاء من يضرب ثم يهرب ليختبئ ويترك أهل بيته وأتباعه وغيرهم من المسلمين يتحملون عواقب ضربته فيجري عليهم من التقتيل والسجن والتشريد والتجويع والانتقام بصوره على يد أعداء الإسلام ما تنوء الجبال بحمله، فليس هذا من الدين والجهاد في شيء ولا هو من شهامة الرجال، وقد كان أهل الجاهلية يستحيون من ذلك، فكان الفارس منهم يزُود عن أهله وعشيرته وإن قُتل، أما في زماننا هذا فتجد من يَفرّ عن أهله وأتباعه ويتركهم نهبا للقتل والسجن والتشريد ثم تجده لا يستحي ويتاجر بالقضية الفلسطينية التي هي بضاعة المفلسين أصحاب البطولات والزعامات الميكروفونية، فالأمر هو كما قال الشاعر: لكل داءٍ دواءٌ يُستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها ومنهم من هرب وأرسل نساءه وأولاده إلى الملاذ الآمن ثم ترك إخوانه وغيرهم من المسلمين ونساءهم وعيالهم فريسة مكشوفة لبطش الأعداء وانتقامهم. ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. الجهاد على عدوان غير جائز • أن لا يشتمل جهاده على عدوان منهي عنه شرعا، كالعدوان على دماء وأموال من لا يجوز له التعرض لهم من المسلمين وغيرهم، كالمذكورين في كل البنود السابقة. • أن لا يكون قتاله غدرا ولا ينقض بقتاله عهدا بينه وبين من يقاتلهم، لقول النبي (ص): «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» متفق عليه من حديث الحديبية، وقد سبق ذلك. وإذا نظرت في هذه الشروط تجدها كلها قد توافرت فيما قام به أبو بصير - رضي الله عنه - فلا إشكال في ذلك، فقد كانت له قاعدة آمنة مستقلة، ولم يكن تحت سلطان النبي (ص)، ولم يضر المسلمين بما فعل، ولم يعاهد أحدا فينقض عهدا أو يغدر بفعله، ومع ذلك فإن أبا بصير لم يكن وحده منفردا إلا في أول الأمر وإنما اجتمع إليه كل من هرب من مكة من المسلمين المستضعفين بعد الحديبية حتى كثر عددهم، ولم يحاربوا جيشا يفوقهم عددا وعدة بآلاف الأضعاف، وإنما كانوا يهاجمون بعض المحاربين من مشركي أهل مكة، ولم يكن لدى أهل مكة طيران يقصفونهم به كما هو ممكن اليوم، ولم يتسللوا لعمل عمليات قتالية داخل مكة وبمجرد أن سمح كفار مكة لأبي بصير ومن معه بالالتحاق بالمسلمين في المدينة (بخلاف ما اشترطوه في صلح الحديبية) ترك أبو بصير وأصحابه مناوشتهم لأنها لا تفيد في إظهار الدين وهو مقصود الجهاد، وقد تضرهم. تنبيهات واحتج بعض من يرى جواز قتال المسلم المنفرد بأدلة بالإضافة إلى ما سبق منها قول الله تعالى «...كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ...» (البقرة:249)، وقوله تعالى: «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...» (الأنفال:60)، ونحو ذلك من الأدلة التي قد يفهم منها البعض جواز تصدي مسلم يحمل سكينا لرتل من دبابات العدو أو لجيش عرمرم، وهذا فهم غير سديد. وهنا عدة تنبيهات على هذه الأدلة وعلى هذا الفهم: • منها أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من آية واحدة أو حديث بدون جمعها مع ما يقيدها أو يخصصها من بقية الأدلة الواردة في نفس المسألة والتي قد تخفي على العامة، ولهذا أوجب الله سؤال أهل العلم بقوله تعالى:»... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»(النحل:43)، وبين النبي (ص) أن فتوى الجهال هي سبيل الضلالة في قوله: «اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» الحديث متفق عليه، فلا يجوز النظر في دليل وترك غيره في موضوعه، فمن أفتى بأن عدة المطلقة ثلاثة قروء معتمدًا على قوله تعالى «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ...»(البقرة:228)، بدون أن يستفصل من السائل عن حال المطلقة فقد أساء وضل وأضل وإن كان قد أجاب بآية من كتاب الله لأنها ليست عامة في جميع المطلقات، وكان الواجب عليه أن يستفصل لأن هناك أصنافا من المطلقات لعدتهن أحكام في نصوص أخرى، فالمطلقة غير المدخول بها لا عدة عليها البتة لآية سورة الأحزاب رقم 49، والصغيرة والآيسة عدتهن ثلاثة أشهر والحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل لآية سورة الطلاق رقم 4 ولحديث سبيعة رضي الله عنها، والمسلمة المهاجرة إذا تركت زوجًا كافرًا بدار الكفر عدتها حيضة واحدة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، والزوجة الأمة عدتها حيضتان للحديث، والأمة الرقيق تستبرأ بحيضة واحدة للحديث، فلا يجوز النظر في دليل وترك غيره في موضوعه، ويدخل في هذا الاستدلال الخاطئ بما سبق على جهاد المنفرد. التكافؤ • ومنها أن هناك حدا أدنى مطلوبا من التكافؤ في العدد والعدة بين المسلمين وأعدائهم، إذا اختل هذا الحد لم يجب على المسلمين الثبات في الحرب، وهي الآيات بآخر سورة الأنفال، وفيها قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر) ولم يحصر كثير من العلماء التكافؤ في العدد فقط، وإنما عداه إلى العدة لعموم العلة وهي أن علة التخفيف هي الضعف «الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ...» (الأنفال:66)، ولو لم يكن التكافؤ في القوة معتبرا كشرط للثبات في الجهاد لما قال الله تعالى: «الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ...»، وذلك لأن الله سبحانه قد رتب أمور الدنيا على نظام الأخذ بالأسباب لا على خوارق العادات والمعجزات والتي قد تحدث، لكنها ليست هي الأصل والعادة وإن كان زمن المعجزات قد انقضى، وإنما الأصل الأخذ بالأسباب لتحقيق نتائج معينة، وذلك حتى يثق الناس في أعمالهم لعمران الدنيا والآخرة، فمن جد وجد ومن زرع حصد. وقد نبه ابن القيم رحمه الله على ذلك وكيف أخذ النبي (ص) بالأسباب في كل شأنه في هجرته وفي غزواته وكيف ظاهر بين درعين في غزوة أحد وغير ذلك وهو مؤيد بالوحي. فليس من الأخذ بالأسباب ولا من التكافؤ تصدي مجموعة من المجاهدين لجيش من الأعداء. أحكام فقهية • ومنها أن قرار الحرب والجهاد لا يعتمد على الأحكام الفقهية وحدها وإنما مع الخبرة العسكرية، وبهذا أفتى أحمد بن حنبل رضي الله عنه بأن الغزو مع الأمير الفاجر القوي أفضل من الغزو مع الأمير الضعيف التقي، والقوة والضعف هنا هما بالنظر إلى خبرته بالحروب، وقال أحمد: (إنما فجوره على نفسه وقوته للمسلمين) وذلك لأن مقصود الجهاد إظهار الدين، نقل هذا كله شيخ الإسلام رحمه الله. واعتبار الخبرة الحربية هو ما جعل النبي (ص) يُؤمّر أهل الخبرة مثل عمرو بن العاص وخالد بن الوليد على من هم خير منهم في الديانة والسبق إلى الإسلام من أكابر الصحابة رضي الله عنهم لما في ذلك من منفعة للمسلمين، وقد فصلت ذلك في كتابي (العمدة في إعداد العدة) 1988م. • والنظر إلى التكافؤ (في العدد والعدة بين المسلمين وبين عدوهم) مع الخبرة العسكرية هو ما جعل خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يتأثم من الانحياز (الانسحاب) بجيش المسلمين في غزوة مؤتة بعد مقتل الأمراء الثلاثة الذين نصبهم النبي (ص) على الجيش في هذه الغزوة، التي كان يواجه فيها ثلاثة آلاف من المسلمين مئتي ألف من الروم، أي بنسبة (ثلاثة إلى مئتين) وقد سمى النبي (ص) صنيع خالد في هذه الغزوة فتحا، إذ أنقذ جيش المسلمين من المهلكة، وقد نزلت آية: «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...» (الأنفال:60) قبل غزوة مؤتة ولم يفهم خالد منها ما فهمه بعض المعاصرين. • ومنها أن الجهاد لو كان واجبا بدون اعتبار التكافؤ في القوة عددا وعدة، وأنه يكفي إعداد ما يستطاع من أي قوة، لو كان هذا الفهم صحيحا لأوجب الله الجهاد على المسلمين وهم مستضعفون بمكة قبل الهجرة وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم. وقد سبق التنبيه على أنه لا يعقل أن يلتزم شاب بدينه اليوم ثم في سنوات معدودة يصير مفتيا وجنرالا في وقت واحد، ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه (ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ويتعرض من البلاء لما لا يطيق) ولا يجوز التضحية بالمسلم فيما لا يفيد ولا ينفع ولا يجوز التكليف بما لا يطاق باتفاق أهل العلم، ومن لم يكن لديه علم بالشرع يرشده فليكن له عقل يعقله ويحجره. يأمرون غيرهم بما لم يفعلوه وليعلم المسلم أنه في زماننا هذا قد انسحب قوم وهربوا من أمام العدو بسبب عدم التكافؤ في القوة، حتى فرّوا عن نسائهم وعيالهم وتركوهم فريسة لقصف العدو، وهم في الوقت نفسه يحرضون غيرهم من المسلمين - ممن لا حيلة لهم ولا استطاعة - على التصدي والصمود للأعداء على الرغم من تيقنهم من عدم التكافؤ في القوة، فيأمرون غيرهم بما لم يفعلوه، وقد ذمّ الله فاعل ذلك في قوله تعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»(البقرة:44)، وفي قوله تعالى: «كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ» (الصف:3). وليس هذا فحسب بل تجدهم في نفس الوقت الذي يسعون فيه إلى التفاوض مع الأعداء يدفعون غيرهم إلى الصدام مع العدو ويضحون بهم ليستخدموهم كورقة سياسية عند التفاوض مع العدو. وهناك من يريد مسالمة عدوه ولكن بعيدا عن وسائل الإعلام حتى لا تضيع وجاهته عند المعجبين به. فلا تنخدعوا يا معشر الشباب بأبطال الإنترنت وزعماء الميكروفونات وتجار الشعارات الذين هم من كبار المورّدين للقبور والسجون، ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. وتعلموا دينكم يا معشر الشباب حتى لا تغتروا بهؤلاء وحتى لا تكونوا ضحايا لشعاراتهم وجعجعتهم. بقيت كلمة أخيرة في هذه المسألة (جهاد المنفرد): وهي أنه قبل الإقدام على عمل يجب النظر في آثاره وعواقبه، فإن النظر في مآلات الأفعال معتبر شرعا، فما أدى إلى فاسد فهو فاسد، والفساد ممنوع، فما يؤدي إليه ممنوع حتى ولو كان القصد حسنا والنية صالحة، هذا ما ذكره الشاطبي رحمه الله في (الموافقات ج2،ج4)، وكل من عمل عملا أضر بغيره من المعصومين يجب عليه أن يعوضه، ولو فعل ما فعله وهو مضطر أو مكره، عملاً بقاعدة (الاضطرار لا يبطل حق الغير) ذكرها عز الدين بن عبد السلام في (قواعد الأحكام) والقرافي في (الفروق) والسيوطي في (الأشباه والنظائر) وابن رجب الحنبلي في (القواعد)، فمن سبب عمله ضررا لمعصوم في نفسه أو ماله يجب عليه تعويضه بديات النفوس والأعضاء والمنافع فما دون ذلك من الأروش والحكومات بقدر الضرر، ومن أتلف أملاك غيره عليه أن يعوضه بالمثل في المثلى أو بالقيمة في المتقوم، فإن لم يفعل في الدنيا بقيت عليه التبعة والمؤاخذة يوم القيامة لقول النبي (ص): «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة» رواه مسلم، ولحديث المفلس الذي رواه مسلم أيضا، ولكن أداء الحقوق يوم القيامة سيكون بتبادل الحسنات والسيئات. وقد دفع النبي (ص) دية الرجل الذي أخطأ أسامة بن زيد في قتله، كما دفع (ص) ديات بني جذيمة الذين أخطأ خالد بن الوليد في قتلهم، وفيها قال النبي (ص): «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» رواه البخاري رضي الله عنه، فالخطأ والتأول لا يسقط حق الغير، وحتى الذين أجازوا قتل الترس المسلم لضرورة قطعية كلية - كما سبق - لم يتفقوا على إهدار دمه بل منهم من قال بضمان ديته. ودية النفس للرجل المسلم الحر (ولو طفل أو شيخ خرف) هي أربعة وربع كيلو غرام ذهب خالص (عيار 24) أو ثمنها بسعر يومه (الدية الشرعية ألف دينار ذهب، ووزن الدينار أربعة غرامات وربع غرام)، ودية المرأة المسلمة الحرة نصف ذلك (صح الحديث في ذلك، وهو إجماع). دفع الديات ولا يعترض على وجوب الضمان بأنه لا يجب دفع ديات من قتل من المسلمين في القتال المشروع، مستدلاً بالمحاورة التي دارت بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في شأن وفد البزاخة، أو مستدلاً باتفاق الصحابة على عدم ضمان ما استهلك في نائرة الحرب في قتال البغاة، كما ذكره أصحاب كتب (الأحكام السلطانية) الماوردي وأبو يعلي، رحمهما الله. فالاستدلال بذلك في غير موضعه لاختلاف المناط، فإن عدم الضمان يكون حين يقع القتال من الطرفين، أما حين يقع القتل والقتال من طرف واحد فيقدم مسلم على قتل وتفجير يسقط فيه قتلى مسلمون من المدنيين غير المقاتلين على حين غرة، ولم ينذروا ليفروا، وحين يؤدي ذلك إلى الإضرار بالآخرين وتخريب الممتلكات فكل هذا يجب فيه الضمان، إذ لا قتال من الطرفين كما كانت الحال مع وفد البزاخة أو في قتال البغاة. وأما كون القتلى (يبعثون على نياتهم) متفق عليه، فهذا حق ولكنه في أحكام الآخرة وهو لا يسقط حقهم أو حق أوليائهم في الضمان في أحكام الدنيا. وإذا كان النبي (ص) قد ضمن ديات قتلى الكفار الذين أعلنوا إسلامهم وكفوا عن القتال حال الحرب (كمن قتلهم خالد وأسامة رضي الله عنهما) فكيف بمن لم ينتصب للقتال أصلاً ولم يعلم به من المسلمين ومن مجهولي الحال الذين يجب تبين حالهم كما سبق، فلا شك في وجوب الضمان في هذه الحالات، ويكفيك حديث (المفلس). ولا يدخل أحد الجنة وعليه تبعات لأحد كما في حديث (القنطرة)... وقد سبق القول أن الصحابي خبيبا رضي الله عنه لم يرد أن يختم حياته بقتل صبي لا يحل له قتله، لأنه (إنما الأعمال بالخواتيم)، فكيف بمن يلقي الله تعالى بأضعاف ذلك من الدماء والأموال المحرمة يحملها على ظهره يوم القيامة كما قال تعالى:«... وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ» (الأنعام:31)؟.. وقُتل رجل في الغزو مع النبي (ص) فقال الصحابة (فلان شهيد) فقال (ص): «كلا، إنه في النار في عباءة غلها» رواه مسلم.. فهذا دخل النار في ثوب سرقه من الغنائم قبل تقسيمها، فكيف بالدماء والأموال المحرمة بالجملة؟ لقد ضعف إحساس الناس بالذنوب كما قال أنس رضي الله عنه: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله (ص) من الموبقات) رواه البخاري. وهذا بسبب الجهل والغفلة وقسوة القلوب. يتبع
|
#14
|
|||
|
|||
الحلقة 12 القادة الحقيقيون مكانهم في الصفوف الأمامية وليس في المغارات النائية تحت حماية القبائل وأجهزة الاستخبارات مبدأ السمع والطاعة يعني إلغاء الإسلاميين عقولهم سبع نصائح يقدمها الدكتور فضل في هذه الحلقة الى أتباع الجماعات الإسلامية، تبدو في ظاهرها نوعاً من الوعظ الديني العام، لكن المستوى الأعمق في قراءتها يأخذنا إلى رسائل سياسية مضمرة، واشتباكات «مشفرة» مع منهج التربية العقائدية التي يحشد بها تنظيم القاعدة أنصاره. ويلفت النظر مطالبة الدكتور فضل للإسلاميين بالتوقف عن اعتماد مبدأ السمع والطاعة، الذي يدفعهم إلى إلغاء عقولهم وارتكاب مخالفات شرعية، تنفيذاً لأوامر قادتهم المُختفين في الكهوف وليس في الصفوف الأمامية، كما يجب عليهم. وتثير النصيحة الأخيرة في حلقة اليوم جدلاً متوقعاً، إذ إنها تدعو إلى الوفاء بالعهود، بمعنى ضرورة الالتزام بقرار وقف الصدام مع السلطات الحاكمة في الدول الإسلامية. وهي رسالة واضحة تطمئن أولئك المتشككين حتى الآن في صدقية هذه المراجعات، لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة عن إمكان استفادة الحكومات من مثل هذه النصيحة في مطالبة معارضيها باحترام الاتفاقات الدولية التي وقعتها هي بعيداً عن توجهات شعوبها، مثل معاهدة كامب ديفيد على سبيل المثال. وفي ما يلي نص الحلقة الثانية عشرة من الكتاب: ثالث عشر: نصيحة لأتباع الجماعات الإسلامية ولعموم المسلمين 1) تعلم دينك: فـ (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صححه السيوطي، وهناك أمور في الدين يجب على كل مسلم أن يتعلمها قبل البلوغ الذي هو وقت جريان قلم التكليف عليه، وهذا ما يسمى بـ (فرض العين من العلم الشرعي)، ومنه معرفة أركان الإسلام ونواقضه والحلال والحرام، وتعليم الصبي واجب على ولي أمره للحديث الصحيح «كلكم راع ٍوكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...» (التحريم:6)، وقال النبي (ص): «علموا أولادكم الصلاة لسبع سنين» الحديث رواه الترمذي وحسنه، ومن لم يتعلم دينه في صغره وجب عليه تدارك ذلك على الفور لقوله تعالى: «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ...»(آل عمران:133)، وقال تعالى:«... فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ...» (البقرة:148). الأحكام التكليفية وضابط ما يجب على المسلم تعلمه من دينه بعد فرض العين هو: ألا يقدم على فعل شيء إلا بعد معرفة حكمه الشرعي من جهة الأحكام التكليفية الخمسة (الواجب والمندوب والمباح والحرام والمكروه)، ويدخل في ذلك مهنة المسلم التي يرتزق منها، وأي قول أو عمل يريد أن يفعله أو يشارك فيه... قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ...»(الحجرات:1)، أي لا تتقدموا بقول أو فعل حتى تعلموا حكم الله تعالى ورسوله (ص). وقال تعالى: «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...» (الإسراء:36)، فلا يجوز لمسلم أن يفعل شيئًا حتى يعلم حكم الله تعالى فيه. ومن شرف العلم أن الله عز وجل لم يرشد نبينا (ص) إلى طلب الاستزادة من شيء في الدنيا إلا العلم فقال جل شأنه: «...وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً»(طه:114)، وقال النبي (ص): «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه، فإذا شرح الله صدرك للتفقه في الدين فعليك بالقراءة في كتب السلف فإن العلم فيها غزير والخطأ فيها عزيز قليل، وبخاصة كتابات ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن قدامة وابن رجب وابن حجر والنووي والسيوطي والشاطبي والمنذري والشوكاني، وقد جمع هؤلاء علوم سلف الأمة، وعنهم أخذ كل من جاء بعدهم من الراسخين في العلم، وقبل هؤلاء جميعهم الإمام البخاري رضي الله عنه، وهو في نظري أعلم المسلمين بعد الخلفاء الراشدين الأربعة حتى قال عنه شيخه قتيبة بن سعيد: (لو كان البخاري في الصحابة لكان آية) ذكره ابن حجر في (هدى الساري) يعني فكيف إذا قورن البخاري بمن هم دون الصحابة وبعدهم؟ ولا يعني هذا أن البخاري أفضل من الصحابة، فهم لهم الأفضلية العامة وهو له المزية الخاصة في العلم، وقد ذكر أبو العباس القرافي في كتابه (الفروق) الفرق بين الأفضلية والمزية. «معارج القبول» - وأفضل كتاب في الاعتقاد هو (معارج القبول) لحافظ حكمي. - وأساس دراسة الفقه كتابان: (بداية المجتهد) لابن رشد، و(نيل الأوطار) للشوكاني. - وأفضل التفاسير (ابن كثير). - ولا يرسخ أحد في علم الحديث إلا بدراسة (فتح الباري) وهو يغني عن غيره من الشروح. - وأفضل كتب اللغة: كتب ابن هشام الأنصاري بشروح محمد محيي الدين عبدالحميد. - أما علوم الوسائل وهي: (علوم القرآن وعلوم الحديث وأصول الفقه وعلوم اللغة العربية)، فلا يحتاج إليها العامي ولا المبتدئ في دراسة الدين، لأنها من وسائل الاجتهاد والاستنباط، ولم تكن هذه العلوم موجودة في عصر الصحابة، وإنما وضعها العلماء بعد ذلك لنفهم نصوص القرآن والحديث كما فهمها الصحابة وكانوا هم أهل اللسان العربي الصحيح، رضي الله عنهم. العلم لأجل العمل 2) وما تعلمته من دينك اعمل بما تستطيعه منه: فإنما يراد العلم لأجل العمل ولا تكلف نفسك ما لم يوجبه الله عليك من الواجبات في حدود قدرتك واستطاعتك، فقد قال تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ...» (البقرة:286)، وقال سبحانه: «...لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ...» (الطلاق:7)، وقال النبي (ص): «وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه، ولا تتأثم ولا تشعر بالحرج في ترك ما عجزت عنه من واجبات الدين فإنه (لا واجب مع العجز)، وقال تعالى: «...يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...» (البقرة:185)، وقال النبي (ص): «سددوا وقاربوا وأبشروا» رواه البخاري، ومعنى (سددوا) أي الزموا السداد وهو الكمال، فإن لم تستطيعوا (قاربوا) أي اقتربوا منه، ومع ذلك (أبشروا). وإذا سمعت بنافلة من النوافل أو دعاء أو طاعة من الطاعات فاعمل بها ولو مرة في العمر لتكون من أهلها يوم القيامة، ولتدعى مع أهلها يوم القيامة، ذكر هذا النووي رحمه الله في مقدمة كتابه (المجموع). ونحن في زمان طاعاتنا فيه قليلة ولا ندري أيقبلها الله أم لا؟ وذنوبنا كثيرة ولا ندري أيغفرها الله أم لا؟، فلا تكثر من الذنوب وداوم على الاستغفار، ولا بد للمسلم من أن يجاهد نفسه ويغيرها وفق مراد الرب سبحانه: «... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ... (الرعد:11)، فإن قام بذلك أفلح وإلا كان علمه وبالاً عليه كما في الحـديث الصـحيح: «والقـرآن حجـة لك أو عـليك» رواه مسـلم. وقـد قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ...» (العنكبوت:69)، وفي شرحه لكتاب الرقاق بالبخاري نقل ابن حجر عن الإمام القشيري عن شيخه أبي علي الدقاق قوله: (من لم يكن في أوله صاحب مجاهدة لن يجد من هذا الطريق شمة) من (فتح الباري ج11) وقال النبي (ص) لعائشة رضي الله عنها: «أجرك على قدر نصبك» الحديث متفق عليه. المبني على الفاسد فاسد 3) لا تفعل ما لا يحل لك لتؤدي ما لا يجب عليك: كالذي يسرق ليتصدق، أو كالذي يسطو على أموال الآخرين لتمويل الجهاد، فالكل غير مقبول عند الله، وقال تعالى: «... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(المائدة:27)، وفي الصحيح قال النبي (ص): «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، وقال تعالى: «... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ...» (البقرة:189). والقاعدة الفقهية أن (المبني على الفاسد فاسد). 4) اعلم أن الحكم الشرعي لا يترتب على السبب وحده: بل لا بد من النظر في الشرط والمانع بحسب قاعدة (يترتب الحكم على السبب إذا توافر الشرط وانتفى المانع)، كامتلاك النصاب (سبب لحكم) وجوب الزكاة فيه، إذا (توافر الشرط) ومنه حَوَلان الحول في النقدين وعروض التجارة والأنعام (وانتفى المانع) كالدين المستغرق للنصاب، وهذه القاعدة عامة في معظم أحكام الشريعة ومنها الجهاد قد يوجد سبب وجوبه ولا يجب على فرد معين للعجز أو لعدم النفقة ونحو ذلك، فلا يجوز ترتيب الأحكام بمجرد أسبابها، إلا بعد النظر في الشروط والموانع وقد سبق في البند الثاني بيان الفرق بين الوجوب المطلق وبين الوجوب على المعين. فلا تتعجل في إصدار الأحكام على الناس فهذا من علامات الجهل. 5) لا تكتفِ برأيك في أمورك: وما أنت مقدم عليه، واستشر من هم أعلم منك وأكثر منك خبرة وأكبر منك سنا من الأمناء، وفي الصحيح لما أشكل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه هل يدخل الشام أم لا في عام الطاعون (18هـ)؟ لم يشر عليه بالرأي السديد من كل من استشارهم إلا أهل الخبرة من كبار السن (وهم مَشيخة قريش من مُسلمة الفتح) وذلك قبل أن يبلغهم الخبر المرفوع من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، والحديث بطوله متفق عليه. السمع والطاعة 6) لا تسلم عقلك لغيرك بدعوى السمع والطاعة: فإنك إن أخطأت لن يحمل أحد وزرك يوم القيامة فقد قال الله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «(المدثر:38)، وقال تعالى: «ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)» (الانفطار:18، 19)، عقلك هو جنتك ونارك قال تعالى: «وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) «(الملك:10، 11)، وما فضل الله الإنسان على الحيوان إلا بالعقل لينظر به في العواقب الدنيوية والأخروية، لا ليدبر به أموره الحاضرة فقط، فإن الحيوان يدرك ذلك ويعرف ما يضره وما ينفعه في الحالة الحاضرة... فلا تلغ عقلك بدعوى السمع والطاعة إن كنت في جماعة إسلامية، وإذا أمرك مسؤولك بشيء لا تراه خيرا فلا تطعه، فقد قال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله ما حاصله: (إن من أطاع أميره فيما مضرته ظاهرة كان فاسقًا، لأن أميره إنما يستخف عقول أتباعه)، واستدل لذلك بقوله تعالى: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) «(الزخرف:54)، من كتابه (السير الكبير)، وفي المسألة حديث سرية عبد الله بن حذافة رضي الله عنه، وقال النبي (ص): «إنما الطاعة في المعروف» رواه البخاري، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا بايعنا رسول الله (ص) على السمع والطاعة يقول لنا «فيما استطعتم») متفق عليه، ولا تقبل فتوى بعمل إلا من مؤهل للفتوى كما ذكرته. واعلم أن السمع والطاعة هما في الأصل لله وللرسول (ص) أي للدليل الشرعي من الكتاب والسنة لا لشخص الأمير، ولهذا أمر الله بالرجوع إلى الدليل عند التنازع مع ولاة الأمور وغيرهم قال تعالى: «... فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ...» (النساء:59).. فلا تقبل أمرًا يخالف الشريعة، وإن كان أميرك أو مسؤولك فقيرًا في العلم الشرعي فلا تقبل منه شيئًا تستريب فيه إلا بفتوى من مؤهل لذلك.. وفي الحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» حديث صحيح. لأن مثل هذا الأمير حكمه كالعامي يجب عليه أن يستفتى أهل العلم ويسألهم لا أن يفتى غيره. فلا تَلْغِ عقلك، ولا تتبع زعماء الميكروفونات وأبطال الإنترنت الذين يُطيّرون البيانات المحرضة للشباب في الوقت الذي يعيشون فيه في حماية أجهزة مخابرات أو في حماية قبيلة أو في مغارة نائية أو في لجوء سياسي لدى دولة كافرة، وهم يُجعجعون في الميكروفونات وعلى الإنترنت ويقودون الناس بالجملة إلى القبور وإلى السجون وهم في مأمن، بخلاف ما كان عليه النبي (ص) من قيادة جيش المسلمين بنفسه في أغلب الأحوال حتى كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: (كنا إذا اشتد البأس وحَمى الوطيس اتقينا برسول الله (ص) أما هؤلاء فإنهم إذا اشتد البأس يفرون عن نسائهم وعيالهم وأتباعهم ويتركونهم فريسة لبطش الكافرين وانتقامهم، وهم مع ذلك لا يستحيون ومازالوا يجعجعون. فليكن قولك أيها المسلم لزعماء الميكروفونات الجاهلين بالشريعة إذا حرّضوك أن تقول لهم: (إذا كنت إمامي فكُن أمامي)، فهكذا كان النبي (ص) مع أصحابه رضي الله عنهم. وأحذر من هؤلاء الحمقى الذين دمّروا إمارة إسلامية كانت قائمة ومن وراء ظهر أميرها ثم يتاجرون بعد ذلك بالقضية الفلسطينية والتي صارت - ومنذ زمن - ورقة توت يستر بها المفلسون عوراتهم وورقة (يانصيب) في يد الانتهازيين والأفاكين يجنون من ورائها المكاسب والبطولات لدى المغفلين. فهل يفعل هذا إلا الحمقى يُضيعون إمارة إسلامية ويبحثون بعد ذلك عن فلسطين، وقد قال شيخ الإسلام: إن حفظ رأس المال مقدم على طلب الربح باتفاق العقلاء، هذا حاصل كلامه، وكذلك القاعدة الفقهية تنص على أنه (لا يُترك معلومٌ لمجهول)، أما هؤلاء الحمقى فأضاعوا رأس المال المعلوم وهي الإمارة الإسلامية التي كانت قائمة ثم يطلبون فلسطين بالجعجعة والبيانات. الجهلاء يشعلون الحرائق واحذر أيها المسلم من الجهلاء الجبناء الذي يُشعلون الحرائق في كل مكان، ثم يهربون ويتركون غيرهم من آلاف البشر يحترقون بها. 7) الوفاء بالعهد واجب: قال تعالى:» وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34)» (الإسراء:34)، وقال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...» (المائدة:1)، وهذا واجب مع جميع الناس حتى مع الكفار والمشركين، فقد استوقف كفار قريش عند خروجهم إلى بدر حذيفة بن اليمان وأباه رضي الله عنهما ولم يخلوا سبيلهما إلا بعدما تعهدا لقريش أن لا يقاتلوهما، ثم لقيا النبي (ص) بعد ذلك عند بدر فأجاز ذلك وأمرهما بالوفاء، ولم يشاركا في غزوة بدر (الحديث رواه مسلم) وفي معناه ما قاله الحصكفي في (الدر المختار) من أنه يجوز الصلح مع العدو على ترك الجهاد، وقال شارحه ابن عابدين في (حاشيته ج4) (إن هذا بحسب مصلحة المسلمين وحاجتهم لذلك) أ.هـ، ونقض العهد من الكبائر ومن خصال النفاق «وإذا عاهد غدر» كما في الحديث الصحيح، والعهود يجب الوفاء بها إذا كانت على ما يجوز شرعًا لا على ما يحرم، لقول النبي (ص): «المسلمون على شروطهم» رواه الترمذي وصححه ولما ورد في الحديث الصحيح: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط» متفق عليه، ومما يجوز شرعًا أن من التزم وتعهد بعدم الصدام مع السلطات الحاكمة وقواتها في بلده وجب عليه الوفاء بذلك. ولا ينبغي أن يعتبر تعهده من باب: «الحرب خدعة» متفق عليه، وقد قال النبي (ص): «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» متفق عليه. العهود والمواثيق والعهود والمواثيق والشروط بين الناس جائزة في الجملة إذا كانت على ما يجوز شرعًا قال تعالى: «وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ...» (النحل:91)، وقال تعالى - عن يعقوب عليه السلام -: «قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)» – إلى قوله تعالى – « قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)» (يوسف: 66-80). يتبع إن شاء الله
|
#15
|
|||
|
|||
الحلقة 13
بعض الإسلاميين مرجعيتهم العليا هواهم وآراؤهم وليس الشرع الله يخذل الجماعات الإسلامية لأنها تقول ما لا تفعل يستكمل الدكتور فضل اليوم نصائحه للإسلاميين التي بدأها في الحلقة السابقة، فيطالبهم أولاً بأن يحرص كل منهم على أن يمارس عملاً لكسب الرزق بدلاً من الاشتغال بنوافل العلم والعبادة، في انتقاد واضح لظاهرة «الكادر السياسي المتفرغ» التي عرفتها التنظيمات اليسارية وانتقلت منها إلى الجماعات الإسلامية. ويهوِّن الدكتور فضل على الإسلاميين الجهاديين إحساسهم بالإخفاق في حال استجابوا لمراجعاته الفكرية وما تتضمنه من وقف استخدام السلاح وتغيير المنهج الفكري، إذ يؤكد لهم أن أجر الجهاد قد ثبت رغم عدم تحقيق الهدف الذي أضاعوا من أجله سنوات طويلة من أعمارهم. وينتقد المؤلف بشدة بعض الجماعات الإسلامية التي تطالب بتطبيق أحكام الإسلام في مجتمعاتها دون أن تعنى بتطبيق هذه الأحكام على نفسها وأعضائها أولاً، مؤكداً أن هذا التباين بين الشعارات المرفوعة والواقع هو من أسباب خذلان الله لهم. وفي ما يلي نص الحلقة الثالثة عشرة من الكتاب: 8) طلب ما يجب من الرزق أفضل من الاشتغال بنوافل العلم والعبادة: ذكره ابن الجوزي رحمه الله في «صيد الخاطر» لأن المسلم يأثم بتضييع من يعول ولا يأثم بترك نوافل العلم والعبادة، و«اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول»، الحديث متفق عليه، وسؤال الناس يأتي خدوشًا في وجه صاحبه يوم القيامة، «ولا تزال المسألة بالرجل حتى يلقى الله عز وجل يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم»، الحديث متفق عليه، «وقد بلغ التعفف عن السؤال ببعض أهل الجاهلية قبل الإسلام أن الرجل منهم كان إذا أعوز ولم يجد شيئًا دخل مغارة في الجبل وبقي فيها حتى يموت ولا يسأل الناس»، ذكره ابن مفلح الحنبلي في «الآداب الشرعية»، ولابد للإنسان في هذه الدنيا من أمرين: دين يصلح به آخرته ومصدر رزق يصلح به دنياه، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم بيان ذلك في قوله «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر»، حديث حسن رواه أحمد وأبو داود، لأن الكفر خراب الآخرة والفقر خراب الدنيا، كما أن أكل الحرام خراب الدنيا والآخرة، وفي الصحيح «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» رواه البخاري. المعاصي 9) لا تستهن بالذنوب والمعاصي: فقد اخرج آدم عليه السلام من الجنة بسبب معصية واحدة بالرغم من توبته وقبول الله لها، ودخل رجل النار وهو يجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بسبب عباءة سرقها من الغنيمة قبل قسمتها (غلها) الحديث رواه مسلم، وإذا بلغك حكم شرعي صحيح فلا تعرض عنه متعمدًا ولو بشبهة تدرأ بها عن نفسك فإن هذا المسلك يورث زيغ القلب كما قال تعالى «... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ...» (الصف:5)، وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله «مهما تلاعبت به من شيء فلا تلاعبن بأمر دينك» وإذا لم تستطع أن تزيل المنكر فزل عنه واعتزله، فهذا مقتضى إنكار القلب... وقد سبق أنه لا يجوز الفرح بشيء من المعاصي وأعمال الغدر ولا المجاهرة بها والمفاخرة، بل تجب التوبة والاستغفار من هذا كله، ولا تنزه نفسك عما فعلته من ذنوب وتلقي باللوم على غيرك، فإن الله سبحانه إنما غفر لآدم عليه السلام لأنه اعترف بذنبه «قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)» (الأعراف:23)، في حـين لم يغفر الله لإبليس لأنه نزه نفسه عن ذنبه ونسب ذلك إلى الله «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) «(الحجر:39). الشر واعلم أن أصول الشر ثلاثة: الكبر وبه كفر إبليس، والحرص وبه خرج آدم عليه السلام من الجنة، والحسد وبه قتل ابن آدم الأول أخاه. واعلم أن الورع إنما يعرف في الخلوة لا عند مخالطة الناس، فلا تكن وليًا لله في العلانية وعدوّه في السر. وقال بعض المتصوفة «آخر ما يخرج من الشهوات من قلوب الصالحين: حب الرياسة. ويشهد لذلك قوله تعالى «هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ» (الحاقة:29)، وفي الآية أن السلطان والرياسة آخر ما يتعلق به الإنسان من علائق الدنيا. الصبر 10) الجنة ليس لها ثمن إلا الصبر: قال الله تعالى «وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12)» (الإنسان:12)، وقال تعالى في أصحاب الجنة «... وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)» (الرعد:23، 24)، والصبر هو «حبس النفس على المكاره» وهو أشق شيء على النفس لأنه حمل النفس على خلاف هواها، ومن هنا كان هو ثمن الجنة لما ثبت في الصحيح من أنه «حُفت الجنة بالمكاره» رواه البخاري، فلن يخلص أحد إلى الجنة إلا باحتمال تلك المكاره وهذا هو الصبر، وهو ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» رواه الترمذي وحسنه، والثمن هو الصبر، والصبر على مكاره تنقطع عما قريب بالخروج من هذه الدنيا أهون وأيسر من الصبر على المكاره العظمى التي لا تنقطع إلى الأبد في جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر، للعامل فيهم أجر خمسين» قال الصحابة: يا رسول الله خمسين منا أم منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم «بل منكم» وهو حديث صحيح رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه وذكره ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى ج18» وقال إن سبب زيادة أجر العاملين بدينهم في آخر الزمان جاء مفسرًا في رواية أخرى لنفس الحديث وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة «إنكم تجدون على الحق أعوانًا وهم لا يجدون». الحق 11) الرجوع إلى الحق واجب وخير من التمادي في الباطل: قال تعالى « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201)» (الأعراف:201)، وقال تعالى «... وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24)» (ص:24)، وقال بعض الصالحين «لأن أكون ذنبًا في الحق خير من أن أكون رأسًا في الباطل» والذنب هو آخر الذيل. ولقد رأيت في زماننا المعاصر بعض من ينادى بالحكم بالشريعة الإسلامية ويرفع راية الجهاد من أجل ذلك لا يطبق الشريعة في خاصة نفسه ولا في جماعته الإسلامية إذا جاءت خلاف هواه، وكنت أقول إذا كان هؤلاء المطالبون بتطبيق الشريعة لا يطبقونها على أنفسهم وهم مستضعفون فكيف سيفعلون إذا تمكنوا وحكموا البلاد؟ وقد أشرت إليهم في كتابي «الجامع في طلب العلم الشريف» منذ عام 1993م، وقد كان هذا دأب اليهود كما وصفهم الله في قوله تعالى «... يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً...» (المائدة:41)، كما أن هذا هو دأب المنافقين الذين وصفهم الله بقوله تعالى «وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)» (النور:48-50) ولا خير في هؤلاء وأمثالهم مع عصيانهم للشريعة كما قال الحق سبحانه «وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23)» (الأنفال:23). وما ينكره هؤلاء على الحكام من عدم تطبيق الشريعة يفعلونه وهم مستضعفون، وفي رسالته إلى سعد بن أبي وقاص -وذكرت بعضها من قبل- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «فإذا استوينا وعدونا في المعصية كانت لهم الغلبة علينا في العدد والعدة» أ.هـ، من «العقد الفريد» لابن عبد ربه الأندلسي، وهذا أحد أسباب خذلان الله لبعض الجماعات الإسلامية، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي، وأصبحت المرجعية العليا لديهم للرأي والهوى لا للشرع. ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. الزهد 12) كل من سعى في حق ولـم يدركه أو لـم ينتفع به أو أضير بسببه في دنياه تم له أجره عند الله تعالى: وذلك لأن كل ما يحصل عليه المسلم في هذه الدنيا (لقمة خبز فما فوقها) ولو من حلال تنقص من أجره يوم القيامة وتنقص من منزلته في الجنة ونعيمه فيها وإن دخلها ابتداء بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب، وهذا هو أصل «الزهد في الدنيا» عند الصالحين من أمم جميع الأنبياء عليهم السلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس وكذلك كان عيسى بن مريم عليه السلام أزهد الناس، ذكر أخباره أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه «الزهد». وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصُفّة، حتى يقول الأعراب «هؤلاء مجانين»، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم فقال «لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة» رواه الترمذي وصححه، و«الخصاصة» الجوع الشديد، و«الفاقة» الفقر. الجهاد وكذلك في الجهاد: من سعى في ذلك بلا إثم ولا عدوان ففشل ولم يدرك نصرًا أو أصـيب فقـد تم له أجـر جهاده عند الله تعالى بخلاف من انتصر وغنم، كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تغزو فتخفق وتصاب إلا تم لهم أجورهم» رواه مسلم. وهذا الحديث وما فيه من تمام الأجر رغم الإخفاق الظاهر في الدنيا فيه أيضًا رد على مقولة «كل عمل تقاصر عن تحقيق مقصوده فهو باطل» وقد سبق التنبيه على ما في هذه العبارة من خطأ في آخر البند الأول. وكذلك فهم الصحابة رضي الله عنهم من نصوص الشريعة أن كل من حصل على شيء من متاع الدنيا ولو من حلال ينقص من أجر عمله في الآخرة، وبذلك وصف خباب بن الأرت حال مصعب بن عمير الذي قُتل يوم أحد فلم يدرك الفتوحات العظيمة والغنائم الجزيلة التي أصابها المسلمون بعد ذلك فتم لمصعب أجره في الآخرة رضي الله عنه، قال خباب «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالى فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» متفق عليه، و«نمرة» قطعة قماش، و«الإذخر» نبات طيب الرائحة، و«أينعت» نضجت، و«ثمرته» زهرة الدنيا ونعيمها، و«يهدبها» يقطفها. وروى البخاري رحمه الله حديثًا مثل هذا عن عبد الرحمن بن عوف في شأن مصعب بن عمير وفيه قال عبد الرحمن «ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا» رضي الله عنهما. الخلق 13) حسن الخلق واجب مع جميع الناس مسلمهم وكافرهم: لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم «وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي وحسنه، ولم يقصر أمره على المسلمين، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن أكثر ما يدخل الناس الجنة «تقوى الله وحسن الخلق» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وهو من أثقل الأشياء في ميزان العبد يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقد قال الله تعالى «... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً...» (البقرة:83)، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم «أكثر ما يدخل الناس النار: اللسان». وبرّ الوالدين واجب ولو كانا كافرين. واعلم أن حسن الخلق مظنة توفيق الله للعبد، وهذا أمر يعرفه العقلاء في كل أمة بالاستقراء، ومن هنا لما جاء الوحي جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة قال صلى الله عليه وسلم وهو يحكي الخبر لخديجة رضي الله عنها «لقد خشيت على نفسي» فقالت له «كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق» الحديث متفق عليه، فاستدلت رضي الله عنها على أن من كان على مكارم الأخلاق هذه لا يخزيه الله في شيء بل يوفقه. وفي المقابل فإن كثيرًا من الإخفاقات سببها سوء الأخلاق. يتبع
|
#16
|
|||
|
|||
الحلقة 14
على الحكام الانصراف عن أفكار القومية العربية تحكيم الشريعة ومحاصرة الفساد وتشجيع الدعاة مفاتيح حل الأزمة وإنهاء الصدام نهائياً يستكمل الدكتور فضل نصائحه لأعضاء الجماعات الإسلامية التي عرضها في الحلقتين السابقتين فيؤكد وجوب السعي إلى إطلاق سراح المعتقلين، ملمحاً إلى أسرى غوانتانامو، الذين يعد العمل على إنقاذهم فرض عين على القادرين على إنجاز هذه المهمة. ثم يوجه المؤلف سبع نصائح إلى ولاة الأمر، في ما يشبه البرنامج السياسي للحركة الجهادية الجديدة التي تؤسسها هذه الوثيقة، فلا يكتفي بالمقولات الأخلاقية المعتادة مثل تقليل مظاهر الفساد في وسائل الإعلام أو تشجيع دعاة الإسلام وزيادة مساحة الدين في المناهج الدراسية وإنما يحدد أهدافاً ذات طبيعة اقتصادية–اجتماعية كالتخلص من البطالة. وتأتي النصيحة الأخيرة خارج أي سياق للوثيقة بهجوم مفاجئ على فكرة القومية العربية ترديداً لمقولات الإسلاميين التقليديين التي تغيرت عند فصائل مهمة منهم، تطوروا فكرياً منذ سنوات باتجاه قبول المزاوجة بين العروبة كإطار للحركة ومفاهيم «الإسلام السياسي» كمضمون لها، وهو ما يبدو الدكتور فضل بعيداً عنه. وفيما يلي نص الحلقة الرابعة عشرة: 14) جواز الأخذ بالأيسر وبالرخصة الشرعية لرفع الحرج ودفع المشقة: قال الله تعالى: «... يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...» (البقرة:185)، وقال تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ...» (النساء:28)، وقال سبحانه: «...وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ...» (الحج:78)، ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: «إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع» من (الموافقات ج1). المتنطعون وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما خُيّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا) رواه البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم): «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً... رواه مسلم، ومن التنطع وهو التعمق: التشدد في غير موضع التشدد. ولما أمـر النـبي (صلى الله عليه وسلم) الصحابة بالرخصة وقت الشدة فلم يفعل بعضهم وصفهم بقوله: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» رواه مسلم، وقال أنس رضي الله عنه «كنا نسافر مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» متفق عليه. ولما وجد من أخذوا برخصة الفطر في السفر من القوة ما مكنهم من خدمة الباقين قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» متفق عليه. فلا يجوز الإنكار على من أخذ بالرخصة الشرعية بعد ورود الشرع بجوازها، ويتدرج ذلك حتى تجوز التقية عند الخوف، ويجوز إظهار الكفر مع طمأنينة القلب عند الإكراه الملجئ كما صنع عمار بن ياسر رضي الله عنهما مع كفار مكة حتى قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن عادوا فعد» رواه عبد الرزاق والبيهقي وأبو نعيم وغيرهم وجمع رواياته الزيلعي رحمهم الله في (نصب الراية ج4). وأجاز النبي (صلى الله عليه وسلم) لمحمد بن مسلمة أن يتكلم في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) لأجل مصلحة عامة للمسلمين (في حادثة كعب بن الأشرف). كما أجاز ذلك أيضاً للحجاج بن علاط من أجل مصلحته الخاصة بمكة بعد غزوة خيبر رضي الله عنه. على أنه يجدر التنبيه هنا على أنه لا تقية ولا خداع في العهود كما سبق بيانه، وكما دل عليه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما. النسيان وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما، والحديث حسنه النووي في «الأربعين النووية» رحمهم الله، والرخصة في إظهار الكفر عند الإكراه رخصة خاصة بهذه الأمة الإسلامية يدل عليه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث السابق «وضع عن أمتي» ولم يكن مرخصاً بذلك في الأمم السابقة... ذكره القرطبي في تفسيره، ويدل عليه أيضًا حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود فلم يترخصوا في إظهار الكفر رغم إحراقهم، ويدل عليه حديث خباب «إن من كان قبلكم كانوا ينشرون بالمناشير»، والحديثان في الصحيحين، رضي الله عنهم أجمعين. الإنكار فلا يجوز الإنكار على من أخذ بما يجوز من الرخصة الشرعية خصوصا في الشدائد، كما لا يجوز للمسؤولين في الجماعات الإسلامية أن يلزموا أتباعهم بالعزيمة إذا أرادوا الأخذ بالرخصة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه» رواه مسلم، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن شر الرعاء الحطمة» رواه مسلم، و«الرعاء» جمع راع، وهو كل من يدبر أمور غيره، و«الحطمة» الذي يشق على رعيته فيحطمهم. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» متفق عليه، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة لأمته في ذلك، فعندما اعترض مسيلمة رجلين من المسلمين أقر له أحدهما بالنبوة فخلى سبيله، وأبى الآخر فقتله، عذر النبي (صلى الله عليه وسلم) الأول وأثنى على الثاني، وكذلك عندما خرج الأسود العنسي، باليمن وادَّعى النبوة وغلب على صنعاء انقسم الصحابة ثلاثة أقسام، منهم من قفل راجعًا إلى المدينة كالمهاجر بن أبي أمية، ومنهم من تخفى باليمن كمعاذ بن جبل، ومنهم من احتال على الأسود حتى قتله وهو فيروز الديلمي، فلم يعاتب النبي (صلى الله عليه وسلم) من رجع ومن تخفى وأثنى على فيروز كما رواه البخاري، والخبر بطوله في «تاريخ الرسل والملوك» لابن جرير الطبري، رضي الله عنهم أجمعين. خطأ وهناك أمور لا يقال فيها عزيمة ورخصة، وإنما يقال فيها صواب وخطأ أو حق وباطل، ومنها الخيارات الشرعية الواجبة على المسلمين نحو مخالفيهم والتي سبق الكلام فيها في البندين الثاني والخامس، فمن وضع الحرب موضع السلم إذا وجب، أو عكس ذلك، ومن أقدم حين يجب الانسحاب، أو عكس ذلك، فقد أخطأ وزل، ولا يقال هنا رخصة وعزيمة، ولهذا سمى النبي (صلى الله عليه وسلم) انحياز خالد رضي الله عنه في مؤتة «فتحاً» ولم يسمه رخصة، كما تأسف عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صنيع أحد قادة جيوشه، وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي حين اقتحم الجسر ليصل إلى عدوه فهلك ومن معه من المسلمين، فقال عمر «رحم الله أبا عبيد لو كان تحيز لي لكنت له فئة». 15) محاسبة النفس والتناهي عن المنكر داخل الجماعات الإسلامية: قال الله تعالى «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)» (المائدة: 78، 79). وكان من أسباب لعن الله لليهود أنهم تركوا التناهي عن المنكر في ما بينهم، ومع ذلك فقد رأيناهم يحاسبون -في هذا العصر- موشى ديان وغولدا مائير بعد حرب 1973م حتى استقالا، واليوم يحاسبون رئيس إسرائيل (موشى كتساف) ورئيس وزرائهم (أولمرت). هذا في حين نرى كثيرًا من الجماعات الإسلامية لا تحاسب أنفسها على الخطأ، وبالتالي تتكرر الأخطاء وتتضاعف، وهذا كله من أسباب الخذلان والفشل كما أنه خلاف الواجب. المهالك ولقد رأيت في زماننا هذا أمثلة للمفتي الجنرال الذي يقود إخوانه وأتباعه إلى المهالك والمقابر والسجون بدون أهلية شرعية ولا عسكرية، وهو مازال بعد سجنه يدعي الزعامة كأنه ما اقترف هفوة من الهفوات، ولا يحاسب نفسه ولا يحاسبه أتباعه، فأي خير يُرجى من هؤلاء؟، وهل هم إلا كما قال الشاعر: لكل داءٍ دواءٌ يُستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت. وقد سبق ذكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أنكر على خالد وعلى أسامة رضي الله عنهما، ودفع ديات من قتلوا في ذلك، وأنكر على عبد الله بن حذافة رضي الله عنه. وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ...»(النساء:135). لو حاسب أعضاء الجماعات الإسلامية أنفسهم وقادتهم على الأخطاء، لكان في ذلك خير كثير في الدنيا والآخرة. وقال عمر رضي الله عنه «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا». وفي قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...»(الحشر:18)، قال العلماء هذه الآية أصل في محاسبة النفس. أسرى 16) السعي في فك أسرى المسلمين واجب: وهو فرض كفاية على أمة المسلمين إذا تركوه أثموا جميعهم، وإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين. وقال ابن عابدين في (حاشيته ج4) «انقاذ الأسير وجوبه على الكل من المشرق والمغرب ممن علم» ويجب السعي في ذلك بكل وسيلة ممكنة كما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه «الأموال»، وإذا تعين فداؤهم بالمال وجب ذلك وإن أتى على جميع أموال بيت المال وأموال المسلمين... ذكره القرطبي في (تفسيره ج5) وابن قدامة في (المغني ج9) رحمهم الله أجمعين، والأصل في ذلك هو قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «فكوا العاني» رواه البخاري، وما ورد في حديث صحيفة علي رضي الله عنه وفيها «فكاك الأسير» رواه البخاري... و«العاني» هو الأسير مشتق من المعاناة أو من الحاجة إلى العون، فدل الحديث على الأمر بوجوب السعي في فكاكه وإنقاذه، وفي شرح هذا الحديث نقل ابن حجر عن ابن بطال قوله «فكاك الأسير واجب على الكفاية، وعلى هذا جميع العلماء» في «فتح الباري ج6» رحمهم الله. ومع أن الأصل في فك الأسرى أنه فرض كفاية فإنه قد يصير فرض عين إن تعين وانحصر في بعض القادرين على ذلك، ومثال ذلك: تعينه على عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه عندما طلب منه ملك الروم أن يقِّبل رأسه كي يطلقه هو وأسرى المسلمين من عنده ففعل ذلك ابن حذافة، فأطلقهم. وكان هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وربما لو رأى بعض الحمقى ابن حذافة وهو يقبل رأس ملك الروم لقالوا إن ابن حذافة سوف يتنصر أو إنه قد تنصر ودخل في النصرانية، أما الراسخون في العلم فدأبهم ما فعله عمر لما رجع ابن حذافة إلى المدينة وأخبره بما حدث، فقال عمر: «حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة» وقام عمر فقبل رأسه رضي الله عنه. وكذلك الحال في كل من تعين عليه السعي في فكاك الأسرى، فإن سعى فله الثواب الجزيل بالتخفيف عن الأسرى وبرفع الحرج والمؤاخذة الشرعية عن غيره من عموم المسلمين، وإن قعد من تعين عليه ذلك فهو آثم مأزور كالقاعد عن غيره من فروض العين. وفي هذا الزمان هناك من تسببوا في سجن المئات بل الآلاف من المسلمين بحماقاتهم، والسجن بلاء كما قال تعالى -حكاية عن يوسف عليه السلام- «... وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ...» (يوسف:100)، ومن هنا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسعي في فك الأسرى، فإذا قام من يسعى في ذلك الذي هو واجب عليهم، أنكر عليه هؤلاء الحمقى وطلبوا منه السكوت، فهل هذا إلا من الجهل بالدين ومن قسوة القلوب؟! نصيحة 17) نصيحة لولاة الأمور في بلاد المسلمين: 1) تحكيم الشريعة الإسلامية: من واجبات الدين العظمى، يختل الإيمان بتركها أو بجحودها أو بتفضيل غيرها عليها، قال الله عز وجل: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (65)» (النساء:65)، وقال تعالى: «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)» (النور:51). وما تفرق المسلمون وما ذلوا ولا هانوا على الأمم إلا بتركهم تحكيم شريعة ربهم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «إنا قوم قد أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله»، وهذا مفهوم من قوله تعالى: «... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)» (النور:63)، وقال سبحانه: «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)» (المائدة:49، 50). 2) تقليل المفاسد الظاهرة فيه خير للبلاد والعباد: فإن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أعلن بها أضرت الجميع، ولهذا فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» الحديث متفق عليه، وهم المظهرون للمعاصي، وأنتم ترون الآن الدول تدمر دولة تلو أخرى، وما ذاك إلا بسبب الظلم والذنوب والفساد فقد قال الحق عز وجل «...وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) « (القصص:59)، وقال تعالى «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)» (الإسراء:16)، ومعنى «أمرنا مترفيها» أي أمرناهم بالشرع بدلالة الآية قبلها «... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)» (الإسراء:15) «ففسقوا فيها» أي لم يلتزموا بالشرع. فدمرهم الله تدميرًا، فليحذر العقلاء والله يمهل ولا يهمل، وإذا كثرت المفاسد فإن الله يدمر البلاد، وإن وجـد فيـها الصالحون، كما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أنهلك وفينا الصالحون؟» فقال (صلى الله عليه وسلم) «نعم، إذا كثر الخبث» متفق عليه، والمفاسد الظاهرة هي أكثر ما يستفز الشباب المتدين إلى الصدام مع السلطات في بلاد المسلمين إذ تؤدي إلى ردود أفعال عنيفة من جانب الشباب بما يضر السلام الاجتماعي. فتقليل الفساد الظاهر في وسائل الإعلام والأماكن العامة خير للبلاد والعباد، والله سبحانه حليم صبور، ولكنه سبحانه إذا أسف وأنزل نقمته طاشت لها العقول، قال تعالى «فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56) «(الزخرف:55، 56)، ولا يثبت للأعداء إلا الجندي ذو العقيدة، أما من نشأ على الخلاعة فإنه يفر من أول مواجهة. تشجيع 3) تشجيع دعاة الإسلام وتيسير عملهم فيه خير كبير للبلاد والعباد. أما البلاد: فإن الله سبحانه قد قضى ألا يهلك البلاد وإن وجد فيها بعض المفاسد إذا وجد بها الدعاة المصلحون، كما قال سبحانه «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)» (هود:117)، فهؤلاء المصلحون يدفع الله بهم البلاء عن البلاد بدعوتهم ودعائهم، ويحفظ غيرهم بهم. وأما العباد: فإن عمل الدعاة إلى الله من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى تقليل معدلات الجرائم والانحرافات بأنواعها في البلاد، وهذا يخفف العبء الأمني من جانب، ويجلب الرزق الإلهي والبركة من جانب آخر حسب قوله تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ...» (الأعراف:96). وقـال تعالى: «وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً (16)» (الجن:16). مناهج 4) تقوية مناهج تدريس الدين الإسلامي. ورفع مستواها وبصفة خاصة في المعاهد والكليات الإسلامية (كالأزهر) لرفع المستوى الشرعي للخريجين والدعاة، مع رفع مرتباتهم وامتيازاتهم (بخلاف سياسة اللورد كرومر) لتعود إليهم ريادة الشباب والأمة، بما يحصن الشباب من الغلو والأمة من الانحرافات. 5) التخلص من البطالة. التي تدفع إلى اليأس والإحباط، وذلك باتخاذ كل التدابير الكفيلة بتنشيط الاقتصاد وزيادة فرص العمل لاستيعاب الشباب ويتبع ذلك تخفيف معدلات الفقر والجريمة والعنوسة والانحرافات الأخلاقية. الغاء 6) تولية الأكفاء الأمناء للمناصب أساس كل خير وصلاح وإصلاح. ولهذا كانت العدالة مشترطة فيمن يتولى الولايات على المسلمين -كما ذكرته في البند التاسع- كي يقدم مصالح الناس على مصلحته الخاصة. وجمع الله هذه الصفات في قوله تعالى: «...إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)» (القصص:26)، وقوله تعالى: «... لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)» (البقرة:124)، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قالوا: كيف إضاعتها؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «إذا وسد الأمر إلى غير أهله». الحديث متفق عليه. وفي قصة يوسف عليه السلام وما فعله من حسن التدبير لإنقاذ مصر من القحط والمجاعة الطويلة دليل على أهمية الإدارة الرشيدة في صلاح أحوال البلاد والعباد... وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه. أوهام 7) الوحدة العربية ضرب من الأوهام. لأنها لم تقم من قبل أبدًا، والتاريخ شاهد، «والعادة مُحكّمة»، وبالتالي فإنها لن تقوم، وعندما اجتمع العرب من قبل لم تكن تلك وحدة عربية ولا دولة عربية كبرى، وإنما اجتمعوا في دولة الخلافة الإسلامية هم والترك والعجم والكرد والبربر وغيرهم. وقد قال أبو عبد الرحمن بن خلدون في «مقدمته» «العرب شعب لا يجمعهم إلا دين» أ.هـ. ومن قبل هذا كله فقد قال الله عز وجل «...وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ...» (آل عمران:103)، وقال تعالى -ممتنا على نبيه (صلى الله عليه وسلم)- «...هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «(الأنفال: 62، 63). ولم يرفع هذه الشعارات إلا الاستعمار وأشياعه فرفعوا شعار «القومية العربية» منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي للوقيعة بين العرب والأتراك لتفتيت الدولة العثمانية، ونجحوا في ذلك في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، ثم رفعت بريطانيا ممثلة في وزير خارجيتها «إيدن» شعار «الوحدة العربية» عام 1941م لإجهاض أي محاولة لإحياء الخلافة الإسلامية بعد زوال الخلافة العثمانية، فرفعوا شعار «الوحدة العربية» لقطع الصلة بين العرب والعجم خصوصا أن مسلمي الهند كانوا من أشد المتحمسين لإحياء الخلافة، فجاء شعار الوحدة العربية بديلاً عن الخلافة وكان نواة ذلك تأسيس «جامعة الدول العربية» عام 1945م. هذه هي حقيقة الأمور وحقيقة الوحدة العربية التي لن تتحقق أبدًا إلا إذا عاد الناس إلى تحكيم شريعة ربهم فيؤلف بين قلوبهم كما فعل بأسلافهم. وإلا فإن البديل هو ما عليه الحال الآن من التفرق والتناحر واستعلاء الأعداء والتخلف، وقد قال الله عز وجل «...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد:11). يتبع
|
#17
|
|||
|
|||
الحلقة 15 الأخيرة
أقول للأجانب لا تنتخبوا المتطرفين لقيادتكم حتى لا تستفزوا المسلمين كتابي لا يثبط عزيمة المجاهدين بل يرشدهم في الفصل الأخير من كتابه المهم يسعى الدكتور فضل إلى إعادة الثقة إلى شباب الجهاديين الذين اكتشفوا من الفصول السابقة خطأ الطريق الذي أضاعوا عمرهم فيه. ويؤكد المؤلف بداية أن الخلافة الإسلامية عائدة مهما طال غيابها، معتبراً أن هذه العودة تدخل ضمن البشارات النبوية الثابتة بانتصار الإسلام. ويرد الدكتور فضل على مخاوف يقول إن زملاءه في السجن أبدوها، تتعلق باحتمال أن تثبط هذه المراجعات عزيمة المجاهدين، فيؤكد أن ترشيد جهادهم وضبطه بالمعايير الشرعية هو نصرة لهم ورد عن الأخطاء إلى طريق الصواب. ويطالب الدكتور فضل الأجانب بعدم انتخاب المتطرفين المعادين للإسلام حتى لا يتخذ البعض هنا ذلك ذريعة للمطالبة برد العدوان باعتداءات مماثلة لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، مع تأكيده في الوقت نفسه أن الدفاع عن كيان الأمة بمواجهة المعتدين هو واجب شرعي لا جدال فيه. وفيما يلي نص الحلقة الأخيرة من الوثيقة: خامس عشر: البشارة بانتصار الإسلام وظهوره وبقائه وبقاء أهله إلى آخر الزمان قال الله عز وجل «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)» (التوبة:32، 33). وقد كان من ذلك ما شاء الله سبحانه فأكمل للمسلمين دينهم «... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً» (المائـدة:3)، وأيد رسوله (صلى الله عليه وسلم) ونصره على المخالفين، وأظهر دينه وأقام للمسلمين دولتهم وأمَّنهم بعد خوف وأغناهم بعد فقر، ثم جرى على المسلمين بعد ذلك من النكبات ما لا يخفى على ناقد بصير لمّا كثرت فيهم الذنوب والمعاصي كما قال الحق سبحانه «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (الإسراء:7)، وقال تعالى «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» (الشورى:30)، ولما أصيب المسلمون في غزوة أُحد قال الله تعالى لهم «قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ» (آل عمران:165)، بيد أن الهزيمة في «أُحد» لم تكن نهاية المطاف، وامتن الله عليهم بعد ذلك بالنصر والظهور، وكذلك ما عليه المسلمون اليوم من الضعف والتفرق والخذلان ليس هو نهاية المطاف، فالخير باقٍ في هذه الأمة والنصر قادم بإذن الله تعالى كما بشرنا بذلك رسولنا (صلى الله عليه وسلم). التاريخ السياسي للإسلام 1) وقد أوجز النبي (صلى الله عليه وسلم) التاريخ السياسي لأمة الإسلام في حديث صحيح ذكر فيه تسلسل مراحله؛ من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض إلى الملك الجبري إلى خلافة على منهاج النبوة (هذا الحديث رواه أحمد في المسند بإسناد حسن)، وعصرنا الحاضر هو عصر الملك الجبري في معظم بلدان المسلمين، فلابد أن تعقبه خلافة على منهاج النبوة لا شك في قدومها طال الزمان أم قصر، وهذه الخلافة المرتقبة ليست هي خلافة خليفة الله المهدي رضي الله عنه، وإنما هي قبله، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «يظهر المهدي عند موت خليفة» (أورده ابن كثير رحمه الله في كتابه: النهاية، وقال: إسناده جيد قوي) وسوف تمتلئ الأرض عدلاً ورخاءً بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، بشرنا بذلك كله الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فقال «يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال ولا يعده» رواه مسلم. و«الحثوة» هي الحفنة. 2) وفي السنة التقريرية: إن الخلافة قد تنقطع من الدنيا في بعض الأزمنة، كما في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال «فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟» الحديث متفق عليه، بيد أنه ومع انقطاع الخلافة أحيانا لا ينقطع الإيمان والمؤمنون من الدنيا أبدًا وإلى قرب قيام الساعة حين تهب الريح الطيبة التي تقبض أرواح جميع المؤمنين في الدنيا وذلك بعد التميز الكامل للناس إلى مؤمن وكافر بطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ولا يبقى على الأرض إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة، صح الحديث بذلك عند مسلم رحمه الله، فلا تقوم القيامة وعلى الأرض مؤمن، أما قبل ذلك فلابد من وجود الإيمان والمؤمنين في الدنيا. أهل العلم 3) وكذلك أهل العلم بالدين باقون لا ينقطعون من الدنيا: كما ورد في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» قال البخاري: «وهم أهل العلم»، وهذه رواية من روايات حديث الطائفة المنصورة. 4) وكذلك حجة الله تعالى على خلقه باقية إلى آخر الزمان حتى لا يسقط التكليف الشرعي بذهاب الحجة، وتبقى حجة الله تعالى قائمة بحفظه سبحانه لكتابه كما قال جل شأنه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)» (الحجر:9)، وببقاء العلماء في الدنيا كما في الحديث السابق «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» واستنباطًا منه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة» وصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله «يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (رواه الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه: شرف أصحاب الحديث)، فالقرآن والعلم والعلماء باقون إلى آخر الزمان بفضل الله تعالى. 5) وكذلك الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد في سبيل الله تعالى ماض لا ينقطع من الدنيا بالكلية إلى آخر الزمان، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» وقد أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه في باب «الجهاد ماض مع البر والفاجر»، وهذه العبارة من اعتقاد أهل السنة والجماعة، وفي رواية لحديث الطائفة المنصورة في سنن أبي داود رحمه الله بيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) استمرار الجهاد في هذه الأمة حتى قتال الدجال بعد خروجه فقال (صلى الله عليه وسلم) «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال» وسوف يكون هذا بإذن الله بعد نزول المسيح عليه السلام من السماء وفي زمنه، وهو الذي سيقتل الدجال بيده الكريمة وهذا نهاية الجهاد في سبيل الله في الدنيا، وبعده سيخرج يأجوج ومأجوج وسيهلكهم الله بالأسباب السماوية من دون قتال كما سبق القول، وعند نزول المسيح عليه السلام من السماء ستكون الإمارة الإسلامية قائمة، وفي الصحيح أن المسلمين يقدمون المسيح عليه السلام ليصلي بهم إمامًا فيأبى ويقول لهم «بل بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة» رواه البخاري، فيصلي المسيح عليه السلام خلف إمام المسلمين حتى لا يتوهم أنه قد جاء مبتدئًا شرعًا جديدًا بل ينزل متبعاً لشريعة محمد، إذ لا نبي بعده (صلى الله عليه وسلم). القرآن باقٍ فالخير لن ينقطع من الدنيا، والقرآن باق ومحفوظ من التبديل، والعلم والعلماء باقون وحجة الله على خلقه لا تنقطع، والجهاد ماض، والخلافة قادمة بإذن الله، وأمة الإسلام باقية ولا ينقطع الإيمان وأهله من الدنيا، وكل هذا إلى آخر الزمان حين تهب الريح الطيبة، وفي زماننا هذا بالرغم من الضعف الذي أصاب المسلمين فلن نكون بإذن الله أقل ثقة بالله من عبد المطلب لما قال لأبرهة الحبشي «إن للبيت رباً وسيمنعه» فنحن أيضًا نقول «إن للإسلام ربًا وسينصره»، فالنصر قادم للإسلام والخلافة قادمة بإذن الله، والله سبحانه ينصر دينه بمن يشاء وقتما يشاء وأينما يشاء «ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة» حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجة. ولا ينبغي أن يدفع الاستعجال أو الرغبة في الانتقام من أعداء الله بالمسلمين إلى سلوك وسائل غير شرعية أو الوقوع في العدوان المنهي عنه أو تكليف أنفسهم أو غيرهم بما لا يطاق. وما لم يدركه المسلم من أحداث آخر الزمان المذكورة في هذا البند لا يجب عليه منها شيء إلا الإيمان الخبري الاعتقادي بما صح منها، أما ما يجب على المسلم والذي سيحاسبه الله عليه وهو ما ينبغي أن يشغل نفسه به فهو معرفة واجب وقته، فيتعلم ما أوجبه الله عليه في وقته ويعمل بما يستطيعه منه في حدود قدرته وطاقته قال تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (التغابن:16)، وقال سبحانه «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (الملك:2). اتقاء الله مع الأعداء ومع نصيحتنا للمسلمين بعدم الوقوع في العدوان المنهي عنه، وأن يتقوا الله حتى مع أعدائهم، فإننا ننصح أيضًا الدول غير الإسلامية بعدم العدوان على المسلمين وعدم ترويعهم في بلادهم وعدم قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال وعدم تخريب بلاد المسلمين وممتلكاتهم، لأن بعض المسلمين يعتقد أن الرد بالمثل جائز في هذه الحال ويستدلون بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» (البقرة:194)، وإن كان هذا لا يجوز على إطلاقه في شريعة الإسلام لأن تكملة الآية السابقة هي: «وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)» (البقرة:194)، والعدوان ليس من التقوى.. كما نقول لرعايا الدول غير الإسلامية... لا تنتخبوا المتطرفين لزعامة بلادكم لأنكم قد تدفعون ثمن ذلك إذا هاجم زعماؤكم المتطرفون بلاد المسلمين فإن بعض المسلمين يعتقدون أنكم مسؤولون عن أعمال زعمائكم لأنكم انتخبتموهم وتدفعون لهم الضرائب، فأقول لرعايا الدول غير الإسلامية لا تستفزوا المسلمين ولا تسيئوا إلى دين الإسلام ولا إلى نبي المسلمين محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا تنتخبوا المتطرفين لقيادتكم، لأنه إذا كان لديكم مجانين فإن المسلمين لديهم مجانين أكثر، وإذا كانت لديكم أسلحة متطورة فإن الضعفاء والمسلمين لديهم أسلحة فتاكة ومنها حب الموت والعمليات الفدائية، فليحذر عقلاء كل قوم... ومع ذلك فإننا ننهى المسلمين عن أي تجاوز للشرع، وإن كان أعداؤهم يفعلون ذلك، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المعاملة بالمثل والجزاء من جنس العمل ليس مطلقًا، وليست عقوبة من سرقك أن تسرقه، وضرب أمثلة أخرى، فالوقوف عند حدود الله واجب على كل حال، قال الله تعالى «وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)» (النساء:14). ومن حق كل أمة أن تدافع عن كيانها ضد المعتدين، وإذا كان هذا حقًا طبيعيًا اتفق عليه الناس فإنه يرتقي عند المسلمين إلى مرتبة الواجب الشرعي، وقد قال الله تعالى «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ» (الأنفال:60)، فإرهاب الأعداء واجب شرعي، وهو ما يعرف في المصطلح المعاصر بالردع العسكري، فإرهاب الأعداء من الدين بنص قوله تعالى: «تُرْهِبُونَ بِهِ» (الأنفال:60) ومن أنكره فقد كذب بالقرآن وخرج من ملة الإسلام كافرًا بدليل قوله تعالى: «وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)» (العنكبوت:47)، ونحن لن نبدل ديننا لترضية الأعداء الذين لا يرضون إلا بإذلال المسلمين، ولكن الإرهاب الشرعي له ضوابط فلا يحل فيه الغدر ولا العدوان كما سبق بيانه. الجهاد في فلسطين وقد قال الله تعالى «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)» (البقرة:251)، فلولا الجهاد في فلسطين لزحف اليهود منذ زمن على الدول المجاورة، ولولا الجهاد في العراق لزحفت أميركا على سورية منذ زمن ولاستعبدت شعوب المنطقة، فلا يحل لمسلم أن يطعن في فرائض الشريعة كالجهاد وإرهاب الأعداء إذ بذلك يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة «ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا». وبهذا تكون قد انتهت بنود هذه الوثيقة (وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم)، وبقيت بعض التنبيهات من كاتبها. التنبيه الثالث من الدكتور فضل (في الرد على التخوف من أن هذه الوثيقة قد تثبط المجاهدين) عند كتابتي لهذه الوثيقة لترشيد العمل الجهادي قابلت بعض المنتسبين إلى الحركة الجهادية بمصر في السجون واستطلعت آراء الموافقين والمتخوفين من تبني الفصائل الجهادية بمصر للتوجه السلمي نحو الحكومة المصرية، ولم أجد لدى المتخوفين حجة شرعية تمنع هذا التوجه إلا شبهة واحدة لهم وهي «سد الذريعة»، وقالوا إن المسائل التي ستشتمل عليها هذه الوثيقة قد تؤدي إلى تثبيط المجاهدين، فلا داعي لكتابتها سدًا لتلك الذريعة، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه ثلاثة: أولاً: لو افترضنا صحة قولهم وتخوفهم فإن القاعدة الفقهية تنص على أن «ما يحرم سدًا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة» ذكرها ابن القيم في «إعلام الموقعين ج2»، ومثال ذلك: النظر إلى المرأة الأجنبية يحرم سدًا لذريعة الزنا «أي أنه محرم لغيره لا لذاته» ولكن يباح منه نظر الخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر الحرام نظرًا إلى المصلحة الراجحة في ذلك، ولا شك في أن ما تشمل عليه هذه الوثيقة من ترشيد مصلحته أرجح بإذن الله من التثبيط المتوهم. ثانيًا: إنه قد تقرر في نصوص الشريعة أن منع المخطئ وزجره عن الخطأ هو نصرة له لا تثبيط كما يظنه هؤلاء. وذلك من قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» فقالوا: كيف أنصره ظالمًا؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره» رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، فإرشاد المخطئ إلى خطئه نصرة له لا تثبيط. ألم ترَ كيف أن خبيبا رضي الله عنه أبى أن يقتل صبيًا من أبناء المشركين كما ذكرته من قبل، والآن يوجد من يقتل المئات بمن فيهم النساء والأطفال والمسلم وغير المسلم بدعوى الجهاد! ثالثًا: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مثبطًا للمجاهدين والجهاد عندما أنكر على أسامة وقال له «فكيف تصنع بلا إله إلا الله»، وعندما قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»؟ فما رد أصحاب هذه الشبهة على هذه الأحاديث الصحيحة؟ فائدة في الفرق بين المؤمن والكافر في البراءة: لا يحـل لمسلم أن يتبرأ من مسلم وإنما يتبرأ من معصيته إن عصى، يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» فلم يتبرأ من خالد نفسه وإنما من عمله عملاً بقول الله تعالى: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216)» (الشعراء:216،215)، أما الكافر فإن المسلم يتبرأ منه ومن عمله كما قال تعالى «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» (الممتحنة:4)، وكما قال تعالى -عن امرأة فرعون-: «وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ» (التحريم:11). وهناك من قال لي لماذا لا يكون نصح المخطئين في السر لا بالكتابة المعلنة؟، وجوابه من وجهين: أولاً: أنه إنما يُنصح في السر من أذنب في السر، أما المجاهر أو المفاخر بذنبه فيجب نصحه والإنكار عليه علناً كي لا يقلده غيره، كما ذكره النووي في ما يجوز من الغيبة في «رياض الصالحين» وقد نقله عما ذكره أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين»، هذا عند تعيين شخص المخطئ، أما مع عدم التعيين فلا يرد الخلاف في الإسرار والإعلان، وهل تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في أخطاء أسامة بن زيد وخالد رضي الله عنهما سرًا أم أنكرها علانية رغم تعيينهما من أجل المصلحة العامة ليُحذر غيرهما؟. ولكن قومًا يخافون على وجاهتهم أكثر من حرصهم على نصح المسلمين. ثانيًا: أنه لا سر في نقل العلم الشرعي إلى الناس حتى لا يندرس العلم ويُنسى، كما نقل البخاري في صحيحه عن عمر بن عبد العزيز رحمهم الله قوله «ولتُفشوا العلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا» أ.هـ. وكيف يعلم بقية الناس بل الأجيال القادمة الصواب من الخطأ إذا كان كل النصح والإنكار في السر؟ وهل يُثمر هذا إلا تكرار الأخطاء في كل جيل؟. والأحكام الشرعية لا تبني على الحماسة والأوهام وإنما على الأدلة الشرعية وإن جاءت على خلاف مراد النفس وهواها، فهذا هو مقتضى التكليف وحقيقة العبودية لله وحده لا شريك له. وكما ذكرت في أول هذا التنبيه فقد قابلت المتخوفين والمترددين في تبني التوجه السلمي، وذكرت لهم الأدلة على ذلك بحسب ما أوردته في هذه الوثيقة، ولم أجد لديهم لا علمًا شرعيًا ولا حجة يعتمدون عليها، ومازلت أقول لهـم ولكل مخالف قول الله تعالى «قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111)» (البقــرة:111)، وقول الله تعالى: «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ (148)» (الأنعام:148). وقد تقرر في الشريعة أن كل من بلغه الحق بالدليل الشرعي فأعرض عنه بغير حجة شرعية فإنما هو متبع لهواه، وهو من الظالمين الضالين، كما قال الله عز وجل «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)» (القصص:50)، وقال الله سبحانه «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29)» (الروم:29). خاتمة وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم قال الله عز وجل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)» (الصف:10-13). ولما كان الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين حتى آخر الزمان، وقد شابته مخالفات شرعية جسيمة في السنوات الأخيرة، فقد وجب التنبيه عليها والتحذير منها، وقد كان هذا هو الباعث على كتابة هذه الوثيقة التي أرجو أن ينفع الله بها الإسلام والمسلمين، إنه قريب مجيب. وقد كتبت كل هذه الوثيقة من الذاكرة بحسب ما تيسر وذلك لعدم وجود مراجع شرعية وقت كتابتها نظرًا لظروف السجن، وبالتالي فإن ما في هذه الوثيقة من أحاديث نبوية أو نقول عن العلماء أكثرها بالمعنى لا باللفظ وذلك بما لا يخل بمضمونها إن شاء الله، نظراً إلى عدم توافر المراجع، وقد توخيت فيها الاختصار غايتي، فجاء كلامي في مواضع كثيرة على سبيل الإشارة فقط، كما لم أذكر كثيرًا مما أتذكره من أقوال علماء السلف خشية الإطالة واعتمدت أساسًا على ما يُحتج به وهو الكتاب والسنة، أما أقوال أهل العلم فلا حجة فيها وإنما هي للاستئناس وللتفهيم. وما لم أتذكر تخريجه من الأحاديث في هذه الوثيقة هو في معظمه من الحديث المقبول، وأحيانًا أذكر جزءًا من الحديث وهو موضع الاستدلال منه من أجل الاختصار عملاً بمذهب من أجاز ذلك كالإمام البخاري رحمه الله. هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وعلمه تعالى أتم وأحكم، وبالله تعالى التوفيق. «رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)»، «وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)» (البقرة:128،127) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. * كتبها: الدكتور فضل وهو: السيد إمام بن عبد العزيز الشريف المعروف بعبد القادر بن عبد العزيز في يوم الخميس 18من صفر 1428هـ الموافق 8 مارس2007م * الموقعون على هذه الوثيقة نوافق على بنود هذه الوثيقة ونعلن التزامنا بها، وندعو جميع المهتمين بالجهاد وعموم المسلمين في مصر والعالم إلى الالتزام بما ورد فيها من ضوابط شرعية لترشيد الجهاد. وقد قام بالتوقيع بالموافقة على ما ورد في هذه الوثيقة المئات من الأفراد المنتسبين إلى الفصائل الجهادية المختلفة بمصر، وأسماؤهم وتوقيعاتهم مودعة لدى الجهات المختصة بمصر.
|
#18
|
|||
|
|||
وثيقة ترشيد العمل الجهادي التي انفردت «الجريدة» بنشرها، ليست نصاً خارجاً من أطر الواقع، لكنها تقدم عدداً من الدروس في السياسة والفكر فيما يتعلق بالمنهج وجرأة الطرح، ونظراً الى خطورة الوثيقة ومؤلفها الدكتور سيد إمام المعروف حركيا باسم «الدكتور فضل» أو «عبد القادر بن عبد العزيز»، وما اثارته من جدل واسئلة لدى اطراف مختلفة، نظمت «الجريدة» ندوة في القاهرة لمناقشة ثلاثة محاور أساسية تمثلت في أبعاد التحول الفكري الذي عكسته المراجعات، والتأثير المتوقع للوثيقة ولا سيما في تنظيم القاعدة، وأخيرا المسكوت عنه في مراجعات الدكتور فضل.
لم نقصد من الندوة إغلاق باب المناقشة أو حسم القضية بضربة رأي متعسفة، لكننا قصدنا أن نضع القضية في حجمها الصحيح ونفتح حولها نوافذ الحوار بموضوعية تمد فكرة المراجعات إلى تيارات وأنظمة، ربما تكون بحاجة أكثر إلى مراجعة أفكارها.. وهنا أهم ما دار في الندوة: الجريدة: نرحب بالمشاركين في هذه الندوة بشأن وثيقة «ترشيد الجهاد» للدكتور سيد إمام والتي أثارت -ولا تزال- جدلا كبيرا بين كل المهتمين بمستقبل هذا الوطن، ليس فقط لأنها تمثل تطورا دراماتيكيا في مسيرة تنظيم وصل إلى ذروة ممارسات العنف السياسي والميداني، وإنما للتوقعات التي أتاحتها هذه المراجعات باحتمال تأثر تنظيم «القاعدة» نفسه بالنظر إلى المكانة التي يحتلها صاحب الوثيقة سيد إمام الشريف (أو الدكتور فضل) لدى عناصره سواء في المستويات القيادية التي زاملته وتتلمذت عليه مباشرة أو في المستويات الوسيطة والقواعد التي تم تثقيفها باستخدام كتبه ودراساته السابقة. وهنا لابد أن نتساءل عن أبعاد التحول الفكري الذي عكسته هذه المراجعات في ضوء الانتقادات التي تم توجيهها إلى الوثيقة من كتاب ليبراليين أشاروا إلى أن الدكتور فضل ما زال في جوهره داخل إطار نفس المنظومة الفكرية المتشددة، وأن أفكار التكفير تطل برأسها من داخل سطور الوثيقة، وأن التطور الحقيقي الوحيد هو فقط إرجاء الصدام واستخدام العنف بسبب عدم المقدرة على تحمل نتائجه؟ التحول واضح د. كمال حبيب: أعتقد أن التحول في الوثيقة واضح سواء كان في المنهج أو في القضايا التي تثيرها، فمثلاً داخل المنهج نفسه الرجل يتبنى تأسيساً يعتمد على أصول الفقه، وأورد من 30 إلى 40 قاعدة أصولية تمثل معمارا فكريا لهذه الوثيقة، ومنهج أصول الفقه في الواقع لم يكن مطروحاً على العقل السلفي الجهادي من قبل، ما كان مطروحاً عليه، هو مسألة العقيدة والخوض فيها أو ما نسميه نحن بـ «الايديولوجيا»، كان هناك كلام في العقيدة يستند على معرفة علل الأحكام وأنواعها وتخريج الأحكام، أي يبدأ من النص وينتهي إليه من دون خضوع للواقع. لذا أقول نحن الآن أمام منهج جديد هو استخدام أصول الفقه في فهم الأحكام الشرعية وتخريجها ومعرفة أوضاعها، والنقطة الثانية هي الاستراتيجية التي كان يتبناها العقل السلفي الجهادي -ولا يزال- وهي استراتيجية «وراء الممكن» وليست في حدود الممكن، باعتبارها ايديولوجيا ثورية حتى نرى أن الكلام عن الممكن وحدود القوة أو حدود القدرة لم يكن مطروحاً على هذا العقل ودائماً ما يستند إلى رؤية عاطفية، ولا تدخل مسألة الممكن في حسبانهم. أن يأتي سيد إمام ويتحدث عن «القدرة» فهذا تحول مهم في المنهج والفتوى لأن ما كان يتداوله التيار الجهادي في فترة ما قبل الثمانينيات وطوال الثمانينيات كان نقلاً أميناً لما قاله ابن تيمية في الجزء الـ28 والجزء الـ35 من مجموعة الفتاوى، أي أنها كانت نصوصا لأجوبة حيال واقع قديم نقلها مباشرة إلى واقعنا الآن، ثم استدعاء نصوص قديمة على واقع مختلف وهو ما نسميه «الفروق الاجتماعية»، والفكر الجهادي كان يعمم القواعد ولا ينظر إلى مسألة الفروق، وكان الإخوة يتحدثون عن أن الثورة الإسلامية نجحت في إيران وقد تنجح في مصر من دون إدراك لهذه الفروق الاجتماعية، لكن الرجل أكد أن هذا الاستدعاء خاطئ وليس صحيحاً من ناحية المنهج، لأننا أمام منهج مختلف وكل شغله كان على العقيدة، والآن ينتقل إلى الفقه، وينتقل من فقه الضرورة، وأن الإنسان يحيا مجاهداً طوال حياته إلى الفقه العادي أو فقه الواقع. الجريدة: برغم هذا التطور فإن المثقفين والقوى المدنية ما زالت على مخاوفها من احتمال عدم جدية المراجعات والسؤال للدكتور عبد المنعم سعيد هل لديك كمثقف مخاوف من هذا التيار المتشدد رغم تخليه عن العنف؟ تخوف من منظومة دينية د. عبد المنعم سعيد: بشكل شخصي عندي تخوف من كل من يأتي من منظومة أو ايديولوجيا دينية خصوصا عندما يتم تحول الأمر السياسي من بشري إلى عقَدي، لكنني كباحث مهتم بالتحليل الاجتماعي يهمني ما قاله الدكتور كمال، وهناك أسئلة لابد منها أهمها: كيف يتحول الناس من موقف إلى موقف؟ وكيف تحدث المراجعة؟ في اعتقادي أن هذا شيء ليس بجديد على العالم فمعظم العقائد التي تتحكم في البشر وتحركهم حتى إلى التضحية بالنفس، حدثت بها مراجعات، وهذا يحدث في عقائد كثيرة دينية أو دنيوية، فمثلا في العقيدة الشيوعية نجد ستالين غير لينين غير ماو وهؤلاء بنوا دولا، ولدينا «الألوية الحمراء» الذين يقوموا بعمليات انتحارية في سبيل أفكارهم. وإذا اتفقنا أن ظاهرة المراجعة موجودة تاريخيا، فينبغي السؤال متى تحدث هذه المراجعة وما تأثيرها على الحياة السياسية بشكل عام؟ وأتصور أن المراجعة تبدأ عادة عندما يحدث إدراك للظروف المتغيرة، وقد رأينا الحزب الشيوعي الإيطالي في الستينيات كيف قلب الحركة الشيوعية في العالم وأحدث فيها انقلابا فكريا، لأنه اكتشف أن ما قاله ماركس أصبح غير صالح، مع التطور الذي حدث. أيضا تحدث المراجعة بسبب تغير الظروف في الإطار الاقتصادي والاجتماعي والهزيمة السياسية من الأشياء التي تدفع الناس إلى القيام بمراجعات، وتعمل على فرز المجموعات، الأكثر تشدداً أو الأكثر تفريطاً. الآن يمكنني القول بأن هناك قطبين كبيرين في المراجعات الإسلامية الدكتور فضل والأتراك، والاثنان خرجوا من ينبوع الشريعة والتجربة الإسلامية... الأتراك يقاتلون دبلوماسيا من أجل الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وبالمعني الإسلامي العادي لا نجد تفريطا أكثر من هذا، وفي المقابل لدينا «القاعدة» التي تريد تدمير العالم. الجريدة: يقول الدكتور سعيد إن الهزيمة السياسية سبب من أسباب المراجعات، فهل تقصد أنها هزيمة سياسية أم أمنية؟، وإذا كانت سياسية كما تقول فكيف تفسر انتشار أفكار الإسلام السياسي التي تملأ الفضاء العربي وتمثل عند الشارع ما كانت تمثله القومية العربية في الخمسينيات والستينيات؟ ما الذي جعل نظام طالبان ينهار؟ د. عبدالمنعم سعيد: لا أختلف في أن الإسلام السياسي أيديولوجيا شائعة وتملأ الفضاء العربي كما ذكرت، لكن هناك أسئلة تفرض نفسها هنا، ومنها: ما الذي جعل نظام «طالبان» ينهار مع أنه أسس دولة؟ وما الذي حدث في السودان وجعله اليوم مهددا بالتقسيم؟ وأيضاً لدينا نصر يحسب لحركة حماس سياسيا ولسنا متأكدين من أنه نصر، فـ«حماس» التي وصلت إلى السلطة بالانتخابات نتيجة انتشار الأيديولوجيا، تسيطر على غزة المحاصرة الآن بقوة السلاح. لذا أقول نحن لدينا مراجعة لم تحدث بسبب القبض على أناس، لأنهم يتميزون بالصلابة، وتاريخياً كل من دخل السجن من أجل فكرة لم ينكسر، لكن الفكرة تنكسر عادة عندما نشك أنها قد لا تكون صحيحة، ورغم أن كلام سيد إمام مغلق، ويمكن وصفه بأنه قابل للتطبيق على كل الحالات ولا يوجد أي درجة من التمييز، ولديه عمى ألوان، لكن المراجعة تطور إيجابي لو أخذناها بمفهوم سلامة مجتمعاتنا، ولابد أن ندرك التمايزات في المعسكرات المختلفة خصوصا مع استبعاد العنف ونقل الموضوع من الحرب والصدام إلى الحوار. لا ينبغي التقليل من أي جماعة تريد التراجع عن القتل وهذا جزء إنساني لأنه لا يتحدث فقط عن قتل المسلم ولكن عن الجميع وهذا إدراك لقيمة الإنسان بغض النظر عن دينه وجنسه. الجريدة: هل يوافق الأستاذ منتصر الزيات على مقولة الدكتور سعيد بهزيمة هذا التيار سياسيا؟ منتصر الزيات: هناك هزيمة عسكرية قد تؤدي بالضرورة إلى هزيمة سياسية ولكني لا أعتقد أن الهزيمة هي السبب الوحيد، فهناك عامل أهم وهو النضج والخبرة والتطور والعلم والتأمل لما يجري والتفكير داخل السجن فيما حدث. وأرجو ملاحظة اننا جميعا لم نكن على دراية كافية بالواقع او الفقه، وكما اقول دوما نحن كنا شيوخ انفسنا، وكنا للاسف نعتقد اننا نحتكر الصواب وكنا نضع النتائج ثم نبحث عن الدليل. أما ما يجري الآن فلا يمكن فهمه بهذا الشكل ربما تكون الالتباسات لدى المثقفين جاءت من اختلافهم مع الفكرة وهي هواجس مشروعة، لكن المعرفة بمنهج الحركات الجهادية على وجه الخصوص تدفعنا إلى أن نثمن ما يجري الآن من تحولات، ووجود رموز من هذه الحركة حملت على نفسها عبء التنوير داخل حركتها وإلقاء بذرة المراجعة والتغيير مع التمسك بالثوابت العامة، علما بأن الدكتور كمال حبيب هو في مقدمة هذه الرموز التي لم تتبرأ من انتمائها ولكنها قامت بالدعوة إلى المراجعة. والذي قرأ كتاب «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع في طلب العلم» لسيد إمام يجد تطورا كبيرا لديه، وهو الذي كفّر الجميع من قبل، حتى من المحامين ودارسي القانون والقضاة ورجال الشرطة وغيرهم، وقال إن الصدام هو أصل العلاقة بين الحركة الجهادية والسلطة، الآن يقول لا تندفع ولا تصطدم ولا تخرج على الحاكم حتى لو لم يطبق الشريعة، ويتحول من مسألة الاعتقاد والعقيدة إلى مسألة أصول الفقه. أنا أصف هذا التحول بأنه «ولا في الأحلام» والمشككون في هذه المراجعات لم يقفوا بعد على البنية الفكرية التي تكون منهج الجهاد القائم على الصدام مع المجتمع. الجريدة: كيف نستطيع أن نصف هذا التحول يا دكتور ضياء؟ خلط في المفاهيم د. ضياء رشوان: بداية لابد أن نقوم بتوصيف جماعة الجهاد، لأن هناك خلطا في المفاهيم عند استخدام مصطلحات من خارج الظاهرة مثل تعبير جماعات معتدلة واخرى متشددة، واظن ان التقسيم الافضل هو الذي يفرق بين جماعات عقائدية تبدأ في البحث عن صحة اسلام المجتمع والدولة، واخرى لا تبدأ من العقيدة بل من الشريعة لتطلب تطبيق الاسلام الصحيح من وجهة نظرها، والدكتور فضل الآن ينتقل من معسكر إلى آخر. ولا نتلمس لدى الدكتور فضل شيئا يتعلق بالشك في عقيدة آخر، لا فرد ولا مؤسسات، لذلك هو الآن في معسكر الإسلام المعتدل الذي يبدأ بالعدالة والتنمية في تركيا وينتهي بالإخوان في مصر. والتاريخ الإسلامي على مدى 14 قرنا أثبت أن الغالب فيه هو التيار الذي اهتم بالشريعة، أما الذي اهتم بالعقيدة وبدأ بظهور فرقة الخوارج لا يعيش كثيراً، فالخوارج لم تستمر لهم دولة أكثر من فترة تتراوح بين 50 إلى60 عاما فقط في شمال إفريقيا. الأفكار تتطور وتتحول والاعتدال في الإسلام هو الذي أدى إلى انتشاره، وما حدث من مراجعات كان سببه النضج، والمقارنة بين ما جاء في كتبهم قبل المراجعة وما جاء بعدها يؤكد أن هناك تغييرا حدث، أولى مراحله ما يسمي بدائرة «الإحالات المغلقة» فلان يحيل إلى فلان، وكلهم من نفس المدرسة، لكن الانفتاح والخروج من دائرة الإحالات المغلقة يستلزم نضجاً ووقتاً للقراءة، والسجن أعطى فرصة مهمة للتدارس ورؤية ما حدث من قتل، والقتل عند الإسلاميين بقدر ما هو مسألة سهلة بقدر ما هو معضلة، إذ بعد الفتوى تبدأ الأسئلة، والفارق بين مراجعات الجماعة الإسلامية و«الجهاد» في تقديري أن الجماعة الإسلامية كانت في حال هزيمة لكن «الجهاد» لم يكن في هذه الحال... الجماعة الإسلامية بدأت بفقدان قياداتها نتيجة القتل أو دخول السجون، ودخلت في دوامة عنف شديدة لكن «الجهاد» رغم أن بعضهم قبض عليه، لكنهم لو ظلوا داخل السجون لفاخروا الناس بإخوانهم في الخارج الذين دوّخوا العالم كله. نحن أمام وثيقة مكونة من 107 صفحات، هل يتصور عاقل أن ينجز مفكر تحوله الكامل في 107 صفحات بدلا من 1500 صفحة هي مجموع كتابي «العمدة» و«الجامع»؟، خصوصا أن الجماعة الإسلامية بدأت بسطرين وانتهت بـ 25 كتابا... في تقديري إن الدكتور فضل الآن يتعامل مع الواقع ويتناول القضايا المطروحة من منظور واقعي. ملاحظة أخيرة، الحركة الجهادية في العصر الحديث كله تراجعت لكنها لم تقدم على مراجعات ما عدا في مصر، أما في الجزائر والسعودية فيمكن القول بأن هناك تراجعا عن العنف، لكنهم لم يراجعوا أفكارهم، «الجهاد» المصري فقط هو الذي قدم مراجعة مكتملة الأركان. الجريدة: من المفترض أن نصدّر من مصر فكرة المراجعة بعدما صدّرنا فكرة العنف؟ استكمال القدرة د. كمال حبيب: أشير أولا إلى أن سيد إمام من قبل كان بالفعل يقول لابد من القدرة، ولكن إذا لم تكن لديك، فلابد أن ُتحصل أسبابها، وبالتالي فأنت دائماً في حالة سعي إلى استكمال هذه القدرة، أما الآن فهو يقول إن القدرة شرط لو لم تمتلكها يسقط عنك الفرض، لأنه لا تكليف مع العجز. واوافق د. ضياء في أننا أمام مدرسة واحدة فنحن أمام فكر يتراكم داخل ذاته وليس خارجه، ومدرسة تبدأ من النص وتنتهي إليه منفصلة تماماً عن الواقع، وعند سيد إمام إحاطة كبيرة جدا بنصوص السلف، لكن عندما قدم كتابه «الجامع» بدا كأن لديه فقرا شديدا في فهم الواقع الحالي وطريقة التعامل مع هذا التراث. والنقطة الثانية التي اشير اليها هي ان التيار السلفي رغم انه يبدو احيانا مستسهلا ارتكاب جرائم القتل لكنه ايضا -وهذا تناقض يعرفه كل من اندمج بهذه التنظيمات- يقدس حرمة الدم وهذا أساس في التكوين الفكري وعندما حدث القتل حدث تناقض داخل العقل الجهادي وهذا حدث حين تم قتل الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، وكنا وقتها داخل السجون ومن ثم فهنا مسؤولية أخلاقية وأدبية تجاه هذا الدم المراق. الجريدة: وهذا كما نعلم حدث ايضا حين امر ايمن الظواهري بقتل صبي صغير، نجل لأحد قادة التنظيم، لانه اعتقد انه كان يتجسس عليهم وهم في السودان لحساب المخابرات المصرية. غموض في التفكير د. كمال حبيب: صحيح ، وأنا أرى أن سيد إمام لم يقل كل ما لديه وأنه لا يزال يتحسس طريقه، وربما كان غامضاً في مسألة التكفير، وأن القواعد القديمة للتكفير عند سيد إمام خالفت القواعد العامة لإجماع السنة والإحالة على قواعده القديمة في كتاب «الجامع» تحتاج إلى إعادة نظر، فالبنية السياسية الآن مختلفة عن البنية القديمة ذات المرجعية الدينية الإسلامية، وبالتالي نحن أمام أحكام جديدة فالأحكام القديمة مرتبطة بواقع تغير، ولابد أن تتغير الأحكام معه. الجريدة: لدى إمام تطور مهم بدا مثلا في استخدامه كلمة المواطنة ولكن الغريب انه يراها خطوة للخلف وليست للأمام، بمعنى انه يقول ان انتهاء عقد الذمة لا يعني انتقاص حقوق المسيحيين، لأنهم ليسوا مسؤولين عن حلول مفهوم المواطنة، وكان هذا المفهوم نقيصة، وهنا نجد التباسا في المفاهيم يستدعي قراءة متعمقة لفهم مدلولات الافكار الجديدة التي تطرحها الوثيقة. د. عبد المنعم سعيد: في مصر اجتهاد متعدد الأشكال ويبدو لي أن ما يجري من حوارات لا يغير في النهاية له أي نتيجة، أما الحوار مع أهل الاعتداء الذين يبحثون عن كلمة سواء بالنسبة للذي يحدث في مصر فله نتيجة. والمصريون لديهم مشكلة مع إراقة الدم، فعندما يقع هذا، يحدث للناس نوع من الارتجاج النفسي، والحركات الوطنية في مصر لم تكن دموية، سواء ثورة 19، أو ثورة يوليو 52 برغم أنها كانت تغيرات عنيفة، حتى في طريقة مقاومة النظام... الكل يفضل وحدة الأمة واستقرارها، بما في ذلك «الإخوان» الذين يريدون السلطة لكن من دون شق الصف وإراقة دماء، وهناك مساحة كبيرة للحوار في مصر، خصوصا مع الحراك السياسي وتطور فكرة العولمة، وهذا معناه أن وجود أحكام جديدة يعني أنه جزئيا ليس هناك شيء صالح لكل زمان ومكان. و بالنسبة إلى سيد إمام وبالنسبة إلينا فهناك اجتهادات أخرى وما حدث من مراجعات ليست بشارة خير للجماعة فقط، ولكن للمجتمع ككل. وأؤيد ما قاله د. ضياء رشوان بأن هناك تفاسير أخرى قادمة، وهي نقلة لن تنتهي، وأعتبرها مؤشرا إيجابيا للجماعة السياسية ككل. «العمدة في إعداد العدة» منتصر الزيات: اختلاف المناخ الذي تصدر فيه الوثيقة الآن يختلف عن الأمس فقد كتب سيد إمام «العمدة في إعداد العدة» عام 1989 أثناء الاحتلال الروسي لأفغانستان، لكنه اليوم يقدم تحولاً أعتقد أنه بدأه، وهو في اليمن وليس بعد وصوله إلى مصر، وأيضا معايشته للمدنية، ثم إن مبادرة الجماعة الإسلامية تركت أثراً بالغاً لا يمكن إغفاله. د. ضياء رشوان: أولا: هناك حلقة وسيطة في مسألتي «القدرة» و«المناورة»، ولدينا جدال قديم داخل الحركات الإسلامية بشأن مراحل الجهاد، والدكتور فضل منذ البداية يقول إن الجهاد يجوز فيه «التمرحل». ثانيا: يتحدث عن الواقع ويقول إن الانتقال من هذا الواقع إلى الجهاد يستلزم «حلقة وسيطة» وأعتقد أن هذه الحلقة، والتي هي «الطليعة المؤمنة» بتعبير سيد قطب قد سقطت. الجريدة: نحن إذن أمام الفارق بين لينين وتروتسكي إذا جاز هذا التشبيه. د. ضياء رشوان: نعم ولكن تروتسكي الحركة الاسلامية هو في الحقيقة بن لادن لتبنيه فكرة الثورة الدائمة، وأعتقد أن سيد امام الآن اصبح سلفيا وليس جهاديا، فهو أقرب إلى سلفي محافظ فارق العمل الجهادي. النقطة الأخيرة، أن سيد إمام في «الجامع» أفرد قسما خاصا لأهل الكتاب، وكان أمام مشكلة عملية وفكرية، لأن عقد الذمة سقط ولا توجد دولة مسلمة، ولذلك فإن كل من يوافق عليها فهو خارج من الملة، ومنكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهؤلاء كافرون كفرا بواحا، وأعتقد أن هذا تناقض يعبر عن درجة من الانتهازية تحول عنها واعترف بها، وتوصل الى نتيجة مختلفة تماما ، كما يعبر عن درجة من الانتقالية التي لديه فهو انتقل من حالة التكفير إلى الاعتراف بالمواطنة. يبقي سؤال هل هناك في الحالة الإسلامية في العالم المعاصر من ينكر وجود حكم أو مفهوم «جهاد الطلب»؟ وهل هناك واحد عاقل يقول إن هناك إمكان الآن لتطبيق هذا؟، أعتقد أن «جهاد الطلب» سقط في الواقع لكنه في الحكم موجود، وتنظيم «القاعدة» لم يزعم أبداً في أحداث 11 سبتمبر أنها «جهاد طلب» لذا المفهوم لن يطبق بحكم الواقع حيث لا توجد دولة إسلامية. الجريدة: ننتقل إلى المحور الثاني الذي يتناول حدود التوقعات عن تأثير وثيقة سيد إمام، وهل يمكن بالفعل أن تتأثر «القاعدة» بهذا التطور الفكري أم أن مكانة صاحبها انحسرت، ولم تعد تتجاوز بعض القيادات التاريخية؟، وبالتالي هل لنا أن نرسم سيناريوهات عن الطريقة التي سيتعامل بها تنظيم «القاعدة» مع هذا الأمر وخصوصا في ضوء ردود الأفعال الصادرة عنه حتى الآن؟ تكرار الظواهر د. عبد المنعم سعيد: هناك نظرتان أولاهما أن هذه الظواهر تتكرر كثيراً لأن حالة الغلو جزء أصيل من الفكر العقَدي الذي يقوم على تصور محكم لتفسير العالم والتاريخ، كما أنها مرتبطة بأوقات الأزمة، والسؤال الذي يراودني الآن يتعلق باتجاه المنحنى الآن، وفي تقديري انه يهبط لأسباب كثيرة، وجزء منه يأخذ شكل التقدم للأمام ولذلك أسباب كثيرة، فـ«القاعدة» منذ فقدت قاعدتها في أفغانستان وبعد ما حدث في العراق خلال 2007 والتحالف مع السنة واجهوا الهزيمة ليس بسبب ضرب الأميركان لهم ولكن لأن المجتمع العراقي نفسه تغير رأيه فيهم، وبالتالي نضب الإمداد لهم بالبشر والمجندين وزادت عزلتهم. والسؤال الآخر ماذا سيفعل التيار الجهادي الآن هل سينتقل إلى مواقع الجماعة الإسلامية أم إلى مواقع «الإخوان»؟، حكاية الاستجابة متوقفة على عوامل كثيرة متعلقة بالنظام في المرحلة المقبلة، وأعتقد أنهم في مرحلة اضمحلال، بعدما ثبتت قدرة نظام الدولة، والحركات الإسلامية الأخرى تأخذ مساحات منهم، هنا على الأقل في المدى القريب، المنحنى لن ينتهي تماماً ولكنه ينتقل تدريجياً إلى الهامش المجتمعي (هامش الجماعات الصغيرة) ومن يرد الدخول في العمل السياسي فعليه مخاطبة المجتمع كلل وأن تكون لديه صيغة لحل مشكلاته اليومية وبالتالي أعتقد أن كل هذه الجماعات مثل «القاعدة» ستدخل في الهامش وستترك المكان أمام جماعات مدنية أو إسلامية أخرى تؤدي إلى صيغ للتوافق مع التطور الحادث أكثر من الصيغة الجهادية. منتصر الزيات: أقول إنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، الدكتور فضل منظّر وفقيه تناول الملفات الملحة، ويجب ان نتعامل مع هذا الملف ليس باعتباره ملفاً أمنياً، فالمؤسسة الأمنية قامت بأكثر من دورها في غياب مؤسسات مجتمعية أخرى، لكن كيف ستكون المعاملة أيضاً مع الإسلاميين فالدولة نفسها يجب أن تتعامل مع الموضوع تعاملا يشجع سيد إمام وأمثاله، ويجب أن يتجاوبوا معهم وأتصور أن الدولة يجب أن تقوم بعمل مراجعات هي الأخرى، وأنتظر من سيد إمام التعامل مع منظومة الدولة المدنية في المستقبل. ضياء رشوان: أولا: في القضية الجهادية أسئلة لم يجب عليها سيد إمام لقد ذكر الجهاد الخاطئ ولم يتحدث عن الجهاد الصحيح، وذكر أخطاء الجهاد ولم يتحدث عن «جهاد الدفع» أبدا، فهذه النقطة غائبة ومسكوت عنها، وأظن أن هذه القضية في ذهنه لأنه ذكر في تنبيهاته داخل الوثيقة أنه لا يتحدث في المطلق، فلماذا إذن لم يتحدث عن قضايا مثل الحالة الفلسطينية وما يحدث من قتل النفس في العدو هل هو انتحار أم استشهاد؟ ولم يقل هل قتل المدنيين في إسرائيل بعينها حلال أم حرام؟ وما يحدث في العراق من المقاومة «غير القاعدية» مفروض أم غير مفروض؟، وأعتقد أنه إذا لم يتناول هذه القضايا سيقل أثر الوثيقة فيما بعد. ثانياً: نحن لدينا الآن توجه نحو الوسطية والتيار الجهادي السلفي الدولي يفقد منظّرين وليس حركيين وختم بسيد إمام وبالتالي فقدانه الآن يعني أنه لم يبق لديهم من الكبار سوى الصف الثاني مثل أبو مصعب السوري وأبو محمد المقدسي ويضيفون على سبيل الإقحام اسم عبدالله عزام. والواضح عند تماما الآن ان «القاعدة» تشعر بأنها في مأزق ولا سيما امام الكوادر التي تشعر بصدمة من مراجعات الدكتور فضل، لذا تراجعت «القاعدة» عن رد فعلها الأول الذي حاولت فيه ان تبدي عدم اكتراثها، وأن تحاصر انتشار الوثيقة حتى انه كانت لدي مخاوف من احتمال ان تسعى إلى الهجوم على الموقع الالكتروني لـ«الجريدة» اما الآن فهناك بيان صادر بالتأكيد عن ايمن الظواهري وبيان آخر باسم محمد الحكايمة وبالتالي أتوقع ردودا اخرى. سيد إمام الآن خارج من عالم، ويصحح بداخل هذا العالم، وبالتالي حتى نخرجه إلى عالمنا لابد أن تتوافر له ظروف طبيعية ليس كفرد أو كشخص، ولكن كأسلوب يتعلق بكيفية دمج الخارجين من السجون اجتماعيا على الأقل، وأن نهيئ لهم لا أقول المشاركة التنظيمية بل الحياتية... وقد طرحت ذات مرة فكرة «المرحلة الوسيطة» ما بين الحالة الجهادية القديمة، والحالة التنظيمية السياسية خارج المدرسة الجهادية الأكثر طموحا لها، وهي حالة الاندماج الفردي، فلنترك هؤلاء الناس ليذهب كل منهم إلى حيث يريد. الجريدة: عادة كان الباحثون الغربيون يصفون الجهاد بأنه تعبير عن حالة غضب مرتبط بشرائح دنيا من الفقراء والمسحوقين، لكننا لم نلحظ أي تأثير لهذا في الوثيقة... فمتى نرى أدبيات لها بعد اجتماعي واقتصادي لجماعة الجهاد؟ واظن ان هذا غاب عن الوثيقة، وهل يمكن أن نرى قريبا برنامجا سياسيا للجهاد يستخدم هذه الوثيقة مثلا، ليتحدث عن آليات للتغيير عن رؤية تجاه الاصلاحات الديموقراطية على سبيل المثال، ولدينا مثال «الإخوان المسلمين» الذين كانوا متهمين بأنهم بلا برنامج سياسي وعندما طرحوا مشروعا لبرنامج ظهرت الخلافات بينهم بشكل واضح؟ تحليل اقتصادي ذو طابع مادي د. كمال حبيب: القول بأن الجهاد تعبير عن شرائح اجتماعية دنيا يعتبر تحليلا اقتصاديا ذا طابع مادي، لكن التحليلات الثقافية هى الاكثر قدرة على التفسير والتي تركز على الأفكار والقيم والمكانة والهيبة، وأحيانا يطلق عليها «الحركات الاجتماعية الجديدة» ويقع في قلبها الموضوع الثقافي وليس الاقتصادي أو غيره، ومن ثم التنظيم كان فيه تمثيل لشرائح مختلفة ليست محصورة في فئات معينة، ولم يكن الموضوع الطبقي عامل حاسم في أي وقت لانتماءات أفراده وإنما كانت مسألة الفكرة بشكل أساسي هي الموضوع الحاسم. الإسلاميون لديهم الجانب الثقافي والأخلاقي هو الجانب الرئيسي، ومن ثم تأخر وعيهم كثيرا بالجانب الاجتماعي والاقتصادي، حتى عند «الإخوان المسلمين» نجد الأمر نفسه. نحن الآن لدينا نقلة ضخمة جداًً حيث الحركات الإسلامية التي نراها سواء في العالم العربي أو غيره، في تركيا مثلا لم تعد تهتم بالأسئلة الكبرى، وإنما أصبحت تهتم بالقضايا التفصيلية التي لها علاقة بحياة الناس مثل قضية العدالة والتنمية وبدأ الإسلاميون في مناطق مختلفة يهتمون بهذه القضايا وبفكرة وجود حزب سياسي والعمل في الفضاء العام وحتى القضايا التي تخص الطبقات والشرائح الدنيا من الفقراء والفلاحين بدأت تطرح حديثا على أفكار الإسلاميين. هذا الجانب من المبكر ومن الظلم لسيد إمام أن نطالبه به الآن، وأتفق مع د. ضياء رشوان بأن الرجل ما زال داخل مجموعته واعتقد أنه سيظل مشتبكا لفترة داخل الحالة الجهادية السلفية لمحاولة إعادة التأثير، وأطلق عليها أنا شخصيا محاولة إعادة «بناء تيار محلي» وهذا معناه في المستقبل وجود جانب اقتصادي اجتماعي يتصل بالحالة المصرية والاهتمام بأحوال الناس المعيشية لذا أرجو أن يكون عنده برنامج سياسي وهو أمر يحتاج إلى شوط طويل قادم ووقت كاف. وفي رأيي: إن سيد إمام يحتاج إلى إعادة النظر في موضوع التكفير مرة ثانية لأنه موضوع يحتاج إلى ضوابط كثيرة كحكم شرعي لذا تحدث سيد إمام عنه كبند دفاعي ناتج عن توتر نفسي كذلك موضوعات «المواطنة» و«أهل الذمة» و«الموقف من الآخر الداخلي»، وكلها موضوعات بحاجة إلى تفصيل أكثر وضوحاً. كذلك لم يتحدث عن موضوع اشتغلنا عليه كتيار اسلامي فترة كأداة تحليلية للتمييز بين الجزء المتصل بالواقع والجزء المتصل بالعقيدة، وهو «الثابت والمتغير»، مثلا... موضوع الانتخابات النيابية: هل هو متصل بالثابت أم المتغير؟ أيضاً المجالات التي يمكن أن نطبق فيها أصول الفقه طبقها في ناحية واحدة مثل ضوابط الجهاد، وتحتاج إلى أن تطبق في قضايا أخرى كثيرة ينتظرها المجتمع. وأقول إن الرجل لا يزال يعمل داخل تنظيمه وهذا هو المستوى الأول ولا يزال أمامه مستويات أخرى عن المجتمع الذي يمثله، ولم يجب على أسئلة كثيرة بشأن تصوره له، هل ينظر إليه باعتبارات العزلة أم المشاركة التنظيمية؟ وما مجالاتها؟ وما الموقف السياسي من الدولة والعالم ككل؟.. هو الآن ينظر إلى الغرب على أنه ليس «دار حرب» وتلك نقطة تحول هائلة يجب أخذها في الاعتبار. د. ضياء رشوان: سيد إمام الآن يرى أن الدعوة هي الطريق الأمثل واستبعد الكتمان والعزلة... إلخ. الموقف من المرأة د. كمال حبيب: يبقى الجانب السياسي والموقف من المرأة والعالم بحاجة إلى توضيح، وهو الآن في معركته الداخلية، وهي معركة ليست سهلة ويجب علينا تركه حتى ينتهي ثم نطرح عليه أسئلتنا بعد ذلك. ما أقوله: اكتساب هذا التيار الجهادي شرعية أمر يجعلنا أمام إضافة حقيقية إلى المجتمع المصري عامة بشكل قد يؤدي إلى أن يعطي السياسة المصرية معني، ولا يزال مبكراً أن نطلب من الرجل الإجابة على كل شيء، فلنصبر عليه حتى ينتهي من معركته الأساسية. د. ضياء رشوان: أعتقد أنه لا يجب أن ينزعج المجتمع من استخدام مصطلحات تبدو ملتبسة لأن عين الرجل الآن على الداخل وليس على المجتمع، نعم أحياناً يستخدم نفس الكلمات الملتبسة، لذا يخيل للبعض من غير الإسلاميين أنه ما زال داخل نفس منظومة المفاهيم، لكنه يستخدم وسائل غير التي استخدمها من قبل ويصل إلى نتائج مختلفة أيضاً. الوثيقة هي خطاب مركز لفئة معينة موجهة إليها، ومن ثم فإن أولوياته الآن في هذه المنطقة، وستظل كذلك فترة، لكن مع الوقت لن يبقى الخطاب كما هو. الجريدة: نشكركم على هذه الإيضاحات، ونواصل فتح الملف على صفحات «الجريدة» للمساهمة في بلورة فكرة المراجعة عموما، في إطار الرغبة الحقيقية في النهوض بمجتمعاتنا من عثرتها الحضارية إلى أفق أفضل. تعليق مراجعات الجهاد وليدة هزيمة سياسية ولم اتخيل هذه الجرأة في النقد الذاتي عبد المنعم سعيد أهمية الدكتور فضل أنه يتطور تدريجيا و«القاعدة» الآن في مأزق ضياء رشوان الدكتور فضل لا يزال يتحسس طريقه وموقفه من التكفير غامض كمال حبيب هذه المراجعات تفوق الأحلام والمشككون فيها لا يفهمون فكر الجهاد منتصر الزيات نتساءل عن التحول الفكري الذي عكسته هذه المراجعات في ضوء الانتقادات التي وجهت الى الوثيقة رامي ابراهيم شارك فى الندوة: د – عبد المنعم سعيد: مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية د- ضياء رشوان: رئيس تحرير «دليل الحركات الإسلامية في العالم» منتصر الزيات: رئيس لجنة الحريات بنقابة المحامين المصرية د- كمال حبيب: الأمير السابق لتنظيم «الجهاد» والباحث في شؤون الحركات الإسلامية أدار الندوة: رامي إبراهيم مدير مكتب «الجريدة» في القاهرة
|
#19
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
وفقك الله
|
#20
|
||||
|
||||
الله يعطيك العافية
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |