الدماء المفقودة
الدماء المفقودة
مر حتى الآن ثلاث سنوات على الحادثة وأنا أحاول النسيان, بينما أختي ما تزال نائمة في عالمها المجهول, في صحراء قلبي الذي مات مقتول, وهو ما يزال على قيد الحياة, وذات يوم قررت تركها والذهاب للبحث عن نباتات مفقودة ونادرة كما كانت تفعل أمي, لأقدمها لها عندما تصحو, فكان لا بد لها أن تصحو يوماً ما, وعرفتُ أن هناك مهمة خاصة لمجموعة من الفتيات اللواتي يحضرن لأبحاثهن العلمية ليوم التخرج, وكانت المهمة برعاية وإشراف بعض الدكاترة والمهندسين, وبعض من الأشخاص الذين يهمهم رعاية هذه المجموعة المتميزة من الطالبات اللواتي كان عددهن تسعة, قسمهم المشرف لثلاث فرق يعني ثلاث طالبات في كل فريق, وبما أني قد جئتُ متأخرة فقد وضعني في إحدى الفرق, وبالتالي قد أصبحنا أربعة في الفريق, وكانت الطالبات لا يعرفن بعضهن فهن من جامعات مختلفة, لكن في فريقي كانت هناك اثنتين صديقتين بل وحميمتين أيضاً, أما الثالثة فهي غريبة, على كلن بدأنا العمل والبحث ودخلنا الغابة بكل جرأة وتصميم على نيل ما جئنا من أجله, لكن المفاجئة كانت أنّ إحدى الصديقتين شكت في أمري, وحدث وأن قرأت ملفي, فعرفتْ أني لستُ في سنة التخرج ولا في الجامعة أصلاً, وكان ذلك خطأ مقصود مني, فاستغربتْ الفتاة من وجودي معهم, خاصة وأني طوال الوقت كنتُ هادئة أنتظر أن تأتي العاصفة إلي, بدل أن أذهب إليها, وفعلاً جاءت عندما استطاعت الصديقتين أخذي لمكان بعيد لترغماني على قول الحقيقة, ولم تتوانى إحداهما عن ضربي أبداً بل وبقوة, لكنها تركتني وأخيراً بعدما اخترعت لها كذبة صدقتها أم لم تصدقها لا أدري, المهم أنها رحلت عني بقسوتها المفرطة, قلت لها أن والدي هو المشرف المسؤول الغير مباشر عن هذه المهمة, وأن والدتي عالمة نباتات وهي تريد بعض من هذه الأبحاث لتساعدها في عملها, وأنا تطوعت لعمل ذلك كونها اضطرت للسفر, فوعدتها أن أحضر لها ما تريد, وقد استغليت هذه المهمة للقيام بذلك, أفضل من أن أحضر وحدي لهذه الغابة المهيبة, وعندما انتهيت من سرد كذبتي الأكثر مهابة, أخلت سبيلي فيبدو أنها اقتنعت بها, وعدت لهدوئي السابق لكن مع بعض الكدمات على وجهي, وجلستُ أراقب ما قد سيحدث فيما بعد داخل هذه الغابة المخيفة حقاً, في البداية شعرتُ بالغربة والخوف لكن بعدما تعرفنا على بعضنا جيداً, زال مني الخوف تدريجياً, رغم تلك الكدمات التي زارتني من يديها, من يدي تلك الفتاة التي أفرغت كل غضبها علي, والتي يبدو أنها عينت نفسها القائدة على الفريق, وبدأت تلقي الأوامر وسارت بنا في قلب الغابة, في طريق قالت أنه مختصر وبأنها خبيرة بتلك الأماكن, وبقيت تتحدث وتتفاخر بنفسها حتى وجدنا أنفسنا تائهين في الغابة, وبعد قليل سمعنا صوت صراخها عندما تركتنا وتابعت وحدها, لكنها لم تطيل الابتعاد وعادت ترتجف من خوفها, قالت إنه دب, إنه دب, لنهرب بسرعة ونعود للمخيم ونحذر البقية, لكننا لم ننجح واضطررنا للاختباء في كهف, ونجونا من الدب بأعجوبة, وبقينا سجناء هذا الكهف ليوم كامل فلم يستطع خوفنا من إخراجنا مهما حاولنا على الإطلاق, لكن هناك شيء واحد فقط سيجبرنا على الخروج, وهو العطش والجوع, ومرت ساعات وهدأ المكان في الخارج من صوت ذلك الدب الغريب, وخرجنا بحذر وتوجهنا نحو المخيم, كان كل شيء مبعثر بشكل مخيف جداً ولا أثر لأحد فيه, أخذنا ما تبقى على حاله, ثم عدنا للكهف لأنه المكان الوحيد الآمن حتى الآن, فلن نخاطر ونعبر الغابة من جديد, وقد كانت الطريقة الوحيدة للخروج من هنا, هي الاتصال بأحد ما ليساعدنا على ذلك, هبط الليل فأشعلنا النار قرب الكهف وجلسنا ننتظر, وصباحاً خرجت الفتاة الثالثة الغريبة للبحث عن هاتفها الذي وقع منها بالقرب من هنا, وعندما لم تعد خرجنا للبحث عنها, وفجأة هاجمنا الدب وكاد يقتل القائدة, ثم لحق بي وحاولت الصديقة ضربه بعصا سميكة لكنها انكسرت وثار غضبه أكثر, لكنه ذهب فجأة وبشكل غريب, فركضنا نحو الكهف وبعد قليل لحقت بنا القائدة التي ظننا أنها ماتت بعد تلك الضربة التي تلقتها من الدب, لكنها كانت بسيطة والحمد لله, وعالجتها صديقتها وبقينا في الكهف لا نعرف ماذا نفعل, ننتظر فقط وكل الهواتف فقدناها, وقد كان هاتف تلك الفتاة هو أملنا الوحيد وقد ذهب الآن وتخلى عنا, وفي المساء نمتُ باكراً, لكن الصديقتين بقيتا تتحدثا, فقد أرادت الصديقة الهرب والعودة وحدهما, لكن القائدة رفضت وقالت لها, ألا يكفي أني طاوعتك من قبل, وتركنا إنسانة تموت وسط الطريق بعدما دهستها بقيادتك الرعناء واستهتارك, لن أرحل من دون أن نجد البقية ونعود معاً, وهي لم تعلم بعد أن الجميع قد رحل منذ زمن, ولا يوجد هنا غيرنا نحن الثلاثة, لقد كانت طيبتها هي ما يحكمها فقررت البقاء, صحوت على صوتهما لكني جعلت من نفسي نائمة لأسمع حديثهما, فأنا الآن ليس فقط لم أعد أحتمل كلامهما, بل ولا بد أن أنتهي من هذا الأمر, فأنا لم أكن إلا المُهَيأْ لهذه العملية التي ربما هي العادلة, لموت إنسانة بسببهما, وكان نتيجة لذلك دخول ابنتها الصغيرة في غيبوبة لا يعلم سوى الله تعالى متى ستصحو منها, ومضى الليل بسرعة, وصباحاً خرجتْ الصديقة وحدها, ثم استيقظت القائدة وطلبتْ مني أن أحضر الماء, وقبل خروجي طلبتْ مني أن أسامحها, فقلتُ لا بأس أسامحك, وهي لا تعرف أني سمعتُ كل ما قالته ليلاً, خرجتُ خائفة وأنا لا أعرف أين أجد الماء, وفجأة سمعتُ أحد ما يتحدث, اتجهت نحو الصوت فوجدتُ الصديقة تتحدث بالهاتف وقد قالتْ لنا أن لا هاتف معها, فعدتُ للكهف بسرعة وقلتُ أني لم أجد ماء, وبعد ساعة عادت الصديقة وكانت غاضبة جداً وحزينة, وجلستْ ولم تتكلم وكأنها قد تلقت ضربة على رأسها, ضربة قاسية جداً حتى الموت, سألتْها القائدة ما الأمر فبدأتْ بالبكاء, وقالت أنها كانت تبحث عن الماء, فسمعتْ صوت هاتف يرن ولم تصدق ما سمعته حتى حملته, وتحدثت مع المتصل, لم تفهم منه شيء في البداية, وبعد قليل طلب منها, وقد كان المتصل خاطف ابنتها, طلب غريب كي يعيد لها ابنتها وهو,,!! وهو قتلي, أخذتْ القائدة الهاتف منها والذي كان يستقبل فقط, وفجأة جاءت رسالة مصورة, وكانت صورة لابنة صديقتها وهي مربوطة بشكل فظيع, عندها نظرتْ إلي الصديقة بتلك النظرة وقد فهمتُ مباشرة ماذا تريد بها, وصباحاً طلبتْ مني أن أرافقها لإحضار الماء, فكان لا بد أن نحضره مهما كلف الأمر قبل أن نموت عطشاً, فهمتْ القائدة ما تريده ولم تسمح لي بالذهاب معها, لكنها أصرتْ على ذهابي معها وإلا لن تحضر شيء, فقلتُ لا بأس سأذهب معها, اتجهت بي نحو مكان لا نعرفه حيث كان الخاطف يتحدث معها ويدلها على المكان الذي ستأخذني إليه لتقتلني فيه, ومن المذهل أن الدب هذه المرة قد أنقذ حياتي عندما اعترض طريقنا وفرقني عنها, تركتني وهربتْ, وأنا هربتُ في طريق آخر وعدت للكهف, دون أن أفكر في مساعدتها ولم أعرف حتى ماذا حدث لها, لكني أعلم أن حزنها على ابنتها هو ما جعلها تفعل ذلك, لكنها لم تدرك أن قتلي لن يعيد لها ابنتها, لكن من هذا الذي يريد قتلي, هذا ما أردنا معرفته عندما عادت, وقبل أن تقول أي شيء, جاءتْ رسالة تهديد مما جعلها تفقد أعصابها, فبكتْ بشدة وحاولت القائدة أن تهدئها, أما أنا فقد جلستُ كالطريدة التي تنتظر سيف ذبحها, وتربطت أفكاري ولم أفكر بنفسي بقدر ما فكرتُ بتلك الطفلة المسكينة, ولم أستطع أن أفهمها أن قتلي لن يعيد لها ابنتها, ولم أجرؤ على سؤالها من هذا الذي يريدني ميتة, لا بد أنها حيلة ومصيدة, أو أحد ما يحاول التسلية بنا, فهو طلب منها قتلي وليس قتل القائدة, فحتماً يعرف أنها صديقتها وأنها لن تؤذيها, أما أنا لا تعرفني وستقتلني بكل سهولة, كانت أفكار كثيرة تدور في رأسي ومن المؤكد أنها كانت تدور في رأسها, أما القائدة فلم تفهم بعد ما الذي كان يدور حولها,
التوقيع
|
الولادة الحقيقية للانسان هي اول سجدة يسجدها للرحمن
|
|