العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#111
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التي وقعت في بلاد الرافدين في ماي 633 بين جيش الخلفاء الراشدون بقيادة خالد بن الوليد و الامبراطورية الفارسية و حلفاءها من العرب المسيحيين. في هده المعركة كانت قوات الفرس ضعف قوات المسلمين. هزم خالد بن الوليد القوات الفارسية رغم تفوقها العددي بنسخة مطورة عن حركة الكماشة التي استخدمها حنبعل ضد الرومان في معركة كاناي. خلفية المعركة بعد وفاة النبي محمد (ص)،خلفه أبو بكر الصديق. في خلال 27 شهرا، سحق تمرد القبائل العربية في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية أثناء حروب الردة واستعاد سلطة المدينة في الجزيرة العربية. بمجرد أن أخمدت نار الردة ،بدأ أبو بكر الفتوحات الإسلامية و هي حملات ضد الامبراطورية الفارسية و الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية) ، و بعد بضعة عقود ستؤدي تلك الحملات إلى قيام واحدة من أكبر الامبراطوريات في التاريخ. بعد حروب الردة قام رئيس قبيلة بمهاجمة المدن الفارسية في العراق بنجاح، فقرر أبو بكر الصديق رضي الله عنه توسيع حدود الدولة الإسلامية. بدأ مع العراق، احدى اغنى الولايات الفارسية. تكون الجيش الدي فتح بلاد فارس اساسا من المتطوعين للجهاد، تحت امرة احسن قائد عسكري انداك خالد بن الوليد. بدات حرب المسلمين ضد الإمبراطورية الفارسية في نيسان/ابريل 633 م وهزم الجيش المسلم في معركتين متتاليتين : معركة ذات السلاسل و معركة نهر الدم. كان هدف المسلمين الاستيلاء على مدينة الحيرة. بعد معركة نهر،عاد جيش الخلفاء الراشدون تحت قيادة خالد بن الوليد مرة أخرى لحيرة؛في الوقت نفسه وصلت انباء الهزيمة في معركة نهر إلى قطسيفون. كان قادة الجيوش الفارسية المهزومة في بلاد الرافدين ليسوا فقط الأكثر خبرة لكنهم انهم كانوا أيضا الأقرب إلى الملوك الفارسيين، ولذلك قرر اردشير الثالث عدم اتخاذ أي فرص. الجيش الفارسي أمر الامبراطور الساساني، ادرشير الثالث بتركيز جيشين آخرين في نفس يوم معركة نهر الدم. بعد أوامر ادرشير الثالث ، بدأت القوات الفارسية بالتجمع في العاصمة الامبراطورية. جاءوا من كل المدن والحاميات باستثناء من يحرسون الحدود الغربية مع الامبراطورية الرومانية الشرقية. في أيام قليلة كان الجيش الأول مستعدا.توقع مستشارو الامبراطورية الفارسية العسكريون ان المسلمين سيسيرون مع الفرات إلى الشمال الغربي في العراق، لأنهم يعرفون أن القوات العربية عبر التاريخ لا تتحرك بعيدا عن الصحراء، و التي تستخدمها للتراجع في حالة الهزيمة. بعد توقع تحرك جيش المسلمين صوب الغرب، اختار ادرشير الثالث الولجة كالمكان الذي سيوقف فيه خالد بن الوليد و يدمير جيشه. أول جيوش الامبراطورية الفارسية وصلت إلى قطسيفون و وضع تحت قيادة اندرزغار حاكم خراسان. اندرزغار أمر جيشه بالتقدم للولجة ، حيث سيلتحق به الجيش الثاني قريبا. انطلق الجيش الأول من قطسيفون ، وانتقل على طول الضفة الشرقية من دجلة ، عبر دجلة في كاسكار، وانتقل إلى الجنوب الغربي إلى الفرات، بالقرب من الولجة، عبر الفرات و أنشئ معسكره في الولجة. جيش المسلمين كانت معركة نهر الدم نصرا هاما للمسلمين. فمع انخفاض خسائرهم، هزم المسلمون جيشا فارسيا كبيرا و حصلوا على كمية هائلة من الغنائم. آنداك بدأ المسلمون يدركون ضخامة موارد الامبراطورية الفارسية ؛ لكنهم لم يخوضوا سوى معركتين منفصلتين مع جيشين منفصلين و المسلمون هم الدين اختاروا أرض المعركة و لا يزالون سوى على هوامش الإمبراطورية. و ندكر ان الفرس يمكنهم صف عدة جيوش ميدانية في ان واحد كمثل تلك التي خاضت في معركة كازيما و معركة نهر الدم. نظم خالد شبكة عملاء فعالة تعلمه بمواقع الفرس. العملاء هم من العرب المحليين الذين كانوا معادين للفرس. أبلغ العملاء خالد عن تركيز الجيوش الفارسية الجديد في الولجة، و عن أعدادهم الكبيرة. كان خالد مصمما على الحصول على الحيرة ، و الولجة كانت في طريقه اليها. مع جيش من حوالي 15،000 رجل ، انطلق خالد في اتجاه مدينة الحيرة ، وتحرك على نحو سريع على طول الحافة الجنوبية من المستنقعات. قبل أيام قليلة من توقع باهمان، بدا الجيش المسلم في الظهور في الأفق الشرقي، أقام مخيمه على مسافة قريبة من الولجة. مناورة خالد أعداد كبيرة من الفرس الساسانيين كانوا قد فروا من المعارك السابقة عادوا إلى حمل السلاح مرة أخرى. الناجون من معركة ذات السلاسل انضموا إلى قارين و قاتلوا في معركة نهر الدم. الناجون من معركة نهر الدم انضموا إلى اندرزاغار والآن اتجهوا نحو الولجة. واجه المسلمون هاجسان، و استراتيجية واحدة و تكتيك واحد: الاستراتيجية : كان جيشان من الفرس على وشك أن يجمعا للاعتراض للمسلمين. لحل هذه المشكلة، القائد الأعلى للقوات المسلمة خالد بن الوليد عزم على الهجوم بسرعة، والمحاربة، والقضاء على الجيش الأول (جيش اندرزاغار) ثم الجيش الثاني (جيش باهمان) قبل وصوله إلى مكان المعركة. التكتيك : منع مقاتلي العدو من الهرب من خضم معركة و اعادة تنظيم صفوفهم و العودة لمواصلة القتال. لذلك، قرر خالد احاطة الجيش الفارسي، والانقضاض عليه من الخلف، وتدمير جيشهم في هذا الوقت. استراتيجية خالد كانت نوعا من حركة الكماشة. اعطى خالد توجيهاته إلى سويد بن مقارن لرؤية الادارة للمناطق التي غزاها مع فريق من المسؤولين، ونشرت مفارز لحراسة دجلة من احتمال عبور العدو و هجومه من الشمال والشرق، وإعطاء أي تحذير عن قوات جديدة للعدو في تلك الاتجاهات. موقع المعركة أرض المعركة تكونت من سهل شاسع ممتد بين مرتفعين يمتدان إلى حوالي ميلين و بارتفاع 30 قدما. الشمال الشرقي من السهل يتداخل مع صحراء قاحلة. على مقربة من الشمال الشرقي يظهر لنا فرع من الفرات يسمى بنهر خاسف. المعركة كان اندرزاغار واثق من النصر، حتى إنه لم يزعج نفسه بالانسحاب إلى ضفة النهر، على بعد ميل واحد، ليتمكن من استخدام النهر لحماية عمق الجيش . في ايار/مايو 633، تم نشر الجيشين لخوض المعركة، ولكل منهما مركز وأجنحة. أجنحة المسلمين كانت بقيادة عاصم بن عمرو و عاصي بن حاتم.انتشر الجيش الفارسي في وسط السهل، و كان مواجها للشرق وللجنوب الشرقي، و في الجنوب الغربي كانت وراءه التلال. شكل خالد جيشه أمام تلال الشمال الشرقي، في مقابل الجيش الفارسي. وسط ساحة المعركة، أي نقطة الوسط بين الجيشين، كانت تبعد حوالي ميلين إلى الجنوب الشرقي من عين الموهاري ، و على بعد 35 ميلا إلى الجنوب الشرقي تقع النجف و 6 اميال إلى الجنوب الشرقي تقع خش الصنافية. معظم قوات المسلمين تالفت من المشاة، مع عدد قليل من الفرسان. توقع الفرس ان يكون جسش خالد أكبر بكثير. في الليلة التي سبقت معركة الولجة ارسل خالد اثنين من ضباطه بشر بن أبي رحم و سعيد بن مارا و جعل كل منهما قائدا على قوة متحركة تتكون من نحو 2،000 فارس و امرهم على النحو التالي : سوف يأخذ كل منهما فرسانه خلال الليل و يتحرك بسرعة في الجنوب من مخيم الفرس. عند الوصول إلى الجانب الآخر من سلسلة التلال التي تمتد وراء مخيم الفرس، سيخفيان الرجال و لكن يحتفظان بهم على أهبة الاستعداد للتحرك خلال فترة قصيرة. عند الصباح ستبدأ المعركة، و سيبقون رجالهم وراء التلال، وسيضعون عددا من المراقبين لانتظار إشارة خالد. عندما يعطي خالد إشارته، سيهاجمان القوات الفارسية من المؤخرة، و كل مجموعة ستهاجم جناحا. [2] خطة الكماشة التي طبقها خالد بن الوليد في معركة الولجة. احاط المسلمون بالفرس و دمروا جيشهم ██ جيش الخلفاء الراشدون ██ جيش الفرس صدرت الأوامر اللازمة من خالد لمن كان يجب ان يعرف هذه الخطة، حتى يتسنى تنظيم و تحضير قوات الضربة دون حدوث أي توقف و بسرية تامة، لدا لم يتم اعلام المقاتلين المسلمين العاديين شيئا من مناورة حركة الكماشة. شكل خالد جيشه بال 10،000 المتبقية قبالة الجيش الفارسيالساساني. استراتيجية القائد الأعلى للقوات الفارسية، اندرزاغار، كان تعتمد على الدفاع وترك المسلمين يهاجمون أولا. اعتزم وقف هجماتهم حتى تصبح دون فائدة، و بعد ذلك الشروع في هجوم مضاد لهزيمة جيش المسلمين. المرحلة الأولى من المعركة كانت وفق خطة اندرزاغار. خالد أمر الجيش بشن هجوم عام. كان للجيش الفارسي احتياطات ستحل محل الرجال في خط المواجهة، الأمر الذي يتيح لهم التحكم في جيش المسلمين ومساعدتهم على تنفيذ مخططهم لاستهلاك جيش خالد. خلال هذا الوقت، بارز خالد بن الوليد يقال مع بطل الفرس العملاق الدي يطلق عليه «هزار مارد وقتله، فكان هدا نصرا نفسيا للمسلمين. [3]. كانت المرحلة الأولى قد انتهت. المرحلة الثانية من المعركة بدأت مع هجوم مضاد لجيش الفرس. وربما شاهد اندرزاغار علامات التعب على الجنود المسلمين،لدا احتكم على أن هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم المضاد.للجيش الفارسي فرع من سلاح الفرسان الثقيل قفز إلى الأمام وضرب المسلمين. تمكن المسلمون من احتجازهم لبعض الوقت، لكن الفرس زادوا الضغط . كان هناك تراجع مبهم للجيش الإسلامي و وقف للهجوم حتى اصدار تعليمات أخرى من خالد بن الوليد. اعطى خالد في النهاية الإشارة على المضي قدما. اللحظة القادمة، من خلال افق التلال التي تمتد وراء ظهر الجيش الفارسي ظهرت فرقتان من المحاربين واحدة من وراء الجناح الفارسي الايمن، و أخرى من وراء الجناح الفارسي الايسر. سلاح الفرسان المسلمين الخفيف، المعروف بسرعته التي لا تصدق، و امكانيته على تنفيد المناورات والتراجع و الهجوم مرة أخرى، لم يكن سلاح الفرسان الفارسي الثقيل ندا له. مع هزيمة الفرسان الفارسيين، تصاعدت الهجمات التي بدأت تحاصر الفرس. استأنف القسم الرئيسي من الجيش المسلم تحت قيادة خالد بن الوليد الهجوم على الجبهة الفارسية، وفي الوقت نفسه مد مجموعتي الفرسان لاحاطة الفرس تماما. جيش اندرزاغار كان واقعا في شرك، لا يمكن له الفرار منه. مع ارتدادات الهجمات التي تأتي من كل الاتجاهات، الجيش الفارسي اجتمع في كتلة مترهلة، عاجزة عن استخدام السلاح بحرية أو تجنب ضربات المهاجمين. وسط الزخم الذين كانوا يريدون القتال لم يعرفوا من يقاتلون . الذين كانوا يريدون الفرار من لم يعرفوا إلى أين يذهبون. انتهت المعركة ، وألحقت خسائر فادحة إلى الجيش الفارسي. فقط بضعة آلاف من المحاربين الامبراطوريين تمكنوا من الفرار. اندرزاغار نفسه تمكن من الهرب، لكنه فر في اتجاه الصحراء العربية بدلا من الفرات وتوفي في تلك المنطقة من العطش. ما بعد المعركة بعد المعركة جمع خالد رجاله المستنفدين معا. و ادرك ان المعركة فرضت ضغطا رهيبا على قواته، على الرغم من انتصارهم الساحق على الفرس[4]. كانت معركة الولجة أطول[5] و أشرس المعارك التي خاضها المسلمون حتى الآن في العراق، و لذلك سعى خالد بن الوليد إلى ضمان أن تبقى معنويات المسلمين مرتفعة.
يقال ان خالد بعد المعركة بدأ بالثناء الله و الدعاء بالبركة لمحمد بن عبد الله (ص). بعد القضاء على جيش فارسي آخر و حلفاءه العربي المسيحيين في معركة أليس ، و معركة الحيرة ، عاصمة بلاد الرافدين في أواخر أيار/مايو 633 م وتلا ذلك معركة الأنبار والنجاح في حصار عين التمر. مع سقوط المدن الرئيسية كلها في جنوب و وسط العراق، باستثناء قطسيفون ،أصبح العراق تحت سيطرة المسلمين. في 634 م امر أبو بكرخالد بن الوليد للشروع في الخجوم على سوريا مع نصف جيشه لقيادة الفتح الإسلامي لسوريا.كما ترك سينا بن حاريص خليفة لخالد. الفرس، في ظل الامبراطور الجديد يزدجرد الثالث ،شكلوا جيشا جديدا و هزموا المسلمين في معركة الجسر ، و اعادة ضم العراق. كان الفتح الإسلامي الثاني للعراق تحت قيادة سعد بن أبي وقاص الذي، بعد هزيمة الجيش الفارسي في معركة القادسية في 636 ميلادية، و فتح قطسيفون. وتبع ذلك كله فتح المدائن
|
#112
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بعدما قـُتِل عثمان، بايع الصحابة علياً t يوم الجمعة سنة خمس و ثلاثين[1]. و عندما جاء المهاجرون و الأنصار لعليٍّ فقالو: «امدد يدك نبايعك»[2]، دفعهم. فعاودوه و دفعهم. ثم عاودوه فقال: «دعوني و التمسو غيري. و اعلمو أنِّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم. و إن تركتموني فأنا كأحدكم. و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. و أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً». و مشى إلى طلحة و الزبير فعرضها عليهما فقال: «من شاء منكما بايعته». فقالا: «لا. الناس بك أرضى». و أخيراً قال لهم: «فإن أبيتم فإنّ بيعتي لا تكون سرَّاً، و لا تكون إلا عن رضا المسلمين. و لكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني فليبايعني»[3]. فبايعه جمع من الصحابة ممن كان في المدينة و منهم طلحة و الزّبير[4]. و رُغم أكثر الصحابة كانو قد تفرّقو بالأمصار ليعلمو الناس، فغياب البعض لا يطعن في خلافته بأي حال.
و على أية حال فلو كانت نظرية النص و التعيين –التي يزعمها الإمامية– ثابتة و معروفة لدى المسلمين، لم يكن يجوز للإمام أن يدفع الثوار و ينتظر كلمة المهاجرين و الأنصار متخلياً عن فرضٍ من فروض الله. كما لا يجوز له أن يقول: «أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً» كما هو ثابت من أوثق كتبهم: نهج البلاغة[5]! لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي، خرج كل من طلحة و الزبير من المدينة بقصد العمرة، و كذلك خرج عبد الله بن عامر من البصرة و يعلي بن مُنْية من اليمن إلى مكة في أوقات مختلفة. و اجتمع طلحة و الزبير و يعلي و عبد الله بن عامر و عائشة –رضي الله عنهم أجمعين– بعد نظر طويل على الشخوص إلى البصرة من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان t، و ليس من أجل المطالبة بدم عثمان، و دليل ذلك حديث الحوأب. ففي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش ليلاً على منطقة يقال لها الحوأب، عند مياه بني عامر، فنبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالو: ماء الحوأب. قالت: ما أظنني إلا راجعة. فقال الزبير: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت إن رسول الله r قال لها ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب»[6]. و عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r لنسائه: «ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فتنبحها كلاب الحوأب. يُقتل عن يمينها و عن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت»، أي بعدما كادت تـُقتل[7]. كان جيش مكة قد وصل خلال تلك الفترة إلى البصرة، فأرسل عثمان بن حنيف t –و هو والي البصرة من قبل علي– إليهم يستفسر عن سبب خروجهم فكان الجواب: «إن الغوغاء من أهل الأمصار و نزاع القبائل غزو حرم رسول الله r، و أحدثو فيه الأحداث، و آوو فيه المحدِثين، و استوجبو فيه لعنة الله و لعنة رسوله، مع ما نالو من قتل أمير المسلمين بلا ترة و لا عذر، فاستحلو الدم الحرام فسفكوه، و انتهبو المال الحرام، و أحلو البلد الحرام و الشهر الحرام. فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، و ما فيه الناس وراءنا، و ما ينبغي لهم أن يأتو في إصلاح هذا. و قرأت ]لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس[». لكن الأمور ساءت و خرجت عن حد السيطرة لعدة أمور، فنشب قتال بين جيش طلحة و الزبير و بين قتلة عثمان (الذين كانو من البصرة) و عشائرهم التي دافعت عنهم، و انهزم قتلة عثمان شر هزيمة، و سلّمتهم عشائرهم كلهم (إلا واحداً) للقصاص و كانو حوالي 600 رجل. و لكن هذه العملية تسببت في قتل الكثير من المسلمين الذين حاولو الدفاع عن القتلة لمجرد أنهم من عشائرهم. و هنا نجد أن تأثير العصبية القبلية الجاهلية قد عاد يقوى عند تلك القبائل التي أسلمت في آخر عهد الرسول r، ثم استقرت في الأمصار بعيدة عن مركز الدولة. و هذا هو السبب الذي دعى علياً لتأخير القصاص من قتلة عثمان، حتى تهدئ النفوس، و يوطد مركز الخلافة و يتقدم أولياء عثمان (أي معاوية و بقية بني أمية) بالدعوى عنده على معيّنين، فيحكم لهم بعد إقامة البيّنة عليهم، فلا يستطيع أحدٌ أن يدافع عنهم إذا ثبتت التهمة. أما أن تكون المطالبة بذلك الشكل، فإنه يوتّر الموقف و سيؤدي لقتل الكثير من الأبرياء. فهنا أدرك علي خطورة الموقف، و ما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية. فاستنفر أهل المدينة للخروج معه، فاجتمع معه حوالي سبعمئة رجل، و اعتزل أكثر الصحابة هذه الفتنة. فخرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق و قد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغو تسعمئة رجل[8]. و قد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق و هو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة و الاختلاف، لكن علياً رفض ذلك و أصر على الخروج[9]. و سيأتي معنا ندمه على ذلك. و قد جاءت روايات لتبين أن علي خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل. و هذا الأمر لم يحدث، بل الصحيح أنه خرج من المدينة عاقداً العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريباً من أهل الشام، و لم يخرج في أعقاب أصحاب الجمل[10]. فلمّا سمع بأنباء القلاقل التي حدثت في البصرة و أدت إلى خروج عامله عنها، قرّر تغيير وجهة السير. فأرسل رسولين لاستنفار الكوفيين، و هما محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر، فأخفقا في مهمتهما لأن أبا موسى الأشعري –والي الكوفة لعلي– التزم موقف اعتزال الفتنة و حذر الناس من المشاركة فيها[11]. ثم أرسل عبد الله بن عباس و أتبعه ابنه الحسن و عمار بن ياسر لاستنفار الكوفيين[12]. و روى البخاري في صحيحه: لما بعث علي عماراً و الحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا و الآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها. و روى كذلك عن أبي مريم قال: لما سار طلحة و الزبير و عائشة إلى البصرة، بعث علي عمار بن ياسر و الحسن بن علي، فقدما إلى الكوفة فصعدا الْمِنْبَر. فقال عمار: «إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَ وَ اللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ r فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ لَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ابْتَلاَكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ». قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث أن عماراً كان صادق اللهجة و كان لا تستخفه الخصوصية إلى أن ينتقص خصمه، فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من حرب»[13]. و هنا يجدر التنبيه إلى أن كلام عمار t عن عائشة t مبني على عدم معرفة عمار بحقيقة خروج أصحاب الجمل، و هو أنهم قد خرجو للإصلاح بين الناس[14]. و إنما جعل الله هذه الفتنة ليري الناس أن المرأة مهما علا مركزها و بلغ تقواها و رجاحة عقلها فإنها لا تصلح للحكم. فقد روى البخاري: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ». قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ r أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُو عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَ لَّو أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[15]. و في ذلك ردٌّ بليغ على من أجاز تولّي المرأة الولايات العامة، و حصر النهي بالخلافة. فإن عائشة t لم تتولّى أيّة ولاية، بل و لا حتى قيادة الجيش العسكرية، و لكن وجودها في الجيش كان العامل الأكثر تأثيراً على الناس لانضمامهم له[16]. و إذا انطبق هذا الحديث على أم المؤمنين عائشة t و هي خير نساء هذه الأمة و أفقههن و أحبهن إلى رسول الله r، فمن باب الأولى أن ينطبق على من هم أدنى منها. و من أفضل من أم المؤمنين عائشة t و هي أرجح نساء رسول الله r عقلاً و هي بنت الصديق التي نشأت في بيته؟ أخرج البخاري: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ». و أخرج أيضاً أن النَّبِيِّ r قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام». و أخرج مسلم في صحيحه: عَنْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟». قَال:َ «عَائِشَةُ». قُلْتُ: «مِنَ الرِّجَالِ». قَالَ «أَبُوهَا». أي أبي بكر الصديق. قُلْتُ: «ثُمَّ مَنْ؟». قَالَ: «عُمَرُ». على أية حال فقد قدم على علي وفد الكوفة بذي قار فقال لهم: «يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم جموعهم، و قد دعوتكم لتشهدو معنا إخواننا من أهل البصرة. فإن رجعو فذاك الذي نريده، و إن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بالظلم. و لن ندع أمراً فيه الإصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى»[17]. فسار الجيشين حتى التقيا، فاجتمع طلحة و الزبير و علي، فوضّح لهم وجهة نظره فاقتنعو بها، و قّررو ضمّ جيشهم إلى جيشه. فلمّا رآى ذلك، نادى في الناس أن لا يلحق بهم قتلة عثمان لأنه يريد أن يفتك بهم بعدما قوي جيشه. و اطمأنت نفوس الناس و سكنت، و اجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، و رجعت عائشة إلى البصرة. فلمّا أمسو بعث علي عبد الله بن العباس إليهم، و بعثو إليه محمد بن طليحة السجاد و بات الناس بخير ليلة، و بات قتلة عثمان (و معهم عبد الله بن سبأ) بشرِّ ليلة، و باتو يتشاورون ثم أجمعو على أن يثيرو الحرب من الغلس. فنهضو قبل طلوع الفجر و هم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى السيوف، و ثارت الفتنة. وقال جيش البصرة طرقتنا أهل الكوفة ليلاً و بيّتونا و غدرو بنا، و ظنو أن هذا عن تدبيرٍ و علمٍ من أصحاب علي. و بلغ الأمر علي فقال: ما للناس؟! فقالو بيتنا أهل البصرة. فثار كل فريق لسلاحه و لبسو اللاّمة و ركبو الخيول. و لم يدري أحد بسبب تلك الشرارة الشيطانية التي أشعلت النار بين الفريقين بعدما نامو تلك الليلة في خير حال. و تبارز الفرسان و جالت الشجعان، فنشبت الحرب، و تواقف الفريقان، و كان أمر الله قدراً مقدوراً. وقامت الحرب على قدمٍ و ساق، و تبارز الفرسان، و قد اجتمع مع كل طرفٍ حوالي عشرة آلاف مقاتل[18]. فإنا لله و إنا إليه راجعون. و أصحاب ابن سبأ قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: «ألا كفو ألا كفو». هنا ذهب كعب بن سور بالخبر إلى أم المؤمنين بالبصرة، فقال لها: «أدركي الناس قد تقاتلو». فوضع لها الهودج فوق الجمل، فجلست فيه و غطي بالدروع، و ذهبت إلى أرض المعركة لعل أن يوقف الناس القتال عندما يشاهدونها. فلما وصلت، أعطت عائشة المصحف لكعب و قالت له: «خلِّ البعير و تقدم، و ارفع كتاب الله و ادعهم إليه». فشعر أهل الفتنة بأن القتال سيتوقف إذا تركو كعباً يفعل ما طُلب منه، فلما قام كعب و رفع المصحف و أخذ ينادي، تناولته النبال فقتلوه[19]. ثم أخذو بالضرب نحو الجمل، بغية قتل عائشة لكن الله نجاها، فأخذت تنادي: «أوقفو القتال»، و أخذ علي ينادي و هو من خلف الجيش: «أوقفو القتال»، و قادة الفتنة مستمرين. فقامت أم المؤمنين بالدعاء عليهم قائلة: «اللهم العن قتلة عثمان». فبدأ الجيش ينادي معها. و كان علي جالس في آخر جيشه يبكي ما أصاب المسلمين، فسمع ذلك فصار يلعن قتلة عثمان كذلك. فارتفعت أصوات الدعاء في المعسكرين بلعن قتلة عثمان، و قتلة عثمان مستمرين بالقتال[20]. ثم أخذو –لعنهم الله– يرشقون جمل أم المؤمنين بالنبال، و علي يصرخ فيهم أن كفو عن الجمل، لكنهم لا يطيعونه. فصار الجمل كالقنفذ من كثرة النبال التي علقت به[21]. ثم قال عبد الله بن بديل لعائشة: «يا أم المؤمنين. أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان، فقلتُ ما تأمريني، فقلتِ الزم علياً؟». فسكتت. فقال: «اعقرو الجمل». فعقروه. قال: «فنزلت أنا و أخوها محمد، و احتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي علي. فأمر به علي فأدخل في بيت عبد الله بن بديل»[22]. هنا علي t أصدر الأوامر بأن «لا تلحقو هارباً، و لا تأخذو سبياً». فثار أهل الفتنة و قالو: «تُحِلُّ لنا دمائهم، و لا تحل لنا نسائهم و أموالهم؟». فقال علي: «أيكم يريد عائشة في سهمه؟». فسكتو. فنادى: «لا تقتلو جريحاً، و لا تقتلو مُدبراً، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه، فهو آمن»[23]. بعدها علي ذهب إلى بيت عبد الله بن بديل الخزاعي لزيارة عائشة و الاطمئنان عليها، فقال لها: «غفر الله لكِ»، قالت: «و لك. ما أردت إلا الإصلاح بين الناس»[24]. و الذي نريد أن نقوله هنا أن موقعة الجمل لم تعبر لا عن صراع مذهبي، و لا صراع عقائدي، و لا حتَّى صراع عصبي. و إنما كانت فتنة أراد كل طرف فيها أن يصل إلى الحق حسب مفهومه. لذلك قال الإمام الذهبي «قد عرف الجميع، العالم و الجاهل، ان طلحة والزبير و عائشة –رضي الله عنهم– لم يخرجو للقتال أبداً، و إنما وقع القتال بسبب ترامي غوغاء من الطرفين». فإن ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة –مع اجتهادهم فيها و تأوّلهم– حزنهم الشديد و ندمهم لما جرى، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه، و تأثّر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه، بل إن البعض لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال. و الحقيقة أن أغلب من شَهِدَ المعركة من الصحابة لم يشترك بالقتال فيها. فعلي بن أبي طالب t جلس وراء الجيش يبكي حال المسلمين. قال الحسن بن علي t: «لقد رأيت عليا يوم الجمل يلوذ بي وهو يقول: يا حسن! ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة». وهذا الزبير بن العوام t يقول: «إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نُحَدَّثُ عنها». فقال مولاه: «أتسمّيها فتنةٌ و تقاتل فيها؟!». قال: «ويحك، إنَّا نبصر و لا نبصر. ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدميّ فيه، غير هذا الأمر، فإني لا أدري أمقبلٌ أنا فيه أم مدبر»[25]. و لمّا رآه علياً ناداه، فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما فقال له علي: «أتذكر يوما أتانا رسول الله r و أنا أناجيك؟ فقال: أتناجيه! و الله ليقاتلنك يوماً و هو لك ظالم!» فتذكر الزبير ذلك الحديث، فضرب وجه دابته فانصرف، و عزم على العودة إلى المدينة. فعرض له ابنه عبد الله فقال: «مالك؟». قال: «ذكرّني علي حديثاً سمعته من رسول الله r و إني راجع»، فقال له ابنه: «و هل جئت للقتال؟! إنما جئت تصلح بين الناس، و يصلح الله هذا الأمر»[26]. لكنه بعد أن ابتعد على ساحة المعركة، لحق به أحد الأشقياء فقتله غدراً و هو يصلّي، ثم عاد إلى علي و هو يظن أنه يكافئه. لكن علي ذكر حديثاً سمعه من رسول الله r: «بَشِّرْ قَاتِلَ اِبْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ»[27]. فعلم ذلك الشقي أن علياً قاتله، فهرب، فلحقه المسلمون، فقتل نفسه و انتحر. و كذلك طلحة t، لم يشارك بالقتال و إنما جلس في آخر الجيش يبكي على ما أصاب المسلمين، فأصابه سهمٌ غادر، فنزف حتى مات. قال الإمام الشعبي: «لمّا قُتِل طلحة و رآه علي مقتولاً، جعل –أي علي– يمسح التراب عن وجهه و يقول: عزيزٌ عليَّ أبا محمد أن أراك مُجدّلاً تحت نجوم السماء. ثم قال: إلى الله أشكو عجزي و بجري[28]. و بكى عليه هو و أصحابه، و قال: يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة»[29]. و هذه أم المؤمنين عائشة t، تقول: «إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني، و لم أحسب أن يكون بين الناس قتال، و لو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً»[30]. ثم انظر ما كان من حزن عليٍ t على طلحة و الزبير (رضي الله عنهما) و انظر إلى قوله: «فينا و اللّه أهل بدر نزلت هذه الآية: ]و َنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخواناً على سرر متقابلين[»[31]. و سئل علي عن أهل الجمل قيل: «أمشركون هم؟». قال: «من الشرك فرو». قيل: «أمنافقون هم؟». قال: «إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً». قيل: «فما هم؟». قال: «إخواننا بغو علينا، فقاتلونا فقاتلناهم. و قد فاؤو، و قد قبلنا منهم». و على أية حال فالعدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل كان ضئيلاً جداً، حيث كان كل فريق يدافع عن نفسه ليس إلا[32
|
#113
|
|||
|
|||
معركة صفين
بعد وقعة الجمل استعد على بن أبي طالب لمحاربة معاوية، وتحرك بجيشه الكبير الذي يبلغ عدده 100 ألف إلى صفين، وهو سهل يقع على الجانب الغربي لنهر الفرات شمال بلدة الرقة، وفي الوقت نفسه استعد معاوية لهذه المعركة الحاسمة بجيش يقترب من جيش علي، وقبل المعركة دارت مراسلات بينهما بلغت أكثر من شهر ما بين أواخر شهر ذي الحجة سنة 36 هـ إلى بداية شهر المحرم 37هـ، لكنها لم تؤدِّ إلى نتيجة، وفي غرة صفر من عام 37هـ اشتعلت الحرب بين الفريقين، وظلت 10 أيام متصلة قتل خلالها الآلاف من المسلمين، واشتد الخطب على الفريقين، ووقعت الخسائر الضخمة في جانب جيش معاوية، وأصبحت هزيمتهم قاب قوسين أو أدنى، وعند ذلك رأى معاوية أن يضع حدا لهذا الأمر، فطلب من "عمرو بن العاص" الرأي والمشورة؛ حتى يمكن الإبقاء على البقية من أبطال الإسلام الذين هزموا فارس والروم فأشار عمرو بطلب التحكيم. رفع المصاحف أصدر معاوية إلى كبار رجاله بأن يرفع كل منهم مصحفا على رمحه، إشارة إلى الاحتكام إليه، وارتفعت صيحة في جيشه تقول: كتاب الله بيننا وبينكم، مَن لثغور الشام بعد أهل الشام؟ ومَن لثغور العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم؟ ومن للترك؟ ومن للكفار؟ ورُفع في جيش معاوية نحو 500 مصحف. توقفت الحرب، وارتضى الطرفان أن يعودا إلى الحكمة وتحكيم القرآن بينهما، وأناب كل واحد منهما شخصا ينيب عنه، ويتفاوض باسمه في القضايا محل الخلاف؛ فأناب "علي" أبا موسى الأشعري، وأناب "معاوية" عمرو بن العاص، وعقد لذلك وثيقة كُتبت في يوم الأربعاء الموافق (13 من صفر سنة 37هـ = 1من أغسطس 657م) عُرفت بوثيقة التحكيم. وجعلت الوثيقة شهر رمضان من سنة 37هـ أقصى مدة لإعلان قرار التحكيم، إلا إذا رأى الحكمان مد المدة، وفي "دومة الجندل" اجتمع الحكمان، وبعد مباحثات طويلة وصلا إلى نتيجة ظنا أنها أفضل الحلول، وهي عزل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) من الخلافة، ورد الأمر إلى الأمة تختار من تشاء على أن تبقى البلاد تحت المتخاصمين في يديهما؛ فتبقى البلاد التي تحت حكم علي، وهي الدولة الإسلامية عدا الشام في يده، ويتصرف معاوية في حكم الشام التي تحت يديه. رفض الإمام علي بن أبي طالب هذه النتيجة؛ لأن الخلاف لم يكن قائما على منصب الخلافة، وإنما على إقامة الحد على قتلة عثمان، وعلى بيعة معاوية لعلي بن أبي طالب.. وتطورت الأحداث بعد ذلك، وانقسم جيش "علي" على نفسه، وظهرت فرقة "الخوارج" الذين انشقوا عليه، واضطر علي لمحاربتهم؛ مما أضعف جبهته، واستنفد كثيرا من جهده، وشاءت الأقدار أن تكون نهايته على يد واحد من الخوارج؛ فاستشهد في (17 من رمضان سنة 40 هـ = 26 من يناير سنة 661)..
|
#114
|
|||
|
|||
الدب الروسي يحلم بإستانبول مأساة معركة سنيوب الدولة العثمانية في أقصى اتساعها لما بدأت في الأفق تلوح نذر اضمحلال الدولة العثمانية في القرن 12 هـ = 18م، وتظهر على ملامحها وقسمات وجهها آيات الضعف والوهن؛ تطلعت روسيا إلى التوسع على حساب العثمانيين، وإقامة وجود عسكري بحري لها على الساحل الشمالي للبحر الأسود، ثم بسط نفوذها وسيطرتها العسكرية على منطقة المضايق، وتمكين سفنها من عبور البوسفور والدردنيل وقت السلم والحرب، دون أية شروط إلى البحار الدافئة. ولتحقيق هذه الأهداف اشتبكت روسيا في سلسلة من الحروب المتصلة ضد الدولة العثمانية، إما بمفردها وإما بالتحالف مع دول معادية للعثمانيين؛ بقصد إنهاكها، ومنعها من أن تجدد قوتها أو تلتقط أنفاسها اللاهثة؛ حتى تسقط فاقدة الوعي والإدراك، مستنفدة الجهد والموارد، فيسهل اقتسام جسدها المنهك بين الدول المتصارعة لالتهامها. معاهدة كتشك كينجاري دخلت الدولة العثمانية في حرب طاحنة دامت ست سنوات مع روسيا (1181 – 1187 هـ = 1768 – 1774م)، مُنيت فيها الدولة العثمانية بهزائم أليمة، أجبرتها على عقد معاهدة مخزية في ( 13 من جمادى الأولى 1188هـ = 21 من يوليو 1774م)، وهي المعروفة باسم معاهدة "كتشك كينجاري" وتحققت فيها آمال الروس بأن تحوّل البحر الأسود من بحرية عثمانية خالصة إلى بحيرة عثمانية روسية، وأصبحت الملاحة الروسية تتمتع بحُرّية التنقل في البحر الأسود دون قيد أو شرط. وتضمنت المعاهدة أن تدفع الدولة العثمانية غرامة لروسيا قدرها 1500 كيس من الذهب، وأن يحصل الروس على حق رعاية السكان الأرثوذكس في البلاد العثمانية، وكان من شأن هذا البند أن تتدخل روسيا في شئون الدولة العثمانية بصورة مستمرة. لقاء قيصر روسيا والسفير الإنجليزي لم تكتف روسيا بما حصلت عليه من مكاسب من الدولة العثمانية، وإنما امتد بصرها إلى تمزيق الدولة، وتوزيع ممتلكاتها، وارتفع صوتها بشن حروب صليبية عليها، وكان ساستها يتعجبون من عدم مشاركة الدول الأوروبية لروسيا في حربها الصليبية ضد العثمانيين.. وتكشف المحادثة التي دارت بين "نيقولا" قيصر روسيا، والسير "هاملتون سيمور" سفير إنجلترا في القسطنطينية عن سياسة روسيا التوسعية. وقد وصف القيصر الدولة العثمانية بأنها بلد آخذ في الانهيار، وأنها "رجل مريض" للغاية قد يموت فجأة، ومن الضروري أن يُتّفق على كيفية التصرف في أراضيه قبل وقوعه صريعا، وأشار إلى تسوية الأمر بين إنجلترا وروسيا دون قيام حرب بينهما، وأوضح بصراحة رغبته في استقلال دول البلقان تحت حماية روسيا، وفي الاستيلاء على العاصمة العثمانية، وفي مقابل ذلك تستولي بريطانيا على مصر، لكن هذا المشروع لم يلق نجاحًا أو يجد تجاوبًا من بريطانيا التي كانت ترفض وصول روسيا إلى المضايق. شرارة الحرب دأبت الدولة العثمانية على حفظ التوازن بين الروم الكاثوليك والأرثوذكس في أحقية كل منهما في إدارة أماكن الحج في القدس، ولا سيما كنيسة الميلاد في بيت لحم، وكان النزاع بينهما بسيطًا، لكنه اكتسب أهميته من تعضيد قيصر روسيا للمطالب الأرثوذكسية، في حين أن "نابليون الثالث" ملك فرنسا كان يؤيد مطالب الكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، وكانت فرنسا تُعد نفسها حامية للمسيحيين في الشرق منذ زمن الحروب الصليبية، وانتهى هذا النزاع بأن أصدر السلطان "عبد المجيد" فرمانًا لصالح الكنيسة الكاثوليكية سنة (1268هـ= 1852م). عباس باشا الأول والي مصر وقد أثار هذا القرار حنق القيصر الشديد، فأمر بتعبئة جيش روسي وإنفاذه إلى نهر "بروث"، وفي الوقت نفسه أوفد بعثة متغطرسة إلى إستانبول برئاسة الأمير متشيكوف، لا لتطلب ترضية عاجلة فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، بل تطالب بعقد معاهدة بين الدولتين، تفوق في إجحافها بحقوق الدولة العثمانية كل المعاهدات السابقة مع روسيا؛ حيث تضمن للقيصر حق حماية جميع الرعايا الأرثوذكس الذين يعيشون تحت كنف الدولة العثمانية، فرفض السلطان هذه المطالب. الجيش المصري في حرب القرم عبرت الجيوش الروسية نهر بروث في (شوال 1269 هـ = 1853م)، واحتلت ولايتي ولاشيا، ومولدافيا (رومانيا حالياً) وفشلت الجهود السلمية في حل الموقف المتداعي؛ فأرسل السلطان عبد الحميد يطلب نجدة من مصر، فامتثل "عباس باشا الأول" والي مصر وأمر بتجهيز أسطول من اثنتي عشرة سفينة، مزودة بنحو 6850 جنديًا بحريًا و642 مدفعًا تحت قيادة "حسن باشا الإسكندراني" أمير البحر المصري، بالإضافة إلى جيش بري بقيادة "سليم فتحي باشا"، يضم نحو 20 ألف جندي، مزودين بالآلات والسلاح. الفريق حسن باشا الإسكندراني وقد سجل المؤرخ المصري "عمر طوسون" أخبار هذه النجدة مفصلة تمامًا في كتابه القيم: "الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم". مأساة سينوب أعلنت الدولة العثمانية الحرب على روسيا في (1 من المحرم 1270هـ = 4 من أكتوبر 1853م)، وأرسلت قسمًا من أسطولها البحري إلى ميناء "سينوب" على البحر الأسود، وكان يتألف من ثلاث عشرة قطعة بحَرية بقيادة "عثمان باشا"، ثم وصل إلى الميناء بعض القطع البحرية الروسية في (18 من المحرم 1270هـ = 21 من أكتوبر 1853م) بقيادة "ناخيموف" قائد الأسطول الروسي، لتكشف مواقع الأسطول العثماني، وتعرف مدى قوته، وظلت رابضة خارج الميناء، محاصرة للسفن العثمانية، وأرسل ناخيموف إلى دولته لإمداده بمزيد من القطع البحرية، فلما حضرت جعل أربعًا من سفنه الحربية خارج الميناء؛ لتقطع خط الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهرب. خريطة موقعة بحرية ولما توقع "عثمان باشا" غدر الأسطول الروسي، أمر قواده وجنوده بالاستعداد والصبر عند القتال، على الرغم من تعهُّد نيقولا قيصر روسيا ووعده بعدم ضرب القوات العثمانية إلا إذا بدأت هي بالقتال، لكن القيصر حنث في وعده؛ إذ أطلقت السفن الروسية النيران على القطع البحرية العثمانية التي كانت قليلة العدد وضئيلة الحجم إذا ما قورنت بالسفن الروسية، وذلك في (28 من صفر 1270هـ = 30 من نوفمبر 1853م)، وأسفرت المعركة عن تدمير سفن الدولة العثمانية، واستشهاد أكثر بحارتها.
وقد أثار هذا العمل غضب فرنسا وإنجلترا، فقررتا الدخول في حرب ضد القيصر الروسي إلى جانب السلطان العثماني، واستمرت نحو عامين، وهي الحرب المعروفة بحرب القرم، ولها حديث قادم إن شاء الله.
|
#115
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الإنكشاريون في نهاية القرن 17 وبداية القرن 18 أطلق اسم الإنكشارية على طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين، يشكلون تنظيمًا خاصًا، لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أعظم فرق الجيش العثماني وأقواها جندًا وأكثرها نفوذًا، ولا يعرف على وجه الدقة واليقين وقت ظهور هذه الفرقة، فقد أرجعها بعض المؤرخين إلى عهد "أورخان الثاني" سنة (724هـ=1324م) على أن هذه الفرقة اكتسبت صفة الدوام والاستمرار في عهد السلطان مراد الأول سنة (761هـ=1360م)، وكانت قبل ذلك تسرّح بمجرد الانتهاء من عملها. وامتاز الجنود الإنكشاريون بالشجاعة الفائقة، والصبر في القتال، والولاء التام للسلطان العثماني باعتباره إمام المسلمين، وكان هؤلاء الجنود يختارون في سن صغيرة من أبناء المسلمين الذين تربوا تربية صوفية جهادية، أو من أولاد الذين أسروا في الحروب أو اشتروا بالمال. وكان هؤلاء الصغار يربون في معسكرات خاصة بهم، يتعلمون اللغة والعادات والتقاليد التركية، ومبادئ الدين الإسلامي، وفي أثناء تعليمهم يقسمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعد للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعد لشغل الوظائف المدنية الكبرى في الدولة، والثالثة تعد لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني، ويطلق على أفرادها الإنكشارية، أي الجنود الجدد، وكانت هذه المجموعة هي أكبر المجموعات الثلاث وأكثرها عددًا. معيشة الإنكشارية وكانت الدولة تحرص على منع اتصال الإنكشارية بأقربائهم، وتفرض عليهم في وقت السلم أن يعيشوا في الثكنات، التي لم تكن تحوي فقط أماكن النوم لضباطهم وجنودهم، بل كانت تضم المطابخ ومخازن الأسلحة والذخائر وكافة حاجاتهم المدنية. وخصصت الدولة لكل "أورطة" من الإنكشارية شارة توضع على أبواب ثكنتها، وعلى أعلامها وخيامها التي تقام في ساحة القتال، وجرت عادة الجنود أن ينقشوا شاراتهم المميزة على أذرعهم وسيقانهم بالوشم، وكانت ترقياتهم تتم طبقًا لقواعد الأقدمية، ويحالون إلى التقاعد إذا تقدمت بهم السن، أو أصابتهم عاهة تقعدهم عن العمل، ويصرف لهم معاش من قبل الدولة. وكانت الدولة تحرّم عليهم الاشتغال بالتجارة أو الصناعة حتى لا تخبوا عسكريتهم الصارمة، وينطفئ حماسهم المشبوب. ويطلق على رئيس هذه الفئة "أغا الإنكشارية"، وهو يعد من أبرز الشخصيات في الدولة العثمانية، لأنه يقود أقوى فرقة عسكرية في سلاح المشاة، وكان بحكم منصبه يشغل وظيفتين أخريين، فهو رئيس قوات الشرطة في إستانبول، المسئول عن حفظ النظام واستتباب الأمن، وهو في الوقت نفسه عضو في مجلس الدولة. وكان لرئيس الإنكشارية مقر خاص في إستانبول، ومكاتب في الجهات التي تعمل الفرقة بها، ويختاره السلطان من بين ضباط هذا السلاح، وظل هذا التقليد متبعًا حتى عهد السلطان سليمان القانوني، الذي جعل اختيار رئيس الإنكشارية من بين كبار ضباط القصر السلطاني، وذلك للحد من طغيان هذه الفرقة. أهمية الإنكشارية عرف الإنكشاريون بكفايتهم القتالية ووفرتهم العددية، وضراوتهم في الحرب والقتال، وكانوا أداة رهيبة في يد الدولة العثمانية في حروبها التي خاضتها الدولة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وكان لنشأتهم العسكرية الخالصة وتربيتهم الجهادية على حب الشهادة واسترخاص الحياة أثر في اندفاعهم الشجاع في الحروب واستماتتهم في النزال، وتقدمهم الصفوف في طليعة الجيش، وكانوا يأخذون مكانهم في القلب، ويقف السلطان بأركان جيشه خلفهم. وقد استطاعت الدولة العثمانية بفضل هذه الفرقة الشجاعة أن تمد رقعتها، وتوسع حدودها بسرعة، ففتحت بلادًا في أوروبا كانت حتى ذلك الوقت خارج حوزة الإسلام. وقد أشاد المؤرخون الغربيون بهذه الفرقة باعتبارها من أهم القوات الرئيسية التي اعتمدت عليها الدولة في فتوحاتها، فيقول "بروكلمان" المستشرق الألماني: "إن الإنكشارية كانوا قوام الجيش العثماني وعماده". ويضيف المؤرخ الإنجليزي "جرانت" بأن المشاة الإنكشارية كانوا أكثر أهمية من سلاح الفرسان، وكان مصير أو مستقبل الدولة العثمانية يعتمد إلى حد كبير على الإنكشارية. طغيان الإنكشارية غير أن هذه الأهمية الكبيرة لفرقة الإنكشارية تحولت إلى مركز قوة نغص حياة الدولة العثمانية، وعرضها لكثير من الفتن والقلاقل، وبدلاً من أن ينصرف زعماء الإنكشارية إلى حياة الجندية التي طُبعوا عليها –راحوا يتدخلون في شؤون الدولة، ويزجون بأنفسهم في السياسة العليا للدولة وفيما لا يعنيهم من أمور الحكم والسلطان؛ فكانوا يطالبون بخلع السلطان القائم بحكمه ويولون غيره، ويأخذون العطايا عند تولي كل سلطان جديد، وصار هذا حقًا مكتسبًا لا يمكن لأي سلطان مهما أوتي من قوة أن يتجاهله، وإلا تعرض للمهانة على أيديهم. وقد بدأت ظاهرة تدخل الإنكشارية في سياسة الدولة منذ عهد مبكر في تاريخ الدولة، غير أن هذا التدخل لم يكن له تأثير في عهد سلاطين الدولة العظام؛ لأن هيبتهم وقوتهم كانت تكبح جماح هؤلاء الإنكشاريين، حتى إذا بدأت الدولة في الضعف والانكماش بدأ نفوذ الإنكشاريين في الظهور، فكانوا يعزلون السلاطين ويقتلون بعضهم، مثلما فعلوا بالسلطان عثمان الثاني حيث عزلوه عن منصبه، وأقدموا على قتله سنة (1032هـ=1622م) دون وازع من دين أو ضمير، وفعلوا مثل ذلك مع السلطان إبراهيم الأول، فقاموا بخنقه سنة (1058هـ=1648م)، محتجين بأنه يعاديهم ويتناولهم بالنقد والتجريح، وامتدت شرورهم إلى الصدور العظام بالقتل أو العزل. ولم يكن سلاطين الدولة في فترة ضعفها يملكون دفع هذه الشرور أو الوقوف في وجهها، فقام الإنكشاريون بقتل حسن باشا الصدر الأعظم على عهد السلطان مراد الرابع سنة (1042هـ=1632م)، وبلغ من استهتارهم واستهانتهم بالسلطان سليم الثاني أن طالبوه بقتل شيخ الإسلام والصدر الأعظم وقائد السلاح البحري، فلم يجرؤ على مخالفتهم، فسمح لهم بقتل اثنين منهم، واستثنى شيخ الإسلام من القتل؛ خوفًا من إثارة الرأي العام عليه. محاولة إصلاح الفيالق الإنكشارية لما ضعفت الدولة العثمانية وحلت بها الهزائم، وفقدت كثيرًا من الأراضي التابعة لها، لجأت إلى إدخال النظم الحديثة في قواتها العسكرية حتى تساير جيوش الدول الأوروبية في التسليح والتدريب والنظام، وتسترجع ما كان لها من هيبة وقوة في أوروبا، وتسترد مكانتها التي بنتها على قوتها العسكرية. لكن الإنكشارية عارضت إدخال النظام الجديد في فيالقهم، وفشلت محاولات السلاطين العثمانيين في إقناعهم بضرورة التطوير والتحديث، ولم تنجح محاولات الدولة في إغرائهم للانضمام إلى الفرق العسكرية الجديدة، وقبول المعاش الذي تقرره الدولة لمن يرفض هذا النظام. ولم يكتف الإنكشاريون بمعارضة النظام الجديد، بل لجئوا إلى إعلان العصيان والقيام بالتمرد في وجوه السلاطين والصدور العظام، ونجحوا في إكراه عدد من السلاطين على إلغاء هذا النظام الجديد. محمود الثاني يلغي الفيالق الإنكشارية بعد تولي السلطان محمود الثاني سلطنة الدولة العثمانية سنة (1223هـ=1808م) رأى تطوير الجيش العثماني وضرورة تحديثه بجميع فرقه وأسلحته بما فيها الفيالق العسكرية، فحاول بالسياسة واللين إقناع الإنكشارية بضرورة التطوير وإدخال النظم الحديثة في فرقهم، حتى تساير باقي فرق الجيش العثماني، لكنهم رفضوا عرضه وأصروا واستكبروا استكبارًا. وكان محمود الثاني ذا عزيمة شديدة، ودهاء عظيم، فحاول أن يلزم الإنكشارية بالنظام والانضباط العسكري، وملازمة ثكناتهم في أوقات السلم، وضرورة المواظبة على حضور التدريبات العسكرية، وتسليحهم بالأسلحة الحديثة، وعهد إلى صدره الأعظم مصطفى باشا البيرقدار بتنفيذ هذه الأوامر. غير أن هذه المحاولة لم تنجح وقاوموا رغبة السلطان وتحدوا أوامر الصدر الأعظم، وقاموا بحركة تمرد واسعة وثورة جامحة كان من نتيجتها أن فقد الصدر الأعظم حياته في حادث مأسوي. لم تنجح محاولة السلطان الأولى في فرض النظام الجديد على الإنكشارية، وصبر على عنادهم، وإن كانت فكرة الإصلاح لم تزل تراوده، وازداد اقتناعًا بها بعد أن رأى انتصارات محمد علي المتتابعة، وما أحدثته النظم الجديدة والتسليح الحديث والتدريب المنظم في جيشه، وطال صبر السلطان ثمانية عشر عامًا حتى عزم مرة أخرى على ضرورة إصلاح نظام الإنكشارية؛ فعقد اجتماعًا في (19 من شوال 1241هـ=27 من مايو 1826م) في دار شيخ الإسلام، حضره قادة أسلحة الجيش بما فيهم كبار ضباط فيالق الإنكشارية، ورجال الهيئة الدينية وكبار الموظفين، ونوقش في هذا الاجتماع ضرورة الأخذ بالنظم العسكرية الحديثة في الفيالق الإنكشارية، ووافق المجتمعون على ذلك، وتلي مشروع بإعادة تنظيم القوات الإنكشارية، وأصدر شيخ الإسلام فتوى بوجوب تنفيذ التعديلات الجديدة، ومعاقبة كل شخص تسول له نفسه الاعتراض عليها. نهاية فيالق الإنكشارية الإنكشاريون في أواخر أيامهم غير أن الإنكشارية لم يلتزموا بما وافق عليه الحاضرون في هذا الاجتماع؛ فأعلنوا تمردهم وانطلقوا في شوارع إستانبول يشعلون النار في مبانيها، ويهاجمون المنازل ويحطمون المحلات التجارية، وحين سمع السلطان بخبر هذا التمرد عزم على وأده بأي ثمن والقضاء على فيالق الإنكشارية، فاستدعى السلطان عدة فرق عسكرية من بينها سلاح المدفعية الذي كان قد أعيد تنظيمه وتدريبه، ودعا السلطان الشعب إلى قتال الإنكشارية. وفي صباح يوم (9 من ذي القعدة 1240هـ=15 من يونيو 1886م) خرجت قوات السلطان إلى ميدان الخيل بإستانبول وكانت تطل عليه ثكنات الإنكشارية، وتحتشد فيه الفيالق الإنكشارية المتمردة، ولم يمض وقت طويل حتى أحاط رجال المدفعية الميدان، وسلطوا مدافعهم على الإنكشارية من كل الجهات، فحصدتهم حصدًا، بعد أن عجزوا عن المقاومة، وسقط منهم ستة آلاف جندي إنكشاري. وفي اليوم الثاني من هذه المعركة التي سميت بـ"الواقعة الخيرية" أصدر السلطان محمود الثاني قرارًا بإلغاء الفيالق الإنكشارية إلغاءً تامًا، شمل تنظيماتهم العسكرية وأسماء فيالقهم وشاراتهم، وانتهى بذلك تاريخ هذه الفرقة التي كانت في بدء أمرها شوكة في حلوق أعداء الدولة العثمانية
|
#116
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يأتي العامل المعنوي للمقاتلين قادة وضباط وصف وجنود في مقدمة العوامل التي تقاس بها موازين القوى للدول المتصارعة. ويقصد بذلك الجانب عمق الإيمان بالله تعالى، وبعدالة القضية التي يُحارب من أجلها، والثقة بالقيادات والأسلحة، مع التفاني في التدريب على إتقان كلٍّ لدوره في المعركة للدرجة التي يصل فيها إلى قناعة تامة بأنه إما تحقيق النصر وتدمير وهزيمة العدو وإما الاستشهاد دون ذلك، من خلال إدراك ويقين أن الشهادة في الحرب هي الطريق إلى جنة الخلد فداءً للشرف والعرض والدولة والأمة. ويطلق العسكريون على هذا العامل "الكفاءة القتالية"، وتعني كفاءة استغلال ما يملكونه من قدرات تسليحية والتخطيط الإستراتيجي المتميز لاستخدامها، ثم إتقان التدريب على كافة المستويات "قادة وضباط وصف وجنود" وعلى مختلف أسلحة وإدارات وأفرع القوات المسلحة، مع المعرفة الدقيقة لنقاط القوة ونقاط الضعف في العدو، وتكليف القوات المسلحة بمهام قتالية في حدود قدراتهم وما يمتلكونه من أسلحة ومعدات قتالية؛ ليتحقق بذلك شعار هام رفعته قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر 1973م.. وهو "النصر أو الشهادة"، ويعني التفاني والتميز والإصرار على هزيمة العدو وتدمير أسلحته ومعداته واستعادة الأرض المغتصبة عام 1967م، وتحريرها والإصرار على تحقيق ذلك الهدف حتى لو أدى إلى نيل شرف الاستشهاد على طريق تحقيقه!! ولقد كان المستوى الرفيع للكفاءة القتالية للمقاتل المصري، والتخطيط الأمثل لإعداده وبنائه معنويًّا وقتاليًّا، كان الطريق إلى النصر في أكتوبر 1973م، حيث اعتبرت تطبيقًا أمينًا ودقيقًا لقول الحق سبحانه وتعالى: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ..[ صدق الله العظيم فكانت المفاجأة الإستراتيجية التي تحققت بالاستخدام الأمثل لقوات مسلحة تمتلك أسلحة دفاعية وتفتقر لعناصر التفوق الرئيسية في العمليات الهجومية؛ سواء في القوات الجوية أو الأسلحة المدرعة أو عناصر الحرب الإلكترونية أو آلية القيادة والسيطرة. إلى جانب عبقرية المخطط والقائد والإنسان والمقاتل المصري الذي تغلب على كافة التحديات والمصاعب والعراقيل التي اعترضت طريق هجومه ببذل كل ما استطاع من جهد لتجاوزها والتغلب عليها، مع تكليف القوات المسلحة بمهمة في حدود ما هو متوفر لها من قدرات وإمكانيات.. فتحقق النصر.. وَعْد الحق سبحانه وتعالى. تابع في نفس المقال: العامل المعنوي في القوة المصرية العامل المعنوي في القوة الإسرائيلية أولاً: العامل المعنوي في القوة المصرية لإلقاء المزيد من الضوء على الدور المعنوي وانعكاساته على أداء القوات المسلحة المصرية، فإن الأمر يتطلب التعرف بعمق على موازين القوى لطرفي الصراع أثناء الحرب. ولتعدد العناصر التي تشملها قياسات موازين القوى الإستراتيجية.. فإننا سنكتفي بالتركيز على الجانب العسكري منها، وذلك بعرض لأبرز عنصرين هما: موقف تسلح وقدرات القوات المسلحة المصرية، والتحديات والعقبات التي واجهت المخطط الإستراتيجي المصري وكيف أمكنه التغلب عليها؟ 1 - موقف تسليح وقدرات القوات المسلحة المصرية: وفي مجال الحديث عن إعادة بناء القوات المصرية التي فقدت معظم أسلحتها ومعداتها في نكسة عام 1967م، يمكن القول إن مجال تنمية قدراتها وإعادة تسليحها قد تأثر بصراع العملاقين في ذلك الوقت، فالولايات المتحدة قد دعمت علاقاتها بإسرائيل، باعتبارها وسيلتها لإيقاف المد السوفييتي في الشرق الأوسط، وعلى ذلك فقد حافظت على ميزان القوى العسكري لصالح إسرائيل تأمينًا لمصالحها في المنطقة العربية، وخاصة بعد النجاح السياسي والعسكري الذي حققته القوات المسلحة الإسرائيلية في عملياتها عام 1967م، حيث ازدادت علاقة التعاون بينهما بشكل عام وفي مجال تنمية التسليح والصناعات الحربية الإسرائيلية بشكل خاص. وعلى الجانب الآخر تذبذبت علاقات التعاون بين مصر والاتحاد السوفييتي المصدر الوحيد للإمداد بالسلاح والمعدات والذخائر للقوات المصرية، بين التقارب والفتور، خاصة بعد تقييم السوفييت لأداء الجيش المصري الذي هُزم للمرة الثانية، بما يعني هزيمة السلاح السوفييتي في مواجهة السلاح الأمريكي. هذا ويحسب للاتحاد السوفييتي مبادرته لسرعة إمداد مصر بالأسلحة والمعدات، حيث وصل إلى مصر في 9 يونيو 1967م وفد عسكري سوفييتي على مستوى رفيع لسرعة تلبية مطالب مصر العاجلة من السلاح والمساعدة في استقبال المعدات والأسلحة السوفييتية في المواني البحرية والجوية وتوزيعها على وحدات القوات المسلحة المصرية، والتي بدأت عملية إعادة تجميعها وتنظيمها وإنشاء خط الدفاع الأول لها غرب قناة السويس، وتلاحق وصول أعداد كبيرة من الخبراء السوفييت في إطار اتفاق مع القيادة المصرية بتولي السوفييت إعادة تسليح القوات المصرية والاشتراك في تدريبها رفعًا لكفاءتها القتالية. وفي أول أغسطس 1967م بدأت القيادة العامة المصرية أولى خطوات إعادة تنظيم القوات المسلحة وفقًا لخطة طموحة يتحول فيها إلى جيش عصري حديث يمتلك أحدث الأسلحة والمعدات التي تمكنه من إدارة عملية هجومية إستراتيجية ضد إسرائيل، وقد اصطدمت الخطة الطموحة لتسليح القوات المسلحة المصرية بالسياسة السوفييتية التي ارتكزت على عدم توفير قدرات تسليحية هجومية للجيش المصري، والاكتفاء بإمداده بقدر محدود من التسليح الذي يوفر له الحد الأدنى للدفاع عن الأراضي المصرية، مع عدم السماح له بتوفير الكم والكيف اللازمين لتحقيق التوازن مع القوات المسلحة الإسرائيلية، وذلك حتى لا تفكر القيادة السياسية والعسكرية المصرية في التخطيط لإدارة عمليات هجومية ضد إسرائيل، وقد كانت تلك السياسة مثار خلاف دائم بين الرئيس "جمال عبد الناصر" من ناحية وبين القادة السوفييت من ناحية أخرى. وفي الثامن من مارس 1969م بدأت مصر حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، ومع استمرار الخسائر البشرية الإسرائيلية خلالها، وفي يناير 1970م وصلت هذه الحرب إلى نقطة تحول رئيسية، حيث قامت إسرائيل بتوسيع نطاقها بتنظيم سلسلة من الغارات الجوية ضد العمق المصري، وقام سلاحها الجوي في يناير وفبراير 1970م بعدة هجمات جوية ضد أهداف مدنية في حلوان وأبي زعبل، ثم كانت كارثة مدرسة بحر البقر الذي نتج عنها قتل وإصابة أكثر من خمسين تلميذًا، الأمر الذي أثبت أن إمدادات السلاح السوفييتية لمصر لم تحقق الحد الأدنى لتوفير الدفاع عنها. وتوالت المطالبة والإلحاح من الرئيس عبد الناصر للتخلي عن السياسة السوفييتية وتوفير أسلحة وقدرات دفاعية وهجومية للقوات المصرية، دون أية استجابة من السوفييت. واستمر الوضع كذلك حتى وفاة الرئيس عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م. وتولى الرئيس "محمد أنور السادات" حكم مصر، ومع استمرار الوعود السوفييتية باستكمال تسليح القوات المصرية مع المماطلة في تنفيذها، بدأت تتجه العلاقات السوفييتية - المصرية نحو التردي المتزايد، خاصة مع الرفض الصريح لإمداد مصر بأسلحة هجومية، الأمر الذي أدى إلى إصدار الرئيس السادات لقراره في 7 يوليو 1972م بإنهاء مهمة كافة المستشارين السوفييت في مصر. وهكذا ترك الاتحاد السوفييتي مصر، ولا يوجد لقواتها أي تفوق أو تعادل ليس فقط كمِّي بل أيضًا نوعي مع القوات الإسرائيلية، خاصة في أبرز عناصرها، والتي ينبني على أساسها التخطيط للعمليات الهجومية. فكيف أمكن اتخاذ قرار لاستخدام قوات مسلحة تفتقر كل عناصر التعادل أو التوازن التسليحي تكلف بمهمة هجومية ضد عدو لديه كل إمكانيات وقدرات التفوق الكمي والنوعي إضافة لامتلاكه رادعًا نوويًّا مع عمق تعاون الإستراتيجي مع أكبر قوة مسلحة في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية؟؟ ذلك هو الدور المعنوي الذي حقق التعادل والتوازن المفقود وانتهى بالنصر في حرب أكتوبر 1973!! 2 - التحديات والعقبات التي واجهت التخطيط المصري: لقد كانت التحديات كبيرة والعقبات التي تعترض طريق هجوم القوات المصرية عظيمة، إضافة إلى الخلل الحاد في ميزان القوى لصالح إسرائيل والذي نذكر منه: أولاً: التفوق التكنولوجي الذي لا يقارن في مجال التسليح بين مصر وإسرائيل. ثانيًا: التفوق الذي لا يقارن بين القوات الجوية في كل من مصر وإسرائيل للدرجة التي أعلنت فيها إسرائيل أنها تمتلك أقوى سلاح جوي في العالم. ثانيًا:وسائل الاستطلاع وعلى رأسها الأقمار الصناعية الأمريكية التي كانت ترصد أدق التفاصيل عن القوات المصرية في جبهة القتال والعمق المصري. رابعًا: امتلاك إسرائيل لجهاز مخابرات ينسق كل المعلومات مع جهاز المخابرات الأمريكية لتحليل كل صغيرة وكبيرة عن القوات المصرية. خامسًا:التأييد الدولي المطلق لإسرائيل و"حقها" في تأمين نفسها وحدودها حتى ولو بالاحتلال أراضي الآخرين. هذا إضافة إلى استغلال وتحويل قناة السويس إلى مانع مائي يستحيل عبوره، وإقامة ساتر ترابي موازٍ للضفة الشرقية وصل ارتفاعه إلى حوالي 15 متر، مع إقامة 43 نقطة حصينة شرق القناة فيما عُرف بخط بارليف الحصين وما خلفه!! من هنا تجلت عبقرية المخطط والإنسان المصري في التغلب على هذه التحديات والعقبات والعراقيل، حيث خُططت الضربة المركزة بكل الإمكانيات والقدرات المتاحة للقوات الجوية لتنفذ بقوة 227 طائرة مقاتلة لتدمير مطارات العدو في عمق سيناء ومواقع الصواريخ وعشرات من المدفعيات والرادارات ومراكز التوجيه والإنذار الإسرائيلية، إلى جانب تدمير محطات ومراكز الإعاقة والشوشرة الرئيسية والمناطق الإدارية في عمق سيناء. وقد تزامن مع تلك الضربة الجوية المركزة وأعقبها خطوة محكمة لاستخدام المدفعية المصرية لتنفيذ أقوى تمهيد نيراني وصل إلى عشرة آلاف وخمسمائة دانة مدفعية بمعدل 175 دانة كل ثانية؛ لتدمير مصادر النيران الإسرائيلية قبل بدء عبور القوات المصرية. وكانت مدافع المياه هي الوسيلة التي ابتكرتها العقول المصرية، واعتمدت على تجريف المياه بواسطة مضخات مياه قوية لإمكان فتح 85 ممرًّا في الساتر الترابي في الضفة الشرقية بما قدر حجم الأتربة المزاحة من كل ممر بحوالي 1500 متر مكعب. ثم كانت سلالم الحبال التي تحمل بواسطة أحد الأفراد ليتسلق بها الساتر الترابي، ثم يُعدَّها ليتسلق عليها زملاؤه… كانت تلك السلالم هي الوسيلة التي تمكنت بها مجموعات الاقتحام بأسلحتهم وذخائرهم من التغلب على أحد أعقد العراقيل التي واجهت المخطط المصري، ثم كان التخطيط لعبور مجموعات من الصاعقة المصرية إلى الضفة الشرقية قبل بدء الهجوم الرئيسي في مهمة استشهادية؛ لقفل مواسير النيران بالأسمنت لتفادي إشعال العدو لسطح القناة.. هذا إلى جانب بناء حائط الصواريخ المصري الذي حرم طائرات القتال الإسرائيلية من الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلو مترًا، مما هيَّأ عبورًا ناجحًا للقوات المصرية المهاجمة.. ثم كان دور القوات البحرية المصرية التي قفلت "باب المندب"؛ لتضيف بُعدًا جديدًا إلى عبقرية الإنسان المصري. هذا إضافة إلى المعجزة المصرية في إعداد وتجهيز مسرح العمليات للقوات المصرية في ظل التدخل الإيجابي العسكري الإسرائيلي المباشر بقواته الجوية ومدفعياته التي ركَّزها لمنع استكمال ذلك الإعداد، والتي يكفي القوال إن حجم الإعداد الهندسي فقط لأفرع القوات المسلحة المصرية وصل إلى ما يعادل أربعة أمثال حجم الهرم الأكبر. تلك بعض من كثير مما واجه المخطط المصري من مصاعب ومشاكل لاقتحام قناة السويس وتدمير خط "بارليف" والتي قدر المحللون العسكريون بأنها ستكلف القوات المصرية عند محاولة تجازوها حدًّا يصل إلى ما بين 75 إلى 100 ألف قتيل وجريح إضافة إلى تدمير حوالي 40 إلى 50% من حجم المعدات ووسائل القتال المصرية!! وعلى ذلك فإن الروح المعنوية العالية وإرادة القتال الصعبة وعزيمة الإنسان المصري إلى جانب التنسيق الناجح مع القوة المسلحة السورية، ومواجهة العدو الإسرائيلي – لأول مرة - في توقيت واحد بهجوم على جبهتين، إلى جانب تضامن عربي فعَّال، وفي إطار خطة خداع إستراتيجية اشتركت فيها كافة أجهزة الدولة في مصر.. تلك كانت المفاجأة الحقيقية لكل من رأى ولم يصدق، حيث كانت كافة الاستعدادات تُجرى في ظل رصد دقيق لكل تحرك عسكري على الجبهتين المصرية والسورية.. إضافة إلى تحديد هدف إستراتيجي مناسب مع القدرات والإمكانيات التسليحية والفنية والقتالية المتاحة للقوة المسلحة المصرية. تلك المفاجأة التي حققتها القوات المسلحة المصرية والتي أدت إلى أن وصلت خسائرها في عملية اقتحام قناة السويس وتدميرها لتحصينات خط بارليف وصلت إلى 64 شهيدًا ، 420 جريحًا فقط، مع إصابة 17 دبابة وتعطيل 26 عربة مدرعة، وإصابة 11 طائرة قتال". وعلى الجانب الآخر قدرت خسائر إسرائيل بنهاية العمليات بنحو "2838 قتيل" 2800 جريح، 508 أسير ومفقود، 840 دبابة، و400 عربة مدرعة، 109 طائرة قتال وهليوكوبتر وسفينة حربية واحدة". مما أجمع معه قادة جيوش العالم بأن القوة المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 1973م قد نجحت في "قهر المستحيل" بهزيمتها للجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر!! ثانيًا: العامل المعنوي في القوة الإسرائيلية قبل بداية العمليات بأيام قليلة كان يمكن مشاهدة القوات المصرية والتي لا يفصلها عن القوات الإسرائيلية سوى قناة السويس بعرض حتى 180 مترًا فقط. كان يمكن مشاهدة القوات المصرية وهي قائمة بإعداد زوارق العبور وتجهيز الفتاحات على الجسور وساحات العبور على امتداد قناة السويس. قوات مسلحة بكامل أسلحتها ومعداتها على الجبهة المصرية وقوات مسلحة بكامل أسلحتها ومعداتها على الجبهة السورية، تتخذ أوضاعها لاستكمال خطة الفتح الإستراتيجي لبدء الحرب إلى جانب مظاهر أخرى كثيرة ومتعددة. إلا أن سلوك القوات الإسرائيلية في الساعات الأولى من الهجوم كان دليلاً عمليًّا على أنه أخذته المفاجأة التامة. وقد تضاربت أقوال العدو وأدلته وشهادات قادته بعد ذلك حول هذه النقطة تضاربًا شديدًا، ففي مرحلة ساد القول "بأنهم رأوا ولكنهم لم يفهموا"! وفي رأي آخر ساد القول "بأنهم رأوا وفهموا ولكنهم لم يصدقوا". وكأن ذلك يُصَدِّق قول الله تعالى:]وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون[ صدق الله العظيم. إن الحقيقية المؤكدة وراء ذلك التصور يرجع أيضًا إلى الدور المعنوي الذي تغلغل في عقول ووجدان ونفوس المقاتل الإسرائيلي سواء القادة أو الضباط وضباط الصف والجنود، وهو السبب الرئيسي وراء الهزيمة الساحقة في حرب أكتوبر 1973م رغم امتلاكهم كل عناصر التفوق في معادلة موازين القوى ليس فقط بينهم وبين القوة المسلحة لكل من مصر وسوريا، بل للقوات المسلحة العربية على إطلاقها.. ويمكن الحديث هنا عن عاملين رئيسين: أولهما: الثقة الزائدة في النفس التي وصلت إلى حد الغرور: فقد انتشرت وسادت وتأكدت مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، حيث قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ديسمبر عام 1969م: "لن تنال عمليات العبور المصرية – إن حدثت - من قبضة إسرائيل المحكمة على خط بارليف؛ لأن الاستحكامات الإسرائيلية على الخط أشد منعة وأكثر تنظيمًا.. ويمكن القول بأنه خط منيع يستحيل اختراقه، وإننا الأقوياء إلى حد نستطيع معه الاحتفاظ به إلى الأبد". وفي مناسبة أخرى قال: "إن خطوطنا المنيعة أصبحت الصخرة التي سوف تتحطم عليها عظام المصريين، وإذا حاولت مصر عبور القناة فسوف تتم إبادة ما بقي من قواتها". وقال رئيس الأركان دافيد إليعازر: "إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري". وفي 10 أغسطس 1973م تحدث ديّان في كلية الأركان وقال: "إن ميزان القوى في صفنا إلى حد كبير لدرجة أنه يقضي على تفكير العرب ودوافعهم لتجديد أعمال عدوانية فورية". ثانيهما: عدم الثقة في قدرة المقاتل العربي على التخطيط وإدارة عمليات ناجحة: ولعل أكثر ما يؤكد ذلك أنه في يومي 4،5 أكتوبر 1973م أي قبل بدء العمليات الهجومية بساعات محدودة عرف الإسرائيليون أن الأسر السوفييتية يتم ترحيلها جوًّا من القاهرة ودمشق إلى روسيا، ومنهم عدد من المستشارين المدنيين، إلا أنه بوصول تلك المعلومات إلى رئيس الأركان الإسرائيلي، طمأنه مدير المخابرات الإسرائيلية بأن ذلك لا يعني شيئًا غير عادي. ومع تزايد حجم التحركات للقوات المصرية، انتهت القيادة العسكرية الإسرائيلية - بالتعاون مع جهاز المخابرات الأمريكي - إلى تحليل لتلك المعلومات أفاد "أن توزيع القوات المصرية في الضفة الغربية للقناة يدل على أن المصريين يُعِدُّون أنفسهم لمهام دفاعية فقط"! وحتى صباح السادس من أكتوبر كانت هيئة الأركان الإسرائيلية ترى "أن ذلك اليوم سيمر دون أن يحدث شيء"!! الخلاصة: لقد أكدت حرب أكتوبر 1973م دور الجانب المعنوي وأهميته المطلقة في تحقيق النصر في المعارك الحربية، وأن إرادة القتال المرتكزة على هذا العامل يمكن أن تواجه وتنتصر على قوات متفوقة كمًّا وكيفًا.. ولعل دروس التاريخ تؤكد تلك الحقيقية؛ فقد استطاع المقاتل في فيتنام هزيمة أقوى قوة عسكرية في العالم، واستطاع المقاتل في اليابان أن يفرض على الولايات المتحدة استخدام القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي؛ لتحسم الحرب لصالحها بعد أن كان النصر مؤكدًا لصالح اليابان. ولعل ما تم في الجنوب اللبناني وما قامت به المقاومة اللبنانية مؤخرًا ما فرض الانسحاب الإسرائيلي المخزي من جنوب لبنان، كما أن دور المقاومة الفلسطينية وانتفاضتها كانت الدافع الرئيس لاعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية وسعيها لعقد اتفاق معها. وعلى ذكرى حرب أكتوبر 1973م فلنا أن نرصد عوامل القصور في استعداد القوات المسلحة الإسرائيلية بكل ما لديها من أسلحة تقليدية وفوق تقليدية ونووية والتي أدت إلى هزيمتها، إنما يرجع إلى العديد من العوامل لعل أهمها: أولاً: عدم التقدير السليم بكفاءة المخطط الإستراتيجي المصري والسوري على استخدام قوات مسلحة تعاني كل ذلك القصور، سواء في التسليح أو الكفاءة الفنية (كفاءة السلاح)، خاصة بعد قطع مصر لعلاقاتها مع الاتحاد السوفييتي المورد الرئيسي للسلاح والذخائر لها. ثانيًا: عدم الثقة في قدرة القوات المسلحة المصرية والسورية على تخطي المصاعب والعراقيل التي تعترض القوات المهاجمة من موانع طبيعية أو صناعية أو تحصينات ميدانية، أو وسائل إنذار وأجهزة نقل المعلومات سواء من عناصر إلكترونية أو أقمار صناعية. ثالثًا: عدم تصور إمكان تنسيق بين دولتين عربيتين لاستخدام قواتهما المسلحة في تخطيط مشترك ناجح للهجوم على إسرائيل من جبهتين في وقت واحد. رابعًا: عدم تصور إمكان تحقيق تضامن عربي فعَّال يمكن أن يحشد كل الطاقات العربية وراء القوات المسلحة المصرية والسورية سواء منها الاقتصادية والتي تمثلت في استخدام البترول كسلاح في المعركة، أو تقديم كل الدعم العسكري اللازم من معظم الدول العربية لصالح المعركة، وذلك باعتبار أن العقيدة الإسرائيلية كانت تراهن دائمًا على تفكيك وتجزئة الأمة العربية من ناحية، وعدم قدرة العرب على تجميع قدراتهم الحقيقية من ناحية أخرى. تلك كانت أهم العوامل التي استغلتها القيادة السياسية والعسكرية ببراعة تامة من خلال إعداد معنوي مخطط ومتقن ومدروس مهد الطريق لنصر أكتوبر العظيم
|
#117
|
||||
|
||||
معركة أنوال
تعد معركة أنوال من أهم المعارك التي شهدها العالم الحديث في القرن العشرين. وقد خاضها عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الإسباني معتمدا في ذلك على حرب شعبية كان لها صيت عالمي كبير. إذاً، ماهي أسباب ودواعي هذه الحرب الضروس؟ وما هي الخطة التي اتبعها عبد الكريم في هذه المعركة؟ وما هي نتائجها؟ هذه هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في مو ضوعنا هذا. خرج مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة1906 بوضع المغرب تحت الحماية الأجنبية. فاستهدفت اسبانيا شماله و جنوبه، بينما ركزت فرنسا على وسطه. أما طنجة فكانت منطقة دولية. لقد واجهت إسبانيا أثناء تغلغلها في منطقة الريف الشرقي مقاومة شرسة وحركة جهادية قادها محمدالشريف أمزيان من سنة 1906 إلى 1912. وكانت حملة الشريف الدفاعية منصبة على عرقلة تغلغل الأسبان في أزغنغان بعد مده للسكة الحديدية لاستغلا ل مناجم الحديد في أفرا و جبل إكسان. وقد كبد الشريف الأسبان خسائر مادية وبشرية، كما قضى على ثورة الجيلالي الزرهوني والذي يلقب في المغرب ببو حمارة أو الروكي. وبعد موت الشريف أمزيان في 15 ماي 1912 ستواصل أسرة عبد الكريم الخطابي النضال المستميت ضد التكالب الاستعماري: الأسباني والفرنسي. وستقف في وجه أطماع الحكام الأسبان والطبقة الأرستقراطية المناصرة لسياسة الحرب وأطماع الحزب الحاكم. ولما أحس محمد عبد الكريم الخطابي بأطماع إسبانيا في الريف الشرقي التي تتمثل في احتلال الحسيمة و الحصول على خيرات الريف واستغلال معادنها بعد استيلائها على الناظور و تطوان والاستعداد للانقضاض على ثورة الريسوني لاحتلال شفشاون، قرر سي محمد أن يؤسس إمارة جهادية؛ وذلك بتوحيد قبائل الريف مثل: كزناية و بني ورياغل و بني توزين وتمسمان... وأسس إمارته على أحكام شريعة الله وأنظمة الإدارة الحديثة، وأبعد الريفيين عن الفوضى و الثأر، وأجبرهم على الاحتكام إلى عدالة الشرع والقضاء الإسلاميين. هذا وقد أحدث عهد عبد الكريم قطيعة بين عهدين:
|
#118
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جنكيز خان أقام إمبراطورية بالإرهاب والعسف نجح جنكيز خان في إقامة إمبراطورية كبيرة ضمن أقاليم الصين الشمالية، واستولت على العاصمة بكين، ثم اصطدم بالدولة الخوارزمية التي كانت تجاوره بسبب سوء تصرف حاكمها "محمد خوارزم شاه". وانتهى الحال بأن سقطت الدولة وحواضرها المعروفة مثل: "بخارى"، "وسمرقند"، و"نيسابور" في يد المغول بعد أن قتلوا كل من فيها من الأحياء، ودمروا كل معالمها الحضارية، وتوفي جنكيز خان سنة (624هـ = 1223م) بعد أن سيطرت دولته على كل المنطقة الشرقية من العالم الإسلامي. الاستعداد لغزو الخلافة العباسية بعد سلسلة من الصراعات على تولي السلطة بين أمراء البيت الحاكم تولى "منكوقآن بن تولوي بن جنكيز خان" عرش المغول في (ذي الحجة 648هـ = إبريل 1250م). وبعد أن نجح في إقرار الأمن وإعادة الاستقرار في بلاده اتجه إلى غزو البلاد التي لم يتيسر فتحها من قبل، فأرسل أخاه الأوسط "قوبيلاي" على رأس حملة كبيرة للسيطرة على جنوب الصين ومنطقة جنوب شرق آسيا، وأرسل أخاه الأصغر هولاكو لغزو إيران وبقية بلاد العالم الإسلامي، وعهد إليه بالقضاء على طائفة الإسماعيلية وإخضاع الخلافة العباسية. خرج هولاكو على رأس جيش كبير يبلغ 120 ألف جندي من خيرة جنود المغول المدربين تدريبا عاليا في فنون القتال والنزال ومزودين بأسلحة الحرب وأدوات الحصار، وتحرك من "قراقورم" عاصمة المغول سنة (651هـ = 1253م) متجها نحو الغرب تسبقه سمعة جنوده في التوغل والاقتحام، وبأسهم الشديد في القتال، وفظائعهم في الحرب التي تزرع الهلع والخوف في النفوس، ووحشيتهم في إنزال الخراب والدمار في أي مكان يحلون به. القضاء على الإسماعيلية وعندما وصل هولاكو إلى الأراضي الإيرانية خرج أمراؤها لاستقباله وأمطروه بالهدايا الثمينة وأظهروا له الولاء والخضوع، ثم عبر هولاكو نهر جيحوم واتجه إلى قلاع طائفة الإسماعيلية، ودارت بينه وبينها معارك عديدة انتهت بهزيمة الطائفة ومقتل زعيمها "ركن الدين خورشاه". وكان لقضاء المغول على طائفة الإسماعيلية وقع حسن عَمَّ العالم الإسلامي على الرغم مما عاناه من وحشية المغول وتدميرهم؛ وذلك لأن الإسماعيلية كانت تبث الرعب والفزع في النفوس، وأشاعت المفاسد والمنكرات، وأذاعت الأفكار المنحرفة، وكان يخشى بأسها الملوك والسلاطين. رسائل متبادلة نجح هولاكو في تحقيق هدفه الأول بالقضاء على الطائفة الإسماعيلية وتدمير قلاعها وإبادة أهلها، وبدأ في الاستعداد لتحقيق هدفه الآخر بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فانتقل إلى مدينة "همدان" واتخذها مقرا لقيادته، وكان أول عمل قام به أن أرسل إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله رسالة في (رمضان 655 هـ = مارس 1257 م) يدعوه فيها إلى أن يهدم حصون بغداد وأسوارها ويردم خنادقها، وأن يأتي إليه بشخصه ويسلم المدينة له، وأوصاه بأن يستجيب حتى يحفظ مركزه ومكانته ويضمن حريته وكرامته، وإن أبى واستكبر فسيحل بأهله وبلاده الدمار والخراب، ولن يدع أحدا حيا في دولته. جاء رد الخليفة العباسي على كتاب هولاكو شديدا ودعاه إلى الإقلاع عن غروره والعودة إلى بلاده، ثم أرسل هولاكو رسالة ثانية إلى الخليفة ذكر له فيها أنه سوف يبقيه في منصبه بعد أن يقر بالتبعية للدولة المغولية، ويقدم الجزية له؛ فاعتذر الخليفة العباسي بأن ذلك لا يجوز شرعا، وأنه على استعداد لدفع الأموال التي يطلبها هولاكو مقابل أن يعود من حيث أتى. كان رد هولاكو على رسالة الخليفة أشد إنذارا وأكثر وعيدا وفي لهجة عنيفة وبيان غاضب وكلمات حاسمة؛ فحل الفزع في قلب الخليفة؛ فجمع حاشيته وأركان دولته واستشارهم فيما يفعل؛ فأشار عليه وزيره "ابن العلقمي" أن يبذل الأموال والنفائس في استرضاء هولاكو وأن يعتذر له، وأن يذكر اسمه في الخطبة، وينقش اسمه على السكة، فمال الخليفة إلى قبول هذا الرأي في بداية الأمر غير أن مجاهد الدين أيبك المعروف بـ"الدويدار الصغير" رفض هذا الاقتراح، وحمل الخليفة العباسي على معارضته متهما ابن العلقمي بالخيانة والتواطؤ مع هولاكو؛ فعدل الخليفة عن رأيه السابق ومال إلى المقاومة. حصار بغداد هولاكو استباح كل الحرمات في بغداد يئس هولاكو من إقناع الخليفة العباسي بالتسليم؛ فشرع في الزحف نحو بغداد وضرب حولها حصارا شديدا، واشتبك الجيش العباسي الذي جهزه الخليفة العباسي بقيادة مجاهد الدين أيبك بالقوات المغولية فكانت الهزيمة من نصيبه، وقتل عدد كبير من جنوده لقلة خبرتهم بالحروب وعدم انضباطهم، وفر قائد الجيش مع من نجا بنفسه إلى بغداد. كان الجيش المغولي هائلا يبلغ حوالي 200 ألف مقاتل مزودين بآلات الحصار، ولم تكن عاصمة الخلافة العباسية تملك من القوات ما يمكنها من دفع الحصار ودفع المغول إلى الوراء، في الوقت الذي كان يظن فيه هولاكو أن ببغداد جيشا كبيرا، ثم تكشفت له الحقيقة حين اشتد الحصار، ونجحت قواته في اختراق سور بغداد من الجانب الشرقي، وأصبحت العاصمة تحت رحمتهم. سقوط بغداد أحس الخليفة بالخطر، وأن الأمر قد خرج من يديه؛ فسعى في التوصل إلى حل سلمي مع هولاكو، لكن جهوده باءت بالفشل؛ فاضطر إلى الخروج من بغداد وتسليم نفسه وعاصمة الخلافة إلى هولاكو دون قيد أو شرط، وذلك في يوم الأحد الموافق (4 من صفر 656 هـ= 10 فبراير 1258م) ومعه أهله وولده بعد أن وعده هولاكو بالأمان. كان برفقه الخليفة حين خرج 3 آلاف شخص من أعيان بغداد وعلمائها وكبار رجالها، فلما وصلوا إلى معسكر المغول أمر هولاكو بوضعهم في مكان خاص، وأخذ يلاطف الخليفة العباسي، وطلب منه أن ينادي في الناس بإلقاء أسلحتهم والخروج من المدينة لإحصائهم، فأرسل الخليفة رسولا من قبله ينادي في الناس بأن يلقوا سلاحهم ويخرجوا من الأسوار، وما إن فعلوا ذلك حتى انقض عليهم المغول وقتلوهم جميعا. ودخل الغزاة الهمج بغداد وفتكوا بأهلها دون تفرقة بين رجال ونساء وأطفال، ولم يسلم من الموت إلا قليل، ثم قاموا بتخريب المساجد ليحصلوا على ذهب قبابها، وهدموا القصور بعد أن سلبوا ما فيها من تحف ومشغولات قيمة، وأتلفوا عددا كبيرا من الكتب القيمة، وأهلكوا كثيرا من أهل العلم فيها، واستمر هذا الوضع نحو أربعين يوما، وكلما مشطوا منطقة أشعلوا فيها النيران، فكانت تلتهم كل ما يصادفها، وخربت أكثر الأبنية وجامع الخليفة، ومشهد الإمام موسى الكاظم، وغيرها من البنايات التي كانت آية من آيات الفن الإسلامي. وبالغ المؤرخون في عدد ضحايا الغزو المغولي حين دخلوا بغداد، فقدرهم بعض المؤرخين بمليون وثمانمائة ألف نسمة، على حين قدرهم آخرون بمليون نسمة، وفي اليوم التاسع من صفر دخل هولاكو بغداد مع حاشيته يصحبهم الخليفة العباسي، واستولى على ما في قصر الخلافة من أموال وكنوز، وكانت الجيوش المغولية أبقت على قصر الخلافة دون أن تمسه بسوء، ولم يكتف هولاكو بما فعله جنوده من جرائم وفظائع في العاصمة التليدة التي كانت قبلة الدنيا وزهرة المدائن ومدينه النور، وإنما ختم أعماله الهمجية بقتل الخليفة المستعصم بالله ومعه ولده الأكبر وخمسه من رجاله المخلصين الذين بقوا معه ولم يتركوه في هذه المحنة الشديدة. وبمقتل الخليفة العباسي في (14 من صفر 656 هـ = 20 من فبراير 1258م) تكون قد انتهت دولة الخلافة العباسية التي حكمت العالم الإسلامي خمسة قرون من العاصمة بغداد لتبدأ بعد قليل في القاهرة عندما أحيا الظاهر بيبرس الخلافة العباسية من جديد.
|
#119
|
||||
|
||||
معركة لهري جزء من حملة المغرب التاريخ 13 نوفمبر1914 المكان قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة النتيجة نصر ساحق للزيانيين الأطراف المتخاصمة الزيانيون الأمازيغ فرنسا القادة موحا أوحمو الزياني الكولونيل هنريس الحشود 2500 رجل أربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية الخسائر مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث ، فحصلوا على 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
معركة لهري الملحمية من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون الأمازيغ ضد المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم، والتحكم في رقابهم وحرياتهم التي عاشوا من أجلها. ولايمكن الحديث في الحقيقة عن المقاوم البطل موحا أوحمو الزياني إلا في ارتباط وثيق مع هذه المعركة التي سجلت معالم وجوده بدماء حمراء في صفحات التاريخ الحديث والمعاصر في القرن العشرين الميلادي. قرر المحتل الفرنسي إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير قصد تطويق المقاومة الأمازيغية ومحاصرتها برا وجوا وبحرا من أجل فرض الأمن واستتباب الطمأنينة في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب واستنزاف خيراته الاقتصادية. لكن احتلال المغرب ضمن أبعاد فرنسا الاستعمارية ونواياها المبيتة لن يكون في صالح الحكومة الحامية إلا بالاستيلاء على الأطلس المتوسط باعتباره ممرا إستراتيجيا يفصل الشمال عن الجنوب، ويفصل أيضا الغرب عن الشرق، ويهدد كذلك وجود فرنسا بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي الجنوبي ، ويهدد كل المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية. كما يكتسي الأطلس المتوسط أهمية جغرافية واقتصادية على المستوى المائي والفلاحي والغابوي؛ لكونه منبعا لكثير من الأنهار والمصبات بفضل كثرة الثلوج المتساقطة على المنطقة ، والتي تتحول إلى مجار وينابيع وعيون مائية تنساب في الكثير من الأنهار كنهر أم الربيع ونهر ملوية ووادي العبيد. وبالتالي، تساهم هذه الأنهار والأودية في إنشاء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفر الأطلس المتوسط على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكشوفاس عبر أم الربيعوخنيفرة. وقد دفع هذا الوضع الإستراتيجي الإقامة الفرنسية بالرباط إلى التفكير في احتلال الأطلس المتوسط لفتح الطرق والممرات البرية لتسهيل التواصل بين فاس ومراكش وتسخير خيرات الجبال لصالح فرنسا التي كانت تخوض حربا كونية ضد دول المحور التي كانت تتزعمها الإمبراطورية الألمانية بقيادة بسمارك. كما أن أغلب المقاومين الذين كانوا يحاربون فرنسا كانوا يحتمون بجبال الأطلس المتوسط ولاسيما المقاومين الزيانيين . وقد أثبت ليوطي المقيم العام بالمغرب في 2 ماي 1914م دوافع احتلال الأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:" إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ وعتاد وموارد، وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع". ونفهم من خلال هذا التصريح أن خوض المعركة ضد الزيانيين بجبال الأطلس المتوسط فرضته دوافع إستراتيجية تتمثل في محاصرة المقاومة الأمازيغية التي كانت تساعد القبائل المجاورة والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة المحتل الفرنسي الذي بذل مجهودات جبارة من أجل السيطرة عليها وتطويعها. سياق معركة لهري ومراحلها بعد معارك ضارية في منطقة تادلا إلى جانب رفيقه في المقاومة موحا أو سعيد، تراجع أوحمو الزياني إلى مدينة خنيفرة التي كان قائدا لها، فجمع الزيانيين ووحد القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط وتحالف مع القبائل الأطلسية المجاورة، فكون جيشا قويا مدربا على الرغم من نقص العتاد والأسلحة والمؤن التي تؤلهم للاستمرار في المعركة مدة طويلة. ولما فشل الفرنسيون في استمالة موحا أوحمو وإغرائه وتسويفه ، قررت القوات الغازية بقيادة الكولونيل هنريس Henrys أن تشن حرب الإبادة ضده وضد القبائل الأمازيغية وخاصة قبيلة زيان المعروفة بالشجاعة النادرة وقوة الشكيمة كما يعترف بذلك الجنرال گيوم :" لاتكمن قوة الزيانيين في كثرة عددهم بقدر ماتكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالاعتماد على ماكانوا يتحلون به من بسالة وتماسك وانتظام، وأيضا بفضل مهارة فرسانهم البالغ عددهم 2500 رجل، فكانوا بحق قوة ضاربة عركتها سنوات طويلة من الاقتتال. كما كانت أيضا سرعة الحركة والإقدام إلى جانب القدرة العفوية على المخاتلة في الحرب من الصفات المميزة لمقاتليهم..." ويتبين لنا من هذا الاعتراف الذي صرح به قائد القوات الأجنبية أن الزيانيين بقيادة موحا أوحمو كانوا من المقاومين الأشداء، ومن المناضلين المتمرسين على فنون الحرب والقتال، يمتازون بالقوة والشجاعة، والاستشهاد في سبيل الله والاعتماد على الإيمان في خوض حروبهم ضد المستعمرين المحتلين، و اختيار حرب العصابات وأسلوب الكر والفر والمقاومة الشعبية السريعة والخاطفة في مواجهة الأعداء المتغطرسين وسحقهم. وعلى أي، فقد دخل الفرنسيون بقيادة الكولونيل هنريس مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914م بجيش تجاوز تعداده ثلاثين ألف محارب ، فاضطر القائد موحا أو حمو الزياني إلى إخلائها والاحتماء بالجبال المجاورة للمدينة ، فبدأ يشن هجماته المرات والمرات على مدينة خنيفرة، ودخل مع المحتل في مناوشات واصطدامات كثيرة انتهت بخسائر جسيمة في صفوف الجيش الفرنسي. هذا، وقد تعسكر موحا أوحمو مع أتباعه في مخيم بمنطقة لهري استعدادا لكل هجوم مباغت وفرارا من مدينة خنيفرة التي سيطر عليها الكولونيل هنريس، وتقع قرية لهري على مسافة 15 كيلومترا من خنيفرة. ولما علم الكولونيل بوجود موحا أوحمو الزياني بمعسكر لهري مع أتباعه القليلي العدد، استغل ليلة شتاء 13 نوفمبر 1914م لمباغتة المقاومين داخل مخيمهم بعد أن أباد الأطفال والشيوخ والنساء بدون رحمة. وهكذا، بادر الجيش الفرنسي بقوات حاشدة لتطويق المقاومة بصفة نهائية، وهنا يقول محمد المعزوزي:" وقام بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر، حيث تحرك بأربع فرق تضم 1300 جندي، معززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر لهري حيث قام بهجوم مباغت على الدواوير ومكان المجاهدين". وكانت المعركة التي ظنها المستعمر الفرنسي سهلة المرامي، فإذا بها تصبح بفضل شجاعة المقاومين الأشداء حربا حامية الوطيس تلطخت بدماء القتلى وجثث الغزاة التي افترشت الثرى بعد الهجوم العسكري الفاشل:" لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا، وتم تطويق المعسكر من أربعة جهات في آن واحد، ليبدأ القصف شاملا، حيث قذفت الخيام المنتصبة التي تحتوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من لاڤيردور بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر – الجنود- الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار، واختطاف النساء توهما بالنصر. هذا في الوقت الذي كان فيه حشد آخر يقصد الجبل لتمشيطه من المقاومة، وبذلك تحولت منطقة لهري إلى جحيم من النيران، وسمعت أصوات الانفجارات في كل المناطق المجاورة، وظن قائد الحملة العسكرية على لهري أن النصر حليفه، وأنه وضع حدا لمقاومة الزياني. غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقوته في مجزرة رهيبة ودوامة لاسبيل للخروج منها." بيد أن المعركة ستحسب لصالح موحا أوحمو الزياني بعد أن تحالفت معه القبائل الأمازيغية المجاورة، والتي حضرت بسرعة خاطفة خاصة إشقرين وآيت بوحدو وآيت نوح وآيت بويشي وآيت شارط وآيت بومزوغ وآيت خويا وآيت إحند وآيت يحيى وآيت سخمان وآيت إسحق تسكارت وآيت بوحدو ولمرابطين وقبائل زيان. وقد حاصرت هذه القبائل جميعها الجنود الفرنسيين من كل النواحي ، وطوقتهم بشكل مباغت ومفاجئ ، فواجهتهم بكل الأسلحة الموجودة لديهم من بنادق وفؤوس وخناجر، وقد أبانت هذه القبائل عن محبتها للقائد موحا أوحمو وعن روح قتالية عالية ورغبة كبيرة في الانتقام من الغزاة الطامعين. وقد أظهرت الحرب هزيمة الفرنسيين بعد مقتل الكثير من الجنود والضباط ؛ مما جعل القواد يطلبون مزيدا من التعزيزات والوحدات الإضافية، لكن موحا أوحمو لم يترك لهم فرصة الانسحاب، فتتبع قواتهم الفارة، فحاصرها من كل النواحي إلى أن فتك بالكولونيل لاڤريدور عند نقطة بوزال؛ مما اضطر باقي جنوده إلى الإذعان والاستسلام لقائد قبائل زيان، بعد أن تمكن المقاوم الأمازيغي موحا أو حمو من القضاء على نصف القوات الغازية المعتدية. حققت معركة لهري التي قادها البطل المقاوم موحا أو حمو برفقة الزيانيين والقبائل الأمازيغية المتحالفة نتائج إيجابية على جميع الأصعدة، ولا سيما أنها كبدت المستعمر المحتل عدة خسائر في العتاد والأرواح البشرية، فكانت بمثابة فاجعة مأساوية بالنسبة للفرنسيين حتى قال الجنرال " گيوم " Guillaume أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه "البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1939/1912): "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة"• وقد بين محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" بأن معركة لهري أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصية عسكرية ذات الرتب العالية ناهيك عن أسر الكثير من الجنود، وفي هذا الصدد يقول :" ومن أكبر الوقائع في الحروب وقعة الهري التي استوصل (قتل) فيها رؤساء جنود الفرنسيين أكثر من 20 فيهم الكولونيلات والقبطانات (capitains ) والفسيانات (officiers )، وتفصيلها أن العسكر الفرنسي تقدم بقوة عظيمة وتوغل في تلك الجبال إلى أن وصل الهري المذكور، فانقض عليه عسكر زيان( بزعامة موحا أو حمو الزياني) ومن معهم وسدوا عليهم المسالك التي سلكوها وجعلوا يقتلونهم كيف يشاؤون ويأسرون إلى أن أفنوهم". وقد ترتبت عن هذه المعركة مقتل 33 قتيلا من الضباط و650 قتيل من الجنود و176 جريح، وغنم المقاومون المغاربة كثيرا من العتاد العسكري الحديث ، فحصلوا على 3 مدافع كبيرة و10 مدافع رشاشة وعدد كبير من البنادق وعشرات الخيول المحملة بالذخيرة الحربية والمؤن.
|
#120
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محمد علي باشا اجتاحت جيوش "إبراهيم باشا بن محمد علي" بلاد الشام عام (1247هـ=1831م)، وتساقطت مدنه واحدة تلو الأخرى دون مقاومة تُذكر، حتى مدينة عكا التي استعصت على نابليون بونابرت ولم يفلح في اقتحامها، نجح إبراهيم باشا في فتحها، وكان لسقوطها دوي عظيم، ونال فاتحها ما يستحقه من تقدير وإعجاب. ومضى الفاتح في طريقه حتى بلغ "قونيه"، وكان العثمانيون قد هجروها حين ترامت الأنباء بقدوم إبراهيم باشا وجنوده، ولم يبق بها سوى الجيش العثماني بقيادة رشيد باشا، وكان قائدًا ماهرًا يثق فيه السلطان العثماني ويطمئن إلى قدرته وكفاءته، ولم يكن هناك مفر من القتال، فدارت رحى الحرب بين الفريقين في (27 من جمادى الآخرة 1248هـ= 21 من نوفمبر 1832م) عند قونيه، ولقي العثمانيون هزيمة كبيرة، وأُسر القائد العثماني، وأصبح الطريق مفتوحًا إلى القسطنطينية. أسباب الحملة على الشام كان السبب المعلن لقيام محمد علي بحملته الظافرة على الشام هو اشتعال النزاع بينه وبين عبد الله باشا والي عكا، الذي رفض إمداد محمد علي بالأخشاب اللازمة لبناء أسطوله، وآوى عنده بعض المصريين الفارين من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب، ورفض إعادتهم إلى مصر، وكان الخليفة العثماني "محمود الثاني" يقف وراء النزاع، ويُعضِّد والي عكا في معارضته محمد علي، ولم تكن العلاقة بين الخليفة العثماني وواليه في مصر على ما يرام. غير أن الذي جعل محمد علي يقدم على هذه الخطوة هو أنه كان يرى أن سوريا جزء متمّم لمصر، ولا يتحقق الأمن بمصر ويأمن غائلة العدو إلا إذا كانت سوريا تحت سيطرته وسلطانه، وأن حدود مصر الطبيعية في جهة الشرق هي جبال طوروس، وليست صحراء العرب، ومن ثم كان يتحين الفرصة لتحقيق هدفه، حتى إذا ما لاحت انتهزها، وجرّد حملته إلى الشام. اتفاقية كوتاهية فزع السلطان محمود الثاني من الانتصارات التي حققها إبراهيم باشا فلجأ إلى الدول الأوروبية لمساعدته والوقوف إلى جانبه، لكنها لم تُجبه؛ لانشغالها بأحوالها الداخلية، ورأت في النزاع القائم مسألة داخلية يحلها السلطان وواليه، عند ذلك لجأ السلطان إلى روسيا –العدو اللدود للدولة العثمانية- لتسانده وتساعده، فاستجابت على الفور، ولم تتلكأ، ووجدت في محنة الدولة فرصة لزيادة نفوذها في منطقة المضايق، فأرسلت قوة بحرية رست في البسفور، وهو ما أقلق فرنسا وإنجلترا، وتوجستا من تدخل روسيا وانفرادها بالعمل، والتظاهر بحماية الدولة العثمانية، وكانت الدولتان تتمسكان بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية؛ خشية من روسيا التي لم تكن تُخفي أطماعها في جارتها المسلمة. تحركت الدولتان لفض النزاع وإعادة الأمن بين الخليفة وواليه الطموح، ولم يكن أمام السلطان العثماني سوى الرضوخ لشروط محمد علي في الصلح، فلا فائدة من حرب نتائجها غير مضمونة لصالحه، في الوقت الذي يسيطر فيه إبراهيم باشا على الشام، ويلقى ترحيبًا وتأييدًا من أهله. عُقد الصلح في كوتاهية في (18 من ذي القعدة 1249هـ= 8 من إبريل 1833م)، واتفق الطرفان على أن تتخلى الدولة العثمانية لمحمد علي عن سوريا وإقليم أدنة مع تثبيته على مصر وجزيرة كريت والحجاز، في مقابل جلاء الجيش المصري عن باقي بلاد الأناضول. اشتعال الثورة في الشام لم يكن صلح كوتاهية بين الطرفين سوى هدنة مسلحة قبلته الدولة العثمانية على مضض، وأُكرهت على قبوله؛ ولذا كانت تعد العدة لنقض الصلح وتنتظر الفرصة السانحة لاسترداد ما أخذه محمد علي منها قسرا وكرها دون رضى واتفاق، وإنما أملاه السيف وفرضته آلة الحرب. وسنحت الفرصة للسلطان العثماني في سنة (1250هـ=1834م) حين قامت الثورة في سوريا على إثر ما أدخله إبراهيم باشا من النظم الجديدة في إدارة شئون البلاد للنهوض بها ولم يكن للناس عهد بها، وزاد من ثورة الناس ضد الحكم المصري ما فرضه على الناس من ضرائب، وإجبار الناس على الالتحاق بالجيش ونزع السلاح من أيدي الأهالي. وعلى الرغم من أن سوريا شهدت نشاطًا في التجارة، وازدهارًا في الصناعة واستتبابًا في الأمن بفضل المشروعات التي أدخلها إبراهيم باشا في البلاد، فإن ذلك لم يكن كافيا لنَيل رضى الناس؛ إذ صاحبه استبداد وقهر. لم تكن أصابع السلطان العثماني بعيدة عن إشعال الثورة، وتأجيج الغضب في القلوب، فشبّت الفتنة في أماكن عديدة، وبذل إبراهيم باشا جهودًا خارقة في إخماد الفتنة وقمع الثورة، واستنفد ذلك أموالاً طائلة ونفوسًا كثيرة. الحملة الثانية على الشام فشلت المفاوضات بين الدولة العثمانية ومصر في تسوية النزاع بينهما بطريقة ودية، فأعلن محمد علي عن عزمه في قطع العلائق التي تربط مصر بدولة الخلافة العثمانية، وقد كان يعينه على ذلك تنامي قوته وازدياد نفوذه، وعجزت الدول الأوروبية أن تثنيه عن عزمه، ولم يكن يرضيها ظهور قوة إسلامية فتية، ربما يشاء لها القدر أن تبثّ الحياة في جسد الخلافة الواهن، فيهب من رقدته، ويسترد بعضا من عافيته، فيعيد إلى الأذهان جلال هيبته، وعظمة قوته. كان السلطان العثماني قد أعد العدة لاسترداد سوريا من محمد علي، فحشد قواته على الحدود، ولما أتم العثمانيون استعدادهم بدءوا في زحفهم، فعبروا نهر الفرات وواصلوا زحفهم حتى اجتازت طلائعهم الحدود المرسومة السورية - التركية التي حددتها اتفاقية كوتاهية، فأرسل إبراهيم باشا إلى أبيه يخبره بالأمر، وفي الوقت نفسه لم ينتظر رد أبيه، بل تحرك بجيشه الذي كان يقيم بحلب؛ حيث أجلى العثمانيين عن مواقعهم، وفي أثناء ذلك جاء الرد من محمد علي إلى ابنه بألا يكتفي بصد هجوم العثمانيين وأن يعبر الحدود إذا اقتضى الأمر ذلك لسحق الجيش العثماني. معركة نزيب (نصيبين) اتجه إبراهيم باشا بجيشه الذي يبلغ أربعين ألف مقاتل إلى حيث يعسكر الجيش العثماني، ويحتل مواقعه الحصينة في بلدة نزيب التي تقع بالقرب من الحدود التركية - السورية، وكان الجيش العثماني يبلغ تعداده أربعين ألف مقاتل، وقد أُعِدّ إعدادًا حسنا، وعلى كفاءة عالية في فنون القتال. وفي (11 من ربيع الآخر 1255هـ = 24 من نوفمبر 1839م) التقى الفريقان عند قرية نزيب في معركة هائلة حسمها إبراهيم باشا لصالحه، وألحق بالعثمانيين هزيمة مدوية، وكان ثمن النصر باهظا؛ حيث سقط أربعة آلاف جندي مصري بين قتيل وجريح. وقبل أن تصل أنباء هذه الكارثة إلى عاصمة الخلافة العثمانية كان السلطان محمود الثاني قد قضى نحبه في (17 من ربيع الآخر 1255هـ= 30 من يونيو 1839م)، وخلفه ابنه عبد الحميد، وكان شابا لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، تسلّم قيادة الدولة العثمانية في ظروف بالغة الصعوبة، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد علي؛ حقنًا لدماء المسلمين، ومنعًا للتدخل الأجنبي، وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح، ونقاط الخلاف بين الطرفين.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
:::عبدالرحمن::: |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |