05-02-06, 11:51 PM
|
|
المسجد الأقصى ( الجزء الرابع )
زخارف قبة الصخرة المشرفة
لقد استطاع الفنان المسلم أن يزين ويحلي قبة الصخرة المشرفة بعدة أنواع من الزخارف، نذكر أهمها: الزخارف الفسيفسائية، الزخارف الرخامية، الزخارف الخشبية، الزخارف القاشانية والخطوط كعنصر زخرفي إلى جانب وظائفه التوثيقية .
أما الزخارف الفسيفسائية والتي تعرف بالفسيفساء فهي عبارة عن قطع زجاجية ملونة ذهبية تميل في شكلها إلى المربعات الصغيرة، حيث اشتهرت كعنصر زخرفي في تجميل العمائر الهندسية في العصر البيزنطي والعصر الأموي.
ويعود تاريخ فسيفساء قبة الصخرة المشرفة إلى الفترة الأموية – فترة تأسيس وبناء قبة الصخرة. حيث استخدم الفنان المسلم الفسيفساء ليضفي جمالاً أخّاذاً وبريقاً لماعاً، بتغطيته المساحات الواسعة المرئية والتي لم يقم بتغطيتها بالفسيفساء لبدت للناظر جوفاء ومملة .
وقد وزع الفنان المسلم هذه المساحات في ست مجموعات :
الوجه الخارجي للتثمينة الداخلية .
الوجه الداخلي للتثمينة الداخلية .
بطنيات العقود الواقعة في التثمينة الداخلية .
رقبة القبة من الخارج .
رقبة القبة من الداخل .
المساحات الواقعة ما بين الشبابيك في القمس العلوي من رقبة القبة .
وقد اختار الفنان المسلم ثلاثة ألوان رئيسية ليستخدمها في نسج زخارفه الفسيفسائية هذه، حيث اشتملت الألوان على الأخضر والأزرق والمذهب (اللون الذهبي)، إضافة إلى ألوان أخرى ثانوية .
وقد استطاع هذه الفنان أن يجسد روح العقيدة الإسلامية من خلال تصميماته للوحات الفسيفسائية هذه، فكان لزاماً عليه أن لا يجسد أي تصوير لإنسان أو حيوان وذلك تماشياً مع الإسلام الذي يحرم تجسيد الأشخاص والحيوانات، فاستعاض بذلك بعناصر زخرفية أهمها النباتات والأشجار والفواكه والأوراق النباتية مختلفة الأنواع والأشكال وورق الأكانشس والمجوهرات بجميع أنواعها والمزاهر (المزهريات) والأشكال الهندسية والخط، جاءت كلها لتكون مواضيع الرسالة التي أراد الفنان إبراقها للناظرين إليها والمتمعنين بها .
فأما النباتات فقد اشتملت على أشجار مختلفة الأنواع كالنخيل والزيتون والرمان والتين واللوز وثمار أخرى مختلفة ألوانه، وفواكه متنوعة وموضوعة في سلال أو صحون وكذلك عروق النباتات التي فاضت من المزاهر، تلك المزهريات (جمع مزهرية) التي زينت أجسامها بمختلف المجوهرات والحلي مثل العقود والأساور والتيجان والأقراط والأهلة والنجوم، المفصصة جميعها بالأحجار الكريمة والثمينة مثل اللؤلؤ (الذي نراه باللون الفضي البراق) وغيرها، حيث ظهرت هذه العناصر في وجهي التثمينة الداخلية من الداخل والخارج .
وكأن الفنان يريد أن يذكرنا بتصويراته هذه، الأشياء الموجودة في الجنة التي وعد الله بها المؤمنين والتي تم وصفها في القرآن الكريم وجاء فيها من أشجار وثمار مختلفة الألوان ومجوهرات ثمينة وقصور .. الخ .
كما أنه ركز على تصوير التاج بصورة مكررة، والذي صممه بشكليه البيزنطي الذي يظهر في الوجه الداخلي للتثمينة الداخلية، والساساني (الفارسي) المعروف بالتاج ذي الأجنحة والذي يظهر في القبة من الداخل. وكأن الفنان أراد هنا أن يذكر بنصر الإسلام (الدولة الإسلامية) على القوتين العظميين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت فرمز إليهما بتيجانيهما والتي تشير إلى السلطة والملكية .
أما العنصر الثالث الذي استخدمه الفنان المسلم في تصميم لوحاته الفسيفسائية، فهو الخط، حيث قام بعمل زنّارين بطول 240 م2، يقومان أعلى التثمينة الداخلية من الداخل والخارج، زينهما بكتابات بالخط الكوفي البسيط والمعمولة بالفسيفساء المذهبة على خلفية (أرضية) زرقاء .
إن أهمية استخدام هذا العنصر تكمن في قدمها، حيث تعتبر أقدم كتابة توثيقية لمعلم حضاري يعود تاريخه للفترة الأموية (72هجرية/ 691 ميلادية) من جهة، وأما من جهة أخرى فإن مضمون ما جاءت من آيات قرآنية فيها ليعكس أهمية الرسالة التي أراد الفنان المسلم أن يوصلها للناظرين في ذلك الوقت، حيث اختار نصوص آيات من القرآن الكريم الدالة على وحدانية الله سبحانه وتعالى والتي نجدها في سورة الإخلاص، وما تيسر من سورة مريم التي تذكر سيدنا عيسى عليه السلام، مبيناً مكانته في الإسلام كرد على ما جاء في النصرانية من معتقدات مثل الثالوث النصراني (الأب والابن والروح القدس) التي كانت شائعة في ذلك الوقت وحتى يومنا الحاضر، فقد كان هذا الصراع العقائدي في أوجه في الفترة الأموية حتى أن الأمويين اهتموا به وردوا عليه من خلال الآيات القرآنية التي تدل عليه، ومن خلال الركن الأول من أركان الإسلام ألا وهو الشهادتان، (لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله)، حيث إنهم كرروا هذا الركن في معظم أمورهم المادية، فهم أول من عربوا النقود الإسلامية (السكة) ضاربين على وجهي الدينار والفلس سورة الإخلاص، وعلى ظهريهما الشهادتين مركزين في ذلك على جوهر العقيدة الإسلامية، أما النصوص المادية للكتابات التي زينت التثمينة الداخلية من الداخل والخارج فهي:
ما كتب في الوجه الخارجي للتثمينة :
• (الضلع الشمالي للمثمن) : ((بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحداً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
• الضلع الشمالي الغربي : ((بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله إن الله وملائكته يصلون على النبي)) .
• الضلع الغربي المثمن : (( يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً – زخرفة وردية – بسم الله الرحمن الرحيم .. لا إله إلا الله وحده لله الحمد )) .
• الضلع الشمالي الغربي : ((لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً محمد رسول ا)) .
• الضلع الشمالي للمثمن: ((لله صلى الله عليه وملائكته ورسله والتسليم عليه ورحمت الله – زخرفة وردية – بسم الله الرحمن الرحيم لا إلا الله وحده لا شريك له)) .
• الضلع الشمالي الشرقي: ((له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقبل شفاعته يوم القيامة في أمته)) .
• الضلع الشرقي للمثمن : ((بسم الله الرحمن الرحيم إلا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم – زخرفة وردية – بنى هذه القبة عبدالله عبد)) .
• الضلع الجنوبي الشرقي : ((/الله الإمام المأمون أمير/ المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضي عنه آمين رب العالمين والحمد لله)) .
ما كتب في الوجه الداخلي للتثمينة :
• الضلع الجنوبي للمثمن: ((بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير محمد رسول الله)).
• الضلع الجنوبي الشرقي : ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً صلى الله عليه والسلام عليه ورحمة الله يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا)) .
• الضلع الشرقي للمثمن : ((تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم)) .
• الضلع الشمالي الشرقي: (( إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله)) .
• الضلع الشمالي للمثمن: ((ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً اللهم صلى على رسولك وعبدك عيسى ابن مريم)) .
• الضلع الشمالي الغربي: ((والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً)) .
• الضلع الغربي للمثمن: ((فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم أن)) .
• الضلع الشمالي الغربي: ((الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)) .
الزخارف الرخامية
لقد استخدم الفنان المسلم المادة الرخامية في زخرفة قبة الصخرة المشرفة بشكل ملفت للنظر، حيث استخدمها في الأعمدة وتيجانها وفي تكسية الواجهات الداخلية والخارجية للتثمينة الخارجية وكذلك في تكسية الدعامات الحجرية، ولكن ثمة عنصر آخر شكله من المادة الرخامية أيضاً وهو الأفاريز الرخامية (الإطارات) التي علت الدعامات الحجرية المكسية بالرخام، وكذلك الواجهات الداخلية للتثمينة الخارجية، حيث جاءت هذه الأفاريز الرخامية المحفورة والمزخرفة بزخارف نباتية وهندسية، متجانسة إلى حد كبير مع الزخارف الفسيفسائية من ناحية ألوانها وموضوعات زخرفتها. وقد عرف أسلوب عمل هذه الأفاريز الرخامية باسم (Champelve) ، حيث اشتهر في العصرين البيزنطي والأموي. وأن جميع هذه الأفاريز الرخامية الموجودة في قبة الصخرة المشرفة، لتعود إلى الفترة الأموية متزامنة مع تاريخ بنائها سنة 72هجرية/ 691 ميلادية .
ويجدر الإشارة أيضاً إلى الزخارف الخشبية التي جاءت أيضاً متجانسة في عناصرها وموضوعاتها مع الزخارف الفسيفسائية والرخامية في قبة الصخرة المشرفة .
الزخارف القاشانية :
القاشاني هو ذلك الأجر المزجج والملون والذي يعرف في بلادنا بالبلاط الصيني. وقد استخدم لأول مرة في عمارة قبة الصخرة المشرفة في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي قام باستبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية منذ العهد الأموي، بالبلاط القاشاني المزجج والملون وذلك في سنة 959هجرية/ 1552 ميلادية .
وقد عرف بالبلاط القاشاني نسبة إلى مدينة قاشان الواقعة في خراسان في بلاد فارس، حيث كان في بادئ الأمر يصنع في هذه المدينة وينقل بعد ذلك إلى البلاد المراد استخدامه فيها .
وإن القاشاني الذي استخدم في عمارة قبة الصخرة في عهد السلطان سليمان القانوني، كان قد صنع في قاشان ومن ثم نقل إلى القدس .
ولكن ما لبثت هذه الصناعة أن انتقلت في نهاية القرن السادس عشر إلى القدس وذلك عن طريق استقطاب صنّاع مهرة من بلاد فارس ليقوموا بتصنيع البلاط في القدس نفسها، فقد تعلمها الكثير من صنّاع أهل الشام وفلسطين فنقلوها إلى بلاد الشام بسرعة فائقة، حتى غدا هذا الفن منتشراً ومشهوراً في القرنين السابع والثامن عشر الميلادي في بلاد الشام .
وقد استطاع الفنان المسلم أن يجسد روح العقيدة الإسلامية أيضاً في هذا العصر الزخرفي وذلك باستخدامه مواضع مشابهة لتلك الموجودة في الزخارف الفسيفسائية بالداخل والتي تمثلت بالعناصر النباتية والهندسية والخط الإسلامي .
|