21-06-10, 05:29 AM
|
|
وفي مقالة معه وأحمد فوزي أخيرا بصحيفة الجريدة يقول
الفنان المبدع
د. فرغلي عبد الحفيظ:
أناضل لتحرير التشكيل من سطوة التكنولوجيا
القاهرة - أحمد فوزي
بأجواء مشبعة بالروحانيات يعبق عالم الفنان التشكيلي المصري د. فرغلي عبد الحفيظ في معرضه الجديد في قاعة الزمالك للفن «اسطنبول»، حيث يواصل الفنان تجربته الثرية في تأمّل المدن ورصد ملامحها بالألوان والفرشاة. «الجريدة» التقت عبد الحفيظ في حوار حول معرضه وعلاقته بالمكان.
أوجدت حالة فنية فريدة في العالم العربي من خلال اهتمامك بالمكان ورصد مظاهره.
المكان بالنسبة إليّ مهم جداً لأنه يحوي عناصر الحياة البشرية من تاريخ وجغرافيا وروحانيات، وتتعدد عناصره ومفرداته وشخصياته النابضة بالحياة. كذلك يحمل المكان قيماً ومعارف وعادات وتقاليد أثّرت في الإنسان وتأثرت به وبالمتغيرات المختلفة.
المكان هو نتيجة تفاعل البشر والمادة والعمارة والثقافة، ومن هنا تتمتع كل مدينة بمذاق خاص وطابع معيّن وحالة فنية فريدة، تتغير بتبدّل المكان. ومن هنا جاء اهتمامي برسم مجموعة معارض يتناول كل منها مدينة معينة أرصد من خلالها لوحات خاصة تظهر المتغيرات والوجوه والمشاعر كما انعكست على وجداني.
ماذا تمثّل لك المدن التي خصصت لها معارض خاصة؟
كل مدينة تناولتها في لوحاتي وأقمت لها معرضاً خاصاً تمثّل علاقة روحانية خاصة وعالماً متكاملاً منفصلاً، وكل معرض يتناول حالة خاصة، بما تحتويه من عمارة وأزياء وأماكن وانطباعات، ما يوفّر لي فرص التعامل مع عناصر ومقامات وأبعاد جديدة تشكّل عناصر المعرض ومفرداته ومكوناته.
كم استغرق الإعداد لمعرض «اسطنبول»؟
المعرض نتاج رحلة معرفية وبصرية بالمكان، فقد أقمت عامين في هذه المدينة، عكفت خلالهما على تسجيل انطباعاتي حول المكان مع الاهتمام بجوهر الإنسان فيه، وخلال هذين العامين جهزت لهذا المعرض وما يحويه من عناصر روحانية ومفردات بشرية ومعمارية ثم عدت إلى القاهرة.
هل صاحب رحلة تأمّل المكان إلمام معرفي به؟
بالتأكيد، فأي معرض عن المدن لا بد من أن تسبقه قراءة جادة ومفصّلة عن تاريخ المكان وجغرافيته، وفي معرض «اسطنبول» قرأت عن سلاطين بني عثمان والخلافة العثمانية حينما كانت اسطنبول هي مقر الخلافة، وعن مصطفى كمال أتاتورك والتغيير الذي أدخله على الحياة التركية، فالقراءة والاطلاع على الأحداث التاريخية والتأثير الجغرافي مسألة مهمة جداً لمعرفة الأماكن التي يحتك بها الفنان.
المكان هو الذي يفرض المعاملات الخاصة به والأسلوب الفني، مع التأكيد على أن الأسلوب الفني الخاص بالفنان في أي معرض يكون واحداً في أعماله كافة، لكن ما يتغير هو رسالة اللوحة، فلكل واحدة رسالة خاصة وبحسب الأخيرة يتحدد اللون والشكل وبقية العناصر، وتتحدد الرموز الإنسانية المرتبطة بمعانٍ اجتماعية وإنسانية وكونية.
هل ثمة مدن أخرى تنوي رصدها وتسجيلها في أعمالك المقبلة؟
طبعاً ثمة أماكن أخرى، لكني لم أحدّدها بعد، وأنا مستمر في حواري مع الأماكن والتاريخ، وما زلت أواصل التنقيب عن كنوز روحانية في أماكن ومدن وبلدان شيّدها بشر معاصرون وقدماء.
ماذا عن أبرز التفاصيل التي تتأثر بها فترصدها في لوحة تشكيلية؟
تحرّكني وتثير انفعالي مجموعة من الأمور تتبادل مواقعها من حيث الأهمية، أبرزها الطبيعة، وهي بالنسبة إلي لا تُختصر بالمنظر الطبيعي، بل بالحياة كلها، خصوصاً بمعانيها الإيجابية: المحبة، البطولة، التخطي، التجاوز، التواصل، الإقدام، التآلف، العزيمة، الشجن، الانطلاق والتفاؤل. هذه هي الحياة التي أعشقها وأتفاعل معها.
هل تكتسب خبرات جديدة مع كل معرض؟
طبعاً، أكتسب رصيداً تراثياً إنسانياً في كل معرض أتناول فيه مدينة معينة، حيث التقاليد والعادات والتاريخ والعمارة، وهي عوامل توفر أمام الفنان فرص الاكتشاف والدخول في أغوار مناطق جديدة، بالإضافة إلى إمكان التحاور والتعامل مع المكان والتوحّد مع مكوّناته الحضارية والتعرّف على أعماقه وجذوره، ما يفتح منابع إلهامية من نوع آخر...
ما هي رسالة الفن في الحياة؟
الفن ليس تزييناً للحياة بل رسالة للتقدم الإنساني، فهو يمثل منذ القدم قيمة حضارية ودليلاً للرقي والنهضة البشرية، إذ لا تجد حضارة مزدهرة إلا وكان الفن أحد عوامل نهضتها. يحتاج الفن اليوم إلى دفعة في اتجاه الروحانيات.
نلحظ اهتمامك بالروحانيات في إبداعك الفني، هل نعتبر ذلك رسالة من الفنان ضد التجارب المادية في الفن؟
رسالتي هي النضال في سبيل تخليص الفن التشكيلي من سيطرة التكنولوجيا، التي لا تشبع الروح ولا تثير تفاعلاً أو مشاعر لدى المتلقي، لذا لا بد من الاهتمام بالجانب الروحي وليس المادي. أؤكد أن ما طرأ على الفن التشكيلي خصوصاً والفنون الجميلة عموماً ضرب مبرح ضد الجماليات لأن التجارب المادية تعمل على إعاقة الالتقاء بالذات بسبب انسحابها إلى كل ما هو تكنولوجي أو رقمي.
نبذة
• أحد رواد الفن التشكيلي المصري. من مواليد مركز ديروط في محافظة أسيوط بصعيد مصر في عام 1941. اجتذبه عالم الفن التشكيلي منذ الصغر فالتحق بكلية التربية الفنية وفور تخرجه في عام 1962 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عيِّن معيداً بالكلية وسافر في بعثة دراسية بأكاديمية الفنون الجميلة بمدينة فلورنسا الإيطالية في عام 1964. عاد بعدها في عام 1968 ليواصل مسيرته العلمية والفنية في وطنه، فكان العميد في كلية التربية الفنية بين عامي 1989 و1994 وهو الآن أستاذ التصميم في الكلية نفسها.
• أقام على مدار نصف قرن معارض فنية عدة في مصر والدول العربية ومعظم الدول الأوروبية، ونال جوائز عدة من مصر ومختلف دول العالم.
• تتميز أعماله الأخيرة برصده المدن (القاهرة، فلورنسا، أسوان، الإسكندرية، البتراء، لندن) في تجربة جمالية وروحية فريدة مليئة بعبق التاريخ والروحانيات. ويأتي معرضه الأخير «اسطنبول» حلقة جديدة في سلسلة معارضه عن المدن وتأثره بها وتوحّده مع مكوناتها.
|