الصراحة القصة طويلة لكن الي يقرأها يحبها
انا عني حبيتها واجد
لازم تقراها
غليون العقيد
مات العقيد في ليلة ممطرة . في منزله الكبير الواسع استرخى بدنه الطويل كالزرافة ، كانت بزته العسكرية مليئة بالغبار . و كانت النجوم تستقر على كتفه . أوصى العقيد زوجته أن يدفن بملابسه العسكرية ، كانت الجثة تستقبل الزوار و الجنود الذين ترأسهم العقيد في حياته و المعجبين به من الجمهور .
و كانت وصية العقيد الثانية أن يوضع جسده في صندوق زجاجي كبير . و أن يستقر سيفه الفضي بجانبه . اختارت زوجة العقيد حديقة المنزل . و شاهد الجمهور من وراء السور وجه العقيد الصامت المهيب . و جاء الأطفال الفقراء مع أجدادهم للفرجة . لم تغضب زوجة العقيد ، بل فتحت الباب على مصراعيه . كانت وصية العقيد الثالثة أن يراه الجمهور و هو مسحى و غليونه في فمه .
لماذا اختار العقيد أن يموت بهذه الصورة ؟ عجزت الزوجة عن الرد على أسئلة المعزين و الصحفيين . بعضهم قال : ليرهب الثوار في موته .. و بعضهم قال : العقيد بطبعه يكره القبور و الأماكن الضيقة .
كان العقيد يعيش كل حياته في الهواء الطلق . ينام في الهواء الطلق خلف الحديقة . كان له بستان خاص يقضي فيه أوقاته السرية . لا أحد يستطيع عد خليلات العقيد أو قتلاه فقد برع في الموت و النساء . و كان على قدر كاف من الوسامة و قوة الشخصية .
بعد أيام ذوى وجه العقيد و تحول إلى البياض و أصبح عجينة هالكة ، و خرجت رائحة نفاذة مخترقة الزجاج الجميل . لم تكن الرائحة القوية لتناسب جلال الجثة و النجوم و السيف و الصندوق الزجاجي . و بعد أيام سرح بعض الدود تحت رأسه . كان الجمهور يحضر في طوابير طويلة لمشاهدة العقيد ، و كانت زوجته تطلب التزام الهدوء . و لأن العقيد قد أوصى أن ينكسر الصندوق الزجاجي بنفسه بفعل الحرارة ، أو الزمن فقد وجدت زوجته نفسها في موقف حرج .. مع الرائحة النتنة ، كان الدود يسير أصفر على جدران الزجاج و يتثاءب . و بعد أسابيع صغر حجم الرأس . كان الدود يكبر و يتقيأ على الزجاج . ثم خرج بعض الذباب من الدود . كانت جثة العقيد تبدو في هيئة جديدة : سيقانه الطويلة . عظامه الممتدة . اللحم الذي علق بالأضلاع . بقع الدم الجاف و الرصاصات التي اخترقت جسده .
بعد أيام لم تعد
زوجته قادرة على النظر إلى الجثة . الوجه كان يتفحم . و الدود يغطي عينه و أهدابه و يحاول اختراق الزجاج و لحسه ثم يسقط تحت جثته .
عاش العقيد ما يربو على الخمسمائة عام . و تزوج أربعين ألف زوجة و شرب نصف خمور الأرض . و أنجب شعبا بأكمله و كان يعتقد أن الجمهور من أبنائه و أحفاده .. و من حقهم أن يلقوا عليه النظرة الأخيرة .
كانت الطوابير تمضي صامتة و يبتهل الرجال و النساء الكبار إلى الله أن يعفو عن ذنوبه الكثيرة فقد تجاهل أبوته لشعبه و نسي ذريته و انغمس في حياته الخاصة و أفرط في الشراب و النساء و قتل الثوار .
كان العقيد لا يؤمن إلا بنفسه . و قد صاغ له حياة محكمة حيث كان يشاهد في سيارة سوداء مغلقة تغطيها ستائر سوداء مغلقة .
و كانت العصا المصقولة لا تفارق خصره .
و لفرط انشغاله كان ينام على جثث قتلاه .
في يوم مطير آخر اهتزت الأشجار في الحديقة ، و سقط الورق . كان الصندوق الزجاجي يستقبل المطر بهدوء . و كان وجه العقيد يختفي خلف المطر و الزجاج و يكاد يتلاشى . كان الصندوق في الصباح التالي صغير أبيض . و شاهد الجمهور الذي لم ينقطع عن زيارة العقيد ، عظامه الكبيرة و عليها التيجان و النجوم و الدود و الصديد ، و كان السيف يصدأ بفعل الرطوبة مع الأيام . فوجئت زوجة العقيد بأمر عسكري يطالبها بدفن عظامه و الاحتفاظ بسيفه و نجومه . و رفضت زوجته تنفيذ الأوامر . قالت السلطات العسكرية أن بقاء هيكل العقيد بهذه الطريقة قد أضاع هيبة الدولة .
و قد أجابت الزوجة السلطات في خطاب رسمي أن الجمهور الذي يأتي للزيارة يكبر ، و لا بد من احترام رغبات الموتى . جاءها الرد في الحال : لم يبق شيئ من الجثة .. لم يبق من العقيد شيئ .
أغضب هذا الخطاب زوجة العقيد و كتبت إلى السلطات العليا : أن هذه العظام قد حفظت نظام الدولة خمسة قرون . أما خطاب الرئاسة الأخير فقد جاء لينذر باجتثاث الصندوق الزجاجي و تحطيمه .
في اليوم الثاني جاءت جرارات السلطة ، و دباباتها ، و بعض فرقها المدفعية . و كانت مفاجأة أخرى للجميع هذه المرة فقد سرق الجمهور
هيكل العقيد ، و مثلوا به في الشوارع . و صنع الأطفال من عظامه و أسنانه ألعابا وهمية و ملأوا جمحمته بالتراب .
و أتكأ رجل عجوز في الشارع على عظام ساقه الطويلة . لكن أولاد الزنى الذين أنجبهم من خليلاته عبر قرون خرجوا مطالبين برميمه . بعد شهور رأت زوجة العقيد و هي تهبط الشارع نجومه في صندوق الزبالة تحت أقدام الشحاذين . و رأت غليونه الكبير في حديقة المنزل يستوطنه فأر صغير . و شاهدت بدلته العسكرية على شحاذ . ثم رأت سيفه بعد سنتين في عرض مسرحي لأولاد المدارس .
شرايكم حلوة؟؟؟؟
ارجو إبداء الرأي