05-06-14, 09:05 PM
|
|
في ربوع قرية "جاما" سهام ترتد من البطن!
سهام ترتد من البطن!
أشجار سامقة فوق التلال تطغى عليها خضرة, نضرة و....
الألوان الأخرى المبهجة, متناثرة هنا وهناك, حمرة وصفرة و...
إنها تسر الناظرين, أصوات الطيور الهادئة تطرب السامعين.
أما الروابي تتمايل عليها سنابل القمح الذهبية كلما هبت
عليها نسائم عليلة تهمس في أذنك كأنها قائلة:
أنت في ربوع جاما شمال الكرة الأرضية.
لا يعكر صفو هذا المكان إلا ضجيج ودخان ذالك
المصنع المقام على صفوح تلك التلال.
سكان القرية لا يحبونه لكنهم لا يستطيعون الاستغناء
عنه فبعض مصالحهم الحيوية مرتبطة به.
فهو بالنسبة لهم شر لا بد منه.
لا تفعل ما شئت, لا تفعل ما شئت,
هكذا يظل يردد السيد "روبرت" الجالس هناك ثم
يردف قائلا: لكن افعل ما يملي عليك ضميرك
الإنساني الحي.
إنه يكثر الصمت لكن لسان حاله كأنه
لا يفتأ تكرار تلك الكلمات.
كان رجل أعمال بمعنى الكلمة ناجح في عمله.
كونه من أسرة مرموقة قد ساعده في أن يقفز أمام
العصاميين من أقرانه ويصل إلى ما هو عليه اليوم.
عائلته خططت له مستقبله, حكومته هيئت له الوسائل,
قارته أوربا كانت له سندا حضاريا.
هيئته, لونه ولغته كان يذلل له الصعاب التي تتعب
وتعرقل مسير رجال أعمال ممن لا يتمتع بتلك
الصفات في عالم يقدس المظاهر.
أما بقية أنحاء العالم خاصة "المتخلف" منه كان يعني
بالنسبة له مكبا لنفايات مصنعه ومصانع قارته.
لكن القدر كان ينسج حوله خيوطا حريرية متينة.
فماذا كسبت يداه؟
يقال إن الجزاء من جنس العمل. فما هو الذنب أو
العمل هنا وما هو الجزاء؟
لا يفوت صاحب المصنع السيد روبرت فرصة
ليطمئن أهالي القرية قائلا:
أن مخلفات المصنع السامة...
جدا جدا جدا...(هتافات تعود سماعها في مثل هذه
الحالات من بعض شباب القرية)
لكنه يواصل حديثه قائلا: أن مخلفات المصنع السامة
(جدا.. على حد قولكم) ننقلها بوسائل آمنة إلى أماكن
بعيدة جدا من هنا وآمنة.
فلا تقلقوا أنها أي النفايات السامة سوف تسكن قارة
أخرى وإن كان سيكلفنا نقلها وتأمينها الكثير من الأموال.
لم يكن شيئا مستغربا أن تكثر أسفاره
كرجل أعمال فعمله يتطلب ذلك؟!
وفي إحدى سفراته العملية قابل امرأة
أعجبته فعرض عليها الزواج فورا.
ترددت ثم قبلت على استحياء بعد أن قال لها إن
وقته لا يسمح له بالانتظار طويلا.
فتمت الصفقة الرابحة أو هكذا بدت. أجرى اتصالاته
لإتمام إجراءات السفر اللازمة ثم اصطحبها معه إلى بلده.
مرت سنة والسعادة ترفرف فوق هذا البيت الجميل الذي
يبعد أميالا من المصنع.
حملت الزوجة التي كانت تبدوا بصحة جيدة وسعد
الجميع وأولهم من طال انتظاره لسماع كلمة "أبي".
وطال الانتظار أيضا لساعة الصفر حتى شق على
الأنفس لكن لم يتعدى حدوده في الواقع.
ساعة الصفر!
أنها جميله وزوجها ليس اقل جمالا, لا بد أن يرث
الطفل المنتظر شيئا منهما تقول إحدى النسوة.
الجمال أم المال؟ تتساءل أخرى ضاحكة
فتجيب ثالثة: كليهما!
فيدج المكان من ضحك النسوة مرة أخرى.
هكذا بدأن نساء القرية في التحدث
عن الضيف القادم إلى هذه الدنيا.
في المقابل هناك مشهد آخر
الأعصاب متوترة في ردهات المستشفى
فالزوجة تعاني المخاض وتعصف بها الآلام
ثم حانت ساعة الصفر لكن لم يسمع بكاء طفل بعد
الأب يجرى هنا وهناك ليطمئن على الأم ويتلهف ليرى
المولود الجميل.
ثم انطلق البكاء !
لكنه ليس كالبكاء الجميل المنتظر ولم يكن من المولود
بل من الوالد الذي طالما انتظر ليبكي من الفرح.
إلا انه يبكي اليوم من الاسى على مولوده!
هل ولد الجنين ميتا يتساءل بعض الحضور؟ كلا بل
ليته مات! يجيب صوت آخر.
ما هي القضية إذا؟!
صمت ووجوم يلف المكان.
أما الأم فهي في حالة يرثى لها من صدمة ما رأت.
انشغل الأطباء بمعرفة سبب هذا التشوه الذي أصاب المولود.
وبعد فحوصات متعمقة للأم تبيين إن جسم الأم يحتوى على
معادن ثقيلة ومواد كيماوية تتسبب في تشوه الأجنة!
من أين لها هذا؟.
أين تعرضت الأم لهذه المواد الخطيرة؟
هكذا بدت الأسئلة تطفوا على الألسنة.
لكن زوجها عرف ذلك وأعاد سريعا
في ذاكرته ما كان يقوله للناس:
إن مخلفات المصنع السامة...
جدا جدا جدا...(هتافات تعود سماعها في مثل هذه
الحالات من بعض شباب القرية)
لكنه يواصل قائلا: أن مخلفات المصنع السامة جدا ننقلها
بوسائل آمنة إلى أماكن بعيدة من هنا وآمنة.
نعم بعيدة جدا في عالم جعلته مواصلات العصر الحديث قرية.
إن المسافة بين المصنع في شمال الكرة الأرضية وبين
مكب نفاياته السامة في أقصي جنوب آسيا حيث كانت
زوجته فيليبا تسكن تلك المنطقة تعد بالآلاف من الأميال.
بالرغم من بعد المسافة ارتد السهم عابرا القارات والمحيطات
ليصيب من أطلقه وفي ماذا؟ في أعز شيء كان ينتظره.
أنفق السيد روبرت المال بلا حساب ليعالج ابنه المصاب
أهمل مصنعه فأغلقته السلطات خشية تسرب المواد السامة منه.
كسد اقتصاد قرية جاما فهجرها سكانها.
لم تمر عدة سنوات إلا وأعلن رجل الأعمال المرموق إفلاسه
فحجر على ممتلكاته وأصبح يقلب كفيه على ما انفق.
لم يتعود على هذا النمط من المعيشة الضنك, انفرط عقد أعصابه,
جن جنونه كما يقولون عنه الناس لكنه أصبح يردد كلام اعقل الحكماء:
لا تفعل ما شئت, لا تفعل ما شئت, بل افعل ما يملي عليك ضميرك
الإنساني الحي.
.......
راجي
________________________________
حقا فكما تدين تدان!
من المتوقع عندما تباع الأسلحة لمناطق الصراع
أن يأتيها منها المخدرات التي تحصد شبابها.
وعندما تصدر الدول الصناعية الغنية النفايات
السامة لدول فقيرة يتوقع أن تعود إليهم بعضا
من بضاعتهم مع الخضروات والفواكه والمنتجات
الزراعية الأخرى التي تستوردها من هناك,
أما أن يرتد السهم من بطن أم ليصيب صاحبه
في مقتل فإن هذا أبعد مما كان يتوقعه خيال
الراوي نفسه.
التوقيع
|
تيه "غـ زي" متعاظم
وهجير بلا وعد بالعودة
لكن هذا إن سَد حدودا
فهناك رب يأذن
بالسماح
سلام على الدنيا
إن عاش الضعيف فيها مُهانا
بلا وطن كطير بلا عُش
تتقاذفه النسور ودمه
مباح
مشارق الأرض ومغاربها
جيل الصبر سوف يرثها
عندما تندمل قريبا كل
الجراح
مهما طال الليل بحلكته
وضاعف الظالم قسوته
فميلاد الشروق يبدأ مع
الصباح
|
|