24-08-09, 10:34 PM
|
|
الفتوى الامريكانية والتي وقّع عليها القرضاوي حامي أصنام باميان وجاء فيها
الفتوى الامريكانية والتي وقّع عليها القرضاوي- حامي أصنام باميان-وجاء فيها استباحة دماء المسلمين:
( السؤال يعرض قضية شديدة التعقيد وموقفاً بالغ الحساسية يواجهه اخواننا العسكريون المسلمون في الجيش الاميركي، وفي غيره من الجيوش التي قد يوضعون فيها، في ظروف مشابهة.
والواجب على المسلمين كافة ان يكونوا يداً واحدة ضد الذين يروعون الآمنين ويستحلون دماء غير المقاتلين بغير سبب شرعي، لان الاسلام حرم الدماء والأموال حرمة قطعية الثبوت الى يوم القيامة، إذ قال تعالى: «من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ثم ان كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون» (المائدة 32)، فمن خالف النصوص الاسلامية الدالة على ذلك فهو عاص مستحق للعقوبة المناسبة لنوع معصيته وقدر ما يترتب عليها من فساد أو إفساد.
يجب على اخواننا العسكريين المسلمين في الجيش الاميركي ان يجعلوا موقفهم هذا ـ وأساسه الديني ـ معروفيْن لجميع زملائهم ورؤسائهم وأن يجهروا به ولا يكتموه لأن في ذلك إبلاغاً لجزء مهم من حقيقة التعاليم الاسلامية، طالما شوهت وسائل الاعلام صورته أو أظهرته على غير حقيقته.
ولو ان الاحداث الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة عُوملت بمقتضى نصوص الشريعة وقواعد الفقه الاسلامي لكان الذي ينطبق عليها هو حكم جريمة الحرابة الوارد في سورة «المائدة» (الآيتان 33 و34).
لذلك، فاننا نرى ضرورة البحث عن الفاعلين الحقيقيين لهذه الجرائم، وعن المشاركين فيها بالتحريض والتمويل والمساعدة، وتقديمهم لمحاكمة منصفة تنزل بهم العقاب المناسب الرادع لهم ولأمثالهم من المستهينين بحياة الابرياء وأموالهم والمروعين لأمنهم.
وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبل ممكنة، تحقيقاً لقوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» (المائدة 5).
ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين، مصدره ان القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وان الحديث النبوي الصحيح يقول: «اذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه» (رواه البخاري ومسلم).
والواقع ان الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلم أمر نفسه فيستطيع ان ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه، وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة.
يتبين من ذلك ان الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما انه مرفوع، وإما انه مغتفر بجانب الأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الاميركي، بل وفي الولايات المتحدة بوجه عام، اذا اصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم الذي يحملون جنسيته، ويتمتعون فيه بحقوق المواطنة، وعليهم ان يؤدوا واجباته.
وأما الحرج الذي يسببه، كون القتال لا تمييز فيه فان المسلم يجب عليه أن ينوي مساهمته في هذا القتال وأن يحق الحق ويبطل الباطل، وان عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول الى مرتكبيه لتقديمهم للعدالة، وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديه حرجاً شخصياً، لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والمقرر عند الفقهاء ان ما لا يستطيعه المسلم وغير ساقط عنه لا يكلف به، وإنما المسلم هنا جزء من كل لو خرج عليه لترتب على خروجه ضرر، له ولجماعة المسلمين في بلده، أكبر كثيراً من الضرر الذي يترتب على مشاركته في القتال.
والقواعد الشرعية المرعية تقرر أنه «اذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما»، فاذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهم ملايين عديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً، فان «الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام»، كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى.
واذا كان العسكريون المسلمون في الجيش الاميركي يستطيعون طلب الخدمة ـ مؤقتاً أثناء هذه المعارك الوشيكة ـ في الصفوف الخلفية للعمل في خدمات الاعاشة وما شابهها ـ كما ورد في السؤال ـ من دون ان يسبب لهم ذلك، ولا لغيرهم من المسلمين الاميركيين، حرجاً ولا ضرراً فانه لا بأس عليهم من هذا الطلب. أما اذا كان هذا الطلب يسبب ضرراً أو حرجاً يتمثل في الشك في ولائهم، أو تعريضهم لسوء ظن، أو لاتهام باطل، أو لايذائهم في مستقبلهم الوظيفي، او للتشكيك في وطنيتهم، وأشباه ذلك، فانه لا يجوز عندئذ هذا الطلب.
والخلاصة انه لا بأس ـ ان شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة ضد من «يُظَنُّ» انهم يمارسون الإرهاب أو يؤوون الممارسين له ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم، مع استصحاب النية الصحيحة على النحو الذي أوضحناه، دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم، ومنعاً للضرر الغالب على الظن وقوعه، وإعمالا للقواعد الشرعية التي تنص على ان الضرورات تبيح المحظورات، وتوجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، والله تعالى أعلم وأحكم ) اهـ
سألني كثير من الإخوة الذين قرؤوا الفتوى التي حررها الأخ الدكتور محمد سليم العوا، ووقَّعتُ عليها مع المستشار طارق البشري، والدكتور هيثم الخياط، والأخ فهمي هويدي، والخاصة بالمسلم الذي يعمل في القوات المسلحة الأمريكية، وهي فتوى خاصة به ولمن كان في مثل حاله. فلا ينبغي أن تُعمَّم، والواجب في الفتوى مراعاة: الزمان والمكان والعرف والحال؛ فليست مجرد تقرير مبدأ نظري، بل تنزيل الحكم الشرعي على واقعة معينة في ظروفها وإطارها وحجيتها؛ فلا تعدوها إلى غيرها، إلا ما كان مثلها في كل العوامل المؤثرة في الحكم.
وأحب أن أؤكد هنا بوضوح: أن الإسلام قد حرم على المسلم أن يواجه أخاه المسلم بالسلاح، واعتبر ذلك من أعمال الكفر، وأخلاق الجاهلية؛ فقال –صلى الله عليه وسلم-: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وقال: "لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصا على قاتل صاحبه"، وهذه كلها أحاديث صحيحة متفق عليها.
فهذا سر موافقتي على الفتوى التي جاءت من أمريكا، والتي لم يفهم أغوارها –للأسف- كثير من الإخوة الذين ينظرون إلى الأمور من السطوح لا من الأعماق. "إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوْكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" (هود: 88). والله أعلم.
الإسلام على الإنترنت -
|