اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين ..
«رونكيير» يصف بيت الشعر ومظاهر الضيافة عند أبناء البادية
سعود المطيري
رونكيير.. رحالة دانمركي بدأ رحلة مثيرة إلى الجزيرة العربية عام 1912م ودون رحلته في كتاب ترجمه الاستاذ منصور بن محمد الخريجي إلى العربية اسمه (عبر الجزيرة العربية على ظهر جمل) انطلقت رحلته الحقيقية من الكويت عندما رافق احدى قوافل التجارة المتجهة إلى بريدة مرورا بالزلفي واضطر إلى عقد اتفاق مع رجل من اهالي الزلفي اسمه عبدالعزيز العثمان يمده بموجبها بالجمال ويساهم في توفير الحماية وفي نفس الوقت (دليلة) إلى بريدة.
في يوم 24 فبراير انطلقت الرحلة التي لم تخل من بعض المنغصات بالنسبة لرونكيير أولاها عند اكتشافه ان اغلب أعضاء القافلة قد بدأوا سفرهم قبل ساعتين من الموعد والأخرى من الدليلة والمتعهد عبدالعزيز الذي حينما أخرجه من أسوار المدينة في مواجهة الصحراء استأذنه في العودة إلى الكويت حتى يحضر ملح الطعام على حد قوله ويودع عروسه الجديدة .. رفض رونكيير أمر العودة رفضا قاطعا لكن عبدالعزيز لم يلتفت إلى رفضه ومضى إلى الكويت على ان يعود اليهم في المساء. وعندما لم يعد في الوقت المحدد اعتبر احد أقاربه رهينة إلى حين عودته.
في اليوم الثاني وفيما لم يظهر عبدالعزيز في ميعاده المحدد ظهر لهم رجل متجهم اسمه فيصل قال انه مرسل من احدى القبائل التي بسطت سيطرتها على الأراضي بما فيها آبار المياه من الكويت إلى الزلفي وجاء يطلب اتاوة او ضريبة مرور عبارة عن ريال واحد عن كل جمل ودخلوا معه في جدال وخصام طويل بسبب ضخامة الضريبة وظل يلح عليهم أياما ويكرر خبط الأرض بعصاه من شدة الانفعال الذي كان يثير حفيظتهم إلى ان حصل على مطلبه بعد بضعة أيام عندما غادرهم يحمل دراهم الإتاوة وحلة جديدة عند هضبة الصمان في مكان يعرف بجو الثور والذي فرح بمغادرته رونكيير وقال كان رحيله راحة كبيرة لنا حيث تخلصنا من شكاواه المستمرة وطلبه الدائم للدخان.
لكنهم في مساء اليوم الثالث من الرحلة لحق بهم الغائب العاصي عبدالعزيز وهو يتخايل فوق راحلته بحلته الحربية وسيفه وبندقيته والخيوط المزركشة فوق راحلته وفي موقع يسمى صخرة الوريعة يتوقف الرحالة ليصف لنا بعض مظاهر الضيافة عند ابناء البادية وبيت الشعر النموذجي هناك فيقول:
رأينا عندما اقتربنا قطيعا من الاغنام السمينه ترعى كما رأينا بعض الحمير ولم نشاهد جمالا. كان بيت الشعر الاسود من الحجم الكبير إذ نصب على تسعة اعمدة وثلاثة اعمدة في العمق وقام في وسطه عمود ضخم طوله تسعة امتار انه بيت الشعر النموذجي في تلك المنطقة من شرق الجزيرة وفي الوسط من بيت الشعر قام حاجز من القماش المخطط قسم البيت إلى قسمين للرجال والحريم وتنصب بيوت الشعر في هذه المنطقة بحيث تكون أطرافها إلى الشرق والغرب وواجهاتها نحو الشمال.
قدم لنا صاحب البيت اللبن والتمر والزبدة وملأ لنا قربة لبن وفي اليوم التالي في موعد الرحيل وجه لنا نفس البدوي الدعوة مرة اخرى فقدموا لنا الرز والتمر والسمن واللبن كان جزء من الخيمة قد خصص لإيواء صغار الخراف والماعز وقد ربط حبل بين عمودين في ذلك الجزء لمنعها من الإفلات وغادرنا الخيمة بعد ان قدم لنا صاحبها أحسن ما لديه من الطعام وملأ لنا احدى قربنا باللبن الطازج.
توقف سير القافلة لإفلات جوادين جلبهما احد التجار وجاء بهما للتجارة من العراق وبدأ البحث عنهما واثناء توقف القافلة في محطتها الثالثة قرر رونكيير شراء ذبيحة لرجاله يقول:
قررت شراء شاة أوزعها على رجالي فأرسلت احدهم إلى خيمة ليست ببعيدة والذي عاد ومعه إعرابي يجر خلفه شاة سمينة والذي طلب عشرة ريالات ثمنا لها وانخفض الثمن بسرعة إلى خمسة الا إنني أصررت على دفع أربعة فقط وأود ان أقول إنها المرة الاولى التي أرى فيها رجلا من الشرق لم يغره رنين الدراهم ولمعانها فأصر البدوي على الرفض وعاد بشاته.
ثم يصف لنا رونكيير غارة خاطفة لفرسان على ظهور جيادهم والتي سبقها تحذير بعدم نصب الخيام او إيقاد النار حتى لا يراها الأعداء ليلاً :
نام الجميع ما عدا الحراس. عندما انطلقت فجأة صرخة أعقبها صياح كثير، هب الجميع يتراكضون هنا وهناك في فوضى واضحة وعلا الهرج والمرج من كل جانب واندفع واحد من الرجال ببندقيته دون ذخيرة وركض آخر بذخيرة دون بندقية وظهر لهم أخيرا انهم أمام قافلة لا تنوي بهم شرا
وفي وصف آخر لغارة أخرى يقول:
قبل غياب الشمس بنصف ساعة وصلت للمخيم أخبار مزعجة عن راكب مقبل نحونا ويقوم بحركات تهديدية عنيفة لقد رأينا بعض سكان الصحراء إلى الجنوب من خط سيرنا في (السوبان) وكانوا يسبقون إبلنا التي نتركها ترعى أمامنا وقيل أيضا ان بعض هذه الإبل قد اختفت. تراكض الجميع يحملون أسلحتهم وسرى الهرج والمرج مرة أخرى وانتهى أخيرا عن ثمانية رجال من أنشط أفراد القافلة وقد قفزوا على ظهور جيادهم العارية، وانطلقوا يلوحون ببنادقهم ذات اليمن وذات الشمال. كان عبدالعزيز الذي نجده دائما سباقا إلى الدخول في أي معركة محتملة واحداً من الثمانية.. خلع عباءته وغطاء رأسه وبقي في قميص داخلي فقط. كانت خصلات شعره التي جدلها إلى خمس جدائل تتطاير خلفه بإيقاع تناسقي مع ركض حصانه. كان سلاحه يتكون من بندقية وخنجر ومسدس.
هكذا تركت المتحمسين للحرب ينطلقون بينما جلست أتناول غداءً متأخرا وأنا على يقين ان نهاية الاستنفار ستنتهي على خير. كانت هناك امرأتان تمتان بصلة ما. إلى بعض الذين انطلقوا على خيولهم لم ينقطع بكاؤهما.
٭ المصدر كتاب عبر الجزيرة العربية على ظهر جمل تأليف باركلي رونكيير ترجمة الاستاذ منصور محمد الخريجي.