08-05-09, 11:51 PM
|
|
قافلة الشهداء النسائيه فى أرض قندهار
قافلة الشهداء النسائية على أرض قندهار الأبية
يرويها؛ سيف العدل
المسؤول العسكري بتنظيم القاعدة
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
في ليلة الأحد - ثالث ليالي الشهر المبارك، وبعد الساعة الواحدة ليلاً - استيقظت وأنا أشعر بالقلق، فأحسست أن هناك خطراً قريباً مني، فأيقظت الإخوة الذين معي - وهم الشيخ أبو محمد الأبيض وعبد الرحمن المصري وأبو أسامة الفلسطيني - وبات معنا ليلتها الأخ أبو حسين المصري وفاروق السوري، حيث كنا نعمل في أحد المواقع في النهار وننام في بيتي الخالي في الليل -
أيقظت الجميع وأعلمتهم بقلقي، وقلت لهم؛ الآن نتسحر، فالله أعلم ماذا يحدث، لكن إذا سمعتم صوت صاروخ فاعلموا أنه لن يقع علينا، والفارق بين زمن كل صاروخ والآخر - إذا لم يطلقا معاً - من خمس إلى سبع دقائق، نكون خلالها جمعنا أنفسنا وأغراضنا وخرجنا.
فجأة سمعنا صوت انفجار كبير بعيداً، فسألت الإخوة بالمخابرة، فعلمت أن البيت الثاني لـ "مؤسسة الوفاء الخيرية" تم رصده أيضاً وضربه بصاروخ "كروز" بسبب فتح الشباب الستلايت فيه، وأسفر القصف عن استشهاد الأخ عبد الواحد.
تعجب الشباب من قلقي... وأعددنا طعام السحور، وجلسنا نأكل، وقبل أن ننتهي منه سمعنا صوت صاروخ يمر من فوق رؤوسنا مباشرة وانفجر على مسافة مائة متر من البيت، وعلى الفور شرعنا بالخروج، خشية أن نكون نحن المستهدفين من القصف، ويتم التصحيح علينا، خرجنا من البيت وأثار الدخان في طرف الشارع والطائرات تحوم في السماء!
كان يوجد في المكان الذي وقع فيه الصاروخ بيتان، أحدهما لأسر العرب ولكنه فارغ، والآخر "بوسطة" للطلبة، فظننت أنهم قصدوا الطلبة.
وتابعنا الطائرة، فإذا هي تطلق الصاروخ الثاني بعد خمس دقائق، فاستترنا منه، فنزل الصاروخ في منتصف الطريق، فانتقلت بالإخوة على الأقدام إلى موقع قريب، وفي الطريق أخبرتني دورية للطلبة أن البيت كان فيه نساء عرب، وقد استشهد أخ وجرح آخر نقلوهما إلى المستشفى، أما النساء؛ فقد خرجن جميعاً وذهبن إلى القرى.
تحركت للمستشفى لأعرف التفاصيل من الأخ الجريح، وعندما وصلت طلبت رؤية الشهيد، فإذا هو الأخ عاصم اليمني - المدرب بالفاروق - وذهبت إلى الجريح فكان أبا عبد الرحمن الإبي - أخ قديم - وكانت إصابته غير قاتلة، لكنها ستترك إعاقة.
فسألته عن الأمر، فقال: (كنا نسكن بالقرب من بيت "مؤسسة الوفاء" عندما قصفت بكروز، وعندما انتهينا من رفع الشباب وإخراج عبد الواحد، تشاور الإخوة في البيت وخشوا أن يكون مراقباً أيضاً، فأخرجنا النساء وتحركنا بهن إلى البيت الذي بجواره، وبقى الأخ مروان - سائق السيارة البيك أب - يساعد في نقل الشباب الذين كانوا في بيت "مؤسسة الوفاء" إلى أماكن أخرى، ثم عاد في الليل وما أن دخل حتى سمعنا صوت الصاروخ يضرب سيارة مروان، وكان من الواضح أنهم رصدوا حركة السيارة وتابعوها.
فأخرجنا النساء بسرعة، وأرسلناهن إلى القرى، وكان معنا سيارتان وبقيت أنا وعاصم اليمني قريباً من البيت نحاول أن نرفع بعض الأغراض، وأثناء ذلك أطلقت الطائرة الصاروخ الثاني، كنت أرى الصاروخ يتحرك باتجاهنا فانبطحت ونزل الصاروخ قريباً من الأخ عاصم ولم أدر ما حدث بعدها).
فطمأنته على عاصم وعلى نفسه، وسألت الطبيب عن حالته، فرجح ذهابه إلى باكستان لإتمام العلاج، فأبلغت الإخوة أن يرتبوا ذلك في الصباح.
رجعت إلى الموقع الجديد - الذي تركت فيه الإخوة - وما أن دخلت حتى سمعنا أصوات اشتباك بعيد في طرف الغرب، وكان الاشتباك بالهليكوبتر والـ "سي 130" المجهزة بـ "شلكا".
استمر الاشتباك قريباً من نصف ساعة و "مركز صقر" يخبرني؛ أن الضرب في اتجاه قرية "بانجواى"، فخشيت على الأسر التي تحركت على الطريق، فصمتُّ أفكر، لكن صوت أبي علي السوري قطع عليّ الصمت وهو ينادي بعصبية: (يا عبد الأحد.. الكلاب رشّونا وقتلوا النساء)، فقلت له: (أين؟)، فقال: (على طريق "بانجواى")، فقلت له: (أنا في الطريق لكم).
سمع الإخوة كلهم الخبر، فتحركوا إلى هناك، وكان الفجر قد دخل، فصليت مسرعاً، وأخذت معي أبا عبد الرحمن المصري وتحركنا إلى القرية.
وعلى الطريق وجدنا المأساة، التي ولدت قصة وعظة من أعجب ما يكون عندما يقدر الله فلا راد لقضائه.
فعندما أحس بعض الإخوة في قرية "بانجواى" بكثافة الضرب في طرف المدينة، ورأى كثافة الطيران فوق قطاع "قندهار" وضواحيها، خشوا على أولادهم.
ففي أحد البيوت - وكان يضم ستة أسر من الإخوة العرب الذين تزوجوا جميعاً من المغرب العربي - قرر الرجال الخروج بالنساء في أربع سيارات، وينامون في الخلاء، في نفس هذا الوقت كان هناك سيارتان قادمتان بالنساء اللواتي قصف بيتهن قبل قليل، فرأوا سيارات المغاربة على مسافة مائة متر جانب الطريق واقفة، فالتقوا على الطريق وأدركهم بعد قليل الأخ سراقة اليمني ومعه الأخ حمزة السوري.
وقفت السيارات المتابعة من الطائرات وتكلم الإخوة قليلاً، ثم انطلقوا في اتجاه القرية، وما أن وصلت المسافة بين الفريقين قرابة 1.5 كم؛ حتى بدأت طائرات الهليكوبتر بالاشتباك معها، ووصلت الـ "سي 130" لتدخل في معركة مع النساء.
ضُربت السيارة الأولى - وكان فيها أبو على اليافعي وزوجته وأربع نساء وطفلان - كما ضربت السيارة الثانية - سراقة اليمني وحمزة السوري - أما السيارة الثالثة - والتي كان فيها أبو علي المالكي وأسرته - عندما رأي القصف على السيارتين؛ اندفع مسرعاً باتجاه الجبل، محاولاً الهروب من الطائرة، فأغلق نور السيارة وطار بها على الأرض الوعرة - كل السيارات كانت "كرولا ستيشن" - حتى اختفى عن الطائرات.
كانت إصابة الضربة الأولى؛ غير قاتلة، إلا أنها عطلت السيارات، فاندفعت النساء منها يجرين في الصحراء باتجاه الجبل ومعهم الرجال الثلاثة وطفل في الثالثة من عمره وأخته الرضيعة تحملها أمها، النساء كن يلبسن الخمار الأفغاني وكن واضحات، لكن الحقد الأعمى لقادة الطائرات الهليكوبتر المجرمين لم يفرق بين النساء والرجال والأطفال؛ فأطلق عليهم الصواريخ، ورشهم بالرشاشات حتى بعد أن سقطن على الأرض شهيدات، استمر المجرمون يضربون أجسادهن الطاهرة العفيفة حتى تمزقت قطعاً صغيرة، وتمزق جسد الرضيعة، وتشتت جسد الغلام، ولم يبق حتى أوجههن المتوضئة المنيرة، وأسلمن أرواحهن لربهن في ثاني قافلة من النساء الشهيدات، أما الرجال فكانت أجسامهم الطيبة سليمة.
وعلى الجانب الأخر قصفت السيارات التي بها المغاربة الذين عندما سمعوا الاشتباك؛ بادروا بالتحرك، فأصيب منهم عبد الوهاب المصري وأبو علي السوري، واستشهدت أول امرأة من المغرب العربي بعد أن أصاب بدنها الطاهر أكثر من عشرين طلقة.
تجمع العرب والعجم من كل مكان في موقع الجريمة؛ كان المنظر مهيباً، وكان العرب أكثر تجلداً من الأفغان، الذين انهاروا من هول ما رأوا، وبدأ الشباب يجمعون قطع الأشلاء، فهذه يد الطفل، وتلك فروة شعر، وهذه قطعة لحم، وهنا جلد لا ندري لمن.
أمرت الإخوة بالانصراف خشية عودة الطائرات، وأرسلت مجموعة للقرية لحفر القبور، ووكلت مجموعة بجمع الأشلاء، فجمعوا المتبقي من أجساد خمس نساء والطفلين في "جوال" واحد ورفعت أجساد الإخوة ودفناهم جميعاً في "بانجواى"، عدا الأخت المغربية فقد دفنت في مقابر قندهار التي بها الشيخ أبو حفص وإخوانه.
كانت حصيلة ليلة الأمس من الشهداء تضم من الرجال؛ أبا عاصم اليمني، أبا على اليافعي - الذي كان حارساً ساعة قصف بيت الشيخ أبي حفص ونجا من القصف ساعتها – سراقة اليمني، أبا حمزة السوري - الذي أخرجناه قبل يومين من تحت الردم مع أبي حفص –
أما النساء - وكلهن من اليمن إلا واحدة – فكن؛ زوجة أبي علي اليافعي، زوجة أبي أسامة الكيني، زوجة ريان التعزي، زوجة أبي أسامة التعزي وطفليه، وزوجة الزبير الضالعي - التي كانت تنتظر زوجها ليأخذها – وزوجة أبي البراء الحجازي - وهى من المغرب العربي –
تحركت إلى القرية لمراسم الدفن وفي صدري يتردد صدى قول الله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم... ملاقيكم... ملاقيكم}.
سبحان الله! لقد كان اللفظ دقيقاً ومنطبقاً على الحدث تماماً.
لقد تحرك الإخوة بالنساء من طرف قندهار إلى وسطها خشية عليهن من الموت، ثم تحركوا الثانية من وسطها إلى القرية لموعد مع الشهادة في بقعة محددة من الأرض، وفي زمن لا يزيد ولا ينقص.
التقيت بالإخوة ورزقني الله ببعض كلمات تحدثت بها معهم، مثبتاً إياهم، ومؤكداً أن هذا من فضل الله على عباده أن يطلع عليهم وينظر إليهم ويا لحظ من نظر الله إليهم، ليصطفي من الرجال والنساء والأطفال من يضمهم لقوافل الشهداء، وأكدت؛ أن نساءنا وأطفالنا هم أمانة عندنا لله، وعندما يطلب سبحانه أمانته فلا نملك إلا التسليم له والصبر على ما أراد، وذكرت الأخ أبا أسامة التعزي؛ أن طفليه يأخذان بيده إلى الجنة يوم القيامة إن شاء الله.
ثم انطلقت لرؤية أسرتي التي لم أرها منذ أن تحركت إلى كابل، محاولاً أن أفهم رد فعل الحدث على النساء، فقابلتني أهلي بابتسامة متهللة مستبشرة - والله على ما أقول شهيد – وقالت: (هل سمعت ما حدث؟ لقد استشهدت الأخت أم علي اليافعي مع زوجها في الحال، أسأل الله أن يرزقني وإياك والأولاد الشهادة معاً مثلهما).
ولا عجب أن يصدر هذا منها، فأخوها استشهد عام 1988، وأبوها شيخ المجاهدين الشيخ أبو وليد - أول من قدم إلى الجهاد من العرب عام 1979، وقائد عملية غلق مطاري خوست عام 1990 –
فسررت من مقابلتها، وسلمت على أولادي الخمسة، وتحركت إلى قندهار قريب الظهر.
عن مجلة صوت الجهاد
العدد الثاني، شهر شعبان / 1424 هـ
التوقيع
|
هي ميتة واحده فلتكن فى سبيل الله
|
|