🎈
كَانَ الحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ خَطِيباً مِصْقَعاً فَصِيحاً لا يُشَقُّ لَهُ غُبَارٌ، يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي كَلامِهِ كُلِّهِ، جِدِّهِ وَهَزْلِهِ، فَإِذَا اعْتَلَى المِنْبَرَ مَلأَ قُلُوبَ أَعْدَائِهِ وَخُصُومِهِ رُعْباً، وَمَلأَ قُلُوبَ أَنْصَارِهِ وَجُنْدِهِ إِعْجاباً وَتَقْدِيراً وَحَماسَةً، وَكَانَ ذَا رَأْيٍ حَسَنٍ فِي الشِّعْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَيُجَالِسُهُ وَيُسَامِرُهُ، وَفِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الحَجَّاجِ إِلاّ عَنْبَسَةُ جَاءَ الحَاجِبُ فَقَالَ : امْرَأَةٌ بِالبَابِ.
فَقَالَ لَهُ الحَجَّاجُ : أَدْخِلْهَا. فَدَخَلَتْ، فَلَمَّا رَآهَا الحَجَّاجُ طَأْطَأَ رَأْسَهُ حَتَّى أَنَّ ذَقْنَهُ كَادَ أَنْ يُصِيبَ الأَرْضَ، فَجَاءَتْ حَتَّى قَعَدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ قَدْ أَسَنَّتْ، حَسَنَةُ الخَلْقِ، وَمَعَهَا جَارِيَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَهَا الحَجَّاجُ عَنْ نَسَبِهَا فَانْتَسَبَتْ لَهُ؛ فَقَالَ لَهَا : مَا أَتَى بِكِ؟. فَقَالَتْ : إِخْلافُ النُّجُومِ، وَقِلَّةُ الغُيُومِ؛ وَكَلَبُ البَرْدِ، وَشِدَّةُ الجَهْدِ، وَكُنْتَ لَنَا بَعْدَ اللهِ الرِّفْدَ. فَقَالَ لَهَا: صِفِي لَنَا الفِجَاجَ. فَقَالَتْ: الفِجَاجُ مُغْبَرَّةٌ، وَالأَرْضُ مُقْشَعِرَّةٌ؛ وَالمَبْرَكُ مُعْتَلٌّ، وَذُو العِيَالِ مُخْتَلٌّ، وَالهَالِكُ لِلقُلِّ؛ وَالنَّاسُ مُسْنِتُونَ، رَحْمَةَ اللهِ يَرْجُونَ؛ وَأَصَابَتْنَا سِنُونَ مُجْحِفَةٌ مُبْلِطَةٌ، لَمْ تَدَعْ لَنَا هُبَعاً وَلا رُبَعاً؛ وَلا عَافِطَةً وَلا نَافِطَةً؛ أَذْهَبَتِ الأَمْوَالَ، وَمَزَّقَتِ الرِّجَالَ، وَأَهْلَكَتِ العِيَالَ. ثُمَّ قَالَتْ : إِنِّي قُلْتُ فِي الأَمِيرِ قَوْلاً. قَالَ : هَاتِي . فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ: أَحَجَّاجُ لا يَفْلُلْ سِلاحُكَ، إِنَّها المـ **** ـنَايا بِكَفِّ اللهِ حَيْثُ تَرَاهَا إِذَا وَرَدَ الحَجَّاجُ أَرْضاً مَرِيضَةً ****** تَتَبَّعَ أَقْصَى دَائِهَا فَشَفَاهَا شَفَاهَا مِنَ الدَّاءِ العُضَالِ الَّذِي بِهَا ** غُلامٌ إِذَا هَزَّ القَنَاةَ سَقَاهَا فَقَالَ : لا تَقُولِي غُلامٌ؛ وَلَكِنْ قُولِي: هُمَامٌ. أَعَادَتِ الشَّاعِرَةُ البَيْتَ وَعَدَّلَتْ فِيهِ مَا أَرَادَهُ الحَجَّاجُ، وَاسْتَأْنَفَتْ تَقُولُ : سَقَاهَا فَرَوَّاهَا بِشرْبِ سجالِهِ *** دِمَاءَ رِجَالٍ حَيْثُ مَالَ حَشَاهَا إِذَا سَمِعَ الحَجَّاجُ رِزَّ كَتِيبَةٍ ******* أَعَدَّ لَهَا قَبْلَ النُّزُولِ قِرَاهَا أَعَدَّ لَهَا مَسْمُومَةً فَارِسِيَّةً ****** بِأَيْدِي رِجَالٍ يَحْلُبُونَ صَرَاهَا فَمَا وَلَدَ الأَبْكَارُ وَالعُوْنُ مِثْلَهُ *** بِبَحْرٍ وَلا أَرْضٍ يَجِفُّ ثَرَاهَا فَلَمَّا قَالَتْ هَذَا البَيْتَ التَفَتَ الحَجَّاجُ إِلَى عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَقَالَ: - قَاتَلَهَا اللهُ، وَاللهِ مَا أَصَابَ صِفَتِي شَاعِرٌ مُذْ دَخَلْتُ العِرَاقَ غَيْرُهَا؛ وَاللهِ إِنِّي لأُعِدُّ لِلأَمْرِ عَسَى أَلاَّ يَكُونَ أَبَداً. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ : حَسْبُكِ. قَالَتْ : إِنِّي قَدْ قُلْتُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. قَالَ : حَسْبُكِ! وَيْحَكِ حَسْبُكِ. وَنَادَى الحَجَّاجُ : يَا غُلامُ! اذْهَبْ بِهَا إِلَى قَيِّمِ بَيْتِ المَالِ فَقُلْ لَهُ يَقْطَعْ لِسَانَهَا. فَذَهَبَ بِهَا الغُلامُ إِلَى خَازِنِ المَالِ،وَقَالَ لَهُ : يَقُولُ لَكَ الأَمِيرُ : اقْطَعْ لِسَانَهَا. فَطَلَبَ الرَّجُلُ حَجَّاماً لِيَقْطَعَ لِسَانَ الشَّاعِرَةِ، فَقَالَتْ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؛ أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَ؟! إِنَّما أَمَرَكَ أَنْ تَقْطَعَ لِسَانِي بِالصِّلَةِ، وَذَاكَ بِأَنْ تُعْطِيَنِي مالاً لا أُضْطَرُّ بَعْدَهُ إِلَى مَدْحِهِ ثَانِيَةً، لا أَنْ تَقْطَعَ لِسَانِي الَّذِي فِي فَمِي. فَعَادَ الغُلامُ إِلَى الحَجَّاجِ يَسْتَفْسِرُهُ عَنْ صِحَّةِ مَا قَالَتِ الشَّاعِرَةُ؛ فَاسْتَشَاطَ الحَجَّاجُ غَضَباً، وَهَمَّ بِقَطْعِ لِسَانِهِ؛ وَقَالَ: ارْدُدْهَا. فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَتْ : كَادَ - وَأَمَانَةِ اللهِ - يَقْطَعُ مِقْوَلِي. ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ : حَجَّاجُ ! أَنْتَ الَّذِي مَا فَوْقَهُ أَحَدُ ***** إلاَّ الخَلِيفَةُ وَ المسْتَغْفَرُ الصَّمَدُ حَجَّاجُ أَنْتَ شِهَابُ الحَرْبِ إِنْ لَقِحَتْ * وَأَنْتَ لِلنَّاسِ نُورٌ فِي الدُّجَى يَقِدُ ثُمَّ أَقْبَلَ الحَجَّاجُ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ؟. قَالُوا : لا وَاللهِ أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِلاَّ أَنَّا لَمْ نَرَ قَطُّ أَفْصَحَ لِسَاناً، وَلا أَحْسَنَ مُحَاوَرَةً، وَلا أَمْلَحَ وَجْهاً، وَلا أَرْصَنَ شِعْراً مِنْهَا. فَقَالَ : هَذِهِ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةُ، الَّتِي مَاتَ تَوْبَةُ بْنُ الحُمَيِّرِ الخَفَاجِيُّ مِنْ حُبِّهَا. ثُمَّ التَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ : أَنْشِدِينَا يَا لَيْلَى بَعْضَ مَا قَالَ فِيكِ تَوْبَةُ. قَالَتْ : نَعَمْ أَيُّهَا الأَمِيرُ، هُوَ الَّذِي يَقُولُ: وَهَلْ تَبْكِيَنْ لَيْلَى إِذَا مُتُّ قَبْلَهَا **** وَقَامَ عَلَى قَبْرِي النِّسَاءُ النَّوَائِحُ كَمَا لَوْ أَصَابَ المَوْتُ لَيْلَى بَكَيْتُهَا *** وَجَادَ لَهَا دَمْعٌ مِنَ العَيْنِ سَافِحُ وَأُغْبَطُ مِنْ لَيْلَى بِمَا لا أَنَالُهُ **** بَلَى كُلُّ مَا قَرَّتْ بِهِ العَيْنُ صَالِحُ وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ ******** عَلَيَّ وَدُونِي جَنْدَلٌ وَصَفَائِحُ لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أَوْ زَقَا ** إِلَيْهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَائِحُ فَقَالَ : زِيدِينَا مِنْ شِعْرِهِ يَا لَيْلَى. قَالَتْ : هُوَ الَّذِي يَقُولُ : حَمَامَةَ بَطْنِ الوَادِيَيْنِ تَرَنَّمِي******* سَقَاكِ مِنَ الغُرِّ الغَوَادِي مَطِيرُهَا أَبِينِي لَنَا لا زَالَ رِيشُكِ نَاعِماً * وَلا زِلْتِ فِى خَضْرَاءَ غَضٍّ نَضِيرُهَا وَكُنْتُ إِذَا مَا زُرْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ ***** فَقَدْ رَابَنِى مِنْهَا الغَدَاةَ سُفُورُهَا وَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا صُدُودٌ رَأَيْتُهُ **** وَ إِعْرَاضُهَا عَنْ حَاجَتِي وَ بُسُورُهَا وَ أُشْرِفُ بِالقُورِاليَفَاعِ لَعَلَّنِي ****** أَرَى نَارَ لَيْلَى أَوْ يَرَانِي بَصِيرُهَا يَقُولُ رِجَالٌ : لا يَضِيرُكَ نَأْيُهَا. **** بَلَى كُلُّ مَا شَفَّ النُّفُوسَ يَضِيرُهَا بَلَى قَدْ يَضِيرُ العَيْنَ أَنْ تُكْثِرَ البُكَا **** وَ يُمْنَعَ مِنْهَا نَوْمُهَا وَ سُرُورُهَا وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بَأَنِّيَ فَاجِرٌ ********* لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا فَقَالَ الحَجَّاجُ: يَا لَيْلَى ! مَا الَّذِي رَابَهُ مِنْ سُفُورِكِ؟. فَقَالَتْ: أَيُّهَا الأَمِيرُ، كَانَ يُلِمُّ بِي كَثِيراً، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ يَوْماً أَنِّي آتِيكِ؛ وَفَطِنَ الحَيُّ، فَأَرْصَدُوا لَهُ؛ فَلَمَّا أَتَانِي سَفَرْتُ عَنْ وَجْهِي؛ فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لِشَرٍّ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالرُّجُوعِ. فَقَالَ: للهِ دَرُّكِ! فَهَلْ رَأَيْتِ مِنْهُ شَيْئاً تَكْرَهِينَهُ؟. فَقَالَتْ : لا وَاللهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ أَنْ يُصْلِحَكَ، غَيْرَ أَنَّهُ مَرَّةً قَالَ قَوْلاً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ خَضَعَ لِبَعْضِ الأَمْرِ؛ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ: وَذِي حَاجَةٍ قُلْنَا لَهُ لا تَبُحْ بِهَا ****** فَلَيْسَ إِلَيْهَا مَا حَيِيتَ سَبِيلُ لَنَا صَاحِبٌ لا يَنْبَغِي أَنْ نَخُونَهُ *** وَأَنْتَ لأُخْرَى صَاحِبٌ وَخَليلُ فَلا وَاللهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ أَنْ يُصْلِحَكَ، مَا رَأَيْتُ مِنْهُ شَيْئاً حَتَّى فَرَّقَ المَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. قَالَتْ : ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ لَهُ، فَأَوْصَى ابْنَ عَمٍّ لَهُ: إِذَا أَتَيْتَ الحَاضِرَ مِنْ بَنِي عُبَادَةَ فَنَادِ بِأَعْلَى صَوْتِكَ: عَفَا اللهُ عَنْهَا هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** مِنَ الدَّهْرِ لا يَسْرِي إِلَيَّ خَيَالُهَا؟ فَلَمَّا سَمِعْتُ الصَّوْتَ خَرَجْتُ وَأَنَا أَقُولُ : وَعَنْهُ عَفَا رَبِّي وَأَحْسَنَ حَالَهُ *** فَعَزَّتْ عَلَيْنَا حَاجَةٌ لا يَنَالُهَا قَالَتْ : ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فَأَتَانَا نَعْيُهُ. فَقَالَ : أَنْشِدِينَا بَعْضَ مَرَاثِيكِ فِيهِ. فَأَنْشَدَتْ: لِتَبْكِ عَلَيْهِ مِنْ خَفَاجَةَ نِسْوَةٌ *** بِمَاءِ شُؤُونِ العَبْرَةِ المُتَحَدِّر قَالَ لَهَا : فَأَنْشِدِينَا. فَأَنْشَدَتْهُ: كَأَنَّ فَتَى الفِتْيَانِ تَوْبَةُ لَمْ يَنِخْ *** قَلائِصَ يَفْحَصْنَ الحَصَى بِالكَرَاكِرِ وَدَخَلَ مَجْلِسَ الحَجَّاجِ حِينَها مُحْصِنٌ الفَقْعَسِيُّ وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ الحَجَّاجِ، وَسَمِعَ آخِرَ مَا قَالَتْهُ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةُ، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنَ القَصِيدَةِ قَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَقُولُ هَذِهِ المَرْأَةُ الشِّعْرَ فِيهِ؟ فَوَ اللهِ إِنِّي لأَظُنُّهَا كَاذِبَةً. فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَتْ: أَيُّهَا الأَمِيرُ! إِنَّ هَذَا القَائِلَ لَوْ رَأَى تَوْبَةَ لَسَرَّهُ أَلاَّ تَكُونَ فِي دَارِهِ عَذْرَاءُ إِلاَّ هِيَ حَامِلٌ مِنْهُ. فَقَالَ الحَجَّاجُ : هَذَا وَأَبِيكَ الجَوَابُ، وَقَدْ كُنْتَ عَنْهُ غَنِيّاً. ثُمَّ قَالَ لَهَا : سَلِي يَا لَيْلَى تُعْطَيْ. قَالَتْ : أَعْطِ، فَمِثْلُكَ أَعْطَى فَأَحْسَنَ. قَالَ : لَكِ عِشْرُونَ. قَالَتْ : زِدْ، فَمِثْلُكَ زَادَ فَأَجْمَلَ. قَالَ : لَكِ أَرْبَعُونَ. قَالَتْ : زِدْ، فَمِثْلُكَ زَادَ فَأَكْمَلَ. قَالَ : لَكِ ثَمَانُونَ. قَالَتْ : زِدْ، فَمِثْلُكَ زَادَ فَتَمَّمَ. قَالَ : لَكِ مِائَةٌ، وَاعْلَمِي أَنَّهَا غَنَمٌ. قَالَتْ : مَعَاذَ اللهِ أَيُّهَا الأَمِيرُ! أَنْتَ أَجْوَدُ جُوداً، وَأَمْجَدُ مَجْداً، وَأَوْرَى زَنْداً، مِنْ أَنْ تَجْعَلَهَا غَنَماً. قَالَ : فَمَا هِيَ وَيْحَكِ يَا لَيْلَى؟. قَالَتْ : مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، بِرُعَاتِها. قَالَ : لَكِ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ. فَقَالَتْ : أَيُّهَا الأَمِيرُ! اجْعَلْهَا إِنَاثاً . فَأَمَرَ لَهَا بِهَا؛ ثُمَّ قَالَ : أَلَكِ حَاجَةٌ بَعْدَهَا؟. قَالَتْ : تَدْفَعُ إِلَيَّ النَّابِغَةَ الجَعْدِيَّ. قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ. وَقَدْ كَانَتْ تَهْجُوهُ وَيَهْجُوهَا؛ فَبَلَغَ النَّابِغةَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ هَارِباً عَائِذاً بِـ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ؛ فَاتَّبَعَتْهُ إِلَى الشَّامِ؛ فَهَرَبَ إِلَى قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ بِخُرَاسَانَ، فَاتَّبَعَتْهُ عَلَى البَرِيدِ بِكِتَابِ الحَجَّاجِ إِلَى قُتَيْبَةَ. ثُمَّ إِنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ تَوْبَةَ تَزَوَّجَتْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ زَوْجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَرَّ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِقَبْرِ تَوْبَةَ فِي قِمَّةِ أَكَمَةٍ بِـ (قُومِسَ) وَيُقَالُ: بِـ (حُلْوَانَ)، وَلَيْلَى مَعَهُ فِي هَوْدَجٍ عَلَى جَمَلٍ، فَقَالَ لَهَا زَوْجُها: -يَا لَيْلَى أَتَعْرِفِينَ لِمَنْ هَذَا القَبْرُ؟. فَقَالَتْ: لا. فَقَالَ : هَذَا قَبْرُ تَوْبَةَ، فَسَلِّمِي عَلَيْهِ. قَالَتْ : امْضِ لِشَأْنِكَ، فَمَا تُرِيدُ مِنْ تَوْبَةَ وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ ؟. قَالَ : أُرِيدُ تَكْذِيبَهُ. قَالَتْ : فِيمَ ؟ وَاللهِ مَا عَرَفْتُ لَهُ كِذْبَةً قَطُّ. قَالَ : أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ فِي بَعْضِ أَشْعَارِهِ: وَ لَوْ أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ****** عَلَيَّ وَ دُونِي جَنْدَلٌ وَ صَفَائِح لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أَوْ زَقَا ** إِلَيْهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَائِحُ فَوَاللهِ لا بَرِحْتُ أَوْ تُسَلِّمِي عَلَيْهِ . نَزَلَتْ لَيْلَى عَلَى رَغْبَةِ زَوْجِها وَقَالَتْ: -السَّلامُ عَلَيْكَ يَا تَوْبَةُ وَرَحْمَةُ اللهِ، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيمَا صِرْتَ إِلَيْهِ. وَسَادَ صَمْتٌ مَشُوبٌ بِقَلَقٍ وَاضِحٍ عَلَى لَيْلَى، وَابْتَسَمَ الزَّوْجُ شَامِتاً مُنْتَصِراً، حَوَّلَتْ لَيْلَى وَجْهَهَا نَحْوَ زَوْجِها، وَتَمْتَمَتْ مُسْتَخْزِيَةً مَغْلُوبَةً: - مَا بَالُهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيَّ كَمَا قَالَ؟ وَاللهِ مَا جَرَّبْتُ عَلَيْهِ الكَذِبَ حَيّاً، أَفَيَكْذِبُنِي مَيْتاً؟! ... إِنَّهُ مَا كَذَبَ قَبْلَ هَذَا. وَكَانَ إِلَى جَانِبِ القَبْرِ بُومَةٌ كَامِنَةٌ، فَلَمَّا رَأَتِ الهَوْدَجَ وَاضْطِرَابَهُ فَزِعَتْ وَطَارَتْ فِي وَجْهِ الجَمَلِ، فَنَفَرَ وَرَمَى بِـ لَيْلَى عَلَى رَأْسِهَا، وَدُقَّتْ عُنُقُها فَمَاتَتْ مِنْ وَقْتِهَا، وَدُفِنَتْ إِلَى جَانِبِهِ؛ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبَتَتْ عَلَى قَبْرِهِ شَجَرَةٌ, وَعَلَى قَبْرِهَا شَجَرَةٌ، فَلَمّا طَالَتَا ... الْتَفَّتَا. |
رد: 🎈
ليلى
عامله فيهم عمايل بجمالها وشعرها وقوة لسانها |
رد: 🎈
هذا الموضوع بكل تفاصيله الممتعه يشبه القصائد ...
شكراً ملاك |
الساعة الآن 09:25 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir