منتديات قصيمي نت - النهي عن السؤال والإشتغال بما يفيد

أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما نهيتكم عنه ، فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم . رواه البخاري ومسلم .

ولفظ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا " ، فقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ " .

أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن في الاشتغال بامتثال أمره واجتناب نهيه شغلاً عن المسائل فقال إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه ثم يشتغل بالتصديق بذلك وبذل وسعه في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما نهى عنه فتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك لا إلى غيره .
فأما إن كانت همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع فإن هذا يثبط عن الجد في متابعة الأمر .
وقد سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر الأسود فقال له رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ، فقال له الرجل " أرأيت إن غلبت عنه ، أرأيت إن زوحمت " فقال له ابن عمر : اجعل (أرأيت) في اليمن وقال له رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله . خرجه الترمذي
ومراد ابن عمر أن لا يكون لك هم إلا في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا حاجة إلا فرض العجز عن ذلك أو تعسره قبل وقوعه فإنه يفتر العزم على التصميم عن المتابعة .
وخشي النبي صلى الله عليه وسلم على قومه أن يفعلوا كما فعل بنو اسرائيل لما قيل لهم " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " فإنهم لو بادروا واقتصروا على ما يصدُق عليه اللفظ وبادروا الى ذبح أي بقرة كانت أجزأت عنهم لكن لما أكثروا من الأسئلة التي لا يتحصل من معرفتها أي إنتفاع شدد الله سبحانه وتعالى وضيق عليهم في الإجابة وحرج عليهم أن يذبحوا بقرة حتى يأتوا بالمواصفات التي ذكرها لهم وكانوا في غناً عن ذلك ثم ذمهم على ذلك .
قال تعالى " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ "
وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره، وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض، فقالوا ( أتتخذنا هُزواً ) فقال نبي الله : ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه، وهو الذي يستهزئ بالناس، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل، استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه، فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه، والرحمة لعباده.
( أنظر الى الأسئلة التي سألوها لموسى عليه السلام –أسئلة لا فائدة منها )
" قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ " )
كما أنه صلى الله عليه وسلم وجه السائل عندما سأله عن الساعة فقال متى الساعة ؟؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " وماذا أعددت لها ؟؟
أي أن معرفة الساعة لا يفيدك ولا ينفعك الذي يفيد وينفع هو ماذا قدمت لها ، هل أنت مستعدٌ لها ؟؟ هذا هو السؤال الأهم الذي ينبغي أن تشتغل وتهتم به .
كذلك اليهود الذين سألوا عن الروح فأنزل الله " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً " هذا الجواب فيه توبيخ للسائل وأن هذا السؤال لا يتحصل من معرفته نفع . وكأنه يقول لهم (عرفتم كل شيء في الدين و لم يبقى الا أن تعرفوا الروح عيب استحوا) .
وأشار ابن عباس رضي الله عنه في كلامه " ولكن انتظروا ، فإن نزل القرآن ، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه" ومعنى هذا أن جميع ما يحتاجه المسلمون في دينهم لابد أن يبينهُ الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ويبلغ ذلك رسوله عنه فلا حاجة بعد هذا لأحدٍ فى السؤال ، فالله سبحانه وتعالى أعلم بمصالح العباد وأعلم بكل ما ينفعهم ولو كان هذا الأمر يحتاج الى بيان وتوضيح لبينهُ الله ، قال الله " يبين الله لكم أن تضلوا "
واعلم أن كثرة وقوع الحوادث التي لا أصل لها في الكتاب و السنة إنما هو ناتج من ترك الإشتغال بامتثال أوامر الله ورسوله واجتناب نواهي الله ورسوله ، فلو ان من اراد ان يعمل عملاً سأل عما شرع الله في ذلك العمل فامتثله وعما نهى عنه فيه فاجتنبه وقعت الحوادث مقيدة بالكتاب والسنة ، وإنما يعمل العالم بما يراه ويستحسنه وهواه فتقع الحوادث مخالفة لما في الكتاب والسنة وربما عسُر ردها الى الأحكام المذكورة في الكتاب والسنة .
وفي الجملة فمن امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وانتهى عما نهى عنه وكان منشغلاً ومشتغلاً بذلك عن غيره حصل له النجاة في الدنيا والاخرة وكم خالف و اشتغل بخواطره وما يستحسنه وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في حال أهل الكتاب الذين هلكوا بسبب كثرة مسائلهم و اختلافُهُم على أنبيائهم وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسوله .
وقوله إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فيه أن النهي أشدّ من الأمر ، لأن النهي لم يرخص فسه ارتكاب شيء منه والأمر قُيد بحسب الإستطاعة .