المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل من التاريخ


hisham88
09-12-06, 09:36 AM
الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده
الحمد لله الذي من علينا بهداية الإسلام ، لنكون عباداً لله لا عبيداً لشهواتنا ، نحب بحبنا له ونغضب لانتهاك حرماته فلا يقودنا الغضب لتجاوز حدوده انتصاراً لأنفسنا ، مدركين في ذلك أن الله يعلم سرائرنا {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (1) موقنين أن رسالة الإسلام لم تكن في يوم من الأيام رسالة خاصة بل هي عامة تتسع دائرتها لتشمل الكون بأثره وأن من جاء بها هو الرحمة المهداة للإنسانية عليه أفضل الصلاة والسلام 0
لقد قص علينا قصص من سبقنا لتكون لنا عبرة وعظة نستنير بها ولتؤكد لنا أن نصر الله تعالى لاشك حاصل ننتظره ونسعى إليه ، قد نعيشه وقد يعيشه أحفادنا ، فهل عاش سعيد ألنورسي في تركيا ثمرة انتصاره
إن عدنا إلى عمق التاريخ نجد أنفسنا ننصر خليل الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم بتلبية ندائه وهو الذي وصل بحواره مع من عاند وأبى إلا التمسك بهواه ، إلى درجة لم تبق أمام النمرود حجة للرد {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ( 2)صدق الله العظيم هكذا هي حال الدعوة إلى الله هي دعوة دائمة الصيرورة يتحمل في الداعي تبعات السمو في نشر الحق يتلذذ فيها بكل أنواع البلاء إلى أي درجة وصل فيها ارتقاءً في ذل العبودية لله تعالى 0
دعوة لا ييأس أصحابها فإما نصر الله أو الوصول إليه ببلوغ طاعته ، مع اليقين التام بأن الله ناصر للحق لا محالة{000 وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} صدق الله العظيم وهو ما ضرب به النبي أروع الأمثلة في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي  هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على بن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا
لقد شاء الله أن نكون آخر الأمم الداعية للخير والدعاة للخير هم أصحاب الهمم العالية وهم أكثر الناس بلاء وابتلاءً لكنه الفوز برضوان الله وجنته ، والتاريخ يحدثا بل والتاريخ يؤكد لنا أن هذا الأمة كانت من أكثر الأمم محنا لدرجة قد يبعث للذهول والدهشة بالكيفية التي مكنتها من البقاء والاستمرار، ولعلنا نتساءل لماذا فعل الفرنجة ما فعلوا وكذلك التتر ومن لم قُتِّل المسلمون في المسلمون في الأندلس ، ولم يتكرر ذلك اليوم ، والسؤال الأكثر غرابة كيف كان أسلوب المسلمين عندما تحولوا إلى منتصرين ولنجد الإجابة على هذين السؤالين ، ننطلق من مبدأ بسيط في شكله عظيم في دلائله وهو أن المسلمين هم رسل رحمة وليسوا بربريون ولا همجيون،وليس في سلوكهم عقدة أو حبا للانتقام ، لكن الحرص على أسباب القوة والمنعمة أساسي في حياتهم لأن النصر ليس من شأن الضعفاء ،وهل بلغنا حالة الضعف والذل التي نعيشها الآن إلا في ابتعادنا عن ذلك المنهج حتى بتنا نستمطر نصر الله فنستبطأه فلا نناله 0
ولعلني من خلال ما يلي أن أنقل صوراً من التاريخ أعتبر رسائل تعبر عن حالة عاشتها الأمة فيها صور قد تدمع القلب وصواً أخرى ، إن كان فيها دلالة فهي تدل على أن النصر لا شك آت بل لابد أنه قريب ، ولكنني أسأل نفسي ومن تحمل معي عناء قراءة هذه السطور كيف سنقابل ربنا وهو سائلنا ، هل أدينا الأمة وهل بلغنا الرسالة ! أم أننا رضينا بواقعنا وهو واقع لا يرضي الله ورسوله 0
ولقد اختر من المحن أكثرها شمولية على مساحة الأمة ، بل ولربما أكثرها تدميرا ، حيث أراد أصحابها سحقها وإلغاء وجودها وأنا أعلم أن هناك محن لا تقل عنها خطورة أو إيلاماً قد عاشتها ، لكن الوحشية والحقد الذي تبدى من خلالها إضافة إلى أنها جديرة بالمقارنة بما يجري في أيامنا في أصقاع نعلمها من أرجاء الأمة في وقتنا الحاضر0
ولنبدأ بالغزو الفرنجي ومنه تصلنا ثلاث رسائل لترسم لنا صورة ما حصل في ثلاث مواقع من مساحة عالمنا الإسلامي ، وهي معرة النعمان والقدس ثم ما حصل في الأندلس أيام نكبة المسلمين ثم ما حدث في بغداد أيام التتار فهو تتويج يصور وحشية قد يقل مثيلها ويصور الأهداف المشتركة لأعداء هذه الأمة 0
إن ما حدث في معرة النعمان قبل سقوط القدس وهي من أولى المواقع التي سيطر عليها الفرنجة تعد أنموذجاً لا أقول للحقد أو الغل بل تقدم لنا أفعلا لا أظن في أصحابها انتماء للإنسانية وإن كانوا في صورهم من صنف الشر فبعد حصار إنطاكية وسقوطها وهي واجهة مدن الثغور بل لعلها خط الدفاع الأول حيث تقدم إليها الفرنجة بما يقارب المليون المهاجمين منهم خمسمائة ألف فارس ومع ذلك قاوم المسلمون حتى أجبروا المهاجمين أكل أوراق الشجر ولكن سنة الله لاشك ماضية وكان من قدر الله أن دخل الفرج بقيادة كندهري المدينة وبالغ جنده في العبث في أهلها ثم جروا معهم في الطريق إلى معرة النعمان آلاف السبايا اقتيدوا بتصرف دون سلوك البهائم وفي سنة 491هـ حاصر الفرجة المعرة حيث دام حصرها أكثر من شهر حيث (قاتلهم أهلها قتالا شديدا ورأى الفرنج شدة ونكاية ولقوا منهم الجد في حربهم والاجتهاد في قتالهم فعملوا عند برجا من خشب يوازي سور المدينة ووقع القتال عليه فلم يضر المسلمين ذلك فلما كان الليل خاف قوم من المسلمين وتداخلهم الفشل والهلع وظنوا أنهم إذ تحصنوا ببعض الدور الكبار امتنعوا بها فنزلوا من السور وأخلوا الموضع الذي كانوا يحفظونه فرآهم طائفة أخرى ففعلوا كفعلهم فخلا مكانهم أيضا من السور ولم تزل تتبع طائفة منهم التي تليها في النزول حتى خلا السور فصعد الفرنج إليه على السلاليم فلما علوه تحير المسلمون ودخلوا دورهم فوضع الفرنج فيهم السيف ثلاثة أيام فقتلوا ما يزيد على مائة ألف وسبوا السبي الكثير وملكوه أقاموا أربعين يوما ) وتحدث المؤرخون من غير المسلمين عن أعمال أبى مؤرخو الإسلام ذكرها وهي أكل الصليبيين لحم البشر على امتداد الطريق من إنطاكية نحو معرة النعمان، التي حدثت فيها أكبر مأكلة للحم الإنسان عبر التاريخ، حيث أكل الصليبيون سكان المدينة، وبعد أن استراحوا، أتوا على ما تبقى من عظام أهلها، توجهوا نحو بيت المقدس
أما سقوط بيت المقدس فكانت صور من أنكى صور التي تأبى البهائم فعلها فكان سقوطها( في يوم الجمعة ثالث عشرين شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، ، فأقاموا يقاتلون أربعين يوماً، وعملوا برجين مطفين على السور؛ أحدهما بباب صهيون، والآخر بباب العمود وباب الأسباط، وهو برج الزاوية - ومنه فتحها السلطان صلاح الدين بن أيوب، فأحرق المسلمون البرج الذي كان بباب صهيون وقتلوا من فيه. وأما الآخر فزحفوا به حتى ألصقوه بالسور،وحكموا به على البلد، وكشفوا من كان عليه من المسلمين، ثم رموا بالمجانيق 000، فانهزم المسلمون فنزلوا إلى البلد، وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى واجتمعوا بها، فهجموا عليهم وقتلوا في الحرم مائة ألف وسبوا مثلهم، وقتلوا الشيوخ والعجائز وسبوا النساء). والعجب أن الفرنج لما خرجوا إلى المسلمين كانوا في غاية الضعف من الجوع وعدم القوت حتى إنهم أكلوا الميتة وكانت عساكر الإسلام في غاية القوة والكثرة، فكسروا المسلمين وفرقوا جموعهم ويصور لنا ستيفن رنسيمان في كتابه تاريخ الحروب الصليبية ما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فيقول : ( و في الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين فأجهزت على جميع اللاجئين إليه وحينما توجه قائد القوة ريموند في الضحى لزيارة ساحة المعبد اخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه وتركت مذبحة بيت المقدس أثرا عميقا في جميع العالم وليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها غير أنها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود بل إن كثير من المسيحيين اشتد جزعهم لما حدث) 1/404/406
غوستاف لوبون في كتابه الحضارة العربية ينقل عن رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية على القدس فيقول إن ما حدث كان مجازر دموية لا تدل إلا على حقد أسود متأصل في نفوس ووجدان الصليبيين. وينقل عن الراهب روبرت أحد الصليبيين المتعصبين وهو شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس واصفا سلوك قومه (ص325 ( كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها ! كانوا يذبحون الأولاد والشباب ويقطعونهم إربا إربا وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة وكان قومنا يقبضون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية فيا للشره وحب الذهب وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث ( وأما الكاهن أبوس ( ريموند داغميل )فينقل واصفاً مذبحة مسجد عمر: لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها فإذا اتصلت ذراع بجسم لم يعرف أصلها. ولم يكتفي الفرسان الصليبيون الأتقياء ! بذلك فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود و خوارج النصارى الذين كان عددهم ستين ألفا فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام و لم يستبقوا منهم امرأة و لا ولدا و لا شيخا)
ولننتقل الآن إلى صور من الصور الوحشية وهو ما حدث للمسلمين في الأندلس وعلى يد الفرنجة أيضا ، وسأقف هنا عند قضية محاكم التفتيش وما نأل المسلمون من جرائها وهي في مجملها قد تكون بعيدة عن تصور عقل بشر ، ولنا أن نغرق ما شئنا في تتبع معاني تدل على الانحطاط واللإنسانية لوصف ما حدث 0
لقد فتح المسلمون الأندلس عام 92 هـ في الوليد بن عبد الملك وتتوالى السنون لتصل الأندلس إلى حالة سماها ابن حزم رحمه الله تعالى فضحية لم يأت بها الدهر ( أربعة رجال يسمى كل واحد منهم أمير المؤمنين واحد في اشبيلية والثاني في الجزيرة الخضراء والثالث في مالقة والرابع بسبتة ) محاكم التفتيش د0علي مظهر ص15 وليته انتظر ليرى سادسا وسابعا و000!، ثم كانت مملكة بني الأحمر آخر ما تبقى للعرب في الأندلس وكان أبو عبد الله الزعل الذي عرف عند الأسبان باسم بوباديل Bobadil آخر ملوكها 897هـ في عهد السلطان العثماني بايزد وسلطان مصر قايتباي ،اللذين فكرا بمساعدة المسلمين بالأندلس ولم يوفقا واكتفيا برسائل للبابا وحكام الأندلس بعدم إرهاق المسلمين
ويروي المؤرخون أن عدد من عذب من المسلمين بثلاث ملايين نسمة قتل من قتل وحرق من حرق والبعض نجا بنفسه وحتى من تنصر عومل أسوأ معاملة 0
لقد بلغ عدد شروط التسليم سبع وستون شرطا لم ينفذ منها شرط واحد ، بل لقد أصدر الباباوات نظما لمحاربة المسلمين فكان هناك نظام فرسان الهيكل وقلعة الرياح وماري يعقوب وماري جرجس وسيدات الفأس والأخير خاص بالنساء
ومن عجائب المراسيم مرسوم مانريك وينص على أن كل من تنصر من المسلمين يعد مرتداً إذا مدح محمداأو قال إن عيسى عليه السلام ليس بإله 000 ولا يحق للمسلم أكل اللحم يوم الجمعة وحتى لبس الثياب النظيفة 000 ص30محاكم التفتيش ويقدر ليورنتي أحد العاملين في الدواوين أن عدد من أحرقو 331.912ومن أحرقت رموزهم 17.659ومن وقعت عليهم عقوبات شديدة 271.450
والعجيب العجيب أن تنظم حفلات للحرق والقتل بالتميثل يحضرها ملوك الأسبان والأعجب أن ينصب الغضب حتى على الكتب العلمية فلقد ذكر أن كمنيس أحرق ثلاث مائة كتاب في الطب 00000 فسبحان من هدانا للإسلام وأكرمنا بهداية السماء 0
وأختم بما تنفنن به هؤلاء الغلاة من آلات للتعذيب ، وأربأ بنفسي عن وصفها فالحق أن مجرد تخليها أو تصورها يبعث القشعريرة في البدن وقد يتصل الأذى حتى بخيال القارئ 0
والسؤال الذي يتكرر لماذا ؟ فهل عوقب البرارة الذين هاجموا روما ودمروا حضارتها بمثل ذلك أم أن البرابرة هم أرقى في نظر الظلمة ممن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله 00!
وتبقى الرسالة الأخيرة من بغداد التي تئن من مرارة السقوط اليوم في يد الفرنجة الجدد ، ولنبدأ بمقولة سيد من أسياد التاريخ العربي والإنساني يصف حاله وهو يبدأ في التأريخ لهذه الكارثة الإنسانية فيقول رحمه الله تعالى (لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فياليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا فنقول هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين فلو قال قائل إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بختنصر ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدس وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا 000 قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم ويروي ابن كثير رحمه الله في تاريخه أن الميازيب جرت بدماء الناس 00 وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة فقيل ثمانمائة ألف وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس فانا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرم وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوما )
وتؤكد الوثائق التاريخية على التعاون بين الفرنجة والمغول لتدل على أن الفرنجة هم من ساهموا في جر أو وعلى الأقل استعجال قدوم التتار لبلاد الإسلام عندما أحسوا بدنو أجل فيها ، وهذا الأمر ليس بالغريب على من اتخذ من نفسه عدو للحق لأن الخط العام يجمعهم لكن القرآن أكد لنا أن وحدتهم صورية زائلة هو اجتماع لالتهام فريسة ثم لا يلبس أن يفوز الأقوى ويطرد الآخرون ، حرصهم على البقاء وخوفهم من النهاية المحتومة للكل البشر هو ديدنهم ،إن دخلوا حربا دخلوها خائفين من تلك النهاية التي لا يرغبون في بلوغها {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} صدق الله العظيم
ولكن كيف توجهت هذه الأمة برسائلها عبر التاريخ وكيف كانت صور ها ؟
الحقيقة أن الرسائل التي توجهت بها هذه الأمة إلى كل البشرية منذ وجودها واحدة لم تتغير وهي سر من أسرار نصرها ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجراتإن الناس كل الناس خلق الله وأن النفس مصانة جاءت كرامتها من السماء {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} صدق الله العظيم ودماء الناس حرام على الناس إلا أن تهدر بحق فلقد حرم هدر دم الإنسان لنفس هي ملك خالقه فكيف بهدر دم الآخرين لقد صانت الشريعة السمحاء كرامة الإنسان حتى حال وفاته باعتباره ملك لخالقه تسترده رسل الله المسخرة لذلك وهي الملائكة عند انتهاء أجله فعن أنس (أن جنازة زفر(وهو يهودي) مرت برسول الله فقام فقالوا يا رسول الله إنها جنازة زفر فقال إنما قمت للملائكة ( وعلى أساس هذا كان تعامل المسلمين وحتى في حروبهم مع غيرهم وهي حروب في منتهى غايتها كانت لتبليغ الناس أن الله موجود فإن سُمح لهم أن يبلغوا لم تكن يد مسلم لتمتد لتستل سيفا من غمده ، وبالتالي فالحروب التي جرت في تاريخ الإنسانية تنضوي تحت شكلين بوجه عام فهي إما حروب وصراعات على مصالح دنيوية آنية يتبرأ منها كل من قال لا إله إلا الله فلا يكون طرف بها ولا سبب لقيامها وحروب بين من آمن برب الناس جميعا ومن رفض أن يقول أو أن يسمع دعاء السماء فعن أبي هريرة قال قال رسول الله:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك حرمت دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله )
ولنعد إلى الصور التي استعرضناها لنرى كيف رسم المسلمون بسلوكهم وكيف توجهوا برسائلهم إلى الناس بعد هيئوا أسباب النصر ، فهل تصرفوا بردة فعل آنية ، وناولوا من أعدائهم انطلاقا من مبدأ العين بالعين والسن بالسن وهو لو حدث لكان تحصيل حاصل وواحدة بواحدة ولكنهم وبإسلامهم كانوا أسمى من ذلك ، وليسوا ممن يتباهى ممن ادعى الانتساب لعيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بمقولته ( من ضربك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر ) ويتفاخروا بأنهم رسل السلام وأهله وأصحابه والقائمين عليه بل وهم يدعون حراسته الآن ، وهم من لازالوا يفتون بالقتل بل لازال أسلوب القتل هو هو فملاعب كرة القدم في البوسنة والهرسك لا تزال مبتل بمن قطع ثديها أبو بقر بطنها أو فعل بها وحتى تجاوز الأمر فهم يريدون أن تكون قيم القتل راسخة عند الأطفال فترسل الصواريخ لقتل أطفال لبنان وقد كتب عليها هدية من أطفال اليهود والساحة الإسلامية تغلي من الفلبين حتى فلسطين بمشاهد لا تختلف قديمة بقيمها حديثة بأسلوبها0
وأنا لست ممن يؤمن بأن الغاية التي جاؤوا من أجلها نهب الثروات ، نعم قد تكون الثروات جزءاً من هدف وعلى قدر من الأهمية لكن السبب الرئيس هو أنهم لا يريدون لكلمة التوحيد أن تم أرجاء الكون ، فتصريحاتهم أو زلات ألسنتهم تؤكد أهدافهم ، لا بل إن مفكريهم لا يكتمون ذلك ويؤكدون أن الإسلام والإسلام بحد ذاته هو العقبة الوحيدة في وجه قيام الحضارة الإنسانية تلك الحضارة التي يريدون أن يكون إلهها هو الهوى وغايتها اللذة الآنية والشهوات البهائمية 0
لقد عادة المعرة لأخوتها من المدن الإسلامية محررة بعد أن هيأ الله لها القائد الشهيد عماد الدين زنكي رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء في عام 535هـ فماذا فعل بالفرنجة فيها ، لقد خرج من خرج وبقي من شاء يعيش بين ظهراني المسلمين وكأنه من أبنائها ، لقد نسي عماد الدين إساءة هؤلاء بل ربما أراد أن يقولهم لهم نحن أتباع الرحمة المهداة للناس جمعياً وكان همه رحمه الله إنهاء الأسباب التي أوصلت هؤلاء إلى هذه الأرض بغير وجه حق إنه العدل جاءه أهل المعرة فيما ذكره صاحب الروضتين في تاريخه يردون استعادة ممتلكاتهم وكان بعضهم يرد التجاوز على حق غيره فأخرج السجلات الرسمية التي حفظت في حمص وحلب يعد لكل حق وهو يدرك أن الحق هو النصر وأن التجاوز هو سبب الهزيمة 0
وفي القدس نرى العجب فصلاح الدين شبل من غرسة استنبتها عماد الدين فأثمرت نور الدين ابنه وكان صلاح الدين من شيعته ، لقد حررت القدس عام 583هـ وكان صلاح الدين يصرخ فيها وهو ما ذكره ابن الأثير في تاريخه ( كذب الشيطان ) ودخل القدس وفيها عشرات الألوف من الفرنجة فماذا صنع لقد جند فريقا من جنده للبحث عن طفلة قد ثكلت أمها بفقدها حتى وجدها وكان رجال الشرطة يطوفون شوارعها لمنع أي ردة قد تسبب أي أذى لمن كان الأذى ديدنه وشغله الشاغل 0
لا بل ذهب صلاح الدين لأبعد من ذلك مدللا بذلك على سماحة الإسلام ، هؤلاء نساء الفرنجة وقد أقبلن في ذلة والدموع ملأت عيونهن يسألن عن مصيرهن بعد أن لقي أزواجهن أو آباؤهن مصرعهم أو وقعوا في الأسر فأجاب صلاح الدين بأن وعد بإطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن وبذل للأرامل واليتامى من خزانته العطايا 00000
أما الرسالة التي وجهها المسلمون للأسبان فلربما فيها من البلاغة والبيان ما تعجز الكلمات عن قوله نعم فلازال الفردوس المفقود مفقوداً خارجا عن السيادة الإسلامية ، لكن الأيام وللأيام لغة خاصة ذات دلالة ، فلقد جاء اليوم الذين يدعى فيه علماء المسلمين للاحتفال بوضع نصب تذكاري هائل الارتفاع وفي المكان الذي نزل فيه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام قادما من بلاد الشام مجددا دولة الأمويين في الأندلس
إقراراً بفضل المسلمين ، فهل فكر أحد بصنع تمثال لقائد هو في نظر الناس محتل غاصب هل فكر المصريون بصنع تمثال لنابليون مثلا ؟ لكنه الإسلام بسماحته بسموه ، ترك بصمته في أوروبة إلى أن رضخ أبناؤها لقول كلمة الحق 0
في محاضرة في أحد مساجد دمشق ألقت إحدى المستشرقات المسلمات في بداية السبعينات توجهت فيها للسامعين قائلة أنا أعلم أن حديث النبي  عن شروق الشمس من مغربها أنها علامة من علامات القيامة ،لكنني أريد أن أستمد منه معنا آخر ، لقد جئتم إلينا بالإسلام من الشرق وسنأتيكم به مبشرين من الغرب 0
وتبقى رسالة بغداد أعادها الله إلى سابق عهدها ، لقد جاءت التتر إلى بلادنا وأقصد بلاد الإسلام ، قيمة القيم عندهم القتل بل والتفنن فيه ، ونصر الله الإسلام في عين جالوت ، وعاد التتر إلى مواطنهم ، فهل استمرت العهود والمواثيق بينهم وبين الفرنجة أما زالت على قوتها ؟ أم أن التعاون زال لاختلاف المصالح بين الطرفين كما حصل بين المعسكرين الشرقي والغربي وانتهى بسقوط الشيوعية بعد أن وهنت ودالت قيمها ؟ لقد آن الأوان للتتر أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، لقد أسلم بركة خان وأصبح رايات التتر تمخر قلب آسية دعاة لدين الله
وفي خاتمة القول ، لابد أن نعلم أن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله ليميز الله بين من عبده وبين من اتخذ من الشيطان ربا من دون الله وللعاقل أن يختار، مع العلم أن الخيار مسؤولية فمن شاء حزب الله اعتمادا على خيار حر مسؤول فليعلم أنه أصبح من أصحاب الابتلاء وليس أمامه إلا الصبر ولن يأتيه صبره بشر ، ولكن كيف يتأتى الصبر ، إن الصبر طريقه الحب فمن أحب اتبع وكيف نتعبد من نكره ومن هنا كان حب النبي  شرط لازم لإتباعه ، والتمسك بهديه ، ومن هدية النبوة أن نكون أقوياء بل أن يكون سعينا للالتماس أسباب القوة أحد مسلماتنا فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، نضمن به إقرار العدل واستمراره ، كذلك من أبسط مبادئنا ، أن نصون دماءنا فالجرأة على إهراق دم المسلم بالاعتماد على اجتهادات شخصية أمر لا يقره شرعنا ويرفضه قرآننا 0
إن رفع الظلم الواقع على المسلمين لن يتحقق إلا بالعودة للمبادئ التي على أساسها انتصر عماد الدين رحمه الله تعالى ، لقد ذكر الدكتور عماد الدين الخليل حفظ الله تعالى في كتابه ( عماد الدين زنكي ) أن عماد كان يسير يتعبه جنده كالخيط إن اطروا على للسير في إحدى الحقول وهم حريصون على شد أعناق خيولهم حتى لا يقوم الفرس بقضم العشب المزروع بغير وجه حق فيعاقب الجندي لفعل ذلك 0
أما صلاح الدين رحمه الله تعالى فليلة حطين كان يجول على جنده يتفقدهم ليجد بينهم من يقرأ القرآن أو يصل أو يتفقد سلاحه ، وفي تجواله عثر على خيمة كان الجند داخلها يتسامرون ، فقال رحمه الله من هاهنا أتينا 0
بهذه الكيفية وهذا السلوك نصر هؤلاء فهل هناك طريق آخر !
أخوك أبو معاذ

شاطئ النورس
14-12-06, 03:46 PM
بارك الله فيك

MARISOLE
20-12-06, 09:52 PM
مشكوور

كاتم الونة
20-01-07, 06:35 PM
الله يعطيك العافية


تحية وتقدير

شمشوم نجد
12-04-07, 04:02 AM
الله يعطيك العافيه

أم أديم
12-04-07, 05:59 PM
الله يعطيك العافيه