المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منك لله ياغسان ... لماذا استفززتني بهذه الطريقة...


أبو زياد الصالح
08-08-06, 06:11 PM
لم يكن بوسعي أن أكتب عن بيروت الوطن والحب ... فقد تشوهت لتخرج أكثر وفاء وجمالا ..

لكن هذا الكاتب استفزني وأخرجني من صمت العاجزين ... وحتى لا أزعج السحاب آثرتها بياضا له وحده ولبقية رفاقه عبر هذا العالم ...



واسمحوا لي هذه المرة أن أبدأ مقالي بصديقي على غير العادة حينما كنت ألفظ البداية شعرا ...

فإلى غسان شربل الصديق والحلم والدواة ...




صديقي ...غسان ..





أعرف أنك لن تركب أول طائرة لتودّع فيها خبز الجياع، ومناظر الحب والطفولة
..

ولن تصفّق طويلاً للموت الذي يغتال جرحَك قطعةً قطعةً ... فقد أخذتْ منك المصائبُ أكثرَ من عمرك ..

هل تحتمل ..؟!



ومشهد بيروت الطفلة والمرأة والحب والعجوز ..تغتال بيد الراحلين عنها ...

وبقيتَ وحدَك تداوي جرحَ رفيق ...جرحَ جبران تويني.. جرحَ التراب والجبل ...

ثمّة أماكنُ تستغيث من أهلها بقاتليها ... لا أظنّ وطنَك منها ..

ليس بيدك غير دواة ووطن وكفن ... أشعلْتَ الأولى للثانية .. ودفنْتَ الثالثة حتى لا يهرب الصغار إلى قبورهم ..



أشاهد بيروت بعيني، فأجدها ركاماً من العذاب ..وأشاهدها بعينيك، فأجدها وطناً من الجمال والكبرياء .. تغتال كلّ الشواهد ..لتحتفل بزفّة الشهداء ..

والوطن كله حبّ وشهادة ...

صديقي ... علّموك كيف تكتب: استقبل، وودّع، وكيف تشجب وتستنكر ..لكنك رفضْتَها ..وكتبْتَ كيف يجوع القلب ...وكيف يُبنى الوطن ..



علّموك .. كيف تحفر القبور وتواري الأقمار... لكنك تعلّمْت كيف تدفنها من أجل السماء ..من أجل ذوات العدد وحتى لايُغتال قمر بيروت في بحر الروشة ..

شِبْت ياغسانُ في عشرينك في ثلاثينك في أربعينك في بقية عمرك .. !! لأنّ أرواح الشهداء ...وعمر الصغار تسكن قلبَك ..

..

أحرقت كلَّ صفحات الجرائد وقلّبتها إلى (رول) حمام، حينما عرفت أنها من البحر قدمَتْ ..ولم تنبت ذات يوم في تربتك، ولم تسقها سماؤُك، وحُقّ لك ذلك ..وأيُّنا يرضى أن يستقيل الجبل من زعامة الوحشة ...

حُقَّ لك أن تكتب عن بيروت من بيروت، من لندن، من واشنطن من مقديشو، من كل بقاع الدنيا ..لأنك تسكن أزقتها وسراديبها ..ومدنُ العالم كلها بيروت في عينيك ..أما هي فساكنة في بياض أنامِلك لكي تستجرّك حينما تكتب على سواد الكهوف عن بقية ممن كانوا هناك .. لعملية الاغتيال ...

لست وحدك مَن تعب من مفردات الرثاء، حتى لما غلاييني تعبْتَ من البحث عن اغتيال بيروت في والدها عن اغتيال بيروت في رفيق عن اغتيال الليل في النهار ...

وحينما تتحول الحروب إلى مسرحيات فالكلُّ يصفّق والكلُّ يتفرّج ... فقط (الكومبارس) من يدفعون الثمن.. والمخلصون مَن يكتب عن (الكومبارس) حينما تصيح الديكة ...

غسان ..لاتتعبْ من مفردات الرثاء ... لأنك اخترْتَ أنْ تكتبَ عن الخريطة الصحيحة حينما كتب غيرك عن الخرائط المقلوبة ..حينما وقّعوا على تماثيل هبل، ورقصوا في زفة الخناجر ...

ارتضيْتَ لنفسك ... ألاّ تحضرَ مهرجاناتهم ..ألاّ تصفّق إلاّ لبيروت .. ألاّ تسير إلاّ في شوارع بيروت .. ألاّ تعشق امرأة غير بيروت..

فكان جزاؤك مفردات من الرثاء والوجع ... لأنّ السكاكين أكثر من الورود .. والكل يريد أن يقتل بالليل ... وإسرائيل وحدها من تريد أن تقتل في النهار ..

وبيروت لم تعاني أكثر من الليل ... لم تتوجع إلاّ في الليل ... ولم تنزف أكثر من نزيفها في الليل ...

أتريد أن تشاركها عرس الخونة ...؟ أم أنك ستعزف هناك بعيداً لجمالها ولبحرها وأرْزها ..



زرت بيروت صغيراً فوجدْتُ عصافير نزار ..وزرتها شاباً فوجدت دماءها ملطخة على وجه الطفولة ... وزرتُها رجلاً لكي أسجل تاريخاً من الوفاء تحت تشوّهات مآذنها وقد كَتبتْ .. (عاشوا قصة حب تحت الرصاص).

رأيت حروب العالم فوجدتُها رصاصاً من اليمين للشمال ومن الشمال لليمين ..إلاّ بيروت، إلاّ لبنان، فقد كانت تتلقى الحب والعذاب من كل الاتجاهات... لم تعرف كيف تقاوم؛ فاستجمعتْ نفسها، وهدمتْ كل أحجارها باكية حزينة أسيفة، وصديقُ الأمس عدوُّ اليوم ..وأيُّ الناس تُرجى مودّته..؟!!



علّموها ..أنّها هي حبُّهم الوحيد .. أنها مأوى أفئدتِهم .. أن الأرضَ هي امتدادٌ طويلُ لحبهم وتاريخهم .. وحينما فتحتْ ذراعيْها لمعانقتهم ..خرجتْ الخناجر .. وكلٌّ يريد أن يظفر بعناق دموي من نوع آخر ...



علّموها أن جاك شيراك ليس صديقاً ...علّموها أن المغتربين هم بضعة من الخونة .. وأنّ الليرة مخنوقة في هجعة الليل ...لكنهم لم يخبروها .. أن السماء حينما تمطر على بيروت فهي تمطر على قلوب أهلها هناك في المهجر ..وحينما تسقط الصواريخ الموقّعة من أطفال تل أبيت فهي تسقط على أطفالهم في المكسيك ...

لم يخبروها ... كيف هرب اللصوص قبل ليلة الطلاق والمخاض، وكيف هرّبوهم ...لم يخبروها .. كيف اصطفت الطائرات الخاصة في مطار بيروت لاستخراج أصحاب الجيوب الممتلئة، لم يخبروها عن ذلك كله. ..لكنها سبّحت بحمد الله أنهم خرجوا؛ لأنها لا تريدهم وقت الألم ..فقد يقتلُ المولودُ أمَّه ... حمدتِ اللهَ أنها لفظتهم حتى لايمتصوا ما تبقى فيها من جمال وقت المخاض ...

قد تستجيرُ بيروت بالرياض .. لكنها تبقى منكفئةً على جبلها وبحرها، وإذا أردْتَ ياغسانُ أن تعرف مَن الذي يوزع الحلوى وقت الألم فاعلم أنها تلك الأصوات النشاز التي تخرج في وسائل الإعلام، توزّع صكوك الخيانات على هذا وذاك، وصكوك الغفران على البقية الباقية ..كل هؤلاء هم من يتاجر على حساب بيروت ومن يعبّئ أرصدته من جيوب فقراء ومشردي لبنان ... وحتى لو خرجت دموعُهم في شاشات التلفاز؛ لأن القاتل قد يقتل وهو يبكي.

...

لا تكسرْ نايَك ... فالجبل لن يدمع إلاّ من المطر ... لا تحطّم قلمك ... حتى لايتلفع الصغار بشالات الحزن..



وإذا بكت السماءُ لبيروت ... فاكسرْ حينها كل شيء يذكّرك ببيروت ...واستخرجْ أكفانَك من قبورِك ... وقلْ: وجدْتُ نفسي في المكان الصحيح في الزمان الصحيح.

....



والسلامُ عليك حينما ترى خريطةَ لبنانَ عابثةً متموجةً في فنجانِ قهوتِك..

أبو زياد ... صالح
[email protected]

الوافي3
08-08-06, 06:37 PM
ابو زياد بارك الله فيك سيدي الفاضل على هذا المقال الجميل بمفرداته الادبية ,, وجمل حرفة الاخاذ

سيدي الفاضل ستبقى بيروت جرح على الأقل ينزف من جراح المساكين ’’ ويتدفق الدماء
من أشلاء الأطفال في ظل المزايدات على هذا الوطن بين هذا وذاك
لكن سيتبقى بيروت قصة لعبة قذرة ارادت الايدي أن تكون هكذا
والضحية المواطن المسكين ايا كان ملته
لك صادق الود

عبد الهادى نجيب
08-08-06, 07:09 PM
حياك الله أيها المبدع أبو زياد
أحاسيس صادقة تنقل الآما أشد وطأة من كل الجروح
لا شك أن بناءنا قد اهتز وتعددت واتسعت به الشروخ
فيا حسرة على وطن قد فقد الاصالة والاباء والشموخ

فكان جزاؤك مفردات من الرثاء والوجع ... لأنّ السكاكين أكثر من الورود .. والكل يريد أن يقتل بالليل ... وإسرائيل وحدها من تريد أن تقتل في النهار ..

نعم تكثر السكاكين ولكن تكثر أيضا الورود ..لتنثر على الضحايا حين تواريهم القبور
تحاتى

أبو زياد الصالح
09-08-06, 03:38 PM
الغالي ...الصديق الوافي 3 ..
ياهلا فيك ومرحبا ..
كيفك وكيف أيامك ..
من القلب أشكرك ...على كلماتك الجميلة ...
سرني مرورك...[size=4]

أنوثتي..طاغية
09-08-06, 09:21 PM
بحبك يالبنان

ميـــس
10-08-06, 12:34 AM
موضوع بفش الخلق!!!

شكرا والله

وسن@@
10-08-06, 06:24 AM
كلمات اكثر من رائعه
احسدك لانك استطعت ان تعبر عن غضبك او حزنك ولو بكلماتك
عجزنا حتى عن ان نقدم لك يالبنان حبرا وورق
تقديري لاحساسك الراقي
ولا عدمنا مثل هذا القلم
وجزاك الله خير ياغسان استفزازك
اخرج لنا الدرر

أبو زياد الصالح
10-08-06, 01:23 PM
الغالي عبد الهادي نجيب ...
مرحبا فيك ..
من القلب أشكر لك ثناؤك ومرورك المميز ..
لك من الشكر أجزله ...

ــــــــــــــــــــــــــ

أختي أنوثتي طاغية ...
حياك ...
وسعد المقال وصاحبه بمرورك ..
شكرا لك ..[FONT=Arial Black][COLOR=Navy]