روائع النيهوم
21-08-12, 07:20 PM
.
كلمة انتخابات نموذج من نماذج مخاطبة العرب , بمصطلحات لا يعرفون لها شريعة في واقعهم . فالانتخابات في بيئتها الرأسمالية , تجري بين خصمان حقيقيان , لهما مصالح خصمان قد يختلفان حول مسائل جانبية كثيرة , لكنهما ملتزمان دائماً بدستور رأسمالي واحد , يضمن حرية رأس المال , وحرية الكسب وحرية الإعلان وحرية القضاء . وإذا جرّب أحدهما أن يعبث بهذه الحريات , أو بواحدة منها , فإن تكافؤ القوى , يتيح لخصمه قوة رادعة على ردعه , فوراً ومن دون إبطاء .
إجراء هذه الانتخابات في بلد متخلف , لم يدخل العصر الصناعي من أساسه , ولا يملك رأس المال والاتحادات العمالية , يجعل المعركة الانتخابية , مجرد تمثيلية لمعركة أخرى من دون دماء – مثل مباراة الشطرنج – بين فلاح فقير, يمثل رأسماليين وهميين , وبين فلاح فقير آخر, يمثل عمالاً وهميين , يتنافسان للوصول إلى برلمان لا سلطة له . وعندما يصلان إلى البرلمان يكتشفان , ما تكتشفه البيادق على رقعة الشطرنج , ويعرفان انهما ليسا طرفاً حقيقياً في المعركة , ولا علاقة لهما بأمر الربح والخسارة , مما يجعل النائب البرلماني في دول العالم الثالث نموذجاً مشهوراً من نماذج الفساد الإداري والخلقي معاً .
إن القول بأن الدولة تتبرع طائعة لكل مواطن بحق التصويت , فكرة مريبة لا علاقة لها بنظام الانتخابات . فحق الاقتراع العام الذي ظهر لاول مرة في بريطانيا بعد منتصف القرن الثامن عشر, لم تتبرع به الدولة للمواطنين , بل انتزعه المواطنين , لا نفسهم خلال معارك طويلة , تحت قيادة زعماء راديكاليين من طراز (جون ويلكز) , الذي كانت أجهزة الإعلام الرسمي تدعوه باسم (زعيم الغوغائيين) .
وعندما قدم مشروع قانون الاقتراع إلى مجلس اللوردات سنة 1831 – بعد مائة سنة من عصر مواطن , وهي نسبة تعادل 5 في المائة فقط من عدد الناخبين . وقد دامت المعركة نصف قرن آخر. قبل ان تعترف حكومة بنجامين دزرائيلي بحق التصويت لخمسة ملايين من العمال والفلاحين سنة 1884 . أما النساء البريطانيات , فإنهن لم ينلن هذا الحق , إلا بعد سبع وثلاثين سنة أخرى , عندما أثبتت ظروف الحرب العالمية الأولى , حاجة جهاز الدولة إلى الاستعانة بالنساء في مصانع الذخيرة والمجهود الحربي .
والواقع أن التاريخ لا يعرف دولة واحدة , تبرعت لمواطنيها بحق التصويت سوى دول العالم الثالث التي ألهمها الزهد في السلطة , إلى حد دعاها أن توزع الإدارة مجاناً على مواطنين , لا يطالبون بحصة في الإدارة , ولا تجمعهم أحزاب حقيقية , ولا تنطق باسمهم إذاعة , ولا يسمح لهم بالخروج في المظاهرات , إلا بإذن من الإدارة .
تحياتي
====
==
=
كلمة انتخابات نموذج من نماذج مخاطبة العرب , بمصطلحات لا يعرفون لها شريعة في واقعهم . فالانتخابات في بيئتها الرأسمالية , تجري بين خصمان حقيقيان , لهما مصالح خصمان قد يختلفان حول مسائل جانبية كثيرة , لكنهما ملتزمان دائماً بدستور رأسمالي واحد , يضمن حرية رأس المال , وحرية الكسب وحرية الإعلان وحرية القضاء . وإذا جرّب أحدهما أن يعبث بهذه الحريات , أو بواحدة منها , فإن تكافؤ القوى , يتيح لخصمه قوة رادعة على ردعه , فوراً ومن دون إبطاء .
إجراء هذه الانتخابات في بلد متخلف , لم يدخل العصر الصناعي من أساسه , ولا يملك رأس المال والاتحادات العمالية , يجعل المعركة الانتخابية , مجرد تمثيلية لمعركة أخرى من دون دماء – مثل مباراة الشطرنج – بين فلاح فقير, يمثل رأسماليين وهميين , وبين فلاح فقير آخر, يمثل عمالاً وهميين , يتنافسان للوصول إلى برلمان لا سلطة له . وعندما يصلان إلى البرلمان يكتشفان , ما تكتشفه البيادق على رقعة الشطرنج , ويعرفان انهما ليسا طرفاً حقيقياً في المعركة , ولا علاقة لهما بأمر الربح والخسارة , مما يجعل النائب البرلماني في دول العالم الثالث نموذجاً مشهوراً من نماذج الفساد الإداري والخلقي معاً .
إن القول بأن الدولة تتبرع طائعة لكل مواطن بحق التصويت , فكرة مريبة لا علاقة لها بنظام الانتخابات . فحق الاقتراع العام الذي ظهر لاول مرة في بريطانيا بعد منتصف القرن الثامن عشر, لم تتبرع به الدولة للمواطنين , بل انتزعه المواطنين , لا نفسهم خلال معارك طويلة , تحت قيادة زعماء راديكاليين من طراز (جون ويلكز) , الذي كانت أجهزة الإعلام الرسمي تدعوه باسم (زعيم الغوغائيين) .
وعندما قدم مشروع قانون الاقتراع إلى مجلس اللوردات سنة 1831 – بعد مائة سنة من عصر مواطن , وهي نسبة تعادل 5 في المائة فقط من عدد الناخبين . وقد دامت المعركة نصف قرن آخر. قبل ان تعترف حكومة بنجامين دزرائيلي بحق التصويت لخمسة ملايين من العمال والفلاحين سنة 1884 . أما النساء البريطانيات , فإنهن لم ينلن هذا الحق , إلا بعد سبع وثلاثين سنة أخرى , عندما أثبتت ظروف الحرب العالمية الأولى , حاجة جهاز الدولة إلى الاستعانة بالنساء في مصانع الذخيرة والمجهود الحربي .
والواقع أن التاريخ لا يعرف دولة واحدة , تبرعت لمواطنيها بحق التصويت سوى دول العالم الثالث التي ألهمها الزهد في السلطة , إلى حد دعاها أن توزع الإدارة مجاناً على مواطنين , لا يطالبون بحصة في الإدارة , ولا تجمعهم أحزاب حقيقية , ولا تنطق باسمهم إذاعة , ولا يسمح لهم بالخروج في المظاهرات , إلا بإذن من الإدارة .
تحياتي
====
==
=