المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوار في القرآن الكريم - منهج وسلوك


حسن خليل
17-09-05, 05:32 PM
الحوار في القرآن الكريم

أخواني وأخواتي الأعزاء:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

عُني القرآن الكريم عناية بالغة بالحوار، وذلك أمر لا غرابة فيه أبدا؛ حيث إنه الطريق الأمثل للإقناع الذي ينبع من أعماق صاحبه. والاقتناع هو أساس الإيمان الذي ينبغي أن ينبع من داخل النفس البشرية؛ إذن نحن نملك الآن منهجاً حضارياً للحوار والتفاهم مع الطرف الآخر؛ سواءً في الدائرة الإسلامية أم خارجها، والقرآن يثبت منهجاً للحوار على أساس البرهان والعقل والتدبر والتفكر، وبيان المسلَّمات الثابتة لدى الطرفين بعيداً عن التعصب، ومن ذلك قوله تعالى: وغيرها من الآيات التي يدرك المتدبر فيها أنها منهج عظيم يراعي الجانب النفسي والعقلي عند الإنسان.

أقدم هذه النماذج ليتأكد القارئ بأن ما تحدثت عنه وما سوف أتحدث عنه من أسس وقواعد قد طبق في آيات كثيرة وحوارات متعددة في القرآن الكريم، إما بين الله سبحانه وتعالى وبين ملائكته، وذلك في موضوع خلق آدم عليه السلام، أو مع رسله؛ مثل الحوار الذي دار مع إبراهيم أو نوح أو موسى عليهم السلام أو غيرهم.

وقد وردت (المحاورة) بهذا اللفظ في القرآن في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم: في سورة الكهف مرتين، وفي سورة المجادلة مرة. ووردت بغير هذا اللفظ حيث استعمل لفظ آخر وهو المجادلة بالتي هي أحسن يعني بقيد "الحسن" وهذا ليميزه عن الجدال المذموم، وليشير إلى إباحته أو الندب إليه أو وجوبه تبعاً للأحوال.

وقد وردت مرتين في القرآن هي قوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {125} من سورة النحل

وقوله تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمـُونَ {46} سورة العنكبوت.

وقد وردت مرة واحدة بلفظ "المراء" بقيد ظَاهِراً في قوله تعالى فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً (آية 22 من سورة الكهف).

ووردت بلفظ (قال) التي وردت في القرآن (527) مرة.

وفيما يلي نماذج من الحوارات في القرآن الكريم تحتاج منا إلى تدبرها وإعادة تلاوتها، وأن نستنبط منها منهج الحوار وأسسه؛ فالقرآن دستور حياة ومنهج في الأخلاق والتربية وغيرها، لا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، ولا يُخلَق على كثرة الرد؛ فهو الدستور الأعظم والمنهج الأقوم.

وإليك أخي نماذج من الحوار في القرآن الكريم:

النموذج الأول: قصة صاحب الجنتين:

قال تعالـى: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً {32} كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً {33} وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً {34}‏ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً {35} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً {36} قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37} لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً {38}.


النموذج الثاني: قصة المجادلة:

قال تعالى في سورة المجادلة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {1}. تدبر هذه الآية لما كان من جانب المرأة قال (تُجَادِلُكَ)، أما من جانب الرسول الكريم قال (تَحَاوُرَكُمَا) فالمحاور الكبير، والعالم الرباني، والرجل المتزن، يحاور في هدوء وتأنٍّ وبُعدٍ عن الخصومة والتعصب.


النموذج الثالث: حوار إبراهيم مع أبيه:

في سورة مريم ذكر الله سبحانه هذا الحوار الشيق الممتع المليء بمعاني التقدير والرفق والرحمة من الابن البار، واستثارته عاطفة الأبوة والعلاقة النسبية بينه وبين أبيه بتكرار لفظ (يَا أَبَتِ) قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً {41} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً {42} يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43} يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً {44} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً {45} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً {46} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً {47} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً {48}.


النموذج الرابع: حوار نوح مع ابنه قبل أن يغرق مع القوم الكافرين:

وذلك في سورة هود، قال تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43}.

هذه الحوارات الجميلة الراقية أعتقد أنها لا تحتاج إلى تعليق أو توضيح، وإنما إلى مراجعة وتكرار مع تدبر وتفكر من القارئ.

وفي الحلقة الرابعة سنتحدث عن الحوار في السنة النبوية إن شاء الله.

أخوكم

حسن خليل

رامز
17-09-05, 06:09 PM
بارك الله فيك أخي العزيز ، جهد مشكور أسأل الله أن يثيبك عليه

حسن خليل
18-09-05, 10:13 AM
بارك الله فيك أخي العزيز ، جهد مشكور أسأل الله أن يثيبك عليه

أخي الفاضل رامز:

أشكركم على كريم مروركم وتعليقكم الجميل على الموضوع.

سائلاً الله عز وجل التوفيق لنا ولكم.

الوافي3
18-09-05, 05:59 PM
أستاذنا الحبيب الغالي حسن خليل
بارك الله فيك أخي الحبيب على هذه النبذة الجميلة حول
المحاورة في القرآن الكريم
للأسف الشديد لم يحدث الانقسامات في صفوف المسلمين
إلا من عدم حسن الحوار والاقناع بآيات الله ورسوله
والتمسك العصبي كل من مذهبة والابتعاد عن المنهج الخلقي الذي
تربى عليه سيد البشر عليه من ربي أفضل الصلاة وأزكى التسليم

حسن خليل
19-09-05, 09:39 AM
أستاذنا الحبيب الغالي حسن خليل
بارك الله فيك أخي الحبيب على هذه النبذة الجميلة حول
المحاورة في القرآن الكريم
للأسف الشديد لم يحدث الانقسامات في صفوف المسلمين
إلا من عدم حسن الحوار والاقناع بآيات الله ورسوله
والتمسك العصبي كل من مذهبة والابتعاد عن المنهج الخلقي الذي
تربى عليه سيد البشر عليه من ربي أفضل الصلاة وأزكى التسليم

الأخ الغالي الوافي3:

صدقت يا أخي الحبيب فيما ذكرت جملة وتفصيلاً.

فالتعصب هو أساس البلاء كل يقول أنه على صواب دون وجود برهان أو حجة راجحة.

شاكراً لك أخي الفاضل مرورك وتعليقك الجميل على الموضوع.

صانع الأمجاد
19-09-05, 11:05 AM
أستاذي القصاص والمحاور المبدع : حسن خليل

أسجل إعجابي بما تسطر لا عدمناك أيها الفاضل وسترى ثمرة جهدك هذا في منتدى الحوار العام بإذن المولى
وإني لتتمة حديثك منتظر

لك فائق التقدير وخالص الدعوات بالتوفيق والسداد

صانع الأمجاد

المأمون
19-09-05, 01:30 PM
اخي حسن ...
موضوع جميل ورائع ... ولا تنسى أن المولى عز وجل حاور الملائكة...إذ قالو (اتجعل فيها من يسفك..الاية... ) لدي موضوع عن هذا الحوار الرباني مع الملائكة.. منذ فترة..

دمت بخير وعافية..

اخوك المأمون..

حسن خليل
19-09-05, 05:00 PM
أستاذي القصاص والمحاور المبدع : حسن خليل

أسجل إعجابي بما تسطر لا عدمناك أيها الفاضل وسترى ثمرة جهدك هذا في منتدى الحوار العام بإذن المولى
وإني لتتمة حديثك منتظر

لك فائق التقدير وخالص الدعوات بالتوفيق والسداد

صانع الأمجاد

الأخ الغالي صانع الأمجاد:

سعدنا بمرورك لصفحتنا وآمل أن أرى ثمرة جهودي في منتدى الحوار العام.

شاكراً لكم مداخلتكم الطيبة وقريباً إن شاء الله سأنزل موضوع الحوار في السنة النبوية.

وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام،،،

أخوك

حسن خليل

حسن خليل
19-09-05, 05:06 PM
اخي حسن ...
موضوع جميل ورائع ... ولا تنسى أن المولى عز وجل حاور الملائكة...إذ قالو (اتجعل فيها من يسفك..الاية... ) لدي موضوع عن هذا الحوار الرباني مع الملائكة.. منذ فترة..

دمت بخير وعافية..

اخوك المأمون..

أخي العزيز المأمون:

تشرفنا بمرورك لموضوعنا أعلاه، وسعدنا بتعليقك الجميل عليه، وإضافتك لمحاورة المولى للملائكة ولو أنني اكتفيت بذكر عدد مرات كلمة قال في القرآن الكريم.

بارك الله بك وجزاك الله خيراً على حسن تعاونك معنا واشراقاتك الجميلة.

أخوك

حسن خليل

الراقي
20-09-05, 12:42 AM
والله لو اقتدينا وعملنا بكل ماجاء في القرآن الكريم لكنا امةً لها شأن عظيم ..

ولكننا للأسف نقرأ القرآن ولانتدبره ولانعمل بمقتضاه ..



اخي الفاضل حسن خليل ,,


يعطيك العافيه على هذا الموضوع القيم

جعل الله هذا الجهد في ميزان حسناتك



دمت في رعاية الله ,,,

حسن خليل
20-09-05, 08:48 PM
والله لو اقتدينا وعملنا بكل ماجاء في القرآن الكريم لكنا امةً لها شأن عظيم ..

ولكننا للأسف نقرأ القرآن ولانتدبره ولانعمل بمقتضاه ..

اخي الفاضل حسن خليل ,,

يعطيك العافيه على هذا الموضوع القيم

جعل الله هذا الجهد في ميزان حسناتك

دمت في رعاية الله ,,,

أخي العزيز الراقي:

صدقت يا أخي الكريم لو جعلنا القرآن الكريم منهجاً وسلوكاً لما آل حالنا الى ما آل إليه من الهوان والضعف.

شاكراً لك مرورك وتعليقك الجميل على الموضوع.