المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خرق الخوارج والإرهابيين إجماع المسلمين فيما يتعلق بتأمين الكفار ودخولهم جزيرة العرب


ابومحمد75
10-09-05, 01:55 AM
الحمد لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله أما بعد:

فقد أمر الله -عزَّ وجلَّ- ، ورسوله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، والتمسك بهما ، والاعتصام بحبل الله .

وهذا أصل أصيل ، وهو تحقيق العبودية لله -عزَّ وجلَّ- ، وتطبيق لكلمة التوحيد "لا إله إلا الله".

قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {55} وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {56}.

وقال تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون* واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}.

وقال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ {38}‏ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39}الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40}الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {41}.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث العينة مبيناً سبيل النجاة : ((حتى تراجعوا دينكم)) .

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((تركت فيكم ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي)).

"وعن عبد الله بن مسعود -t- قال: خط لنا رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطاً ، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً ، ثم قال: ((هذا سبيل الله ، وهذه السبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ})) .

وهذا الذي أصاب الأمة –ولا حول ولا قوة إلا بالله- لَمَّا تركت الصراط المستقيم وحبل الله القويم ، وتمسَّكَ كلٌّ برأيه وهواه ، فضلَّت وأضلَّت ، وتفرَّقت شذرَ مذرَ ، كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون .

فظهرت البدع والفرق والأحزاب ، وصار لها قادةٌ ورؤساء يدعون إليها ، ويدافعون عنها ، ويقاتلون في سبيلها ، وحلَّتْ في الأمة بسبب هذه الفرق الويلاتُ والنكباتُ ، كما حدث من الروافض والخوارج والباطنية وغيرهم من الفرق المخالفة.

وكل هذا بسبب بعدهم عن الكتاب والسنة ، ونكيرهم على المتمسك بهما ، حتى أصاب الإسلام منهم من الأذى ما لم يستطع أعداء المسلمين أن يصيبوا معشاره ولا حول ولا قوة إلا بالله .

والمتتبع لتاريخ الإسلام منذ ظهور هذه الفرق يجد برهان هذا واضحاً جلياً عند المؤرخين وعبر السنين.

فهذه المخالفات التي عليها الخوارج، والتي استحلوا بها الدماء وأموال المؤمنين والمعاهدين بسبب بعدهم عن الكتاب والسنة، وتفريطهم في الاعتصام بحبل الله، ولتقديمهم الفرقة على الجماعة، والخلاف على الاتفاق، والضرر على النفع، والمفسدة على المصلحة، وتقديمهم أهواءهم وشهواتهم على الحقِّ المبين.

وفي هذا المقال سأبين ضلال الخوارج والإرهابيين في مسألتين مهمتين ألا وهما:

المسألة الأولى : إخفارهم عهد الله ورسوله، وعهد المؤمنين .

قال الله تعالى في سورة التوبة : {وإن أحدٌ منَ المشركينَ استجاركَ فأجره حتى يسمعَ كلامَ اللهِ ثُمَّ أبلغْه مأمنه}.

وقال تعالى في سورة الأنفال : {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصرُ إلا على قوم بينكم وبينَهم ميثاق}.

وقال تعالى في سورة النساء : {وإن كانَ من قومٍ بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلَّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} .

فالآيات تدل على جواز العهد والأمان من المسلم للكافر..

وآية الأنفال تدل على أن الكفار قد يكونون محاربين لفئة مؤمنة ومعاهدين لفئة أخرى ..

وعلى ذلك يدل صلح الحديبية ..

وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهدَ كان مسؤولاً}.

وقال النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ((المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده))([1]).

وقال النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل)) ([2]).

وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ((قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)) ([3]).

فالخوارج باستباحة دماء الأجانب في السعودية قد أخفروا ذمة الله ورسوله والمؤمنين.

والأجانب (غير المسلمين) الذين دخلوا إلى المملكة العربية السُّعودية إنَّمَا قدموا إلى البلاد السُّعودية بعهد وأمان مِنَ الدولة ، ومن كفلائهم الذين أحضروهم وهؤلاء الكفلاء مؤمنون..

ومن حق الأجانب المستأمنين على جميع المواطنين والمقيمين أن يحفظوا حقوقهم وأن لا يظلموهم وأن لا يعتدوا عليهم وإن كان غيرهم من أبناء جلدتهم قد آذى إخواناً لنا ..

فلا يؤخذ أحد بجريرة غيره : {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

فالأجانب القادمون إلى السُّعودية -حرسَها اللهُ- من حيث الأمان نوعان :

نوع لهم أمانان : أمان الدولة وأمان كفلائهم المسلمين .

والنوع الثاني لهم أمان واحد وهو أمان الدولة ..

ولكن في الحقيقة هم لهم أمان الدولة ومن يرى شرعية الدولة وهم أهل العلم في المملكة وغيرها كما سيأتي -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى-

فالحقيقة : أن هؤلاء الأجانب عندهم أمان من : الدولة، والعلماء، والشعب المسلم.

فلو كفروا الدولة ظلماً وعدواناً فيبقى لهؤلاء الأجانب أمانان: أمان العلماء ، وأمان الشعب المسلم..

وها هو بيان إجماع الأمة على حرمة إيذاء وقتل الأجانب في السعودية -حرسَها اللهُ- :

فقد أجمع العلماء أن الكافر الحربي إذا أمَّنه رجل من المسلمين ولو كان المسلم فاسقاً فأمانه صحيح ، وأصبح آمناً لا تجوز أذيته فضلاً عن قتله!

فإذا أمَّن واحد من المسلمين ولو كان امرأة قرية أو واحداً من الكفار لم يعد حربياً بل يكون آمناً ولو كانت القرى الأخرى أو بقية شعب ذلك الواحد محاربين يقاتلون المسلمين ..

هذه الشريعة الإسلامية التي دل عليها الكتاب والسنة وأجمع عليها العلماء ..

قال ابن حزم في مراتب الإجماع(ص/204) : " واتفقوا أن الحر البالغ العاقل الذي ليس سكران : إذا أمَّنَ أهلَ الكتاب الحربيين على أداء الجزية على الشروط التي قدمنا، أو على الجلاء، أو أمَّنَ سائر أهل الكفر على الجلاء بأنفسهم وعيالهم وذراريهم وترك بلادهم واللحاق بأرض حرب لا بأرض ذمة ولا بأرض إسلام أن ذلك لازم لأمير المؤمنين ولجميع المسلمين حيث كانوا".

وقال –أيضاً- : "واتفقوا أن لأهل الذمة المشي في أرض الإسلام والدخول حيث أحبوا من البلاد حاشا الحرم بمكة، فإنهم اختلفوا أيدخلونه أم لا"

وإنما الخلاف في سكنى (استيطان) جزيرة العرب..

وقال ابن مفلح في المبدع(3/389) : "باب الأمان: الأمان ضد الخوف، وهو مصدر أمن أمنا وأماناً، والأصل فيه قوله تعالى: {فأجره حتى يسمع كلام الله}، وقوله عليه السَّلام: ((ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) متفق عليه من حديث علي، وإذا أُعْطُوا الأمان حرم قتلهم وأخذ مالهم والتعرض إليهم.

يصح أمان المسلم المكلف أي البالغ العاقل... ذكراً كان أو أنثى، نص عليه، ولقوله عليه السلام: ((قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء)) رواه البخاري ، وأجارت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا العاص بن الربيع، فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم، حراً اتفاقاً ، أو عبداً في قول أكثر العلماء لقول عمر: العبد المسلم رجل من المسلمين يجوز أمانه. رواه سعيد .

ولقوله عليه السلام: ((يسعى بها أدناهم))، فإن كان كذلك فصح أمانه بالحديث، وان كان غيره أدنى منه فيصح من باب أولى، ولأنه مسلم مكلف فصح منه كالحر مطلقاً، سواء كان مأذوناً له في القتال أو لا، أو أسيراً، نص على ذلك، وللعموم، وبعضهم شرط فيه أن يكون مختاراً ولا حاجة إليه لأن المسلم الحر المطلق لو أكره على الأمان لم يصح فلا حاجة لاختصاص الأسير به، وفي أمان الصبي المميز روايتان إحداهما لا يصح لعدم تكليفه"

وقال المر داوي في الإنصاف(10/348 – 352-طبعة التركي) : [قال الإمام أحمد: إذا أشير إليه – يعني: الحربي - بشيء غير الأمان، فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يرى العلج أنه أمانٌ فهو أمان، وقال: إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمنه، قال الشيخ تقي الدين - يعني ابن تيمية -: فهذا يقتضي انعقاده بما يعتقده العلج، وإن لم يقصده المسلم، ولا صدر منه ما يدل عليه» أ.هـ.

وقال ابن قدامة في المقنع(10/345-طبعة التركي) : "ويصح أمان الإمام لجميع المشركين، وأمان الأمير لمن جُعل بإزائه، وأمان أحد الرعية للواحد، والعشرة، والقافلة، ومن قال لكافر: أنت آمن، أو: لا بأس عليك، أو أجرتك، أو قِفْ، أو ألق سلاحك ، أو مَتَرْس؛ فقد أمَّنه"

بل أبلغ من ذلك ما قاله(10/354) : "ومن أعطي أماناً ليفتح حصناً ففتحه، واشتبه علينا فيهم ، حرم قتلهم واسترقاقهم"

الله أكبر الله أكبر ..

كفَّارٌ محاربون تعصم دماؤهم بالشبهة في كون أحدهم قد أُمِّن ، وهؤلاء الخوارج يقتلون المؤمنين والأطفال والنساء لاشتباه أن سكنهم أو شركتهم فيها كفار ؟!!

لعنة الله على الخوارج ما أفجرهم!!..

وقال السمرقندي في تحفة الفقهاء(3/296) : " أمان الواحد الحر أو العبد المقاتل أو المرأة صحيح بلا خلاف".

فهذه شريعة الإسلام فدعونا من القوانين الوضعية الخارجية الأهوائية الزندقية أيها الخوارج ..



المسألة الثانية: إخراج المشركين من جزيرة العرب

زعم المتطرفون والخوارج بأن الواجب إخراج المشركين من جزيرة العرب ([4])، وأن استقدام الكفار في أي مدينة من مدن البلاد السُّعوديَّة يخالف هذا الواجب، مما يوجب العمل على إخراج المشركين ولو بقتلهم! وهذه الشبهة من أكبر الشبه التي يخادعون بها النَّاس ، ويلبسون عليهم بها، والرد على هذه الشُّبْهَة الدَّاحضة من وجوه:

الوجه الأول: أجمع العلماء على أن المحرم على المشركين هو استيطان جزيرة العرب وسكناها والإقامة الدائمة فيها .

قال ابن حزم -رحمهُ اللهُ- في مراتب الإجماع(ص/204-وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية) : "واتفقوا أن لأهل الذمة المشي في أرض الإسلام والدخول حيث أحبوا من البلاد حاشا الحرم بمكة، فإنهم اختلفوا أيدخلونه أم لا"

وإنما الخلاف في سكنى (استيطان) جزيرة العرب..

الوجه الثاني: أن العلماء اختلفوا في المرادِ بجزيرة العرب التي ورد الأمر بإخراج المشركين منها ([5]) على أقوال عديدة:

فقال الإمام الزهري: جزيرة العرب: المدينة، وقال المغيرة بن عبد الرحمن: جزيرة العرب: المدينة ومكة واليمن وقرياتها، وقال مالك: هي مكة والمدينة واليمامة واليمن، وقال الحنفية: يجوز دخول المشركين جزيرة العرب مطلقاً إلا المسجد، وقال مالك: يجوز دخولهم الحرم للتجارة، وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلاً إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة، ومنهم من قال: إن المراد بجزيرة العرب الحجاز خاصَّة([6]).

وقال ابن قدامة -رحمهُ اللهُ- : "وقال أحمد: جزيرة العرب المدينة وما والاها. يعني أن الممنوع من سكنى الكفار المدينة وما والاها، وهو مكة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها وما والاها، وهذا قول الشافعي لأنهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن" إلى أن قال: "فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز، وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد، ولا يمنعون أيضاً من أطراف الحجاز كتيماء وفيد ونحوهما، لأن عمر لم يمنعهم من ذلك .

فَصْلٌ: ويجوزُ لهم دخول الحجاز للتجارة لأنَّ النَّصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر -رضي اللهُ عنه- ..."([7]) وقال النووي -رحمهُ اللهُ- : "مراد النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب: إخراجهم من بعضها وهو الحجاز خاصَّة لأنَّ تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز"([8]) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- : "لما فتح النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحةً؛ لعجز الصحابة عن فلاحتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى سكناها، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا نحو ألف وأربعمائة، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر، فهؤلاء هم الذين قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم أرض خيبر، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم - يعني الجهاد - فلما كان زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وفتحت البلاد، وكثر المسلمون، واستغنوا عن اليهود؛ فأجلوهم وكان النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قد قال: ((نقركم فيها ما شئنا)). وفي رواية: ((ما أقركم الله)). وأمر بإجلائهم عند موته -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال: ((أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)). ولهذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين بالجزية، إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر، وفي المسألة نزاع ليس هذا موضعه"([9]) .

وقال الحافظ ابن حجر: "الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب هذا مذهب الجمهور"([10]) .

وقال بدر الدين العيني: " إذا كان للمسلمين ضرورة إليهم لا يتعرض لهم ألا يرى أنه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أقر يهود خيبر بعد قهر المسلمين إياهم لإعمار أرضها للضرورة وكذلك فعل الصديق -رضي الله عنه- في يهود خيبر ونصارى نجران"([11]).

وقد ذكر جماعة من العلماء عدد الأيام التي يجوز مكث المشرك التاجر بالحجاز أو أي إقليم من الأقاليم التي يحرم سكنى المشركين بها، والصواب: أنَّهُ راجعٌ إلى الحاجة والضرورة وإن طالت المدة فقد مكث اليهود في خيبر وتيماء ، والنصارى بنجران قرابة ثلاثة عشر عاماً ما بين تاجر ومزارع ومعاهَد.

فخلاصة الأمر: أن إدخال المشركين إلى جزيرة العرب يجوز للحاجة أو الضرورة إليهم، وإنما يمنعون من الإقامة الدائمة فيها، ويمنعون من بناء بيت للعبادة بها.

الوجه الثالث: أنَّ الأجانبَ (غير المسلمين) الذين دخلوا إلى المملكة العربية السُّعودية إنَّمَا قدموا إلى البلاد السُّعودية بعهد وأمان مِنَ الدولة ، ومن كفلائهم الذين أحضروهم وهؤلاء الكفلاء مؤمنون..

قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده))([12]).

وقال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل))([13]).

وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ))([14]) .

ومن حق الأجانب المستأمنين على جميع المواطنين والمقيمين أن يحفظوا حقوقهم وأن لا يظلموهم وأن لا يعتدوا عليهم وإن كان غيرهم من أبناء جلدتهم قد آذى إخواناً لنا ..

فلا يؤخذ أحد بجريرة غيره : {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}([15]) .

فالأجانب القادمون إلى السُّعودية -حرسَها اللهُ- من حيث الأمان نوعان :

نوع لهم أمانان : أمان الدولة وأمان كفلائهم المسلمين . والنوع الثاني لهم أمان واحد وهو أمان الدولة ..

ولكن في الحقيقة هم لهم أمان الدولة ومن يرى شرعية الدولة وهم أهل العلم في المملكة وغيرها منهم:

الشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن غصون والشيخ ابن عثيمين والشيخ عبد الرحمن الفريان-رحمهُم اللهُ- ، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ ابن غديان، وغيرهم من العلماء بالعشرات ..

فهؤلاء العلماء الذين يشهدون بإسلام الدولة السعودية هم مؤمنون لهؤلاء الأجانب لكونهم يرون ولاية ولي الأمر ويلزمون الناس بطاعته في المعروف، ويوجبون على الشعب تأمين هؤلاء الأجانب

فالحقيقة : أن هؤلاء الأجانب عندهم أمان من : الدولة، والعلماء، والشعب المسلم.

فلو كفروا الدولة ظلماً وعدواناً فيبقى لهؤلاء الأجانب أمانان: أمان العلماء ، وأمان الشعب المسلم.. وحقيقة هؤلاء المجرمين هو : تكفير الدولة السعوديَّة -حرسَها اللهُ-، وعدم اعتبار أي قيمة للمؤمنين من الشعب السعودي هذا إذا لم يصل الأمر بهم إلى تكفير الشعب كما عليه الغلاة من الخوارج في هذا الزمان ..

الوجه الرابع: بناءً على إجماع العلماء على صحة أمان الأجانب الذي استقدموا إلى البلاد السعودية -حرسَها اللهُ- فلا يجوز التعرض لهم بالأذى، وأن قتلهم من الكبائر العظام.

فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً)) أخرجه البخاري([16]).

ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له، ومن قتله فإنه كما قال النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((لم يرح رائحة الجنة))، وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين.

فتبيَّن أنَّ قوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) لا يتنافى مع استقدام المشركين للحاجة إليهم لمدة مؤقَّتة، فهذه سنَّة رسوله الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ، وكذلك سنة خلفائه الراشدين ، فأبو بكر -رضي اللهُ عنه- لم يخرجهم من جزيرة العرب إلى أن مات بل أجمع الصحابة في زمن أبي بكر على عدم إخراجهم ولا المطالبة بذلك ..

وعمر -رضي اللهُ عنه- لم يخرجهم إلا بعد نقضهم العهد ، فأخرجهم لعدة أسباب وليس منها لأنهم مشركون وفقط كما يزعمه الخوارج لعنهم الله .

ومن أسباب إخراجهم : نقض العهد بمحاولتهم قتل ابن عمر -رضي اللهُ عنهما-، ولأن الحاجة إليهم لزرع الأرض انتهت ..

وكذلك من سنة عمر -رضي اللهُ عنه- أن من كانت عنده صنعة ويحتاج المسلمون إليها أن يبقيه حتى في مدينة الرسول -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- .

فأبو لؤلؤة المجوسي عابد النَّار كان يسكن في المدينة، ويعطيه عمر الأمن والأمان، ويأخذ منه الجزية .. فهذه سنة رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وسنة الخلفاء الراشدين، فلا يجوز مخالفتها لأهواء الخوارج وآرائهم الفاسدة.

فتبين بما سبق أنه يجوز استقدام الأجانب إلى الجزيرة العربية للحاجة إليهم ولو لم تكن ضرورة ، وأن الممنوع هو إقامتهم الدائمة الأبدية في جزيرة العرب،.

وتبين كذلك : أن الأجانب الموجودون في السعودية ليسوا محاربين ولو كانوا قادة جيوش، أو رؤساء دولهم، بل بتأمين المسلمين لهم ، ودخولهم إلى البلاد السعودية -حرسَها اللهُ- لما أعطوه من الأمان، فمن آذاهم واستحل دماءهم فهو مخفرٌ لذمة الله ورسوله والمؤمنين.

وإذا كان يعتقد أن لا عقد لهم ولا أمان فهو خارجي خبيث ويجري عليه خلاف العلماء في كفر الخوارج ..

لأن المسألة هذه إجماعية لا يجوز مخالفتها ..

ولأن الذي يزعم أن الأجانب الذين في السعودية ليس لهم عهد وأمان فهو مكذب لله ورسوله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ، ويخشى عليه أن يكون كافراً مرتداً.. وبعد بيان الحجة له والأدلة والإجماع وأصر بعد ذلك فهو أحد رجلين : إما خرجي خبيث فيجري فيه الخلاف في كفر الخوارج ، وإما أنه زنديق باطني يتظاهر بالإسلام وهو كاره لدين الإسلام ..

نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يوفقنا للحق والصواب، وأن يكفينا شر الخوارج والإرهابيين، وأن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يعيذ المسلمين والمعاهدين من شرورهم وفجورهم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) حديث صحيح، سبق تخريجه(ص/210).

([2]) رواه البخاريُّ في صحيحه(3/1160رقم3008-البغا)، ومسلم في صحيحه(2/994رقم 1370) من حديث علي -t-.

([3]) رواه البخاري في صحيحه(1/118رقم357) ، ومسلم في صحيحه(1/498رقم366).

([4])قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) رواه البخاري في صحيحه(3/ 1111رقم2888-البغا)، ومسلم في صحيحه(3/1258-1259رقم1637) من حديث ابن عباس -رضي اللهُ عنهما- .

([5])مع أن جزيرة العرب في اللغة والعرف ما بين البحر الأحمر غرباً، والخليج العربي شرقاً، وبحر العرب جنوباً، وبادية الشام شمالاً. انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض(1/169)، والنهاية في غريب الحديث والأثر(1/268)، وغريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام(2/67)،ولسان العرب(4/133-134)، ومعجم البلدان(2/137-138).

([6])انظر: التمهيد لابن عبد البر(1/172), وفتح الباري(6/171) وألَّف الحسين بن محمد بن سعيد اللاعى المعروف بالمغربى، قاضي صنعاء ومحدثها رسالة في حديث: ((أخرجوا اليهود من جزيرة العرب)) رجح فيها: أنه إنما يجب إخراجهم من الحجاز فقط محتجاً بما في رواية بلفظ: ((أخرجوا اليهود من الحجاز)) البدر الطالع(1/230)، والأعلام للزركلي(2/256).

([7]) المغني(9/285-286).

([8])المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي(10/213).

([9])مجموع الفتاوى(28/88-89).

([10])فتح الباري(6/171).

([11])عمدة القاري(15/90)