المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مهور الفساد 2


شامل سفر
23-05-05, 06:47 AM
مدينةٌ فاضلةٌ .. فعلاً !
لنفترض بدايةً كتأسيس رقمي حسابي، أن راغباً في الزواج مِن متوسطي الدخل ، يحمل جنسيةَ دولةٍ إسلاميةٍ لا هي بالغنية جداً ، هذا إنْ بقي على الخارطة بلدٌ إسلامي يستحقُّ هذه ال .. تسمية! ، و لا بالفقيرة جداً ، .. لنفترض أن صديقنا يجري حساباته لتكاليف الزواج . سأفترض هنا أن تكاليف الزواج ستُقسم بين أهل العروسين، على اعتبار أن كلاً منهما سيقوم بإجراءات احتفالية خاصة . لكنني سأكتفي بحساب نفقات العريس فقط . و من ذلك طبعاً ، ثمن الحليّ الذهبية و ثمن بيت الزوجية مما سيُضاف إلى مصاريف العريس ، كان اللهُ في عونه . و سأجري حساباتي ضمن هذا البحث ، معتمداً على مقاربات التسعير المتوقع وفق عملةٍ واحدة هي الدولار الأمريكي ، على اعتبار أن الحسابات المالية في العالم أجمع تُجرى وفقه . و الدولار رغم صعوده و هبوطه ، مِن منافسه اليورو لَقريب .
لا يقلّ ثمن البيت (ثمن منزل الزوجية) الذي يمكن اعتباره صالحاً لسكنى زوجين ، في أي حالٍ من الأحوال، عن /6/ ستة آلاف دولار . و يتراوح ثمن الغرام الثقلي من الذهب بين/8-10/ دولارات ، بحيث يكون ثمن الحدّ الأدنى المعقول من الحليّ الذهبية المتوقَّع أن يقدمها العريس (أي ثمن 30 غ فقط) : 300 دولار. فإذا أضفنا إلى المبلغين المذكورين 300 دولار أخرى ، يعرف كل متزوج أنها مما يمكن إنفاقه بسهولة ثمناً لهدايا المناسبات و المجاملات خلال فترة الخطوبة و عقد القران ، لأصبح المجموع /6600/ دولار . وتبقى مصاريف حفل الزفاف الذي نفترض أنه سيُجرى ضمن بيت أهل العريس (أو العروس) ، لا في صالةٍ خاصة مستأجرة ، و أن عدد المدعوين لا يتجاوز /50/ شخصاً بين رجالٍ و نساء، مع يقيني بأن هذا فرضٌ متشائم وفق عاداتنا العربية عموماً . و هكذا فإن تكاليف الضيافة تتراوح ما بين 100-200 دولار في أضيق الأحوال ، و نصل و الحالة هذه إلى 6800 دولار .
و أما المهر، وهو رقمٌ يصعب تحديده إلا أن الحد الأدنى المعقول هو /2000/ دولار ، لا يُدفع منها شيء في بعض البلدان، إذ تُكتَب في العقد على أنها غير مقبوضة . إلا أن أُناساً يصرّون على دفع نصفها على الأقل ، أي دفع مقدم المهر البالغ في حالتنا /1000/ دولار . هذا و من عادة أهالي بعض البلدان ، إضافة مبلغ آخر إلى المهر ، يصرّون على قبضه نقداً ، هو ثمن جزءٍ لا يُستهان به من جهاز العروس. و المبلغ الأخير لا يقلّ عن /1000/ دولار ، مما يرفع المبلغ الإجمالي إلى /8800/ دولار .
بيدَ أن بيت الزوجية لا يُعقل أن يُسكن فارغاً من الأثاث الأساسي على الأقل . و لا أظن أن تأثيث بيتٍ مؤلفٍ من غرفتين ، يمكن أن يقلَّ عن /400/ دولار ، و ذلك بواقع /100/ دولار للأثاث الخشبي الخاص بكل غرفة و /200/ دولار للتجهيزات الكهربائية و الأشياء الضرورية الأخرى (علماً أنني أسقطت من حساباتي هنا كلاً من ثمن التلفاز و المذياع و اعتبرتهما من الكماليات) . و هكذا يرتفع الرقم إلى : /9200/ دولار ... فقط ؟!
لا طبعاً ، فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مصاريف الطوارئ الاحتفالية ، و مبالغ احتياطي مصروف الفترة الأولى من الزواج، و أعني ما يُسمَّى بشهر العسل أو أسبوع التهاني و المباركات ، فإنه يصحّ أن يُجبر الرقم المذكور إلى /10000/ دولار صحيحة .
و على الرغم من أن الرقم المذكور يثير في أيٍّ ممن تزوجوا مؤخراً في الدول الإسلامية ، أي في خلال السنوات الخمس لمنصرمة ، رغبةً في الضحك من هكذا تقشف و بُعْد عن الواقعية ، فسوف أتابع البحث على أساسه . أي أنني سأتابع البحث على أساس أن الحدَّ الأدنى و الكافي لمصاريف زواج الشخص ، هي /10000/ دولار تقع بكاملها على عاتق العريس ، بغضّ النظر عما ينفقه أهل العروس .
و السؤال الأكبر و الأهم هنا : كم هو متوسط دخل الرجل - و لنقل الخريج الجامعي مثلاً – في دولةٍ إسلامية متوسطة الحال ؟ وكم يكفيه من ذلك الدخل عادةً كمصرفٍ شخصي أو داعمٍ للأهل خلال فترة العزوبية ؟ و كم يمكنه أن يوفّر من دخله شهرياً ؟
سأفترض أن الدخل الشهري لصاحبنا هو /300/ دولار شهرياً ! و أن بإمكانه أن يوفّر ثلث راتبه الشهري بالكامل أي /100/ دولار شهرياً ، بمعدّل /1200/ دولار سنوياً . و هكذا يحتاج صاحبنا إلى التقشف /8/ ثماني سنوات بعد تخرجه من الجامعة (أو بالأحرى : بعد انتهائه من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية) ، حتى يستطيع الزواج وفق أسعارٍ مضى على تقادمها /8/ سنوات ، و بدخلٍ تناقصت قيمته الشرائية مدة ثماني سنوات أيضاً . أي أنه لن يستطيع الزواج قبل سن /34/ الرابعة و الثلاثين .
و يصحّ الكلام السابق إذا (و فقط إذا) كان صاحبنا مجتهداً و منتظماً في حياته 100% ، أي إذا حصل على شهادة الثانوية العامة في الثامنة عشرة ، و على الشهادة الجامعية في الثانية و العشرين ، و أنهى خدمة العلم في الرابعة و العشرين ، و وجد عملاً بعد ذلك مباشرة و براتب قدره /300/ دولار ، ثم صَبَرَ و تَقَشَّفَ ثماني سنوات ، و حافظت عملة بلاده على قيمتها الشرائية صامدةً في وجه اقتصادٍ عالمي يتحكم فيه أحفادُ شايلوك ، ثم فجأةً و بسهولة وجد العروس
المناسبة دون أي بحثٍ أو عناء أو تمضية أي فترة زمنية في اختيار زوجة المستقبل .
و مع أن الصورة السابقة تصلح مقطعاً في فيلمٍ يصوّر المدينة الفاضلة ، فسأتابع البحث على أساس أنها ممكنة الحدوث و احتمال حصولها وارد .
الخطر الثلاثي
لم يتخذ هذا البحث من المال أساساً له ، بل تعامل مع المال و حساباته كنقطة انطلاق و كمقدمة وصفية تُصَوٍّر الركيزة الملموسة لإجراءات الزواج . بيد أن للموضوع جوانب أُخرى أشدُّ إيلاماً من مجرد بقاء المرء عازباً حتى الرابعة و الثلاثين. و مع أن الواقع الذي يعرفه القاصي و الداني مليءٌ بالإشارات الواضحة إلى أن حالات العنوسة تتجاوز العمر المذكور إلى حدود الأربعين أو أكثر ، و إلى أن واقع التكاليف الحقيقية أكبر بكثير مما ذكرتُ ، فإن ما خَفِيَ و دَقَّ كان أعظم .
للموضوع جوانب ثلاث لا يمكن فصلها كلاً على حدة ، إذ تتبادل التأثير فيما بينها من جهة ، و فيما بينها و بين السياق الكلي للمقدمات و النتائج من جهةٍ أخرى ، الأمر الذي يعني أنها تتبادل التأثير مع لُبِّ موضوع البحث وهدفه : ألا و هو الشاب المسلم . و الجانب الأول اقتصادي، و أما الجانب الثاني فذو طبيعةٍ ثنائية ، و هو اجتماعي سلوكي أولاً و إعلامي ثانياً . و يبقى الجانب الثالث و هو تربوي . و يمضي المثلث المذكور باتجاه إصابة الالتزام العام في مَقْتَل ، و يتابع محفوفاً برعاية سوء إعمال العقل و عنايته .
إن أرضيةً أُسِّسَتْ على قاعدةٍ من إعماء العقل بشكلٍ مُتَعَمَّد ، و عُبِّدَتْ طرقُها بإجراءات تدليك الضمير ، ثم رُصِفَتْ جوانبها بما يَصْلُح لتسكُّعِ الفكر على قارعة اللاهوية ، إن أرضيةً كهذه لَهي خيرُ طريقٍ للفناء ، و أقصر دربٍ يؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى الهاوية .
و بما أننا انطلقنا في نقاش المسألة من وصفٍ حسابيٍّ مالي، فمن المناسب البدء بالجانب الاقتصادي أولاً .
في معظم البلدان الإسلامية ، لا يُلْزَم المواطن مِن قِبَلْ الدولة بدفع زكاة أمواله ، و إنما يلزم بدفع ما يترتب على معاملاته المالية و التجارية من ضرائب مرتكزة إلى أساسٍ قانونيٍّ وضعي ، أو شبه وضعي في أحسن الأحوال . و أما دفع الزكاة فيترك للإنسان حرية الالتزام به أو تركه ، بل إن القوانين الوضعية عموماً تتجاهل ذكر هذا الموضوع تماماً ، و كأن الأمر عائدٌ إلى ضمير المواطن فقط و إلى مدى التزامه الديني . و على الرغم من أن الأصل الشرعي معاقبة الممتنع عن دفع الزكاة متعمِّداً ، فإننا لسنا بصدد مناقشة إسلامية نظم الحكم أو عدم إسلاميتها (أو مدى إسلاميتها ... على اعتبار أن مصطلحاً كهذا قد أصبح من الوارد استخدامه في أيامنا) ... فما هذا موضوعنا .
و أُسُّ الجانب الاقتصادي للمسألة ، هو السلوك الاقتصادي - لا المالي- الشائع اتباعه على أساسٍ من سوء إعمال العقل بشكلٍ فادحٍ و خطير . و محورُ الأمرِ قضيةُ الأولويات (أولويات الإنفاق و الإنفاق الشرعي)، و منظومة الأفكار الشائعة و المتداولة حول تلك الأولويات ، و الناظمة بشكلٍ جمعي لتراتبيّتها .
و لكي نوضِّحَ وجهة نظرنا ، نَسوق المثال التالي : لنفترض أن إنساناً وجب عليه دفع مبلغٍ من المال كزكاةِ أموال ، و أن المبلغ المتوجب دفعه هو /10000/ دولار. و لقد تعمدنا أن يطابق الرقمُ المذكور الرقمَ الدالَّ على تكاليف زواجِ شابٍّ واحد ، توخياً للمزيد من الإيضاح من جهة ، و للواقعية في سَوق المثال من جهةٍ ثانية ، و ذلك على اعتبار أن المبلغ المذكور يمثل2.5% من ثروةٍ مقدارها أقل من نصف مليون دولار . و لكَ أن تقدِّر مدى امتلاء مجتمعاتنا الإسلامية بأشخاصٍ تتراوح الأرقام الدالة على مبالغ ثرواتهم حول الرقم المذكور.
يمكن للراغب في دفع زكاةٍ مقدارها /10000/ دولار ، أن يضعها في أي وجهةٍ من وجهات الخير ، بدءاً بدفعها كتلةً واحدة أو على أجزاء ، إلى المحتاجين المستحقين ، مروراً ببناء المساجد و المعاهد الشرعية ، و انتهاءً بدعم جهاد إخواننا في فلسطين ، بما في ذلك تزويج شابٍّ مسلم و تحصينه من الوقوع في مطبَّات سوء السلوك. فما هي يا تُرى العوامل التي تُوَجِّهُ تفكيرَ دافعِ الزكاة إلى وجهةٍ معينة دون غيرها ؟!
لو أمكن لكاتب هذه السطور أن يموِّلَ استقصاءاً للرأي ، تضطلعُ به مؤسسةٌ علميةٌ مختصة ، أملاً في الحصول على إحصائيات دقيقة ، لاتَّخَذَ هذا البحثُ مساراً أوضح و أكثر علميةً . لكن غياب المؤسسات البحثية في عالمنا الإسلامي ، و المتمثل في وجودها الفيزيائي و غيابها (أو تغييبها) عن مقاربة موضوعِ أولويات الزكاة و الصدقات ، يجعلنا مضطرين لخوض غمار هذا البحث بناءً على ملاحظاتٍ محض شخصية قائمةٍ على استقراء الواقع بالاطلاع على المتاح من الإحصائيات في مظانّها . و دَعْكَ طبعاً من افتراءات أمريكا و إسرائيل و شَحْنِهما إعلامَ الدنيا صباحَ مساء بالاتهامات الموجهة ضدنا حول توجيه الأموال و التبرعات نحو دعم الإرهاب . فأولاً : ما هذا شأن غير المسلمين ، ثم لينظر متِّهمونا ثانياً في أمر تمويلهم (هم) للإرهاب ... و بعد ذلك ليحاسبوا غيرهم إذا (و فقط إذا) ثبتت براءتهم (هم) .
غير أن براءة الأمة الإسلامية من تهمة تمويل الإرهاب الباطلة ، لا تَغفِر لها ، و لا يصح أن تغفر لها ، سوءَ إعمالِ العقل الجماعي في مجال أولويات الإنفاق في سبيل الله (أي في مجال الجهاد بالمال) . و مع أن وضعَ تزويجِ الشباب في أول و أهم درجات سلَّم الأولويات القصوى ، ليس واجباً في كل زمن (على ما أظن ) ، و مع أنه يتبادل شغلَ تلك الدرجة مع وجهاتٍ أخرى للخير تبعاً للحال السائدة في المجتمع الإسلامي و ما تقتضيه ، فإنني واضعٌ بين يدي القارئ الكريم ما أرى فيه برهاناً على أن تزويج الشباب في الوضع الراهن للأمة ، و على امتداد بضعة عقودٍ قادمة ، إنما يشكِّلُ الأولوية القصوى من جهة ، و أنه أساسٌ استراتيجي من جهةٍ أخرى لجهاد الأمة ضد أعدائها ، يقومُ على حُسنِ توظيف الأموال و (تثميرها) على وجهٍ أرجو أن يجده المختصون شرعياً ، و الله أعلم .
إن القول بإعطاء الأولوية القصوى لبناء المساجد، وهمٌ لا يستند إلى أي مبررٍ مقبولٍ عقلاً ، فالمساجد منتشرة بما فيه الكفاية ، و كذا المعاهد الشرعية . و أما إعطاءُ فقيرٍ ما يسدُّ رمقه أو يقضي حاجته في مناسبة عيدٍ أو نحوه ، فما هو بِبُعْدِ أفقٍ ، أي ليس قائماً على نظرٍ في الآفاق و الأنفس. و لستُ هنا بصدد الحضِّ على عدم تطبيق أمر الله عزَّ و جلّ القاضي بإطعام المسكين و ابن السبيل .. إلخ ، لستُ بصدد هذا و العياذُ بالله ، و إنما أقول بأن الاكتفاء بالتطبيق الحرفي و ضمن أضيق الحدود ، دونما تَفَكُّرٍ و تَدَبُّرٍ (استراتيجيين) في آفاق الأمر الإلهي ... ليس من الحكمة في شيء .
و تأملْ - رعاكَ اللهُ - في مثالِ إعطاءِ فقيرٍ بمناسبة العيد طعاماً أو ألبسةً أو نقوداً . إنه حلٌّ آنيٌّ لمشكلةٍ آنية و ضربٌ من التغافل عن حقيقة المساهمة الغير متعمدة (و المتعمدة أحياناً) في بقاء الفقير فقيراً و الغني غنياً ، هذا يزداد فقراً و ذا يزداد غنىً ، و تبقى الحال على ما هي عليه . و لن أحدثك هنا عن الخطب و المواعظ التي تحثُّ الأغنياء على البذل و العطاء ، فالحثُّ الحق و الدعوة الحقّة ، ينبغي أن يكونا في زماننا هذا نوعيين و منطقيين و مُوَجَّهَين باتجاه الحاجة الحقيقة للأمة، ألا وهي التطور، لا المراوحة في المكان .. و مَن لم يكن في زيادةٍ فهو قطعاً في نقصان ، و يا له من نقصان .
و يبقى أن أهمس في أذن قارئي الكريم ، أن وقف المشاريع التجارية أو الصناعية أو الزراعية ، ضمن أشكالٍ وقفيةٍ مُستحدثة تقوم على التأجير ثم توظيف بدلات الإيجار باتجاه الإنفاق على المعوزين ، ... هذا المنحى ليس تكراراً مختلف الشكل للأخطاء الآنف ذكرها و حسب ، بل إنه إيهامٌ ذاتيٌّ بالاستثمار يزيد القادرَ على الاستئجار غنىً ، و المتلقي لبدلات الإيجار دعةً واسترخاءً في بحبوحة الأخذ من العاطي دونما إنتاجٍ حقيقي أو تطورٍ فعلي للأمة . الأمة أيها السادة و السيدات ، متخلفةٌ عن ركب الحضارة و المعلومات و التطور قروناً من الزمان . و الحاجة الحقّة لهذه الأمة تتلخص في كلمتين : العلم و الإنتاج .
وقبل أن يُظنَّ بي أنني أخلط الجدَّ بالهزل ، أقول إنني لا أتحدث عن مجرد ( التزويج ) بل عن استراتيجية للأمة بأسرها ، قائمةٍ في مبدأها على التزويج ،لكنها تمتد في بنيانها لتطاول عنان التطور الذي بِتْنا نتأمل زرقته و نكتفي بحلم ارتياد كواكبه على متن مركباتٍ فضائيةٍ سياحية يصنعها أعداء هذه الأمة ممن يسعدهم أن يجعلونا يوماً نعدُّ نجومَه في لظى ظهيرةِ تَخَلُّفَِنا .
و تقوم الاستراتيجية المذكورة التي أطلقتُ عليها تسميةَ : استراتيجية النقاء النوعي ، و اختصرتُ تسميتها بلفظ : سُنَن ، معتمداً في ذلك على الأحرف الأولى غير الصوتية من كلماتها الثلاث ( مع استبعاد ال التعريف ) ، تقوم على فكرةٍ بسيطة مفادها إطلاق العنان لمتواليةٍ هندسية من تثمير كلٍ من المال و الطاقة العقلية للأفراد ، اعتماداً على جهودٍ فردية لا حكومية ، قائمةٍ على شكلٍ مستحدث من الوقف الشرعي المعتمِد على الحوافز . و المتوالية المذكورة موجودةُ في ديننا الحنيف ، إلا أن الأمر كان بحاجةٍ و ببساطة إلى شيءٍ من إعمال العقل في حرفين اثنين من القرآن الكريم هما (واو الجماعة) في الآية الكريمة : ( لا تقربوا ) .
العلمُ و الإنتاج إذن ، أي التطور و مَنَعَةُ الأمّة ، في مواجهة تحدٍّ هائل هو استكشاف استراتيجيةٍ لتثمير المال و الطاقة العقلية ، عبر إعمال العقل ، و باتجاهٍ وحيد ، هو النجاة من الحالة الراهنة المخزية ثم الانطلاق إلى الأحقِّية بالقيام بالقسط و استحقاق الاستخلاف في الأرض . فما هو الحل ؟!
حتى يكون إنسانٌ قادراً على العطاء و الإبداع ، ينبغي أن تكون حاجاته الأساسية من غذاءٍ و كساءٍ و أمنٍ و صحة وكفايةِ مالٍ و توفر تعليمٍ و فرصِ عمل ، متواجدةً متوفرةً له . و لا ننسَ طبعاً الجانب النفسي المتضمِّن احترام الذات و الآخَر ، و تَحَقُّقِ ( أو وجوب تحقق ) الشعور بالرضا المتبادَل مع الكيان الاجتماعي ، و توافر الرغبة الذاتية لدى الجميع بالتكافل و التعاضد و بالتراحم و الإخاء و التواصي بالحق و الصبر . و إن (سنن) لا تُغفل هذا الجانب النفسي ، بل ربما غلَّبته على ما سواه ، كما سيتضح إن شاء الله في ما سيلي من سطور .
بَيْدَ أن من ضمن الحاجات الأساسية ، حاجةٌ واحدة ، ليست الأُولى من حيث الفطرة ، ولا الأَولى بالإشباع ، هي الحاجة الجنسية و رغبة المرء الدائمة في إشباعِ غريزته بعلاقاتٍ جسدية مع الجنس الآخر .
و لا يخفى على عاقلٍ مدى قوة العلاقة الرابطة بين الرغبة الجنسية والمال . فالإشباع المشروع لتلك الرغبة عبر الزواج ، يحتاج في أدنى الأحوال ، وكما رأينا ، إلى توفر مبلغ /10000/ دولار إضافية بحوزة الراغب في الزواج ، خارج حدود التزاماته المالية الأخرى .
و إن تَرْكَ المجتمع للشباب يناضلون وحدهم ، و يجاهدون أنفسَهم و شهواتِهم الطبيعية و المشروعة ، بل و يجاهدون سيل إغراء القنوات الإعلامية و قنوات الإنترنت الموجَّهة لإفسادهم ، ثم تَرْكَهم يعاركون الأوضاع المخزية لسوق العمالة و التوظيف في العالم الإسلامي ، تلك الأوضاع التي يعرف كلٌّ منا أنها لا تترك الفرصة للنجاح فالزواج إلا بعد سنين طويلة من الكفاح المضني ، ... كلُّ هذا يعني أننا نرمي بشبابنا إلى التهلكة .
و ينقسم جيل الشباب ، و الحالة هذه ، إلى فئاتٍ متعددة ينتظمها سياقان أساسيان ، فإما ملتزمٌ صابر ، و إما مستسهلٌ للانقياد وراء الفاحشة و سلوك السبيل السيء . و إنَّا عن كُلٍّ لَمسؤولون و مُحاسَبون .
و أما المنقاد المستسهل ، فينظر إلى كفاح غيره من الملتزمين بعين الإعجاب و الشفقة في آن ، و يجد في صبرهم الطويل مبرِّراً إضافياً و مشجِّعاً على المضي قُدُماً في ضلالته . و لعل الواقعَ في مطبِّ الهوى ، يتمنى لو يرى في آخر النفق الطويل المظلم بصيصاً من ضوء الأمل يشجعه على التوبة فلا يجد .
و أما الصابر المحتسب ، فلاحظْ أن جهودَه و طاقاتِه العقلية ، بل و مالَه و جهده كله ، أضحتْ كلها موجهةً باتجاه تحقيق حاجةٍ واحدة هي الجنس . و كم هو مريرٌ و قاسٍ أن تتحول جموعُ الملتزمين من الشباب من طاقاتٍ فاعلة واعدة بالبحث و العلم و التطوير و الإنتاج ، إلى آلاتٍ تعمل على مدار الساعة باتجاه هدفٍ وحيد : تفريغ الطاقة الجنسية .
و أن ننفق على بناء المساجد عندما تكون حالُ المجتمع الإسلامي قويةً منيعةً مستقرة ، فهذا من المنطقي و المقبول ، و أما أن ننفق عليها و حالُ الأمةِ على ما هي عليه من التراجع الرهيب ، فإنفاقٌ هنالك ما هو أولى منه .
بعد أن بسطنا في ما مضى من سطور ، نظرتنا للواقع المُعاش ، منطلقين من محاولة تحليلٍ وصفيٍّ للتأثير المتبادل لظاهرتَي العنوسة و العطالة اللتان تتعاضدان لشلِّ مجتمع الشباب المسلم و ابتعاده ( أو إبعاده ) عن فرص العمل الجاد و المُنتِج ، ننوي إن شاء الله أن نوضح في المقالة القادمة ، المعاييرَ التي تُبنى على أساسها استراتيجيةُ النقاء النوعي (سُنَن) .

sham
26-05-05, 10:58 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحليل منطقي جدا للوضع .. ولكن اخي تحل الامور بطريقة بسيطة جدا .. اذا تفهم الاباء تييسير زواج الابناء .

وفهمت الفتيات أن هذه الحفلات والذهب لايؤدي الى السعادة .. ليعودوا الى طريقة الصحابة رضوان الله عليهم كان مهر بناتهم حفظ القرآن .

اخي المشكلة لاتحل بان يعمل الاغنياء على تزويج الشباب .. فكثير من الشباب يرفض هذه المساعدة .. فقط اولياء الامور عليهم تسهيل الزواج .

اخي تحليل عميق للمشكلة وجهد واضح مبذول .. ليت أئمة المساجد يتحدثون بهذا الموضوع .

وبالنسبة للصدقات والزكاة وكيف توزع .. مع الاسف اسمع اننا نحول تبرعاتنا للمشرق والمغرب ولانهتم بالمعوزين داخل بلدنا .. اما اطعام الجائع فهذه الايام لايكفي اطعامه .. هذه الايام علينا اجاد باب رزق له .. ايجاد عمل أو مشروع ليعمل به ويكتفي منه ماديا .

لو اغنياؤنا عملوا على دعم مشاريع صغيرة للشباب .. لو انهم وظفوا شبابنا بدل الاعتماد على الغرباء لقلة اجورهم لكان حالنا تغير منذ زمن .

رعاك الله اخي وكثر من أمثالك .
دمت بخير وحفظ الرحمن