سامي3000
29-10-09, 03:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
رحم الله القائل...
الإنسان عادة محاصر بمطالبه القريبة والبعيدة يفكر فيها ويكترث بهاوكلما اشتدت وطأتها زاد همه وربما نشاطه! فما يكاد يستيقظ مع الصباح حتى يبدأ تلبيةهذه المطالب مواصلا السعى مرحلة بعد أخرى فإما بلغ غايته فرضى أو عجز فسخط وهكذا طوال عمره. ترى ما هذه المطالب المسيطرة؟ البعض يدور حول نفسه فما يدرى غيرها... وهناك من يفكر فى (الرب) الذى خلقه فسواه وفى الحقوق المفروضة له فهويجعل لله وفرائضه نصيبا من حياته يقل أو يكثر. لكن لماذا تكون القسمة كذلك؟ امرؤ يكدح لنفسه وآخر يتجه بين الحين والحين إلى ربه؟ إننا نحب أنفسنا يقينا ٬ والعاقل حين يكدح لربه يرقب منه أن يصون يومه وغده ويحفظ عليه معاشه ومعاده نعم إنه يزرع لنفسه وأهله ولكنه يقرن الحصاد المنشود ببركة الله الواهب المحمود. فهو فى طيات عبادته لربه يحيى مجده وينتظر رفده على سواء الإيمان الحق أن يكون الله فى قلبك وأنت تقطع الليل والنهارعلى ظهر الأرض. يقول علماء المادة: إن الطبيعة لا تعرف الفراغ وهذا صحيح فالإناء الخالى من الماء مملوء بالهواء ترى هل الفؤاد الخالى من الله فارغ من كل شىء؟ كلا إنه مملوءبشىء آخر حتما.. مملوء بالأثرة أو الحقد أوعاكف على عبادة صنم حديث. والأصنام الحديثة فى عصرنا كثيرة من بينها الثراء والجاه والشهرة وسائر الشهوات العاصفة. ولذلك
جاءت الآية الكريمة تقول(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)إن الغفلة عن الله تبعها وعى للشهوات ويقظة لشتى المآرب الهابطة. ومن هنا انفرط العقدالنفسى وفشا التسيب الاجتماعى: ونشأت مع التقدم العلمى أهواء جامحة تتسم بالصفاقة والتبجح عرى الروح والجسد جميعا. وفى القرآن الكريم أمر بإكثار ذكر الله واستدامة هذا الذكر مع تجدد الزمان. يقول سبحانه وتعالى(اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا)...(فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأر ض وعشيا وحين تظهرون)... وقد تأملت فى هذه الأوامروعرفت حكمتها! إن الغرفة التى ينقطع عنها “تكييف” الهواء سرعان ما يغلبها الجو العام. والقلب الذى ينقطع عنه تيار الذكر سرعان ما تتسلل إليه الأحاسيس الرخيصة وما دام لا يشتغل بالخير فستقتحمه الشرورومن هناجاءت الوصية بالتذكر المستمرالتذكر الذى يشعر المرء فيه بالحاجة إلى الله والافتقار إلى إرشاده وتسديد خطاه والخوف من أن يتركه الله وحده فى هذه الحياةوالويل لمن حرم العناية العليا إنه يركض فى الدنيا ركض الوحوش ثم يعود آخر الشوط صفر اليد بل قد يكو ن
مثخنا بالجراح مثقلا بالهزيمةإن استكانة المرء إلى ربه ضمان نجاحه ونجاته وذاك معنى قوله تبارك اسمه(واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين)...لكن ما معنى هذا الذكر؟ هل هو استغراق عقلى؟ أو سياحة نظرية ؟أو خلوة نفسية بعيدة عن الناس؟ أو مراحل من التأمل الذاتى المطلق؟ إن الإجابة على هذاالسؤال لا نجىء بها من عند أنفسناوإنما نجىء بها من القرآن الكريم وسيرة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته الشريفةوسنرى أن المنشود سلوك ظاهروعمل بارز ووجهة فى الحياة تصبغ كل شىء بالربانية وتسوق الأحياء إلى ربهم سوقا رفيقا ساميا يرفض الدناياويؤثر الآخرةلأن عبادة الحياة ليست شيمة المؤمنين...قال الله تعالى(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ماصنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)...لعل أول آثار الذكر الصحيح الارتقاء بالضمير حتى لايسف إلى الرذيلة أو يلم بما يغضب الله وقد جاء فى الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله(ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال:إنى أخاف الله وكره المعصية مع إمكانات فعلها نقاء خلقى رائع وفى سيرة يوسف الصديق ما يستدعى الإعجاب والأسوة وهو يقول لمن طلبن منه السقوط(قال رب السجن أحب إلي ممايدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين).. وإنه لشىء رفيع حقا أن يؤثر الإنسان السجن على الفاحشة ومن الناس من يحسب الاستحواذ على ملكةأغرمت به شيئا مشرفا!إن الحيوانية فى هذا العصر لها منطلق وضيع بالغ الوضاعة قديغريها بالدنايا ثم يدفعها إلى الفخر بهاوالقلب الكبير يستمد عظمته من رقابته لله والتزامه لوصاياه. وربما وضع بعضهم فاصلا بين الحياة الخاصة والحياة العامة ٬ فالتزم مثلا أن يخدم وطنه بأمانة وأن يدافع عن قضاياه بقوة ثم ينثنى إلى حياته الخاصة فلا يحترم قيدا ولا يضع حداويتصرف فى الظلام كيف يشاءوالإسلام برىء من هذا الازدواج إنه نقاء فى السروالعلن وصفحة واحدة يستوى فى نصاعتها ما لله وما للناس عن ثوبان رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال(لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامةبحسنات!أمثال جبال تهامة فيجعلها الله هباء منثوراقال ثوبان:يا رسول الله:صفهم لنا جلهم..أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم!قال:أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها )...ليس الذكر المطلوب أن تنشق الحناجر بالهتاف لله أو يطول الإحصاء فى تردادالأسماء الحسنى فإذا انكشف النقاب عن المخبوء وجدت الوحشة والعجزالذكر المطلوب عمل إيجابى يغلب أعتى الغرائز ويسيرهاوفق مراد الله طوعا أوكرها فالمال مثلا محبوب
للإنسان ربما غلب حبه فكسبه صاحبه من أى وجه وربما غلب كنزه فشح به صاحبه فى مواطن النفقةهنا يبرزعمل الذكر الصحيح عفة فى الكسب وعطاء عند الحاجةوهذا هومعنى قوله جل وعز(ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها)..وجاء عن جابر بن عبد الله فى خطبة سمعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:`بادروابالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذى بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرةالصدقة فى السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا ` والذكر الذى يقتل داء البخل معناه الثقة فيما بيد الله وأنه مخلف كل ذاهب ومنجز كل موعود وأن المال فى الحقيقة لمالكه الأعلى وأنه موضوع تحت يدنا امتحانا ليظهر:أنتشبث به أو نطيع واهبه؟ وقد يخبث صاحب المال ويحاول إمساكه والظهور بطاعة الله فى عبادات أخرى وهيهات..فإن الغنى إذا شح بماله لم ينفعه عند الله أن يطول صيامه أو تطول تلاوته أو تطول قراءته للأوراد فى الصباح والمساءنوع واحد من الذكر هو الذى يجديه ٬ الذكر الذى يحمله على البذل فى هذه الدارابتغاء ما عند الله فى الدار الأخرى النجاة فى هذا الذكر وحده ويتدخل ذكر الله تدخلا عميقا فى أشد الساعات رهبة فى حياة الإنسان ساعة مواجهة الموت إن النفس البشرية ليست آلة طيعة فى يد الإنسان يأمرها فتطيع كما يغمز كاتب الآلة أزرار آلته فإذا هى تطبع الحروف المطلوبة..كلا..إن حب الحياة ناشب بكل عضو من أعضاء البدن وكل خطرة من خطرات الحس وستحاول النفس البقاء ما استطاعت إلى ذلك سبيلا..وقد تتبعت مشاعر عدد من فرسان العرب المعدودين وهم يواجهون الحتوف فرآيتهم يصفون بصدق حركات نفوسهم وكيف قاوموها تدبر قول عمرو بن معدى كرب :
فجاشت إلى النفس أول مرة=-- فرده على مكروهها
فاستقرت!
وقول قطرى بن الفجاءة:
أقول لها وقد طارت شعاعا--من الأبطال:ويحك لن تراعى!
فإنك لو طلبت بقاء يوم-- على الأجل الذى لك لن تطاعى!
وقول عبد الله بن رواحة:
أقسمت يا نفس لتنزلنه-- لتنزلنه أو لتكرهنه
والقرآن الكريم يكلف المؤمنين عند ملاقاة الموت أن يكثروا من ذكر الله فإن ذلك أعون لهم على الثبات فإما النصر وإما الشهادةأيا كانت النتيجة فهى إحدى الحسنيين قال تعالى(ياأيهاالذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)..وإعمال الروية مع مراقبةالله وتدبر العاقبة أدل على الرشد وذاك معنى قول الأحنف بن قيس : أسرع الناس إلى الفتنة أقلهم حياء من الفراروفى الحديث عن عبد الله بن أبى أوفى أن رسول الله صلى ا لله عليه وسلم انتظر فى بعض أيامه التى لقى فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال(يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدوواسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبرواواعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف )...قال ابن كثير رحمه الله:وفى الحديث المرفو ع...يقول الله تعالى(إن عبدى كل عبدى الذى يذكرنى وهو مناجز قرنه)
وكان العرب يفخرون بذكر أحبتهم فى هذه اللحظات على نحو ما قال عنترة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل منى-- وبيض الهند تقطر من دمى!
وذكر الله أزكى وأشرف..وفى الحروب الباردة بتعبير أهل العصر يحتاج المجاهدون إلى ذكر الله كما يحتاج المقاتلون سواء بسواء فإن حماة العقائد المضطهدة والمبادئ المستضعفة تمر بهم أوقات مزعجة وأزمات شدادلايحميهم فيهاإلاذكر الله والاعتماد عليه وفى الأيام الأولى من جهاد الدعوة وتأدب المشركين يقول الله لنبيه الكريم(واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لاإله إلاهو فاتخذه وكيلا واصبر على مايقولون)...وأهل الحق يبدءون نصرته فرادى مستوحشين وسط مجموعات تضيق بهم بل تضيق عليهم بحق الحياةوإذا كان لهم فى المستقبل أمل فهو الاستناد إلى الله والاستمداد منه والواقع أن ثقتهم فى أنفسهم لا تنبع من يومهم الراهن وإنما تنبع من غد يسوقه الله لهم حافلا بالنصرولذلك فهم يذكرون ربهم ليمضوافى طريقهم(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكرالله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)ولما كانت الحياة يسرا وعسرا وحلوا ومرا فإن جماهير البشر لا تستغنى إبان متاعبها عن هذا الذكرالذى يعينها على اجتياز المضايق برجاء وقدرة وفيمن تؤمل؟ إلا فى الحى الذى لا يموت بعد هذه النماذج المفردة لأحوال الذاكرين ينبغى التنبيه إلى أن الجماعة الإسلامية تبنى وجوديها المحلى والعالمى على ذكر الله والشهادة بوحدانيته فهى ليست جماعة تعتزبدم معين أو يتعاون أبناؤها على تحصيل منافع معينة لا..إنها جماعة ربانية يعنيها ابتدا ءإقام الصلاة والهتاف باسم الله مع كل أذان قبل طلوع الشمس وبعد الغروب وجهادها الفذهو لتأمين الطريق أمام كل راغب فى عبادة ربه يجعل هذه الحياة الدنيا مهادا لما بعدهامن خلود طويل العلو لاسم ابنه لا لفرد أو لجنس فإن الله تعالى يقول(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فسادا)وكم كان سلفنا الأول جليلا ورائعا عندما طوف بالمشارق والمغارب كادحا لتكون كلمة الله هى العليا.......دائماوابدا...الله من وراءالقصد....
رحم الله القائل...
الإنسان عادة محاصر بمطالبه القريبة والبعيدة يفكر فيها ويكترث بهاوكلما اشتدت وطأتها زاد همه وربما نشاطه! فما يكاد يستيقظ مع الصباح حتى يبدأ تلبيةهذه المطالب مواصلا السعى مرحلة بعد أخرى فإما بلغ غايته فرضى أو عجز فسخط وهكذا طوال عمره. ترى ما هذه المطالب المسيطرة؟ البعض يدور حول نفسه فما يدرى غيرها... وهناك من يفكر فى (الرب) الذى خلقه فسواه وفى الحقوق المفروضة له فهويجعل لله وفرائضه نصيبا من حياته يقل أو يكثر. لكن لماذا تكون القسمة كذلك؟ امرؤ يكدح لنفسه وآخر يتجه بين الحين والحين إلى ربه؟ إننا نحب أنفسنا يقينا ٬ والعاقل حين يكدح لربه يرقب منه أن يصون يومه وغده ويحفظ عليه معاشه ومعاده نعم إنه يزرع لنفسه وأهله ولكنه يقرن الحصاد المنشود ببركة الله الواهب المحمود. فهو فى طيات عبادته لربه يحيى مجده وينتظر رفده على سواء الإيمان الحق أن يكون الله فى قلبك وأنت تقطع الليل والنهارعلى ظهر الأرض. يقول علماء المادة: إن الطبيعة لا تعرف الفراغ وهذا صحيح فالإناء الخالى من الماء مملوء بالهواء ترى هل الفؤاد الخالى من الله فارغ من كل شىء؟ كلا إنه مملوءبشىء آخر حتما.. مملوء بالأثرة أو الحقد أوعاكف على عبادة صنم حديث. والأصنام الحديثة فى عصرنا كثيرة من بينها الثراء والجاه والشهرة وسائر الشهوات العاصفة. ولذلك
جاءت الآية الكريمة تقول(ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)إن الغفلة عن الله تبعها وعى للشهوات ويقظة لشتى المآرب الهابطة. ومن هنا انفرط العقدالنفسى وفشا التسيب الاجتماعى: ونشأت مع التقدم العلمى أهواء جامحة تتسم بالصفاقة والتبجح عرى الروح والجسد جميعا. وفى القرآن الكريم أمر بإكثار ذكر الله واستدامة هذا الذكر مع تجدد الزمان. يقول سبحانه وتعالى(اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا)...(فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأر ض وعشيا وحين تظهرون)... وقد تأملت فى هذه الأوامروعرفت حكمتها! إن الغرفة التى ينقطع عنها “تكييف” الهواء سرعان ما يغلبها الجو العام. والقلب الذى ينقطع عنه تيار الذكر سرعان ما تتسلل إليه الأحاسيس الرخيصة وما دام لا يشتغل بالخير فستقتحمه الشرورومن هناجاءت الوصية بالتذكر المستمرالتذكر الذى يشعر المرء فيه بالحاجة إلى الله والافتقار إلى إرشاده وتسديد خطاه والخوف من أن يتركه الله وحده فى هذه الحياةوالويل لمن حرم العناية العليا إنه يركض فى الدنيا ركض الوحوش ثم يعود آخر الشوط صفر اليد بل قد يكو ن
مثخنا بالجراح مثقلا بالهزيمةإن استكانة المرء إلى ربه ضمان نجاحه ونجاته وذاك معنى قوله تبارك اسمه(واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين)...لكن ما معنى هذا الذكر؟ هل هو استغراق عقلى؟ أو سياحة نظرية ؟أو خلوة نفسية بعيدة عن الناس؟ أو مراحل من التأمل الذاتى المطلق؟ إن الإجابة على هذاالسؤال لا نجىء بها من عند أنفسناوإنما نجىء بها من القرآن الكريم وسيرة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته الشريفةوسنرى أن المنشود سلوك ظاهروعمل بارز ووجهة فى الحياة تصبغ كل شىء بالربانية وتسوق الأحياء إلى ربهم سوقا رفيقا ساميا يرفض الدناياويؤثر الآخرةلأن عبادة الحياة ليست شيمة المؤمنين...قال الله تعالى(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ماصنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)...لعل أول آثار الذكر الصحيح الارتقاء بالضمير حتى لايسف إلى الرذيلة أو يلم بما يغضب الله وقد جاء فى الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله(ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال:إنى أخاف الله وكره المعصية مع إمكانات فعلها نقاء خلقى رائع وفى سيرة يوسف الصديق ما يستدعى الإعجاب والأسوة وهو يقول لمن طلبن منه السقوط(قال رب السجن أحب إلي ممايدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين).. وإنه لشىء رفيع حقا أن يؤثر الإنسان السجن على الفاحشة ومن الناس من يحسب الاستحواذ على ملكةأغرمت به شيئا مشرفا!إن الحيوانية فى هذا العصر لها منطلق وضيع بالغ الوضاعة قديغريها بالدنايا ثم يدفعها إلى الفخر بهاوالقلب الكبير يستمد عظمته من رقابته لله والتزامه لوصاياه. وربما وضع بعضهم فاصلا بين الحياة الخاصة والحياة العامة ٬ فالتزم مثلا أن يخدم وطنه بأمانة وأن يدافع عن قضاياه بقوة ثم ينثنى إلى حياته الخاصة فلا يحترم قيدا ولا يضع حداويتصرف فى الظلام كيف يشاءوالإسلام برىء من هذا الازدواج إنه نقاء فى السروالعلن وصفحة واحدة يستوى فى نصاعتها ما لله وما للناس عن ثوبان رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال(لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامةبحسنات!أمثال جبال تهامة فيجعلها الله هباء منثوراقال ثوبان:يا رسول الله:صفهم لنا جلهم..أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم!قال:أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها )...ليس الذكر المطلوب أن تنشق الحناجر بالهتاف لله أو يطول الإحصاء فى تردادالأسماء الحسنى فإذا انكشف النقاب عن المخبوء وجدت الوحشة والعجزالذكر المطلوب عمل إيجابى يغلب أعتى الغرائز ويسيرهاوفق مراد الله طوعا أوكرها فالمال مثلا محبوب
للإنسان ربما غلب حبه فكسبه صاحبه من أى وجه وربما غلب كنزه فشح به صاحبه فى مواطن النفقةهنا يبرزعمل الذكر الصحيح عفة فى الكسب وعطاء عند الحاجةوهذا هومعنى قوله جل وعز(ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها)..وجاء عن جابر بن عبد الله فى خطبة سمعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:`بادروابالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذى بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرةالصدقة فى السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا ` والذكر الذى يقتل داء البخل معناه الثقة فيما بيد الله وأنه مخلف كل ذاهب ومنجز كل موعود وأن المال فى الحقيقة لمالكه الأعلى وأنه موضوع تحت يدنا امتحانا ليظهر:أنتشبث به أو نطيع واهبه؟ وقد يخبث صاحب المال ويحاول إمساكه والظهور بطاعة الله فى عبادات أخرى وهيهات..فإن الغنى إذا شح بماله لم ينفعه عند الله أن يطول صيامه أو تطول تلاوته أو تطول قراءته للأوراد فى الصباح والمساءنوع واحد من الذكر هو الذى يجديه ٬ الذكر الذى يحمله على البذل فى هذه الدارابتغاء ما عند الله فى الدار الأخرى النجاة فى هذا الذكر وحده ويتدخل ذكر الله تدخلا عميقا فى أشد الساعات رهبة فى حياة الإنسان ساعة مواجهة الموت إن النفس البشرية ليست آلة طيعة فى يد الإنسان يأمرها فتطيع كما يغمز كاتب الآلة أزرار آلته فإذا هى تطبع الحروف المطلوبة..كلا..إن حب الحياة ناشب بكل عضو من أعضاء البدن وكل خطرة من خطرات الحس وستحاول النفس البقاء ما استطاعت إلى ذلك سبيلا..وقد تتبعت مشاعر عدد من فرسان العرب المعدودين وهم يواجهون الحتوف فرآيتهم يصفون بصدق حركات نفوسهم وكيف قاوموها تدبر قول عمرو بن معدى كرب :
فجاشت إلى النفس أول مرة=-- فرده على مكروهها
فاستقرت!
وقول قطرى بن الفجاءة:
أقول لها وقد طارت شعاعا--من الأبطال:ويحك لن تراعى!
فإنك لو طلبت بقاء يوم-- على الأجل الذى لك لن تطاعى!
وقول عبد الله بن رواحة:
أقسمت يا نفس لتنزلنه-- لتنزلنه أو لتكرهنه
والقرآن الكريم يكلف المؤمنين عند ملاقاة الموت أن يكثروا من ذكر الله فإن ذلك أعون لهم على الثبات فإما النصر وإما الشهادةأيا كانت النتيجة فهى إحدى الحسنيين قال تعالى(ياأيهاالذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)..وإعمال الروية مع مراقبةالله وتدبر العاقبة أدل على الرشد وذاك معنى قول الأحنف بن قيس : أسرع الناس إلى الفتنة أقلهم حياء من الفراروفى الحديث عن عبد الله بن أبى أوفى أن رسول الله صلى ا لله عليه وسلم انتظر فى بعض أيامه التى لقى فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال(يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدوواسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبرواواعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف )...قال ابن كثير رحمه الله:وفى الحديث المرفو ع...يقول الله تعالى(إن عبدى كل عبدى الذى يذكرنى وهو مناجز قرنه)
وكان العرب يفخرون بذكر أحبتهم فى هذه اللحظات على نحو ما قال عنترة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل منى-- وبيض الهند تقطر من دمى!
وذكر الله أزكى وأشرف..وفى الحروب الباردة بتعبير أهل العصر يحتاج المجاهدون إلى ذكر الله كما يحتاج المقاتلون سواء بسواء فإن حماة العقائد المضطهدة والمبادئ المستضعفة تمر بهم أوقات مزعجة وأزمات شدادلايحميهم فيهاإلاذكر الله والاعتماد عليه وفى الأيام الأولى من جهاد الدعوة وتأدب المشركين يقول الله لنبيه الكريم(واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لاإله إلاهو فاتخذه وكيلا واصبر على مايقولون)...وأهل الحق يبدءون نصرته فرادى مستوحشين وسط مجموعات تضيق بهم بل تضيق عليهم بحق الحياةوإذا كان لهم فى المستقبل أمل فهو الاستناد إلى الله والاستمداد منه والواقع أن ثقتهم فى أنفسهم لا تنبع من يومهم الراهن وإنما تنبع من غد يسوقه الله لهم حافلا بالنصرولذلك فهم يذكرون ربهم ليمضوافى طريقهم(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكرالله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)ولما كانت الحياة يسرا وعسرا وحلوا ومرا فإن جماهير البشر لا تستغنى إبان متاعبها عن هذا الذكرالذى يعينها على اجتياز المضايق برجاء وقدرة وفيمن تؤمل؟ إلا فى الحى الذى لا يموت بعد هذه النماذج المفردة لأحوال الذاكرين ينبغى التنبيه إلى أن الجماعة الإسلامية تبنى وجوديها المحلى والعالمى على ذكر الله والشهادة بوحدانيته فهى ليست جماعة تعتزبدم معين أو يتعاون أبناؤها على تحصيل منافع معينة لا..إنها جماعة ربانية يعنيها ابتدا ءإقام الصلاة والهتاف باسم الله مع كل أذان قبل طلوع الشمس وبعد الغروب وجهادها الفذهو لتأمين الطريق أمام كل راغب فى عبادة ربه يجعل هذه الحياة الدنيا مهادا لما بعدهامن خلود طويل العلو لاسم ابنه لا لفرد أو لجنس فإن الله تعالى يقول(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فسادا)وكم كان سلفنا الأول جليلا ورائعا عندما طوف بالمشارق والمغارب كادحا لتكون كلمة الله هى العليا.......دائماوابدا...الله من وراءالقصد....