المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطبيب الداعية


ابو رزيق
04-01-05, 04:52 PM
حلية الطبيب المسلم


تأليف/ د.وسيم فتح الله






حلية الطبيب المسلم
مقدمة:

الحمد لله علّام الغيوب، والصلاة والسلام على طبيب القلوب، بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين، وفضله بالشريعة الخاتمة وأكمل به الدين، فكان من كمال شريعته أن جمع إلى طب القلوب عافية الأبدان، وأيده بمعجزةٍ خالدة هي القرآن، فكانت آياته لقلب مَن تدبرها هداية، ولمن استشفى بها بإذن الله دواءً وحماية، فاستغنى المسلم عن التلفت يمنة ويسرة، وباء مَن تحول عن دين المصطفى بالحسرة، :"وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً"
أما بعد،
فلقد منَّ الله تعالى عليَّ بعد الإسلام بتعلم مادة الطب، وزادت منَّته جل وعلا لما صرفني عن التلهي بظواهره إلى تدبر جوهره، ثم تأملت في ثغراتٍ عديدة ظلت تتبدى لي تباعاً منها ما يتعلق بصيغة تدريس الطب في بلادنا، ومنها ما يتعلق بدواعي طلب هذا العلم بين أبناء جلدتنا، ومنها ما يتعلق بصيغة العلاقة بين الطبيب المسلم ومريضه، ومنها ما يتعلق بمواجهة التحديات العقدية والمنهجية التي يمليها واقع التقدم المادي للكفار، سواءٌ أكانت تحدياتٍ ناجمة عن النوازل الطبية والوقائع المستحدثة التي تحتاج إلى جهدٍ عظيمٍ في تكييفها وتخريجها على مناطات الحكم الشرعي، أم كانت تحدياتٍ ناجمة عن كون مجال الطب سهماً من سهام قوس التغريب والغزو الفكري والعقدي للمسلم فرداً ومجتمعاً وأمةً، وغير ذلك من الثغرات التي تحتاج منا النظر إلى جنسها ومجموعها كخطوةٍ أولى للتعامل معها قبل الاستطراد في سرد جزئياتها وتفاصيلها لتمهيد التعامل معها.
إن طبيعة التحديات التي تواجه الطبيب المسلم اليوم ليست إلا جزءاً من منظومة تداعي الأمم علينا اليوم، وإن إيقاظ حس المسؤولية وداعي التأهب لمواجهة هذه التحديات ليس إلا جزءاً من منظومة الدفاع الواجب عن بنيان هذه الأمة وصرح هذا الدين العظيم، ولا يمكن أن تُناط هذه المسؤولية الجزئية إلا بأصحاب الخبرة والاختصاص متعاونين ومتكاتفين مع أهل العلم الربانيين الذين يؤصلون لدينا منهج الدين ويؤججون فينا حمية الذب عنه، لترتفع بذلك عن كواهلنا مسؤولية حماية هذا الثغر فلا يؤتى المسلمون من قِبله، فنلقى الله تعالى عاملين بما علمنا، مستنفذين الجهد ما استطعنا، مترددين بين الرغبة والرهبة والخوف والرجاء أن يقبل منا بضاعتنا المزجاة ويعاملنا بكرمه دون عدله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولما كان التغيير أي تغيير لا بد من أن يراعي انطلاقةً من الفرد المسلم ولو جزئية، كان العزم مني على إيجاز هذه الحلية لتكون للطبيب المسلم وسام فخارٍ وآية افتخار – لا استكبار – على من سواه، ليقول بلسان الحال : أنت مجرد طبيب، أما أنا فطبيب مسلم، ولا فخر..
وهكذا جاءت درر هذه الحلية لتزين كل واحدةٍ منها جِيد صاحبها لا لأجل دنيا أو مصلحةٍ رخيصة أو مركزٍ علمي مرموق فتلك والله هجرة الدنيا، وإنما من أجل أن الله جميلٌ يحب الجمال، ومن أجل أن كلكلم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، ومن أجل أن من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس منهم، ومن أجل أن الله يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه، ومن أجل أن الله تعالى سائلنا يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وفصيلته التي تؤويه عن علمنا هذا ماذا عملنا به؟ وعن ثغور هذا المجال كيف رابطنا عليها؟ وكيف وقينا أمة الإسلام من أن تؤتى من قِبلها؟ وتلك إن شاء الله تعالى هي هجرة الآخرة ..
فهلم معي أيها الطبيب المسلم نستعرض هذه الحلية ونلتقط من دررها وجُمانها بعض ما يدل عليها، سائلين المولى أن يوفقنا لإقران القول بالعمل، والفكرة بالعزيمة، وما كان في هذه الرسالة من خير فمن الله، وما كان سوى ذلك فبما كسبت يداي فأسأله المغفرة والرحمة، آمين




الفصل الأول : حلية العبودية

وكيف لا تكون هذه أول حليةٍ وقد اختارها الله تعالى أسمى وصفٍ لأشرف مقامٍ لسيد الثقلين محمد صلى الله عليه وسلم فجعل وصف العبودية لازماً له، قال تعالى:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً " ، وقال تعالى:" وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبَداً" ، فكان مقام العبودية هذا أسمى المقامات وأعلاها لا سيما لمن تحقق بمعانيها بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم حيث أجاب أمَّنا عائشة رضي الله عنها حين سألته عن عبادته وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأجاب :"أفلا أكون عبداً شكوراً" .
ولذا نقول بمطلق الثقة إن أول رداءٍ يجب أن يتدثر به الطبيب هو رداء العبودية، ولن يتحقق ذلك حتى يخلع كل رداءٍ سواه من جاهٍ ومنصبٍ ودنيا، فيدخل في هذه المهنة تعلُّماً وممارسةً وهو يراعي تحقيق شروط التعبد من جهة، ويحرص على نقاء العمل من شوائب الحبوط من جهة أخرى، وبكلام آخر نقول إنه لا بد من استحضار صفة العبودية لله في مجال الطب بتحرير كلٍ من النية والمتابعة؛ فتكون النية خالصةً لله تعالى كما أمر:" وما أُمِروا إلا ليعبداو الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيِّمة" ، وتكون المتابعة مجردةً للنبي صلى الله عليه وسلم كما أمر :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَد" ، فإذا سألت عن مكان النية في مجال الطب فاعلم أنها طلب علمه والعمل بمقتضاه طلباً لرضى المولى عز وجل فحسب، بحيث يكون كل عمل متفرعٍ عن هذا المجال خالصاً لله تعالى، تأمل معي هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن الله عز وجل يقول يوم القيامة :يا ابن آدم مرضتُ فلم تعُدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعُده، أما علمت أنك لو عُدته لوجدتني عنده" ، وهكذا فلتكن عيادتك للمريض وعنايتك بالمريض وقيامك على شأنه عيادةً لله عز وجل، وليكن طلبك للعلم في باب الطب منصرفاً إلى تحصيل ما فيه نفع العباد طلباً لمرضاة رب العباد، ولسوف ترى كيف ينقاد لك هذا العلم ويُسلم لك زمامه، كما قال بعض السلف – وأحسبه سفيان الثوري- : طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله . أما إذا سألت عن مكان متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في باب الطب أحلتك على مجموع السنة النبوية المطهرة بما فيها من هديٍ نبويٍ كريمٍ يضبط أصول التطبيب وأصول درء المفسدة عن العباد وجلب المنفعة إليهم، وحسبك من هذا كله في مقام التجريد هذا تلك القاعدة النبوية العظيمة حيث روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من تطبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن" فهذا أصلٌ عظيمٌ في عدم جواز العبث بأبدان الناس وصحتهم، ومسؤولية الطبيب مسؤولية كاملة عما يقترفه في حق المريض إذا ما وقع منه تقصير ، ومن أخطر أنواع التقصير في الطب ما كان ناجماً عن مداواة الناس بالجهل. وإنما أردت بتقرير هذه القاعدة هاهنا التنبيه على جنس ما تشتمل عليه السنة النبوية من أصول وقواعد تضبط مهنة الطب لا أقول ضبطاً مهنياً فحسب بل ضبطاً شرعياً مُلزماً للمكلف، بحيث نستطيع القول بثقة مطلقة: إن من لم يلتزم متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أصول مداواة الناس يكون قد خرق شرط قبول العمل وليس له البتة أي حظٍ ولا نصيب من حلية العبودية وإن صَفَت نيته، إذ المعلوم أن شرطَي قبول الأعمال هما سلامة الإجابة على سؤالَي: لمَ عملت؟ وكيف عملت؟ فتنبه لهذا الأمر، واعلم أن من خرق أحد هذين الشرطين أو كليهما فليس له حظ من طبِّه وتطبيبه سوى وظيفة دنيوية أو مكانة علمية موهومة أو مهنة يتكسب بها لا أكثر، ناهيك عن خطر الوقوع في الإثم في بعض الحالات، وإن من يدرك الكم الهائل من الأوقات والأعمار التي تفنى في سبيل تحصيل مراتب هذه المهنة ليشفق على نفسه وعلى غيره ألا يكون له منها حظٌ إلا حظ الدنيا، وأن يكون مِن جنس مَن قال فيهم عز وجل: " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق" فاحرص أيها الطبيب المسلم على تحقيق وتحرير هذين الركنين وكن شديد الحرص على تعهدهما بالرعاية والسقاية حتى لا تذبل غرسة الإخلاص في القلب ولا يخبو نور المتابعة في الجوارح.
وننبه في هذا المقام إلى أمرٍ آخر وهو مقام عبودية التوكل الذي يغفل عنه كثير من الأطباء؛ حيث يميل الأطباء – بسبب كثرة ما اطلعوا عليه من أسباب – إلى الركون إلى ما كشفه الله تعالى لهم من علوم، وينسى البعض أو يتناسى فضل الله تعالى عليه فيما يسّره من أسباب التشخيص والعلاج والشفاء، وينسى أنه – أي الطبيب – ليس إلا سبباً من جملة الأسباب لا حول له ولا قوة ولا يملك في نفسه شفاءً ولا نفعاً ولا ضراً، وتأمل معي كيف أن طبيب القلوب الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علَّمه ربُه وأدبه فأحسن تأديبه حيث قال تعالى حكايةً عنه صلى الله عليه وسلم :" قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً" ،فإذا كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي أنقذ الله تعالى به المؤمنين من النار فأي شيء تحسب نفسك أيها المغرور بعلمك المفتون بمهارتك ومهنتك، أتراك قد استغنيت بيسير العلم الذي حصلت فقمت في مقام :" كلا إن الإنسان ليطغى . أن رآه استغنى" ، ألا فلتعلم تمام العلم إذاً أن المرض والشفاء بيد الله عز وجل كما جاء على لسان خليل الرحمن في مشهد تجريد الربوبية في قوله تعالى:" وإذا مرضت فهو يشفين" .
فالواجب على العبد المسلم الطبيب أن يحترز عن مشاهدة الأسباب مشاهدةً تفضي به إلى الإتكال عليها، وأن يجتهد في أن يكون مقام مشاهدة الأسباب هو مقام العبد الذي يحصِّل ما أمره به سيدُه من أسباب ومقدمات ثم يرتمي على عتبة سيده ومولاه راجياً حصول آثار هذه المقدمات، فهو دائماً بين طاعةٍ في تحصيل المقدمات ورجاءٍ في طلب آثارها، لا يركن إلى براعة المشرط في يده، ولا إلى قوة الدواء في جعبته، وهكذا أيها الطبيب المسلم تتزين بجوهرة التوكل على الله لتنتظم درةٌ أخرى في عقد حلية العبودية هذه.

فإذا ما تيسرت لك مطالعة مشهد العبودية هذا والتدثر بدثار التوكل والانقطاع عن الركون إلى الأسباب لزمك التحلي بدرةٍ أخرى من درر هذه الحلية ألا وهي التقوى؛ فالتقوى محراب العبودية متى انحرفت عنه اختل العمل بل ربما حبط بالكلية، والتقوى كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : مخافة الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل. وقد تتساءل عن مكان هذه المعالم في رحلة الطب ومعالجة الخلق، فأجيبك بأنك أيها الطبيب لا تستغني وأنت تتطلع على عورات الناس وأسرارهم عن مخافة الله ومراقبته، إذ لا يردعك عن الانحراف فيما تتطلع عليه من عورات الناس ولا عن تجاوز حد الضرورة مما لا يحل في الأصل إلا أن تبذر تربة القلب ببذور التقوى لتثمر مخافة الله، فتصونك هذه الثمرة من الانحراف والزلل والتلبس بالإثم من حيث كنت تبتغي الثواب، ثم اعلم أن الله تعالى قد أنزل في جملة ما أنزل من الوحيين نصوصاً وضوابط تصون أجساد الناس وأرواحهم، فلتكن معالجتك للناس عملاً بالتنزيل وصيانةً لأبدانهم وأرواحهم عن أسباب الهلاك المادي والمعنوي كما تضافرت عليه النصوص، ثم اعلم أن ما رضيه الله تعالى لك من منزلة ومقام في سياق المهنة هو الأصلح لنفسك، فلا تحاول أن تتسلق سلم المهنة رجاء منصب أو سمعة أو رياء، بل كن راضياً بمكانتك ولو كانت في أعين الناس قليلة، فلربما أنك طبيبٌ مغمورٌ غير مشهور ولكنك من جنس الأشعث الأغبر التقي الخفي الذي لو أقسم على الله لأبرَّه، فليكن هذا مقام الرضا بالقليل، وهو إن كان قليلاً في أعين الناس إلا إنه ليس بذلك البتة عند الله عز وجل، وآخر معالم التقوى في هذا المقام أن تستعد ليوم الرحيل، فتعلم أن الله تعالى سائلك عن تلك العورة التي اطلعت عليها لغير ضرورة، وعن ذلك الجسد الذي لمسته لغير ضرورة، وعن ذلك السر الذي اطلعت عليه لحاجة ففضحته ولم تحفظه، وعن تلك الرخصة التي أبحتها لمريض وتلك العبادة التي ضيعتها على آخر دون أن تراعي فيهم لله حقاً ولا للدين فيهم حرمة، فإذا ما تلبست بلباس التقوى هذا فاعلم أنك حينذاك قد تزودت بخير زاد وظفرت بخير معية، أما الزاد فكما قال تعالى:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" ، وأما المعية فكما قال تعالى:" إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" .
بهذا أيها الطبيب المسلم ترتسم معالم هذا المشهد العظيم، مشهد الانطراح على عتبة الإخلاص طلباً لرضا المولى، والسير على طريق المتابعة طلباً لسلامة الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنظر بعين الرجاء إلى سبب الله الموصول، والنظر بعين الازدراء إلى كل ما سواه من أسباب مقطوعة، ثم التشمير والاجتهاد لتجاوز وحشة الطريق بأمن الانقياد لأمر الله وأُنس الطمأنينة إلى رعايته، فإذا بهذه المهنة تستحيل محراباً من محاريب التبتل ونسكاً من أنساك التقرب إلى الله عز وجل، وهكذا تكون حلية الطبيب المسلم.

Dr.yehya
05-01-05, 06:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا أخى الكريم على هذه المشاركة المباركه وجعلها الله في موازين حسناتك

ابو رزيق
06-01-05, 11:14 AM
جزاك الله خير

Dr.yehya

ما اجمل ان نربط كل عمل بالدين ولا بد من كل مسلم سواء كان دكتور او حداد او نجار او راعي غنم اياً كان ان يربط العمل بالدين ويكون داعية في عمله .

وادعو جميع الدكاترة ان يأخذوا بالقدوة بعد النبي صلى الله علية وسلم الدكتور عبدالله الجبير والدكتور عبدالمحسن الاحمد .

ولا حرمكم الاجر والمثوبة

مقتبس
18-01-05, 06:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا أخى الكريم على هذه المشاركة المباركه وجعلها الله في موازين حسناتك

مقتبس :)

ابو رزيق
18-01-05, 11:26 PM
اخوي مقتبس

بارك الله فيك