المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المشهد السياسي .. كيف تقرؤه ؟


صوت الحادي
29-11-08, 01:44 AM
أفهم أن يكون المعني بالشأن السياسي ذا وعي وإدراك جيد لما يدور حوله وما يتغير أو يستجد من أوضاع أو ما يطرأ من تحولات وتغيرات في المشهد السياسي إقليميا وعالميا ، وهذا بحد ذاته مؤشر جيد وعلامة واضحة على مدى إهتمامه بموقعه على خارطة العالم السياسي ، وعلى مدى تناسبه الطردي مع حركة العجلة التقدمية العالمية في العديد من المجالات الحياتية ، مما يسهم في تشكل النظرة التحليلية الدقيقة عنده كمحلل أو مراقب ..لكن ما لا أفهمه هي تلك الأحكام الإستباقية والتحليلات العاجلة الظنية الناشئة عن قراءة المشهد السياسي في إطار ظرفي وزمني ضيق .

أقول إن بعض التحليلات السياسية التي تصدر من بعض المحللين السياسيين أو الجهات المعنية بمراقبة الأوضاع داخل الفلك السياسي ، هي عبارة عن استنتاجات آنية لقراءة جزئية للمشهد السياسي ، وهذا بسبب جزئية المشهد نفسه .. ولهذا أثبتت بعض الدراسات الإحصائية التي صدرت من بعض معاهد البحوث في أوروبا وأمريكا منذ عدة سنوات أن نسبة تزيد على 65% من هذه التحليلات تكون خاطئة أو بعيدة عن المآلات الحقيقية للأحداث على الصعيد السياسي ، وقد أجريت هذه الدراسات على شريحة كبيرة من التقارير السياسية الموثقة .

وهذا من وجهة نظري سببه عدم قراءة المشهد بأبعاده كلها ، والتي من أهمها البعد التاريخي والبعد الإقصادي والبعد الأمني .. فأقتطاع المشهد من سلسلة الأحداث التاريخية المترابطة هو منشأ الخلل ، إذ أن المستجدات البارزة على الساحة السياسية هي إفراز لتراكمات العملية السياسية ، وهي حلقة من سلسلة مراحل تطور تلك العملية عبر سنوات طويلة من تعاقب الأنظمة السياسية ، ولهذا تعد الوثائق التاريخية من أهم المراجع التي يمكن من خلالها معرفة أبرز ملامح كل حقبة سياسية ، ليتسنى بعد ذلك دراسة تطور الحركة السياسية وما يؤثر في تبلورها من الجوانب الإقتصادية والأمنية وغيرها .

كذلك التحقق من ماهية المصالح الدولية لأطياف المشهد السياسي يعد من المحددات الرئيسية لتشكل الحدث السياسي سواءا كان إقليميا أو دوليا وسواءا كان إيجابيا أو سلبيا ، وعدم ملاحظة تجسد هذا العنصر الر ئيسي في المنظومة السياسية قد لا يعطي مبررا كافيا للمحلل أو المراقب لإعطاء تنبؤ أو توقع موضوعي لما ستؤول إليه الأوضاع الراهنة بعد آخر المتغيرات على الصعيد الدولي .

كذلك جهل الكثير من المساهمين في الرأي السياسي بما يدور داخل الأروقة السياسية في مجالس صنع القرار هو بحد ذاته يشكل عائقا كبيرا أمام تصور شكل المباحثات وطريقة خروج التوصيات داخل النظام السياسي ، وبالتالي قد يصعب التنبؤ بحقيقة عمل برامجه وأجندته المستقبلية .. ومع ذلك فيمكن أن يقال أنه يسهل التغلب على مثل هذا العائق بمعرفة منطلقات النظام نفسه ، ومنهجيته في التعاطي مع مستجدات الأحداث في الحقل السياسي ، وهذا من خلال دراسة الخطوات التي يتبعها النظام عند كل حدث سياسي جديد أو طارئ .

أريد أن أقول إن شمولية النظرة لأبعاد القضية تاريخيا واقتصاديا وأمنيا ، ودراسة تطور العملية السياسية ، ومعرفة برامج وأجندة الأنظمة السياسية ومنهجية تعاطيها مع مستجدات الأحداث إقليميا ودوليا ، تظمن إلى حد كبير موضوعية التحليل و التنبؤ بمستقبل الأوضاع السياسية الراهنة .