سيف العدل
14-11-08, 05:45 PM
بحث قيم يستحق القراءة بحرص وبتعقل وتدبر.. لمن يبحث عن حقيقة .. لماذا الأمة تعيش في حالة تناقض بين الأقوال والأفعال .؟
هو بحث طويل .. سوف أضع منه جزئين فقط ..
بحث ممتع وجريء وصادم بقوة (q81)
قد تشعر بكلماته تسري في عقلك .. إذا كنت من أصحاب العقول
أما غيرهم .. من الدراويش وأزلامهم أصحاب العقليات التقليدية
فلا أنصحهم بقراءة ما فيه .. فقد يبحثون هذه الليلة عن طبيب نفسي يعرضون عليه حالتهم .. ولا يجدون .. :)
------------------------------
نظرة على .... ثقافتنا السياسية !!
للأسف يصطنع كثير من الناس الحواجز الوهمية في وجه سنن الخلافة الراشدة ويحاول تجميل اغتصاب السلطة وتوريثها للأبناء ، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل كل ما قاله بحق التغلب وأهله !!
لماذا أصبح أهل الراية السلفية وأهل شعار قال الله وقال الرسول على هذا النحو ؟!
لأن المدرسة التي نشأوا في ظل أفكارها ولدت في ظل حكم التغلب أو ولدت من رحمه ( كما هو الحال في مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ) وأصبحت رهينة له، فغاب عنها الاستقلال عن أهل التغلب وغابت عنها بالتالي الثقافة السياسية والوعي السياسي، بل غابت عنها حتى أحاديث الرسول الكريم المتعلقة بالحكم والسياسة.
أهم الجوانب التي أضافتها مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى حكم التغلب هو أنها قصرت الرؤية التجديدية وحصرت الوعي والاهتمام الديني ضمن البدع العقائدية دون أدنى وعي بالبدع السياسية ، وفي مقدمتها بدعة التغلب وبدعة التوريث العائلي ، بل مع التبني الكامل لهذه البدع والاستقواء بأهلها والتحالف معهم .
هذا الخلل البنيوي قاد في النهاية إلى حالة تشبه حالة إخراج السياسة من الدين .
قاد إلى ثقافة بلا أي مضمون سياسي وبلا أي وعي سياسي سوى نوع من الدروشة السياسية .
هذه الغيبوبة السياسية وهذه المشروعية الدينية التي أضفيت على حكم التغلب جعلت أتباع هذه المدرسة فريسة للانشقاقات والاختلافات السياسية بغير أدنى قاسم مشترك .
ولننظر إلى رموز التيار الديني في هذا البلد . لننظر إلى أعضاء هيئة كبار العلماء وابن لادن وسعد الفقيه ومحمد المسعري ومحسن العواجي وسلمان العودة وسفر الحوالي وعايض القرني وناصر العمر وسعيد بن زعير وعبدالمحسن العبيكان ، وإلى الجامية والمداخلة .
كل هؤلاء هل يختلفون حول قضايا العبادات ؟!
هل يختلفون حول قضايا المعاملات ؟!
هل يختلفون حول قضايا المرأة والمجتمع ؟!
إن اختلافاتهم الكبرى تنبع من الرؤية السياسية ومسايرة التوجهات الرسمية أو عدم مسايرتها !!
مصدر اختلافات هؤلاء ينبع من الوعي السياسي والرؤية السياسية .
إنهم بسبب الاختلافات السياسية يشكلون بانوراما سياسية هائلة ، من الدفاع المستميت عن السلطة وخدمتها ، إلى انتهاج العنف ، إلى السباب والتحريض ، إلى التقلب والمهادنة ، إلى الاعتزال والبعد عن السياسة ، رغم أن الجميع ينتمون إلى ذات المدرسة ويرفعون ذات الشعارات ، بل يرفعون راية السلف !!
الكل يتحدثون عن الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح والكل يتحدثون بلغة تقطر إيماناً وورعاً وخشية والكل يستندون إلى مدرسة فكرية واحدة تبدأ من الإمام أحمد بن حنبل مروراً بابن تيمية وابن القيم وانتهاء بالشيخ محمد بن عبدالوهاب . هذا على مستوى الخلفية الفكرية والثقافية . أما على صعيد الرؤى والمواقف السياسية فإن تلك الخلفية الثقافية والفكرية المنسجمة والمتماسكة تتشظى إلى طروحات متباعدة تبدأ من أقصى اليمين وتنتهي بأقصى اليسار !!
لماذا هم على النحو ؟!
لأنهم يستندون إلى مدرسة بلا وعي سياسي وبلا ثوابت ومقاييس سياسية سوى مسألة السمع والطاعة في غير الكفر البواح ، والمصلحة والفتنة . وهذه العناوين المطاطة تسمح بالاختلاف وإنتاج كل المواقف السياسية المتضاربة والمتناقضة بحسب ثقافة كل شخص وموقعه من السلطة وطباعه .
كل هؤلاء لا يعون سنن الخلافة الراشدة ولا يحتكمون إليها ، ولا يعون سنن حكم التغلب ولا يتبعون ما قاله الرسول الكريم عن هذه السنن وعن أهلها .
وبسبب ذلك فإننا منذ الارتهان لأهل التغلب نعاني من الخضوع والتبعية الشديدة والتزلف وما يشبه التعبد بالحكام ، ونعاني أيضاً من التكفير والخروج والاستخفاف بدماء الناس .
بل إن حياتنا تكاد تدور بين هذين الاتجاهين . أي بين التزلف والخضوع الشديد ، وهذه هي الصورة السياسية الحديثة لأفكار المرجئة ، وبين التكفير والعنف ، وهذه هي الصورة الحديثة لأفكار الخوارج .
حياتنا السياسية تكاد تدور بين أفكار المرجئة وأفكار الخوارج . وهذا وضع نشأ منذ نشوء حكم التغلب والسيف في عهد بني أمية ، ولكن هذا الوضع شهد قفزة نوعية عميقة منذ الاستثمار السياسي لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله .
إن منطلقات التكفير الخاطئة تنبع غالباً من الخطأ في تحديد مصدر الانحراف الأكبر في حياة المسلمين . وحين يخطئ المرء في تحديد مصدر الانحراف فإن مجمل البناء التكفيري أو التضليلي المستند إليه لا بد أن يتأثر بهذا الخطأ التأسيسي . ولو عدنا إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فسنجد أنها شديدة الوضوح في تحديد الانحراف السياسي كأول وأهم وأبرز انحراف حدث في حياة المسلمين ، حيث أمر الرسول باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده والعض عليها بالنواجذ ، ووصف الحكم التالي لحكم الخلفاء الراشدين بأنه مُلك عضوض وحكم جبرية ، وأنبأ بأن أول عروة من عرى الإسلام يتم نقضها هي عروة الحكم ، ووصف ناقضي تلك العروة بأنهم فئة باغية تدعو إلى النار أو إلى سبب من أسبابها .
هذا الانحراف الأكبر في حياة المسلمين ( حكم التغلب والتوريث العائلي ) حظي في إطار مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بمشروعية دينية فاقت كل مشروعية سابقة ، فقد تم إدخاله إلى حياة الناس من بوابة الجهاد . ليس القتال السياسي ، فهذا أمر وارد ومعهود ولا يتضمن تكفير الخصوم ولا مواجهة المجتمع ، بل ( الجهاد ) الذي يعني بالضرورة تكفير المخالفين وتجاوز الخصوم السياسيين إلى المجتمع بأسره !!!
لم يدخل حكام التغلب في عهد بني أمية وفي عهد بني العباس وفي عهد العثمانيين إلى عالم السياسة من بوابة الجهاد . لم يرفع هؤلاء راية الجهاد إلا في وجه غير المسلمين ممن لا شك في كفرهم .
أما حكام التغلب الذين استثمروا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فلم يرفعوا راية الجهاد إلا في وجه المسلمين . لم يرفعوها إلا في نجد والحجاز وعسير والأحساء وما جاورها ، أما غير المسلمين فكانوا ولا زالوا في مركز الأصدقاء والحلفاء ، خصوصاً بريطانيا في الماضي وأمريكا حديثاً .
وهكذا فبدل أن يكون حكام التغلب أهل ملك عضوض وجبري وناقضين لعروة من عرى الإسلام وبغاة يدعون إلى سبب من أسباب النار ، أصبحوا منذ الاستثمار السياسي لأفكار الشيخ مجاهدين وفاتحين ، ولكن ليس في مواجهة المسيحيين أو اليهود أو المجوس أو البوذيين ، بل في مواجهة أهل نجد وعسير والحجاز والأحساء ممن كان معظمهم خاضعين لحكم الدولة العثمانية !!
الأمويون والعباسيون والعثمانيون خرجوا على غيرهم بمبررات وحيثيات دنيوية ، فما الذي يمكن قوله لتفسير خروج الدول السعودية الثلاث على الدولة العثمانية ؟!
الدول السعودية الثلاث لم تقم إلا بالخروج على الدولة العثمانية ، على الأقل خارج منطقة نجد ، وتحت راية الجهاد !!. وفي آخر عهد الدولة السعودية الأولى أعدم آخر الحكام من آل سعود وآل الشيخ في الأستانة بتهمة الحرابة. فما هي مبررات الخروج ؟!!
هل هي مبررات سياسية ؟!!
هل هي العدالة وتحسين الأوضاع ورفع المظالم السياسية ؟! هذا ليس واضحاً في كل الكتابات والجهود التي ارتبطت بقيام الدول السعودية الثلاث !!
هل هو الاستقلال ؟! هذا يخالف الراية الإسلامية المرفوعة ويقلبها إلى راية وطنية وغير إسلامية ؟!
إذا لم يكن الخروج على الدولة العثمانية قد استند إلى قضايا العدالة وتحسين الأوضاع ولم يستند إلى فكرة الاستقلال ، فإلى ماذا استند ؟!
هل استند إلى كفر أو ضلال الدولة العثمانية ؟!!
هنا سنجد أن الفقه الرسمي وغير الرسمي الشائع في هذا البلد يعد الدولة العثمانية دولة مسلمة ويحرم الخروج على الإمام !!.
والواقع أننا لن نفهم الأمر ولن نجد المبررات التي تفسر الخروج المتكرر على الدولة العثمانية تحت راية " الجهاد " إلا إذا أدركنا أن فكرة " الدولة العثمانية المسلمة وتحريم الخروج عليها " كانت تشيع فقط بعد الخروج واستقامة الأمر ولحماية الكيانات الخارجة من أي خارجين محتملين . أما خلال فترات إنشاء الدول الثلاث فالفكرة الشائعة والمخدومة بكل قوة والدافعة للجهود هي فكرة " كفر أو ضلال الدولة العثمانية ووجوب الخروج عليها " !!
وهكذا فهناك إضافة كبرى أضافها المستثمرون لأفكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إلى حكم التغلب ، وهي الاتكاء على أفكار التكفير والخروج في مراحل إنشاء الدول ، ثم الاتكاء على مفاهيم السمع والطاعة وتحريم الخروج على الحاكم بعد قيام الدول واستقرارها . أي أنه متى ما احتاجت المصلحة السياسية إلى استثمار الجانب التكفيري في دعوة الشيخ أُتي بذلك الجانب ورفعت كل القيود عنه وتم استثماره إلى أقصى مدى . وبمجرد تأديته لوظيفته المرحلية يتم تحجيمه وتقييده وإشاعة فكرة ( طاعة الحكام وتحريم الخروج عليهم ) !!
هذا الجمع بين هاتين القاعدتين المتناقضتين يكاد يحكم فقهنا السياسي منذ ذلك الحين إلى وقتنا الراهن . والإفرازات والتجليات المتناقضة التي نشاهدها ، من " الإخوان " إلى جهيمان ومنظمة القاعدة وبقية التكفيريين في أقصى اليمين إلى الجامية والمداخلة وموسى العبدالعزيز وبقية الإرجائيين في أقصى اليسار هي وليدة هذه الحلقة المفرغة من الارتهان لحكم التغلب الذي اتكأ على الخروج والجهاد تارة ثم اتكأ على طاعة الإمام وتحريم الخروج تارة أخرى .
في المشاركة الأخرى ( الإصلاح في السعودية .... كإشكالية فقهية ) سنواصل إلقاء نظرة على الفقه السياسي في مجتعمنا ، فإلى المشاركة الأخرى بمشيئة الله ،،،،،،
بحث منشور ..
هو بحث طويل .. سوف أضع منه جزئين فقط ..
بحث ممتع وجريء وصادم بقوة (q81)
قد تشعر بكلماته تسري في عقلك .. إذا كنت من أصحاب العقول
أما غيرهم .. من الدراويش وأزلامهم أصحاب العقليات التقليدية
فلا أنصحهم بقراءة ما فيه .. فقد يبحثون هذه الليلة عن طبيب نفسي يعرضون عليه حالتهم .. ولا يجدون .. :)
------------------------------
نظرة على .... ثقافتنا السياسية !!
للأسف يصطنع كثير من الناس الحواجز الوهمية في وجه سنن الخلافة الراشدة ويحاول تجميل اغتصاب السلطة وتوريثها للأبناء ، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل كل ما قاله بحق التغلب وأهله !!
لماذا أصبح أهل الراية السلفية وأهل شعار قال الله وقال الرسول على هذا النحو ؟!
لأن المدرسة التي نشأوا في ظل أفكارها ولدت في ظل حكم التغلب أو ولدت من رحمه ( كما هو الحال في مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ) وأصبحت رهينة له، فغاب عنها الاستقلال عن أهل التغلب وغابت عنها بالتالي الثقافة السياسية والوعي السياسي، بل غابت عنها حتى أحاديث الرسول الكريم المتعلقة بالحكم والسياسة.
أهم الجوانب التي أضافتها مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى حكم التغلب هو أنها قصرت الرؤية التجديدية وحصرت الوعي والاهتمام الديني ضمن البدع العقائدية دون أدنى وعي بالبدع السياسية ، وفي مقدمتها بدعة التغلب وبدعة التوريث العائلي ، بل مع التبني الكامل لهذه البدع والاستقواء بأهلها والتحالف معهم .
هذا الخلل البنيوي قاد في النهاية إلى حالة تشبه حالة إخراج السياسة من الدين .
قاد إلى ثقافة بلا أي مضمون سياسي وبلا أي وعي سياسي سوى نوع من الدروشة السياسية .
هذه الغيبوبة السياسية وهذه المشروعية الدينية التي أضفيت على حكم التغلب جعلت أتباع هذه المدرسة فريسة للانشقاقات والاختلافات السياسية بغير أدنى قاسم مشترك .
ولننظر إلى رموز التيار الديني في هذا البلد . لننظر إلى أعضاء هيئة كبار العلماء وابن لادن وسعد الفقيه ومحمد المسعري ومحسن العواجي وسلمان العودة وسفر الحوالي وعايض القرني وناصر العمر وسعيد بن زعير وعبدالمحسن العبيكان ، وإلى الجامية والمداخلة .
كل هؤلاء هل يختلفون حول قضايا العبادات ؟!
هل يختلفون حول قضايا المعاملات ؟!
هل يختلفون حول قضايا المرأة والمجتمع ؟!
إن اختلافاتهم الكبرى تنبع من الرؤية السياسية ومسايرة التوجهات الرسمية أو عدم مسايرتها !!
مصدر اختلافات هؤلاء ينبع من الوعي السياسي والرؤية السياسية .
إنهم بسبب الاختلافات السياسية يشكلون بانوراما سياسية هائلة ، من الدفاع المستميت عن السلطة وخدمتها ، إلى انتهاج العنف ، إلى السباب والتحريض ، إلى التقلب والمهادنة ، إلى الاعتزال والبعد عن السياسة ، رغم أن الجميع ينتمون إلى ذات المدرسة ويرفعون ذات الشعارات ، بل يرفعون راية السلف !!
الكل يتحدثون عن الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح والكل يتحدثون بلغة تقطر إيماناً وورعاً وخشية والكل يستندون إلى مدرسة فكرية واحدة تبدأ من الإمام أحمد بن حنبل مروراً بابن تيمية وابن القيم وانتهاء بالشيخ محمد بن عبدالوهاب . هذا على مستوى الخلفية الفكرية والثقافية . أما على صعيد الرؤى والمواقف السياسية فإن تلك الخلفية الثقافية والفكرية المنسجمة والمتماسكة تتشظى إلى طروحات متباعدة تبدأ من أقصى اليمين وتنتهي بأقصى اليسار !!
لماذا هم على النحو ؟!
لأنهم يستندون إلى مدرسة بلا وعي سياسي وبلا ثوابت ومقاييس سياسية سوى مسألة السمع والطاعة في غير الكفر البواح ، والمصلحة والفتنة . وهذه العناوين المطاطة تسمح بالاختلاف وإنتاج كل المواقف السياسية المتضاربة والمتناقضة بحسب ثقافة كل شخص وموقعه من السلطة وطباعه .
كل هؤلاء لا يعون سنن الخلافة الراشدة ولا يحتكمون إليها ، ولا يعون سنن حكم التغلب ولا يتبعون ما قاله الرسول الكريم عن هذه السنن وعن أهلها .
وبسبب ذلك فإننا منذ الارتهان لأهل التغلب نعاني من الخضوع والتبعية الشديدة والتزلف وما يشبه التعبد بالحكام ، ونعاني أيضاً من التكفير والخروج والاستخفاف بدماء الناس .
بل إن حياتنا تكاد تدور بين هذين الاتجاهين . أي بين التزلف والخضوع الشديد ، وهذه هي الصورة السياسية الحديثة لأفكار المرجئة ، وبين التكفير والعنف ، وهذه هي الصورة الحديثة لأفكار الخوارج .
حياتنا السياسية تكاد تدور بين أفكار المرجئة وأفكار الخوارج . وهذا وضع نشأ منذ نشوء حكم التغلب والسيف في عهد بني أمية ، ولكن هذا الوضع شهد قفزة نوعية عميقة منذ الاستثمار السياسي لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله .
إن منطلقات التكفير الخاطئة تنبع غالباً من الخطأ في تحديد مصدر الانحراف الأكبر في حياة المسلمين . وحين يخطئ المرء في تحديد مصدر الانحراف فإن مجمل البناء التكفيري أو التضليلي المستند إليه لا بد أن يتأثر بهذا الخطأ التأسيسي . ولو عدنا إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فسنجد أنها شديدة الوضوح في تحديد الانحراف السياسي كأول وأهم وأبرز انحراف حدث في حياة المسلمين ، حيث أمر الرسول باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده والعض عليها بالنواجذ ، ووصف الحكم التالي لحكم الخلفاء الراشدين بأنه مُلك عضوض وحكم جبرية ، وأنبأ بأن أول عروة من عرى الإسلام يتم نقضها هي عروة الحكم ، ووصف ناقضي تلك العروة بأنهم فئة باغية تدعو إلى النار أو إلى سبب من أسبابها .
هذا الانحراف الأكبر في حياة المسلمين ( حكم التغلب والتوريث العائلي ) حظي في إطار مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بمشروعية دينية فاقت كل مشروعية سابقة ، فقد تم إدخاله إلى حياة الناس من بوابة الجهاد . ليس القتال السياسي ، فهذا أمر وارد ومعهود ولا يتضمن تكفير الخصوم ولا مواجهة المجتمع ، بل ( الجهاد ) الذي يعني بالضرورة تكفير المخالفين وتجاوز الخصوم السياسيين إلى المجتمع بأسره !!!
لم يدخل حكام التغلب في عهد بني أمية وفي عهد بني العباس وفي عهد العثمانيين إلى عالم السياسة من بوابة الجهاد . لم يرفع هؤلاء راية الجهاد إلا في وجه غير المسلمين ممن لا شك في كفرهم .
أما حكام التغلب الذين استثمروا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فلم يرفعوا راية الجهاد إلا في وجه المسلمين . لم يرفعوها إلا في نجد والحجاز وعسير والأحساء وما جاورها ، أما غير المسلمين فكانوا ولا زالوا في مركز الأصدقاء والحلفاء ، خصوصاً بريطانيا في الماضي وأمريكا حديثاً .
وهكذا فبدل أن يكون حكام التغلب أهل ملك عضوض وجبري وناقضين لعروة من عرى الإسلام وبغاة يدعون إلى سبب من أسباب النار ، أصبحوا منذ الاستثمار السياسي لأفكار الشيخ مجاهدين وفاتحين ، ولكن ليس في مواجهة المسيحيين أو اليهود أو المجوس أو البوذيين ، بل في مواجهة أهل نجد وعسير والحجاز والأحساء ممن كان معظمهم خاضعين لحكم الدولة العثمانية !!
الأمويون والعباسيون والعثمانيون خرجوا على غيرهم بمبررات وحيثيات دنيوية ، فما الذي يمكن قوله لتفسير خروج الدول السعودية الثلاث على الدولة العثمانية ؟!
الدول السعودية الثلاث لم تقم إلا بالخروج على الدولة العثمانية ، على الأقل خارج منطقة نجد ، وتحت راية الجهاد !!. وفي آخر عهد الدولة السعودية الأولى أعدم آخر الحكام من آل سعود وآل الشيخ في الأستانة بتهمة الحرابة. فما هي مبررات الخروج ؟!!
هل هي مبررات سياسية ؟!!
هل هي العدالة وتحسين الأوضاع ورفع المظالم السياسية ؟! هذا ليس واضحاً في كل الكتابات والجهود التي ارتبطت بقيام الدول السعودية الثلاث !!
هل هو الاستقلال ؟! هذا يخالف الراية الإسلامية المرفوعة ويقلبها إلى راية وطنية وغير إسلامية ؟!
إذا لم يكن الخروج على الدولة العثمانية قد استند إلى قضايا العدالة وتحسين الأوضاع ولم يستند إلى فكرة الاستقلال ، فإلى ماذا استند ؟!
هل استند إلى كفر أو ضلال الدولة العثمانية ؟!!
هنا سنجد أن الفقه الرسمي وغير الرسمي الشائع في هذا البلد يعد الدولة العثمانية دولة مسلمة ويحرم الخروج على الإمام !!.
والواقع أننا لن نفهم الأمر ولن نجد المبررات التي تفسر الخروج المتكرر على الدولة العثمانية تحت راية " الجهاد " إلا إذا أدركنا أن فكرة " الدولة العثمانية المسلمة وتحريم الخروج عليها " كانت تشيع فقط بعد الخروج واستقامة الأمر ولحماية الكيانات الخارجة من أي خارجين محتملين . أما خلال فترات إنشاء الدول الثلاث فالفكرة الشائعة والمخدومة بكل قوة والدافعة للجهود هي فكرة " كفر أو ضلال الدولة العثمانية ووجوب الخروج عليها " !!
وهكذا فهناك إضافة كبرى أضافها المستثمرون لأفكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إلى حكم التغلب ، وهي الاتكاء على أفكار التكفير والخروج في مراحل إنشاء الدول ، ثم الاتكاء على مفاهيم السمع والطاعة وتحريم الخروج على الحاكم بعد قيام الدول واستقرارها . أي أنه متى ما احتاجت المصلحة السياسية إلى استثمار الجانب التكفيري في دعوة الشيخ أُتي بذلك الجانب ورفعت كل القيود عنه وتم استثماره إلى أقصى مدى . وبمجرد تأديته لوظيفته المرحلية يتم تحجيمه وتقييده وإشاعة فكرة ( طاعة الحكام وتحريم الخروج عليهم ) !!
هذا الجمع بين هاتين القاعدتين المتناقضتين يكاد يحكم فقهنا السياسي منذ ذلك الحين إلى وقتنا الراهن . والإفرازات والتجليات المتناقضة التي نشاهدها ، من " الإخوان " إلى جهيمان ومنظمة القاعدة وبقية التكفيريين في أقصى اليمين إلى الجامية والمداخلة وموسى العبدالعزيز وبقية الإرجائيين في أقصى اليسار هي وليدة هذه الحلقة المفرغة من الارتهان لحكم التغلب الذي اتكأ على الخروج والجهاد تارة ثم اتكأ على طاعة الإمام وتحريم الخروج تارة أخرى .
في المشاركة الأخرى ( الإصلاح في السعودية .... كإشكالية فقهية ) سنواصل إلقاء نظرة على الفقه السياسي في مجتعمنا ، فإلى المشاركة الأخرى بمشيئة الله ،،،،،،
بحث منشور ..