المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكورد والإسلام


المالك الحزين
10-08-08, 01:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الكورد والإسلام
محاضرة -د.عرفات كرم مصطفى (ابو شوينكار)
دكتوراة في أصول الدين ومقارنة الاديان

تمهيد
إن الحمد لله، نحمده،ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمداًعبده ورسوله...أما بعد.
فلقد كنت مترددا كثيرا في كتابة هذا المقال ليس في صعوبة الخوض فيه، وجمع المعلومات حوله، ولكن لخطورته في هذه المرحلة الحساسة، حيث إن مجرد الخوض في ذلك ربما يوقع صاحب المقال في قفص الإتهامات، ناهيك عن التضليل من قبل بعض أفراد التيار الإسلامي السياسي ،إضافة الى ذلك الشك في النوايا السليمة، وأنها أسطر لمآرب شخصية في نفس صاحب المقال قضاها، إلا انني غضضت الطرف عن ذلك، لأن الحقيقة العلمية لها وقع وتأثير في العقول الواعية التي لم تتلطخ بالتبعية، وتقليد الغير في خطواتها ومسيرة حياتها. ولعل هذه الأسطر تكون بمثاية مراجعة نقدية لما نلاحظه في المناخ الديني الكوردي المضطرب، فيعود المناخ الى أصالته ونقاءه، بعيدا عن ضجيج التكتلات الحزبية والقوالب التنظيمية المصطنعة.
الكورد والاسلام
دخل الكورد في الإسلام على عهد الخليفة عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) على يد الصحابي الجليل(عياض بن غنم)عام ثمانية عشر(18 هجرية). وقد أبدى الكورد إخلاصا لا ند له لهذا الدين الجديد، فقدموا إسهامات عظيمة في مجالات متنوعة، وخاصة في حقول العلوم الدينية والفلسفية والثقافية والميتافيزيقية وغيرها ،خذ على سبيل المثال لا الحصر: شيخ الصوفية الجنيد وآدي بن مسافر الهكاري وأبو الحسن الهكاري ويحيى المزوري وسيف الدين الآمدي وأبو السعود العمادي (1) والرسعني(2) وابن الحاجب البركوي وإبن تيمية الحراني(3) وابن الحاجب الشهرزوري وشمس الدين الجزري وأبو السعادات ابن الاثير والحافظ العراقي الشهرزوري وابن خلكان وابن آدم البالكي وملا محمد جلي زاده الكويي، وفي الميدان السياسي والإداري نجد أبا مسلم الخراساني وصلاح الدين الايوبي وسواهم، وهذا يحتاج منا الى رسالة مستقلة لإستقراء علماء الكورد وقادتهم في التاريخ الاسلامي، و قدبلغ اخلاص بعض علماء الكورد لهذا الدين الى درجة ان ضحوا بلغتهم ووطنهم وبني جنسهم في سبيله، وأمر آخر ان هذه الامة اعني الكوردية كانت شبيهة بجبالها الشامخات صلابة وقوة وبأسا، فكان اعداؤها يعانون من إذعانها وإخضاعها لمآربهم السياسية، فيضطرون الى وسيلة اخرى اكثر فعالية، وهي استخدام العامل الديني للسيطرة على العقلية الكوردية فقد كان العامل الديني أفضل وسيلة للسيطرة على الكورد واقناعهم في مشاركة مشاريعهم الوطنية والقومية المصطبغة بالدين، ولا يقتضي هذا التنقيص من قيمة الشخصية الكوردية، بل ذلك يدل على مدى طهارة الحس الكوردي ونقائه، ومدى إخلاصه لدينه وعقيدته، والحقيقة أنه كان هناك من أيقظ بعض أولئك المخدوعين من الكورد، وبعضهم أدرك الأمر نتيجة ردود فعل من المناخ المتباين لما توقعه في حياته ،ومن أمثلة الصنف الأول ما حدث بين سعيد النورسي ( المتوفي 1960 م) وسعيد البيران الذي أعدم سنة (1925م) حيث تورط الأول كغيره في الدعوة الى إعادة الهيكلة الدينية العثمانية التركية التي انهارت سنة (1924 م) مع ما كان يعانيه بنو جنسه من شتات وظلم بيد الأتراك المستبدين آنذاك. بينما وقف سعيد بيران الشهيد مدركا هشاشة الوضع الديني بيد الأتراك. فثار ضد المتلاعبين بتعاليم الدين والقيم الأخلاقية والعادات الإنسانية في المجتمع الكوردي. إلا أن بريق الخلافة كان تأثيره قويا في عقلية النورسي، ولهذا لما أرسل الشيخ سعيد بيران وفدا الى الشيخ النورسي لإقناعه بتأييده بقيام الثورة، وتأسيس كيان كوردي يحفظهم من الضياع الثقافي والتيه الاجتماعي والذوبان الأخلاقي والانصهار العقلي بين بوتقة الثقافة التركية، باءت جهود الشيخ سعيد بيران بالفشل، حيث عاد الوفد خائبا، وقد كان جواب النورسي كالآتي: "هل جئتم بأفكار سلبية مرة أخرى، إن الأمة التركية تزعمت الإسلام على أحسن ما يرام، وتتزعم هذه الأمة الإسلام بعد الآن، فتخلوا عن تلك الحركات السيئة(4)وأصرح من هذا قوله لوفد الشهيد سعيد بيران: سأكون معك إن حاولت إحياء الدولة العثمانية....وأنا مستعد للتضحية بنفسي في هذا السبيل، اما دولة كوردية فلا(5) . لقد كان النورسي رحمه الله مخدوعا بمعنى الكلمة بالخلافة العثمانية، تلك الهيكلة الدينية، وكان في الوقت نفسه منبهرا بعقلية العثمانيين، الى درجة أن نسي حضارته وتراثه وقومه ولغته، فهو القائل: " الأتراك هم عقلنا، ونحن قدرتهم(6)فلا غرو أن يكون النورسي رائد الفكر الإسلامي، ومفكرا ومصلحا ومجاهدا عند الإسلاميين الترك على وجه الخصوص والعرب والكورد(7)بينما يبقى الشهيد سعيد بيران في طي الخفاء، لا لجريمة اقترفها، بل لأنه أراد تحرير الكورد من العبودية والذل والهوان. أما الذين راجعوا مسيرتهم بأنفسهم بعد أن أدركوا كنه الأمور وحقيقتها، وفقهوا الواقع الوهمي ،فالأستاذ محمد كرد علي (ت1953 م) حيث كان في سوريا، ولقب بالأستاذ الرئيس، وقد كان من أعمدة الفكر واللغة والأدب والحضارة والثقافة، وعندما ظهرت الدعوة الى القومية والوطنية بين العرب نتيجة التأثر بالطورانية التركية المتأثرة هي الأخرى بالمناخ الأوروبي، وحلت الهوية القومية محل الهوية الدينية أسرع الأستاذ محمد علي إلى بيان أصله، وما يميزه عن الجنس السامي ،وذلك لأن الجامع الديني تضعضع بعد حلول الجامع القومي والوطني، فقال وهو يخاطب العرب والقوميين وغيرهم :"جاء جدي من مدينة السليمانية (8)من بلاد الأكراد، وسكن قبل (150) مائة وخمسين سنة، وأمي شركية من قفقاسيا، فأنا على رغم من آمن ومن كفر من جنس آري لا يقبل النزاع، وليس للغربي وللشرقي ما يقول في دمي(9) فـأضاف كلمة " كرد" إلى اسمه لإثبات هويته القومية والوطنية .إن الكورد بأمس الحاجة إلى هذه الأمثلة الرائعة لصناعة وعي قومي ووطني بعيد عن مقاربات القوميات الأخرى التي لها صيغتها اللادينية.
إشكالية مصطلح"الإسلامي"
لاريب أن هذا المصطلح غريب عن المنظومة القرآنية والحديثية، لأن ثمة بديلا عنه وهو"المسلم"، فمصطلح"الإسلامي"يرتد إلى حقبة زمنية معينة، وهي فترة ظهور المذاهب الكلامية والفلسفية. فاستعمل المصطلح للدلالة على ذلك المتكلم الذي يذود عن العقائد الدينية، ولعل أول من استعمل هذا المصطلح هو أبو الحسن الأشعري(ت324 هجري)، حيث عنون كتابه ب(مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) إلا أن المفكر المصري الدكتور عبد الرحمن بدوي (ت2002)أنكر هذا العنوان بشدة، وأن الأصل"مقالات المسلمين"، حيث يقول: "إن إستعمال هذا التعبير(الإسلاميين)إستعمال غير مألوف، لا نعرف له نظيرا عند أحد غيره،لا في عصر الأشعري ولا قبله(10) ومع موافقتي للأستاذ بدوي في تحريف عنوان الكتاب، إلا أن هذا المصطلح بدأ يستعمل من قبل الفلاسفة والمتكلمين، حيث استعمله الفيلسوف أبو الحسن العامري الأندلسي (ت381هحرية) (11)والجويني(ت478هجري)(12)والشهرستاني (ت548هجرية)(13) ثم غدا استعماله مألوفا عند المتكلمين والفلاسفة، وخطأ آخر وقع فيه الأستاذ بدوي، وهو إرجاع هذا المصطلح إلى الجويني مع أن أبا الحسن العامري سبقه إلى ذلك كما مر ذكره. وعليه، فإن هذا المصطلح ذو دلالة تاريخية معينة، قصد به ذلك المتكلم المدافع عن حياض العقيدة ضد الهراطقة والمنحرفين وغيرهم، فهو مختلف تماما عن التداول المعاصر الذي يحمل أبعادا سياسية، وأطرا براجماتية، لأنه لا يتضمن أي مفردة لها صلة بالإصلاح العقدي والأيدولوجي منطلقا عن المنظومة الإسلامية المستقلة، والنائية عن القوالب الذاتية والفردية والجماعية التي لها طبائعها الخاصة والضيقة الضحلة. لقد وضع هذا المصطلح في غير محله، وجرد عن معانيه ومفرداته الدقيقة، حيث تحول من حقل عقدي إلى حقل سياسي، وعليه فإنه ينبغي العدول عن استعمال هذا المصطلح، والرجوع إلى الاستعمال القرآني، وذلك حتى لا تكون ثمة فوضى في استعمال المصطلحات، وفق الرغبات والمصالح، إلا أن العدول عن هذا المصطلح عسير على التيار الإسلامي السياسي، وذلك لأسباب، أهمهما:
1.إن هذا المصطلح قد تقادم عليه الزمن، واستعمله رواد التيار الإسلامي العالمي، ولا يمكن العدول عنه، لأن ذلك يقتضي تخطئة السابقين والتيار الإسلامي الكوردي جزء منه لا ينفصل، فالأمر ليس بسهولة، وأمر آخر أن عملية النقد عند الإسلاميين محفوفة بالمخاطر، فالإقدام عليها ليس بالأمر الهين السهل، وخاصة إذا كان من طرف ضعيف كالطرف الإسلامي الكوردي.
2. إن هذا المصطلح يميز التيار الإسلامي الكوردي عن التيارات الكوردية القومية، فلو عدل عنه كيف يمكن التفريق بينها وبين التيار الاسلامي، مع أن هذا يقتضي من جانب آخر أمرين: أولهما، إتهام التيارات القومية الكوردية بالعداء للدين، وكونها شبيهة بالتيارات القومية الأخرى التي لها مواقفها العدائية الصريحة للدين، كما في بعض أصقاع العالم، ثانيهما، أن التيار الإسلامي بديل ممتاز عن التيار القومي، وخاصة عندما يكون الحديث حول مفهوم الأمة الإسلامية، هذا المفهوم الذي لا وجود له إلا في الخطب والمحاضرات الدينية.
3. إن هذا المصطلح أفضل وسيلة لكسب الكورد وهم معروفون بطبيعتهم الدينية والفطرية، وحبهم لكل ما له علاقة بالدين، فلو عدل عنه-أي المصطلح-، فما الوسيلة البديلة لذلك؟مع معرفتنا ببضاعة التيار الإسلامي الضئيلة والمزجاة في الساحة الكوردية عندما يعدل لذلك.إن مبادىء القومية والوطنية هي التي يدندن حولها اليتار القومي الكوردي وذلك للحفاظ على الوجود الكوردي من الإنصهار والذوبان، وهذه المبادىء ومشتقاتها أيديولجيات معاندة لتصورهم الفكري وأيدلوجيتهم العقدية، ومنظومتهم الدينية السياسية، فلا بد من بديل آخر أسرع تأثيرا، وأكثر فاعلية بحيث يجعل له الصدارة في الساحة، وينسي الرأي العام الكوردي عن تأريخ نضاله القصير مقارنة بنضال التيار القومي، وليس يعني ذلك أن أولئك الافراد-الذين ينتمون الآن إلى السلك الإسلامي السياسي-كانوا متفرجين وغافلين عن النضال القومي، بل لقد كانوا في سابق عهدهم مخلصين للحركة القومية الكوردية التحررية، إلا أن أسبابا غامضة دفعتهم الى الالتحاق بالتيار الإسلامي العالمي، والذي نقل هذا التأثير بصورة مباشرة الإسلاميون الكورد، وقد تبين لكثير منهم أن الكورد بأمس الحاجة إلى ما يجمع شتاتهم، ويحفظ وجودهم، ولا يتم ذلك من حيث الواقع إلا بالدعوة الى صناعة وعي سياسي وقومي ووطني من خلال تأسيس هيكلة مستقلة، أما أن ينشغل الإسلاميون بالدعوة الى إعادة الخلافة في هذه الظروف الحالكة المعتاصة، فذلك في تصوري خلل في الوعي السياسي بواقع الكورد، ناهيك عن الإنغراق في المثاليات. لقد وصل الكورد من خلال تجاربهم الطويلة المتنوعة الى مرحلة يمكن ان يدركوا هشاشة الشعارات الفارغة، وأن لا ينخدعوا ببريق المصطلحات التي لها تأثير جزئي في العقول غير الواعية.
متى ظهر الاسلام السياسي في كوردستان؟
يواجه الكورد في هذه الحقبة الزمنية مشاكل عويصة، نتيجة الظروف الدولية والاقليميةالمتنوعة والمضطربة، وفي الوقت نفسه يواجه الكورد تيارا إسلاميا سياسيا غير معهود في حياتهم الدينية والروحية، وذاك التيار له شقان أحدهما تنظيمي سياسي دعوي، والآ خر تنظيمي سياسي انقلابي، وهما في الحقيقة من افرازات الواقع الخارجي، وليس من بنيات المناخ الكوردي المتجه نحو تحرير الكورد وكوردستان، أقصد بالإسلام السياسي ذلك الاتجاه الديني التنظيمي السياسي، وحتى لا يكون ثمة سوء فهم فإننا لا نقصد بذلك الإسلام كدين من وضع إلهي معصوم، بل نعني بذلك الإسلام السياسي كمحاولات بشرية واجتهادات فردية وجماعية معرضة للخطأ والزلل.
ثمة أسباب عديدة وراء ظهور الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي، وهذه الأسباب بطبيعة الحال تختلف من مكان إلى مناخ آخر، ففي مصر مثلا عندما ظهرت جماعة الإخوان المسلمين، كان من أسباب ظهورها الوقوف ضد التيار اللاديني، والدعوة الى إعادة الخلافة تلك الهيكلة الدينية رمز الوحدة، بينما ظهورالإسلام السياسي في كوردستان يرتد الى التأثر بالأجواء الخارجية، فليس المناخ الكوردي هو السبب لظهوره، لأن الحركة القومية التحررية الكوردية كانت تركز على قضية تحرير الكورد وكوردستان، ولم تتخذ أطرا لادينية كبقية القوميات الأخرى، وهذا لا يعني أن تلك الحركة خلت من رموز دعت الى اتجاهات بعيدة عن الدين، ولكن حتى تلك الرموز قصدت بذلك تحرير الكورد وكوردستان. فلم تكن محاولاتهم ذات طابع أيدولوجي دوغماتيكي، بل كانت مجرد وسيلة، ثم سرعان ما ندموا على ذلك، بعد أن أدركوا أن تلك الأفكار لاأرضية لها بين الشعب الكوردي المسلم، إضافة الى جهود بعض القيادات الكرزماتية الدينية، وهذا يؤكد لنا أن أي حركة كوردية تحاول إقصاء الدين وتهميشه، فإنها ستفشل، لأن ذلك يقتضي معاداة الفطرة الكوردية المركوزة على حب الدين وتوقيره وتقديسه.
قد يكون صعبا أن نحدد البداية التاريخية لظهور الإسلام السياسي، إلا أن المتفق عليه بين العاملين في تلك الحقول إرجاع ذلك الى تأثيرات الإخوان المسلمين، ذلك التيار الإسلامي العالمي، وهذا التأثيرات انتقلت بواسطة الشيخ محمد محمود الصواف(ت 1992م) الذي أرسل الى مصر من قبل وزارة الأوقاف العراقية كبعثة لاستكمال الدراسات العليا بالأزهر عام(1939م) والتقى بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا(اغتيل سنة 1949م)(14)، وعندما عاد الى العراق أسس فرعا عراقيا مع الشيخ أمجد الزهاوي سنة(1947م)(15)بموافقة وزارة الداخلية سنة(1960م)لنشر الدعوة الإخوانية، فتأثر بالمناخ الاخواني هناك، وقد كان تأثره شديدا، فحاول نقل تلك الاجواء بما فيها من مفارقات ومميزات الى العراق، وانتشر التنظيم في بغداد والموصل على وجه الخصوص(16)، ولعل ترخيص وزارة الداخلية لظهور الحزب كان له دوافعه، منها الوقوف ضد التيار الشيوعي آنذاك، أما انتشار افكار الحزب بين الكورد فيرجع ذلك الى أمجد الزهاوي " الكوردي الأصل من بابان"، كان أمجد الزهاوي من اصدقاء الصواف، وكانت العلاقة بينهما ودية، فحاول الصواف إقناع الزهاوي لنشر التنظيم بين صفوف الكورد، فكان الزهاوي الجسر التنظيمي لنقل تلك الأفكار الاخوانية الى كوردستان، وقد كان غافلا عن طبيعة المناخ الكوردي من الناحية الاجتماعية والسياسية-مع اعترافنا بعلمه وثقافته وتطلعه-وذلك لأن المناخ الكوردي كان مختلفا تمام الاختلاف عن المناخ العربي، حيث كان الكورد يعانون من سياسات الانصهار والاندثار بين الدول المغتصبة لأرضهم، ولم يكونوا بحاجة الى إسلام سياسي، فالإسلام السياسي ربما يعقد الأمور أكثر، وخاصة اذا ادركنا أن التيار الاسلامي العالمي لا أرضية سياسية له من حيث الواقع العملي، وهو بكل تأكيد لا يؤيد القضية الكوردية في إطارها القومي والوطني، بل لا بد أن يؤطر بإطار إسلامي سياسي كما هو الحال في بعض البلاد، وذلك الإطار يقتضي عدم وجود هيكلة سياسية كوردية، وعليه، فالفيدرالية التي اختارها الكورد كحل واقعي ومنطقي لقضيتهم المعتاصة، بكل تأكيد تخالف مفهوم الأمة الاسلامية الواحدة حسب المنظومة الأيدولوجية للإسلام السياسي. والكورد بأمس الحاجة الى من يساندهم ممن يملك زمام الأمور، سواء كان ذلك المساند غربيا أو شرقيا، فنجاة أمة عريقة معرضة للزوال والاندثار أولى من الانشغال بمفاهيم لاحقيقة لها في الوجود، وقد ارتكب أمجد الزهاوي خطأ عظيما عندما نقل ذك المناخ المصطنع الى البيئة الكوردية التي لها طبيعتها المعروفة، والزهاوي مع رسوخ قدمه في العلوم الإسلامية إلا أنه بكل أسف كان عديم الحس القومي والشعور الوطني، لقد كان محاميا ممتازا لقضية فلسطين طول حياته، حيث كان المشرف على جمعية إنقاذ فلسطين لجمع التبرعات، لكنه في لحظة من لحظات عمره لم يذكر كلمة عن بني جنسه، وأي فرق بين الكورد والفلسطينيين، مع أن الفلسطينين يؤيدهم العرب والإسلاميون على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم بينم الكورد لا يساندهم في قضيتهم إلا الغرب وبعض الدول الديمقراطية وشخصيات عربية صديقة من الذن فقهوا تأريخ الكورد وواقعهم، فتغلل الإسلام السياسي في كوردستان حالة طارئة عارضة، يستغربها المناخ الكوردي، وما كان كذلك فإن الحكم عليه بالفشل قد يكون سهلا، وذلك لأن للكورد علماءهم ممن لهم باع طويل في العلوم الشرعية، هذا أولا. ثانيا إن البيئة الكوردية لم تتحول الى تيارات متناطحة، هذا تيار إلحادي، ويقابله تيار إسلامي، وما جرى من كوردستان معارك لا يمكن تفسيرها بأنها كانت معركة بين معكسر الكفر ومعسكر الإيمان، بل هي صراعات شخصانية فردانية تحولت جبرا إلى صراع بين الكفر والإيمان، وذلك لكسب عاطفة المسلمين. ولعل ما يؤكد قولنا فشل الإسلام السياسي تحوله من حركة تربوية إلى حركة مسلحة، وذلك أسوة بالحركات القومية التحررية في كوردستان،وقد نجحت فعلا في كسب الجماهير الكوردية إلى صفوفها في بداية الامر، ثم بدأ التخلخل يسري في بنية الحركة لأسباب عديدة، منها: تشبيهها الواقع الكوردي بالواقع الخارجي في بعض البلاد. ومن ثم تصنيف الأحكام عليه، ثانيهما: نقل الاجتهادات الشخصة لواقع معين متباين إلى الواقع الكوردي الذي له مميزاته، فالحركة مع نضالها ضد الطغيان البعثي إلا انها لم تتخلص من التأثيرات الخارجية بل قد وصل الأمر ببعضهم إلى إيثار اللباس الاجنبي كاللباس الافغاني مثلا على اللباس الكوردي، وهكذا لاحظنا بعض الاناشيد الدينية تمجد قادة الافغان والبلاد الاخرى، ولم نلاحظ مع الاسف الأسيف نشيدا ولو قصيرا حول قادة الكورد، ثم بدأ التيار التربوي يعيد بنيته ليحل محل التيار المسلح، لكون الأخير فشل في كسب الجماهير، ولا شك أن التيار المسلح كان له تأييد جماهيري واسع، لولا تلك الانشقاقات الفردية التي حالت دون رقيها، وكذلك اقتفاءها بعض السياسات الخاطئة في مسيرتها، أما التيار التربوي فيرجع نجاحه بدرجة كبرى الى أمور، منها: التنظيم الدقيق في الهيكلة الداخلية، الاهتمام بكافة الوسائل، ولو كانت غير شرعية لكسب الجماهير، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، إلا أن هذه الوسائل في تقديري وقتية لا قيمة لها، فهي ستبوء بالفشل، لأنه ربما سيكون ثمة من يقدم أكثر.
إن الإسلام السياسي على وجه العموم في كوردستان ضروري من جهة، وخطأ من جانب آخر: فتكمن ضرورته فيما إذا تحولت الحركة القومية الكوردية إلى تيارات معادية للدين، كما، هو الحال في كثير من البلاد العربية والإسلامية فحينئذ يفرض الواقع ظهور حركات إسلامية تذود عن حياض الدين ضد اللادينيين، ومعلوم لمن له وعي سياسي وتأريخي، أن الحركة القومية الكوردية في نضاله الطويل مثل حركة محمد باشا الرواندزي المعروف بميركور(1832م-1836م) والأمير بدرخان(1847م-1846م) ويزدان شير(1853م-1855م) وعبيد الله النهري (1878م-1881م) وعبد السلام البارزاني (1907م-1914م) وسكمو آغا شكاك(1921م-1922م)ومحمود الحفيد البرزنجي(1922م-1924م) وسعيد البيران(1925) وأحمد البارزاني (1931م) وإحسان نوري باشا(1927م-1933م) وقاضي محمد(1947م) وملا مصطفى البارزاني (1943م) كان الطابع الديني باديا عليها، بل إن بعضهم كان له باع طويل في العلوم الإسلامية، وإلى جانب ذلك إسهامات علماء الكورد في المحافظة على الأخلاقيات الإسلامية، والسوكيات الرفيعية والعقائد الدينية في المجتمع الكوردي، أما كون ظهور الاسلام السياسي خطأ تاريخيا، فيتبين ذلك عندما نلقي ضوءا على تاريخ الحركة القومية التحررية التي كانت تقدس الدين، وتحافظ عليه، فالاسلام السياسي يحاول اقناع التيار الاسلامي العالمي، بأن الحركة القومية الكوردية لا تمثل الشعب الكوردي، بل يعد نفسه الممثل الحقيقي، لأن القومية تضاد الدين وتخالفه حسب منظومته الفكرية، وهذا يقتضي من جانب آخرضرب الحركات الكوردية القومية التحررية عرض حائط، لكونها لم تتخذ لمسيرتها أطرا تضاهي الأطر الأيدولوجية للإسلام السياسي المعاصر، مع أن من الخطأ الفادح عدم التفريق بين القومية كانتساب ثقافي وحضاري، للحفاظ على الوجود القومي، وللوقوف ضد الظلم والجور، وبين القومية التي هي أداة ثقافية وعنصرية للاعتداء على الغير، وتهميشه في سلك الحياة، وأدهى من ذلك تحولها الى معاداة الدين وإزدراءه. فالقومية الكوردية كانت وسيلة للذود عن الوجود الحضاري والثقافي، والوقوف ضد الظلم والجور من قبل الأنظمة الحاكمة، ومن هنا ندرك مغالطة بعض الإسلاميين الكورد، عندما تغيب في منظومتهم الفكرية فلسفة الوعي القومي الكوردي في مسيرتها التاريخية الطويلة، حيث يقول أحدهم:"إن الفكر القومي الكوردي وإن كان نقيضا للفكر القومي العربي والتركي والفارسي في الاهداف، إلا أنه ينهل من منبع فكري واحد، وهو الفكر اللاديني الغربي، كما أن له خصائص ومنطلقات فكرية مماثلة للحركات القومية العربية والتركية والفارسية(17). إن من أعظم الأخطاء أن يعتبر التيار اللإسلامي نفسه بديلا عن الحركة القومية ذات النضال العريق السحيق، وليس هذا فحسب، بل اعتبار تلك الحركة القومية الكوردية ردة الى التاريخ الجاهلي، ولربما إلى درجة الكفر، ولهذا قال أحدهم: "وكيف يطلب من حركات إسلامية شرق أوسطية الوقوف بجانب الأحزاب الكوردية القومية في نضالها، والتي لا تختلف عن الأحزاب القومية غير الكوردية في المنطقة، والتي تناهضها تلك الحركات الإسلامية؟ وكيف يطلب من الحركات–علما أن قادتها في المعتقلات وأبنائها مطاردون-دعم النضال الكوردي في إطار غير إسلامي بل معاد للإسلام والمسلمين(18) مع أن هذا الكلام مستعار من التيار الإسلامي العالمي، حيث قال أحدهم: "واتجه الأكراد الى تشكيل الجماعات السرية، وبدل أن يدعوا قادة القوميين إلى الرجوع الى الإسلام، تنادوا بالتخلي عن الاسلام، والعودة الى الجاهلية الكوردية التاريخية انتماء، والى الدولة الأوربية شخصية(19)مع أن إقتفاء آثار هؤلاء في تشويه الحركة القومية ليس في صالح الكورد باختلاف اتجاهاتهم، بل ذلك مشاركة جادة في جعل الكورد كوجود حضاري وثقافي منصهرا في بوتقة الثقافات الأخرى المجاورة، وفي الوقت نفسه تهميش للنضال القومي الكوردي، مع أن التيار الإسلامي العالمي لا يساند القضية الكوردية في إطارها القومي والوطني كما ذكرنا، بل إن مراجعة بعض الصحف تكشف عن حقيقة موقفها الشوفيني من القضية الكوردية، والقضية الكوردية ليست بحاجة إلى سند الإسلام السياسي في هذه الآونة، لأنها دخلت طورا عالميا، وغدت من أعقد القضايا في الشرق الأوسط، إن لم تكن أعقدها في العالم طرا كما تنبأ بذلك المؤرخ الذائع الصيت مينورسكي. إن الكورد ليسوا بحاجة إلى من لا حول له ولا قوة، فالتيار الإسلامي العالمي على وجه العموم عبارة عن هياكل كرتونية تابعة للسلطة الحاكمة، وليس لها قرارت عقدية إيمانية منطلقة من مبادىء الإسلام العظيمة، وخير مثال على ذلك، ما نلاحظه في صحف الإسلاميين حيث لا تخلو صحيفة منها عن الحديث عن قضية فلسطين، مع أن الذي أصاب الفلسطينيين لا يساوي شيئا مقارنة بمآسي الكورد، وسبب ذلك لأن السلطة لها سياسة معادية لإسرائيل، فيبقى التيار الإسلامي تابعا لقرارات السلطة، ألم يكونوا قد جعلوا من الرئيس العراقي(صلاح الدين)عندما كان يحارب إيران، ثم جعلوه (ستالين)بعد غزوه للكويت، بينما كان الحديث عن القضية الكوردية في الصحف الاسلامية حديثا مختصرا في نصف صفحة أو أقل مع ملاحظة التركيز على الجوانب السلبية، أو ربما نجد جوانب إيجابية وذلك عند الحديث عن التيارات الإسلامية، وكأنها هي تمثل الشعب الكوردي، وأن الحركة القومية ما هي إلا جسم غريب عن كوردستان، يجب محاربته وطرده إن أمكن، وهم يغضون الطرف عن نضالها الطويل، إنه لا بد للمناخ الكوردي أن يعود الى طبيعته وجبلته وأصله، وأن يزاح عنه ضباب التشويه، وأن يجمع بين لا بتيه بين الشعور الوطني والحس القومي وبين الايمان الشفاف ذي التأثير الثابت، وذلك بجهود القادة القوميين، وبجنبهم علماء الدين إقتفاء بجهود الفيلسوف الواقعي أحمد الخاني، وما سطره يراعه في ملحمته" مم وزين".
ثم ماذا عن الاسلام السياسي؟
ينبغي للإسلام السياسي في كوردستان أن ينفصل تماما عن التيار الإسلامي العالمي من الناحية الايدلوجية والمنهجية، وأن يكف عن نقل الأفكار المعلبة غير المناسبة للمناخ الكوردي الذي له طبيعته وخصائصه، لأن في قدرة علماء الكورد أن يدبروا شؤونهم العقدية والدينية، ولم يبلغ بهم الجهل الى درجة ان يستوردوا الأفكار والفتاوى من البيئات الأخرى، ثم إن هذه الحالة تنطبق على البيئات الأخرى النائية التي فيها ضحالة العلم وضآلته، وتفشي الجهل وانتشاره، مثل بلاد جنوب شرق آسيا وآسيا الصغرى وجنوب أفريقيا وغيرها من الأصقاع، أما كوردستان فهي مهد العلم والعلماء، وأرض الثقافات والحضارات، فهل يعقل أن يبقى شعب أصيل ذو تراث ثر، وثقافة عريقة وتاريخ متجذر، وحضارة إنسانية مترسخة في عمق التاريخ، عالة على غيره، ويعول على رسائل مستهلكة، أو مثقف حفظ في كل فن سطرا لمعرفة الإسلام وعقائده ومبادئه، وهذا أقرب الى الشطط والغلو. ينبغي للإسلام السياسي أن لا يشغل نفسه بشعارات فارغة بعيدة عن الواقع، إقتفاء بما تردده بعض الاتجاهات الإسلامية المثالية النائية عن أدبيات الواقع المفروض، بل ينبغي أن يحافظ على المعاني التي تحفظ للوجود الكوردي ثقافته وحضارته وتاريخه وتراثه، إن الانشغال بتلك الشعارات ديدن الاتجاهات التي تملك كيانا مستقلا، وفي دولتها الوطنية والقومية، والتي هي أحرص من الاتجاهات القومية على وحدة أراضيها وسيادتها، فهي عندما تدعو مثلا الى مفهوم الأمة الواحدة لا يضيرها ذلك، لأنها تدرك أن رفع الشعارت من أسهل الأعمال الإعلامية، وهي في كنهها صيحة في واد، أو نفخة في رماد، أما أن يحاول الإسلام السياسي الكوردي مشاركة تلك الاتجاهات في الدعوة الى ذلك، فإنه بذلك يرتكب خطأ، وذلك لوجود الفرق العظيم بين واقع تلك الاتجاهات المستقلة التابعة للدولة الوطنية والقومية، وبين الواقع الكوردي المجهول مصيره. لذا ينبغي للإسلام السياسي أن يبحث عن بعد واقعي يجمع بين الشتات الكوردي، للتحرر من العبودية والظلم، إن الظروف الدولية لا ترغب بوجود الإسلام السياسي، وخاصة إذا اتحذ طابعا متزمتا بعيدا عن الرفق ومراعاة الظروف الحساسة، وهذه التقلبات المفاجئة ظهرت وتبلورت بعد أحداث(11 سبتمبر) في أمريكا، حيث تم إدراج الإسلام السياسي العام ضمن دائرة الارهاب الدولي، والإسلام السياسي الكوردي جزء من –أعني جزء من التيار الإسلامي السياسي العالمي-لا يمكن فصله، وهذا باعتراف الإسلاميين الكورد، والأحداث التي كانت بين الاتحاد الوطني الكوردستاني وبين التيار الإسلامي المسلح"جماعة أنصار الإسلام"رسخت هذه الحقيقة في الإعلام العالمي، وخاصة بعد تلك العمليات التخريبية التي نسبت الى الإسلام السياسي المسلح.
إن الكورد بأمس الحاجة الى توحيد خطابه السياسي في الدعوة الى هيكلة سياسية إدارية بحيث لا يعرض هذه التجربة الحضارية القصيرة الى الضياع والتيه، وكان ينبغي للإسلام السياسي أن يدرك هذه الحقيقة قبل غيره، تطبيقا لمبادىء الاسلام الداعية الى المصالح الكلية العامة، حيث بذلك لا تتكرر المآسي والرزايا المعروفة في تاريخنا المحزن المبكي.
لندع هذا الشعب يتحرر من أغلال العبودية، وسلاسل الذل والظلم، ويرى بريق الحرية وبصيص العدالة، أما من يحكمه فهذا ليس بذي شأن، فإن الشعوب الواعية لتأريخها تجيد حسن الاختيار لمن يسوسها.
إن الإسلام السياسي بأمس الحاجة الى وعي سياسي وشعور وطني وحس قومي، وليس في ذلك خلل عقدي، فقد كان"فهمي لجي"الذي أعدم مع الشهيد سعيد بيران ملحدا، ولقد قال سعيد بيران بحقه:"إن فهمي كافر أكثر من الكفار، وملحد أكثر من الملحدين، ولكنه كردي جيد"(20)، فهل يشك أحد في تدين الشهيد سعيد بيران وعقيدته؟. وهذا الموقف يدل على وعي سياسي كامل، ناهيك عن الوعي الديني والعقدي، حيث يذكرني بما جرى للرسول(ص) قبل ظهور الإسلام، أي أيام الجاهلية، حيث عقد العرب حلفا قومياً لمناصرة المظلوم، وردع الظالم، فشارك فيه الرسول(ص)وبعد أن ظهر الإسلام، قال في حقه–أي ذلك الحلف المعروف بحلف الفضول-:"لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي حمر النعم، ولو دعيت في الإسلام لأجبت".(21) فهلا كان للكورد حلف قومي كحلف الفضول، ليس في الوقوف ضد المظالم الداخلية، بل ضد ما هو أخطر من ذلك، وهو الغزو الذي يروم سحق الوجود الكوردي ثقافيا وحضاريا وتاريخيا،ـإنني لاأقصد بهذه الكلمات الطعن في التيار الإسلامي السياسي، بل كل ما في جعبتي سطور نقدية علها تدفع بعض أشياعه الى إعادة النظر في أدبيات هذا السلك الايدلوجي، لأنه-أي اقتفاء هذا السلوك-في كنهه يخنق الوعي القومي، ويقتل الشعور الوطني (22)وذلك لتعويل الإسلام السياسي على بعض الرسائل الصغيرة الخارجية المزركشة، ألفها بعض المثقفين، وهي على صورة معلبات جاهزة، لا تتضمن أصالة علمية، ولا علما أصيلا، إنها رسائل مناسبة لواقعها ومناخها، ومن الشطط فرضها على واقع آخر يخالفه قلبا وقالبا، فالواقع الكوردي بأمس الحاجة الى صناعة وعي قومي ووطني لحفظ البيت الكوردي من استراتيجيات الدول المجاورة التي تحاول في كل خطوة من خطواتها القضاء على الوجه الحضاري في كوردستان، تلك الدول المتناطحة فيما بينها، والمتآلفة فيما إذا أثيرت القضية الكوردية، ولو فكر الاسلام السياسي مليا لأدرك أن التجربة الكوردية هي في صالحه اكثر مما هو في صالح التيار القومي، ليس لأن شعبيته أكثر، بل لأن الفرصة موآتية له، لو استطاع فعلا أن يقنع جمهوره بطرحه السياسي، وليس هذا تهميشا لدور التيار القومي، لأنه من الحقائق المطلقة أن التيار القومي هو الذي حفظ للكورد وجوده ثقافيا وحضاريا وتاريخيا، ليس في طرحه السياسي، بل لاقتناع العقول الواعية أن الوعي القومي هو الذي سيصون للكورد وجوده الحضاري، مع أن الإسلام السياسي لا يزال يعاني من أزماته الداخلية، نتيجة الصراع الفكري والمنهجي، فالذي لا يستطيع حل مشاكله الداخلية، كيف يمكن له أن يجد حلا للكورد على اختلاف مذاهبهم الدينية والفكرية والسياسية، إن ما أؤكده إيمان بالواقع الذي فرض نفسه علينا، إن الأفكار الاستعلائية المدعومة بقوة السلطة لا تجد لها أرضية، ولو وجدت فإنها في لحظة ما ستزول، ولن تكون لها رجعة، كما حصل ذلك في تأريخ المعتزلة، حيث استعانوا بالمأمون خليفة المسلمين في بغداد، إلا أن المعتزلة مع قوتهم اختفوا من الوجود، ليس لضعف مذهبهم الفكري، بل لأنهم فرضوا المذهب على الناس، فكانت النتيجة كما ذكرنا، فسياسة الفكر القسري، والعقل السلطوي، والاحتكار الفردي فاشلة من بداية الطريق، قد تنجح تلك السياسة في تذليل المناهضين لها، وإبادتهم إلا أن العقول الواعية، تدرك حقيقة الأمر، ولهذا نجد أن القادة الدكتاتوريين غير مستعدين ليعيشوا أفرادا عاديين في مجتمعاتهم بعد التخلي عن مناصبهم، بل سيبذلون كل ما في وسعهم-ولو كلف ذلك سحق شعبهم كاملا وتدمير البلد جملة-للذود عن أنفسهم لأنهم يدركون مصيرهم المحتوم.
ماذا يريد الإسلام السياسي؟
إن جميع الحركات الإسلامية تدعي أنها تريد الإصلاح، سواء كان إصلاحا فكريا او اجتماعيا او اقتصاديا او سياسيا، فالإصلاح لب دعوتها، إلا أن الحقيقة التي لا مجمجمة فيها أن الإسلام السياسي لا يركز على الإصلاح الفكري، بقدر ما يركز على مناحي أخرى كالسلك السياسي والإقتصادي، وذلك لأن هذه المناحي الأخيرة هي التي ستؤهلها لتضاهي بذلك التيار القومي والوطني من حيث الأرضية السياسية والتأثير البالغ. فالإصلاح الفكري مشروع عويص، يسبب مشاكل ويعرقل تطور الإسلام السياسي، فلا مانع من وجود أصناف مختلفة فكرا وعقيدة، وذلك لتطوير الإسلام السياسي إلى الأمام لتواكب مسيرة التيارات القومية، ولهذا عندما يكون الاصلاح الفكري مهمة هامشية عند الإسلام السياسي تتجلى حينئذ هشاشة هذا التيار في المنظومة القرآنية والحديثية، وإذا ما وجدنا أي إصلاح فكري عند الاسلام السياسي فهو إصلاح مقيد متورد ومبرمج وفق منظومتها البراغماتية، وبعبارة آخرى إنه إصلاح فكري حسب المنظومة الخارجية لبيئة ما، ولهذا نجد علماء الدين الكورد، وخاصة الكلاسيكيين يركزون على الاصلاح الفكري حسب المنظومة القرآنية، بعيدا عن إطارات خارجية وغريبة عن الواقع الكوردي، فلو تتبعنا أحمد الخاني في ملحمته(مم وزين) لوجدنا أن فيلسوفنا الواقعي ينطلق من المنظومة القرآنية، يستنبط المعاني بنفسه، وهو واثق من نفسه، غير معول على أدوات خارجية تحدد له طريقة تفكيره، ومسار مشروعه، مع وعيه الدقيق لمناخه المضطرب آنذاك، وكأنه يبدو لي أن الإسلام السياسي لا يقدر على القيام بذلك، لأنه تيار من شتات المثقفين، ولهذا قل أن تجد بينهم عالما بمعنى الكلمة، وهو يحمل في الوقت نفسه شعورا وطنيا وحسا قوميا معتدلا. ولعل الفوضى الدينية االتي نلحظها أحيانا في المجتمع الكوردي يرتد الى هذا الفصام النكد المصطنع بين المثقفين وعلماء الدين، فالمثقفون وهم أهل التقميش والتجميع، حفظوا من كل فن سطرا، يتطاولون على علماء الدين من أهل التفتيش والتحقيق، ويزدرون ببضاعتهم. ليس قصدي هنا أن نمنع الناس من تعلم الدين، فإن تعلم الدين عبادة، إلا أنه في الوقت نفسه يجب أن لانجعل الدين ملكا مشاعا لمن هب ودب، وخاصة إذا كان الأمر متعلقا بالعقائد وبالقضايا الخطيرة، ولو تتبعنا ما قدمه الإسلام السياسي فهولا يساوي ما قام به عالم واحد من علماء الكورد من حيث الإصلاح الفكري والاجتماعي، وإنني أقصد بعلماء الكورد أولئك الذين لهم قدم راسخة في علوم الدين، مع شعور قومي معتدل للحفاظ على الوجود الكوردي ثقافيا وحضاريا. إن ترجمة رسائل معينة، ونشر أيدولوجيات فكرية معينة ترتد الى مناخ آخر له خصائصه ومميزاته، بحيث يصطدم ذلك مع الواقع الكوردي الذي له ملابساته وظروفه، لايمكن عد ذلك اصلاحا، بل هو إصلاح جزئي يخدم مصلحة فئة معينة، فقد يكون من زاوية أخرى إضرارا بالمصلحة العامة للمناخ الكوردي الذي له ظروفه الحساسة والمتقلبة، وليس العيب في ترجمة الرسائل ونشر الثقافة، بل العيب في نوعيتها التي تخدم جهات أخرى خارجية، تعادي أشد العداء للوجود الكوردي بإطاره القومي والوطني والتأريخي والجغرافي.
ثم ماذا بعد ذلك؟
إن الإنسان الكوردي متطبع على حب الدين، ذلك الدين الذي تعلمه في الصغر من قريته ومسجده الصغير على يد إمامه، ولا يعرف مناخه الديني هذه الفوضى الدينية من المذاهب والحركات والجماعات التي شوهت عليه جمال الدين، وأفسدت عليه حقيقة دينه وعقيدته، وأضعفت تأثيره الروحي السيكولوجي. لا بد من عودة سريعة إلى ذلك المناخ الديني الهادىء البعيد عن صخب الحزبية، وضوضاء الانشقاقات الدينية، والأخلاقيات المصطنعة المتكلفة، والنفاق الديني الاجتماعي ، حيث غدونا في غربة أخرى لا نعرف الصادق من الكاذب، كل أولئك بسبب هذه التيارات السياسية الدينية التي طرأت على المناخ الكوردي الديني الهادىء، حاملة معها أفكارا غريبة وأيدولوجيات متهافتة تعكس واقعا معينا يختلف عن طبيعة الواقع الكوردي المضطرب.


إن الكورد في هذه المرحلة المتذبذبة-باختلاف اتجاهاتهم الدينية والفكرية والأيدولوجية بأمس الحاجة إلى صناعة وعي قومي ووطني للحفاظ على وجوده التاريخي والثقافي والحضاري المعرض للزوال والانصهار من قبل الأنظمة الهمجية، ولا يمكن الحفاظ على ذلك بواسطة أفكار خارجية تعاند هذا المشروع، فالأمن الوطني والقومي هو الذي سيحفظ لنا تلك المفردات الآنفة الذكر، بل حتى الحياة الدينية ستكون أفضل، فلو قارنا بين فترة البعثيين وفترة التجربة الكوردية لوجدنا الى أي مدى تطورت الحياة الدينية، حيث خصصت لها مجالات واسعة، والى أي مدى تقدمت الحياة الحزبية والسياسية مع هذه الظروف القاسية والعويصة، وهذا باعتراف الوفود الزائرة لكوردستان من الغربيين وبعض الدول العربية.


تحياتي
شيخ كوردستان
عراقي أصيل

نوت
10-08-08, 11:04 PM
هناك نوع من الإجماع بين المستشرقين و المؤرخين و الجغرافيين على اعتبار المنطقة الجبلية الواقعة في شمال الشرق الأوسط (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%A3% D9%88%D8%B3%D8%B7) بمحاذاة جبال زاكروس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D9%84_%D8%B2%D8%A7%D9%83%D8%B1% D9%88%D8%B3) و جبال طوروس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D9%84_%D8%B7%D9%88%D8%B1%D9%88% D8%B3) المنطقة التي سكن فيها الأكراد منذ القدم ويطلق الأكراد تسمية كردستان (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86) على هذه المنطقة وهذه المنطقة هي عبارة عن أجزاء من شمال العراق (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82) وشمال غرب إيران (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86) وشمال شرق سوريا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7) و جنوب شرق تركيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7) ويتواجد الأكراد بالإضافة إلى هذه المناطق بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B1%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7) و بعض مناطق أذربيجان (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D9%86) و لبنان (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86) ويعتبر الأكراد من إحدى أكبر القوميات التي لا تملك دولة مستقلة أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً. وهناك الكثير من الجدل حول الشعب الكردي إبتداءً من منشأهم، وإمتداداً إلى تأريخهم، وحتى في مجال مستقبلهم السياسي وقد إزداد هذا الجدل التأريخي حدة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على واقع الأكراد في العراق (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82) عقب حرب الخليج الثانية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A% D8%AC_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9)،