المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ محمد بن عبد الوهاب


رساوي وبكل فخر
29-11-07, 12:46 PM
محمد بن عبد الوهاب - من موسوعة عباقرة الإسلام للفرشوخ


الدكتور محمد أمين فرشوخ

محمد بن عبد الوهاب
( 1703 م - 1792 م )
* شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب . مصلح ديني وإجتماعي وسياسي . قام بالدعوة الوهابية في الجزيرة العربية . وهي دعوة سلفية أعادت إلى ممارسة العقيدة الإسلامية نقاوتها وصحّتها كما يفصح عنها الوحي والسنّة .

* ولد محمد في العيينة، ولم يدخل الكتاتيب بل درس على والده القرآن واللغة، واستظهر كثيراً من الأحاديث . حتى بات وهو دون العشرين عالماً مقصوداً .

* ولما كانت الحياة الإجتماعية والدينية فاسدة، ففضلاً عن الجهل المتفشّي، كانت البدع والخرافات عامة : ذبح لغير الله ، نذور للأنصاب، توسّل بالموتى، تّبرك بالأشجار . . . والعلماء لم يكونوا هادين ومصلحين، بل حائدين عن الإسلام الصافي والخُطى النبوية الشريفة، فقد قام الشيخ محمد يناقش العلماء وينصحهم حتى عنُف الجدال بينهم واحتدّ . فكثير مناوئوه مما اضطر والده إلى ترك البلدة إلى حريملاء، ولم يصمد الشيخ الشاب طويلاً حتى غادرها أيضاً إلى مكة .

* زار الشيخ محمد مكة ، فأدّى فيها فريضة الحج ثم قصد المدينة، وهناك لا زم، فترة، العالم ابن سيف، ثم توجّه إلى نجد فالبصرة، ثم عاد إلى حريملاء أكثر علماً ونضجاً وأشد قوّة على الباطل ورجاله . وتوفى أبوه في هذه الفترة كما حاول بعضهم قتله، فاختار أن يعود مع محازيبه إلى العيينة بلده الأصلي .

* وفي العيينة، استقبله عثمان بن معمر أميرها وشعبها بحفاوة . وزادت شهرته فأيّده كثيرون في مناطق مجاورة وبعيدة، كما عاداه كثيرون أيضاً، ومنهم أمير الإحساء الذي ألّب بعض زعماء العيينة ضدّه، وحين قويت الثورة، غادر البلدة إلى الدرعية .

* وفي الدرعية بايعه أميرها محمد بن سعود على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيله وإقامة شريعة دعوته . ومن الدرعية انطلقت الدعوة الوهابية قوية، تجمع الأنصار وتحارب الضالين .

* وكانت الحروب بقيادة ابن سعود وابن عبد الوهاب ضد أمير الرياض وأمير الإحساء وغيرهما، حتى توطّد الحكم الصالح لمحمد بن سعود، ومن ثم لابنه عبد العزيز. وكان الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو المستشار الدائم، الذي يفصل في الخصومات. ويفتي في العلاقات السياسية وفي المعاهدات لأنه أعلم بالدين وبالأحكام .

* لم يظهر في الدعاة والمصلحين الدينيين مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فمن عرفناهم قبله أو بعده لم تتجاوز آثارهم محيط الفكر المحدود، أو لم يكتب لدعواتهم الإنتشار والذيوع. لقد كان الشيخ محمد زاهداً ومتعلماً، لم يستخدم الدعوة قط في سبيل دنيا، بل قام بالدعوة مخلصاً لله. ومَن يطّلع على مؤلفات الشيخ محمد وعلى رسائله يعرف أنه كان كثير العلم واسع الثقافة وأن كان علمه الفقهي منحصراً بآراء الإمامين المجتهدين: ابن تيمية وابن القيم .
وهكذا أصلح نفسه ثم خرج للناس يريد لهم الإصلاح، وقد وفقّه الله لما صمد له، فأثمرت دعوته وإصلاحه وتجديده وإحياؤه القرآن والسنة أتباعاً كانوا أئمة ودعاة في الفترات التي كانوا فيها، وما يزال أتباعه إلى اليوم كما كانوا بالأمس .

* أحداث عديدة ضربت الوهابيين، لكنهم ثبتوا وضحّوا . قدم إبراهيم باشا بجيش جرّار وغزا به نجداً ليقضى على الدعوة وأصحابها . قاومت مدن نجد ثم استسلمت. والدرعية بعد حصارها استسلم حاكمها ثم قتل في الأستانة مع صحبه. والمفترون على الدعوة كثر، جابهم الشيخ محمد وجاهاً ومراسلة، بنفسه وبتلاميذه . وصمد للجميع، فقد كان صاحب الدعوة مثالاً للجميع في الصبر والثبات والإيمان .

* ليس لمحمد بن عبد الوهاب دعوة خاصة، بل هي دعوة الإسلام الحق ، ومنهجه هو منهج الإسلام . قال: " إني – ولله الحمد – متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين به هو مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة " فالوهابيون لم يبتدعوا سنة جديدة وإنما سلكوا مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في الفروع ، أي قواعد الدين العملية والشخصية والتنفيذية التي يصحّ فيها اختلاف العلماء لأنها موكلة إلى المجتهدين منهم، أما الأصول، أي العقائد وأسس الأحكام فهم فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، لا يحيدون عنها .

* من أهم المسائل التي دعت إليها الوهابية صرف جميع أنواع العبادة لله وحده، ومنع التوسّل والإستعانة والاستغاثة بغير الله، ومسألة الشفاعة، ومسألة الغلوّ في أهل القبور، وتحريم المسكرات ومنع الدخان .

* قال فيه محمد كرد علي: " وما ابن عبد الوهاب إلا داعية هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدّة من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلّما رأينا شعباً من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة، أما الغزوات التي يغزونها فهي سياسية محضة ، ومذهبهم برئ منها، وما يتهمهم به أعداؤهم زور لا أصل له " .

* وقال طه حسين: " أن هذا المذهب الجديد قديم، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الأمر، لأنه ليس إلاّ الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصاُ لله وحده، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس، هو إحياء للإسلام العربي وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل من نتائج الإختلاط بغير العرب " .

* ويقول عباس محمود العقاد: " سرعان ما ظهرت دعوة ابن عبد الوهاب بجزيرة العرب حتى تردّد صداها في البنغال سنة 1804 . . . ثم تردد صدى الدعوة الوهابية بعد ذلك بزعامة السيد أحمد الباريلي في البنجاب . . . " ولم تقف آثار الدعوة الوهابية على القارّة الهندية فحسب، بل تجاوزتها إلى جاوا وأقصى الجزر الهندية الشرقية ( إندونيسيا ) وفي أفريقيا كان للدعوة أثر بليغ، ففي أواخر القرن الثامن عشر نشطت الدعوة وانتشرت في بعض بلدان أفريقيا : في السودان ونيجيريا وغيرهما .

* تنسب الأسرة الوهابية إلى الشيخ عبد الوهاب والد الداعية محمد، وحين ظهر شيخ الإسلام الإمام محمد، غلب عليها آل الشيخ ومن الغريب تسمية دعوة الشيخ محمد بالوهابية نسبة إلى أبيه ومحمد هو الذي قام بها وناضل من أجلها ولقي في سبيلها الأذى والجوع وضروب المهانة، وكان الأولى أن تُسمّى الدعوة المحمدية، لكن جرى العدول عنها خوف الإشتباه بالنسبة إلى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

* لقد بدأ ابن عبد الوهاب دعوته دون سن العشرين، شهد ثمارها وثمار جهاده مع ابن سعود وآثار الإصلاح في الديار، وتوفى أثر مرض في آخر يوم في ذي العقدة 1206 هجرية الموافق 29 حزيران 1792 ميلادية .

* مؤلفاته:
- مختصر صحيح البخاري
- التوحيد فيما يجب من حق الله على العبيد
- كشف الشبهات
- كتاب الكبائر
- أربع القواعد في التوحيد
- مختصر زاد المعاد
- استنباط القرآن
- السيرة المختصرة
- فضائل الإسلام
- أصول الإيمان
- تفسير القرآن
- مختصر الإنصاف
- مختصر الشرح الكبير
- مسائل الجاهلية
- مفيد المستفيد
- الثلاثة الأصول
- آداب المشي في الصلاة

المصدر : موسوعة عباقرة الإسلام - الدكتور محمد أمين فرشوخ - ص 133 - 136 - دار الفكر العربي للطباعة والنشر طبعة 1412هـ - 1992 م

رساوي وبكل فخر
29-11-07, 12:51 PM
ما قيل عنه
قال الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتى بيروت الأسبق في كتابه تحفة الأنام بعد ذكر طائفة الوهابية: « وهناك رسالة من كلامهم [أي الوهابية] تدل على مذهبهم ومعتقداتهم:

قال محمد بن عبد الوهاب: « اعلموا رحمكم الله أن الحنيفية ملة إبراهيم أن نعبد الله مخلصًا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم له كما قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ } فإذا عرفت أن الله تعالى خلق العباد للعبادة فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة كما قال تعالى: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ }.

فمن دعا غير الله طالبًا منه ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب خير أو دفع ضر فقد أشرك في العبادة كما قال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} وقال تعالى: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ، إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }.

فأخبر تبارك وتعالى أن دعاء غير الله شرك، فمن قال: يا رسول الله أو يا ابن عباس أو يا عبد القادر زاعمًا أنه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده ووسيلته إليه فهو المشرك الذي يهدر دمه وماله إلا أن يتوب من ذلك، وكذلك الذين يحلفون بغير الله والذي يتوكل على غير الله أو يرجو غير الله أو يخاف وقوع الشر من غير الله أو يلتجئ إلى غير الله، أو يستعين بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو أيضًا مشرك، وما ذكرنا من أنواع الشرك هو الذي قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين عليه وأمرهم بإخلاص العبادة كلها لله تعالى ويصح ذلك أي التشنيع عليم بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله في كتابه:

[القاعدة الأولى]
أولها: أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الأمور، والدليل على ذلك قوله تعالى: { قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ، قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ، بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.

إذا عرفت هذه القاعدة وأشكل عليك الأمر فاعلم أنهم بهذا أقروا ثم توجهوا إلى غير الله يدعونه من دون الله فأشركوا.

[القاعدة الثاني]
أنهم يقولون: ما نرجوهم إلا لطلب الشفاعة عند الله نريد من الله لا منهم ولكن بشفاعتهم. وهو شرك، والدليل قول الله تعالى:{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } وقال الله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }. وإذا عرفت هذه القاعدة فاعرف:

[القاعدة الثالثة]
وهي أن منهم من طلب الشفاعة من الأصنام ومنهم من تبرأ من الأصنام وتعلق بالصالحين مثل عيسى وأمه والملائكة، والدليل على ذلك قوله تعالى : { أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } ورسول الله لم يفرق بين من عبد الأصنام ومن عبد الصالحين في كفر الكل، وقاتلهم حتى يكون الدين كله لله. وإذا عرفت هذه القاعدة فاعرف:

[القاعدة الرابعة]
وهي أنهم يخلصون لله في الشدائد وينسون ما يشركون، والدليل عليه قوله تعالى: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } وأهل زماننا يخلصون الدعاء في الشدائد لغير الله. إن المشركين في زمان النبي أخف شركًا من عقلاء مشركي زماننا لأن أولئك يخلصون لله في الشدائد وهؤلاء يدعون مشايخهم في الشدائد والرخاء، والله أعلم بالصواب ا. ه*.

موقف الفاخوري من قواعد عقائد ابن عبد الوهاب
قال الشيخ الفاخوري: « وهذه الرسالة والقواعد التي أسسها ذلك الشيخ لا شبهة فيها لأن هذا هو الدين الذي جاء به النبي والأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ».

غير أن ما أنكره عليه هو أنهم قاتلوا من يقول لا إله إلا الله.

وهذه الشهادة لا تشفع لمشركين يدعون إلى سنن اليهود والنصارى، ويلجموننا بالتلفظ بشهادة التوحيد مع الدعوة بدعوة الجاهلية، ومن تقرب بما كان يتقرب به سلف المشركين أعداء الأنبياء فلا تقبل منه حتى يدعو إلى مقتضاها والتوقف عما يضادها.

ثم أبدى الشيخ الفاخوري أسفه للغلو الصوفي الذي ساد العالم الإسلامي الذي جعل للأولياء مرتبة التصرف الإلهي في الكون فقال: « كما وأن أكثر العوام من جهة الإسلام قد تغالوا وأفرطوا وابتدعوا بدعًا تخالف المشرع من الدين القويم، فصاروا يعتمدون على الأولياء، الأحياء منهم والأموات، معتقدين أن لهم التصرف، وبأيديهم النفع والخسر، ويخاطبونهم بخطاب الربوبية، وهذا غلو في الدين القيوم وخروج عن الصراط المستقيم »، وقد ورد في الحديث المرفوع « دين الله تعالى بين المغالي والمقصر » [قارن بين النسخة القديمة المطبوعة في حياة الشيخ الفاخوري ص 262 - 269 المخطوط في مركز الملك فيصل برقم 25725 وبين النسخة التي طبعتها دار الجنان الحبشية ص200 ، حيث حذفت دار الجنان منها ست صفحات التي نص فيها الشيخ الفاخوري على موافقة محمد بن عبد الوهاب لما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، واستنكر ما حاق بالأمة من اعتقاد الربوبية في الأولياء وأنهم يتصرفون في الكون] .

الفاخوري يستعرض عقيدة ابن عبد الوهاب

رساوي وبكل فخر
29-11-07, 12:52 PM
ال الدكتور بسام العموش أستاذ العقيدة في جامعة الزرقاء الذي عاش في دعوة الإخوان المسلمين منذ نعومة أظفاره فكان لهم فضل كبير مكنه من التعرف على أحوال الدعوة والغوص في فقهها .
والذي منذ أكثر من عشرين سنة وهو يدرس مواد الدعوة بأسمائها المختلفة في جامعة الملك سعود والجامعة الأردنية وجامعة الزرقاء الأهلية في كتابه القيم (فقه الدعوة) – الطبعة الأولى – 1425 هـ - 2005 م – دار النفائس للنشر والتوزيع – الأردن

في الوحدة الثانية عشرة ( دعاة عبر التاريخ) ص 286 - 290 : محمد بن عبد الوهاب
ولد محمد بن عبد الوهاب في مدينة العُيينة عام 1703 م وانتسب إلى أسرة معروفة بالعلم، فقد كان جده سليمان من أشهر علماء عصره الذي ألف كتاباً في المناسك، وكذلك كان عمه إبراهيم عالماً جليلاً، وكذا ابنه عبد الرحمن بن إبراهيم صاحب فقه وأدب، أما والده فقد كان له باع طويل في الفقه، وعمل قاضياً في العيينة وحريملاء.

كان محمد ذكياً فطناً، حفظ القرآن في صغره، ودرس على والده.
تزوج وهو صغير، وارتحل لطلب العلم وبخاصة في الحرمين، واستفاد من الشيخ عبد الله بن إبراهيم، والشيخ محمد حياة السندي، والشيخ علي الداغستاني، والمحدث محمد بن سليمان الكردي، وذهب إلى البصرة وأخذ عن بعض العلماء.

كان مولعاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصارت البدع تقلق باله وبخاصة ما رآه في المدينة من أعمال الجهلة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عانى نتيجة نشاطه في هذا الاتجاه، وقد بدأت دعوته للتوحيد ومحاربة البدع في الانتشار في المدن النجدية (حريملاء، العيينة، الدرعية، الرياض . .) وبدأ الناس يتحلقون حوله وبخاصة بعد وفاة والده، ودخل مرحلة التصنيف فألف كتاب (التوحيد) . كان في نجد أمراء عديدون فصمم الشيخ على توحيد المنطقة، فعرض على (عثمان بن معمر) أمير العيينة التعاون لنشر التوحيد، ولتوحيد الناس خلف أمير واحد، تزوج الشيخ ابنة أخيه -أي ابنة أخي الأمير عثمان بن معمر- لتزداد الرابطة بينهما، لكن عثمان لم يقم بالمطلوب. استمر الشيخ في دعوته عملياً فاقتلع أشجاراً كانت تعبد من دون الله، وأزال قبة ضربت على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه الذي استشهد في معركة اليمامة أثناء قتال مسيلمة الكذاب وأقنع ابن عبد الوهاب الأمير عثمان بن معمر فألغى الضرائب وقرر الزكاة .

استمر الشيخ في تأليف الرسائل وصار له أتباع هنا وهناك يوجههم للعمل دون كلل.

ومن القصص أن امرأة اعترفت له بالزنا، وبعد التوثيق منها أمر برجمها، وشارك في الرجم الأمير عثمان بن معمر، فثارت ثائرة العديدين منهم أمير الإحساء والقطيف (سليمان بن عريعر الحميدي) فهدد الأخير عثمان بن معمر فرضخ عثمان للتهديد، وطلب من الشيخ مغادرة المنطقة. وبالفعل أخرج من المنطقة ماشياً يتبعه شرطي اسمه (فريد الظفيري) وقيل إنه أمره بقتله في الطريق لكنه خاف ورجع، وتوجه الشيخ إلى الدرعية خارج حدود (عثمان بن معمر) فاستقبله أمير الدرعية (1) (http://www.saaid.net/monawein/th/22.htm#%281%29) محمد بن سعود. وتعاهد معه على الطاعة والنصر، وحضر الاتفاق شقيقا محمد بن سعود وهما (ثنيان ومشاري) وقال له ابن سعود: بعدما عرض الشيخ دعوته: (يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه وأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به والجهاد ممن خالف التوحيد) وتمت المعاهدة بين الطرفين عام 1157 هـ أو 1158 هـ . وانتشرت الدعوة وندم ابن معمر للأخبار التي وصلته، وحضر إلى الشيخ واعتذر إليه وطلب منه العودة إلى العيينة فلم يقبل إلا إذا قبل (محمد بن سعود) فذهب ابن معمر إلى (ابن سعود) فرفض الأخير ذلك. وكثر أتباع الدعوة بل صار الأمراء المجاورون يعلنون تطبيق الحدود ومبايعة الشيخ، وكثر المال معه بدعم ابن سعود وصار ينفقها في سبيل الله، وبدأ الشيخ يمد دعوته خارج نجد فاستجاب له عالم صنعاء المجتهد الأمير محمد بن إسماعيل (ت سنة 1182 هـ) وبعث له بقصيدة مطلعها:
سلام على نجد ومن حل في نجد
وإنْ كان تسليمي من البعد لا يجدي
وقد سار على نهج (محمد بن سعود) ولده (عبد العزيز) الذي استولى على الرياض عام 1187 هـ وهرب أميرها دهام بن دواس الذي خاض حروباُ ضد ابن سعود زادت عن ثلاثين سنة.

توفى الشيخ سنة 1206 هـ والموافق 1972 م وهكذا قامت المملكة العربية السعودية بالتحالف فيما بين الشيخ وآل سعود. هذا وقد سميت دعوته بالدعوة الوهابية رغم أن الشيخ وأتباعه يرفضون هذه التسمية (2) (http://www.saaid.net/monawein/th/22.htm#%282%29) .
العبر المستفادة من حياة ابن عبد الوهاب:
1- إن الناظر في البيئة الأسرية لهذا الداعية يتيقن أن الأسرة هي المحضن الأول للتربية، وأن الآباء والأمهات هم أصحاب الدور الأصيل في تكوين شخصية أبنائهم، فعلى دعاة الإسلام أن يلتفتوا إلى أولادهم يعلمونهم ويوجهونهم التوجيه الإسلامي لعل الله تعالى يجعل لهؤلاء الأولاد مستقبلاً طيباً في الدعوة الإسلامية. وكم يتألم الإنسان حينما يرى داعية نشيطاً بينما أولاده في اتجاه آخر.
2- أن ابن عبد الوهاب كان مولعاً بالدعوة صغيراً، قد فهم أن الدين عملٌ ونُصحٌ ولهذا انبرى يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، وهي غيرة محمودة، حيث يمتلك الإنسان الجرأة والحيوية فيتحرك لنصرة دين الله تعالى.
3- على الداعية أن يعالج قضايا مجتمعه، فقد رأى هذا الشيخ بدعاً منتشرة، وعقائد فاسدة، ولهذا هب لمقاومتها، وتحرك لاستئصالها بالقول والعمل، فعلى الدعاة أن يفهموا مجتمعاتهم ويعالجوها من الأمراض التي تشكو منها .
4- على الداعية أن يطرق باب النصرة فقد طرقها الشيخ حينما عرض على أمير منطقته الدعوة وطلب إليه نصرتها، وهذا سير على هدى النبي صلى الله عليه وسلم الذي عرض نفسه على القبائل وعلى أهل الطائف وعلى أهل المدينة فكان الأخيرون ناصرين لدين الإسلام ودعوته.
5- على الدعاة أن يبادروا إلى اجتثاث الخرافات من بين الناس، وهي وللأسف موجودة في معظم أقطار العالم الإسلامي حيث يسأل الناس الأموات، ويعتقدون بالأشجار ونفعها، وهذه منكرات اعتقاديه لا يجوز السكوت عنها بحال.
6- إن دعوة هذا الرجل قد أثمرت قيام المملكة العربية السعودية حيث تحالف آل الشيخ مع آل سعود فكانت الرئاسة الدينية لآل الشيخ والقيادة السياسية لآل سعود. والمهم في الأمر أن المملكة وحتى اليوم لا تستطيع أن تكون كبقية الأقطار بحكم وجود الحرمين الشريفين وبحكم العهد الذي قامت عليه وهو نصرة دعوة محمد بن عبد الوهاب وهذا درس كبير للدعاة في عزوفهم عن السلطة، ولكن المهم هو انقياد السلطة للإسلام.

---------------------------------------
(1) تذكر بعض المصادر (ابن بشر) أن الشيخ قد نزل أولاً عند عبد الله بن سويلم العريني، وصار بيت الأخير مركزاً لدعوة يؤمه الناس، وأراد الشيخ أن يتصل بأمير المنطقة (محمد بن سعود) فكلم أخويه(مشاري وثنيان) فاختار الأخيرين الحديث إلى زوجة محمد بن سعود واسمها (موضى) وكانت ذكية فكلمت زوجها وقالت: (إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك فأكرمه وعظمه واغتنم نصرته) ففعل.
(2) محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه/ مسعود الندوي/ ط1 ، 1977/ ص 199 .


رأي د. بسام العموش أستاذ العقيدة في جامعة الزرقاء بالشيخ محمد بن عبد الوهاب

رساوي وبكل فخر
29-11-07, 12:54 PM
3-رأي المفكر المصري د. محمد عمارة بالإمام المجدد ابن عبد لوهاب
[ 1115 - 1206 هـ = 1703 - 1792 م ]
د. محمد عمارة

هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي ، شيخ الدعوة التجديدية السلفية ، الذي تنسب إليه [ الوهابية ] بشبه الجزيرة العربية ..
ولد ونشأ في " العيينة " – بنجد ، ورحل إلى الحجاز والبصرة .. وتعلم بالمدينة المنورة .. ثم استقر بنجد – في " حريملاء " حيث كان والده قاضيها – ومنها انتقل إلى مسقط رأسه " العيينة " داعياً إلى مذهب السلف – مدرسة أهل الحديث – مركِّزاً دعوته على تطهير عقيدة التوحيد مما شابها من تصورات وبدع وأوهام .. وبعد حقبة من التعاون مع أمير " العيينة " - عثمان بن حمد بن معمر – تخلى الأمير عن دعوة الشيخ . . فغادرها ‘لى " الدرعية " حيث تحالف مع أميرها محمد بن سعود .. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الدعوة السلفية مذهب الدولة السعودية .. فوضع الأمير محمد بن سعود قوة إمارته في خدمة الدعوة ، وخاض المعارك ضد القبائل الرافضة لها ، وكان ابن عبد الوهاب رجل الدعوة ، بل وفي طليعة جيش الإمارة التي اتسعت حدودها فشملت شرق الجزيرة وأجزاء من اليمن ومكة والمدينة والحجاز ..
ولقد استمر أمراء آل سعود – عبد العزيز بن محمد .. وسعود بن عبد العزيز – في دعم الشيخ ابن عبد الوهاب ، والعمل على نشر دعوته ، واتخاذها مذهب الإمارة .
ويعد ابن عبد الوهاب أهم من انتقل بالتجديد الإسلامي ، في العصر الحديث ، من إطار التجديد الفردي والمشروع الفكري إلى إطار " الدعوة " التي اتخذت لها " دولة " تحميها وتقاتل في سبيل نشرها ، الأمر الذي جعل لدعوته من التأثير والاستمرارية ما لم تحظ بهما دعوات تجديدية أخرى ربما كانت أرسخ منها قدماً في فكر التجديد .
ولقد كان تجديد الشيخ ابن عبد الوهاب واجتهاده اختياراً في إطار المذهب الحنبلي ، واستدعاء لنصوص ومقولات أعلامه – وخاصة منهم مؤسس المذهب الإمام أحمد بن حنبل [ 164 - 241 هـ = 780 - 855 م ] وشيخ الإسلام ابن تيمية [ 661 - 728 هـ = 1263 - 1328 م ] أكثر مما كان " إبداعا " فكريًّا مبتكراً وجديداً .. كان اجتهاد اختيارات في إطار المذهب ، استدعى النصوص والمقولات التي تنقي عقيدة التوحيد مما ران عليها وشابها من مظاهر الشرك والبدع والخرافات .. على النحو الذي ناسب بيئة نجد ومشكلاتها في ذلك التاريخ .
ولأن " الدولة " قد نصرت " الدعوة " ؛ فلقد امتد تأثيرها واستمر مكاناَ وزماناً .
ولقد ترك ابن عبد الوهاب العديد من الكتب والرسائل التي عالج فيها المشكلات التي اهتمت بها دعوته التجديدية الإصلاحية .. منها : " كتاب التوحيد " و " كشف الشبهات " و " تفسير سورة الفاتحة " و " أصول الإيمان " و " تفسير شهادة أن لا إله إلا الله " و " معرفة العبد ربه ودينه ونبيه " و " المسائل التي خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية " – وفيها أكثر من مائة مسألة - و " فضل الإسلام " و " نصيحة المسلمين " و " معنى الكلمة الطيبة " و " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" و " مجموعة خطب " و " مفيد المستفيد " و " رسالة في أن التقليد جائز لا واجب " و " كتاب الكبائر " .
وحتى عناوين هذه الرسائل تفصح عن مضامينها التي ركزت على تنقية عقيدة التوحيد ، والعودة فيها إلى التصور الإسلامي النقي الذي رسخته المدرسة السلفية في تراث الإسلام! .

المصدر: شخصيات لها تاريخ للدكتور محمد عمارة - دار السلام - الطبعة الأولى 2004 م - 2005 م - ص 144- 146

رساوي وبكل فخر
29-11-07, 12:56 PM
* قال الأستاذ أمين سعيد:
« أما بعد، فسيرة الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي من أحفل السير بالعظات، وأغناها بالفضائل، وأحقها بالبحث والفحص، والتفسير والتعليل، في سيرة مصلح من كرام المصلحين، ومجاهد من كبار المجاهدين، وعالم من خيرة العلماء، أنار الله بصيرته، وهداه سبله، وألهمه التقوى فدعا أمته للرجوع إلى الله، والعمل بكتابه، وسنة رسوله، ونبذ الشرك وعبادة القبور، فانقادت إليه واقتدت به، واستجابت لـه، فأخرجها الله به من الظلمات إلى النور فنجت وفازت، وجنت أطيب الثمار، وسمت إلى مرتبة الأخيار »(1) .

قال: « وحققت الدعوة لنجد آمالها، وقد بدأت في محيطها، أول ما بدأت فأنشأت لها مجتمعاً إسلامياً سليما، يؤمن بالتوحيد ويعظم شأنه ويسير على هداه، ولا يدعو مع الله أحداً ولا يزال هذا حاله، لم يتبدل ولم يتغير منذ عهد الشيخ حتى يومنا هذا، فهو يصدع بالحق ويؤمن به »(2) .
وقال: « وسيجد دارس هذه الدعوة دراسة علم وتدبر، ورغبة صادقة في الوقوف على حقيقتها وبلوغ أعماقها، والإحاطة بتطورها وتحولها أن الإخلاص الكامل والرغبة الصادقة في تطهير الدين من البدع والخرافات والعودة إلى الإسلام الصحيح، والأخذ بمذهب الإمام أحمد مذهب السلف الصالح هو الحافز الحقيقي الذي حفز صاحبها إلى دعوتها والمناداة بها »(3) .

إلى أن قال: « الشيخ لم يبتدع بدعة، ولم يحدث حدثاً، ولم يأت بجديد من عنده وإنما هو رأي ارتآه، يمكن أن يلخص بهذه الجملة (الرجوع إلى الله والعمل بما جاء في كتاب الله والاقتداء بالرسول والسير على سننه) »(4) .

وقال في موضع آخر: « فإن المنصفين من علماء الشرق والغرب، ولا سيما أولئك الذين جاءوا في الأزمنة المتأخرة، وفوها حقها من التعظيم والتبجيل، بعد أن درسوها حق دراستها وغاصوا إلى أعماقها، وأحاطوا بما أنتجته من نتائج عظيمة وما أثمرته من ثمار طيبة للإسلام والعروبة، ولم يكتف بعضهم بجُملٍ عابرة. بل حبّر في وصفها الفصول الطوال ويمكن القول بدون تردد أن تقدير الناس لها، وإعجابهم بسمو مقاصدها، يزداد كلما ازدادوا دراسة لها، وإحاطة بسيرة مؤسسها باعتبارها أعظم حركة إصلاح ديني واجتماعي ظهرت في الشرق العربي بالعصور المتأخرة.
وهنالك حقيقة أخرى، نرى أن نسجلها في هذه المناسبة وهي أن معظم العلماء الغربيين الذين كتبوا عنها بالغوا كثيراً في تعظيمها وأسهبوا وأطالوا في وصف نتائجها، لا فرق في ذلك بين العلماء الانكليز والألمان والأمريكان من الباحثين في شؤون الشرق والإسلام فقد اتفقوا في وصفها بأنها حركة البعث الإسلامي وطليعة هذه النهضة الكبرى، التي تنير آفاق الشرق العربي والإسلامي »(5) .

* قال الشيخ فوزان السابق:
« فقد شمَّر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن ساعد جده واجتهاده، وأعلن بالنصح لله ولكتابه ورسوله وسائر عباده، وصبر على ما ناله من أعباء تلك الرتبة والدعوة وما قصد به من أنواع المحنة والجفوة. وقرر رحمه الله تعالى أن حقيقة دين الإسلام وزبدة ما جاءت به الرسل الكرام : هو إفراد الله تعالى بالعبادة وإسلام الوجه له بالعمل والإرادة، وترك التعلق على الأولياء من دونه والأنداد، والبراءة من عباده من سواه من سائر المخلوقات والعباد ، وهذا معنى كلمة الإخلاص والتوحيد، وهو الحكمة المقصودة بخلق الكائنات والعبيد، وقرر رحمه الله تعالى : أن مجرد الإتيان بلفظ الشهادتين مع مخالفة ما دلتا عليه من الأصول المقررة ومع الشرك الأكبر في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام، إذ المقصود من الشهادتين : حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان بدونها، كمحبة الله وحده والخضوع له والإنابة إليه والتوكل عليه وإفراده بالاستعانة والاستغاثة فيما لا يقدر عليه سواه وعدم الإشراك به فيما يستحقه من العبادات : كالدعاء والذبح والنذر والتقوى والخشية ونحو ذلك من الطاعات. واستدل لذلك بنصوص قاطعة وبراهين ساطعة، وحكى الإجماع على ذلك عن الأئمة الفضلاء والسادة النبلاء من سائر أهل الفقه والفتوى. وذكر عبارة من حكي الإجماع من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وألف في ذلك التآليف وقرر الحجة وصنف التصانيف. وقد عارضه من الغلاة المارقين ومن الدعاة إلى عبادة الأولياء والصالحين أناس من أهل وقته، فباءوا بغضب الله ومقته، وأظهره الله بعد الامتحان وحقت كلمة ربك على أهل العناد والطغيان. وهذه سنة الله التي قد خلت من قبل، وحكمته التي يظهر بها ميزان الفضل والعدل، وقد جمع أعداؤه شبهات في رد ما أبداه وجحد ما قرره أملاه، واستعانوا بملئهم من العجم والعرب، ونسبوه إلى ما يستحي من ذكره أهل العقل والأدب فضلا عن ذوي العلوم والرتب وزعموا أنه خارجي مخالف للسنة والجماعة: كمقالة أسلافهم لرسول الله : إنه صابئ صاحب إفك وصناعة »(6) .

* قال الشيخ محمد أبوزهرة:
« لقد اتسمت العصور التي جمد فيها العقل بتقديس آراء الأئمة المجتهدين كما أشرنا، وكان من مظاهر ذلك: تقديس الصالحين في حياتهم وبعد مماتهم، وزيارة أضرحتهم والطواف حولها بما يشبه الطواف حول بيت الله الحرام، وكان من أثر ذلك أن قامت طائفة تحارب هذا وتشدد في محاربته متبعة في ذلك آراء ابن تيمية، وقد أخرجتها من مرقدها، بعد أن طمرتها السنون»(7) ، ثم قال:
« ظهرت الوهابية في الصحراء العربية، نتيجة للإفراط في تقديس الأشخاص والتبرك بهم وطلب القربى من الله بزيارتهم ونتيجة لكثرة البدع التي ليست من الدين، وقد سادت هذه البدع في المواسم الدينية والأعمال الدنيوية.
فجاءت الوهابية لمقاومة كل هذا وأحيت مذهب ابن تيمية »(8) .

* قال الأستاذ فؤاد حمزة في كتابه: « قلب جزيرة العرب »:
« وقد أطلق على أهل نجد خطأ في القرن الماضي اسم الوهابيين ونسب إليهم أنهم أهل مذهب جديد في الإسلام. إلا أن الحقيقة الآن أصبحت معروفة للناس - فأهل نجد سلفيون يقلدون في المسائل الاجتهادية الإمام أحمد بن حنبل، وقد كانت دعوة الشيخ (محمد بن عبدالوهاب) في القرن الماضي دعوة إصلاحية خالصة لوجه الله، سداها ولحمتها الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الصحيح، وترك البدع وهدم معالم الشرك والخرافات والأوهام، وأما نسبة المذهب الجديد إليهم، فقد حدث بسبب اختلاط الدعاية التي بثت ضدهم بعناصر سياسية بقصد تنفير الناس منهم، وعدهم خارجين على الإسلام. إلا أنهم مسلمون سنيون، موحدون سلفيو العقيدة خالصوا الإيمان »(9) .

* قال الأستاذ عبد الله الطنطاوي في مقال بعنوان: « الإمام محمد بن عبد الوهاب (مجدد القرن الثاني عشر) » :
« جاء في سنن أبي داود – رحمه الله تعالى – وفي غيرها من كتب الحديث الشريف ، قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة ، من يجدد لها دينها).

ونحسب أن الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإمام الرباني الأواب ، هو مجدد دين هذه الأمة في القرن الثاني عشر الهجري ، عندما نهض بدعوته ، وأحيا سنة نبيه ، وأبطل ما علق بهذا الدين العظيم من شوائب ليست منه بل هي دخيلة عليه وعلى حنيفيته ، وهي من عقائد الجاهلية الفاسدة التي لم يأل الرسول القائد جهداً في القضاء عليها ، ولكن الجهلة ومن كان في مصالحه حاجة إليها وفي نفسه حنين إلى تلك العادات والعقائد والتقاليد والانحرافات أعادوها جذعة مع الأيام فكانت أقوى من عزمات بعض المصلحين الذين تصدوا للقضاء عليها ففشلوا لأسباب موضوعية فتراكمت مع الأيام ، إلى أن جاء هذا الإمام المجدد فقضى عليها من جديد ، أو كاد »(10) .

_________________________________________
(1) هذا هو كتاب سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب (7).
(2) المصدر السابق (8، 9).
(3) المصدر السابق (13).
(4) المصدر السابق (13، 14).
(5) هذا هو كتاب سيرة الإمام محمد بن عبدالوهاب (191).
(6) كتاب البيان والإشهار ( 49-51)
(7) المذاهب الإسلامية (211، 212).
(8) المذاهب الإسلامية (211، 212).
(9) قلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة (104، 105).
(10) مجلة المنار ، العدد 70 ، جمادى الأولى 1424هـ.

رساوي وبكل فخر
29-11-07, 12:58 PM
وقف الشيخ محمد زهري النجار من الشيخ محمد بن عبدالوهاب الشيخ محمد زهري النجار في التعليق على هذا الكلام السيئ بقوله :
(يقول مصححه الراجي عفو ربه الستار، المحمدي السلفي، محمد زهري النجار: قد أظهر المولوي وصي أحمد –هنا- مذهب محمد بن عبد الوهاب، بصورة مشوهة، مع العلم بأنه حنبلي المذهب سلفي العقيدة، وذلك نتيجة لعدم دراسته مؤلفات ابن عبد الوهاب وأتباعه، وقد تبع في مسلكه هذا ابن عابدين، الذي لم تكن مؤلفات ابن عبد الوهاب قد انتشرت في زمانه، ولا درس شيئاً منها، ولم يذكر –حين قال ما قال- اسم الكتاب الذي نقل عنه ما قاله من كتب ابن عبد الوهاب، حتى يثق القارئ من كلامه، ويكون على بصيرة من أمره، ولكن الإشاعات السيئة التي قام بترويجها المبتدعة أعداء السنة، كونت لديه صورة مشوهة، فقال ما قال، ولو وقف على مؤلفات ابن عبد الوهاب وأتباعه علماء نجد الأعلام، وقرأها بنـزاهة، لكان له الموقف المحمود تجاههم، لأنه من العلماء العاملين.
وآفة هذه الأمة علماء السوء الذين ينجرفون أمام المادة فيبذلون جهدهم في سبيل الحصول عليها، يرومون بذلك إطفاء نور الحق ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
تزلف هؤلاء الدجالون الظالمين من الحكام، فألفوا الرسائل المشحونة بالأباطيل والأقاويل ضد السنة وأهلها، ولكن الحق أبلج والباطل لجلج.
فلما كثرت المطابع وانتشرت كتب محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، ووقف عليها العلماء الأعلام بادروا إلى الانتصار له، ولا سيما المحدثون من علماء الهند، فطبعوها في بلادهم، كما طبع الكثير منها في مصر، فبذلك تمزقت حجب تلك الأوهام، التي قام بنسجها هؤلاء الدجاجلة، كما تبددت تلك السحب المظلمة التي أنشأها أنصار الباطل، فاستبان نور الحق رغم هؤلاء. فانهزمت جيوش الباطل وولت الأدبار أمام فيالق الحق. التي تحمل في يمينها كتاب الله وفي شمالها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. تدمغ بهما الباطل فتـزهقه.
ومن يقرأ كتاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) وشرحه (فتح المجيد) يعلم بطلان كلام المولوي وصى أحمد وأمثاله وأن صفة الخوارج التي وسم بها محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، بعيدة عنهم كل البعد. فلا ينطبق عليهم هذا الاسم بوجه من الوجوه.
ومن أراد الوقوف على حقيقة اعتقاد الوهابية، فليقرأ كتاب (الهدية السنية) يظهر له سلامة اعتقادهم وأنهم لم يخرجوا عن السنة قيد شعرة.
ولولا خوف الإطالة لأتينا بتفصيل من الكلام المشبع المقنع في مذهب هؤلاء الذين ظلمهم المولوي وصي أحمد وأمثاله. حتى استباحوا دماءهم وحكموا عليهم هذا الحكم الجائر). انتهى كلام النجار جزاه الله خيرًا على ذبه عن عرض هذا الإمام الموحد . والله المستعان .

منقول
الشيخ سليمان الخراشي - في موضوع [انحرافات المحققين] في ملتقى أهل الحديث
وهو مقتبس من كلام الشيخ النجار في تحقيقه لكتاب: [شرح معاني الآثار : للطحاوي ] الطبعة الثانية
موقف الشيخ يوسف القرضاوي
قال الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه (فقه الأولويات ) : "

الإمام ابن عبد الوهاب
فالإمام محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية كانت الأولوية عنده للعقيدة، لحماية حمى التوحيد من الشركيات والخرافيات التي لوثت نبعه، وكدرت صفاءه، وألف في ذلك كتبه ورسائله، وقام بحملاته الدعوية والعملية في هدم مظاهر الشرك".

وهذا رابط الكتاب
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=957&version=1&template_id=89&parent_id=1 (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=957&version=1&template_id=89&parent_id=1)
-----------------------
قال الشيخ يوسف في (ثقافة الداعية – مؤسسة الرسالة – الطبعة الأولى 1417 هـ - ص 107 ) : ( ينبغي الاهتمام بحركات الإصلاح والتجديد في تاريخ الإسلام ، وبرجال التجديد الذين يبعثهم الله بين حين وآخر في هذه الأمة ليجددوا لها دينهما ، أياً كان لون هؤلاء الرجال واتجاههم ، فقد يكون منهم الخلفاء كعمر بن عبدالعزيز ، أو السلاطين والأمراء كنور الدين وصلاح الدين أو الفقهاء والدعاة كالشافعي والغزالي وابن تيمية وابن عبدالوهاب ، وقد يكون المجدد فرداً وقد يكون جماعة أو مدرسة اصلاحية يبرز بها اتجاه في الإصلاح له سماته وخصائص )
-----------------------
وقد وصف د . يوسف القرضاوي ابن عبد الوهاب بشيخ الإسلام في كتابه حقيقة التوحيد
وقد قام أحد الإخوة بنقل الكتاب كاملا على هذا الرابط
http://www.ikhwan.net/vb/showthread.php?s=&threadid=38578 (http://www.ikhwan.net/vb/showthread.php?s=&threadid=38578)

وهذا كلام د. يوسف : ( ألا يتخذ غير الله ولياً يحبه كحب الله ، قال تعالى: ( قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السموات والأرض ) ؟ .
وقال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله ).
إلى أن قال تعالى في شأنهم : ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ، وما هم بخارجين من النار ) .

والمعنى : أنهم يحبون أندادهم وأولياءهم حباً ممتزجاً بالخضوع والخوف والتعظيم الذي لا يجوز أن يكون إلا لله .

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله ، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً ولم يدخلهم في الإسلام ، فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله ؟ وكيف بمن أحب الند وحده ولم يحب الله ؟؟ )
-----------------------
1 – قال د. يوسف القرضاوي في كتابه (الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي تحت عنوان حركات التجديد والدعوة وأثرها في الصحوة - دار الصحوة للنشر والتوزيع- القاهر - ص 32 ):

( أن الصحوة المعاصرة التي نشهد آثارها ومظاهرها اليوم ، لم توجد من فراغ ، ولا ولدت دفعة واحدة ، ولا كانت " نباتاً شيطانياً " ظهر وحده ، بغير زراع ولا راع كما تصور بعض الناس .
إن هذه الصحوة امتداد وتجديد لحركات إسلامية ، ومدارس فكرية وعملية ، قامت من قبل ، انقرض بعضها ولا زال بعضها قائماً بصورة ، أو بأخرى حتى اليوم ، حركات قام عليها رجال صادقون ، حاول كل منهم أن يجدد الدين ، أو يحيى الأمة ، في بقعة معينة أو أكثر من بقعة من أرض الإسلام ، أو في جانب معين أو أكثر من جانب من جوانب الحياة ، في الاعتقاد أو الفكر أو السلوك .
يذكر التاريخ منهم مجدد الجزيرة العربية باعث الدعوة السلفية ، خريج المدرسة الحنبلية الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ /1792 م) الذي قامت على أساس دعوته الدولة السعودية . )
موقف الشيخ محمد قطب
قال الشيخ محمد قطب في كتابه ( هلم نخرج من ظلمات التيه! - دار الشروق 1415 هـ ص 26 ) ( ولقد كان العدو المتربص يستشعر أن اليقظة يمكن أن تحدث . . فقد كانت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العربية نذيرا شديد لهم أن الأمة يمكن أن تصحو وتنفض عنها ما وقعت فيه من البعد عن حقيقة الدين . . وعندئذ ماذا يكون من أمر الحملة الصليبية ؟ وكيف يواجه الصليبيون الجدد أمة مجدّدة الإيمان كأمة صلاح الدين ؟ !.

لذلك فقد حالوا كبت الحركة الوهابية في مهدها ، وأغروا بها محمد علي وأبناءه ليحاول القضاء عليها . . وأسرعوا في الوقت ذاته في دفع الأمة إلى التيه . . لكي تزداد بعدا عن طريق النجاة . . )
-----------------------
قال الشيخ محمد قطب في نفس المصدر السابق ص 59 بعد أن تحدث عن الحملة الفرنسية على مصر وإدعاء البعض أنها مفتاح الخير لمصر وللمنطقة كلها من حولها وأنها كانت باعث "النهظة ): أما اليقظة السليمة الصحيحة فقد كانت وشيكة دون تدخل الحملة الصليبية ، فقد كانت حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هى البشير الحقيقى بيقظة الأمة من غفوتها ، ومعاودة السير في الطريق .. )
-----------------------
وقال أيضا الشيخ محمد في نفس المصدر السابق ص 77 -78 : ( يحسب بعض الناس أن الصحوة لم تكن إلا رد فعل لهذا الفشل في جميع الميادين . . فشل النظم المستوردة و" الزعماء " المزيفين الذين صُنعوا على عين الغرب ، ونُصّبوا ليقوموا بالإفساد.
ولا ينكر أحد أن هذا الفشل كان من المحفزات للصحوة . .
ولكن الناس ينسون أن الجذور الحقيقية للصحوة كانت سابقة على استيراد النظم وفشل الزعماء . . فقد كانت الحركة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتصحيح العقيدة هي الباعث الحقيقي ليقظة العالم الإسلامي ، على الرغم من كل الجهود التي بذلت لمحاولة كبتها والقضاء عليها .
ولقد بدا - لفترة من الوقت - أن الدعوة قد حُصرت وسُدت عليها المنافذ فلم تعد قادرة على الامتداد . . ولكنها لم تكن دعوة ذاتية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في داخل الجزيرة العربية حتى يسدوا المنافذ عليها ويكتموها . . إنما هي هي الدعوة التي قال الله عنها : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها . . } .
دعوة تمتد بما أودع الله فيها من الحق ، وما أودع فيها من القوة ، وما أودع فيها من البيان ، يحملها قلبٌ مؤمن فتشتعل في قلبه ، فتمد إشعاعها في الآفاق . .
وحين يحاربونها فقد تسكن حركتها إلى حين . . ولكنها تعود فتؤتي أكلها بأمر الواحد القهار.. )
-----------------------
قال الشيخ محمد قطب في كتابه ( كيف نكتب التاريخ الإسلامي – دار الشروق – الطبعة الثانية – ص235 - 236 ) :

( إننا نهتم كثيراً بالصحوة الإسلامية ، وندعو إلى إفراد فصل مهم لها عند إعادة كتابة التاريخ . . لجملة أسباب .

أولاً : لدلالتها الكبرى على أن الإسلام لم ينته كما زعم الزاعمون !
فقد كان أناس قد زعموا أن الإسلام قد انتهى منذ الخلفاء الراشدين ! وقد فندنا زعمهم في الفصول الأولى من الكتاب ، وقد بينا أن حركة انسياح المسلمين في الأرض ، ودخول شعوب بأكملها في دين الله ، هي وحدها دليل كاف على أن الإسلام لم يكن قد انتهى بفتنة مقتل عثمان ، و لا بالنزاع بين على ومعاوية، ولا بانتهاء فترة الذروة ، فقد كان باقيا بحيويته وفاعليته وقدرته على الامتداد في الأرض لا في صورة نظريات ولا شعارات ، ولكن صورة واقع تحمله أمة وتتحرك به .

وكان أناس قد زعموا أن الإسلام قد انتهى بانتهاء الدولة العربية الأموية ، وأناس زعموا أنه انتهى بنهاية العصر العباسي ، وأخيراً فقد ظن أناس أن الإسلام انتهى بنهاية الخلافة العثمانية وأصبح من ذكريات التاريخ . وهؤلاء الأخيرون كانوا أشد الناس اقتناعاً بصدق ظنهم ، لأن كل الدلائل كانت أمامهم ، فلا الوجود السياسي للإسلام قد بقي في الأرض ، ولا الوجود الفكري ، ولا الوجود الأخلاقي ، ولا حتى الوجود التقليدي الذي كان محافظاً عليه في القرنين الأخيرين من الدولة من الدولة العثمانية بالرغم من الموت الذي كان قد سرى في كل جانب من حياة الأمة الإسلامية . .
ولكن هذه الظنون كلها لم تكن صحيحة . .
فلم ينته الإسلام في أية أزمة من أزماته الحادة بما فيها تلك الأزمة التي كادت تقضي عليه ، لأن قدر الله الغالب أن يبقي هذا الدين في الأرض إلى يوم القيامة . . وحين يقدر الله أمراً فإنه يهيئ له أسبابه :
{ إن الله بالغ أمره ، قد جعل الله لكل شئ قدراً } .
والأسباب التي هيأها الله لبقاء الإسلام حياً بعد أزمته الحادة الأخيرة هي الصحوة الإسلامية .
والحق أن الحركة الأم لهذه الصحوة كانت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية ، ولو قدر الله للأمة أن تستيقظ على هدي هذه الحركة لتغير التاريخ . . ولكن الأمة – في حينها – لم تكن على استعداد لأن تصحو ! كانت غارقة في السبات العميق ، فخيل إليها حينئذ أن صيحة الشيخ المجلجلة كانت كابوساً مزعجاً ، سرعان ما أصمّت عنه أذنيها ، وأغمضت عينيها مرة أخرى وأسلمت نفسها للرقاد !

ووقع الصدام بين حركة الشيخ وبين الأمة الغافلة في قضيتين اثنتين على الأقل ، قضية الصوفية ، وما حولها من عبادة الأضرحة والأولياء والمشايخ والتشبث بالخرافة ، وقضية التوسل برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فضلاً عمن هم دونه من موتى المسلمين . . وكانت كلتاهما من المسلمات عند الناس ، التي لا يجادل فيها إلا خارج من دينه ! فوقع الصدام حاداً بين ما يدعو إليه الشيخ من تصحيح العقيدة ، وبين ما كان يري الناس وقتها أنه هو العقيدة الصحيحة ! ثم جاءت الظروف السياسية فمدت فترة الانحراف في حياة الأمة إلى حين . فقد وُجد من يغري السلطان بالحركة على أساس أنها تمرد سياسي وليس حركة تصحيحية يراد بها إخراج الأمة من ضلالاتها وردها إلى الدين الصحيح .
ويخطر في ظني – وإن كان هذا أمراً يحتاج إلى تحقيق تاريخي ليس بين يدىّ الآن أدواته – أن الصليبية الصهيونية كان لها دور في إيغار صدر السلطان على الحركة ، لأن محمد على – صنيعة فرنسا – عرض نفسه وخدماته للقضاء على الحركة الوهابية في الجزيرة ، فاستخدمه السلطان بالفعل . . ومحمد على لم يكن يحب السلطان . وهو الذي حاربه بجيوشه التي دربتها فرنسا وسلحتها ، وكاد يتغلب عليه في لإحدى المعارك ولم يكن يحب الإسلام ، وهو الذي بدأ تيار التغريب في مصر بتوجيه فرنسا ! لذلك يخطر في ظني أن فرنسا – وكان لها حظوة عند السلاطين منذ سليمان القانوني – هي التي أغرت السلطان باستخدام محمد على وأبنائه في القضاء على تلك الحركة الخطرة التي يمكن إن توقظ المسلمين ، بينما الصليبية الصهيونية تُعدّ لذبحهم وهو غافلون !
وأيّا كان الأمر ، فقد بدا – إلى حين – أن الحركة قد ماتت في مهدها ، وانحصرت في داخل الجزيرة العربية . وكان هذا وهما آخر من الأوهام المتعددة التي توحي بالموت وتُعرض عن بشائر الحياة ! إنما كانت الحركة تنبض بالحياة الكامنة في قلبها ، حتى أتاح لها قدر الله أن تنشر فروعها في حركات اليقظة الإسلامية التي تمثل الصحوة الإسلامية المعاصرة ، وتمتد إلى كل أرجاء العالم الإسلامي . . )
موقف الشيخ محمد الغزالي

قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه (الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر –مكتبة وهبة – الطبعة الثالثة – 1410 هـ ص 52 ) :
( ومع أننا نعيب على العرب تقاعسهم في خدمة الثقافة الإسلامية الصحيحة إبّان هذه القرون الهامدة من الحكم التركي ، إلا أننا نذكر أن الحركة الوحيدة التي نهض بها العرب لإصلاح العقائد والعبادات ومحو ما شابها من زيغ وانحراف قاومتها الدولة بالسيف حتى أجهزت عليها . . نعني حركة الإصلاح التي قام بها محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب ... )
-----------------------
قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه مائة سؤال عن الإسلام - الناشر دار ثابت للنشر والتوزيع - الطبعة الرابعة : محرم 1410 هـ - أغسطس 1989 م - ص 313 :
( رفع محمد بن عبد الوهاب شعار التوحيد ، وحق له أن يفعل ! فقد وجد نفسه في بيئة تعبد القبور ، وتطلب من موتاها ما لا يطلب إلا من الله سبحانه ..
وقد رأيت بعيني من يقبلون الأعتاب ويتمسحون بالأبواب ويجأرون بدعاء فلان أو فلان ، كي يفعل كذا وكذا ! ما هذا الزيغ ؟ ما الذي أنسى هؤلاء ربهم ؟ وصرفهم عن النطق باسمه والتعلق به ؟ وماذا يرجو العبيد من عبد مثلهم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ؟ إنه لو كان حيا ما ملك لهم شيئاً ، فكيف وهو ميت ؟ .. )
موقف الشيخ سلمان بن فهد العودة

قال الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على موقع الإسلام اليوم في كتابه (جزيرة الإسلام - مكتبة الرشد ناشرون - الطبعة الأولى - ص 59 ) :
( أن لهذه الجزيرة من العلم والعلماء والتجديد والمجددين أوفر نصيب عبر الزمان : ولقد كان كثير من أهل العلم يجاورون بمكة أو بالمدينة ، وقلّ أن تجد عالماً إلا دخل أرضها ، وزارها وأقام فيها . ولعل ختام المسك دعوة المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التي أنعم الله بها على هذه الجزيرة ، وجدّد لها بها دينها.

وقال في نفس المصدر السابق ص 60 :
أما هذه الجزيرة فإنها منذ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى اليوم لا تزال تعيش - إجمالاً - أوضاعاً جيدة ، وتنتقل من خير إلى خير ، ولا يزال العلم والعلماء، والدعاة ، وطلبة العلم ، والحلقات والدروس العلمية قائمة على قدم وساق ، لم يمر بها خلال ذلك فترة ركود أو خمول أو انهيار ، ولم تمن بتسلط الفساد والمفسدين علانية . وإنها لنعمة كبيرة : أن يسبق تيار الخير تيار الفساد . )
قال سفير ألمانيا في السابق بالرباط د.مراد ويلفريد هوفمان الذي اعتنق الإسلام عن رغبة واقتناع في كتابه ( الإسلام كبديل - مكتبة العبيكان- الطبعة الثانية ص - 70) :

( ومن الطبيعي أن ذلك التدهور الذي تلا ازدهار الحضارة الإسلامية ، لم يكن كله ظلمات بعضها فوق بعض ، فقد أطلت هنا وهناك بارقة من بوارق العبقرية الإسلامية ، وخاصة في مجال الفقه وعلوم الدين ، والأدب وفن المعمار ، ووعت ذاكرة التاريخ روائع معمارية مثل تاج محل (1634) ، والمسجد الأزرق الكبير في استانبول الذي شيد في ذلك الوقت نفسه ، وحفظت تلك الذاكرة أسماء شخصيات لها وزنُها مثل الهندي العلامة الشيخ ولي الله ( 1703 - 1763 ) ومحمد بن عبد الوهاب (1703 - 1787) في الجزيرة العربية ، وأمادو بامبا (1850 - 1927) في السنغال ، وغيرهم من الرواد الأوائل لحركة الإصلاح المستند إلى الأصول ومذهب السلف الصالح . )

وقال في نفس المصدر السابق ص 107 :
( ولقد قام بإحياء الإسلام إتّباعاً للإمام أحمد بن حنبل أئمة تالون له ، منهم الشيخ ولي الله (توفى عام 1763 م) ، ومحمد بن عبد الوهاب ( توفي عام 1787 م) ، وهو مجدد الدعوة ، والسنوسي والحركة السنوسية الليبية في الثلاثينات ، والإخوان المسلمون في مصر ، والجماعة الإسلامية الباكستانية . )
موقف الشيخ سفر الحوالي

قال الشيخ سفر الحوالي :
( والخلاف في مسألة الإيمان -مع كونه أول خلاف في الملة- ظل من أعظم قضايا الخلاف بين هذه الأمة في عصورها كلها، وفي مطلع العصر الحديث أصبحت أعظم القضايا التي تشغل بال هذه الأمة، وذلك منذ أن ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التي أعادت الحنيفية جذعة نقية. )

الـمـصـدر من كتاب: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
http://www.alhawali.com/index.cfm?fuseaction=paragraphs&paragraphid=153 (http://www.alhawali.com/index.cfm?fuseaction=paragraphs&paragraphid=153)

رساوي وبكل فخر
29-11-07, 01:01 PM
رأي الأديب د- مصطفى الرافعي بالإمام المجدد
د- مصطفى صادق الرافعي . . الذي سار بنا في كتابه الرائع [ الدعوة والدعـاة في الإســلام ] .. يدور حول ما أُحبه وأعشقه . . إنها فاكهة القارئ ،
وأُنس المتابع ، وقدوة الباحث ، وحكاية الزمان . . إنه ما قال عنه الإمام أبو حنيفة النعمان –رحمه الله تعالى- : إن السير أحب إلينا من كثير من . الفقه . . فالسير مدرسة الفقه . . وعلم التاريخ . . وتجارب الحياة .
وحكاية الزمان . . والحكايات التاريخية . . عهدتها على الرواة . . ما . لم يتهم . . وهكذا تجلت ريشة الدكتور الرافعي لترسم الحديقة الغناء .
في كتابه آنف الذكر . . واختار عدد من الدعاة والعلماء . . ومنهم الإمام المجدد . .

والسبب لتأليف هذا الكتاب: ( فمن أجل حركة توعية رائدة ، ومن أجل تجهيز دعاة إسلاميين ذوي جدارة وأهلية ، لمواجهة النكبات التي تتوالى على الإسلام والمسلمين منذ أكثر من خمسة قرون ، أقدم هذه العجالة عن بعض الدعاة السابقين المؤهلين "رجال الإسلام" عسى أن يكون فيها بعض ما ينير الظلمات التي تكتنف حياتنا ،وتلف مجتمعاتنا ، وعسى أن تنشأ بوادر انتفاضة صحيحة تقوّم الاعوجاج ، وتزيح أستار الضلالة ، وتدفع بعربة الإسلام في طريق المجد والتقدم)

ومن القدوات لأبناء هذا الجيل إمام الدعوة السلفية المجدد محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله تعالى- ولنقف مع أديبنا د- مصطفى صادق الرافعي والإمام محمد بن عبدالوهاب .. حيث قال:

الدعوة السلفية
عاش الشرق الإسلامي زهاء خمسة قرون من عمر الزمن ، ينعم في بحبوحة ونعيم ، وحضارة وارفة الظلال ، بفضل نور الإسلام الوهاج الذي عمّم خيراته على كل أرض ، ونشر هدايته لكل قبيل.

بعدها اعتراه الوهن والضعف ، فمر في عهود سوداء ، وحاقت به ظلمات حالكة ، فتقلصت هداية الإسلام عن أرضه أو أوشكت ، وأصبح تراث المسلمين نهباً مقسماً بين شذاذ الأمم ، وذئبان الشعوب ، يستغلون علومه ويستأكلون حضارته ، فسيطر على بلاده الغربيون ، فأذاقوها من العذاب أقسـاه ، ومن الألم أشده ، حتى انحدرت بلاد المسلمين إلى هوة عميقة من الضعف والتخلف والانحطاط.

ثم ما إن أطلّ القرن الثامن عشر ، حتى انطلقت صيحة واعية مؤمنة من قلب الجزيرة العربية ، تهيب بالمسلمين أن يتحرروا من الشوائب التي اعترت عقائدهم ، والخرافات والأباطيل التي شوّهت دينهم ، وأن يعودوا في جميع شؤون حياتهم إلى ما كان عليه حال السابقين الأولي من أسلافهم.

وكان مرسل هذه الصيحة ، الداعي إلى الله على بصيرة القائد الفذّ ، محمد بن عبدالوهاب ، وإليه تنسب "الحركة السلفية" التي دعت إلى إصلاح النفوس ، واستعادة مجد الإسلام ، فظهرت بظهورها تباشير صبح جديد ، فيه كل معاني الصباح ، من نور وضياء ، وإشراق ولألاء ، فأيقظ المسلمين من سباتهم العميق الذي رزخوا تحت وطأته حقباً طويلة من الزمن.

محمد بن عبدالوهاب
ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن محمد (ينتهي نسبه بنزار بن معد بن عدنان) في بلدة "العيينة" من أعمال العارض في نجد عام 1704-1116هـ.
ويروى أن جده سليمان ، رأى في منامه أن ناراً قد خرجت من سرته ، فأضاءت به البوادي ، ففسر له البعض هذه الرؤيا ، بأنه سيخرج من صلبه رجل يهدي المسلمين ، ويبني لهم ملكاً ، ويرفع لهم راية . فكان حفيده محمد بن عبدالوهاب الذي نأتي على مذهبه الآن ، ونستعرض صوراً من جهاده في حقلي الدين والدنيا.

تلقى محمد بن عبدالوهاب علومه في دمشق ، وتشرّب مبادئ الإمام الحافظ حجة الإسـلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية ، وابن عدوة الحنبلي وغيرهم من فحول الحنابلة . ثم رحل إلى بغداد والبصرة والإحسـاء والمدينة والمنورة . وهناك أزداد رياً من موارد المذهب الحنبلي ، وأخذ يفكر في إعادة الإسـلام إلى نقاوته الأولى ، عقيدة الصحابة والتابعين .

وكان منذ نعومة أظفاره ، حادّ الذكاء سريع الفهم والحفظ .

والده هو الشيخ عبدالوهاب وكان مفتي " العيينة" وقاضيها . أما جده سليمان فقد كان مفتياً لجميع الديار النجدية.

وعندما بلغ الشيخ محمد بن عبدالوهاب سن الرشد قدمه والده في إمامة الصلاة . فأخذ يصلي إماماً بالناس . تزوج من بلدته ، وشرع في القراءة ودراسة الفقه على بعض علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وأبرزهم الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سيف النجدي ، والعلامة محمد حياة السندي المدني صاحب الحاشية المشهورة على صحيح البخاري.

ولازم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في البصرة ، الشيخ محمد المجموعي البصري . وكان خلال إقامته في العراق يدعو الناس إلى التوحيد وعبادة الله ونبذ البدع ، وكذلك فعل خلال إقامته "بحريملاء".

وبعد وفاة والدع عام 1153 للهجرة ، بدأ يظهر دعوته ، ويبعث برسائله إلى نجد ، ناهياً الناس عن التعلق بغير الله ، فاستجاب إليه الناس ، وانتشر أمره ، فوفد إليه كثيرون طلباً للعلم.

وتمكن الشيخ محمد من إقناع أمير العيينة عثمان بن معمر بضرورة إزالة الأضرحة والقباب ، فاستجاب الأمير ومعه رجال كثيرون ، حيث تولى الشيخ بنفسه هدم قبة زيد بن الخطاب.

وقد أنكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب الاعتقاد بالأولياء وزيارة القبور والاستغاثة بغير الله ، إلى ما هنالك من بدع وخرافات ، مما جعله من باب الشرك ،واستشهد على صحة آرائه بالآيات القرانية والأحاديث المصطفوية . فثار عليه الناس وشكوا أمره إلى الشيخ سليمان بن محمد بن عريعر حاكم الإحساء والقطيف ، فاستجاب لهم وطلب من عثمان بن معمر إخراج الشيخ من البلدة . فغادرها متوجهاً إلى الدرعية قرب الرياض حيث كتب رسالته المشهورة "التوحيد الذي هو حق الله للعبيد" .

لا يظن أنه أورد شيئاً جديداً عما أورده ابن تيمية ؛ ولكن مهما يكن من أمر ، فإن الله قيض لهذا الداعية المسلم ، رجلاً يدعى محمد بن سعود بن محمد بن مقرن ، وكانت اعصوصبت حول قبائل "القنوب" و"العنزة" وهي القبيلة التي ينتسب هو إلى أحد أفخاذها من ولد علي ، فتولى زعامتها ولقب بالأمير.

وقد قبل الأمير محمد بن سعود دعوة محمد بن عبدالوهاب ، وجعلها شعار إمارته ، واتخذ عاصمة له "قصبة الدرعية".

قال الأمير محمد بن سعود للشيخ محمد بن عبدالوهاب حين لقائه به: أبشر إيها الشيخ بالنصر والمنعة. فقال الشيخ: "وأنا أبشرك إن شاء الله بالأجر والعز ، والتمكين والغلبة ، وهذه كلمة لا إله إلا الله ، من تمسك بها ونصرها ، غنم في الدنيا ، وربح في الآخرة ، وهي كلمة التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأنزلت به الكتب" .

ويقال إن ولد محمد بن سعود، كان شيخاً على "قصبة الدرعية" فكتب كتائب سلحها بالحراب وبنادق الفتيل، وجعل معها طائفة "المراديف" أي ركاب الذلل –مثنى كل خلف الآخر- وأخذ بعد ذلك يغزو البلاد المجاورة ، ويبث الدعوة لعقيدة السلف الصالح.

ومما تجدر الإشارة إليه أن أنصار الشيخ محمد بن عبدالوهاب أطلقوا على أنفسهم اسم "السلفيون" أو المحمديون نسبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم. أما اسم "الوهابيون" فقد أطلقه عليهم أعداؤهم لتنفير الناس عنهم والإيهام بأنهم يسعون لإيجاد مذهب خامس يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة. إلا أن أنصار الشيخ محمد بن عبدالوهاب اشتهروا باسم "الوهابيون" وسميت حركتهم بالوهابية، التي استبعدتها من هذه الدراسة وجعلت مكانها كلمة "السلفية" التي عرفت به منذ قيامها.

أهــداف السلفيـــــة
إذن ، فإن هدف الحركة السلفية الديني ، هو كما أسلفت ، العودة بالمسلمين إلى ينابيع الإسلام الأولى . أما هدفها السياسي ، فكان ينحصر في تقويض الحكم التركي وتحرير الأماكن المقدسة.

وإذا صح الحديث: (( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)) فإنني لا أشك في أن محمد بن عبدالوهاب المولود في مطلع القرن السابع عشر الميلادي هو أحد المعنيين في هذا الحديث النبوي الشريف.

ذلك أن الانحطاط الخلقي في ذلك العصر ، والانحلال الديني ، إلى جانب الاضطراب الشامل في مختلف نواحي الحياة ، وفوق هذا وذاك رجال الدين الرسميون الذين كانت تصنعهم الدولة العثمانية وتبوؤهم المناصب الرفيعة ، لتسيطر بواسطتهم على جماهير الأمة العربية ، على نحو ما كان يصنع الأباطرة الأقدمون مع رجال الكنيسة ، فانتشر الجهل نتيجة لذلك ، وألبس جوهر الوحدانية قشور الصوفية ، وعمّت الأباطيل والخرافات ، واستبيحت المحرمات ، وغابت عن الناس فضائل القرآن ، فصار المسلمون يتمسكون بالقشـور من الإسلام دون اللباب ، ولم تسلم مكة المكرمة والمدينة المنورة مما أصاب سائر مدن الإسلام.

في هذا الجو المليء بالمآسي ، المضطرب النظام ، ظهر محمد بن عبدالوهاب ، يعلنها صرخة قوية بالحق ، مدوية كالرعد ، مقدسة كالإيمان ، بأنه لا يبغي بغير إصلاح المسلمين بديلاً . فاشتعلت نار السلفية ، واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي ، تحضّ المسلمين أجمعين على بناء ما تهدم من أركان دينهم ، واستعادة ما فقد من تليد مجدهم ، وإصلاح نفوسهم وأحوالهم . فبدت تباشير النهضة السلفية في الحقل الديني.

أبعادها السياسيـة
أما في الميدان السياسي، فقد وجد المصلح الإسلامي الكبير محمد بن عبدالوهاب ، أن خلافة المسلمين بعد أن كانت شورى ، أصبحت تزخر بألوان الاستبداد . فلم يرَ بدّاً من الدعوة إلى تقويض الحكم التركي ، فساح في مختلف البلدان ، يعلن غضبته على الخليفة التركي ،ويناشد المسلمين الأولين من أجل العودة بالخلافة إلى ما كانت عليه في أيام الراشدين الأولين.

ولعلّ من جميل صنع الله ، أن شدّ أزره بمحمد بن السعود ، أكبر زعماء نجد وأعظم أمرائها ، فمد إليه يده وحمل منه دعوته . وأمّن ابن عبدالوهاب ، بابن السعود جناحاً عسكرياً قوياً ، حمى به دعوته ، وبلغ غايته.

ولما لحق المصلح محمد بن عبدالوهاب بالرفيق الأعلى عام 1787م . حلّ محله ابن السعود وانتهج نهجه وسار على طريقته حتى استقام أمر المسلمين في تلك الربوع ، وحل العلم محل الجهل ، وقامت الفضيلة مقام الرذيلة ، وعاد الإسلام إلى سيرته الأولى.

تأثيرها على المجتمع
السلفيــــة ، هي أعظم نهضة إصلاحيـة في العصور الأخيرة ، قامت في دنيا العرب وبلاد الهند ، معتمدة في تعاليمها –كما ذكرت- على الأئمة: أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم الجوزية . فنبذت الخرافات ومنعت التبرك بقبور الأولياء وحرمت الاستعانة بغير الله في الأمور العقائدية . أما في الأمور المعيشية ، فقد منعت لبس الحرير وشرب الخمور والتبغ والأفيون.

ونتيجة لاعتقادهم بأن الإسـلام دين الفطرة ، وهو مبني على البساطة ، فقد منعوا الإسـراف في ألوان الأطعمة ، وهدموا المآذن في المساجد والقبب ، بما فيها قبة الرسول في المدينة المنورة[يقصد التي بنيت على القبور،فليعلم! وأما هدم القبة التي فوق قبر الرسول صلى اللع عليه وعلى آله وسلم فهذا غير صحيح]

اضمحلال السلفية سياسياً
من الطبيعي أن يتصدى كثير من الناقدين للحركة السلفية ، شأن جميع المصلحين في العالم عبر العصور ، حيث لم يخلُ واحد منهم من النقد ، لا سيّما إذا ما حاول تسفيه الخرافات التي كان غرسها في نفوي العامة ، الإقطاع الديني بمؤازرة وتشجيع الإقطاع السياسي.

وهذا النقد الذي وجّه إلى المصلح الكبير ، لم ينج منه بقية المصلحين من الدعاة المتأخرين ، أمثال حكيم الشرق السيد جمال الديني الأفغاني والأستاذ محمد عبده والسيد عبدالرحمن الكواكبي .. وكم كنا نتمنى لو أتم الله على المسلمين نعمته ، ومكّن للحركة السلفية ، أن تعم سائر أنحاء الوطن الإسلامي ، وتنشر فيه الإصلاح المنشود ، لولا أن المقدر واقع لا محالة ، فقد غاظ سلطان الترك آنذاك استيلاء ابن السعود على نجد ، ثم على الأماكن المقدسة ، وحرصه على تحقيق أهداف الحركة السلفية في انتزاع الخلافة من يد الترك ، لإعتقاد السلفية أن الترك اغتصبوا الخلافة اعتصاباً ، ومن الواجب أن تعود إلى أهلها العرب [كلام أديبنا غير دقيق فإن السلفيين لم يروا هذا ؛ بل لما رأوا ضياع الدولة في نهاياتها وقمعها لأهل التوحيد وإشادة الشركيات وترويج البدع والحكم بغير ما أنزل الله والصد لأهل التوحيد من الحج رأت أن تجاهدها ونذكر بأن نجد ليست تابعة للدولة العثمانية وهي منطقة مستقلة لعشائر وقبائل منتشرة هناك]
فجهز حينذاك السلطان التركي قائده محمد علي وأحضر له خبرا عسكريين غربيين ، بغية تدريب جيشه وتجهيزه بأحدث الأسلحة . الأمر الذي لم يتمكن معه ابن السعود ،خليفة المصلح محمد بن عبدالوهاب ، من الثبات أمام هذه القوة الجديدة التي أعدتها لمقاومته السلطنة التركية . وقد تمكنت القوة من استرداد الأماكن المقدسة من السلفيين ورد هؤلاء على أعقابهم ، وأسدل الستار نهائياً على دورهم السياسي. [صدق أديبنا ولكن لم يسدل نهائياً بل خرجت كتائب التوحيد في دولتها الثانية حتى أرغمت أنوف المشركين في الأرض سواءً من أهالي كربلاء أو قبورية الحجاز واليمن ، ورفعت الراية بعد ذلك ونسأل الله نصره]

استمرار السلفية الدينية
أما دورهم الديني ، فقد استمرورا ينشرون مبادئ دعوتهم في أوساط الحجاج الذين كانوا يفدون كل عام لأداء فريضة الحج ، فينقلبون إلى أهلهم وبلادهم أكرم سفراء وخير رسل للدعوة السلفية المباركة.

ولا نغالي إذا قلنا: إن هذه الدعوة كانت النواة الأولى لليقظة الإسلاميــة الجديدة التي تعاقب في ما بعد على حمل لوائها مصلحون كثر ، أحدثوا من خلالها انقلاباً هاماً في مفاهيم دينية وسياسية واجتماعية مختلفة.

MARISOLE
29-11-07, 06:39 PM
بارك الله فيك
سرد مهم عن الشيخ محمد عبد الوهاب

الهنـوف
07-12-07, 04:00 PM
بارك الله فيكم، وأحسن الله إليكم .

*أسيرة الذكرى*
07-12-07, 07:11 PM
يعطيك العافيــة

كل الشكــر لك

تحياتي

:)

أم أديم
03-04-08, 06:34 PM
الله يعطيك العافيه