تركي الكاتب
24-11-07, 12:13 AM
ضرب القبيلة بالتيار الإسلامي آخر سلاح الثور الهائج
صحيفة سبق الإلكترونية - نشر بتاريخ 23-11-2007 (http://www.sabq.org/inf/articles.php?action=show&id=460)
إن الناظر والمتأمل في الصراعات الفكرية الجارية إقليميا ً ودوليا ً ليشهد تنامي دور القبيلة والعشيرة ، بل إنه يشهد توجها ً واضحا ً لإعطاء القبيلة أدوات سلطوية لم تكن تحلم بها من قبل ، ففي المملكة العربية السعودية تم إلغاء الإصطفاف القبلي في جميع المجالات منذ عهد الملك عبدالعزيز ، فلم نسمع يوما ً إلى عهد قريب ملتقيات ثقافية تخص قبيلة معينة ولم نسمع مهرجانات أو تجمعات لقبيلة أخرى .
وكانت فكرة إلغاء الإصطفاف القبلي حكيمة جدا ً إذ أن الإصطفاف القبلي البعيد عن المقومات العلمية والأكاديمية والمهنية يعني إشعال نار التعصب العرقي المرفوض في بيئة إسلامية يجب عليها أن تؤمن أن الرابط الحقيقي بينها هو رابط ديني يتساوى فيه جميع المسلمين طبقيا ً مهما اختلفت أعراقهم .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي : ما الذي حدث ؟ وما الذي جعل الإصطفاف القبلي يعود بشكل مخيف مع تصادمات غير مرغوبة بين العلماء والمثقفين والقبليين إن صح التعبير؟ .
لكي نجيب على هذا السؤال يجب علينا أن نأخذ السياق الفكري والسياسي التاريخي بعين الإعتبار حتى لو كانت نظرتنا له بسيطة ، علنا نخرج بنتيجة وتفسير واضح .
أول هذه السياقات النقلة النوعية في الحياة السياسية في السعودية ، هذه النقلة أتت على
شكل انتخابات المجلس البلدي ، حيث أن ما افترضته الحكومة هو انتخابات يتقدم مرشحيها على أساس مستقل بعيدا ً عن الإنتمائات الفكرية والأيدلوجية بل وحتى القبلية ، فمنع نظام انتخابات المجلس البلدي التحالفات كالتي تكون في فكرة الأحزاب ، إلا أن هذا النظام قد بدى هشا ً وبسيطا ً أمام قوة الحركية الإسلامية التي عملت بقوة على تحالفات بدت بارزة وواضحة في عدة مناطق ، وبلا منافسة أصلا ً انبهر المراقب بفوز كاسح للحركية الإسلامية المنظمة في الإنتخابات البلدية الاولى في السعودية حتى في أكثر مناطق المملكة انفتاحا ً كمنطقة جدة فاز الإسلاميون واكتسحوا جميع المقاعد فيها .
هذه الإنتخابات جعلت المراقب السياسي يوقن ويتأكد أنه لا أمل في مواجهة الحركة الإسلامية التي تتشكل حسب قالب الواقع الذي تعيشه فكان لزاما ً على القوى الليبرالية والغير راغبة في صعود الإسلاميين بهذه الطريقة إلى إيجاد عدو لدود لهذه الحركة الإسلامي فكانت القبيلة .
يتسائل البعض لماذا تجند القوى الليبرالية والغير راغبة في صعود الإسلاميين القبيلة ؟ ماهي مصلحتها ؟ وماهي دوافعها ؟
الجواب يبدو واضحا ً لكل مراقب للساحة السياسية في الوقت الراهن ، فالجميع يعلم أن الانتخابات البلدية هي مقدمة لسلسة من التغيير السياسي المتمثل لاحقا ً في انتخابات تشمل مجلس الشورى السعودي ، وقد صدق أحدهم عندما قال التفسير التالي قبل الانتخابات البلدي عندما رأى النشاط الإسلامي القوي في الساحة قال : أن الإنتخابات البلدية طـُعم للشعب لكي تُعرف توجهات المجتمع ثم أردف قوله بأن فوز الإسلاميين لن تتبعه انتخابات نيابية إلا بعد استحداث غريم قوي يوقف هذا المد الحركي الإسلامي ، ولو أن الإسلاميين تجاهلوا الانتخابات البلدية ولم يشاركوا فيها بهذا الزخم والقوة لما شهدنا ميلاد القبيلة .
هذا السياق وهذا التفسير تدعمه عدة روافد منها ما حدث مؤخرا ً من فتاوي لكبار العلماء بحرمة الإصطفاف القبلي في مهرجانات مزاين الإبل كفتوى الشيخ المنيع والشيخ البراك والشيخ الراجحي وقد شهدنا خروج عدد ممن يسمون أنفسهم بالأكاديميين القبليين يقولون أنهم سيرفعون قضايا ضد المشائخ المفتين حول القضية بتهم تتعلق بالإساءة للقبيلة ، ثم سمعنا كذلك تحذير غير مباشر من الشيخ الدكتور ناصر العمر من الفتنة والإنشقاقات داخل المجتمع ، فهل نجحت القوى الصانعة للقبيلة في دس الإسفين بين العامة لكي يخرج لنا قطبين يُطلق على أحدهما لاحقا ً ( إسلامي ) والآخر ( قبلي ) ؟
وهنا يمكننا استقراء حاضر شبه مخيف وغير مرغوب به وهو أن القبيلة ستفوز في أي استحقاق قادم ولعل أقربه انتخابات المجلس البلدي القادمة ، فهل تكون انتخابات المجلس البلدي القادمة معيارا ً يتم من خلاله الحكم بصلاحية منافس التيار الإسلامي الجديد ؟
سؤال قد يوجهه لي أحدهم قائلا ً وماهي مصلحة الليبراليون ؟ ماهي مصلحة التيارات الغير راغبة بالتيار الإسلامي ؟ كيف سيكسبون من خلال صنع تيار قوي محافظ يتعارض مع أغلب توجهاتهم ؟
من هنا يجب أن نقول كلمة حق فالحداثة حين ظهرت في السعودية كانت مختلفة جذريا ً مع فكرة القبيلة ، وفكرة الإصطفاف القبلي ، والليبرالية اليوم ماهي سوى امتداد للحداثة من وجهة نظري ، إذا ً لا مجالات للإلتقاء بين الليبرالية وبين القبيلة خصوصا ً إذا ما أيقنا أن القبيلة في وجهتها العامة محافظة ملتزمة بمعايير معينة تعارض التحرر الثقافي السلطوي .
ولكن القبيلة لا تقارن أبدا ً بالحركة الإسلامية القوية فإذا سقطت الحركة الإسلامية لا سمح الله فسيتطيع الليبراليون منافسة القبيلة بدل أن يبقوا في الهامش أمام التيار الإسلامي الكاسح .
وخلاصة استقراء الأمر من خلال هذا السياق تقول بأن صنع القبيلة عبر مهرجانات الإصطفاف المشهودة ماهي سوى أمر مدبر وليس صدفة ، وأن إسقاط الحركة الإسلامية عبر صنع القبيلة في أي استحقاق انتخابي قادم هدف ليتم شرذمة المجتمع إلى عدة تيارات كل تيار يمثل قبيلة تتنافس هي و الأخرى على المواقع الثقافية والمقاعد الانتخابية ، وقد ينافس الليبراليون حينها على شيء من الكعكة ، ولسان حالهم يقول : خصومة القبيلة خير وأهون من خصومة سلفهم .
السياق الثاني للقضية يظهر أكثر عتمة ، ويظهر بمظهر قاتم شديد السواد قبيح المظهر ، ويكمن في الخطة الأمريكية الجديدة التي ظهرت جليا ً في العراق وأفغانستان ، وهي شراء ذمم القبائل واستخدامها كأداة ضاربة لتنفيذ مشاريع تخدم المشروع الأمريكي في المنطقة ، وقد يقول قائل أن القبيلة في السعودية عندها أنفة وعزة وكرامة لن تجعلها يوما ً أداة بيد الأمريكان ، فالرد عليه بعدة أمور وحقائق أولها تشابه العادات القبلية بين عشائر العراق وقبائل السعودية ومع ذلك تمت شراء قبائل العراق بثمن بخس دراهم معدودة وقد يقول قائل أيضا ً أن العراق وضعه يختلفه كونه يعاني احتلال فأقول أن هذا يعزز من مطالبة القبيلة في الاستقلال والحرية ومع ذلك كله تمت شراءها بثمن بخس ، أما الأمر الآخر هو أن الولايات المتحدة قد لا تستخدم القبيلة في السعودية بشكل مباشر أي كأداة مباشرة لعدم وجود أرضية مناسبة لذلك ، ولكنها ستلعب على وتر التشرذم القبلي وضعف الحركة الإسلامية التي تخشى أمريكا قوتها في الخليج عامة وأنه لا خلاص من التطرف الإسلامي في الحركة الإسلامية سوى بشرذمة المنطقة وفق انقسامات جديدة يكون عنوانها القبيلة .
ودلائل القضية هي تجنيد الولايات المتحدة لقبائل العراق وبعض قبائل أفغانستان ومن تابع الأخبار في اليومين الفائتين يجد خطة أمريكية جديدة لتجنيد قبائل باكستان ومن هنا يمكننا الاستشهاد إذ أن أنموذج العراق وأفغانستان أنموذج قد يرفضه البعض كونه بلد محتل بيد أن نموذج باكستان مختلف فهو بلد مستقل ومع ذلك نجد الخطط الأمريكية لتجنيد القبائل تتبعه .
وكل هذه المشاريع الأمريكية بحجة محاربة الإرهاب والتطرف وإرساء السلام والتواصل والتسامح و بقية الشعارات التي ترددها الولايات المتحدة ويرددها أيضا ً بعض الببغاوات عندنا في المنطقة .
تفسيري للحدث على المستوى الدولي لا يخلو من أدلة واضحة للعيان ، ولأكون أكثر صراحة فمهرجان مزاين قبيلة عتيبة هو مهرجان اجتماعي مناطقي لا يرتفع أبدا ً إلى المفهوم الدبلوماسي أو الدولي ومع ذلك لم تفوّت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة السانحة واقتنصت الهدف ، فقام نائب السفير الأمريكي في الرياض بزيارة للمهرجان وهرول إلى كثبان نجد ، فهل كان يرغب بمشاهدة جَمَال الإبل المغاتير والمجاهيم ؟ بالطبع لا ، بل مباركة وتحية لهذا الإصطفاف القبلي الجديد الذي قد يريحهم من الخطاب المتطرف الذي يدعوا عليهم بعد كل صلاة جمعة قائلا ً : اللهم عليك بأمريكا المعتدية ، فيرد جموع المصلين آمين آمين .
وقد كنت أتمنى قليلا ً من الوعي لدى المسؤولين على هذا المهرجان فيرفضون على الأقل زيارة السفير الأمريكي ولكنهم لم يكونوا كذلك هداهم الله .
إذا نحن أمام تفسيران أحلاهما مر حول إعادة الأصطفاف القبلي ، وربما يكون كلا التفسيران صحيح ، وقد تحمل الأيام القادمة ما يؤكد أو ما يبطل ، ولكن بالتأكيد أن الانتخابات البلدية القادمة ستوضح الأمر جيدا ً .
أما الحل فهو متاح ولم يفلت الأمر بعد من اليد فنحن نعلم أن الإسلام نبذ كل اصطفاف و تجمع وعصبية خارجة عن إطاره ، فالتعصب القومي باطل مشروخ منذ زمن ، وكذا التعصب القبلي ورفع منزلته ومقامه فوق مقام إخوة الإسلام باطل لا يصح أيضا ً ، وهنا تقع المسؤولية على المشائخ والدعاة والمصلحون والمربون ، مسؤولية إعادة البوصلة للإتجاه الصحيح وإعادة زرع مفاهيم الأممية الإسلامية والتذكير بهمّ الأمة المسلمة قاطبة ، مع التحذير الشديد من الإنجرار لعداوة تصنعها وسائل الإعلام مع رجال وشيوخ القبائل فهذا هو هدفهم المنشود إذ أن لا نتيجة لهذا الإصطفاف القبلي دون صنع عداوة القبيلة مع المشائخ والدعاة ، وإن استثمار الروح المحافظة لدى القبائل مطلوب مع محاولة التعاون معها حتى تذوب أواصر القبيلة وتختفي في المشروع الإسلامي الكبير .
ويجب التركيز في الخطاب الديني في هذه الفترة على نوعية المفاضلة وطريقتها وتثقيف الناس بها ، فليس الأفضل من كان قبليا ً ويخرج من دائرة التنافس من كان دون ذلك ، بل التقوى والعلم والعمل الصالح ميزان أولي لا جدال فيه ، مع وجوب التحذير شديد اللهجة من الفتنة فإن الفتنة تأتي من مستصغر الشرر وأن التعصب القبلي فتنة وجاهلية في حد ذاته .
http://www.sabq.org/inf/articles.php?action=show&id=460
صحيفة سبق الإلكترونية - نشر بتاريخ 23-11-2007 (http://www.sabq.org/inf/articles.php?action=show&id=460)
إن الناظر والمتأمل في الصراعات الفكرية الجارية إقليميا ً ودوليا ً ليشهد تنامي دور القبيلة والعشيرة ، بل إنه يشهد توجها ً واضحا ً لإعطاء القبيلة أدوات سلطوية لم تكن تحلم بها من قبل ، ففي المملكة العربية السعودية تم إلغاء الإصطفاف القبلي في جميع المجالات منذ عهد الملك عبدالعزيز ، فلم نسمع يوما ً إلى عهد قريب ملتقيات ثقافية تخص قبيلة معينة ولم نسمع مهرجانات أو تجمعات لقبيلة أخرى .
وكانت فكرة إلغاء الإصطفاف القبلي حكيمة جدا ً إذ أن الإصطفاف القبلي البعيد عن المقومات العلمية والأكاديمية والمهنية يعني إشعال نار التعصب العرقي المرفوض في بيئة إسلامية يجب عليها أن تؤمن أن الرابط الحقيقي بينها هو رابط ديني يتساوى فيه جميع المسلمين طبقيا ً مهما اختلفت أعراقهم .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي : ما الذي حدث ؟ وما الذي جعل الإصطفاف القبلي يعود بشكل مخيف مع تصادمات غير مرغوبة بين العلماء والمثقفين والقبليين إن صح التعبير؟ .
لكي نجيب على هذا السؤال يجب علينا أن نأخذ السياق الفكري والسياسي التاريخي بعين الإعتبار حتى لو كانت نظرتنا له بسيطة ، علنا نخرج بنتيجة وتفسير واضح .
أول هذه السياقات النقلة النوعية في الحياة السياسية في السعودية ، هذه النقلة أتت على
شكل انتخابات المجلس البلدي ، حيث أن ما افترضته الحكومة هو انتخابات يتقدم مرشحيها على أساس مستقل بعيدا ً عن الإنتمائات الفكرية والأيدلوجية بل وحتى القبلية ، فمنع نظام انتخابات المجلس البلدي التحالفات كالتي تكون في فكرة الأحزاب ، إلا أن هذا النظام قد بدى هشا ً وبسيطا ً أمام قوة الحركية الإسلامية التي عملت بقوة على تحالفات بدت بارزة وواضحة في عدة مناطق ، وبلا منافسة أصلا ً انبهر المراقب بفوز كاسح للحركية الإسلامية المنظمة في الإنتخابات البلدية الاولى في السعودية حتى في أكثر مناطق المملكة انفتاحا ً كمنطقة جدة فاز الإسلاميون واكتسحوا جميع المقاعد فيها .
هذه الإنتخابات جعلت المراقب السياسي يوقن ويتأكد أنه لا أمل في مواجهة الحركة الإسلامية التي تتشكل حسب قالب الواقع الذي تعيشه فكان لزاما ً على القوى الليبرالية والغير راغبة في صعود الإسلاميين بهذه الطريقة إلى إيجاد عدو لدود لهذه الحركة الإسلامي فكانت القبيلة .
يتسائل البعض لماذا تجند القوى الليبرالية والغير راغبة في صعود الإسلاميين القبيلة ؟ ماهي مصلحتها ؟ وماهي دوافعها ؟
الجواب يبدو واضحا ً لكل مراقب للساحة السياسية في الوقت الراهن ، فالجميع يعلم أن الانتخابات البلدية هي مقدمة لسلسة من التغيير السياسي المتمثل لاحقا ً في انتخابات تشمل مجلس الشورى السعودي ، وقد صدق أحدهم عندما قال التفسير التالي قبل الانتخابات البلدي عندما رأى النشاط الإسلامي القوي في الساحة قال : أن الإنتخابات البلدية طـُعم للشعب لكي تُعرف توجهات المجتمع ثم أردف قوله بأن فوز الإسلاميين لن تتبعه انتخابات نيابية إلا بعد استحداث غريم قوي يوقف هذا المد الحركي الإسلامي ، ولو أن الإسلاميين تجاهلوا الانتخابات البلدية ولم يشاركوا فيها بهذا الزخم والقوة لما شهدنا ميلاد القبيلة .
هذا السياق وهذا التفسير تدعمه عدة روافد منها ما حدث مؤخرا ً من فتاوي لكبار العلماء بحرمة الإصطفاف القبلي في مهرجانات مزاين الإبل كفتوى الشيخ المنيع والشيخ البراك والشيخ الراجحي وقد شهدنا خروج عدد ممن يسمون أنفسهم بالأكاديميين القبليين يقولون أنهم سيرفعون قضايا ضد المشائخ المفتين حول القضية بتهم تتعلق بالإساءة للقبيلة ، ثم سمعنا كذلك تحذير غير مباشر من الشيخ الدكتور ناصر العمر من الفتنة والإنشقاقات داخل المجتمع ، فهل نجحت القوى الصانعة للقبيلة في دس الإسفين بين العامة لكي يخرج لنا قطبين يُطلق على أحدهما لاحقا ً ( إسلامي ) والآخر ( قبلي ) ؟
وهنا يمكننا استقراء حاضر شبه مخيف وغير مرغوب به وهو أن القبيلة ستفوز في أي استحقاق قادم ولعل أقربه انتخابات المجلس البلدي القادمة ، فهل تكون انتخابات المجلس البلدي القادمة معيارا ً يتم من خلاله الحكم بصلاحية منافس التيار الإسلامي الجديد ؟
سؤال قد يوجهه لي أحدهم قائلا ً وماهي مصلحة الليبراليون ؟ ماهي مصلحة التيارات الغير راغبة بالتيار الإسلامي ؟ كيف سيكسبون من خلال صنع تيار قوي محافظ يتعارض مع أغلب توجهاتهم ؟
من هنا يجب أن نقول كلمة حق فالحداثة حين ظهرت في السعودية كانت مختلفة جذريا ً مع فكرة القبيلة ، وفكرة الإصطفاف القبلي ، والليبرالية اليوم ماهي سوى امتداد للحداثة من وجهة نظري ، إذا ً لا مجالات للإلتقاء بين الليبرالية وبين القبيلة خصوصا ً إذا ما أيقنا أن القبيلة في وجهتها العامة محافظة ملتزمة بمعايير معينة تعارض التحرر الثقافي السلطوي .
ولكن القبيلة لا تقارن أبدا ً بالحركة الإسلامية القوية فإذا سقطت الحركة الإسلامية لا سمح الله فسيتطيع الليبراليون منافسة القبيلة بدل أن يبقوا في الهامش أمام التيار الإسلامي الكاسح .
وخلاصة استقراء الأمر من خلال هذا السياق تقول بأن صنع القبيلة عبر مهرجانات الإصطفاف المشهودة ماهي سوى أمر مدبر وليس صدفة ، وأن إسقاط الحركة الإسلامية عبر صنع القبيلة في أي استحقاق انتخابي قادم هدف ليتم شرذمة المجتمع إلى عدة تيارات كل تيار يمثل قبيلة تتنافس هي و الأخرى على المواقع الثقافية والمقاعد الانتخابية ، وقد ينافس الليبراليون حينها على شيء من الكعكة ، ولسان حالهم يقول : خصومة القبيلة خير وأهون من خصومة سلفهم .
السياق الثاني للقضية يظهر أكثر عتمة ، ويظهر بمظهر قاتم شديد السواد قبيح المظهر ، ويكمن في الخطة الأمريكية الجديدة التي ظهرت جليا ً في العراق وأفغانستان ، وهي شراء ذمم القبائل واستخدامها كأداة ضاربة لتنفيذ مشاريع تخدم المشروع الأمريكي في المنطقة ، وقد يقول قائل أن القبيلة في السعودية عندها أنفة وعزة وكرامة لن تجعلها يوما ً أداة بيد الأمريكان ، فالرد عليه بعدة أمور وحقائق أولها تشابه العادات القبلية بين عشائر العراق وقبائل السعودية ومع ذلك تمت شراء قبائل العراق بثمن بخس دراهم معدودة وقد يقول قائل أيضا ً أن العراق وضعه يختلفه كونه يعاني احتلال فأقول أن هذا يعزز من مطالبة القبيلة في الاستقلال والحرية ومع ذلك كله تمت شراءها بثمن بخس ، أما الأمر الآخر هو أن الولايات المتحدة قد لا تستخدم القبيلة في السعودية بشكل مباشر أي كأداة مباشرة لعدم وجود أرضية مناسبة لذلك ، ولكنها ستلعب على وتر التشرذم القبلي وضعف الحركة الإسلامية التي تخشى أمريكا قوتها في الخليج عامة وأنه لا خلاص من التطرف الإسلامي في الحركة الإسلامية سوى بشرذمة المنطقة وفق انقسامات جديدة يكون عنوانها القبيلة .
ودلائل القضية هي تجنيد الولايات المتحدة لقبائل العراق وبعض قبائل أفغانستان ومن تابع الأخبار في اليومين الفائتين يجد خطة أمريكية جديدة لتجنيد قبائل باكستان ومن هنا يمكننا الاستشهاد إذ أن أنموذج العراق وأفغانستان أنموذج قد يرفضه البعض كونه بلد محتل بيد أن نموذج باكستان مختلف فهو بلد مستقل ومع ذلك نجد الخطط الأمريكية لتجنيد القبائل تتبعه .
وكل هذه المشاريع الأمريكية بحجة محاربة الإرهاب والتطرف وإرساء السلام والتواصل والتسامح و بقية الشعارات التي ترددها الولايات المتحدة ويرددها أيضا ً بعض الببغاوات عندنا في المنطقة .
تفسيري للحدث على المستوى الدولي لا يخلو من أدلة واضحة للعيان ، ولأكون أكثر صراحة فمهرجان مزاين قبيلة عتيبة هو مهرجان اجتماعي مناطقي لا يرتفع أبدا ً إلى المفهوم الدبلوماسي أو الدولي ومع ذلك لم تفوّت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة السانحة واقتنصت الهدف ، فقام نائب السفير الأمريكي في الرياض بزيارة للمهرجان وهرول إلى كثبان نجد ، فهل كان يرغب بمشاهدة جَمَال الإبل المغاتير والمجاهيم ؟ بالطبع لا ، بل مباركة وتحية لهذا الإصطفاف القبلي الجديد الذي قد يريحهم من الخطاب المتطرف الذي يدعوا عليهم بعد كل صلاة جمعة قائلا ً : اللهم عليك بأمريكا المعتدية ، فيرد جموع المصلين آمين آمين .
وقد كنت أتمنى قليلا ً من الوعي لدى المسؤولين على هذا المهرجان فيرفضون على الأقل زيارة السفير الأمريكي ولكنهم لم يكونوا كذلك هداهم الله .
إذا نحن أمام تفسيران أحلاهما مر حول إعادة الأصطفاف القبلي ، وربما يكون كلا التفسيران صحيح ، وقد تحمل الأيام القادمة ما يؤكد أو ما يبطل ، ولكن بالتأكيد أن الانتخابات البلدية القادمة ستوضح الأمر جيدا ً .
أما الحل فهو متاح ولم يفلت الأمر بعد من اليد فنحن نعلم أن الإسلام نبذ كل اصطفاف و تجمع وعصبية خارجة عن إطاره ، فالتعصب القومي باطل مشروخ منذ زمن ، وكذا التعصب القبلي ورفع منزلته ومقامه فوق مقام إخوة الإسلام باطل لا يصح أيضا ً ، وهنا تقع المسؤولية على المشائخ والدعاة والمصلحون والمربون ، مسؤولية إعادة البوصلة للإتجاه الصحيح وإعادة زرع مفاهيم الأممية الإسلامية والتذكير بهمّ الأمة المسلمة قاطبة ، مع التحذير الشديد من الإنجرار لعداوة تصنعها وسائل الإعلام مع رجال وشيوخ القبائل فهذا هو هدفهم المنشود إذ أن لا نتيجة لهذا الإصطفاف القبلي دون صنع عداوة القبيلة مع المشائخ والدعاة ، وإن استثمار الروح المحافظة لدى القبائل مطلوب مع محاولة التعاون معها حتى تذوب أواصر القبيلة وتختفي في المشروع الإسلامي الكبير .
ويجب التركيز في الخطاب الديني في هذه الفترة على نوعية المفاضلة وطريقتها وتثقيف الناس بها ، فليس الأفضل من كان قبليا ً ويخرج من دائرة التنافس من كان دون ذلك ، بل التقوى والعلم والعمل الصالح ميزان أولي لا جدال فيه ، مع وجوب التحذير شديد اللهجة من الفتنة فإن الفتنة تأتي من مستصغر الشرر وأن التعصب القبلي فتنة وجاهلية في حد ذاته .
http://www.sabq.org/inf/articles.php?action=show&id=460