المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضد الذات: سوريا ومأزق النفوذ! 000


حمد الحمد
25-08-07, 05:22 PM
http://www.m5zn.com/uploads/9046cb9ef4.gif

تحدث كثيرون عن التصريحات الكارثية التي أدلى بها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع تجاه السعودية والتي بدورها كان لحلمها وصبرها الطويل على «رعونة» نظام دمشق نهاية جعلها تخرج من صمت حكمتها لتضع نقاط الحزم على حروف المواقف السورية التي أصبحت تأخذ منحى تصاعدياً في خروجها عن الصف العربي على حساب التمدد الإيراني كلما حانت ساعة الصفر في لبنان والعراق وفلسطين فيما يخص الاستحقاقات السورية في البلدان الثلاثة وهي استحقاقات تتضخم ضرائبها السياسية كلما أمعنت دمشق في الغياب والعزلة تبدأ ولا تنتهي من المحكمة الدولية والمقعد الرئاسي في لبنان وصولاً إلى ملف الحدود والأمن والإرهاب في العراق ولا تقف عند مسؤوليتها عن حالة «البلقنة» في فلسطين القضية التي كانت الحصن الأخير في الوحدة العربية كخيار وليس كشعار.

المعلقون على الأزمة السورية أفاضوا في تناولهم لآثارها على القضايا العربية الكبرى وهو أمر مهم فيما يتصل بأهمية دور سوريا الإقليمي سواء في شكله الإيجابي أو السلبي لكني أرى أن من الأهم لمصلحة سوريا وقد ذهبت بعيداً في عزلتها أن يتم تذكيرها بآثار تحولاتها على قضيتها الأساسية وهي الجولان، ومن هنا يمكن القول ان أزمة النظام السوري في عهد الأسد الابن هي أزمة «بنيوية» إذا جاز لي استخدام هذا المصطلح الحداثي النقدي، فالأزمة في جذرها العميق أزمة رؤية سياسية قبل أن تكون أزمة ممارسة لأنها تتعلق بفهم النظام لأولوياته القومية والتي انتقلت من مسألة «التحرر» من «الاحتلال الخشن» المتمثل في استعادة هضبة الجولان المحتلة، وهي مسألة تحظى بالإجماع العربي إلى السعي وراء النفوذ الإقليمي «الاحتلال الناعم» وكأنها صفقة تعويض لاحتلال بآخر وبدعم إيراني يتناقض مع أبجديات الايديولوجية القومية المكون الوجودي للنظام.

ولعل السؤال الأبرز لماذا السعودية وليست مصر أو الأردن مع اتفاق هذه الدول على الخطوط العريضة فيما يتصل بالقضايا الرئيسية في المنطقة؟

الجواب في اعتقادي يولد من قصر بعبدا وبشكل حصري فانتخاب رئيس جديد للبنان هو استحقاق لبناني «مصيري» بكل ما تعنيه الكلمة، ومع ذلك فإن خسارة حسابات سوريا للمعركة الرئاسية في لبنان وهو أمر تدل عليه مؤشرات كثيرة لو تم فسيكون نتيجة منطقية لمقدمات سياسية كان لنظام دمشق اليد الطولى فيها بدءاً من حالة الجمود والتصلب التي مارسها حلفاء سوريا في لبنان والتي بلغت ذروتها حين انسحب الوزراء من حكومة السنيورة وصولاً الى تكريس القطيعة السياسية مع مبادرات الحوار العربية وجهود الوساطة التي كانت تبوء بالفشل مرة بعد أخرى.

وإذا كانت إيران قد نجحت في تحويل حلم الديمقراطية الأمريكي إلى جحيم يومي في العراق فإن تكرار تجربة «الفوضى غير الخلاقة» يمكن أن يغري سوريا لإعادة إنتاجها عبر «عرقنة» لبنان، إلا أن ثمة اختلافاً كبيراً بين الحالتين، فلبنان لا يملك صداماً يمكن الإتكاء على مظالمه والمجتمع الدولي وليس الولايات المتحدة فقط تدعم قوى 14 أذار مما يجعل الشبه العراقي اللبناني شبهاً عكساً إلى الحد الذي يمكن التفاؤل معه بقيام ديمقراطية مثالية في لبنان وتحيله إلى طائر عنقاء ينهض من رماد.