المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أو ... فاستفت ِ قلبك


ijurayan
05-04-07, 08:22 PM
قرأت في جريدة الوطن السعودية قبل أيام تحقيقاً قام به الزميل عضوان الأحمري يتناول سؤالين مهمين يتوقف عليهما مستقبل الأمة: هل يؤخذ بشهادة الجزار أم لا؟. وهل تعتبر شهادة مربي الحمام مقبولة شرعاً أم لا؟
وعلى رغم أن إجابة السؤالين ليست سهلة أبداً، وتحتاج إلى صرف الكثير من الليالي والأيام في التفكير العميق والمراجعة الذاتية! والاتصال بأكثر من صديق، إلا أن الشيخين المشاركين في التحقيق حفظهما الله قد أجابا إجابة شافية سريعة, تبين مدى العلم الذي يمتلكانه، وأنارا بذلك عقول الملايين من القراء الذين مضت بهم أعمارهم وهم في أشد حالات العطش لمعرفة كيفية التغلب على أهم تحدٍ يواجه أمة محمد بعد مقتل عثمان بن عفان, رضي الله عنه وأرضاه.
تقول إجابة الشيخين الكريمين إن شهادة الجزار وشهادة مربي الحمام لا يؤخذ بهما شرعاً. أما لماذا، فلأن الجزار (قد) يصلي بثوبه الذي يبلله الدم وتلتصق به بقايا الذبائح. أما مربي الحمام، فلأنه فاقد للمروءة والشهامة بسبب تعامله مع هذا النوع من الطيور!
إجابة الشيخين طبعاً و(كالعادة) ليست اجتهاداً شخصياً منهما، وإنما موجودة في الكتب التاريخية الصفراء التي ألفت في عصور صفراء لا يعلم مدى اصفرارها إلا الله سبحانه وتعالى.
لكن هل من المعقول أن تصل الحال بمفتيين كريمين إلى أن يلغيا العقل والمنطق (الإسلامي) في مواجهة كتب صفراء كتبتها عقليات صفراء؟!
هل مطلوب منا دائماً أن نعود للكتب التي ألفت قبل مئات السنين لنخرج بأحكام شرعية لأحداث وإشكالات معاصرة؟!
هل يجب أن... مهلاً... مهلاً... قبل أن استمر في سرد الأسئلة يجدر بي العودة من جديد إلى حمى الإجابة العظيمة حول شهادة الجزار. فحسب فهمنا من الشيخ الجليل فإن عدم الأخذ بشهادة الجزار مرده إلى أنه (قد) يصلي بثوبه المتسخ ببقايا الذبائح؟!... جيد ... جيد ... هذا حكم معلق على (قد). تعالوا إذن نعلق عدداً من الأحكام على (قد) ونرى النتيجة:
لا تصح شهادة البائع لأنه (قد) يدلس في البيع.
لا تصح شهادة الخباز لأنه (قد) يسرق الطحين من جاره.
لا تصح شهادة المرأة لأنها (قد) لا تتطهر من حيضها بشكل جيد.
لا تصح شهادة العامل بمصلحة الصرف الصحي لأنه (قد) يدخل المسجد من دون أن يغتسل وينظف جسده من الأوساخ العالقة به!!.
لا تصح شهادة جميع الناس... جميع الناس بلا استثناء لأنهم (قد) و(قد كبيرة هذه المرة) يرتكبون إثماً أو معصية أو ذنباً يجرح إيمانهم.. (إن كان في القلب إسلاماً أو إيماناً) أصلاً!!.
ثم تعالوا بعد ذلك (نقيس) على الرأي الشرعي الثاني حول شهادة مربي الحمام. فمن الواضح أن هناك حكماً استباقياً يغوص في روح ونفس الرجل الذي يربي الحمام... جيد ... جيد ... هيا بنا إلى القياس:
لا تصح شهادة مربي الدجاج لأنه فضلاً عن أنه فاقد للمروءة والشهامة، هو أيضاً مخدوع بنوعية ما يربيه، فهو يقول دائماً إنها طيور، بينما هي جنس معلق بين الطيور والثدييات، فلا هي التي تطير ولا هي التي تلد. وفي هذا هز لشخصية مربيها وتشويش على قدراته العقلية.
لا تصح شهادة مربي الببغاوات لأن في تربيتها اتصالاً كلامياً ما بين الطائر والإنسان، وفي هذا تقليل من شهامة المربي وكرامته.
لا تصح شهادة آكل الطيور (الحمام والدجاج وكل ذات جناح) لأن في ذلك بناءً للجسم البشري اعتماداً على لحم طيور تذهب المروءة والشهامة.
شر البلية ما يضحك والله ... شر البلية ما يضحك! كل ما تقدمنا في بناء أنفسنا خطوة أعادنا بعض بني جلدتنا إلى الخلف خطوات وخطوات. نتحيّن الفرص للدفاع عن علمائنا الأجلاء في كل محفل، وهم في كل محفل يعودون لسيرتهم الأولى.
إن استمر بنا الحال على ما هو عليه، فسنجد أنفسنا في يوم الأيام نبحث عن خلاص أنفسنا في كتب معلقة بيننا وبين عصر النبوة. كتب تحجب النور عنا ولا تسمح لأيٍ كان بتجاوزها إلى أي تشريع آخر حتى ولو كان أمراً محمدياً مثبتاً بنص! وعندئذ الويل لنا والثبور.
لكن ما الحل؟ وكيف لنا أن نعيش الحاضر بكل تعقيداته وإشكالاته تحت هدي النبوة وأضوائها؟
يكون ذلك باستبعاد (حفاظ الأحاديث فقط) و(حفاظ الفتاوى الشرعية الاجتهادية) من حياتنا اليومية واستبدالهم بالمفكرين الإسلاميين الذين يعرفون كيف ومتى وأين ولماذا تطبق الأحكام الشرعية؟
يكون بتجاوز كل ما جاء بعد محمد صلى الله عليه وسلم من تعليقات وحواش وهوامش وآراء وفتاوى إلى المادة الأصلية التي جاء بها سيد الخلق أجمعين.
يكون بتكريس التفكير وإعمال الفكر في المسائل المختلف حولها والبعد عن النقل (العمياني) لفقهاء كان لهم (أو لم يكن) ظروف خاصة واعتبارات زمانية ومكانية.
يكون كل ذلك ... وإلاّ فإن استفتاء القلوب هو الأسلم!
إضاءة:
على رغم أن السؤالين اللذين وردا في أول المقال يبينان مدى هشاشة واقع الإفتاء الإسلامي المعاصر إلاّ أن التقاطهما بهذا الشكل وعرضهما كقضية اختلافية يحسب للصحافي الذي قام بالتحقيق، فقد كشف لقراء جريدته ما وراء الطرح المباشر، بحيث جذب قراء السطور وقراء ما بين السطور، وإن كنت أعتقد أنه كان يهدف لقراء ما بين السطور نظراً لحرفيته العالية



عبدالله ناصر جريدة الحياة - 28/03/07

هيبــة بنيــه
06-04-07, 12:56 AM
جــــــــــــــــــــــــــــــــزاااك الله كل خيــــــــــر

واحد من البشر !!
06-04-07, 01:10 AM
شكرا لك أخي , وأستغرب هذه الفتوى من بعض شيوخنا !! .