المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مجتمع الحب لا الكراهية


awab
10-01-07, 06:51 PM
لابد من توطين نفوسنا على السعي في تقوية وتمتين تماسكنا الاجتماعي بالحب والمودة حتى نصير كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في استعارة جميلة شبه فيها المسلمين في تماسكهم وتعاونهم كالبنيان فقال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" فكل لبنة في البناء تنجذب نحو أختها لتلتصق بها، وأختها تفعل نفس الشيء، فإذا هو تجاذب متبادل بين جميع الأطراف المتجاورة، وإذا نحن أمام قوة واحدة كبيرة تجمعت من امدادات قوى اللبنات، هذا هو الوضع الطبيعي للمجتمع السليم، كما هو في الإشارة النبوية.

ولا يمكن أن يحصل انجذاب، أو تجاذب من كل الأطراف، إلا بالمحبة والمودة المذكورة في الحديث النبوي الشريف "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

وقد أشار إلى هذا المعنى الشيخ خالد محمد خالد بقوله: "وبعد محاولات وجهود، اكتشف الإنسان أن "المحبة" هي القانون الحقيقي لوجوده، بل للوجود كله..!

فالجاذبية، عماد الكون ـ السماوات، والأرضون... الشموس، والكواكب، والنجوم، والأفلاك جميعا.. كلها شاء الله بناءها، وشد أزرها بالتآلف والجاذبية حتى الأضداد التي تتباين خصائصها... تؤلف ذات بينها جاذبية خفية، تجعلها تعمل معا، وكأنها شيء واحد، لا أضداد مختلفة..!

تبين الإنسان أن الحب قوام طبيعته، وجوهر طينته وأنه خلق ليحب، ويحب ليألف ويؤلف."

وهذا المعنى الذي ذكره خالد محمد خالد هو نفسه الذي ساقه ابن تيمية، وغيره من العلماء في عبارة تأصيلية: "والأصل في الوجود الحب والبغض طارئ" فالإنسان خلق ليعمل في الوجود ويعمره بأمر الله وعلى منهجه، وهذا يعني عند علماء الإسلام أنه مطالب بالسير والانجداب نحو الله وهذا السير منذ بدايته هو بذرة حب تتنامى وتكبر وعلى حسب حجمها وكبرها تزداد سرعة السالك وتكثر إنجازاته وتتحسن، لأن الإنجاز الإجابي محبة، والهدم والتخريب بغض وكراهية."

وبنفس الإحساس وبنفس المشاعر الإنسانية الواحدة يعبر الفيلسوف الشاعر "جيته" عن هذا المعنى بقوله: "ليس في العالم ما يجعل الإنسان ضروريا لأخيه الإنسان إلا المودة".

ومن هذا المنطلق نؤكد الرأي القائل أن الحب قيمة القيم، فالقيم الأخرى لا تقوم بذاتها، وأما الحب فهو القيمة الوحيدة التي تقوم بذاتها، أو هو الشيء الوحيد الذي لا يترك لمن يملكه شيئا آخر يرغب فيه.

بالمحبة والتحاب تطيب الحياة وتأخذ قيمتها الحقيقية وتستحق أن نحياها ونحيا لها، لا لشيء، إلا لأن قيم المحبة قد غمرتها.

والحق أنك لا تجد في العالم لذة أصدق ، ولا مسرة أقوى من أن ترى قلبا خالصا ينفتح أمامك، ونفسا كبيرة تنكشف لك.

وعلى من عرف قيمة الحب الوجودية والاجتماعية، وعرف حاجته وحاجات الناس إليه، أن يرعى بذرة الحب بداخله وينميها ويجعلها عملته وبضاعته، بها يعطي، وبها يأخذ، وسيكتشف أن الحب لا يعرف الفرق بين الأخذ والعطاء، فهو يعطي حين يأخذ، ويأخذ حين يعطي، وأن المحب الحقيقي كسبه دائم ومستمر، عند الأخذ وعند العطاء، لأن الحب هو بضاعته الغالية، ولا أغلى ـ عنده ـ منها.

بل إن الحب ـ عنده ـ هو سلاحه ضد البغض والكراهية، لأن تشربه من بحر الحب لم يبق فيه مكانا للكراهية، فيحفر بحبه في ترسبات الكراهية عند مرض الإنسانية.

ليصل إلى نبع المحبة في قلوبهم، فتجده يعطف على أخطائهم وحماقاتهم بشيء من الود والمحبة الحقيقية لهم، بغير تصنع ولا تكلف... وبعد مدة ـ تطول أو تقصر ـ ينكشف نبع الخير في نفوسهم فيمنحوه ـ ومعه المجتمع ـ حبهم ومودتهم وثقتهم.

وصدق الله العظيم ـ الذي بنى هذا الوجود على المحبة وجعل نفسه أصل الحب والتحاب، القائل: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".

كأنه حبيب قريب من قلبك وقريب ـ أنت ـ من قلبه.

awab
10-01-07, 06:54 PM
يسرّ الله – سبحانه وتعالى- لي بفضله خلال الأشهر الماضية لقاء عدد غير قليل من الدعاة ورجالات الإسلام من مختلف الدول الإسلامية- العربية وغير العربية- فكانت هذه اللقاءات فرصة ثمينة للتعرف على تطورات العمل الإسلامي، وتبادل الخبرات والتجارب الدعوية في وقت تعاني فيه الصحوة الإسلامية من أزمة كبيرة في وسائل الاتصال والإعلام، فلا يتيسر للإنسان في كثير من الأحوال أن يتعرف على أوضاع الدعوات الإسلامية إلا من خلال القنوات الإعلامية الرسمية التي تتعمد تشويه الحقائق وتزويرها.

ومن ثم فإن لقاء عدد كبير من الدعاة والمهتمين بالعمل الإسلامي من أقطار مختلفة، وفي أوقات متقاربة، يكون مكسباً عظيماً يثري المعرفة الدعوية، وينضج التجارب العلمية، وخاصة أن كثيراً من الدعوات تعاني من العزلة، إذ إن كل اتجاه إسلامي يشعر بأنه منقطع الصلة بالآخرين، لا علاقة له بإخوانه، ولهذا تراه يبدأ من حيث بدأ غيره، ويعيد التجارب والأخطاء نفسها، بسبب قصوره وجهله حيناً وبسبب عجزه وعدم اطلاعه على مكتسبات الآخرين حيناً آخر.

ولقد سررت جداً بتلك الأخبار التي تواترت عن الانتشار المذهل للصحوة الإسلامية التي فرضت نفسها على الساحة الإعلامية والعالمية، حتى فاق هذا الانتشار والتنامي المتسارع توقعات المحللين والمتابعين، ومراكز الدراسات المستقبلية المتخصصة، على الرغم من كثرة العوائق، وألوان التغريب والعلمنة التي تجتاح العالم الإسلامي، مما يؤكد صلابة هذا الدين وتجذره في بلاد المسلمين.

ولكن.. أزعجني جداً ذلك الصراع العنيف بين فصائل العمل الإسلامي، حتى إنني أحسست بأن الجامع المشترك الأكبر بين جميع الفصائل الإسلامية هو الخلاف، بل الصراع الذي يصل إلى حد الاتهام والتجريح والعداء..!!

ورأيت تسابقاً عجيباً على السباب والشتائم والتراشق بالتُّهم. والتقليل من شأن الآخرين والاستهانة بمنجزاتهم، ويتبع ذلك تزكية النفس والثناء على الذات، والظهور بمظهر المشيخة والأستاذية.

تستمع إلى الداعية فيعجبك حسن منطقه وهدؤه وسلاسة عرضه، وموضوعيته في الحوار، حتى إذا سألته عن داعية من فصيل آخر، أو جاء الحديث عن مواقف الفصائل الأخرى: تفاجأ بأن الموضوعية التي يتميز بها قد تبخرت، وعباراته المهذبة قد انقلبت إلى نقيضه، وعلته الكآبة والضجر. وإذا كان هذا المتكلم مهذباً فإنه يميل إلى التعميم المطلق ويعطي إجابات عائمة لا تفهم منها شيئاً. وكلما توسعت دائرة الحديث ازدادت الهوة وزاد التشنج، وضعفت القدرة على ضبط النفس وغابت المنهجية عند الإنسان..!!

استمعت إلى أحدهم في محاضرة عامة يتحدث عن الأخوة والمحبة، وأخذ يسرد – ببراعة فائقة- النصوص الشرعية في التحذير من الغيبة والنميمة، حتى أَسَر القلوب، وأثَّر في سامعيه تأثيراً بالغاً. ثم اجتمعت به – بعد يومين فقط- في مجلس خاص ضم عدداً من الدعاة، فرأيته يتحدث بلسان آخر عن إخوانه.. أصبح التجريح أول ما ينطلق من اللسان، وأصبحت التهمة والأخذ بالظنة هي الأساس، وتحول الاختلاف السائغ في الرأي إلى أزمة في الثقة!.

سريع إلى ابن العم يلطم خدَّه * * * وليس إلى داعي الندى بسريع!

وبسبب هذه المواقف المحزنة، شعرت بألم شديد، وتساءلت بمرارة: أهذه هي الصحوة الإسلامية التي يرجى أن تحرر الأمة من ذل العبودية، وتنقذها من أسْر التخلف والضياع..؟!

لماذا كل هذا الصراع والخلاف؟!

لا شك بأن بعض الخلاف مبني على أسس علمية وشرعية..ولكن من الشرع أن يكون المسلم سبّاباً فحاشاً يطوي في قلبه سوء الظن والحقد والحسن، ويتقصد الإساءة للآخرين. مع العلم أن كثيراً من الخلاف الدائر في ظني- والله أعلم- ناتج عن أسباب وهيمة مفتعلة ليس لها حظ من الأثر أو النظر، وتُبنى في أغلب الأحوال على أسس حزبية وانفعالات نفسية، إذ إن الولاء- مع الأسف الشديد- للشيخ أو الحزب مقدم على الولاء للمنهج والعقيدة!

وأنا على يقين بأن هذه القطعية المتزايدة لا تودي إلى الضعف والهزال فحسب.. بل تؤدي أيضاً إلى الموات والزوال، وكما قال الله – تعالى- " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ". (الأنفال: الآية 46).

وإذا لم يستطع الدعاة أن يتوحدوا فيما بينهم- على الرغم من وحدة المنهج، فكيف نستطيع جمع الأمة كلها على راية واحدة ؟!

إذا كانت الأهواء والانتماءات الحزبية هي التي تحدد مواقفنا، فكيف نستطيع مواجهة ذلك السيل المتدفق من مكايد الأعداء ودسائسهم ؟!

لقد استعرَت نيران العداوات بيننا، وازداد لهيبها، وأحرقت منا ما أحرقت، ومع ذلك لا تزال الهوة تكبر، والخرق يزداد اتساعاً.

وأقولها صادقاً: حتى متى يكون ذلك..؟

ولست أدعو في هذه المقالة إلى إذابة الخلافات المنهجية، ووضع الرؤوس في الرمال، والاجتماع بأي صورة كانت. ولكنني أنادي الجميع لطرح الخلافات الوهمية، ونسيان الأهواء الشخصية والصراعات الحزبية. وأما الاختلافات العلمية فتُعالج بطريقة شرعية من أهل العلم والاختصاص، بعيداً عن المهاترات والاتهامات، ويكون معيار الحق كما قال الله تعالى: " فإن تنازعتم في شيءٍ فرُدّوه إلى الله والرسول ". (النساء: الآية 59).

إن استعراض مسائل الخلاف، ثم دراسة أسبابها العلمية وجذورها النفسية، ليس مطلباً ثقافياً أو ترفاً معرفياً، بل هو مطلب شرعي لازم لا قوام للأمة إلا به.

ومن المعلوم أننا لن نتفق على كل المسائل، ولكننا بعد الدراسة والتمحيص يجب أن نتفق على مسائل الأصول التي لا يُعذر فيها المخالف، وأما مسائل الاجتهاد فيجب أن تتسع لها الصدور. وما أجمل ما قاله يونس الصدفي: " ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة ؟!.(1)